تفسير سورة الشرح-17
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة الشرح: قال الله تعالى:" ألم نشرح لك صدرك " والكلام على شرح الصدر بالعبادة (وهذا أمر شرعي) وذكر قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز
قال الله سبحانه وتعالى مبيناً نعمته على نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: (( ألم نشرح لك صدرك )): وهذا الاستفهام يقول العلماء إنه استفهام تقرير، واستفهام التقرير يرد في القرآن كثيراً، ويقدّر الفعل بفعل ماضٍ مقرون بقد. ففي قوله (( ألم نشرح لك )) يقدّر بأن المعنى قد شرحنا لك صدرك، لأن الله يقرر أنه شرح له صدره، وهكذا جميع ما يمر بك من استفهام التقرير فإنه يقدر بفعل ماضٍ مقرون بقد، أما كونه يقدر بفعل ماضٍ، فلأنه قد تم وحصل، وأما كونه مقروناً بقد، فلأن قد تفيد التحقيق إذا دخلت على الماضي، وتفيد التقليل إذا دخلت على المضارع، وقد تفيد التحقيق، ففي قول الناس: " قد يجود البخيل " قد هذه للتقليل، لكن في قوله تعالى: (( قد يعلم ما أنتم عليه )). هذه للتحقيق ولا شك. يقول الله عز وجل: (( ألم نشرح لك صدرك )) أي: نوسعه، وهذا الشرح شرح معنوي ليس شرحاً حسيًّا، وشرح الصدر أن يكون متسعاً لحكم الله عز وجل ، حكم الله الشرعي وهو الدين، وحكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان، وذلك لأن الشرع فيه مخالفة للهوى، الشرع فيه مخالفة للهوى، فيجد الإنسان ثقلاً في تنفيذ أوامر الله، وثقلاً في اجتناب محارم الله، لماذا؟ عندكم هذا الجواب، لأنه مخالف للهوى، هوى النفس الأمارة بالسوء لا تنشرح لأوامر الله ولا لنواهيه، تجد بعض الناس تثقل عليه الصلاة كما قال الله تعالى في المنافقين: (( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ))، ومن الناس من تخف عليه الصلاة بل يشتاق إليها ويترقب حصولها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( جعلت قرة عيني في الصلاة )، إذاً فالشرع فيه ثقل على النفوس، كاجتناب المحرمات، فبعض الناس يهوى أشياء محرمة عليه كالزنا وشرب الخمر وما أشبه ذلك فتثقل عليه، ومن الناس من ينشرح صدره لذلك ويبتعد عما حرم الله، وانظر إلى يوسف عليه الصلاة والسلام لما دعته امرأة العزيز بعد أن غلقت الأبواب وقالت: هيت لك وتهيأت له بأحسن ملبس وأحسن صورة، والجو خال، والمكان آمن أن يدخل أحد، غلقت الأبواب، وقالت: هيت لك، ماذا قال؟ معاذ الله، استعاذ بربه لأن هذه حال حرجة، شاب وامرأة العزيز، ومكان خالٍ وآمن، والإنسان بشر ربما تسوّل له نفسه أن يفعل ولهذا قال: (( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ))، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )، والشاهد من هذا قوله: ( رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ) فأقول: شرح الصدر للحكم الشرعي معناه قبول الحكم الشرعي والرضا به وامتثاله، وأن يقول القائل سمعنا وأطعنا، وأنت بنفسك أحياناً تجد قلبك منشرحاً للعبادة تفعلها بسهولة وانقياد وطمأنينة ورضا، وأحياناً بالعكس لولا خوفك من الإثم ما فعلت، فإذا كان هذا الاختلاف في الشخص الواحد فما بالك بالأشخاص.
