تتمة المناقشة.
الشيخ : نعم.
الطالب : لأنهم يقفون في يوم مقداره خمسين ألف سنة.
الشيخ : أي أحسنت، نقول : إن قوة الأجسام في ذلك اليوم ليست كقوتها اليوم، لأن أجسامنا الآن ضعيفة معرضة للفناء والزوال، لكن يوم القيامة تبعث على أنها للبقاء، فتبعث أقوى وأشد. نعم طيب.
هل أحد ينجو من هذا يا آدم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : اه.
الطالب : المسلمون.
الشيخ : لا. نعم جمال.
الطالب : سبعة يظلهم الله ذكرهم النبي عليه الصلاة والسلام.
الشيخ : لا ما هو أحسن نقول سبعة تقول الذين.
الطالب : الذين يظلهم الله في ظله.
الشيخ : الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. نعم.
الطالب : ومنهم السبعة الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث.
الشيخ : في الحديث أحسنت. تمام.
شرح قول المصنف : ويحاسب الله الخلائق
يحاسب الله الخلائق هذا دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع والعقل.
حساب الله للخلائق دل عليه الكتاب والسنة والإجماع والعقل.
أما الكتاب، فقال الله سبحانه تعالى : (( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً )) (( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وراء ظهره * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً وَيَصْلَى سَعِيراً )).
الطالب : وراء ظهره.
الشيخ : وراء ظهره نعم. فالحساب ثابت في القرآن.
أما السنة، فكذلك ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من عدة طرق بعدة أحاديث في عدة أحاديث أن الله تعالى يحاسب الخلائق.
وأما الإجماع، فإنه متفق عليه بين الأمة : أن الله تعالى يحاسب الخلائق وصفته كما سيأتي إن شاء الله.
أما العقل، فواضح، لأننا كلفنا بعمل فعلاً وتركا وتصديقاً، أليس كذلك؟ كلفنا بعمل فعلاً وتركا وتصديقاً، والعقل والحكمة يقتضيان أن من كُلِّف بعمل، فإنه يحاسب عليه ويناقش فيه.
نعم، هذا هو العقل والحكمة على أن من نوقش الحساب هلك وعذب، لكن المؤمن يحاسب حسابا يأتي صفته إن شاء الله بدون مناقشة، طيب.
فالكتاب والسنة والإجماع والعقل كلها دلت على وجود المحاسبة.
وقول المؤلف : " الخلائق " جمع خليقة، يشمل كل من خُلق إلا أنه يستثني من ذلك من يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، كما ثبت ذلك في الصحيحين : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أمته ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب. وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ).
وقد روى الإمام أحمد بسند جيد : ( أن مع كل واحد سبعين ألفاً ).
فتضرب سبعون ألفاً بكم؟ بسبعين ألفاً ويزاد سبعون ألفاً. هذا، هؤلاء كلهم يدخلون بلا حساب ولا عذاب ولا يحاسبون.
وقوله : " الخلائق " هل يشمل الجن؟ نعم يشمل الجن، لأن الجن مكلفون، ولهذا يدخل كافرهم النار بالنص والإجماع (( قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ ))، ومؤمنهم أيضا يدخل الجنة على قول جمهور أهل العلم، وهو الصحيح، (( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ )).
طيب، هل يشمل البهائم المحاسبة؟ القضاء يشمل البهائم، لأنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ( أنه الله تعالى يقضي للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ). وهذا قضاء، لكنهم لا يحاسبون حساب تكليف وإلزام، لأن البهائم ليس لها ثواب ولا عقاب، غير مكلفة.
طيب يقول : " يحاسب الله الخلائق " ثم ذكر وصفها.
إذن يستثنى من الحساب من؟ سبعون ألفا، ومع كل واحد سبعون ألفا، وفضل الله واسع. نعم.
الطالب : ... .
الشيخ : السؤال بعدين. طيب.
" يحاسب الله الخلائق ".
