تفسير سورة الفجر-12
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة الفجر: قال الله تعالى:" والفجر " وذكر نوعي الفجر والفرق بينهما، وما يتعلق به من أحكام
قال الله سبحانه وتعالى : (( والفجر. وليال عشر. والشفع والوتر. والليل إذا يسر )) كل هذه إقسامات بالفجر، وليال عشر، والشفع والوتر، والليل إذا يسر، خمسة أشياء أقسم الله تعالى بها، الأول: الفجر (( والفجر )) هو النور الساطع الذي يكون في الأفق الشرقي قرب طلوع الشمس، وبينه وبين طلوع الشمس ما بين ساعة واثنتين وثلاثين دقيقة، إلى ساعة وسبع عشرة دقيقة، ويختلف باختلاف الفصول، يعني أحياناً تطول الحصة ما بين الفجر وطلوع الشمس، وأحياناً تقصر حسب الفصول، والفجر فجران: فجر صادق، وفجر كاذب، والمقصود بالفجر هنا الفجر الصادق، والفرق بين الفجر الصادق والكاذب من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: الفجر الكاذب يكون مستطيلاً في السماء ليس عرضاً ولكنه طولاً، وأما الفجر الصادق يكون عرضاً يمتد من الشمال إلى الجنوب. الفرق الثاني: أن الفجر الصادق لا ظلمة بعده، بل يزداد الضياء حتى تطلع الشمس، وأما الفجر الكاذب فإنه يكون بعده ظلمة، فإنه يحدث بعده ظلمة بعد أن يكون هذا الضياء، ولهذا سمي كاذباً، لأنه يضمحل ويزول. الفرق الثالث: أن الفجر الصادق متصل بالأفق، أما الفجر الكاذب فبينه وبين الأفق ظلمة، هذه ثلاثة فروق آفاقية حسية يعرفها الناس إذا كانوا في البر، أما في المدن فلا يعرفون ذلك، لأن الأنوار تحجب هذه العلامات. وأقسم الله بالفجر لأنه ابتداء النهار، وهو في الحقيقة انتقال ، انتقال من ظلمة دامسة إلى فجر ساطع، وأقسم الله به لأنه لا يقدر على الإتيان بهذا الفجر إلا الله عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى: (( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون )) وأقسم الله بالفجر لأنه يترتب عليه أحكام شرعية، مثل: إمساك الصائم، فإنه إذا طلع الفجر وجب على الصائم أن يمسك إذا كان صومه فرضاً أو نفلاً إذا أراد أن يتم صومه، ويترتب عليه أيضاً: دخول وقت صلاة الفجر، وهما حكمان شرعيان عظيمان، أهمهما دخول وقت الصلاة، أي أنه يجب أن نراعي الفجر من أجل دخول وقت الصلاة أكثر مما نراعيه من أجل الإمساك في حالة الصوم، لماذا ؟ لأننا في الإمساك عن المفطرات في الصيام لو فرضنا أننا أخطأنا فإننا بنينا على أصل وهو بقاء الليل، لكن في الصلاة لو أخطأنا وصلينا قبل الفجر لم نكن بنينا على أصل، لأن الأصل بقاء الليل وعدم دخول وقت الصلاة، ولهذا لو أن الإنسان صلى الفجر قبل دخول وقت الصلاة بدقيقة واحدة فصلاته نفل ولا تبرأ بها ذمته، ومن ثَمَّ ندعوكم ـ أيها الإخوة ـ إلى ملاحظة هذه المسألة، أعني العناية بدخول وقت صلاة الفجر، لأن كثيراً من المؤذنين يؤذنون قبل الفجر وهذا غلط، لأن الأذان قبل الوقت ليس بمشروع لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم )، ومتى يكون حضور الصلاة ؟ أسألكم ، إذا دخل وقتها، فلو أذن الإنسان قبل دخول وقت الصلاة فأذانه غير صحيح يجب عليه الإعادة، والعناية بدخول الفجر مهمة جداً من أجل مراعاة وقت الصلاة.
الوجه الأول: الفجر الكاذب يكون مستطيلاً في السماء ليس عرضاً ولكنه طولاً، وأما الفجر الصادق يكون عرضاً يمتد من الشمال إلى الجنوب. الفرق الثاني: أن الفجر الصادق لا ظلمة بعده، بل يزداد الضياء حتى تطلع الشمس، وأما الفجر الكاذب فإنه يكون بعده ظلمة، فإنه يحدث بعده ظلمة بعد أن يكون هذا الضياء، ولهذا سمي كاذباً، لأنه يضمحل ويزول. الفرق الثالث: أن الفجر الصادق متصل بالأفق، أما الفجر الكاذب فبينه وبين الأفق ظلمة، هذه ثلاثة فروق آفاقية حسية يعرفها الناس إذا كانوا في البر، أما في المدن فلا يعرفون ذلك، لأن الأنوار تحجب هذه العلامات. وأقسم الله بالفجر لأنه ابتداء النهار، وهو في الحقيقة انتقال ، انتقال من ظلمة دامسة إلى فجر ساطع، وأقسم الله به لأنه لا يقدر على الإتيان بهذا الفجر إلا الله عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى: (( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون )) وأقسم الله بالفجر لأنه يترتب عليه أحكام شرعية، مثل: إمساك الصائم، فإنه إذا طلع الفجر وجب على الصائم أن يمسك إذا كان صومه فرضاً أو نفلاً إذا أراد أن يتم صومه، ويترتب عليه أيضاً: دخول وقت صلاة الفجر، وهما حكمان شرعيان عظيمان، أهمهما دخول وقت الصلاة، أي أنه يجب أن نراعي الفجر من أجل دخول وقت الصلاة أكثر مما نراعيه من أجل الإمساك في حالة الصوم، لماذا ؟ لأننا في الإمساك عن المفطرات في الصيام لو فرضنا أننا أخطأنا فإننا بنينا على أصل وهو بقاء الليل، لكن في الصلاة لو أخطأنا وصلينا قبل الفجر لم نكن بنينا على أصل، لأن الأصل بقاء الليل وعدم دخول وقت الصلاة، ولهذا لو أن الإنسان صلى الفجر قبل دخول وقت الصلاة بدقيقة واحدة فصلاته نفل ولا تبرأ بها ذمته، ومن ثَمَّ ندعوكم ـ أيها الإخوة ـ إلى ملاحظة هذه المسألة، أعني العناية بدخول وقت صلاة الفجر، لأن كثيراً من المؤذنين يؤذنون قبل الفجر وهذا غلط، لأن الأذان قبل الوقت ليس بمشروع لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم )، ومتى يكون حضور الصلاة ؟ أسألكم ، إذا دخل وقتها، فلو أذن الإنسان قبل دخول وقت الصلاة فأذانه غير صحيح يجب عليه الإعادة، والعناية بدخول الفجر مهمة جداً من أجل مراعاة وقت الصلاة.
