تفسير سورة القارعة-24
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة القارعة، الكلام على البسملة وهل هي آية من الفاتحة ومن غيرها من السور، وسبب عدم إتيانها في سورة التوبة؟
يقول الله تبارك وتعالى: (( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) (( الْقَارِعَةُ . مَا الْقَارِعَةُ . )) الخ .البسملة آية من كتاب الله، يؤتى بها في ابتداء كل سورة، ولا تحسب من آيات السورة، لا في الفاتحة ولا في غيرها، على القول الراجح من أقوال العلماء، وأول آية في الفاتحة هي قوله تعالى: (( الحمد لله رب العالمين ))، والثانية: (( الرحمن الرحيم ))، والثالثة: (( مالك يوم الدين ))، والرابعة: (( إياك نعبد وإياك نستعين ))، والخامسة: (( اهدنا الصراط المستقيم ))، والسادسة: (( صراط الذين أنعمت عليهم ))، والسابعة: (( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ))، إلا أنه لم يؤت بها في أول سورة براءة نظراً لأن ذلك لم يثبت عند الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأشكل عليهم الأمر هل هي بقية سورة الأنفال أم هي سورة مستقلة؟ فلهذا وضعوا فاصلاً دون البسملة.
1 - تفسير سورة القارعة، الكلام على البسملة وهل هي آية من الفاتحة ومن غيرها من السور، وسبب عدم إتيانها في سورة التوبة؟ أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى:" القارعة. ما القارعة "
يقول الله تعالى هنا :(( القارعة. ما القارعة )): والقارعة اسم فاعل من قرع، والمراد: التي تقرع القلوب وتفزعها وذلك عند النفخ في الصور، كما قال تعالى: (( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين )). فهي تقرع القلوب بعد قرع الأسماع، وهذه القارعة هي قارعة عظيمة لا نظير لها قبل ذلك، وهي من أسماء يوم القيامة، كما تسمى الغاشية، والحاقة،
تفسير قوله تعالى:" وما أدراك ما القارعة "
وقوله: (( ما القارعة )): (( ما )) هنا استفهام بمعنى التعظيم والتفخيم يعني: ما هي القارعة التي ينوه عنها؟ (( وما أدراك ما القارعة )) : هذا زيادة في التفخيم والتعظيم والتهويل، يعني أي شيء أعلمك عن هذه القارعة؟ أي ما أعظمها وما أشدها،
تفسير قوله تعالى:" يوم يكون الناس كالفراش المبثوث " والكلام على البعث
ثم بين متى تكون؟ فقال جل وعلا: (( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث )) أي: أنها تكون في ذلك الوقت، يوم يكون الناس كالفراش المبثوث حين يخرجون من قبورهم، قال العلماء: يكونون كالفراش المبثوث، والفراش كما تعرفون هو هذه الطيور الصغيرة التي تتزاحم عند وجود النار في الليل وهي ضعيفة وتكاد تمشي بدون هدى، وتتراكم وربما لطيشها تقع في النار وهي لا تدري، فهم يشبهون الفراش في ضعفه وحيرته وتراكمه وسيره إلى غير هدى. و(( المبثوث )) يعني المنتشر، فهو كقوله تعالى: (( يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر )). لو تصورت هذا المشهد يخرج الناس من قبورهم على هذا الوجه لتصورت أمراً عظيماً لا نظير له، هؤلاء العالم من آدم إلى أن تقوم الساعة كلهم يخرجون خروج رجل واحد في آن واحد من هذه القبور المبعثرة في مشارق الأرض ومغاربها، ومن غير القبور كالذي ألقي في لجة البحر، وأكلته الحيتان، أو في فلوات الأرض، وأكلته السباع، أو ما أشبه ذلك، كلهم سيخرجون مرة واحدة، يصولون ويجولون في هذه الأرض.
