شرح قول المصنف : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ) وهذا التقدير - التابع لعلمه سبحانه - يكون في مواضع جملة وتفصيلا فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء وإذا خلق جسد الجنين قبل خلق الروح فيه بعث إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات فيقال له : اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد ونحو ذلك .
كما قال الله تعالى : (( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) (( ألم تعلم )) أيها النبي أو أيها المخاطب؟ أيها المخاطب أعم (( أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ )) هذا عام.
(( إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ )) وهو اللوح المحفوظ.
(( إِنَّ ذَلِكَ - أي الكتابة - عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) وليس بصعب.
وقال : (( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْض وَلا فِي أَنْفُسِكُم إِلَّا فِي كِتَاب مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا )) أي من قبل أن نخلقها وهو اللوح المحفوظ.
والضمير في ها في أن نبرأها يحتمل أن يعود على المصيبة، ويحتمل أن يعود على الأنفس، ويحتمل أن يعود على الأرض. والكل صحيح، فالمصيبة قد كتبت قبل أن يخلقها الله عز وجل، (( إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) وفي الآية (( لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم )) أي فرح بطر، (( إن الله لا يحب كل مختال فخور )).
قال : " وهذا التقدير التابع لعمله سبحانه يكون في مواضع - يعني في مواضع غير اللوح المحفوظ - جملة وتفصيلاً، فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء، وإذا خلق جسد الجنين قبل خلق الروح فيه أو بعد قبل نفخ نفخ؟ أيه هذا هو الصواب. قبل نفخ الروح بدل بعد خلق قبل نفخ الروح فيه ( بعث إليه ملكاً وأمره بأربع كلمات، فيقال له : اكتب، رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد ) ونحو ذلك " هذه كتابة أخرى، وتسمى عند أهل العلم الكتابة العمرية نسبة إلى العمر.
يقول المؤلف رحمه الله : " ونحو ذلك " نحو ذلك بقي عندنا تقدير ثالث، وهو التقدير الحولي وهو الذي يكون ليلة القدر فإن ليلة القدر يكتب فيها ما يكون في تلك السنة كما قال الله تعالى : (( فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين )).
1 - شرح قول المصنف : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ) وهذا التقدير - التابع لعلمه سبحانه - يكون في مواضع جملة وتفصيلا فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء وإذا خلق جسد الجنين قبل خلق الروح فيه بعث إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات فيقال له : اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد ونحو ذلك . أستمع حفظ
شرح قول المصنف : فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديما ومنكروه اليوم قليل ( وأما الدرجة الثانية ) فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه ما في السماوات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه .
هذا القدر يعني العلم والكتابة، ينكره غلاة القدرية مثل غيلان الثقفي ومعبد الجهني هؤلاء وأمثالهم كانوا ينكرون هذا القدر. نعم؟ نعم؟ الدمشقي أو الثقفي.
هؤلاء ينكرون هذه الدرجة، يقولون: إن الله تعالى لا يعلم أفعال العبد إلا بعد وجودها، لا يعلم أفعال العباد إلا بعد وجودها، وأنها لم تكتب، ويقولون : إن الأمر أنف، أي مستأنف.
أما بالنسبة لأفعال الله، فلا أحد ينكر أن الله تعالى عالم بها من قبل وقوعها.
هؤلاء الذين ينكرون علم الله بأفعال العبد حكمهم في الشرع أنهم كفار، لأنهم كذبوا قول الله تعالى : (( وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) (( لتعلموا أن على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما )).
هؤلاء كفار، لأنهم كذبوا الله عز وجل في أن علمه محيط بكل شيء.
قال : " وأما الدرجة الثانية فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة " يعني : أن تؤمن بمشيئة الله النافذة و بقدرته الشاملة بأن تؤمن " بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه ما في السماوات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه ". هذه الدرجة تتضمن شيئين، المشيئة والخلق :
أما المشيئة فيجب أن نؤمن بأن مشيئة الله سبحانه وتعالى شاملة لكل شيء.