1 - تفسير سورة الفجر: قال الله تعالى:" والفجر " وذكر نوعي الفجر والفرق بينهما، وما يتعلق به من أحكام أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى:" وليال عشر " وبيان فضل عشر ذي الحجة
وقوله تعالى: (( وليال عشر )) قيل المراد بـالليالي العشر عشر ذي الحجة، وأطلق على الأيام ليالي، لأن اللغة العربية واسعة، قد تطلق الليالي ويراد بها الأيام، والأيام يراد بها الليالي، وقيل المراد بـالليالي العشر، ليال العشر الأخيرة من رمضان. أما على الأول الذين يقولون المراد بالليال العشر عشر ذي الحجة، فلأن عشر ذي الحجة أيام فاضلة قال فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ) قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ( ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ). وأما الذين قالوا: إن المراد بالليال العشر هي ليال عشر رمضان الأخيرة، فقالوا: إن الأصل في الليالي أنها الليالي وما هي الأيام، وقالوا: إن ليال العشر الأخيرة من رمضان فيها ليلة القدر التي قال الله عنها أنها(( خير من ألف شهر ))، وقال: (( ليلة مباركة ((.وقال)) فيها يفرق كل أمر حكيم (( ، وهذا القول أرجح من القول الأول، وإن كان القول الأول هو قول الجمهور، لكن اللفظ لا يسعف قول الجمهور، وإنما يرجح القول الثاني أنها الليالي العشر الأواخر من رمضان، وأقسم الله بها لشرفها، ولأن فيها ليلة القدر، ولأن المسلمين يختمون بها شهر رمضان الذي هو وقت فريضة من فرائض الإسلام وأركان الإسلام، فلذلك أقسم الله بهذه الليالي.
تفسير قوله تعالى:" والشفع والوتر "
وأما قوله: (( والشفع والوتر )) فقيل: إن المراد به كل الخلق، كل الخلق إما شفع وإما وتر، صح ، كل الخلق إما شفع وإما وتر والله عز وجل يقول: (( ومن كل شيء خلقنا زوجين )). فالعبادات إما شفع وإما وتر، فيكون المراد بالشفع والوتر كل ما كان مخلوقاً من شفع ووتر، وكل ما كان مشروعاً من شفع ووتر، وقيل: المراد بالشفع الخلق كلهم، والمراد بالوتر الله عز وجل. واعلموا أن قوله والوتر فيها قراءتان صحيحتان (( والوِتر )) و(( الوَتر )) يعني لو قلت (( والشفع والوِتر )) صح ولو قلت (( والشفع والوَتْر )) صح أيضاً، فقالوا إن الشفع هو الخلق، لأن المخلوقات كلها مكونة من شيئين (( ومن كل شيء خلقنا زوجين )) والوَتْر أو الوِتر هو الله لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: ( إن الله وتر يحب الوتر )، وإذا كانت الآية تحتمل معنيين ولا منافاة بينهما فلتكن لكل المعاني التي تحتملها الآية، وهذه القاعدة في علم التفسير أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين وأحدهما لا ينافي الآخر فهي محمولة على المعنيين جميعاً. قال تعالى: (( والليل إذا يسر )) أقسم الله أيضاً بالليل إذا يسري، والسري: هو السير في الليل، والليل ـ كما نعلم ـ يسير يبدأ بالمغرب وينتهي بطلوع الفجر فهو يمشي الزمن يمشي ما يتوقف، فهو دائماً في سريان، فأقسم الله به لما في ساعاته من العبادات كصلاة المغرب، والعشاء، وقيام الليل، والوتر وغير ذلك، ولأن في الليل مناسبة عظيمة وهي أن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: ( من يسألني فأعطيه، من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له ) ولهذا نقول: إن الثلث الآخر من الليل إنه وقت إجابة، فينبغي أن ينتهز الإنسان هذه الفرصة فيقوم لله عز وجل يتهجد ويدعو الله سبحانه وتعالى بما شاء من خير الدنيا والآخرة لعله يصادف ساعة إجابة ينتفع بها في دنياه وأخراه.
تفسير قوله تعالى:" هل في ذلك قسم لذي الحجر "
يقول الله تبارك وتعالى (( هل في ذلك قسم لذي حجر )) ،
تفسير قوله تعالى:" ألم تر كيف فعل ربك بعاد. ارم ذات العماد " ذكر قصة هود مع قومه عاد
يقول الله تعالى (( ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد )) الخطاب هنا لكل من يوجه إليه هذا الكتاب العزيز وهم البشر كلهم بل والجن أيضاً ألم تر أيها المخاطب ((كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد )) يعني ما الذي فعل بهم؟ وعاد قبيلة معروفة في جنوب الجزيرة العربية، أرسل الله تعالى إليهم هوداً عليه الصلاة والسلام فبلغهم الرسالة ولكنهم عتوا وبغوا وقالوا من أشد منا قوة قال الله تعالى: (( أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون )). فهم افتخروا في قوتهم ولكن الله بين أنهم ضعفاء أمام قوة الله ولهذا قال: (( أولم يروا أن الله الذي خلقهم )) ولم يقل أن الله أشد منهم قوة بل قال: (( الذي خلقهم )) ليبين ضعفهم وأنه جل وعلا أقوى منهم، لأن الخالق أقوى من المخلوق (( أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون. فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون )). كنا نقول: (( ألم تر كيف فعل ربك بعاد )) والذي فعل الله بهم أنه أرسل عليهم الريح العقيم (( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً ، فترى القوى فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ))، (( فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ))، وهذا الاستفهام الذي لفت الله فيه النظر إلى ما فعل بهؤلاء يراد به الاعتبار يعني اعتبر أيها المكذّب للرسول محمد صلى الله عليه وسلّم بهؤلاء كيف أُذيقوا هذا العذاب، وقد قال الله تعالى: (( وما هي من الظالمين ببعيد )). وقوله: (( إرم )) هذه اسم للقبيلة، وقيل اسم للقرية، وقيل غير ذلك، فسواء كانت اسما للقبيلة أو اسما للقرية فإن الله تعالى نكل بهم نكالاً عظيماً مع أنهم أقوياء. وقوله: (( ذات العماد ))، (( التي لم يخلق مثلها في البلاد )) يعني أصحاب (( العماد )): الأبنية القوية
تفسير قوله تعالى:" التي لم يخلق مثلها في البلاد "
،(( التي لم يخلق مثلها في البلاد )): أي لم يصنع مثلها في البلاد، لأنها قوية ومحكمة، وهذا هو الذي غرهم وقالوا: مَن أشد منا قوة؟ وفي قوله تعالى: (( لم يخلق مثلها في البلاد )) مع أن الذي صنعها الآدمي دليل على أن الآدمي قد يوصف بالخلق فيقال خلق كذا، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام في المصورين ( يقال لهم أحيوا ما خلقتم )، لكن الخلق الذي ينسب للبشر بل الخلق الذي ينسب للمخلوق ليس هو الخلق المنسوب إلى الله. الخلق المنسوب إلى الله إيجاد بعد إعدام وتحويل وتغيير، أما الخلق المنسوب لغير الله فهو مجرد تحويل، تحويل وتغيير، وأضرب لكم مثلاً: هذا الباب من خشب، من الذي خلق الخشب؟ الله، لا يمكن للبشر أن يخلقوه، لكن البشر يستطيع أن يحول جذوع الخشب وأغصان الخشب إلى أبواب، إلى دواليب، وما أشبه ذلك، فالخلق المنسوب للمخلوق ليس هو الخلق المنسوب للخالق، والفرق ؟ أجيبوا، الخلق المنسوب للخالق إيجاد من عدم وهذا لا يستطيعه أحد، والمنسوب للمخلوق تغيير وتحويل يحول الشيء من صفة إلى صفة، أما أن يغير الذوات بمعنى يجعل الذهب فضة، أو الفضة حديداً، أو ما أشبه ذلك فهذا مستحيل لا يمكن إلا لله وحده لا شريك له.
