الشيخ : أما بعد فإننا في الليلة الماضية تكلمنا على أن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن (( ليدّبروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب )) فما معنى التدبر؟
الطالب : التفكر.
الشيخ : التفكّر في معنى القرآن طيّب، وذكرنا أنه يُرجع في التفسير إلى أربعة أشياء؟
الطالب : ... تفسير القرآن بكلام الله كلام الله
الشيخ : نعم.
الطالب : ... تفسير القرآن بكلام النبي صلى الله عليه وسلم، تفسير القرآن بأقوال الصحابة، ... تفسير القرآن بأقوال التابعين من اشتهر عنهم سماع من الصحابة
الشيخ : تمام، الأول الرجوع إلى تفسير كلام الله بكلام الله فما مثاله؟ - أنت اي نعم -
الشيخ : هاه؟ ما تعرف؟ طيب.
الطالب : قوله تعالى: (( وما أدراك ما يوم الدين )) فسرتها (( يوم لا تملك نفس للنفس شيئاً ))
الشيخ : (( وما أدراك ما يوم الدين )) فما هو يوم الدين؟ (( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا )) طيب مثال آخر؟ استريحوا يا إخوان اجلسوا اجلسوا أحسن لكم وللوراءكم.
الطالب : ...
الشيخ : (( وما أدراك ما الطارق ))
الطالب : (( وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب )) طيب وذكرنا مثالين سوى ما ذكره الأخ؟ قم
الطالب : فسره قوله جمعاً أي جميعاً، ذكر معناه ... أي منفرداً
الشيخ : طيب (( انفروا ثبات أو انفروا جميعاً )) لو قال قائل ما معنى ثبات قلنا فرادى لقوله (( أو انفروا جميعاً )) لأن الشيء يعرف بمقابله، طيب يلا ، الذي وراءك؟
الطالب : ...
الشيخ : لا، تفسير القرآن بالقرآن، ذكرنا مثالين مهمّين نعم؟
الشيخ : استرح، نعم
الطالب : لا، (( للذين أحسنوا )) طيب خلطت، إذن أعطني إياها؟
الطالب : تفسير القرآن بالسنة قوله تعالى: (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) فسرها النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة هي النظر إلى وجه الله عز وجل.
الشيخ : تمام، (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) فسرها النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله، مثال آخر؟
الطالب : (( وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة )) في الحديث يقول: ( القوة الرمي ).
الشيخ : فسرها النبي صلى الله عليه وسلم أن القوة هي الرمي، تمام.

الشيخ : تفسير بقول الصحابة لم نذكر له مثالاً لكن نذكره الآن مثاله تفسير الصحابي قول الله تعالى: (( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتّخذها هزواً )) قال ابن مسعود رضي الله عنه " والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء " هذا لهو الحديث الذي يتخذه بعض الناس ليضل عن سبيل الله بغير علم، الرابع؟ المرتبة الرابعة نعم؟
الطالب : تفسير القرآن بأقوال التابعين ... الصحابة
الشيخ : بأقوال التابعين الذين اشتهروا بالأخذ عن الصحابة، ما هي التفاسير التي تعنى بهذا النوع؟اي نعم ، أنت يلاّ؟
الطالب : تفسير الطبري.
الشيخ : نعم،وغير؟ وابن كثير هذا في متناول أيدي الناس والحمد لله وموجودة بكثرة.

الشيخ : بقي في الآية الكريمة (( ليدّبروا آياته وليتذكر أولو الألباب )) هذه الحكمة الثانية من إنزال القرآن أن يتذكر أولو الألباب ومعنى يتذكر أي يتّعظ قال الله تعالى: (( فذكر إن نفعت الذكرى )) أي عظ الناس ينتفعوا بالموعظة وقوله (( أولوا الألباب )) يعني أولي العقول لأن اللب هو العقل وغير ذي العقول لا يتذكرون بالقرآن ولا ينتفعون به ولا يهتدون به بل إذا ما أنزلت سورة فإنها تزيدهم رجساً إلى رجسهم والعياذ بالله قال الله تعالى: (( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون )) فهذا هو الحكمة من إنزال القرآن أن تتفكر في معناه حتى تفهمه ثم تتعظ بما فيه وبهذا تكون منتفعاً بالقرآن الكريم أما مجرد التلاوة ففيها خير وفيها بركة والحرف بعشر حسنات لكن ذلك ليس هو الغاية من إنزال القرآن.

