تفسير سورة القدر-20
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة القدر: قال الله تعالى:" إنا أنزلناه في ليلة القدر " وذكر السبب في إتيان الله بضمير العظمة وأحيانا إتيانه بضمير الإفراد، وبيان أن ليلة القدر في شهر رمضان، والكلام على ليلة النصف من شعبان
حيث يقول الله تبارك وتعالى (( إِنَّا أَنزَلْنَهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ )) .(( إنا أنزلناه )): الضمير هنا يعود إلى الله عز وجل، والهاء في قوله (( أنزلناه )) يعود إلى القرآن، وذكر الله تعالى نفسه بالعظمة (( إنا أنزلناه )) دون أن يقول" إني أنزلت " لأنه سبحانه وتعالى العظيم الذي لا شيء أعظم منه، والله تعالى يذكر نفسه أحياناً بصيغة العظمة مثل هذه الآية الكريمة (( إنا أنزلناه في ليلة القدر )) ومثل قوله تعالى: (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )). ومثل قوله تعالى: (( إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين )). وأحياناً يذكر نفسه بصيغة الواحد مثل : (( إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري )). وذلك لأنه واحد عظيم، فباعتبار الصفة يأتي ضمير العظمة، وباعتبار الوحدانية يأتي ضمير الواحد. والضمير في قوله: (( أنزلناه )) أعني ضمير المفعول به وهي الهاء يعود إلى القرآن وإن لم يسبق له ذكر، لأن هذا أمر معلوم، ولا يمتري أحد في أن المراد بذلك إنزال القرآن الكريم، أنزله الله تعالى في ليلة القدر فما معنى إنزاله في ليلة القدر؟ الصحيح أن معناها: ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، وليلة القدر في رمضان لا شك في هذا ودليل ذلك قوله تعالى: (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان )). فإذا جمعت هذه الآية أعني (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن )) إلى هذه الآية التي نحن بصدد الكلام عليها : (( إنا أنزلناه في ليلة القدر )) تبين أن ليلة القدر في رمضان،
1 - تفسير سورة القدر: قال الله تعالى:" إنا أنزلناه في ليلة القدر " وذكر السبب في إتيان الله بضمير العظمة وأحيانا إتيانه بضمير الإفراد، وبيان أن ليلة القدر في شهر رمضان، والكلام على ليلة النصف من شعبان أستمع حفظ
الكلام على صيام النصف من شعبان، وذكر الصيام المستحب
وبهذا نعرف أن ما اشتهر عند العامة من أن ليلة القدر هي ليلة النصف من شهر شعبان لا أصل له، ولا حقيقة له، فإن ليلة القدر في رمضان، وليلة النصف من شعبان كليلة النصف من رجب، وجمادى، وربيع، وصفر، ومحرم وغيرهن من الشهور لا تختص بشيء، حتى ما ورد في فضل القيام فيها فهو أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، وكذلك ما ورد من تخصيص يومها وهو يوم النصف من شعبان بصيام فإنها أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، لكن بعض العلماء ـ رحمهم الله ـ يتساهلون في ذكر الأحاديث الضعيفة فيما يتعلق بالفضائل: فضائل الأعمال، أو الشهور، أو الأماكن وهذا أمر لا ينبغي، وذلك لأنك إذا سقت الأحاديث الضعيفة في فضل شيء ما، فإن السامع سوف يعتقد أن ذلك صحيح، وينسبه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهذا شيء كبير، فالمهم أن يوم النصف من شعبان وليلة النصف من شعبان لا يختصان بشيء دون سائر الشهور، فليلة النصف لا تختص بفضل قيام، وليلة النصف ليست ليلة القدر، ويوم النصف لا يختص بصيام، نعم شهر شعبان ثبتت السنة بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم يكثر الصيام فيه حتى لا يفطر منه إلا قليلاً وما سوى ذلك مما يتعلق بصيامه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم إلا ما لسائر الشهور كفضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر وأن تكون في الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وهي أيام البيض.