أما كونها شاملة لأفعاله، فالأمر فيها ظاهر.أليس كذلك؟
وأما كونها شاملة لأفعال العبد فكذلك أيضا الأمر فيها ظاهر.
الدليل على هذا - استمع إلى تعليق أفعال الله تعالى بالمشيئة - قال الله تعالى : (( فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )) (( لو شاء الله لهداكم )) الهداية من فعله ولا من فعلنا؟ من فعله.
(( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً )). الجعل من فعله ولا من فعلنا؟ من فعله. طيب.
من أفعال العباد (( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا )). وهذا يدل على أن أفعال العباد متعلقة بمشيئة الله. وقال عز وجل : (( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )).
فهذه الأدلة كلها تدل على ما وقع من فعل الله أو من فعل العباد فهو داخل تحت مشيئة الله عز وجل.
يجب عليك أن تؤمن بأنّ فعلك كائن بمشيئة الله وتشهد على هذا ولا ما تشهد؟ لو مثلا حركت يدك، وقلت إنّ الله قد شاء أن أحرك يدي، يجوز ولا ما يجوز؟ ها؟ أي يجوز بل يجب أن تقول الله قد شاء أن أحرك يدي.
فإذا قال قائل : ما الذي أعلمك أن الله قد شاء أن تحرك يدك؟
فالجواب : قول الله عز وجل : (( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )).
(( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ )) (( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا )) إلى آخره.
إذن فيمكن أن نشهد بل يجب أن نشهد أن كل حركة تقع منا فهي ايش؟ من مشيئة الله. طيب.
- بقي عشرة؟ صح؟ غلط. ها. لا المفروض قبل بخمسة. طيب -
نقول : فإن الأدلة على أن أفعال الله تعالى بمشيئته هو وكذلك أفعال العباد.
2 - شرح قول المصنف : فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديما ومنكروه اليوم قليل ( وأما الدرجة الثانية ) فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه ما في السماوات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه . أستمع حفظ
شرح قول المصنف : لا يكون في ملكه ما لا يريد
" ما لا يريد ". هذه العبارة تحتاج إلى تفصيل في الواقع. لا يكون في ملكه ما لا يريد بالإرادة الكونية. أما بالإرادة الشرعية فيكون في ملكه ما لا يريد.
وحينئذ، نحتاج إلى أن نقسم الإرادة إلى قسمين : إرادة كونية، وإرادة شرعية.
تختلف الإرادتان في موجَبهما وفي متعلقهما، تختلف الإرادتان في موجَبهما وفي متعلقهما.
أولا : في المتعلق :
الإرادة الكونية تتعلق فيما وقع سواء أحبه أم كرهه، والإرادة الشرعية تتعلق فيما أحبه، سواء وقع أم لم يقع. عرفتم؟ طيب.
في موجَبهما:
الإرادة الكونية يقع فيها المراد أو يتعين فيها وقوع المراد. والإرادة الشرعية لا يتعين فيها وقوع المراد، فهذان فرقان بين الإرادتين. طيب.
إذا قال قائل : هل يكون في ملك الله ما لا يريد؟
إن قلت : نعم. أخطأت. إن قلت : لا أخطأت. إن فصلت أصبت، واضح؟
طيب، كيف يكون هذا التفضيل ؟ إن أردت بالإرادة الإرادة الكونية فكلامك صحي،. لا يكون في ملك الله ما لا يريد. وإن أردت الإرادة الشرعية فهذا خطأ لأنه يكون في ملك الله ما لا يريد شرعا، فالمعاصي الواقعة مرادة لله كونا، غير مرادة شرعا، فكانت في ملك الله مع أنه لا يريدها شرعا، واضح؟ طيب، أرجو الانتباه الآن.