الشيخ : وكان الصحابة الذين تعلموا القرآن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل فأحث نفسي وإياكم على تعلم كتاب الله وفهم معناه والعمل به حتى يكون نافعاً لنا في الدنيا والآخرة.

الشيخ : أما ما نريد أن نتكلم عليه فيما سمعناه من آيات الله في صلاتنا في قيامنا فهو قوله تعالى: (( ص والقرآن ذي الذكر* بل الذين كفروا في عزّة وشقاق )) أولاً قوله تعالى: (( ص )) كلنا نعلم أن صاد هو حرف من الحروف الهجائية أليس كذلك؟ الحروف الهجائية هي ألف باء تاء ثاء إلى آخره معروفة، لو قلت إنها ثلاثون حرفاً فماذا تقولون؟ لو قلت إن الحروف الهجائية ثلاثون حرفاً فما تقولون توافقون على هذا أو لا؟
الطالب : لا.
الشيخ : طيب خمسة وعشرون حرفاً؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا توافقون؟ طيب على أي شيء توافقون؟
الطالب : ثمانية وعشرون.
الشيخ : هي ثمانية وعشرون حرفاً كل اللغة العربية تتكون من ثمانية وعشرين حرفاً صاد أحد الحروف الهجائية فهل لها معنى أو ليس لها معنى؟ ذهب بعض العلماء إلى أن لها معنى وأن هذه الحروف الهجائية التي في أوائل بعض السور رموز لمعانٍ عينوها وقال بعض العلماء الله أعلم بما أراد يعني أن لها معنى لكن ليس معلوماً لنا وقال بعض العلماء ليس لها معنى، ليس لها معنى في حدّ ذاتها وهذا الأخير ذكره ابن كثير عن مجاهد رحمه الله وهو الأقرب أن هذه الحروف الهجائية في حد ذاتها ليس لها معنى وما الدليل؟ الدليل أن القرآن جعله الله تعالى باللسان العربي (( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين )) وهذه الحروف الهجائية باللسان العربي ليس لها معنى وقال الله تعالى: (( إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون )) (( إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون )) وإذا كان كذلك فإننا إذا رجعنا إلى اللغة العربية وجدنا أن هذه الحروف الهجائية ليس لها معنى، وهذا كما رأيتم قول قوي ومناسب تماماً لكون القرآن عربياً ولكن يبقى في قلب الإنسان يبقى فيه إشكال.

