تفسير سورة البلد-13
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة البلد: الكلام على البسملة وهل هي آية من كل سورة ولماذا لم تذكر في سورة التوبة؟
يقول الله عز وجل :(( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) والبسملة: آية مستقلة وهي من كتاب الله، ولكن ليست من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها، بل هي آية مستقلة تفتتح بها السور إلا سورة براءة، فإن افتتاح سورة براءة بالبسملة من البدع والخروج عن منهج الصحابة رضي الله عنهم، ونحن نعلم أنها لم تنزل البسملة بين سورة الأنفال وسورة التوبة لأنها لو نزلت لحفظت، لقول الله تبارك وتعالى: (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ))، لكنها لم تنزل، إلا أن الصحابة عند جمع القرآن، إلا أن الصحابة عند كتابة القرآن الكتابة الأخيرة أشكل عليهم هل سورة براءة من الأنفال أم هي مستقلة؟ فوضعوا فاصلاً دون البسملة .
1 - تفسير سورة البلد: الكلام على البسملة وهل هي آية من كل سورة ولماذا لم تذكر في سورة التوبة؟ أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى:" لا أقسم بهذا البلد " والكلام على القسم وحروفه
يقول الله عز وجل : :(( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) ، )) لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ . وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ((، ولي تعريجة يسيرة على ما سبق في الدرس الماضي في قوله تعالى: (( فيومئذ لا يعذّب عذابه أحد، ولا يُوثَق وثاقه أحد ): فإني قرأتها هكذا- بالفتح- وفسرتها على هذه القراءة لأن في الآيتين المذكورتين قرائتين: القراءة الأولى التي في المصحف: (( فيومئذ لا يعذّب عذابه أحد، ولا يُوثَق وثاقه أحد ))- بالكسر-: أي لا يعذب عذاب الله أحد بل عذاب الله أشد، ولا يوثق وثاق الله أحد بل هو أشد. أما على قراءة: (( لا يعذّب عذابه أحد، ولا يُوثَق وثاقه أحد )) - بالفتح-: أي لا يعذب عذاب هذا الرجل، ولا يوثق وثاق هذا الرجل، وهذا هو الذي قرأنا به الآية عليه وفسرناها به، لأجل هذا جرى التنبيه. يقول الله عز وجل :(( لا أقسم بهذا البلد )): (( لا )) هذه للاستفتاح، أي: استفتاح الكلام وتوكيد الكلام، وليست نافية، لأن المراد إثبات القسم، يعني أنا أقسم بهذا البلد لكن (( لا )) هذه تأتي هنا للتنبيه والتأكيد و(( أقسم )): القسم تأكيد الشيء بذكر معظم على وجه مخصوص. إذا كل شيء محلوف به لابد أن يكون معظماً لدى الحالف، وقد لا يكون معظمًا في حد ذاته. فمثلاً الذين يحلفون باللات والعزّى هي معظمة عندهم، لكن هي في الواقع ليست عظيمة ولا معظمة. فالحلف إذاً، أو القسم، أو اليمين المعنى واحد، هي تأكيد الشيء بذكر معظم عند من؟ عند الحالف على صفة مخصوصة. وحروف القسم هي: الباء، والواو، والتاء، والذي في الآية الكريمة هنا (( لا أقسم بهذا البلد )) أي الحروف؟ (( الباء )). (( بهذا البلد )) البلد هنا مكة، وأقسم الله بها لشرفها وعظمها، فهي أعظم بقاع الأرض حرمة وأحب بقاع الأرض إلى الله عز وجل، ولهذا بعث منها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم الذي هو سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه،
مسألة : لا يجوز الحلف بالمخلوق
فجدير بهذا البلد الأمين أن يقسم به، ولكن نحن لا نقسم به، لأنه مخلوق، وليس لنا الحق أن نقسم بمخلوق. كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )، أما الله عز وجل فإنه يقسم بما شاء، ولهذا أقسم هنا بمكة .