تفسير قوله تعالى:" وتكون الجبال كالعهن المنفوش "
أما الجبال وهي تلك الجبال العظيمة الراسية الصلبة فتكون (( كالعهن المنفوش )) (( العهن )): الصوف. و (( المنفوش )) المبعثر، أو إن العهن هو القطن، والمعنى واحد، المهم أنها بعد أن كانت صلبة قوية راسخة تكون مثل العهن المنفوش، الصوف، أو القطن كما قلنا المبعثر ـ سواء نفشته بيدك أو بالمنداف فإنه يكون خفيفاً يتطاير مع أدنى ريح، وقد قال الله تعالى في آيات أخرى أن الجبال تكون هباء منثوراً. وقال جل وعلا هنا: (( وتكون الجبال كالعهن المنفوش )). (( فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية. وما أدراك ما هي. نار حامية )). قسم الله تعالى الناس إلى قسمين: القسم الأول: من ثقلت موازينه وهو الذي رجحت حسناته على سيئاته. والثاني: من خفت موازينه وهو الذي رجحت سيئاته على حسناته، أو الذي ليس له حسنة أصلاً كالكافر،
تفسير قوله تعالى:" فأما من ثقلت موازينه. فهو في عيشة راضية "
يقول تعالى: (( فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية )): العيشة مأخوذة من العيش وهو الحياة، يقال: عاش الرجل زمناً طويلاً، أي: بقي وحيي زمناً طويلاً، والعيشة هنا على وزن فعلة فهي هيئة وليست مصدراً، المصدر الدال على الوحدة أن تقول عيشة، وأما إذا قلت عِيْشَة فهي فعلة تدل على الهيئة، كما قال ابن مالك رحمه الله: وفعلة لمرة كجَلسةٍ *** وفعلة لهيئة كجِلسةً، المعنى: أنه في حياة طيبة، حياة طيبة راضية. (( راضية )) قيل: إنها اسم فاعل بمعنى اسم المفعول، أي: مرضية. وقيل: إنها اسم فاعل من باب النسبة أي ذات رضى، وكلا المعنيين واحد، والمعنى: أنها عيشة طيبة ليس فيها نكد، وليس فيها صخب، وليس فيها نصب، كاملة من كل وجه، وهذا يعني العيش في الجنة جعلنا الله وإياكم منهم، هذا العيش لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين، لا يحزنون، ولا يخافون، في أنعم عيش، وأطيب بال، وأسر حال فهي عيشة راضية.
تفسير قوله تعالى:" وأما من خفت موازينه. فأمه هاوية " ذكر قاعدة في التفسير
(( وأما من خفت موازينه. فأمه هاوية )): ومن خفت موازينه قلنا أنه الكافر الذي ليس له أي حسنة، لأن حسنات الكافر يجازى بها في الدنيا ولا تنفعه في الآخرة، أو أنه مسلم لكنه مسرف على نفسه وسيئاته أكثر. (( فأمه هاوية )) أم هنا بمعنى مقصوده، أي: الذي يقصده الهاوية، والهاوية من أسماء النار،يعني أنه مآله إلى نار جهنم ـ والعياذ بالله ـ. وقيل: إن المراد بالأم هنا: أم الدماغ، والمعنى: أنه يلقى في النار على أم رأسه. نسأل الله السلامة، وإذا كانت الآية تحتمل معنيين لا يترجح أحدهما على الآخر ولا يتنافيان فإنه يؤخذ بالمعنيين جميعاً فيقال: يرمى في النار على أم رأسه، وأيضاً ليس له مأوى ولا مقصد إلا النار.
تفسير قوله تعالى:" وما أدراك ما هي. نار حامية "
(( وما أدراك ما هيه )) هذا من باب التفخيم والتعظيم لهذه الهاوية، يسأل ما هي؟ أتدري ما هي؟ إنها لشيء عظيم، إنها نار حامية في غاية ما يكون من الحمو، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنها فضلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً ). إذا تأملت نار الدنيا كلها سواء نار الحطب، أو الورق، أو الغاز أو أشد من ذلك فإن نار جهنم مفضلة عليها بتسعة وستين جزءاً نسأل الله العافية،
ذكر فوائد سورة القارعة، والكلام على الميزان وذكر مسائله
في هذه الآية التخويف والتحذير من هذا اليوم وأن الناس لا يخرجون عن حالين: إما رجل رجحت حسناته، أو رجل رجحت سيئاته. وفيها أيضاً دليل على أن يوم القيامة فيه موازين، وقد جاء في بعض النصوص أنه ميزان فهل هو واحد أو متعدد؟ قال بعض أهل العلم: إنه واحد وإنما جمع باعتبار الموزون، لأنه يوزن فيه الحسنات والسيئات، وتوزن فيه حسنات فلان وفلان، وتوزن فيه حسنات هذه الأمة والأمة الأخرى، فهو مجموع باعتبار الموزون لا باعتبار الميزان، وإلا فالميزان واحد. وقال بعض أهل العلم: إنها موازين متعددة، لكل أمة ميزان، ولكل عمل ميزان فلهذا جمعت. والأظهر ـ والله أعلم أنه ميزان واحد ـ لكنه جمع باعتبار الموزون على حسب الأعمال، أو على حسب الأمم، أو على حسب الأفراد. وفي هذه الآية دليل على أن الإنسان إذا تساوت حسناته وسيئاته فإنه قد سكت عنه في هذه الآية، ولكن بيّن الله تعالى في سورة الأعراف أنهم لا يدخلون النار وإنما يحبسون في مكان يقال له الأعراف، وذكر الله تعالى في سورة الأعراف ما يجري بينهم وبين المؤمنين، وأنهم إذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن رجحت حسناته على سيئاته، وأن يغفر لنا ولكم.
اضيفت في - 2007-02-04