الشيخ : كيف تأتي الحروف وليس لها معنى؟ والجواب على هذا الإشكال أن نقول هي ليس لها معنى في حدّ ذاتها ولكن لها مغزى عظيم جداً وهو أن هذا القرآن الذي أعجزكم أيها العرب الفصحاء البلغاء لم يأت بأشياء جديدة مما تركّبون كلامكم منه وإنما أتى بالحروف التي تركبون كلامكم منها، لو أتى بحروف جديدة ليست معهودة في كلامكم لقلتم هذا لا طاقة لنا به لكنه أتى بالحروف التي تركبون منها كلامكم ومع ذلك أعجزكم ولهذا لا ترى سورة مبدوءة بهذه الحروف الهجائية إلا وبعدها ذكر القرآن أو ما يتعلق بالقرآن استعرضوا الآيات معنا سورة البقرة (( آلم * ذلك الكتاب لا ريب فيه )) سورة الأعراف آل عمران (( آلم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزّل عليك الكتاب )) سورة الأعراف (( آلمص * كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه )) يونس (( آلر * تلك آيات الكتاب الحكيم )) هود (( آلر * كتاب أحكمت آياته )) الرعد (( آلمر* تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق )) إبراهيم (( آلر * كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور )) الحجر
الطالب : يوسف
الشيخ : يوسف (( آلر * تلك آيات الكتاب المبين )) الحجر (( آلر * تلك آيات الكتاب وقرآن مبين )) ..
الطالب :مريم
الشيخ : نعم؟
الطالب : مريم.
الشيخ : مريم (( كهيعص* ذكر رحمت ربك عبده زكريّا )) وهذا لا يكون إلا بالوحي، (( طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى )) (( طسم * تلك آيات الكتاب المبين )) (( طس * تلك آيات القرآن وكتاب مبين )) (( طسم * تلك آيات الكتاب المبين ))
الطالب : العنكبوت
الشيخ : العنكبوت (( آلم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين )) هذه ليس فيها ذكر للقرآن لكن فيها الجهاد في سبيل الله الذي به إعزاز القرآن وإرغام الناس لأحكامه (( آلم * غلبت الروم في أدنى الأرض )) ليس فيها ذكر للقرآن لكن فيها ما يتعلق بأمور الغيب في المستقبل وهذا لا يكون إلا بالوحي وهلم جرا إذن فهذه الحروف الهجائية لها مغزى عظيم وهو أن هذا القرآن الذي أعجزكم معشر العرب لم يأت بحروف جديدة وإنما أتى بحروف تركبون منها كلامكم ومع ذلك عجزتم عن الإتيان بمثله.

الشيخ : وقوله تعالى: (( والقرآن ذي الذكر* بل الذين كفروا في عزة وشقاق )) القرآن هو هذا الذي بين أيدينا وأقسم الله به لعظمته والله سبحانه وتعالى يقسم بكلماته ويقسم بمخلوقاته لأنها دالة على عظمته عز وجل فمن الإقسام بمخلوقات الله قوله تعالى: (( والشمس وضحاها )) أقسم بالشمس وبالضحى ومن الإقسام بالآيات مثل هذه الآية: (( والقرآن ذي الذكر )).

الشيخ : فهل لنا نحن أن نقسم بالمخلوقات؟ لا، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) وقال: ( لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ).

الشيخ : ولكن هل يجوز أن أحلف بالرسول عليه الصلاة والسلام؟
الطالب : لا.
الشيخ : الرسول؟ أشرف الخلق
الطالب : لا.
الشيخ : لا يجوز؟ طيب هل يجوز أن أحلف بالنبي أقول والنبي لأفعلن؟
الطالب : لا. لا يجوز
الشيخ : إذن لا يجوز أن نقسم بالمخلوقات مهما عظم قدرها وشرفها لأن ذلك من الشرك.

الشيخ : فإذا قال قائل أليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( أفلح وأبيه إن صدق ) في الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه يقوم بشرائع الإسلام قال: ( أفلح وأبيه إن صدق ) فحلف بأب الرجل وأب الرجل مخلوق أو غير مخلوق؟
الطالب : مخلوق.
الشيخ : مخلوق، والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس إخلاصاً لله وأبعدهم عن الشرك به، فالجواب على ذلك من وجوه: إما أن هذا قبل النهي، وإما أن هذا خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام لأنه وإن حلف بغير الله لا يمكن أن يقع في قلبه تعظيم هذا المحلوف به كما يعظم الله بخلاف غيره، وإما أنه مما يجري على اللسان بغير قصد فهو من لغو اليمين والذي يجري على اللسان بلا قصد لا يثبت له حكم مدلوله ولهذا لما قال معاذ بن جبل للرسول عليه الصلاة والسلام: ( يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال- على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) فقال: ( ثكلتك أمك يا معاذ ) ومعنى ثكلتك أي فقدتك وهل الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو على معاذ بالموت والهلاك قاصداً لذلك؟! لا، فيكون هذا مما يجري على اللسان بلا قصد فلا يكون مترتباً عليه الحكم.
الوجه الرابع: أن في الكلمة تحريفا وأن أصلها أفلح والله لكن لما كانوا في أول الأمر لا يشكلون الكتابة ولا ينقطونها فإن كتابة والله وأبيه متقاربة ولكن هذا القول ضعيف في الوجه هذا ضعيف جداً، والصواب أن يقال هذا الحديث من المشكلات والنهي عن الحلف بالآباء أو بغير الله من الأمور المحكمات الواضحات والواجب على المؤمن إزاء الأدلة المحكمة والمتشابهة أن يأخذ بماذا؟
الطالب : بالمحكمة.
الشيخ : بالمحكمة لقول الله تعالى: (( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به )) فيردون المتشابه إلى المحكم ليبقى كله محكماً وعلى هذا فنخلص من هذا البحث والمناقشة إلى أن الحلف بغير الله عز وجل شرك ولا يجوز.