نقول الإرادة تنقسم إلى قسمين : إرادة كونية وإرادة شرعية تختلف الإرادتان في؟ في متعلقهما وفي موجَبهما، كيف الاختلاف؟ الإرادة الكونية تتعلق فيما وقع، سواء أحبه الله أم كرهه. والشرعية فيما أحبه سواء وقع أم لم يقع.
الموجب: الإرادة الكونية يجب فيها وقوع المراد، والإرادة الشرعية لا يجب فيها وقوع المراد، واضح يا جماعة؟ طيب (( إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير )) والثانية (( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير )).
ثم قال رحمه الله : " إن الكتابة تكون جملة وتكون تفصيلا " وأشار إلى ما يكون والجنين في بطن أمه فقال : " وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً " يعني واحدا من الملائكة. ( فيؤمر بأربع كلمات، فيقال له: اكتب ، رزقه - هذه واحدة - وأجله - اثنتان - وعمله - ثلاث - وشقي أم سعيد - هذه الرابعة - ) ما نقول هذه الرابعة والخامسة؟ لأنها واحدة من ثنتين فهي أربعة كلمات.
يكتب رزقه لا يزيد ولا ينقص، يكتب أجله لا يزيد ولا ينقص، يكتب عمله صالح أو فاسد، يكتب مآله شقي أم سعيد، فلا يزاد فيه ولا ينقص.
فأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يبسط له في أثره في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) فإنه لا يعارض هذا الحديث، لأنه يكون هذا الذي أحب أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه يكون قد كتب بأنه سوف يصل رحمه ويبسط له في رزقه وينسأ له في أثره، يكون أمره قد كتب وانتهى، وليس هذا أمرا يزداد بعد أن كتب ناقصا.
فإن قال قائل : إذا حملت الحديث على هذا المعنى فما الفائدة من قوله عليه الصلاة والسلام : ( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره )، فإذا قلت إن هذا كان مكتوبا فما الفائدة؟
نقول: الفائدة من ذلك هو حث الإنسان على فعل السبب الذي علم الله أنه سيفعله وكتب أجله ورزقه بناء على هذا السبب الذي سيفعله.
نظير ذلك الإنسان نقول: من أراد أن يولد فليتزوج، من أحب أن يولد له فليتزوح، ويكون هذا أمرا مكتوبا من قبل أن هذا سيتزوج وسوف يولد له، لكن أقول ذلك من باب الحث على أن يتزوج.
فهذه المسألة ما فيها إشكال، يعني أنا أتعجب كيف وقع الإشكال من كثير من أهل العلم في هذه المسألة؟ كيف يمكن أن يزاد في أجله وهو مقدر؟ وكيف يمكن أن يبسط له في رزقه وقد قدر من قبل؟
نقول: الأمر ما فيه إشكال، الأمر لم يتغير، هو قد كتب في علم الله وفي اللوح المحفوظ أنه سيصل رحمه ويبسط له في الرزق بسببه ويؤخر في عمره بسببه، لكن هو عالم بذلك ولا غير عالم؟ هو غير عالم، فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يحث الإنسان على فعل السبب الذي ليس عالما به وبنتائجه وإلا فإن الرزق والأجل والعمل وجميع الأشياء مقدرة من قبل ليس فيها زيادة وليس فيها نقص.
طيب، قال : ( وشقي أم سعيد ) وقد قسم الله سبحانه وتعالى الناس إلى قسمين شقي وسعيد، كما قال الله تعالى : (( يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد )) أي: ومنهم سعيد، كما في قوله : (( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن )) فالناس لا يخرجون عن هذين القسمين الكفر والإيمان والشقاوة والسعادة.
طيب هذه الكتابة، فيها الكتابة الحولية. متى تكون؟ في ليلة القدر، ودليل ذلك قوله تعالى : (( فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين )).
وهناك كتابات يومية تكتب فيها الأعمال وهي التي جاءت في الحديث الصحيح : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به إلى مكان سمع فيه صريف الأقلام ) لكن هذه كتابة للأعمال ليثاب عليها أو يعاقب.