شرح قول المصنف : ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه كما وصف ذلك في الكتاب والسنة
هذا صفة حساب المؤمن يخلو به الله عز وجل دون أن يطلع عليه أحد ويقرره بذنوبه، يعني يقرره يعني يقول له : عملت كذا، وعملت كذا وعملت كذا حتى يقر ويعترف. ثم يقول له : ( قد سترها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم ). وينتهي الأمر. نعم. ومع ذلك، فإنه سبحانه وتعالى يضع عليه كنفه أي ستره، بحيث لا يراه أحد، ولا يسمعه أحد، لأن هذا من فضل الله عز وجل على الإنسان، فإن الإنسان إذا قررك بجناياتك أمام الناس وإن سمح عنك، ففيه شيء من؟ من الفضيحة، لكن إذا كان وحدك، فإن ذلك ستر منه عليك.
يقول : " كما وصف ذلك في الكتاب والسنة "
" ذلك " المشار إليه الحساب، يعني كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة.
شرح قول المصنف : وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته فإنه لا حسنات لهم ولكن تعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها ويقرون بها . وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل آنيته عدد نجوم السماء وطوله شهر وعرضه شهر من يشرب منه شربة لا يضمأ بعدها أبدا
لا سابغات فيجوز بناءه على الفتح وبناءه على الكسر، نعم. " لا سبغاتِ أو لا سابغاتَ ولا جأواء باسلة ** تقي المنون لدى استيفاء آجال ".
طيب يقول : فإنه لا حسنات لهم، وإذا كان ليس لهم حسنات ما يحاسبون، ولكن ماذا يصنع بهم؟
قال : " ولكن تعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها ويقررون بها ويخزون بها ". ما هي عندكم يخزون ؟ طيب.
تعد أعمالهم وتحصى، ثم يقال: هذه أعمالكم كما جاء في الكتاب والسنة، ثم يقررون بها، وينادى على رؤوس الأشهاد والعياذ بالله (( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين )). عكس المؤمن، هؤلاء أمام الناس يقررون بذنوبهم وتعد وتحصى، ثم ينادى على رؤوس الأشهاد (( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين )). الله يجعلنا وإياكم من المؤمنين. الفرق العظيم بين هؤلاء وهؤلاء، فالمؤمن إذا علم بهذا الفرق لا شك أنه يرغب في الإيمان ويقوى وينشط، بخلاف الكافر والعياذ بالله لا يؤمن بهذا الشيء.
ثم قال المؤلف : " وفي عرصات القيامة "
عرصات : جمع عرصة، وهي المكان المتسع، ويوم القيامة لا شك أن المكان متسع، لأن الأرض تمد مد الأديم، وليس فيها جبال ولا أودية ولا أشجار ولا بناء ولا أحجار، تمد كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام مد الأديم يعني مد الجلد.
" في عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم ".
الكلام على الحوض من عدة أمور :
أولاً: هل هذا الحوض موجود الآن أو لا؟ نقول : هو موجود الآن، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب ذات يوم في أصحابه، وقال : ( وإني لأرى إلى حوضي أو قال حوضي الآن ) فهو موجود.
وأيضاً، ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال : ( منبري على حوضي ) منبره الي في مسجده على حوضه، وهذا يحتمل أنه في هذا المكان، لكن لا نشاهده، لأنه غيبي، ويحتمل أن المنبر يوضع يوم القيامة على الحوض.
ثانياً : هذا الحوض يصبّ فيه ماء، فمن أين هذا الماء ؟ هل ينبع من الأرض؟ لا، ولكنه يصب من ميزابين من الكوثر، وهو النهر العظيم الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فينزل منه ميزابان يصبان في هذا الحوض.
ثالثاً : يقول : الحوض المورود، قبل قبل.
" في عرصات القيامة " يعني: زمنه هل هو قبل العبور على الصراط، أو بعد العبور على الصراط؟
نقول : هو قبل العبور على الصراط، لأن المقام يقتضي ذلك حيث إنّ الناس في حاجة إلى الشرب في عرصات القيامة قبل عبور الصراط.
أيضا يقول المؤلف البحث الخامس أظن أو الرابع؟ الرابع من الذي يرد هذا الحوض، المؤلف يقول: " المورود "، فمن الذي يرده؟
والجواب : أن الذي يرده هم المؤمنون برسول الله صلى الله عليه وسلم، المتبعون لشريعته، فمن ورد شريعته في الدنيا ورد حوضه في الآخرة، ومن استنكف واستكبر فإنه يطرد منه والعياذ بالله، وإن كانت ينتسب إلى الأمة، حتى لو فرض أنه رجل منافق ينتسب إلى الأمة فإنه يطرد منه، لكن المؤمن بالرسول عليه الصلاة والسلام، المتبع لشريعته هو الذي يرده.