تفسير قوله تعالى:" وأنت حل بهذا البلد "
(( وأنت حل بهذا البلد )) قيل المعنى: أقسم بهذا البلد حال كونك حالاًّ فيه، لأن حلول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم في مكة يزيدها شرفاً إلى شرفها. وقيل المعنى: وأنت تستحل هذا البلد، فيكون إقسام الله تعالى بمكة حال كونها حلاًّ للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك عام الفتح، لأن مكة عام الفتح أُحلت للرسول عليه الصلاة والسلام ولم تحل لأحد قبله، ولا تحل بعد ذلك لأحد، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس )، فيكون إقسام الله تعالى بهذا البلد مقيداً بما إذا كانت حلاًّ للرسول صلى الله عليه وسلّم، متى؟ عام الفتح، لأنها في ذلك اليوم تزداد شرفاً إلى شرفها، حيث طُهِّرت من الأصنام وهزم المشركون، وفتحت عليهم بلادهم عنوة، وصارت هذه البلد بعد أن كانت بلاد كفر صارت بلاد إيمان، وبعد أن كانت بلاد شرك صارت بلاد توحيد، وبعد أن كانت بلاد عناد صارت بلاد إسلام، فأشرف حال لمكة ، أشرف حال لها كانت؟ عند الفتح. إذاً: عند قوله: (( وأنت حل بهذا البلد )) معنيان، أرجوا أن يكون على بالكم.(( لا أقسم بهذا البلد . وأنت حل بهذا البلد )) .
تفسير قوله تعالى:" ووالد وما ولد "
(( ووالد وما ولد )): يعني وأقسم بالوالد وما ولد، فمن المراد بالوالد ومن المراد بالولد؟ قيل: المراد بالوالد آدم، وبالولد بنو آدم وعلى هذا تكون (( ما )) بمعنى " من " أي: ووالد ومن ولد، لأن " من " للعقلاء، و" ما " لغير العقلاء. وقيل: المراد بالوالد وما ولد كل والد وما ولد، الإنسان والبهائم وكل شيء، لأن الوالد والمولود كلاهما من آيات الله عز وجل، كيف يخرج هذا المولود حيًّا سويًّا سميعاً بصيراً من نطفة من ماء، فهذا دليل على كمال قدرة الله عز وجل، هذا الولد السوي يخرج من نطفة (( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين )). كذلك الحشرات وغيرها تخرج ضعيفة هزيلة، ثم تكبر إلى ما شاء الله تعالى من حد. (( ووالد وما ولد )): إذاً، والصحيح أن هذه عامة تشمل كل والد وكل مولود .
تفسير قوله تعالى:" لقد خلقنا الإنسان في كبد "
(( لقد خلقنا الإنسان في كبد )) اللام هنا واقعة في جواب القسم، لتزيد الجملة تأكيداً، و(( قد)) تزيد الجملة تأكيداً أيضاً فتكون جملة (( لقد خلقنا الإنسان )) مؤكدة بثلاثة مؤكدات، وهي: القسم، والثاني؟ اللام، والثالث؟ قد. (( لقد خلقنا الإنسان في كبد )) الإنسان اسم جنس يشمل كل واحد من بني آدم .(( في كبد )) فيها معنيان: المعنى الأول: في استقامة، يعني أنه خلق على أكمل وجه في الِخلقة، مستقيماً يمشي على قدميه، ويرفع رأسه، وبدنه معتدلاً. والبهائم بالعكس الرأس على حذاء الدبر، أما بنو آدم فالرأس مرتفع أعلى البدن، فهو كقوله تعالى: (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )). وقيل: المراد بـ(( كبد )) مكابدة الأشياء ومعاناتها، وأن الإنسان يعاني المشقة في أمور الدنيا، في طلب الرزق، في إصلاح الحرث، إلى غير ذلك. ويعاني أيضاً معاناة أشد مع نفسه ومجاهدتها على طاعة الله، واجتناب معاصي الله، وهذا هو الجهاد الذي أشق من معاناة طلب الرزق، ولاسيما إذا ابتلي الإنسان ببيئة منحرفة وصار بينهم غريباً، فإنه سيجد المشقة في معاناة نفسه، وفي معاناة الناس أيضاً. فإن قال قائل: أفلا يمكن أن تكون الآية شاملة للمعنيين؟ فالجواب: بلى، وهكذا ينبغي إذا وجدت في الكتاب العزيز آية تحتمل معنيين وليس بينهما مناقضة فاحملها أيش؟ على المعنيين، لأن القرآن أشمل وأوسع، فإن كان بينهما مناقضة فانظر الراجح. فمثلاً، قوله تعالى: (( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء )). (( قروء )) جمع قرء بفتح القاف فما هو " القرء "؟ قيل: هو الحيض، وقيل: هو الطهر. هنا لا يمكن أن تحمل الآية على المعنيين جميعاً لماذا؟ للتناقض، لكن اطلب المرجح لأحد القولين وخذ به. فهنا نقول: (( لقد خلقنا الإنسان في كبد )) يصح أن تكون الآية شاملة للمعنيين أي في حسن قامة واستقامة، و (( في كبد )) في معاناة لمشاق الأمور.