قال : " فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديما ومنكروه اليوم قليل " هذا في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه لله يقول : المنكرين لهذا القدر الذي هو العلم والكتابة كانوا قليلين، لكن أول ما ظهرت القدرية كانوا ينكرون العلم والكتابة، ثم لما رأوا الناس قد شنعوا عليهم ورأوا أن هذا كفر عدلوا عن ذلك إلى إنكار المشيئة والخلق، وقالوا : إن الله عز وجل لا يشاء ولا يخلق أفعال العباد كما سيأتي.
" أما الدرجة الثانية فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهي الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " قرأنها هذا. " وأن ما في السماوات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه ".
وذكرنا في أثناء ذلك أن مشيئة الله متعلقة بأفعاله وأفعال الخلق.
وذكرنا الدليل على هذا، فقلنا الدليل على تعلق مشيئة الله بأفعاله أو من الأدلة على تعلق مشيئة الله بأفعاله قوله تعالى : (( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة )) (( فلو شاء الله لهداكم أجمعين )) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على أن فعل الله واقع بمشيئته.
أما الأدلة على أن فعل العبد واقع بمشيئته فهي أيضا كثيرة ومنها (( ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعده من بعد ماجاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا )) ومنها قوله تعالى : (( ولو شاء ربك ما فعلوه )) وقوله : (( ولو شاء الله ما فعلوه )).
ثم إننا تكلمنا على قول المؤلف : " ولا يكون في ملكه ما لا يريد " وقلنا إن كان المؤلف يريد بقوله ما لايريد الإرادة الكونية فهذا؟ صحيح وحق، فإنه لا يمكن أن يكون في ملك الله ما لا يريده كونا، وإن كان يريد ما لا يريده شرعا فهذا ليس بصحيح لكن المؤلف لا يريد هذا قطعا، لأننا نعرف اختياره رحمه الله فيكون المراد بقوله : " ولا يكون في ملكه ما لا يريد " أي إرادة كونية.
وذكرنا أيضا الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية في متعلقها وفي موجَبها.
فقلنا : الإرادة الكونية تتعلق فيما وقع سواء كان محبوبا أم غير محبوب. والإرادة الشرعية لا تكون إلا فيما هو محبوب.
أما الموجب : فالإرادة الكونية لا بد فيها من وقوع المراد، والإرادة الشرعية لا يلزم فيها وقوع المراد، أعرفتم هذا؟ طيب.
فإذا قال لنا قائل : ما تقولون في إيمان أبي بكر؟ أهو مراد بالإرادة الكونية أم بالشرعية؟ الجواب : بالكونية والشرعية، بالكونية لأنه وقع، وبالشرعية لأنه محبوب إلى الله، لأنه محبوب إلى الله عز وجل.
ولو قال : ما تقولون في كفر أبي لهب؟ قلنا: هو مراد بالإرادة الكونية غير مراد بالإرادة الشرعية، بالإرادة الكونية لأنه وقع، لا بالإرادة الشرعية لأن الله لا يحبه، كذا؟ طيب.
ولو قال قائل : ما تقولون في إيمان أبي لهب؟ أي في المطلوب منه؟ قلنا هو مراد شرعا غير مراد كونا، غير مراد كونا، لأنه لم يقع، مراد شرعا لأن الله يريد منه ومن غيره أن يؤمن.
طيب ما تقولون في كفر المؤمن؟ في كفر المؤمن؟ نقول : هذا غير مراد لا شرعا ولا كونا، غير مراد شرعا لأن الله لا يحبه وغير مراد كونا لأنه لم يقع. طيب.
ثم قال : " وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات " شوف على كل شيء، كل شيء فالله قادر عليه من الموجودات فيعدمها أو يغيرها، ومن المعدومات فيوجدها. فالقدرة تتعلق في في الموجود بإيجاده وفي الموجود بتغييره، وفي المعدوم. واضح؟ طيب.