معنى القدر وبيان إطلاقاته
وقوله تعالى: (( في ليلة القدر ))، ما معنى القدر؟ هل هو الشرف؟ كما يقال فلان ذو قدر عظيم، أو ذو قدر كبير، أي ذو شرف كبير، أو المراد بالقدر التقدير، لأنه يقدر فيها ما يكون في السنة لقول الله تعالى: (( إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم )). أي يفصل ويبين، من العلماء من قال بهذا، ومن العلماء من قال بهذا، والصحيح أنه شامل للمعنيين، فليلة القدر لا شك أنها ذات قدر عظيم، وشرف كبير، وأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من الإحياء والإماتة والأرزاق وغير ذلك.
تفسير قوله تعالى:" وما أدراك ما ليلة القدر "
ثم قال جل وعلا: (( وما أدراك ما ليلة القدر )) وهذه الجملة بهذه الصيغة يستفاد منها التعظيم والتفخيم، وهي مطردة في القرآن الكريم، قال الله تعالى: (( وما أدراك ما يوم الدين. ثم ما أدراك ما يوم الدين )). وقال تعالى: (( الحاقة . ما الحاقة. وما أدراك ما الحاقة )). (( القارعة. ما القارعة. وما أدراك ما القارعة )) فهذه الصيغة تعني التفخيم والتعظيم فهنا قال: (( وما أدراك ما ليلة القدر )) أي ما أعلمك ليلة القدر وشأنها وشرفها وعظمها،
تفسير قوله تعالى:" ليلة القدر خير من ألف شهر "
ثم بين هذا بقوله: (( ليلة القدر خير من ألف شهر )) وهذه الجملة كالجواب للاستفهام الذي سبقها، وهو قوله: (( وما أدراك ما ليلة القدر ))، (( ليلة القدر خير من ألف شهر )) أي من ألف شهر ليس فيه ليلة القدر، والمراد بالخيرية هنا ثواب العمل فيها، وما ينزل الله تعالى فيها من الخير والبركة على هذه الأمة،
تفسير قوله تعالى:" تنزل الملائكة والروح فيها " وذكر الأماكن التي لا تدخله الملائكة
ثم ذكر ما يحدث في تلك الليلة فقال: (( تنزل الملائكة والروح فيها ))، تنزل: أي تنزل شيئاً فشيئاً، لأن الملائكة سكان السموات، والسموات سبع فتنزل الملائكة إلى الأرض شيئاً فشيئاً حتى تملأ الأرض، ونزول الملائكة في الأرض عنوان على الرحمة والخير والبركة، ولهذا إذا امتنعت الملائكة من دخول شيء كان ذلك دليلاً على أن هذا المكان الذي امتنعت الملائكة من دخوله قد يخلو من الخير والبركة كالمكان الذي فيه الصور، فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، يعني صورة محرمة، لأن الصورة إذا كانت ممتهنة في فراش أو مخدة، فأكثر العلماء على أنها جائزة، وعلى هذا فلا تمتنع الملائكة من دخول المكان، لأنه لو امتنعت لكان ذلك ممنوعاً، فالملائكة تتنزل في ليلة القدر بكثرة، ونزولهم خير وبركة. (( والروح )) هو جبريل عليه السلام خصه الله بالذكر لشرفه وفضله،
تفسير قوله تعالى:" بإذن ربهم من كل أمر " وبيان أن الإذن قسمان كوني وشرعي
وقوله تعالى: (( بإذن ربهم )) أي بأمره، والمراد به الإذن الكوني، لأن إذن الله ـ أي أمره ـ ينقسم إلى قسمين: إذن كوني، وإذن شرعي، فقوله تعالى: (( شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )). أي ما لم يأذن به شرعاً، لأنه قد أذن به قدراً، فقد شرع من دون الله، لكنه ليس بإذن الله الشرعي، وإذن قدري كما في هذه الآية (( بإذن ربهم )) أي بأمره القدري وقوله: (( من كل أمر )) قيل إن (( من )) بمعنى الباء أي بكل أمر مما يأمرهم الله به، وهو مبهم لا نعلم ما هو، لكننا نقول إن تنزل الملائكة في الأرض عنوان على الخير والرحمة والبركة.