تفسير قوله تعالى:" أيحسب أن لن يقدر عليه أحد. يقول أهلكت مالا لبدا. أيحسب أن لم يره أحدا "
في قوله تبارك وتعالى : (( لقد خلقنا الإنسان في كبد .أيحسب أن لن يقدر عليه أحد. يقول أهلكت مالاً لبداً . أيحسب أن لم يره أحد )) .وبينا أن قوله تعالى: (( لقد خلقنا الإنسان في كبد )) لها معنيان عند أهل العلم: المعنى الأول: الكبد يعني الاهتمام والرفعة في العقل والبدن وغير ذلك. والمعنى الثاني: أي مكابدة المشاق في الأعمال الدنيوية والأخروية. والقاعدة في تفسير كتاب الله عز وجل يا إخواننا، القاعدة أن الآية إذا كانت تحتمل معنيان ولا تناقض بينهما فإنها تحمل على المعنيين جميعاً لأن ذلك أوسع في التفسير والعلم. يقول الله تعالى: (( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد )) يعني: أن الإنسان في نفسه وقوته يظن أن لن يقدر عليه أحد، لأنه في عنفوان شبابه وقوته وكبريائه وغطرسته، فيقول لا أحد يقدر علي، أنا أعمل ما شئت، ومنه قوله تبارك وتعالى: (( فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة )). قال الله تعالى: (( أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة )). إذاً، فالإنسان في حال صحته وعنفوان شبابه يظن أنه لا يقدر عليه أحد، ، وهذا لا شك بالنسبة للكافر، حتى الرب عز وجل يظن أنه لا يقدر عليه، أما المؤمن فإنه يعلم أن الله قادر عليه، وأنه على كل شيء قدير فيخاف الله. (( يقول أهلكت مالاً لبداً )): يقول الإنسان أيضاً في حال غناه وبسط الرزق له (( أهلكت مالاً لبداً )) أي: مالاً كثيراً في شهواته وفي ملذاته. يقول الله عز وجل: (( أيحسب أن لم يره أحد )) أيظن هذا أنه لا يراه أحد في تبذيره المال، وصرفه في ما لا ينفع، وكل هذا تهديد للإنسان أن يتغطرس، وأن يستكبر من أجل قوته البدنية، أو كثرة ماله.
7 - تفسير قوله تعالى:" أيحسب أن لن يقدر عليه أحد. يقول أهلكت مالا لبدا. أيحسب أن لم يره أحدا " أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى:" ألم نجعل له عينين. "
قال الله تعالى: (( ألم نجعل له عينين. ولساناً وشفتين. وهديناه النجدين )). هذه ثلاث نعم من أكبر النعم على الإنسان (( ألم نجعل له عينين )): يعني يبصر بهما ويرى فيهما، وهاتان العينان تؤديان إلى القلب ما نظر إليه الإنسان، إن نظر نظرة محرمة كان آثماً، وإن نظر نظراً يقربه إلى الله كان غانماً، وإن نظر إلى ما يباح له فإنه لا يحمد ولا يذم ما لم يكن هذا النظر مفضياً إلى محظور شرعي فيكون آثماً بهذا النظر.