1 - تفسير سورة الشرح: قال الله تعالى:" ألم نشرح لك صدرك " والكلام على شرح الصدر بالعبادة (وهذا أمر شرعي) وذكر قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز أستمع حفظ
الكلام على شرح الصدر للأمر القدري، وبيان صبر النبي صلى الله عليه وسلم في حال الدعوة
انشراح الصدر للحكم القدري يقدم على الكلام فيه سؤالاً، هل جميع أحكام الله الكونية هل هي ملائمة لطبيعة الإنسان أو لا؟ لا، الصحة ملائمة، الغنى ملائم، الأمن ملائم، الشبع ملائم، النكاح ملائم، لكن المرض غير ملائم، الخوف غير ملائم، الجوع غير ملائم، وأشياء كثيرة، فالإنسان الذي شرح الله صدره للحكم الكوني تجده راضياً بقضاء الله وقدره، مطمئناً إليه، يقول: أنا عبد، والله رب يفعل ما يشاء، هذا الرجل الذي على هذه الحال سيكون دائماً في سرور لا يغتم ولا يهتم، هو يتألم لكنه لا يصل إلى أن يحمل هًّما أو غمًّا ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له )، إذاً شرح الصدر يعني توسعته وتهيئته لأحكام الله؟ ايش؟ الشرعية والقدرية، لا يضيق بأحكام الله ذرعاً إطلاقاً، إن نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم له الحظ الأوفر من ذلك، ولهذا تجده أتقى الناس لله، وأشدهم قياماً بطاعة الله، وأكثرهم صبراً على أقدار الله، ماذا فعل الناس به حين قام بالدعوة؟ وماذا يصيبه من الأمراض؟ حتى إنه يوعك كما يوعك الرجلان منا يعني من المرض يشدد عليه يعني كرجلين منا، وحتى إنه شدد عليه عند النزع عند الموت عليه الصلاة والسلام حتى يفارق الدنيا وهو أصبر الصابرين، والصبر معلوم أنه درجة عالية لا تنال إلا بوجود شيء يصبر عليه، أما الشيء البارد ما فيه صبر، لهذا نجد الأنبياء أكثر الناس بلاء ثم الصالحين فالأمثل فالأمثل. نعود مرة ثانية: ما معنى (( ألم نشرح لك صدرك ))؟ أي: نوسعه لقبول قضاء الله أو حكم الله الشرعي والقدري، وهذا حاصل على الوجه الأكمل بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم. (( ألم نشرح لك صدرك )).
تفسير قوله تعالى:" ووضعنا عنك وزرك. الذي أنقض ظهرك " وبيان من خصائص رسول الله غفران ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر
(( ووضعنا عنك وزرك )) قد تقول: إن بين الجملتين تنافراً، الأولى: الجملة فعل مضارع (( نشرح )) والثانية فعل ماض (( وضعنا )) لكن بناء على التقرير الذي قلت وهو أن (( ألم نشرح )) بمعنى قد شرحنا يكون عطف ووضعنا عطفاً على نظيره ومثيله (( ووضعنا عنك وزرك )) وضعناه أي طرحناه وعفونا وسامحنا وتجاوزنا عنك (( وزرك )) أي إثمك (( الذي أنقض ظهرك )) يعني أقضه وآلمه، لأن الظهر هو محل الحمل، فإذا كان هناك حمل يتعب الظهر فإتعاب غيره من باب أولى، لأن أقوى عضو في أعضائك للحمل هو الظهر، وانظر للفرق بين أن تحمل كيساً على ظهرك أو تحمله بين يديك بينهما فرق، فالمعنى أن الله تعالى غفر للنبي صلى الله عليه وسلّم وزره وخطيئته حتى بقي مغفوراً له، قال الله تبارك وتعالى: (( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً . ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر )). وقيل للنبي صلى الله عليه وسلّم وهو يقوم الليل ويطيل القيام حتى تتورم قدماه أو تتفطر قيل له: كيف تفعل هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فأقر هذا القول، أقر أن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لكن قال: ( أفلا أكون عبداً شكوراً )، إذاً مغفرة ذنوب الله المتقدمة والمتأخرة ثابتة بالقرآن والسنة، وهذا من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، لا أحد من الناس يغفر له ما تقدم وما تأخر إلا الرسول، أما غيره فيحتاج إلى توبة يتوب من الذنب، وقد يغفر الله له سبحانه وتعالى بدون توبة ما دون الشرك، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام نجزم بأنه قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولهذا قال: (( ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك )).