تفسير قوله تعالى:" وثمود الذين جابوا الصخر بالواد "
ثم قال: (( وثمود الذين جابوا الصخر بالواد )) ثمود :هم قوم صالح ومساكنهم معروفة الآن، كما قال تعالى: (( ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين )). في سورة (( الر )) ذكر الله أن ثمود كانوا في بلاد الحجر وهي معروفة مر عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في طريقه إلى تبوك وأسرع وقنّع رأسه صلى الله عليه وسلّم وقال: ( لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ما أصابهم )، هؤلاء القوم أعطاهم الله قوة حتى صاروا يخرقون الجبال، والحصى، والصخور العظيمة ويصنعون منها بيوتاً ولهذا قال: (( جابوا الصخر بالواد )) أي: وادي ثمود، وهو معروف، هؤلاء أيضاً فعل الله بهم ما فعل من العذاب والنكال حيث قيل لهم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ثم بعد الثلاثة الأيام أخذتهم الصيحة والرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، فعلينا أيها الأخوة أن نعتبر بحال هؤلاء المكذبين الذين صار مآلهم إلى الهلاك والدمار، وليُعلم أن هذه الأمة لن تُهلك بما أهلكت به الأمم السابقة بهذا العذاب العام، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأل الله تعالى أن لا يُهلكهم بسنة بعامة ولكن قد تهلك هذه الأمة بأن يجعل الله بأسهم بينهم، فتجري بينهم الحروب والمقاتلة، ويكون هلاك بعضهم على يد بعض، لا بشيء ينزل من السماء كما صنع الله تعالى بالأمم السابقة، ولهذا يجب علينا أن نحذر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن نبتعد عن كل ما يثير الناس بعضهم على بعض، وأن نلزم دائماً الهدوء، وأن نبتعد عن القيل والقال وكثرة السؤال، فإن ذلك مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكم من كلمة واحدة صنعت ما تصنعه السيوف الباترة، فالواجب الحذر من الفتن، وأن نكون أمة متآلفة متحابة، يتطلب كل واحد منا العذر لأخيه إذا رأى منه ما يكره. نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير والصلاح وأن يجمع قلوبنا على طاعته. قال الله تبارك وتعالى: (( ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد. التي لم يخلق مثلها في البلاد . وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ))،
تفسير قوله تعالى:" وفرعون ذي الأوتاد "
قال: (( وفرعون ذي الأوتاد ))(( فرعون )) فرعون هو الذي أرسل الله إليه موسى عليه الصلاة والسلام، وكان قد استذل بني إسرائيل في مصر، يذبح أبنائهم ويستحيي نسائهم، وقد اختلف العلماء في السبب الذي أدّى به إلى هذه الفعلة القبيحة، لماذا يقتل الأبناء ويبقي النساء؟! فقال بعض العلماء: إن كهنته قالوا له إنه سيولد في بني إسرائيل رجل يكون هلاكك على يده فصار يقتل الأبناء ويستبقي النساء. ومن العلماء من قال: إنه فعل ذلك من أجل أن يضعف بني إسرائيل، لأن الأمة إذا قُتلت رجالها واستبقيت نسائها ذلت بلا شك، فالأول تعليل أهل الأثر، والثاني تعليل أهل النظر ـ أهل العقل ـ ولا يبعد أن يكون الأمران جميعاً قد صارا علة لهذا الفعل، ولكن بقدرة الله عز وجل أن هذا الرجل الذي كان هلاك فرعون على يده تربى في نفس بيت فرعون، فإن امرأة فرعون التقطته وربته في بيت فرعون، فرعون استكبر في الأرض وعلا في الأرض وقال لقومه: (( أنا ربكم الأعلى )) وقال لهم: (( ما علمت لكم من إله غيري )) وقال لهم: (( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين )) يعني موسى (( ولا يكاد يبين )) ، قال الله تعالى: (( فاستخف قومه فأطاعوه )). وتعلمون أنه قال لقومه مقرراً لهم: (( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون )). فافتخر بالأنهار وهي المياه فأغرق بالماء. (( وفرعون ذي الأوتاد )): أي ذي القوة، لأن جنوده كانوا له بمنزلة الوتد، والوتد كما نعلم تربط به حبال الخيمة فتستقر وتثبت، فله جنود أمم عظيمة ما بين ساحر وكاهن وغير ذلك لكن الله سبحانه فوق كل شيء. قال تعالى: (( الذين طغوا في البلاد )) الطغيان مجاوزة الحد ومنه قوله تعالى: (( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية )). أي لما زاد الماء حملناكم في الجارية يعني بذلك السفينة التي صنعها نوح عليه الصلاة والسلام،
تفسير قوله تعالى:" الذين طغوا في البلاد. فأكثروا فيها الفساد "
فمعنى (( طغوا في البلاد )) أي: زادوا عن حدهم واعتدوا على عباد الله. (( فأكثروا فيها الفساد )) الفساد، هل هو الفساد الحسي أو المعنوي؟ الجواب هو: الفساد المعنوي، والفساد المعنوي يتبعه الفساد الحسي،أنتم معنا؟ الفساد المعنوي يتبعه الفساد الحسي، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: (( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون )). ولهذا قال بعض العلماء في قوله تعالى: (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )). قالوا: لا تفسدوها بالمعاصي، وعلى هذا فيكون قوله (( فأكثروا فيها الفساد )) أي: الفساد المعنوي، لكن الفساد المعنوي يتبعه الفساد الحسي، وكان فيما سبق من الأمم أن الله تعالى يدمر هؤلاء المكذبين عن آخرهم، لكن هذه الأمة رفع الله عنها هذا النوع من العقوبات، وجعل عقوبتها أن يكون بأسهم بينهم، هم فيما بينهم يدمر بعضهم بعضاً، وعلى هذا فما حصل من المسلمين من اقتتال بعضهم بعضاً، ومن تدمير بعضهم بعضاً إنما هو بسبب إيش؟ إنما سببه المعاصي والذنوب، يسلط الله بعضهم على بعض ويكون هذا عقوبة من الله سبحانه وتعالى. ولهذا قال :(( فأكثروا فيها الفساد )).