تفسير قوله تعالى:" ولسانا وشفتين "
(( ولساناً وشفتين )) لساناً ينطق به، وشفتين يضبط بهما النطق، وهذه من نعم الله العظيمة، لأنه بهذا اللسان والشفتين يستطيع أن يعبر عما في نفسه، ولولا هذا ما استطاع، لو كان لا يتكلم فكيف يؤدي ما في قلبه؟ كيف يعلم الناس بما في نفسه؟ اللهم إلا بإشارة تتعب، يتعب هو المشير ويتعب الذي أشير لهم. ولكن من نعمة الله أن جعل له لساناً ناطقاً، وشفتين يضبط بهما النطق، وهذا من نعمة الله، وهو أيضاً من عجائب قدرته: من أين يأتي النطق؟ من هواء يكون من الرئة يخرج من مخارج معينة، إن مر بشيء صار حرفاً، وإن مر بشيء آخر صار حرفاً آخر، وهو هواء واحد من مخرج واحد، لكن يمر بشعيرات دقيقة في الحلق، وفي الشفتين، وفي اللثة هذه الشعرات تُكوّن الحروف. فتجد مثلاً الباء والشين كلها بهواء يندفع من الرئة ومع ذلك تختلف باختلاف ما تمر عليه في هذا الفم، ومخارج الحروف المعروفة، هذا من تمام قدرة الله عز وجل.
تفسير قوله تعالى:" وهديناه النجدين "
قال :(( وهديناه النجدين )) هديناه: أي بينا له طريق الخير، وطريق الشر، هذا قول. القول الثاني: (( هديناه النجدين )): دللناه على ما به غذاؤه وهو الثديان، فإنهما نجدان لارتفاعهما فوق الصدر، فهداه الله تعالى وهو رضيع لا يعرف، من حين أن يخرج وتضعه أمه يطلب الثدي، من الذي أعلمه؟ الله عز وجل، فبيّن الله عز وجل منته على هذا الإنسان من حين أن يخرج يهتدي إلى النجدين. وفي بطن أمه يتغذى عن طريق السرة، لأنه لا يستطيع أن يتغذى من غير هذا، فلو تغذى عن طريق الفم لاحتاج إلى بول وغائط، وكيف ذلك؟ لكنه عن طريق السرة يأتيه الدم من دم أمه وينتشر في عروقه حتى يحيا إلى أن يأذن الله تعالى بإخراجه.
تفسير قوله تعالى:" فلا أقتحم العقبة. وما أدراك ما العقبة "
ثم قال الله تعالى: (( فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ . وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ ))الخ السورة.(( فلا اقتحم )): أي الإنسان الذي كان يقول : (( أهلكت مالاً لبداً )). (( فلا اقتحم العقبة )) يعني هلا اقتحم العقبة؟ والاقتحام هو التجاوز بمشقة، تجاوز الشيء بمشقة يسمى اقتحاماً، و(( العقبة )) هي الطريق في الجبل الوعر ولا شك أن اقتحام هذه العقبة لا شك أنه شاق، شاق على النفوس، لا يتجاوزه أو لا يقوم به إلا من كان عنده نية صادقة في تجاوز هذه العقبة. (( وما أدراك ما العقبة )): هذا الاستفهام للتشويق والتفخيم أيضاً، يعني: ما الذي أعلمك شأن هذه العقبة التي قال الله عنها : (( فلا اقتحم العقبة ))
تفسير قوله تعالى:" فك رقبة " ويدخل في فكاك الرقبة العبد والأسير
بيّنها الله في قوله : (( فك رقبة. أو إطعام في يوم ذي مسغبة. يتيماً ذا مقربة. أو مسكيناً ذا متربة. ثم كان من الذين آمنوا ))الخ.