البحث الخامس : في كيفية مائه.
يقول المؤلف رحمه الله : " ماؤه أشد بياضاً من اللبن " هذا وصف، هذا في اللون.
في الطعم: " وأحلى من العسل"،
في الرائحة: أطيب من المسك، كما ثبت به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
فالماء إذن أحسن ما يكون، أبيض ناصع أشد من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من رائحة المسك. طيب. آنيته.
البحث السادس : آنيته : يقول : " عدد نجوم السماء ". هكذا جاء في الحديث. ويش تقول يا محمد أمان، محمد نور؟
الطالب : ... .
الشيخ : وين تروح؟
الطالب : ما أروح يا شيخ.
الشيخ : لا ما أنت معنا. احرص احرص ترى الوقت يروح عليك.
طيب في بعض ألفاظ الحديث : ( آنيته كنجوم السماء ) وهذا اللفظ أشمل، لأنه يكون كالنجوم في العدد وفي الوصف بالنور واللمعان، فآنيته كنجوم السماء كثرة وإضاءة.
وهذا أبلغ من قول من لفظ : " عدد نجوم السماء ". طيب.
آثار هذا الحوض أن من شرب منه شربة، لم يظمأ بعدها أبداً، ما يظمأ حتى على الصراط وبعد ذلك، ما يظمأ أبدا.
وهذه من حكمة الله عز وجل، لأن الذي يشرب من الشريعة في الدنيا لا يخسر أبداً، كذلك الذي يشرب من الحوض في الآخرة لا يظمأ أبدا.
أما مساحة هذا الحوض فيقول : " طوله شهر وعرضه شهر". إذن يكون مدوراً ولا مربعا؟ مدورا يا إخوان مدور، لأن المربع زواياه تطول على مسطحه، هو طوله شهر أي اتجاه؟ طوله شهر وعرضه شهر.
بقي علينا أن نقول : إذا كان طوله شهرا وعرضه شهرا كيف يعني يتمكن جميع الناس أن يشربوا منه؟ يعني ما ينفد ويخلص؟
الجواب : ذكرنا قبل قليل أنه يصب فيه ميزابان من الكوثر إذن لا ينفد أبدا.
فيه بحث جديد، هل للأنبياء الآخرين أحواضٌ؟
فالجواب : نعم، فإنه جاء في حديث رواه الترمذي- وإن كان فيه مقال - : ( أن لكل نبي حوضاً ). لكن هذا يؤيده المعنى، وهو أن الله عز وجل بحكمته وعدله كما جعل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم حوضاً يرده المؤمنون من أمته، كذلك يجعل لكل نبي حوضاً حتى ينتفع المؤمنون بالأنبياء السابقين.
4 - شرح قول المصنف : وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته فإنه لا حسنات لهم ولكن تعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها ويقرون بها . وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل آنيته عدد نجوم السماء وطوله شهر وعرضه شهر من يشرب منه شربة لا يضمأ بعدها أبدا أستمع حفظ
شرح قول المصنف : والصراط منصوب على متن جهنم وهو الجسر الذي بين الجنة والنار يمر الناس على قدر أعمالهم فمنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالفرس الجواد ومنهم من يمر كركاب الإبل ومنهم من يعدو عدوا ومنهم من يمشي مشيا ومنهم من يزحف زحفا ومنهم من يخطف خطفا ويلقى في جهنم . فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم فمن مر على الصراط دخل الجنة
الصراط فعال بمعنى مفعول فهو صراط بمعنى مصروط والصرط هو المرور بسرعة، ومنه الزرط زرط اللقمة يعني ابتلعها بسرعة.
قال العلماء : والصراط لا يكون صراط إلا إذا كان طريقا واسعا مستقيما معتدلا، يسمى صراطا، فأما الطريق الضيق فليس بصراط والطريق المعوج ليس بصراط، والطريق الي فيه طلوع ونزول ليس بصراط، لماذا؟ لأن هذه المادة ما تتناسب مع الطرق الضيقة والملتوية، لأنها مأخوذة من الصرط وهو المرور في سرعة.