فمثلا : الموجود قادر أن يعدمه ولا لا؟ وقادر أن يغيره؟ وقادر أن يغيره يعني ينقله من حال إلى حال.
المعدوم قادر على أن يوجده مهما كان.
طيب. القدرة هذه شاملة (( على كل شيء قدير )). ذكر بعض العلماء استثناء من ذلك، وقال : إلا ذات الله فليس عليها بقادر.
وقلنا له: ما الدليل على تخصيصك؟ قال: العقل، قال: العقل. فهل هذا صحيح؟ اه؟ غير صحيح؟ اه؟
نقول : ماذا تريد بأنه غير قادر على ذاته؟
إن أردت أنه غير قادر على أن يجعل في ذاته نقصا فنحن نوافقك على أن الله تعالى لا يلحقه النقص، لكننا لا نوافقك على أن هذا مما تتعلق به القدرة، ليش؟ لأن القدرة إنما تتعلق بالشيء الممكن، أما الشيء الواجب وجوده أو المستحيل وجوده ، فهذا ما تتعلق به القدرة.
فمثلا لو قال : هل تقولون إن الله قادر على أن يعدم نفسه سبحانه وتعالى؟ ماذا نقول؟ هذا شيء مستحيل، مستحيل العدم، والوجود واجب، فهو من الجهتين لا تتعلق به القدرة لأن ما وجب وجوده امتنع عدمه.
وحينئذ يكون وجود الله عز وجل من الأمور الواجبة التي لا تقبل العدم بأي وجه من الوجوه، وعدمه عز وجل أمر مستحيل.
وإن أردت بقولك : إنه غير قادر على ذاته : أنه غير قادر على أن يفعل، غير قادر على أن يجيء، غير قادر على أن يستوي على العرش، غير قادر على أن ينزل إلى السماء الدنيا فهذا هذا خطأ ليس بصحيح، بل هو قادر على ذلك، وفاعل له. ولو قلنا : إنه ليس بقادر على مثل هذه الأفعال، لكان ذلك من أكبر النقص الذي نصف الله به.
فصارت هذه الجملة أن ذات الله لا تتعلق بها القدرة جملة خاطئة على وجه الإجمال، لكنها على وجه التفصيل يتبين فيها الباطل من الصحيح.
هذا نقوله إذا كان أمامنا من يخاطبنا بمثل هذه العبارة، وإلا فإن الأسلم بلا شك أن لا ترد هذه العبارة أصلا يعني بأن نقول هو على كل شيء قدير، ولا نقول خص العقل ذاته فليس عليها بقادر، بل نقول هو على كل شيء قدير، ونسكت. واضح؟
المؤلف رحمه الله يقول : " وأن الله على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات ".
وإنما نص على هذا، لبيان الرد، أو رداً على القدرية الذين قالوا : إن الله ليس بقادر على فعل العبد، وأن العبد مستقل بعمله، ما لله فيه قدرة والعياذ بالله، ولكن ما في الكتاب والسنة من شمول قدرة الله يرد عليهم.
قال : " فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه ".
هذا الحصر صحيح ولا غير صحيح؟ صحيح. " ما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه " ما خلقه غيره . قال الله تعالى : (( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ )) وقال تعالى : (( أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ )). فلا يمكن أن يوجد شيء في السماء والأرض إلا الله خالقه وحده.
ولقد تحدى الله العابدين للأصنام تحداهم تحدياً أمرنا أن نستمع له فقال : (( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له )) سمعنا وأطعنا (( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً ولو اجتمعوا له )). ومعلوم أن الذين يدعون من دون الله في القمة ، لأنهم اتخذوهم أرباباً. فإذا عجز هؤلاء القمة عن أن يخلقوا ذباباً وهو من أخس الأشياء وأردئها، فما فوقه من باب أولى. أو تقول : العاجز عن خلق الذباب يقدر على أن يخلق الجمل؟ اه؟ لا؟ نعم الي يعجز عن خلق الذباب كيف يخلق الجمل؟ ما هو خالق شيء أبدا، زد على ذلك (( وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْه )) إذن يعجزون حتى عن مدافعة الذباب وأخذ حقهم منه، كيف يسلب الذباب هذه الأصنام ؟
قال بعض العلماء : إن هذا من باب التقدير يعني على فرض أن يسلبهم الذباب شيئاً، لا يستنقذوه منه، وقال بعضهم : بل المراد ما يسلبه الذباب من الأطياب التي تجعل على هذه الأصنام، الذباب يقع على هذه الأصنام ويحكها حكا ويأكل الي فيها، نعم؟ تجي الأصنام تركض على هذا الذباب يلا امسكوه طلعوا الي وكله، ولا ما يمكن؟ ما يمكن.