فقوله: (( فك رقبة )) هي خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: " هي فك رقبة " وفك الرقبة له معنيان: المعنى الأول: فكها من الرق، بحيث يعتق الإنسان العبيد المملوكين سواء كانوا في ملكه فيعتقهم، أو كانوا في ملك غيره فيشتريهم ويعتقهم، هذا نوع. النوع الثاني: فك رقبة من الأسير، فإن فكاك الأسير من أفضل الأعمال إلى الله عز وجل. والأسير ربما لا يفكه العدو إلا بفدية مالية، وربما تكون هذه الفدية فدية باهظة كثيرة لا يقتحمها إلا من كان عنده إيمان بالله عز وجل بأن يخلف عليه ما أنفق، وأن يثيبه على ما تصدق. فصار فك الرقبة له معنيان: المعنى الأول: فك الرقبة من الرق، بحيث يحررها إن كانت في ملكه ففي ملكه وإلا اشتراها وحررها . والثاني: فك الرقبة من الأسر.
فقوله: (( فك رقبة )) هي خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: " هي فك رقبة " وفك الرقبة له معنيان: المعنى الأول: فكها من الرق، بحيث يعتق الإنسان العبيد المملوكين سواء كانوا في ملكه فيعتقهم، أو كانوا في ملك غيره فيشتريهم ويعتقهم، هذا نوع. النوع الثاني: فك رقبة من الأسير، فإن فكاك الأسير من أفضل الأعمال إلى الله عز وجل. والأسير ربما لا يفكه العدو إلا بفدية مالية، وربما تكون هذه الفدية فدية باهظة كثيرة لا يقتحمها إلا من كان عنده إيمان بالله عز وجل بأن يخلف عليه ما أنفق، وأن يثيبه على ما تصدق. فصار فك الرقبة له معنيان: المعنى الأول: فك الرقبة من الرق، بحيث يحررها إن كانت في ملكه ففي ملكه وإلا اشتراها وحررها . والثاني: فك الرقبة من الأسر.
تفسير قوله تعالى:" أو إطعاما في يوم ذي مسغبة. يتيما ذا مقربة. أو مسكينا ذا متربة "
قال: (( أو إطعام في يوم ذي مسغبة )): (( أو )) هذه للتنويع يعني : وإما (( إطعام في يوم ذي مسغبة )) أي: ذي مجاعة شديدة، لأن الناس قد يصابون بالمجاعة الشديدة، إما لقلة الحاصل من الثمار والزروع، وإما لأمراض في أجسامهم يأكل الإنسان ولا يشبع، وهذا قد وقع فيما نسمع عنه وقع في البلاد النجدية وربما في غيرها أيضاً، أن الناس يأكلون ولا يشبعون، يأكل الواحد مأكل العشرة ولا يشبع، ويموتون من الجوع في الأسواق ويتساقطون في الأسواق من الجوع، هذه من المساغب. أو قلة المحصول بحيث لا تثمر الأشجار، ولا تنبت الزروع، فيقل الحاصل وتحصل المسغبة، ويموت الناس جوعاً، وربما يهاجرون عن بلادهم، هذه إطعام في يوم ذي مسغبة. (( يتيماً ذا مقربة. أو مسكيناً ذا متربة )) (( يتيماً (( : اليتيم هو من مات أبوه قبل أن يبلغ سواءً كان ذكراً أم أنثى. فإن بلغ لا يكون يتيماً، لأنه بلغ وانفصل. وكذلك لو ماتت أمه فإنه لا يكون يتيماً، خلافاً لما يظنه بعض العامة، أن اليتيم من ماتت أمه وهذا ليس بصحيح، فاليتيم من مات أبوه، لأنه إذا مات أبوه لم يكن له كاسب من الخلق يكسب عليه. وقوله: (( ذا مقربة )): ذا قرابة من الإنسان لأنه إذا كان يتيماً كان له حظ من الإكرام والصدقات، وإذا كان قريباً ازداد حظه من ذلك، لأنه يكون واجب الصلة، فمن جمع هذين الوصفين اليتم والقرابة فإن الإنفاق عليه من اقتحام العقبة إذا كان ذلك في يوم ذي مسغبة. (( أو مسكيناً ذا متربة )) يعني: أو إطعام في يوم ذي مسغبة (( مسكيناً ذا متربة ))، المسكين: هو الذي لا يجد قوته ولا قوت عياله. المتربة: مكان التراب، والمعنى: أنه مسكين ليس بيديه شيء إلا التراب. ومعلوم أنه إذا قيل عن الرجل: ليس عنده إلا التراب، فالمعنى: أنه فقير جداً ليس عنده طعام، وليس عنده كساء، وليس عنده مال فهو مسكين ذو متربة.