تفسير قوله تعالى:" فصب عليهم ربك سوط عذاب "
(( فصب عليهم ربك سوط عذاب )) (( صب عليهم )): والصب معروف أنه يكون من فوق، والعذاب الذي أتى هؤلاء من فوق من عند الله عز وجل. و(( سوط عذاب )) السوط هو العصا الذي يضرب به، ومعلوم أن الضرب بالعصا نوع عذاب، لكن هل هذا السوط الذي صبه الله تعالى على عاد، وثمود، وفرعون، هل هو العصا المعروف الذي نعرف، أو أنه عصا عذاب أهلكهم؟ الجواب: الثاني عصا عذاب أهلكهم وأبادهم. نسأل الله تعالى أن يجعل لنا ولكم فيما سبق من الأمم عبرة نتعظ بها وننتفع بها، ونكون طائعين لله عز وجل غير طاغين، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تفسير قوله تعالى:" إن ربك لبالمرصاد "
قال الله تعالى: (( إن ربك لبالمرصاد )): الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو لكل من يتوجه إليه الخطاب، يبين الله عز وجل أنه بالمرصاد لكل من طغى واعتدى وتكبر، فإنه له بالمرصاد سوف يعاقبه ويؤاخذه، وهذا المعنى له نظائر في القرآن الكريم منها قوله تبارك وتعالى: (( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها )). وكقول شعيب لقومه: (( أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد )). فسنة الله سبحانه وتعالى واحدة في المكذبين لرسله، المستكبرين عن عبادته هو لهم بالمرصاد، وهذه الآية تفيد التهديد والوعيد لمن حاول، أو لمن استكبر عن عبادة الله، أو كذب خبره.
تفسير قوله تعالى:" فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن "
ثم قال عز وجل: (( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول رب أكرمن. وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن )) الابتلاء من الله عز وجل يكون بالخير وبالشر كما قال تعالى: (( ونبلوكم بالشر والخير فتنة )). فيُبتلى الإنسان بالخير ليبلوه الله عز وجل أيشكر أم يكفر، ويبتلى بالشر ليبلوه أيصبر أم يفجر، وأحوال الإنسان كما تعلمون جميعاً دائرة بين خير وشر، بين خير يلائمه ويسره، وبين شر لا يلائمه ولا يسره، وكله ابتلاء من الله، والإنسان بطبيعته الإنسانية المبنية على الظلم والجهل إذا ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه يقول (( رب أكرمن )): يعني أنني أهل للإكرام ولا يعترف بفضل الله عز وجل، وهذا كقوله تعالى: (( قال إنما أوتيته على علم عندي )). لما ذكر بنعمة الله عليه قال: (( إنما أوتيته على علم عندي )) ولم يعترف بفضل الله، وما أكثر الناس الذين هذه حالهم إذا أكرمهم الله عز وجل ونعمهم، قالوا: هذا إكرام من الله لنا، لأننا أهل لذلك، ولو أن الإنسان قال: إن الله أكرمني بكذا اعترافاً بفضله وتحدثاً بنعمته لم يكن عليه في ذلك بأس، لكن إذا قال: أكرمني، يعني أنني أهل للإكرام، كما يقول مثلاً كبير القوم إذا نزل ضيفاً على أحدهم قال: أكرمني فلان، لأنني أهل لذلك.
تفسير قوله تعالى:" وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن "
(( وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه )): يعني ضيق عليه الرزق (( فيقول ربي أهانن )): يعني يقول إن الله تعالى ظلمني فأهانني، ولم يرزقني كما رزق فلاناً، ولم يكرمني كما أكرم فلاناً، فصار عند الرخاء لا يشكر، يعجب نفسه ويقول هذا حق لي، وعند الشدة لا يصبر بل يعترض على ربه ويقول (( ربي أهانن ))، وهذا حال الإنسان باعتباره إنساناً، أما المؤمن فليس كذلك، المؤمن إذا أكرمه الله ونعّمه شكر ربه على ذلك، ورأى أن هذا فضل من الله عز وجل وإحسان، وليس من باب الإكرام الذي يقدم لصاحبه على أنه مستحق، وإذا ابتلاه الله عز وجل وقدر عليه رزقه صبر واحتسب، وقال هذا بذنبي، والرب عز وجل لم يهني ولم يظلمني، فيكون صابراً عند البلاء، شاكراً عند الرخاء، وفي الآيتين إشارة إلى أنه يجب على الإنسان أن يتبصر فيقول مثلاً: لماذا أعطاني الله المال؟ ماذا يريد مني؟ يريد مني أن أشكر. لماذا ابتلاني الله بالفقر، بالمرض وما أشبه ذلك؟ يريد مني أن أصبر. فليكن محاسباً لنفسه حتى لا يكون مثل حال الإنسان المبنية على الجهل والظلم،
تفسير قوله تعالى:" كلا بل لا تكرمون اليتيم "
ولهذا قال تعالى: (( كلا )) يعني لم يعطك ما أعطاك إكراماً لك لأنك مستحق ولكنه تفضل منه، ولم يهنك حين قدر عليك رزقه، بل هذا مقتضى حكمته وعدله. ثم قال تعالى: (( بل لا تكرمون اليتيم )) يعني أنتم إذا أكرمكم الله عز وجل بالنعم لا تعطفون على المستحقين للإكرام وهم اليتامى، فاليتيم هنا اسم جنس، ليس المراد يتيماً واحداً بل جنس اليتامى، واليتيم قال العلماء: هو الذي مات أبوه قبل بلوغه من ذكر أو أنثى، وأما من ماتت أمه فليس بيتيم (( بل لا تكرمون اليتيم )) ، وقوله تعالى: (( اليتيم )): يشمل الفقير من اليتامى، والغني من اليتامى، حتى الغني من اليتامى ينبغي الإحسان إليه وإكرامه لأنه انكسر قلبه بفقد أبيه ومن يقوم بمصالحه، فأوصى الله تعالى به حتى يزول هذا الكسر الذي أصابه.