لا يستنقذوه منه قال الله تعالى : (( ضعف الطالب والمطلوب )). إذن ما من مخلوق في السماء والأرض إلا الله خالقه. ولا أحد يدعي أنه خالق مع الله. ولو ادعى لقلنا له يلا أنت خالق مع الله؟ اخلق ذبابا. ما يستطيع. اخلق بعوضا ما يستطيع. (( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها )) نعم؟ أو أكبر أو أقل ما يمكن يخلق. فما من مخلوق في السماء والأرض إلا الله خالقه لا خالق غيره ولا رب سواه. نعم وسبق أنه أشار رحمه الله إلى أن الدرجة الثانية تتضمن شيئين: المشيئة والخلق، المشيئة والخلق.
وأشار رحمه الله إلى الإرادة وذكرنا أن الإرادة تنقسم إلى قسمين : إرادة شرعية وإرادة كونية وأن الفرق بينهما من حيث المتعلق والموجب.
متعلق الإرادة الكونية ما وقع سواء كان محبوبا أم غير محبوب، متعلق الإرادة الشرعية ما أحب ما أحبه سواء كان واقعا أم غير واقع.
الموجب الإرادة الكونية يجب فيها وقوع المراد، والإرادة الشرعية اه؟ لا يجب فيها وقوع المراد.
وإلى هذا إذا قال لك قائل : هل أراد الله الشر؟ فقل : أما كونا فنعم، وأما شرعا فلا.
شرح قول المصنف : وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه
قدم المؤلف القدرة ثم بدأ بالخلق، وهذه هي الشيء الثاني في الدرجة الثانية، وهو الإيمان بعموم خلق الله عز وجل، وأن الله تعالى خالق كل شيء حتى أعمال العباد؟ الأكل والشرب والنوم والذهاب والمجيء والحركة والسكون مخلوقة لله؟ اه؟ مخلوقة لله، الدليل؟ الدليل قوله تبارك وتعالى : (( الله خالق كل شيء ))، وفعل الإنسان من الشيء، وقال تعالى : (( وخلق كل شيء فقدره تقديرا ))، وقال تعالى : (( إنا كل شيء خلقناه بقدر ))، والآيات في هذا كثيرة.
وجاءت الآية نصا في الموضوع وهو خلق أفعال العباد.
فقال إبراهيم لقومه : (( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )). ((خلقكم وما تعملون )) طيب. (( خلقكم وما تعملون )) "ما" هذه اسم موصول يعني خلقم وخلق الذي تعملونه وتنحتونه من الأصنام.
فإذا قال قائل : كيف يمكن أن نقول إن في الآية دليلا على خلق أفعال العباد على هذا التقدير أي على تقدير أن "ما" موصولة؟
الجواب : أنه إذا كان المعمول مخلوقاً لله، والذي عمله من؟ الإنسان، الذي عمله الإنسان، الذي نحت الأصنام هذه الإنسان، فإذا كانت هذه الأصنام منحوتة مخلوقة لله لزم أن يكون عمل الإنسان مخلوقاً، لأنها كانت بماذا؟ بعمل الإنسان. فإذا كان هذا المعمول مخلوقا وهو مصنوع بعمل الإنسان لزم من ذلك أن يكون عمل الإنسان ايش؟ مخلوقا. هذا على تقدير ما اسما موصولا.