الشيخ : طيب فإن قال قائل الحلف بالقرآن حلف بغير الله وأنتم تقولون أنه يجوز للإنسان أن يحلف بالقرآن فيقول والقرآن ما فعلت كذا والقرآن لأفلعنّ كذا فالجواب أن القرآن كلام الله وكلام الله صفة من صفاته وصفات الله تعالى يجوز القسم بها كما يجوز القسم بذات الله عزّ وجلّ.

الشيخ : وقوله تعالى: (( ذي الذكر )) ذي بمعنى صاحب أي صاحب الذكر والمراد بالذكر التذكير يعني أن القرآن يذكر الناس ويعظهم وله معنى آخر وهو الثناء والرفعة كما قال تعالى: (( وإنه لذكر لك ولقومك )) فمن أخذ بهذا القرآن فإنه ينال الذكر الحسن والثناء الحسن ويرفعه الله تعالى به درجات.

الشيخ : ثم قال تعالى: (( بل الذين كفروا في عزّة وشقاق )) فالقرآن ذو ذكر وعظمة وتذكير وموعظة ولكن الذين كفروا لا ينتفعون به بل هم في عزّة وأنفة عنه يحتقرونه ولا يرجعون إليه ويشاقون فيه (( بل الذين كفروا في عزّة وشقاق )) ثم ذكر الله تعالى في هذه السورة قصصاً كثيرة متعدّدة لنتّعظ بها ونتذكر بها.

الشيخ : وإني أحثكم مرة أخرى إلى تعلم القرآن الكريم تعلم معناه والعمل به وأن يكون هو العمدة لكم في استنباط الأحكام الشرعية مع السّنّة النبوية التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنهما أعني الكتاب والسنة الأصلان اللذان يرجع إليهما المسلمون في أحكام دينهم العقدية والعملية نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الفهم في كتابه والعمل به إنه جواد كريم.

الشيخ : ونرجع الآن إلى الدرس الذي سنأسّسه إن شاء الله تعالى من هذه الليلة وهو الدرس في أشراط الساعة كما وافقتمونا على ذلك وليعلم أن الساعة أمرها عظيم وشأنها كبير لأنها هي الفاصل بين الدنيا والآخرة فإذا قامت الساعة انتقل العالم من دار إلى أخرى كل العالم ولهذا كان لها شأن عظيم وجعل الله لها أشراطاً قال الله تعالى: (( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها )) أي علاماتها وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن أشراط الساعة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم مضى وقسم لا يزال يأتي شيئاً فشيئاً والقسم الثالث الأشراط الكبرى التي تكون في آخر الزمان.

الشيخ : فمن أشراط الساعة فيما مضى بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام فإن ختم النبوة به وجعل شرعه لبني آدم كلهم إلى يوم القيامة يدل على قرب الساعة، وأنها ليست ببعيدة لأن هذا هو خاتم الرسل، ومنها ما أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن التي وقعت بعد زمنه صلى الله عليه وسلم مباشرة ووقعت بعده أيضاً بزمن.