تفسير قوله تعالى:" ثم كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة " وذكر أنواع الصبر
(( ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة )) (( ثم كان )) يعني: ثم هو بعد ذلك ليس محسناً على اليتامى وعلى المساكين، بل هو ذو إيمان بالله،(( ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة )): الذين آمنوا بمن؟ آمنوا بكل ما يجب الإيمان به. وقد بين الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلّم من الذي يجب الإيمان به، فقال حين سأله جبريل عن الإيمان: ( الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره ).
وقوله جل وعلا: (( وعملوا الصالحات )) أي: عملوا الأعمال الصالحة، والأعمال الصالحات: هي كل عمل مقرب إلى الله عز وجل، وهو مبني على الإخلاص والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يكون العمل عملاً صالحاً إلا إذا كان بنية ومتابعة، النية بأن يكون عملاً خالصاً لله، ومتابعة أي أن يكون العمل على وفق شريعة الله سبحانه وتعالى، فلو أن الإنسان عمل عملاً مخلصاً فيه غاية الإخلاص لكنه على خلاف هدي الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقبل منه وذلك لعدم الاتباع، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ). وكذلك لو كان العمل على وفق الشريعة ظاهراً لكن فيه رياء فإنه لا يقبل، ولا يكون عملاً صالحاً، لقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ).
وقوله: (( وتواصوا بالصبر )): أي أوصى بعضهم بعضاً بالصبر، والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، فهم صابرون متواصون بالصبر، وأي هذه الأنواع أفضل؟ الأفضل الصبر على طاعة الله، ثم الصبر عن معصية الله، ثم الصبر على أقدار الله المؤلمة. وقد اجتمعت هذه الأنواع الثلاثة، اجتمعت في الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم، فها هو الرسول عليه الصلاة والسلام صابر على طاعة الله، يجاهد في سبيل الله، ويدعو إلى الله، ويؤذى ويعتدى عليه بالضرب، حتى همّ المشركون بقتله وهو مع ذلك صابر محتسب، وهو أيضاً صابر عن معصية الله، لا يمكن أن يغدر بأحد، ولا أن يكذب أحداً، ولا أن يخون أحداً، وهو أيضاً متق لله تعالى بقدر ما يستطيع. كذلك صابر على طاعة الله، كم أوذي في الله عز وجل من أجل طاعته، أليست قريش قد آذوه حتى إذا رأوه ساجداً تحت الكعبة أمروا من يأتي بسلا ناقة فيضعه على ظهره، وهو ساجد عليه الصلاة والسلام؟! وهو صابر في ذلك كله. يوسف عليه الصلاة والسلام صبر، صبر على أقدار الله فقد أُلقي في البئر في غيابة الجب، وأوذي في الله بالسجن، ومع ذلك فهو صابر محتسب لم يتضجر ولم ينكر ما وقع به. وقوله: (( وتواصوا بالصبر. وتواصوا بالمرحمة )) أي: أوصى بعضهم بعضاً أن يرحم الآخر. والرحمة - رحمة الله عز وجل -، أعني رحمة الإنسان للمخلوقات تكون في البهائم وتكون في الناطق. فهو يرحم آباءَه، وأمهاته، وأبناءَه، وبناته، وإخوانه، وأخواته، وأعمامه، وعماته، وهكذا، ويرحم كذلك سائر البشر، وهو أيضاً يرحم الحيوان البهيم فيرحم ناقته، وفرسه، وحماره، وبقرته، وشاته، وغير ذلك، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". (( وتواصوا بالصبر. وتواصوا بالمرحمة )) .