تفسير قوله تعالى:" ولا تحاضون على طعام المسكين "
(( ولا تحاضون على طعام المسكين )): يعني لا يحض بعضكم بعضاً على أن يطعم المسكين، وإذا كان لا يحض غيره فهو أيضاً لا يفعله بنفسه، فهو لا يطعم المسكين ولا يحض على طعام المسكين، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي لنا أن نكرم الأيتام، وأن يحض بعضنا بعضاً على إطعام المساكين، لأنهم في حاجة، والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
تفسير قوله تعالى:" وتأكلون التراث أكلا لما. وتحبون المال حبا جما "
(( وتأكلون التراث أكلاً لما. وتحبون المال حبًّا جًّما )) : (( التراث )) ما يورثه الله العبد من المال، سواء ورثه عن ميت، أو باع واشترى وكسب، أو خرج إلى البر وأتى بما يأتي به من عشب وحطب وغير ذلك، المهم أن التراث ما يرثه الإنسان، أو ما يورثه الله للإنسان من المال فإن بني آدم يأكلونه أكلاً لما، وأما المال فقال: (( وتحبون المال حبًّا جًّما )): أي عظيماً، وهذا هو طبيعة الإنسان، ولكن الإيمان له مؤثراته قد يكون الإنسان بإيمانه لا يهتم بالمال وإن جاءه شكر الله عليه، وأدّى ما يجب وإن ذهب لا يهتم به، لكن طبيعة الإنسان من حيث هو كما وصفه الله عز وجل في هاتين الآيتين، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والصلاح وأن يقينا شر أنفسنا إنه على كل شيء قدير.
تفسير قوله تعالى:" كلا إذا دكت الأرض دكا دكا. وجاء ربك والملك صفا صفا "
قوله تبارك وتعالى: (( كلا إذا دكت الأرض دكًّا دكًّا. وجاء ربك والملك صفًّا صفًّا. وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى )): يذكر الله سبحانه وتعالى الناس بيوم القيامة (( إذا دكت الأرض دكًّا دكًّا )): أي دكاً بعد دك حتى لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، تُدك الجبال، ولا بناء، ولا أشجار، تمد الأرض كمد الأديم، ويكون الناس عليها في مكان واحد يُسمعهم الداعي وينفذهم البصر في هذا اليوم (( يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى. يقول يا ليتني قدمت لحياتي )) ولكن قد فات الأوان، إلا أننا في الدنيا في مجال العمل في زمن المهلة يمكن للإنسان أن يكتسب لمستقره، كما قال مؤمن آل فرعون (( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار )). متاع يتمتع به الإنسان كما يتمتع المسافر بمتاع السفر حتى ينتهي سفره، فهكذا الدنيا، واعتبر يا أخي، اعتبر ما يستقبل بما مضى، كل ما مضى كأنه ساعة من نهار، كأننا الآن مخلوقون، فكذلك ما يستقبل سوف يمر بنا سريعاً ويمضي جميعاً، وينتهي السفر إلى مكان آخر ليس مستقرًّا، إلى الأجداث إلى القبور ومع هذا فإنها ليست محل استقرار لقول الله تعالى: (( ألهاكم التكاثر. حتى زرتم المقابر )). سمع أعرابي رجلاً يقرأ هذه الآية فقال: " والله ما الزائر بمقيم ولابد من مفارقة لهذا المكان "، وهذا استنباط قوي وفهم جيد يؤيده الآيات الكثيرة الصريحة في ذلك كما في قوله تعالى: (( ثم إنكم بعد ذلك لميتون. ثم إنكم يوم القيامة تبعثون )).
تفسير قوله تعالى:" وجاء ربك والملك صفا صفا " وشرح أثر مالك في الإستواء
@ وذكر الله سبحانه وتعالى ما يكون في هذا اليوم فقال: (( وجاء ربك والملك صفًّا صفًّا )): أي صفًّا بعد صف، (( وجاء ربك )): وهذا المجيء هو مجيئه ـ عز وجل ـ لأن الفعل أسند إلى الله، وكل فعل يسند إلى الله فهو قائم به لا بغيره، هذه القاعدة في اللغة العربية، والقاعدة في أسماء الله وصفاته كل ما أسنده الله إلى نفسه فهو له نفسه لا لغيره، وعلى هذا فالذي يأتي هو الله عز وجل، وليس كما حرّفه أهل التعطيل حيث قالوا إنه جاء أمر الله، فإن هذا إخراج للكلام عن ظاهره بلا دليل، فنحن من عقيدتنا أن نجري كلام الله ، ورسوله على ظاهره وأن لا نحرف فيه. ونقول: إن الله تعالى يجيء يوم القيامة هو نفسه، ولكن كيف هذا المجيء؟ هذا هو الذي لا علم لنا به لا ندري كيف يجيء؟ والسؤال عن مثل هذا بدعة كما قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ حين سُئل عن قوله تعالى: (( الرحمن على العرش استوى ))، كيف استوى؟ سائل يسأل كيف استوى؟ كيف الاستواء؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء ـ يعني العرق ـ لشدة هذا السؤال على قلبه، لأنه سؤال عظيم سؤال متنطع، سؤال متعنت، أو مبتدع يريد السوء، ثم رفع رأسه وقال: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة "، الشاهد الكلمة الأخيرة ـ السؤال عنه بدعة ـ واعتبر هذا في جميع صفات الله فلو سألنا سائل قال: إن الله يقول: (( لما خلقت بيدي )). يعني آدم، كيف خلقه؟ كيف خلقه بيده؟ نقول: هذا السؤال بدعة، قال: أنا أريد العلم لا أحب أن يخفى علي شيء من صفات ربي فأريد أن أعلم كيف خلقه؟ نقول: نحن نسألك أسئلة سهلة هل أنت أحرص على العلم من الصحابة رضي الله عنهم؟ إما أن يقول نعم، وإما أن يقول لا، والمتوقع أن يقول لا. طيب، هل الذي وجهت إليه السؤال أعلم بكيفية صفات الله عز وجل أم الرسول عليه الصلاة والسلام؟ سيقول: الرسول، إذاً الصحابة أحرص منك على العلم والمسئول الذي يوجه إليه السؤال أعلم من الذي تسأله ومع ذلك ما سألوا، لأنهم يلتزمون الأدب مع الله عز وجل، ويقولون بقلوبهم وربما بألسنتهم إن الله أجل وأعظم من أن تحيط أفهامنا وعقولنا بكيفيات صفاته، والله عز وجل يقول في كتابه في الأمور المعقولة (( ولا يحيطون به علماً )). وفي الأمور المحسوسة: (( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار )). فنقول: يا أخي الزم الأدب، لا تسأل كيف خلق الله آدم بيده؟ فإن هذا بدعة، وكذلك بقية الصفات لو سأل كيف عين الله عز وجل؟ قلنا له: هذا بدعة، لو سأل كيف اليد؟ يد الله عز وجل قلنا: هذا بدعة وعليك أن تلزم الأدب، وأن لا تسأل عن كيفية صفات الله عز وجل. لما قال هنا في الآية الكريمة (( وجاء ربك )) وسأل كيف يجيء؟ ماذا نقول له؟ أجيبوا؟ نقول: هذا بدعة ـ هذه القاعدة التزموها ـ هذا السؤال بدعة، وكل إنسان يسأل عن كيفية صفات الله فهو مبتدع متنطع، سائل عما لا يمكن الوصول إليه، فموقفنا من مثل هذه الآية (( وجاء ربك )) أن نؤمن بأن الله سيجيء ولكن على أي كيفية ؟ الله أعلم. طيب، لو قال قائل: هل يحتمل أن يكون مجيئه كمجيء الإنسان؟ أو كمجيء الملك إلى مكان الاحتفال؟ الجواب: لا،هذا نعلم أنه لا يكون والدليل قوله تعالى: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )). فنحن نعلم النفي ولا نعلم الإثبات، أي نعلم أنه لا يمكن أن يأتي على كيفية إتيان البشر، ولكننا لا نثبت الكيفية وهذا هو الواجب علينا، وقوله: (( والملك )) " أل " هنا للعموم يعني جميع الملائكة يأتون ينزلون ويحيطون بالخلق، تنزل ملائكة السماء الدنيا، ثم ملائكة السماء الثانية وهلم جرا يحيطون بالخلق إظهاراً للعظمة، وإلا فإن الخلق لا يمكن أن يفروا يميناً ولا شمالاً لكن إظهاراً لعظمة الله وتهويلاً لهذا اليوم العظيم، تنزل الملائكة يحيطون بالخلق، وهذا اليوم يوم مشهود يشهده الملائكة والإنس والجن والحشرات وكل شيء (( وإذا الوحوش حشرت )). فهو يوم عظيم لا ندركه الآن ولا نتصوره لأنه أعظم مما نتصور. الأمر الثالث مما به الإنذار في هذا اليوم بعد أن عرفنا الأمر الأول وهو مجيء الله، ثم صفوف الملائكة
تفسير قوله تعالى:" وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى "
قال: (( وجيء يومئذ بجهنم )) (( جيء يومئذ )) ولم يذكر الجائي لكن قد دلت السنة أنه يؤتى بالنار تقاد بسبعين ألف زمام كل زمام منها يقوده سبعون ألف ملك، وما أدراك ما قوة الملائكة؟ قوة ليست كقوة البشر، ولا كقوة الجن بل هي أعظم وأعظم بكثير، ولهذا لما قال عفريت من الجن لسليمان (( أنا آتيك به )) بعرش بلقيس (( قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين. قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرًّا عنده )). قال العلماء: لأن الرجل هذا دعا الله، فحملته الملائكة فجاءت به إلى سليمان في الشام من اليمن ، فقوة الملائكة عظيمة، وهم يجرون هذه النار بسبعين ألف زمام، كل زمام يجره سبعون ألف ملك، إذاً هي عظيمة- نسأل الله العافية ونسأل الله أن يجيرنا وإياكم منها-، هذه النار إذا رأتهم أي رأت أهلها من مكان بعيد، سمعوا لها تغيظاً وزفيراً، وليست كزفير الطائرات أو المعدات، زفير تنخلع منه القلوب - والعياذ بالله-، (( كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير )). وقال الله عز وجل: (( تكاد تميز من الغيظ )) تكاد تقطع من شدة الغيظ على أهلها - والعياذ بالله-، فلهذا أنذرنا الله تعالى منها فهذه ثلاثة أمور كلها إنذار: مجيء الرب جل جلاله، صفوف الملائكة، الثالث: الإتيان بجهنم. (( يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى )) يتذكر: يتعظ، لكن أنى له الاتعاظ فات الأوان، انقطع الاتعاظ بحضور الأجل في الدنيا قبل أن يصل الإنسان إلى الآخرة، (( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار ))، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المتعظين بآياته ونسأله تعالى أن يرزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً ورزقاً طيباً واسعاً.
تفسير قوله تعالى:" يقول يا ليتني قدمت لحياتي "
يقول: (( يا ليتني قدمت لحياتي. فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد )): وهذا هو آخر سورة الفجر يقول الله عز وجل: (( يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى )): يعني إذا جاء الله في يوم القيامة، وجاء الملك الملائكة صفوفاً صفوفاً، وأحاطوا بالخلق، وحصلت الأهوال والأفزاع يتذكر الإنسان، يتذكر أنه وعد بهذا اليوم، وأنه أعلم به من قبل الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنذروا وخوفوا، ولكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن ولو جاءته كل آية - والعياذ بالله -، حينئذ يتذكر لكن يقول الله عز وجل (( وأنى له الذكرى )) أين يكون له الذكرى في هذا اليوم الذي رأى فيه ما أخبر عنه يقيناً؟! والإيمان عن المشاهدة لا ينفع، الإيمان عن المشاهدة لا ينفع، لأن كل إنسان يؤمن بما شاهد، الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب (( الذين يؤمنون بالغيب )). فيصدق بما أخبرت به الرسل عن الله عز وجل وعن اليوم الآخر، في ذلك اليوم يتذكر الإنسان ولكن قال الله عز وجل: (( أنى له الذكرى )) أي بعيد أن ينتفع بهذه الذكرى التي حصلت منه حين شاهد الحق يقول الإنسان: (( يا ليتني قدمت لحياتي )) يتمنى أنه قدم لحياته وما هي حياته؟ أتظنون أنه يريد الحياة الدنيا؟ لا والله، الحياة الدنيا انتهت وقضت، وليست الحياة الدنيا حياة في الواقع، الواقع أنها هموم وأكدار، كل صفو يعقبه كدر، كل عافية يتبعها مرض، كل اجتماع يعقبه تفرق، انظروا ما حصل أين الآباء؟ أين الإخوان؟ أين الأبناء؟ أين الأزواج؟ هل هذه حياة؟ أبداً، ولهذا قال بعض الشعراء الحكماء: لا طيب للعيش مادامت منغصة *** لذاته بادكار الموت والهرم ، كل إنسان يتذكر أن مآله أحد أمرين: إما الموت، وإما الهرم، نحن نعرف أناساً كانوا شباباً في عنفوان الشباب عُمّروا لكن رجعوا إلى أرذل العمر، يَرقُ لهم الإنسان إذا رآهم في حالة بؤس، حتى وإن كان عندهم من الأموال ما عندهم، وعندهم من الأهل ما عندهم، لكنهم في حال بؤس، وهكذا كل إنسان إما أن يموت مبكراً، وإما أن يُعمّر فيرد إلى أرذل العمر فهل هذه حياة؟ الحياة هي ما بينه الله عز وجل: (( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان )) يعني لهي الحياة التامة (( لو كانوا يعلمون )). يقول هذا: (( يا ليتني قدمت لحياتي )) يتمني لكن ما يحصل (( أنى له الذكرى )).