أما على تقدير "ما" مصدرية فالأمر فيها ظاهر جدا، لأن تقدير الكلام على كونها مصدرية: والله خلقكم وعملكم وعملكم، وحينئذ تكون نصا في أن عمل الإنسان مخلوق لله عز وجل، فهمتم الآن ولا لا؟
طيب، إذن ما الدليل على عموم خلق الله لأفعال العباد؟ قلنا لدينا آيات عامة وآية خاصة في الموضوع، الآيات العامة (( الله خالق كل شيء )) (( وخلق كل شيء ))، الخاصة (( والله خلقكم وما تعملون )).
فإذا قال قائل : أنا أعارض في دلالة هذه الآية على خلق أعمال الإنسان، لأن الآية يحتمل أن تكون "ما" مصدرية ويحتمل أن تكون موصولة، فإذا كانت موصولة كان المعنى: والله خلقكم وخلق الذي تعملونه، ونحن نعلم أن هذه الأصنام أصلها خشب أو حجر مخلوق لله عز وجل، فما جوابه؟
جوابه أن نقول : ها، ما دام هذا العمل نخلوقا وهو ناتج عن فعل العبد كان فعل العبد الذي أنتج هذا الشيء مخلوقا ولا لا؟ أي نعم.
أما على تقدير "ما" مصدرية فالأمر فيها واضح جدا، يكون التقدير: والله خلقكم وعملكم، هذا دليل أثري على أن فعل العبد مخلوق لله عز وجل.
الدليل العقلي وهو النظري أن نقول : إن فعل العبد ناشئ عن أمرين : عزيمة صادقة وقدرة تامة.
فعل العبد ناشئ عن أمرين : عزيمة صادقة وقدرة تامة، توافقون على هذا؟ نعم؟ العزيمة تكون بعد المشيئة. طيب.
مثال ذلك : أنا أردت أن أعمل عملاً من الأعمال، لا يوجد هذا العمل حتى يكون مسبوقاً بأمرين هما :
العزيمة الصادقة على فعله، لأنني لو لم أعزم ما فعلته.
الثاني : القدرة التامة، لأنني لو لم أقدر ما فعلته.
فمن الذي خلق فيك هذه القدرة؟ الله عز وجل، والذي أودع فيك العزيمة هو الله عز وجل، قالوا : وخالق السبب التام - وهو هنا العزيمة والقدرة - خالق للمسبَّب، ما دام هذا الفعل الذي برز وشوهد ناتجا عن عزيمة عندي وقدرة، والعزيمة والقدرة عندي ايش؟ مخلوقة لله. لزم أن يكون المسبب الناشئ عنهما مخلوقا لله، لأن ما نشأ عن المخلوق فهو فهو مخلوق. طيب. أدلكم على أنه لا يمكن الفعل أو لا يمكن المفعول إلا بإرادة جازمة، بعزيمة صادقة جازمة وقدرة كاملة.
لو قيل لك مثلا : احمل هذا الحجر وأنت قوي نشيط تستطيع حمله بكل سهولة، قلت : لا، يقع حملك إياه؟ ليش؟ اه؟ لعدم العزيمة.
طيب قيل لك : احمل هذا الحجر، قلت أهلا وسهلا ما أستطيع أتخلف عن أمرك ثم تجي تزحزحه تبي تحمله عجزت اه؟ العزيمة الموجودة لكن القدرة غير موجودة، إذن ما يكون الفعل. الفعل لن يكون.
قيل لك : احمل هذا الحجر فقلت لبيك أهلا وسهلا أنا أحمله ثم أخذت الحجر كأنه حقيبة شلته حتى رفعته فوق رأسك حصل الفعل ولا لا؟ من أي شيء؟ من العزيمة والقدرة.
إذن العزيمة والقدرة مخلوقان لله عز وجل، فخالق السبب التام خالق للمسبَّب.