الشيخ : ومن أشراط الساعة المستقبلة العظيمة ما سنستمع إليه إن شاء الله من هذا الكتاب الذي هو مشكاة المصابيح للتبريزي وأما المصابيح فإنها للبغوي رحمه الله، ونسنتمع الآن من أحد الإخوة إلى أشراط الساعة من هذا الكتاب، معك الكتاب؟
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله والصحابة والتابعين ..
الشيخ : بإحسان.
القارئ : بإحسان إلى يوم الدين.

القارئ : قال المصنّف رحمه الله تعالى في كتاب الفتن من كتاب مشكاة المصابيح باب أشراط الساعة، الفصل الأول: عن أنس رضي الله عنه قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من أشراط الساعة أن يرفعُ العلم .. )
الشيخ : أن يرفَع.
القارئ : ( أن يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الزنا ويكثر شرب الخمر ويقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد -وفي رواية- يقل العلم ويظهر الجهل ) متفق عليه.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم هذه الأشياء من أشراط الساعة.

الشيخ : من أشراط الساعة أن يقبض العلم ويكثر الجهل وقبض العلم ليس أن ينتزع من صدور الرجال انتزاعاً ولكنه يقبض بموت العلماء يموتون واحداً واحداً حتى لا يبقى في الناس إلا رؤساء جهال يفتون بغير علم فيضلون ويضلون، ويكثر الجهل لأنه إذا قبض العلم كثر ضدّه وهو الجهل والمراد بالعلم هنا العلم بشريعة الله عزّ وجلّ لا العلم بأمور الدنيا ربما يزداد العلم بأمور الدنيا لكن العلم بشريعة الله هو الذي يقبض وقبضه من أشراط الساعة وانتشار الجهل بشريعة الله وكثرته من أشراط الساعة.

الشيخ : كذلك أيضاً من أشراط الساعة أن يكثر الزنا والعياذ بالله، والزنا هو فعل الفاحشة في قبل أو دبر إن كان في أنثى فهو زنا وإن كان في ذكر فهو لواط، وكثرة الزنا أن يشيع والعياذ بالله الزنا حتى يصبح شيئاً معتاداً أو شيئاً مستباحاً لا يهتم به، وليعلم أن انتشار الزنا له أسباب منها: الفتن التي تكون من بعض النساء بأن تخرج المرأة متبرجة متطيبة متحلية متغنّجة حتى تفتن الرجال ويحصل بذلك الشر والفساد، ومن ذلك أيضاً مطالعة بعض الصّحف الخبيثة التي تنشر الصور الفاتنة، الفاتنة في لباسها والفاتنة في لباسها والفاتنة في زيها وهيئتها ولهذا يجب علينا نحن أن نقاطع هذه الصحف مقاطعة تامة لأن وجودها بين أيدي أهلنا وأبنائنا وبناتنا سبب للشر والفساد فالواجب علينا مقاطعة هذه الصحف لأنها شر وبلاء ومن أسباب كثرة الزنا والعياذ بالله، ومن أسباب كثرة الزنا أيضاً الإختلاط بين الرجال والنساء سواء في الأسواق أو بيوت العلم من المدارس وغيرها فإن ذلك من أسباب كثرة الزنا والعياذ بالله لأنه إذا اختلط الرجال والنساء وتقاربوا حصل الشر وانظر إلى الحكمة البالغة في الشريعة الإسلامية حيث أشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى بعد المرأة عن الرجل فقال في صفوف النساء ( خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ) لماذا؟ لأن آخرها أبعد عن الرجال من أولها وكلما بعدت المرأة عن الرجل كان ذلك خيراً للجميع.