تفسير قوله تعالى:" فيومئذ لا يعذب عذابه أحد. ولا يوثق وثاقه أحد " والكلام على فتنة المحيا والممات
قال تعالى: (( فيومئذ لا يعذِّب عذابه أحد، ولا يُوثَق وثاقه أحد )): يعني في هذا اليوم لا أحد يعذب عذابه، ولا أحد يوثق وثاقه، ومعلوم أن هذا الكافر، المؤمن يأتينا ذكر المؤمن إن شاء الله، الكافر لا يعذب أحد عذابه في ذلك اليوم و أخبركم لماذا؟ لأنه يُلقى على أهل النار في الموقف العطش الشديد، فينظرون إلى النار كأنها السراب، والسراب هو ما يشاهده الإنسان في أيام الصيف في شدة الحر من البقاع حتى يخيل إليه أنه الماء، ينظرون إلى النار كأنها سراب وهم عطاش، فيتهافتون عليها يذهبون إليها سراعاً يريدون أي شيء؟ يريدون الشرب، فإذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها: (( ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا )). قد قامت عليكم الحجة فيوبخونهم قبل أن يدخلوا النار، والتوبيخ عذاب قلبي وألم نفسي قبل أن يذوقوا ألم النار - أعاذنا الله وإياكم منها -، في النار يوبخهم الجبار عز وجل توبيخاً أعظم من هذا. ويقولون (( ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين. ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون )) قال الله تعالى وهو أرحم الراحمين: (( اخسئوا فيها ولا تكلمون )). أبلغ من هذا الإذلال،- والعياذ بالله -: (( اخسئوا فيها ولا تكلمون )) يقوله أرحم الراحمين، فمن يرحمهم بعد الرحمن؟! لا راحم لهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن أهون أهل النار عذاباً من عليه نعلان يغلي منهما دماغه، ولا يرى أن أحداً أشد منه عذاباً يرى أنه أشد الناس عذاباً وهو أهونهم عذاباً، وعليه نعلان يغلي منهما الدماغ، النعلان في أسفل البدن والدماغ في أعلاه، فإذا كان أعلى البدن يغلي من أسفله، فالوسط من باب أشد ـ أجارنا الله وإياكم من النار ـ (( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد )) لأنهم ـ والعياذ بالله ـ يوثقون (( ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه )). أدخلوه في هذه السلسلة تغل أيديهم ـ نسأل الله العافية ـ ولا أحد يتصور الآن ما هم فيه من البؤس والشقاء والعذاب، والله إن الإنسان أحياناً ليتمنى أنه لم يخلق خوفاً من النار، هذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: " ليت أمي لم تلدني، ليتني شجرة تعضد "، لأن الإنسان ما يدري، ما يدري ما هو عليه الآن هل هو على صواب أو هو على خطأ؟ هل في عباداته رياء؟ هل في عباداته بدعة؟ ثم لا يرى أيضاً وهو أخطر لا يرى ماذا يختم له به؟ ( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها )، من الذي يأمن عند الموت أن يصد أو يضل ويأتيه الشيطان ويقول أنا أبوك، اترك يا بني الإسلام وكن نصرانياً أو يهودياً، إن بعض الناس - والعياذ بالله - عند الموت يفتن، تعرض عليه الأديان، ويقال له اختر النصارى اختر اليهود فأعرض عن الإسلام، ولهذا نعوذ من فتنة المحيا وإيش؟ والممات، ومن الذي يأمن؟ أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة، من الذي يأمن؟ إذن على الإنسان أن يستعد قبل أن (( يقول يا ليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد )) .
21 - تفسير قوله تعالى:" فيومئذ لا يعذب عذابه أحد. ولا يوثق وثاقه أحد " والكلام على فتنة المحيا والممات أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى:" يا أيتها النفس المطمئنة. ارجعي إلى ربك راضية مرضية "
ثم ختم الله تعالى هذه السورة بما يبهج القلب ويشرح الصدر فقال: (( يا أيتها النفس المطمئنة ))- اللهم اجعل نفوسنا مطمئنة-، (( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية )) : (( ارجعي إلى ربك )) يقال هذا القول للإنسان عند النزع في آخر لحظة من الدنيا، يقال لروحه: اخرجي أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى رحمة من الله ورضوان، فتستبشر وتفرح، ويسهل خروجها من البدن، لأنها بشرت بما هو أنعم مما في الدنيا كلها، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها )، سوط الإنسان العصا القصير، موضع السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وليست دنياك أنت، بل الدنيا من أولها إلى آخرها، بما فيها من النعيم، والملك، والرفاهية وغيرها، موضع سوط خير من الدنيا وما فيها، فكيف بمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام، ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه، نعيم لا يمكن أن ندركه بنفوسنا ولا بتصورنا (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون )). معنى (( المطمئنة )): يعني المؤمنة الآمنة، المؤمنة الآمنة لأنك لا تجد أطمن نفسًا من نفس المؤمن أبداً، المؤمن يا أخواني نفسه طيبة مطمئنة، ولهذا تعجب الرسول صلى الله عليه وسلّم من المؤمن قال: ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته ضَّراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سَّراء شكر فكان خيراً له )، مطمئن ماش مع الله في قضاءه وقدره، لا يسخط عند المصائب، ولا يبطر عند النعم، بل هو شاكر عند النعم، صابر عند البلاء، فتجده مطمئناً، لكن الكافر أو ضعيف الإيمان لا يطمئن، إذا أصابه البلاء جزع وسخط، ورأى أنه مظلوم من قبل الله ـ والعياذ بالله ـ حتى إن بعضهم ينتحر ولا يصبر، ولا يطمئن، بل يكون دائماً في قلق، ينظر إلى نفسه وإذا هو قليل المال، قليل العيال ليس عنده زوجة، ليس له قوم يحمونه، فيقول: أنا لست في نعمة، لأن فلانًا عنده مال، عنده زوجات، عنده أولاد، عنده قبيلة تحميه، أنا ليس عندي، فلا يرى لله عليه نعمة، لا يرى لله عليه نعمة لأنه ضعيف الإيمان فليس بمطمئن، دائماً في قلق، ولهذا نجد الناس الآن يذهبون إلى كل مكان ليرفهوا عن أنفسهم ليزيلوا عنها الألم والتعب، لكن ما في، لا يزيل ذلك عنك إلا الإيش؟ إلا الإيمان، الإيمان الحقيقي هو الذي يؤدّي إلى الطمأنينة، فالنفس المطمئنة هي المؤمنة الإيش؟ الآمنة، مؤمنة في الدنيا، آمنة من عذاب الله يوم القيامة - اللهم اجعل نفوسنا هكذا -، يا إخواني قال بعض السلف كلمة عجيبة قال: " لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف "، هل تجدون أنعم في الدنيا من الملوك وأبنائهم، أجيبوا؟ لا، لا يوجد أحد أنعم منهم في الظاهر يعني نعومة الجسد، لكن قلوبهم ليست كقلوب المؤمنين، المؤمن الذي ليس عليه إلا ثوب مرقع، وكوخ لا يحميه من المطر، ولا من الحر، ولكنه مؤمن، دنياه ونعيمه في الدنيا أفضل من الملوك وأبناء الملوك، لأن قلبه مستنير بنور الله، بنور الإيمان، وها هو شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حبس وأوذي في الله عز وجل، فلما أدخل الحبس وأغلقوا عليه الحبس قال رحمه الله: (( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب )). يقول هذا تحدثاً بنعمة الله لا افتخاراً ثم قال: " ما يصنع أعدائي بي ـ أي شيء يصنعون ـ إن جنتي في صدري ـ ما هي الجنة؟ الإيمان والعلم واليقين ـ وإن حبسي خلوة، ونفيي ـ إن نفوه من البلد ـ سياحة وقتلي شهادة " سبحان الله هذا اليقين، هذه الطمأنينة، الإنسان لو دخل الحبس عندنا كان يخمس ويسدس، بناء مستقبلي، ما مستقبل أولادي، أهلي، قومي، هذا يقول: " جنتي في صدري " وصدق. ولعل هذا هو السر في قوله تبارك وتعالى: (( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى )) . يعني في الجنة لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، ومعلوم أن الجنة لا موت فها لا أولى ولا ثانية، لكن لما كان نعيم القلب ممتداً من الدنيا إلى دخول الجنة صارت كأن الدنيا والآخرة كلها جنة وليس فيها إلا موتة واحدة، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، وأن يجمعنا وإياكم وعموم المسلمين الذين أنعم الله عليهم في الجنة من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إنه على كل شيء قدير.يقول الله تعالى: (( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية )) : (( راضية )): بما أعطاك الله من النعيم، (( مرضية )): عند الله عز وجل كما قال تعالى: (( رضي الله عنهم ورضوا عنه )).
تفسير قوله تعالى:" فادخلي في عبادي. وادخلي جنتي " وبيان أقسام الناس من حيث الهداية والضلالة
(( فادخلي في عبادي )) أي: ادخلي في عبادي الصالحين، من جملتهم، لأن الصالحين عباد الله هم خير طبقات البشر، والبشر طبقاته ثلاث: منعم عليهم، ومغضوب عليهم، وضالون، كل هذه الطبقات مذكورة في سورة، واش هي؟ سورة الفاتحة (( اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم. غير المغضوب عليهم ولا الضالين )).وأنا أسألكم، أنتم عندما تقرؤون هذه الآية في أحدكم يشعر بأن الذين أنعم الله عليهم هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، ويشعر بأنه يسأل الله أن يهديه صراط هؤلاء؟ أكثر الناس لا يشعر لكن ما يشعر أن هذه تاريخ يشير إلى تاريخ الأمم. وأما الطبقة الثانية: (( المغضوب عليهم )): هم اليهود وأشباه اليهود من كل من علم الحق وخالفه، فكل من علم الحق وخالفه ففيه شبه من اليهود، كما قال سفيان بن عيينة ـ رحمه الله ـقال : " من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ". و : (( الضالون )) من؟ النصارى، هم الذين جهلوا الحق، أرادوه لكن عموا عنه - والعياذ بالله -، ما اهتدوا إليه، قال ابن عيينة: و" كل من فسد من عبّادنا ففيه شبه من النصارى "، لأنهم العبّاد يريدون الخير يريدون العبادة لكن ما عندهم علم ، فهم ضالون. فأقول يا أخواني الناس طبقات ثلاثة :المنعم عليهم والمغضوب عليهم. والضالون. ولذا يقول:(( ادخلي في عبادي ))، من العباد؟ المراد أي الطبقات؟ الطبقة الأولى المنعم عليهم. (( وادخلي جنتي )) أي جنته التي أعدها الله عز وجل لأوليائه - نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها -، أضافها الله إلى نفسه تشريفاً لها وتعظيماً، وإعلاماً للخلق بعنايته بها جل وعلا، والله سبحانه وتعالى قد خلقها خلقاً غير خلق الدنيا، خلق لنا في الدنيا فاكهة، ونخلا، ورمانا، في الجنة فاكهة، ونخل، ورمان، أتظنون أن ما في الجنة كما في الدنيا؟ كلا، أبداً لا يمكن، لأن الله يقول: (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين )). ولو كان ما في الجنة كالذي في الدنيا لكنا نعلم، إذاً هو مثله في إيش؟ في الاسم، لكن ليس مثله في الحقيقة ولا في الكيفية ولهذا قال: (( ادخلي جنتي )) فأضافها الله إلى نفسه للدلالة على شرفها وعناية الله بها، وهذا يوجب للإنسان أن يرغب فيها غاية الرغبة، كما أنه يرغب في بيوت الله التي هي المساجد، لأن الله أضافها إلى نفسه، فكذلك يرغب في هذه الدار التي أضافها الله إلى نفسه، والأمر يسير، قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلّم: دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، فقال: ( لقد سألت عن عظيم )- وهو صحيح عظيم -، (( فمن زُحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز ))، ولكن- ( وإنه ليسير على من يسره الله عليه ) - اللهم يسرنا لليسرى-، ( تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة ... )، وذكر الحديث، المهم أن الدين والحمد لله يسير سهل، لكن النفوس الأمّارة بالسوء هي التي تحول بيننا وبين ديننا ، والشهوات، والشبهات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.
اضيفت في - 2007-02-04