وجه ثان نظري عقلي على أن فعل الإنسان مخلوق لله عز وجل : أن نقول : الفعل وصف الفاعل، أليس كذلك؟ طيب، الفعل حركة الإنسان أو سكونه أو ما أشبه ذلك، هذا الفعل وصف الفاعل، والوصف تابع للموصوف، فكما أن الإنسان بذاته مخلوق فأفعاله مخلوقة، لأن الصفة تابعة للموصوف.
وهذا مفهوم من قاعدة مرت علينا في أسماء الله وصفاته وهي أن صفات الله غير مخلوقة، لأنها تابعة للموصوف.
طيب. إذن الدليل على أن عمل الإنسان مخلوق لله وداخل في عموم الخلق أثري ونظري.
الدليل الأثري قسمان عام وخاص، والدليل النظري أيضا قسمان، صح؟ طيب.
" فما من مخلوق " يقول المؤلف رحمه الله : " فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه ".
4 - شرح قول المصنف : وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه أستمع حفظ
شرح قول المصنف : لا خالق غيره ولا رب سواه
فإن قلت : هذا الحصر ( لا خالق إلا الله ) يرد عليه أن هناك خالقاً غير الله، المصور اعتبر نفسه خالقاً، بل جاء في الحديث أنه خالق ( فإن المصورين يعذبون، يقال لهم : أحيوا ما خلقتم ). شوف ما خلقتم، وقال عز وجل : (( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ )). (( أحسن الخالقين )) إذن فيه خالق. لكن الله تعالى هو أحسن الخالقين، فما الجواب عن قول المؤلف وقول غيره : " لا خالق إلا الله عز وجل "؟
الجواب : أن الخلق الذي ننسبه إلى الله عز وجل هو الإيجاد. الإيجاد، وليس التغيير، الإيجاد لا أحد يوجد إلا الله عز وجل. نعم، لا أحد يوجد إلا الله عز وجل، ما يستطيع الخلق أبدا أن يوجدوا شيئا، وما قيل : إنه خلق بالنسبة للمخلوق، فهو عبارة عن تحويل الشيء، تحويل شيء من صفة إلى صفة.
الخشبة بدل ما كانت أغصان شجرة أحوّلها إلى باب، تحويلها إلى باب يسمى خلقاً، لكن هل هو صحيح أني أوجدت الخشب؟ لا لم أوجده، فهذا خلق لكنه ليس الخلق الذي يختص به الخالق، وهو الإيجاد من العدم. طيب.
" لا رب سواه " أي : أن الله وحده جل وعلا هو الرب المدبر لجميع الأمور، وهذا حصر حقيقي.
ولكن ربما يرد عليه أنه جاء في الأحاديث إثبات الربوبية لغير الله.
ففي اللقطة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( دعها، معها - في الإبل - دعها معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء ، وتأكل الشجر، حتى يجدها ربها ). من ربها؟ صاحبها ليس الله، المراد صاحبها.
وجاء في بعض ألفاظ حديث جبريل، يقول : ( حتى تلد الأمة ربها ).
فما هو الجواب، أو ما هو الجمع بين هذا وبين قولنا : " لا رب إلا الله "؟
نقول : إن الربوبية هنا ربوبية مقيدة، الربوبية هنا أي في ( حتى يجدها ربها ) مثلا ربوبية مقيدة وقاصرة، معنى مقيدة يعني غير شاملة. فمثلا أنا رب هذه الحقيبة لكنني لست رب هذا المسجل. إذن ربوبيتي مقيدة بشيء معين غير شاملة.
ربوبية الله عامة شاملة، كل شيء، فالله ربه عز وجل. طيب.
ثانيا : هي ربوبية قاصرة ربوبيتي، لا أملك أن أتصرف في هذه الحقيبة وهي ملكي كما أريد بل تصرفي فيها مقيد بماذا ؟ بالشرع، لو أردت أمزقها الآن أو أحرقها لي ذلك ولا لا؟ ليس لي ذلك. لكن ربوبية الرب عز وجل.