تفسير قوله تعالى:" سلام هي حتى مطلع الفجر " وبيان فضل قيام ليلة القدر
(( سلام هي )) الجملة هنا مكونة من مبتدأ وخبر، والخبر فيها مقدم، والتقدير: " هي سلام " أي هذه الليلة سلام، ووصفها الله تعالى بالسلام، لكثرة من يسلم فيها من الآثام وعقوباتها، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )، ومغفرة الذنوب لا شك أنها سلامة من وبائها وعقوباتها. ((حتى مطلع الفجر )) أي تتنزل الملائكة في هذه الليلة حتى مطلع الفجر، أي إلى مطلع الفجر، وإذا طلع الفجر انتهت ليلة القدر.
متى تكون ليلة القدر؟ والكلام على اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم
سبق أن قلنا إن ليلة القدر في رمضان، لا شك، لكن في أي جزء من رمضان أفي أوله، أو وسطه، أو آخره؟ نقول في الجواب على هذا: إن النبي صلى الله عليه وسلّم اعتكف العشر الأول، ثم العشر الأوسط تحرياً لليلة القدر، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر، إذاً فهي أعني ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان. وفي أي ليلة منها؟ الله أعلم قد تكون في ليلة إحدى وعشرين، أو في ليلة الثلاثين، أو فيما بينهما، فلم يأت تحديد لها في ليلة معينة كل عام، ولهذا أري النبي صلى الله عليه وسلّم ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين ورأى في المنام أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، فأمطرت السماء تلك الليلة أي ليلة إحدى وعشرين، فصلى النبي صلى الله عليه وسلّم في مسجده، وكان مسجده من عريش لا يمنع تسرب الماء من السقف، فسجد النبي صلى الله عليه وسلّم صباحها أي في صلاة الفجر في الماء والطين، ورأى الصحابة رضي الله عنهم على جبهته أثر الماء والطين، ففي تلك الليلة كانت في ليلة إحدى وعشرين، ومع ذلك قال: ( التمسوها في العشر الأواخر )، وفي رواية: ( في الوتر من العشر الأواخر )، ورآها الصحابة ذات سنة من السنين في السبع الأواخر، فقال صلى الله عليه وسلّم: ( أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر )، يعني في تلك السنة، أما في بقية الأعوام فهي في كل العشر، فليست معينة، لكن أرجاها ليلة سبع وعشرين، وقد تكون مثلاً في هذا العام ليلة سبع وعشرين، وفي العام الثاني ليلة إحدى وعشرين، وفي العام الثالث ليلة خمس وعشرين وهكذا..
فوائد إبهام الله لليلة القدر
وإنما أبهمها الله عز وجل لفائدتين عظيمتين: الفائدة الأولى: بيان الصادق في طلبها من المتكاسل، لأن الصادق في طلبها لا يهمه أن يتعب عشر ليال من أجل أن يدركها، والمتكاسل قد يكسل إن لم يعلم أي ليلة هي، يكسل أن يقوم عشر ليال من أجل ليلة واحدة. الفائدة الثانية: كثرة ثواب المسلمين بكثرة الأعمال، لأنه كلما كثر العمل كثر الثواب.
تنبيه: حكم تخصيص ليلة السابع والعشرين من رمضان بالعمرة
وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى غلط كثير من الناس في الوقت الحاضر حيث يتحرون ليلة سبع وعشرين في أداء العمرة، فإنك في ليلة سبع وعشرين تجد المسجد الحرام قد غص بالناس وكثروا، وتخصيص ليلة سبع وعشرين بالعمرة من البدع، لأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم لم يخصصها بعمرة في فعله، ولم يخصصها أي ليلة سبع وعشرين بعمرة في قوله، فلم يعتمر ليلة سبع وعشرين من رمضان مع أنه في عام الفتح ليلة سبع وعشرين من رمضان كان في مكة ولم يعتمر، ولم يقل للأمة تحروا ليلة سبع وعشرين بالعمرة، وإنما أمر أن نتحرى ليلة سبع وعشرين بالقيام فيها لا بالعمرة، وبه يتبين خطأ كثير من الناس، وبه أيضاً يتبين أن الناس ربما يأخذون دينهم كابراً عن كابر، على غير أساس من الشرع، فاحذر أن تعبد الله إلا على بصيرة، بدليل من كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم أو عمل الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم.
فوائد إبهام الله لليلة القدر
اضيفت في - 2007-02-04