هذا الصراطُ المنصوب على جهنم هل ينطبق عليه هذا الوصف، أي: أنه طريق واسع مستقيم ليس فيه عوج ولا أمت؟ أم ماذا؟
اختلف في هذا العلماء، فمنهم من قال : إنه هكذا طريق واسع يمر الناس على قدر أعمالهم، بدليل أن كلمة الصراط مدلولها اللغوي هو هذا، ودليل آخر ( أن الرسول أخبر بأنه دحض ومزلة )، والدحض والمزلة ما يكون إلا في طريق واسع، لأن الدحض والمزلة، الدحض الزلق كالطريق الذي يأتيه السيل والماء فيزلق الناس فيه، قالوا : وهذا لا يكون إلا في طريق متسع، أما الضيق فلا يكون صراطا.
وقال بعض العلماء : بل هو صراط دقيق جداً، كما جاء في حديث أبي سعيد الذي رواه مسلم بلاغاً ( أنه أدق من الشعر، وأحدّ من السيف ). وبناء على هذا الرأي الأخير يرد علينا إشكال، وهو كيف يمكن العبور على طريق كهذا؟
الجواب : أن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، فالله تعالى على كل شيء قدير. ولا ندري، كيف يعبرون؟! هل يجتمعون جميعاً في هذا الطريق أو واحدا بعد واحد؟ الله أعلم. المهم أنه إذا ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام وجب قبوله والتسليم له.
وهذه المسألة لا يكاد الإنسان يجزم بأحد القولين، لأنّ كلا القولين له وجهة قوية.
وقوله : " منصوب على متن جهنم " متن جهنم ، يعني : نفس جهنم، على نفس النار، جسر ممدود عليها، ثم يمر الناس عليه.
والمراد بــــ" الناس " هنا المؤمن المؤمنون قصدي المراد بالناس المؤمنون، لأن الكفار قد ذُهب بهم إلى النار، ولا حاجة أن يصعدوا مع هذا الطريق إنما يصعد مع هذا الطريق من يكون من أهل الجنة.
فيمر الناس عليه على قدر أعمالهم، منهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، أيهم أسرع؟ لمح البصر أسرع، أسرع من البرق، ومنهم من يمر كالريح، الهواء، والهواء سريع، سريع لا سيما قبل أن يعرف الناس الطيارات. نعم. والهواء المعروف أنه يصل إلى كم؟ يصل أحياناً إلى مئة وأربعين ميل في الساعة، أحيانا يكون عواصف تأتي في بعض البلاد تبلغ إلى هذا الحد مائة وأربعين ميل كم تبلغ من الكيلو؟
الطالب : ... .
الشيخ : لا لا أكثر، أكثر، لأن الميل أظن ها كليوين إلا ثلث أو إلا ربع، إذن تبلغ مسافة عظيمة، لكن مع ذلك دون الطائرة، إنما الرسول عليه الصلاة والسلام ضرب مثلا بما يعرف الناس في ذلك الوقت.
ومنهم من يمر كالفرس الجواد، الفرس الجواد الجيد السابق في مشيته.
ومنهم ممن يمر كركاب الإبل، وهي دون الفرس الجواد بكثير.
ومنهم من يعدو عدواً، ومنهم من يمشي مشياً. يعدو يعني يسرع، ومنهم من يمشي إلى آخره. طيب، هل هذا باختيار الإنسان أو بغير اختياره؟
بغير اختياره، لو كان باختياره، لكان كل واحد يحب أن يكون بسرعة، لكنه بغير اختياره وعلى حسب سرعته في قبول الشريعة في هذه الدنيا، لأن الصراط في الواقع هناك هو الصراط في هذه الدنيا، هنا الصراط معنوي وهناك حسي، فمن كان في هذه الدنيا بالنسبة لصراط الله عز وجل قابلا له بدون تردد مؤمنا بأخباره متبعا لأحكامه فإنه في الآخرة يمر بسرعة.
يقول : " ومنهم من يزحف زحفا، ومنهم من يخطف ويلقى في جهنم، لأن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم " يخطف ويلقى في جهنم ولكن لا يخلد فيها، بل هو من العصاة الذين يعذبون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون من النار.
