تفسير سورة الشمس-14
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة الشمس: قال الله تعالى:" والشمس وضحاها "
يقول الله تبارك وتعالى:(( وَالشَّمْسِ وَضُحَهَا . وَالْقَمَرِ إِذَا تَلهَا . وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّهَا . وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَهَا . وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَهَا . وَالأرْضِ وَمَا طَحَهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا )) الخ . أما البسملة فلا يجب الكلام عليها لأنه معروف ومتكرر ولكن نبدأ بالآيات في قول الله تعالى : ( )والشمس وضحاها (( : أقسم الله تعالى بالشمس وضحاها وهو ضؤها لما في ذلك من الآيات العظيمة الدالة على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وكمال علمه ورحمته. فإن في هذه الشمس من الآيات ما لا يدركه بعض الناس، ونضرب لكم مثلاً: إذا طلعت الشمس فكم توفر على العالم من طاقة كهربائية؟ توفر آلاف الملايين، لأنهم يستغنون بها عن هذه الطاقة، وكم يحصل للأرض من حرارتها، من نضج الثمار، وطيب الأشجار، ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، ويحصل فيها فوائد كثيرة لا أستطيع أن أعدها، لأن غالبها يتعلق بعلم الفلك وعلم الأرض والجيولوجيا، ولا أستطيع أن أعدها، لكنها من آيات الله العظيمة.
تفسير قوله تعالى:" والقمر إذا تلاها "
(( والقمر إذا تلاها )). قيل: إذا تلاها في السير، وقيل: إذا تلاها في الإضاءة، ومادامت الآية تحتمل هذا وهذا فإن القاعدة في علم التفسير أن الآية إذا احتملت معنيين لا تعارض بينهما وجب الأخذ بهما جميعاً، لأن الأخذ بالمعنيين جميعاً أوسع للمعنى. فنقول: إذا تلاها في السير، لأن القمر يتأخر كل يوم عن الشمس، فبينما تجده في أول الشهر قريباً منها في المغرب، إذا هو في نصف الشهر أبعد ما يكون عنها في المشرق، لأنه يتأخر كل يوم. أو إذا تلاها في الإضاءة، لأنها إذا غابت بدأ ضوء القمر لاسيما في الربع الثاني إلى نهاية الربع الثالث فإن ضوء القمر يكون بيناً واضحاً. يعني: إذا مضى سبعة أيام إلى أن يبقى سبعة أيام يكون الضوء قويًّا، وأما في السبعة الأولى والأخيرة فهو ضعيف، وعلى كل حال فإن إضاءة القمر لا تكون إلا بعد ذهاب ضوء الشمس كما هو ظاهر. فيكون الله أقسم بالشمس لأنها آية النهار، وأقسم بالقمر لأنه آية الليل.
(( والقمر إذا تلاها )).
(( والقمر إذا تلاها )).
تفسير قوله تعالى:" والنهار إذا جلاها. والليل إذا يغشاها "
(( والنهار إذا جلاها. والليل إذا يغشاها )) (( والنهار )) : إذا جلا الأرض وبينها ووضحها، لأنه نهار تتبين به الأشياء وتتضح.(( والليل إذا يغشاها )) إذا يغطي الأرض حتى يكون كالعباءة المفروشة على شيء من الأشياء، وهذا يتضح جلياً فيما إذا غابت الشمس وأنت في الطائرة، إذا غابت الشمس وأنت في الطائرة تجد أن الأرض سوداء تحتك، لأنك أنت الآن تشاهد الشمس لارتفاعك، لكن الأرض من تحتك حيث غربت عليها الشمس تجدها سوداء كأنها مغطاة بعباءة سوداء وهذا معنى قوله: (( والليل إذا يغشاها )).