وقوله جل وعلا: (( وعملوا الصالحات )) أي: عملوا الأعمال الصالحة، والأعمال الصالحات: هي كل عمل مقرب إلى الله عز وجل، وهو مبني على الإخلاص والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يكون العمل عملاً صالحاً إلا إذا كان بنية ومتابعة، النية بأن يكون عملاً خالصاً لله، ومتابعة أي أن يكون العمل على وفق شريعة الله سبحانه وتعالى، فلو أن الإنسان عمل عملاً مخلصاً فيه غاية الإخلاص لكنه على خلاف هدي الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقبل منه وذلك لعدم الاتباع، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ). وكذلك لو كان العمل على وفق الشريعة ظاهراً لكن فيه رياء فإنه لا يقبل، ولا يكون عملاً صالحاً، لقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ).
وقوله: (( وتواصوا بالصبر )): أي أوصى بعضهم بعضاً بالصبر، والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، فهم صابرون متواصون بالصبر، وأي هذه الأنواع أفضل؟ الأفضل الصبر على طاعة الله، ثم الصبر عن معصية الله، ثم الصبر على أقدار الله المؤلمة. وقد اجتمعت هذه الأنواع الثلاثة، اجتمعت في الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم، فها هو الرسول عليه الصلاة والسلام صابر على طاعة الله، يجاهد في سبيل الله، ويدعو إلى الله، ويؤذى ويعتدى عليه بالضرب، حتى همّ المشركون بقتله وهو مع ذلك صابر محتسب، وهو أيضاً صابر عن معصية الله، لا يمكن أن يغدر بأحد، ولا أن يكذب أحداً، ولا أن يخون أحداً، وهو أيضاً متق لله تعالى بقدر ما يستطيع. كذلك صابر على طاعة الله، كم أوذي في الله عز وجل من أجل طاعته، أليست قريش قد آذوه حتى إذا رأوه ساجداً تحت الكعبة أمروا من يأتي بسلا ناقة فيضعه على ظهره، وهو ساجد عليه الصلاة والسلام؟! وهو صابر في ذلك كله. يوسف عليه الصلاة والسلام صبر، صبر على أقدار الله فقد أُلقي في البئر في غيابة الجب، وأوذي في الله بالسجن، ومع ذلك فهو صابر محتسب لم يتضجر ولم ينكر ما وقع به. وقوله: (( وتواصوا بالصبر. وتواصوا بالمرحمة )) أي: أوصى بعضهم بعضاً أن يرحم الآخر. والرحمة - رحمة الله عز وجل -، أعني رحمة الإنسان للمخلوقات تكون في البهائم وتكون في الناطق. فهو يرحم آباءَه، وأمهاته، وأبناءَه، وبناته، وإخوانه، وأخواته، وأعمامه، وعماته، وهكذا، ويرحم كذلك سائر البشر، وهو أيضاً يرحم الحيوان البهيم فيرحم ناقته، وفرسه، وحماره، وبقرته، وشاته، وغير ذلك، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". (( وتواصوا بالصبر. وتواصوا بالمرحمة )) .
14 - تفسير قوله تعالى:" ثم كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة " وذكر أنواع الصبر أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى:" أولئك أصحاب الميمنة "
(( أولئك أصحاب الميمنة )).(( أولئك )): أي هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات :(( أصحاب الميمنة )) أي: أصحاب اليمين، الذين يُؤتون كتابهم يوم القيامة بأيمانهم، فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً، وينقلب إلى أهله مسروراً.
تفسير قوله تعالى:" والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة "
ثم قال عز وجل: (( والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة )): لما ذكر المؤمنين ذكر الكافرين، فقال: (( والذين كفروا بآياتنا )): أي جحدوا بها (( هم أصحاب المشئمة )) (( هم )): الضمير هنا جاء للتوكيد، ولو قيل في غير القرآن: والذين كفروا بآياتنا أصحاب المشئمة. لصح لكن هذا من باب التوكيد. و(( المشئمة )) يعني: الشمال أو الشؤم
تفسير قوله تعالى:" عليهم نار مؤصدة "
. (( عليهم نار مؤصدة )): أي عليهم نار مغلقة، لا يخرجون منها ولا يستطيعون، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، وتواصوا بالصبر، وتواصوا بالمرحمة.
اضيفت في - 2007-02-04