وقول المؤلف : " في جهنم " يدل على أن النار التي يلقى فيها العصاة هي النار التي يلقى فيها الكفار، لأن جهنم اسم واحد، ولكنها لا تكون في العذاب كعذاب الكفار، بل قال بعض العلماء : إنها تكون برداً وسلاماً عليهم كما كانت النار في الدنيا برداً وسلاماً على إبراهيم. ولكن الظاهر خلاف ذلك، وأنها تكون حارة ومؤلمة لكنها ليست كحرارتها بالنسبة للكافرين.
ثم إن أعضاء السجود لا تمسها النار، أعضاء السجود لا تمسها النار، كما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام وهي الجبهة والأنف والكفان والركبتان وأطراف القدمين. نعم.
يقول : " فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فمن مر على الصراط دخل الجنة " لأنه نجا الآن خلف النار وراء ظهره وليس في الآخرة إلا نار أو جنة، فمن عبر الصراط دخل الجنة ونجا.
5 - شرح قول المصنف : والصراط منصوب على متن جهنم وهو الجسر الذي بين الجنة والنار يمر الناس على قدر أعمالهم فمنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالفرس الجواد ومنهم من يمر كركاب الإبل ومنهم من يعدو عدوا ومنهم من يمشي مشيا ومنهم من يزحف زحفا ومنهم من يخطف خطفا ويلقى في جهنم . فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم فمن مر على الصراط دخل الجنة أستمع حفظ
شرح قول المصنف : فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنةوأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم
" القنطرة " هي الجسر، لكنها جسر صغير.
واختلف العلماء في هذه القنطرة، هل هي طرف الجسر الذي على جهنم، أو هي جسر مستقل؟!
والصواب في هذا أن نقول : الله أعلم، وليس يعنينا شأنها، هل هي طرف الجسر الذي على جهنم أو هي جسر مستقل؟ الذي يعنينا أن الناس يوقفون عليها.
" فيقتص لبعضهم من بعض " وهذا القصاص غير القصاص الأول الذي في عرصات القيامة، لأن هذا قصاص أخص، قصاص من أجل أن يذهب الغل والحقد والبغضاء التي في قلوب الناس، فيكون هذا بمنزلة التنقية والتطهير، وذلك لأن ما في القلوب لا يزول بمجرد القصاص ولا لا؟ يعني لو أن أحدا من الناس ظلمك في مالك وبعد الدعوى رد عليك مالك، سلم هو من الإثم، ولكن هل يبقى لهذا الظلم آثار في النفس؟ نعم، الغالب إنه يبقى، وكذلك لو اعتدى عليك بضرب واقتصصت منه، ثم سلم من الإثم، لكن يبقى في النفس شيء.
فهذه القنطرة التي بين الجنة والنار، يقتص لبعضهم من بعض من أجل ايش؟ تنقية ما في القلوب حتى يدخلوا الجنة وليس في قلوبهم غل، كما قال الله تعالى : (( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ )).
فإذا هُذبوا ونُقُّوا، أذن لهم في دخول الجنة.
إذا هذبوا مما في قلوبهم من العداوة والبغضاء ونقوا منها، فإنه يؤذن لهم في دخول الجنة. فإذا أذن لهم في الدخول، فهل يجدون الباب مفتوحاً؟ لا ، لا يجدونه مفتوحا؟ يجدونه مغلقا ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع إلى الله في أن يفتح لهم باب الجنة.
ولهذا يقول : ( وأول من يستفتح ) لا، ( وأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته صلى الله عليه وسلم ).
هو الذي يشفع إلى الله عز وجل في أن يفتح باب الجنة فيفتح، وهذا من نعمة الله على محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الشفاعة الأولى التي يشفعها في عرصات القيامة لإزالة الكروب والهموم والغموم، والثانية لنيل الأفراح والسرور، فيكون شافعاً للخلق عليه الصلاة والسلام في دفع ما يضرهم وفي جلب ما ينفعهم، في هذا وهذا.
وقلنا: إنه لا دخول إلى الجنة إلا بعد شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، لأن ذلك ثبت في السنة وأشار إليه الله عز وجل في قوله : (( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وقال لهم خزنتها )) إلى آخره. فإنه لم يقل : حتى إذا جاءوها، فتحت، بل قال : (( وفُتحت )). وفيه إشارة إلى أن هناك شيئاً اه، قبل الفتح. أما أهل النار، فقال فيهم : (( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا )). لأنهم يجدونها مهيأة والعياذ بالله لكن هذه ما تكون إلا بعد الشفاعة.