تفسير قوله تعالى:" والسماء وما بناها. والأرض وما طحاها "
(( والسماء وما بناها. والأرض... )) السماء والأرض متقابلات. (( والسماء وما بناها. والأرض وما طحاها. ونفس وما سواها )).(( والسماء وما بناها )) قال المفسرون: إنّ (( ما )) هنا مصدرية أي: والسماء وبنائها، لأن السماء عظيمة بارتفاعها وسعتها وقوتها، وغير ذلك مما هو من آيات الله فيها، وكذلك بناؤها بناء محكم، كما قال الله تبارك وتعالى: (( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور. ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير )). (( والأرض وما طحاها )) يعني: الأرض وما سواها حتى كانت مستوية، وحتى كانت ليست لينة جداً، وليست قوية جداً صلبة ، بل هي مناسبة للخلق على حسب ما تقوم به حوائجهم، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى على عباده أن سوى لهم الأرض وجعلها بين اللين والخشونة إلا في مواضع لكن هذا القليل لا يحكم به على الكثير.
تفسير قوله تعالى:" ونفس وما سواها "
(( ونفس وما سواها )): نفس هنا وإن كانت واحدة لكن المراد العموم. يعني كل نفس .(( وما سواها )) يعني سواها خِلقة وسواها فطرة، سواها خلقة حيث خلق كل شيء على الوجه الذي يناسبه ويناسب حاله، قال الله تعالى: (( الذي أعطى كل شيء خلقه )) أي خلقه المناسب له (( ثم هدى )). أي: هداه لمصالحه، وكذلك سواه فطرة ولاسيما البشر فإن الله تعالى جعل فطرتهم هي الإخلاص والتوحيد كما قال تعالى: (( فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها )).
تفسير قوله تعالى:" فألهمها فجورها وتقواها "
(( فألهمها فجورها وتقواها )): من الملهم؟ الله عز وجل ألهم هذه النفوس. (( فألهمها فجورها وتقواها )): بدأ بالفجور قبل التقوى مع أن التقوى لا شك أفضل، قالوا: مراعاة لفواصل الآيات. (( فألهمها فجورها وتقواها )): طيب ما هو الفجور؟ الفجور هو ما يقابل التقوى، والتقوى طاعة الله، إذاً فالفجور معصية الله، فكل عاص فهو فاجر. وإن كان الفاجر خصَّ عرفاً بأنه من ليس بعفيف، لكن هو شرعاً يعم كل من خرج عن طاعة الله كما قال تعالى: (( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين )).والمراد الكفار. وألهمها تقواها، ألهمها التقوى أيهما موافق للفطرة، الثاني أو الأول؟ الثاني، لأن الفجور خارج عن الفطرة، لكن قد يلهمه الله بعض النفوس لانحرافها لقوله تعالى: (( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم )). والله تعالى لا يظلم أحدًا، لكن من علم منه أنه لا يريد الحق أزاغ الله قلبه، نسأل الله العافية.
تفسير قوله تعالى:" قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها "
(( قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها )): (( قد أفلح )) أي: فاز بالمطلوب ونجا من المرهوب، (( من زكاها )) أي: من زكى نفسه، وليس المراد بالتزكية هنا التزكية المنهي عنها في قوله: (( فلا تزكوا أنفسكم )). المراد بالتزكية هنا: أن يزكي نفسه بإخلاصها من الشرك وشوائب المعاصي، حتى تبقى زكية طاهرة نقية. (( وقد خاب من دساها )): أي من أرداها في المهالك والمعاصي، هذا في الواقع يحتاج إلى دعاء الله سبحانه وتعالى أن يثبت الله الإنسان على طاعته، و بالقول الثابت، فعليك يا أخي المسلم دائماً أن تسأل الله الثبات والعلم النافع، والعمل الصالح فإن الله تعالى قال في كتابه: (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ))، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الراشدين والصالحين المصلحين.