الشيخ : ومن أشراط الساعة أن يكثر شرب الخمر وما هو الخمر؟ قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " الخمر ما خامر العقل " ومعنى خامره أي غطاه ومنه خمار المرأة لأنه يغطي رأسها فكل ما غطى العقل على وجه اللذة والطرب فإنه خمر، انتبه إلى القيد ما غطى العقل على وجه اللذة والطرب فإنه خمر، أما ما غطى العقل على غير هذا الوجه كالبنج مثلا فإنه ليس بخمر، الخمر يحصل لشاربه والعياذ بالله لذة وطرب ونشوة حتى يشعر وكأنه ملك من الملوك كما قال الشاعر الجاهلي: " ونشربها فتتركنا ملوكا " وكما جاء في قصة حمزة بن عبد المطلب سيّد الشهداء وأسد الله وأسد رسوله رضي الله عنه وقد استشهد في أحد في السّنة الثالثة مر به بعيران ناضحان لعلي بن أبي طالب وكان عنده جارية تغنيه فقالت " ألا يا حمز للشرف النواء " تستعديه على البعيرين وكان قد شرب الخمر وطرب والذي يزيد في الطرب فأخذ السيف وجب أسنمتهما أسنمة البعيرين فجاء علي بن أبي طالب يشكو عمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى حمزة فلما وصل إليه وجده قد ثمل يعني غطّى الخمر عقله فكلمه في ذلك فقال له حمزة للرسول عليه الصلاة والسلام " هل أنتم إلا عبيد أبي " كلمة عظيمة فيها إذلال للرسول عليه الصلاة والسلام لكن قالها من غير عقل فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً، إذن حمزة رضي الله عنه تخيل نفسه أنه أيش؟ أنه ملك كبير رفيع وأن الرسول صلى الله عليه وسلم عبد وهكذا تفعل الخمر والعياذ بالله ولكن كأني بواحد منكم يقول كيف يشرب الخمر حمزة بن عبد المطلب عم الرسول عليه الصلاة والسلام؟

الشيخ : نقول نعم شربها قبل أن تحرم، لأن الخمر لها أربع مراتب في القرآن: التحليل والتحذير بدون تحريم والتحريم في بعض الأوقات والتحريم مطلقاً أربع مراتب، فما هي آية التحليل؟ آية التحليل هي قوله تعالى: (( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقا حسناً )) التحذير بلا تحريم قوله تعالى: (( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما )) فالعاقل إذا عرف أن إثمهما أكبر من نفعهما سوف يتجنّبهما، التحريم في بعض الأوقات قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )) وهذا يتضمّن النهي عن السكر عند الصلاة، الرابعة: التحريم النهائي (( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه )) لما نزل تحريم الخمر بادر الصحابة رضي الله عنهم إلى الامتثال حتى إن الخبر بلغ قوما من الأنصار وهم يشربون والكأس تدار بينهم فبلغهم تحريم الخمر فخرجوا بأزقة الخمر إلى الأسواق يريقونها في الأسواق ويدعون شربها، لأن الصحابة أشد الناس امتثالاً لأمر الله ورسوله، فحرمت تحريماً عاماً في كل وقت وانتهى الناس عن هذا ولكن مع ذلك تشرب الخمر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام بعد التحريم.

الشيخ : جيء برجل قد سكر في عهد النبي عليه الصلاة والسلام فجعل الناس يضربونه الذي يضرب بثوبه والضارب بيده، والضارب بنعله لكن من غير توقيت يعني من غير عدد معين ولكنه نحو أربعين جلدة، وفي عهد أبي بكر استمرت العقوبة على هذا أربعين جلدة، وفي عهد عمر في أول خلافته استمرت العقوبة كذلك ولكن حين اتسعت الفتوحات الإسلامية ودخل في الدين قوم حدثاء، كثر شرب الخمر في عهد عمر وكان من عادته رضي الله عنه أن يجمع الصحابة يشاورهم في الأمور المعضلة فجمعهم واستشارهم قال: " إن الناس قد كثر فيهم شرب الخمر والعقوبة الحاضرة لا تكفي في ردعهم فماذا نفعل؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يا أمير المؤمنين أخف الحدود ثمانون " فرفع عمر العقوبة من أربعين إلى ثمانين وجلد شارب الخمر ثمانين جلدة ليرتدع الناس عن ذلك، فمن علامات الساعة أن يكثر شرب الخمر، ولا شك أن من تأمل أحوال الناس اليوم وجد أن شرب الخمر كثير جداً ليس في أمم الكفر بل حتى في الأمم الإسلامية شرب الخمر كثير والواجب أن يردع شارب الخمر بما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم من العقوبة.