6 - شرح قول المصنف : فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنةوأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم أستمع حفظ
شرح قول المصنف : وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته
أول من يدخل الجنة هذه الأمة ولله الحمد مع أنها هي آخر الأمم، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ) وقوله : ( السابقون يوم القيامة ) يشمل كل مواقف القيامة، فمثلا أول من توزن أعماله؟ نعم هذه الأمة، أول من يجوز الصراط هذه الأمة. جميع مقامات القيامة هذه الأمة هي السابقة ولله الحمد ( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ) في دخول الجنة أول من يدخل محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
أبواب الجنة ما ذكرها المؤلف، لكنها معروفة في القرآن. كم؟ ثمانية، قال الله تعالى : (( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا )).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن توضأ وتشهد، قال : ( فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء ).
وهذه الأبواب كانت ثمانية بحسب الأعمال، لأن كل باب له عمّال، فمثلا أهل الصلاة ينادون من باب الصلاة، وأهل زكاة من باب الزكاة، وأهل الجهاد من باب الجهاد، وأهل الصيام من باب الريان، كل باب له عمل، فمثلا يقال : يا أهل الصلاة هلم، يا أهل الزكاة هلم، يا أهل الصيام هلم، ادخلوا من هنا نعم.
هل يدعى أحد من الأبواب كلها؟ نعم، ربما يوفق الله عز وجل بعض الناس لأعمال جليلة صالحة فيدعى من جميع الأبواب.
فإن قلت : إذا كانت الأبواب بحسب الأعمال، لزم أن يدعى من كل الأبواب، لأن كل مسلم يصلي ويزكي ويصوم ويحج ويجاهد، نعم، فيلزم أن يدعى من كلها، فما هو الجواب ؟
الجواب أن يقال : إن هذه الأبواب لمن كان أكثر في هذا العمل يُدعى منه. مثلاً : إذا كان هذا الرجل كثير الصلاة، من أين يدعى؟ من باب الصلاة، كثير الجهاد من باب الجهاد، وليس كل إنسان تحصل له الكثرة في كل عمل صالح، لأنك تجد نفسك أنت تجد نفسك في بعض الأعمال أكثر وأنشط من بعض، لكن قد يمنّ الله علي بعض الناس، ويكون نشيطاً قوياً في جميع الأعمال، ولهذا قال أبو بكر لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث قال : ( يا رسول الله ما على من دعي من باب من هذه الأبواب من ضرورة؟ - يعني كونه يدعى من باب واحد سهل -. فهل يدعى أحد من جميع الأبواب ؟ قال : نعم، وأرجو أن تكون منهم ). نعم، يدعى من جميع الأبواب، يعني يكون نشيطا في كل عمل، أفهمتم الآن؟ ليس المعنى مثلا أن من قام بالصيام والزكاة والصلاة يدعى من الأبواب كلها هذه؟ لا، لأنه قد يكون نشيطا في الصلاة فيدعى من باب الصلاة فقط. فإذا كان نشيطا في جميع الأعمال الصالحة فإنه ينادى من جميع الأبواب. نعم.
قال المؤلف : " وله في القيامة ثلاث شفاعات " نقف على هذا أظن، كم باقي؟ طيب نأخذ أجل نمشي نأخذ.
شرح قول المصنف : وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات : أما الشفاعة الأولى فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم
والشفاعات : جمع شفاعة. والشفاعة في اللغة العربية. جعل الشيء شِفعاً. فالواحد إذا ضممت إليه آخر صار شفعا، والثلاثة إذا ضممت إليه واحدا صارت شفعا، وهلم جرا، فجعل الفرد شفعا هذه الشفاعة.
ولكنها في الاصطلاح : التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة. هذه الشفاعة أن تتوسط لغيرك بجلب منفعة أو دفع مضرة، وملاقاتها للاشتقاق ظاهرة، لأنك إذا توسطت له، صرت معه شفعاً تشفعه.
والشفاعة تنقسم إلى قسمين : شفاعة باطلة، وشفاعة صحيحة.
فالشفاعة الباطلة : ما يتعلق به المشركون في أصنامهم، هذه شفاعة باطلة لا تنفع، فهم يقولون : (( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) ويتخذونهم شفعاء. لكن هذه الشفاعة لا تنفع شفاعة باطلة ولا تنفعهم.