تفسير قوله تعالى:" كذبت ثمود بطغواها. إذ انبعث أشقاها "
وصلنا إلى قول الله تعالى: (( كذبت ثمود بطغواها. إذ انبعث أشقاها )): (( كذبت ثمود )): ثمود اسم قبيلة ونبيهم صالح عليه الصلاة والسلام، وديارهم في الحجر معروفة في طريق الناس، هؤلاء كذبوا نبيهم صالًحا. ونبيهم صالح عليه الصلاة والسلام كغيره من الأنبياء يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له. كما قال الله تعالى: (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )). دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأعطاه الله سبحانه آية تدل على نبوته وهي الناقة العظيمة التي تشرب من البئر يوماً وتسقيهم لبناً في اليوم الثاني. وقد قال بعض العلماء: إنه كلما جاء إنسان وأعطاها من الماء بقدر أعطته من اللبن بقدره، ولكن الذي يظهر من القرآن خلاف ذلك، لقوله تعالى: (( لها شرب ولكم شرب يوم معلوم )). فالناقة تشرب من البئر يوماً، ثم تدر اللبن في اليوم الثاني، ولكن هل نفعتهم هذه الآية؟ استمع إلى قول الله تعالى: (( كذبت ثمود بطغواها )): أي بطغيانها وعتوها، والباء هنا للسببية، أي: بسبب كونها طاغية كذبت الرسول. (( إذ انبعث أشقاها )) هذا بيان للطغيان الذي ذكره الله عز وجل وذلك حين انبعث أشقاها. و(( انبعث )) يعني: انطلق بسرعة. و(( أشقاها )) أي : أشقى ثمود أي: أعلاهم في الشقاء ـ والعياذ بالله ـ يريد أن يقضي على هذه الناقة.
تفسير قوله تعالى:" فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها "
(( فقال لهم )) صالح: (( ناقة الله وسقياها )): قال لهم ناقة، أي ذروا ناقة الله، لقوله تعالى في آية أخرى: (( فذروها تأكل في أرض الله )). يعني اتركوا الناقة لا تقتلوها ولا تتعرضوا لها بسوء ولكن كانت النتيجة بالعكس. (( فكذبوه )) أي: كذبوا صالحاً وقالوا: إنك لست برسول، وهكذا كل الرسل الذين أرسلوا إلى أقوامهم يسمهم أقوامهم بالعيب. كما قال الله تعالى: (( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون )). كل الرسل قيل لهم هذا ساحر أو مجنون، كما قيل للرسول عليه الصلاة والسلام: إنه ساحر، كذاب، مجنون، شاعر، كاهن، ولكن هل ألقاب السوء التي يلقبها الأعداء لأولياء الله هل تضرهم؟ الجواب: لا، بل يزدادون بذلك رفعة عند الله سبحانه وتعالى، وإذا احتسبوا الأجر أثيبوا على ذلك.
تفسير قوله تعالى:" فكذبوه فعقروها. فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها "
فيقول عز وجل: (( فكذبوه فعقروها )) أي: عقروا الناقة عقراً حصل به الهلاك. (( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها )): فدمدم يعني: أطبق عليهم فأهلكهم كما تقول: دمدمت البئر: أي أطبقت عليها التراب. (( بذنبهم )) أي: بسبب ذنوبهم، لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً ولكنّ الناس أنفسهم يظلمون، فالذنوب سبب للهلاك والدمار والفساد لقول الله تبارك وتعالى: (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )). وقال تعالى: (( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً )). وقال الله تعالى يخاطب أشرف الخلق وخير القرون: (( أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم )).. فالإنسان يصاب بالمصائب من عند نفسه، ولهذا قال: (( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم )) أي: بسبب ذنبهم. (( فسواها )) أي: عمها بالهلاك حتى لم يبق منهم أحد وأصبحوا في ديارهم جاثمين.
تفسير قوله تعالى:" ولا يخاف عقباها "
قال تعالى: (( ولا يخاف عقباها )) أي: أن الله لا يخاف من عاقبة هؤلاء الذين عذبهم، ولا يخاف من تبعتهم، لأن له الملك وبيده كل شيء، بخلاف غيره من الملوك، الملوك لو انتصروا على غيرهم، أو عاقبوا غيرهم تجدهم في خوف يخشون أن تكون الكرة عليهم، أما الله عز وجل فإنه لا يخاف عقباها. أي: لا يخاف عاقبة من عذبهم، لأنه سبحانه وتعالى له الملك كله، وله الحمد كله، فسبحانه وتعالى ما أعظمه، وما أجل سلطانه.
اضيفت في - 2007-02-04