الشيخ : فإن لم ينته الناس إلا بالقتل وتكرر من الواحد الشرب مع العقوبة فإنه يقتل ولهذا جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ( من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه ) في الرابعة إذا لم ينته فإنه يقتل واختلف العلماء في تخريج هذا الحديث فمنهم من قال إن هذا الحديث منسوخ وأن شارب الخمر لو تكرر شربه فإنه لا يقتل ومنهم من قال إنه محكم ويجب قتله في الرابعة ومنهم من فصل فقال إذا لم ينته الناس بدون القتل فإنه يقتل في الرابعة وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والقول بأنه يقتل مطلقاً مذهب الظاهرية والقول بأن الحديث منسوخ مذهب جمهور الفقهاء والذي تطمئن إليه النفس ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أننا إذا عاقبنا الرجل ثلاث مرات وعاد في الرابعة ولم ينته الناس بدون القتل فإننا نقتله حتى ينتهي الناس عن شرب الخمر.

الشيخ : ومن الأشراط المذكورة في هذا الحديث أن يقل الرجال ويكثر النساء، لماذا يقل الرجال ويكثر النساء؟ قال العلماء لكثرة الحروب والذي يتولى الحروب والقتال هم الرجال فيقتل الرجال وتبقى النساء حتى يكون للخمسين امرأة قيم واحد فقط وهذا ربما يكون في بعض البلاد دون بعض وربما يكون في عموم البلاد فقد يوجد مثلا بلاد يقاتل أهلها فيقتل الرجال أو يطردوا عن بلادهم فتصبح النساء أرامل نساء كثيرة ليس لهن قيم إلا قيم واحد لخمسين امرأة فهذا من أشراط الساعة أن يكثر القتل في الرجال حتى تصبح النساء كثيرة والرجال قليلين.

القارئ : وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم ) رواه مسلم.
الشيخ : هذا من أشراط الساعة أن يخرج كذابون، كذابون يدّعون الرسالة والنبوة يقول واحد إنه نبي إنه رسول ومن ادعى النبوة أو صدّق مدّع النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر لأن الله تعالى قال في كتابه: (( ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماً )).

القارئ : وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث إذ جاءه أعرابي فقال: متى الساعة قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) رواه البخاري.
الشيخ : هذا أيضاً من أشراط فإن هذا الأعرابي سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة يعني متى تكون، متى تقوم؟ قال: ( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ) إذا ضيعت الأمانة وصار الناس أهل خيانة وابتعدوا عن الأمانة فانتظر الساعة فإنها قريبة فسأله الأعرابي سأل النبي صلى الله عليه وسلم يعني كيف تضاع الأمانة؟ قال ( إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) يعني إذا ولّي على الناس من ليس أهلاً للولاية فانتظر الساعة مثلاً يولّى مدير مدرسة ليكون مديراً للمدرسة وليس أهلاً للإدارة إما لنقص دينه أو لنقص إدارته وتنظيمه ولكنه جعل مديراً مراعاة أو محاباة له إما لكونه من قبيلة معروفة أو ما أشبه ذلك المهم أنه إذا رأيت المناصب يحتلها من ليس أهلاً لها إما لكونه غير أهل في الدين أو لكونه غير أهل في التنظيم والتدبير فانتظر الساعة وإذا نظرنا إلى واقع الناس اليوم وجدنا أن هذا منطبق فإن كثيراً ممن يتولون أمور الناس نجد عندهم خيانة وسوء إدارة وليسوا أهلاً للولاية التي ولو..