الشفاعة الصحيحة لها شروط ثلاثة :
الشرط الأول : رضى الله عن الشافع.
والشرط الثاني : رضاه عن المشفوع له.
والشرط الثالث: إذنه في الشفاعة، والإذن لا يكون إلا بعد الرضى عن الشافع والمشفوع له.
دليل ذلك قوله تعالى : (( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى )). هذه الآية جمعت الشروط الثلاثة. (( إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى )). ولم يقل : عن الشافع ، ولا: المشفوع له، ليكون أشمل، يعني: يرضى عن الشافع وعن المشفوع له.
وقال تعالى: (( وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى )).
وقال تعالى : (( يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً )).
ففي الآيتين الأخيرتين إثبات الرضى عن الشافع والمشفوع له كل على حدة.
وفي سورة النجم ذكر الشروط الثلاثة.
طيب، فلا بد من من الإذن.
ولا بد من رضى الله عن الشافع وعن المشفوع له ولا يمكن أن يقع الإذن إلا بعد؟ إلا بعد الرضى كما سمعتم في الآيات الكريمة.
للنبي صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات: الشفاعة العظمى، والشفاعة لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة، والشفاعة فيمن استحق النار ألا يدخلها، وفيمن دخلها أن يخرج منها.
الشفاعة الأولى يقول : " فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم " : " يشفع حتى " حتى هذه تعليلية، وليست غائية، لأن شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام تنتهي قبل أن يقضى بين الناس، فإنه إذا شفع، نزل الله عز وجل للقضاء بين عباده وقضى بينهم، فهذه أعني حتى لايش؟ للتعليل.
نظيرها قوله تعالى : (( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا )). فإن قوله : (( حتى ينفضوا )) للتعليل وليست للغاية ولا لا؟ يعني لا تنفقوا عليهم لأجل أن ينفضوا عنه إذا احتاجوا إلى النفقة ولم يجدوا إنفاقا انفضوا عن الرسول عليه الصلاة والسلام. طيب " حتى يقضى بينهم ".
8 - شرح قول المصنف : وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات : أما الشفاعة الأولى فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم أستمع حفظ
شرح قول المصنف : بعد أن يتراجع الأنبياء : آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم من الشفاعة
أرأيتم الآن لو أن أحدا أساء إليكم إساءة، وجاه إنسان أبيك جزاك الله خير تشفعلي إلى فلان. نعم؟ عندنا ثلاثة الآن ثلاثة نفر، شخص أساء إلى شخص. أساء إليه، ثم جاء شخص ثالث يطلب من الشخص المسيء أن يشفع إليه عند هذا الشخص الذي أساء إليه. هل يشفع ولا لا؟ ما له وجه يشفع، يخجل، حتى لو شفع ويش يقوله؟ يقول أنت ذنبك إلى الآن ما بعد رأبت صدعه كيف تجي تشفع ؟ فآدم يعتذر، لأنه في مقام يستحيي من الله عز وجل أن يشفع إليه سبحانه وتعالى وقد عصاه، وهذا من كمال أدبه، وإلا فإن هذه المعصية قد زال أثرها نهائيا. قال الله تعالى : (( وعصى آجم ربه فغوى ثم احجتباه ربه فتاب عليه وهدى )) طيب.
يوقع الله في قلوبهم أن يذهبوا بعد آدم إلى نوح، أولا: لأن نوحا هو الأب الثاني للبشرية ولا لا؟ هو الأب الثاني، لأن الله تعالى أهلك الناس إلا ذريته قال تعالى : (( وجعلنا ذريته )) ايش؟ (( هم الباقين )) شوف كلمة هم ضمير الفصل تفيد الحصر (( هم الباقين )) فيذهبون إلى نوح لأنه الأب الثاني، ولأنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، ويطلبون منه الشفاعة، ولكنه يعتذر بماذا؟ بأنه سأل ما ليس له به علم. قال : (( ربي إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق )) فيذهبون إلى إبراهيم، يلقي الله في قلوبهم أن يذهبوا إلى إبراهيم لأن إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام، ولأن إبراهيم هو أبو الأنبياء، مهو أبو البشرية، أبو الأنبياء.