3 - تفسير قوله تعالى:" ووضعنا عنك وزرك. الذي أنقض ظهرك " وبيان من خصائص رسول الله غفران ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر أستمع حفظ
مسألة: هل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع منه الذنب ؟
فإن قال قائل: هذه الآية وما سقناه شاهداً لها يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلّم قد يذنب فهل النبي يذنب؟ فالجواب: نعم، ولا يمكن أن نرد النصوص، لا يمكن أن نردها لمجرد أن نستبعد وقوع الذنب منه صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن لا نقول الشأن ألا يذنب الإنسان بل الشأن أن يغفر للإنسان، هذا هو المهم أن يغفر له، أما أن لا يقع منه الذنب فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( كل بني آدم خطاء، وخير الخطائيين التوابون )، لابد من خطيئة لكن هناك أشياء لا يمكن أن تقع من الأنبياء مثل الكذب والخيانة، فإن هذا لا يمكن أن يقع منهم إطلاقاً، لأن هذا لو فرض وقوعه لكان طعناً في رسالتهم وهذا شيء مستحيل، وسفاسف الأخلاق من الزنا وشبهه هذا أيضاً ممتنع، لأنه ينافي أصل الرسالة، فالرسالة إنما وجدت لتتميم مكارم الأخلاق كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )،
خطر الذنوب على الإنسان ووجوب التوبة منها
فالحاصل أن الله سبحانه وتعالى وضع عن محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وزره، وبيّن أن هذا الوزر قد أنقض ظهره أي أقضه وأتعبه، وإذا كان هذا وزر الرسول عليه الصلاة والسلام فكيف بأوزار غيره، أوزارنا تقض ظهورنا وتنقضها وتتعبها، ولكن كأننا لم نحمل شيئاً، كأننا لم نحمل شيئا وذلك لضعف إيماننا وبصيرتنا وكثرة غفلتنا، نسأل الله أن يعاملنا بالعفو، في بعض الآثار أن المؤمن إذا أذنب ذنباً صار عنده كالجبل فوق رأسه وإن المنافق إذا أذنب ذنباً صار عنده كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا، يعني أنه لا يهتم، فالمؤمن تهمه خطاياه وتلحقه الهم حتى يتخلص منها بتوبة واستغفار، أو حسنات جليلة تمحو آثار هذه السيئة، وأنت إذا رأيت من قلبك الغفلة عن ذنوبك فاعلم أن قلبك مريض، لأن القلب الحي لا يمكن أن يرضى بالمرض، ومرض القلوب هي الذنوب كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذل إدمانها ، وترك الذنوب حياة القلـوب *** وخير لنفسك عصيانها، على كل حال أنا أقول: يجب علينا - وأوجه هذا القول لنفسي وأسأل الله أن يعينني عليه، أوجهه لنفسي قبلكم ونسأل الله العون للجميع - أقول أنه يجب علينا أن نهتم بأنفسنا وأن نحاسبها، وإذا كان التجار لا ينامون حتى يراجعوا دفاتر تجارتهم، ماذا صرفوا، وماذا أنفقوا، وماذا كسبوا، فإن تجار الآخرة ينبغي أن يكونوا أشد اهتماماً، لأن تجارتهم أعظم، تجارة أهل الدنيا، ماذا تفيدهم؟ غاية ما تفيدهم إن أفادتهم هو إتراف البدن فقط، على أن هذه التجارة يلحقها من الهم والغم ، وإذا خسر في سلعة اهتم لذلك، وإذا كان في بلده مخاوف: قطاع طريق، أو سراق صار أشد قلقاً، لكن تجارة الآخرة على العكس من هذا : (( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار )). تنجي من العذاب، ويغفر الله بها الذنوب، ويدخل بها الجنات، جنات عدن أي جنات إقامة، ومساكن طيبة في جنات عدن، مساكن طيبة في بنايتها وفي مادة البناء، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما )، والله لو يبقى الإنسان في سجدة منذ بلغ إلى أن يموت لكان هذا ثمناً قليلاً بالنسبة إلى هذه الغنيمة العظيمة، ولو لم يكن إلا أن ينجو الإنسان من النار لكفى، أحياناً الإنسان يفكر يقول ليتني لم أولد أو يكفيني أن أنجو من النار، وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " ليتني شجرة تعضد، ليت أمي لم تلدني "، لأن الإنسان يخاف، قد يظن أنه آمن الآن لأنه يصلي، ويصوم، ويتصدق، ويحج ويبر الوالدين وما أشبه ذلك، لكن قد يكون في قلبه - نسأل الله السلامة والعافية - حسيكة تؤدي إلى سوء الخاتمة، ـ والعياذ بالله ـ كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم: ( إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ) يعني مدة قريبة لموته ما هو إلا ذراع في العمل، لأن عمله كله هباء، هو يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار كما جاء في الحديث الصحيح، لكن قوله: ( حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ) ليس معناه أن عمله أوصله إلى قريب من الجنة، لا، المعنى حتى لا يبقى عليه إلا مدة قليلة في الحياة ( ثم يعمل بعمل أهل النار فيدخلها ) لكن هذا فيما إذا كان عمل الإنسان للناس كما قال عليه الصلاة والسلام: ( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار )، فالإنسان إذا مر على مثل هذه النصوص يخاف على نفسه، يخاف من الرياء، يخاف من العجب، يخاف من الإدلال على الله بعمله، فنسأل الله تعالى أن يحمينا وإياكم من سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
انتهينا من قوله تعالى: (( ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك . الذي أنقض ظهرك ))،
انتهينا من قوله تعالى: (( ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك . الذي أنقض ظهرك ))،
تفسير قوله تعالى:" ورفعنا لك ذكرك "
(( ورفعنا لك ذكرك )) فرفع ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام لا أحد يشك فيه، لأنه يرفع ذكره عند كل صلاة في أعلى مكان وذلك في ايش؟ في الأذان: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله. ثانياً: يرفع ذكره في كل صلاة فرضاً في التشهد، فإن التشهد مفروض، وفيه أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ثالثاً: يرفع ذكره عند كل عبادة، كل عبادة مرفوع فيها ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام، كيف ذلك؟ لأن كل عبادة لابد فيها من شرطين أساسيين هما: الإخلاص لله ، والمتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن المتابع للرسول سوف يستحضر عند العبادة أنه متبع فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهذا من رفع ذكره.
تفسير قوله تعالى:" فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا " وتوجيه قول ابن عباس: لن يغلب عسر يسرين
(( فإن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً )): هذا بشارة من الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولسائر الأمة، ونسأل الأخ هل جرى على الرسول عليه الصلاة والسلام عسر؟ الطالب؟ أي نعم، حين كان بمكة يضيق عليه، وفي الطائف، وكذلك أيضاً في المدينة من المنافقين فالله يقول: (( فإن مع العسر يسراً )) يعني كما شرحنا لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، ورفعنا لك ذكرك، وهذه نعم عظيمة كذلك هذا العسر الذي يصيبك لابد أن يكون له يسر: (( فإن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً ))، قال ابن عباس عند هذه الآية: "لن يغلب عسٌر يسرين"، فكيف توجيه كلامه ـ رضي الله عنه ـ مع أن العسر ذكر مرتين واليسر ذكر مرتين. قال أهل البلاغة: توجيه كلامه أن العسر لم يذكر إلا مرة واحدة : (( فإن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً ))، العسر الأول أعيد في الثانية بألـــــ، فأل هنا للعهد الذكري، وأما يسر فإنه لم يأت معرفاً بل جاء منكراً، والقاعدة: أنه إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير أن الثاني غير الأول إلا ما ندر، والعكس إذا كرر الاسم مرتين وهو معرف فالثاني هو الأول إلا ما ندر، يعني انتبهوا لهذه القاعدة، القاعدة الآن: إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التعريف فالثاني هو الأول إلا ما ندر، وإذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير فالثاني غير الأول، لأن الثاني نكرة فهو غير الأول، إذاً في الآيتين الكريمتين يسران وفيهما عسر واحد، لأن العسر كرر مرتين بصيغة التعريف.(( فإن مع العسر يسراً )) هذا الكلام خبر ممن؟ من الله عز وجل، وخبره أكمل الأخبار صدقاً، ووعده لا يخلف، فكلما تعسر عليك الأمر فانتظر التيسير، كلما تعسر عليك الأمر فانتظر التيسير، أما في الأمور الشرعية فظاهر، ففي الصلاة: صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب، هذا تيسير، إذا شق عليك القيام اجلس، إن شق عليك الجلوس صل وأنت على جنبك، في الصيام إن قدرت وأنت في الحضر فصم، وإن لم تقدر فأفطر، إذا كنت مسافراً فأفطر، في الحج إن استطعت إليه سبيلاً فحج، وإن لم تستطع فلا حج عليك، بل إذا شرعت في الحج وحصل لك ظرف لا تتمكن معه من إكمال الحج فتحلل، وافسخ الحج واهدِ لقول الله تعالى: (( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي )). إذاً كل عسر يحدث للإنسان في العبادة يجد التسهيل واليسر. كذلك في القضاء والقدر، يعني تقدير الله على الإنسان من مصائب، وضيق عيش، وضيق صدر وغيره لا ييأس، فإن مع العسر يسراً، التيسير قد يكون أمراً ظاهراً حسيًّا، مثل: أن يكون الإنسان فقيراً فتضيق عليه الأمور فييسر الله له الغنى، هذا تيسير حسي، أليس كذلك؟ إنسان مريض يتعب يشق عليه المرض فيشفيه الله عز وجل، هذا أيضاً تيسير حسي، هناك تيسير معنوي وهو معونة الله الإنسان على الصبر هذا تيسير، إذا أعانك الله على الصبر تيسر لك العسير، وصار هذا الأمر العسير الذي لو نزل على الجبال لدكها، صار بما أعانك الله عليه من الصبر صار أمراً يسيراً، يعني لا تظن أن اليسر معناه أن ينفرج الشيء مرة، لا، اليسر أن ينفرج الكرب ويزول وهذا يسر حسي، وأن يعين الله الإنسان على الصبر حتى يكون هذا الأمر الشديد العسير أمراً سهلاً عليه، نقول هذا لأننا واثقون بوعد الله : (( فإن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً ))،
7 - تفسير قوله تعالى:" فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا " وتوجيه قول ابن عباس: لن يغلب عسر يسرين أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى:" فإذا فرغت فانصب. وإلى ربك فارغب "
(( فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب )): المعنى في هذه الآية: أي إذا فرغت من أعمالك فانصب لعمل آخر، يعني اتعب لعمل آخر، لا تجعل الدنيا تضيع عليك، ولهذا كانت حياة الإنسان العاقل حياة جد، كلما فرغ من عمل شرع في عمل آخر، ما فيه ضياع وقت، الزمن لا يرحم كما يقولون، الزمن يمشي، يفوت على الإنسان في حال يقظته ومنامه، وشغله وفراغه، يسير، هل يمكن لأحد أن يمسك الزمن؟ ها؟ أجيبوا، لا، لو اجتمع الخلق كلهم ليوقفوا الشمس حتى يطول النهار ما تمكنوا، الزمن لا يمكن لأحد أن يمسكه، إذاً اجعل حياتك حياة جداً، حياة جد، إذا فرغت من عمل فانصب في عمل آخر، إذا فرغت من عمل الدنيا عليك بعمل الآخرة، فرغت من عمل الآخرة اشتغلت بأمر الدنيا فإذا قضيت الصلاة يوم الجمعة، يعني شوف الآن يوم الجمعة يكتنفها عملان دنيويان، صلاة الجمعة يكتنفها عملان دنيويان، (( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة )) يعني وأنتم مشتغلون في دنياكم (( فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ))، اسعوا بيعوا واشتروا، فإذا فرغنا من شغل اشتغلنا في آخر، وإذا فرغنا منه اشتغلنا في آخر وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان دائماً في جد. فإذا قال قائل: لو أنني استعملت الجد في كل حياتي لتعبت ومللت، قلنا: إن استراحتك لتنشيط نفسك وإعادة النشاط يعتبر، ايش؟ يعتبر شغلاً وعملاً، يعني ليس لازم الشغل بالحركات ففراغك من أجل أن تنشط للعمل الآخر يعتبر عملاً، المهم أن تجعل حياتك كلها جدًّا، عمل. ((فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب )) يعني إذا عملت الأعمال التي فرغت منها ونصبت في الأخرى، فارغب إلى الله عز وجل في إيش؟ ارغب إلى الله في حصول الثواب، وفي حصول الأجر، وفي الإعانة كن مع الله عز وجل قبل العمل وبعد العمل، قبل العمل كن مع الله تستعينه عز وجل، وبعده ترجو منه الثواب. و(( إلى ربك فارغب ))، وفي قوله: (( إلى ربك فارغب ))، فائدة بلاغية، أسألكم عنها : (( إلى ربك )) متعلقة بإيش؟ لا متعلقة من حيث الإعراب؟ (( ارغب ))، مقدمة عليها، وتقديم المعمول يفيد الحصر، يعني إلى الله لا إلى غيره، إلى الله لا إلى غيره فارغب فقط في جميع أمورك، وثق بأنك متى علقت رغبتك بالله عز وجل فإنه سوف ييسر لك الأمور، وكثير من الناس تنقصهم هذه الحال أي ينقصهم أن يكونوا دائماً راغبين إلى الله، فتجدهم يختل كثير من أعمالهم، لأنهم لم يكن بينهم وبين الله تعالى صلة في أعمالهم. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممتثلين لأوامره، مصدقين بأخباره، إنه على كل شيء قدير.
اضيفت في - 2007-02-04