تفسير سورة الماعون-30
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة الماعون: قال الله تعالى:" أرأيت الذي يكذب بالدين "
إلى قول الله تبارك وتعالى: (( أَرَءَيْتَ الَّذِى يُكَذِّبُ بِالدِّينِ . فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ ... )) الخ السورة. فيقول الله تبارك وتعالى: (( أرأيت الذي يكذب بالدين )): (( أرأيت )) خطاب، لكن لمن؟ هل هو للرسول صلى الله عليه وسلم لأنه الذي أنزل عليه القرآن؟ أو هو عام لكل من يتوجه إليه الخطاب؟ العموم أولى فنقول: (( أرأيت الذي )) : عام لكل من يتوجه إليه الخطاب. (( أرأيت الذي يكذب بالدين )): أي بالجزاء، وهؤلاء هم الذين ينكرون البعث ويقولون: (( أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنا لمبعوثون. أوآباؤنا الأولون )). ويقول القائل منهم: (( من يحيي العظام وهي رميم )). هؤلاء يكذبون بيوم الدين،(( أرأيت الذي يكذب بالدين )): أي: بالجزاء.
تفسير قوله تعالى:" فذلك الذي يدع اليتيم. ولا يحض على طعام المسكين" والحكمة من جمع هذين الوصفين
(( فذلك الذي يدع اليتيم. ولا يحض على طعام المسكين )) فجمع بين أمرين، الأمر الأول: عدم الرحمة بالأيتام الذين هم محل الرحمة، لأن الأيتام هم الذين مات آباؤهم قبل أن يبلغوا، وهم محل الشفقة والرحمة، لأنه فاقد لأبيه فقلبه منكسر يحتاج إلى جبر، ولهذا وردت النصوص بفضل الإحسان إلى الأيتام. لكن هذا ـ والعياذ بالله ـ (( يدع اليتيم )) أي: يدفعه بعنف، لأن الدع هو الدفع بعنف كما قال الله تعالى: (( يوم يدعون إلى نار جهنم دعًّا )). أي: دفعاً شديداً، فتجد اليتيم إذا جاء إليه يستجديه شيئاً، أو يكلمه في شيء يحتقره ويدفعه بشدة فلا يرحمه. أيضاً: لا يحثون على رحمة الغير (( ولا يحض على طعام المسكين )) فالمسكين الفقير المحتاج إلى الطعام لا يحض هذا الرجل على إطعامه، لأن قلبه حجر - والعياذ بالله- قاسٍ، فقلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، إذاً ليس فيه رحمة لا للأيتام ولا للمساكين، فهو قاسي القلب - والعياذ بالله -.
2 - تفسير قوله تعالى:" فذلك الذي يدع اليتيم. ولا يحض على طعام المسكين" والحكمة من جمع هذين الوصفين أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى:" فويل للمصلين. الذين هم على صلاتهم ساهون "
ثم قال عز وجل: (( فويل للمصلين )) ويل: هذه كلمة وعيد وهي تتكرر في القرآن كثيراً، والمعنى الوعيد الشديد على هؤلاء،(( الذين هم عن صلاتهم ساهون )): هؤلاء مصلون يصلون مع الناس أو أفراداً لكنهم (( عن صلاتهم ساهون )) أي: غافلون عنها، لا يقيمونها على ما ينبغي، يؤخرونها عن الوقت الفاضل، لا يقيمون ركوعها، ولا سجودها، ولا قيامها، ولا قعودها، لا يقرؤون ما يجب فيها من قراءة سواء كانت قرآناً أو ذكراً، إذا دخل في صلاته وإذا هو غافل، قلبه يتجول يميناً وشمالاً، فهو ساهٍ عن صلاته،
الفرق بين السهو في الصلاة والسهو عن الصلاة
وهذا مذموم، الذي يسهو عن الصلاة ويغفل عنها ويتهاون بها لا شك أنه مذموم، أما الساهي في صلاته فهذا لا يُلام، والفرق بينهما أن الساهي في الصلاة معناه أنه نسي شيئاً، نسي عدد الركعات، نسي شيئًا من الواجبات وما أشبه ذلك، ولهذا وقع السهو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أشد الناس إقبالاً على صلاته بل إنه قال عليه الصلاة والسلام: ( جعلت قرة عيني في الصلاة )، ومع ذلك سها في صلاته لأن السهو في الشيء يعني معناه أنه نسي شيئًا على وجه لا يلام عليه، أما الساهي عن صلاته فهو متعمد للتهاون في صلاته، ومن السهو عن الصلاة أولئك القوم الذين يدعون للصلاة مع الجماعة، فإنهم لا شك عن صلاتهم ساهون فيدخلون في هذا الوعيد. (( فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون )).
تفسير قوله تعالى: " الذين هم يراؤون " وهذه صفة المنافقين
(( الذين هم يرآءون ويمنعون الماعون )): أيضاً إذا فعلوا الطاعة فإنما يقصدون بها التزلف إلى الناس، وأن يكون لهم قيمة في المجتمع، ليس قصدهم التقرب إلى الله عز وجل، فهذا المرائي يتصدق من أجل أن يقول الناس ما أكرمه، هذا المصلي يحسن صلاته من أجل أن يقول الناس ما أحسن صلاته وما أشبه ذلك، هؤلاء يراءون، أصل العبادة لله، لكن يريدون مع ذلك أن يحمدهم الناس عليها، ويتقربون إلى الناس بتقربهم إلى الله، هؤلاء المراءون - والعياذ بالله -، أما من يصلي لأجل الناس بمعنى أنه يصلي بين يدي الملك مثلاً أو غيره يخضع له ركوعاً، أو سجوداً فهذا مشرك كافر قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. لكن هذا يصلي لله مع مراعاة أن يحمده الناس على عبادته، على أنه عابد لله عز وجل، وهذا يقع كثيراً في المنافقين، كما قال الله تعالى: (( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً )). انظر لهذا الوصف إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، إذاً هم عن صلاتهم ساهون. يراءون الناس، هنا يقول: (( الذين هم يراؤن )) وإن قال إنسان: وهل الذين يسمّعون مثلهم؟ يعني إنسان يقرأ القرآن ويجهر بالقراءة يحسن القراءة، يحسن الأداء والصوت من أجل أن يقال ما أقرأه، هل يكون مثل الذي يرائي؟ من الذين يراؤون؟ الجواب: نعم، كما جاء في الحديث، ( من سمَّع سمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به )، المعنى من سمّع فضحه الله وبين للناس أن الرجل ليس مخلصاً، ولكنه يريد أن يسمعه الناس: فيمدحوه على عبادته، ومن راءى كذلك راءى الله به، فالإنسان الذي يرائي الناس، أو يسمّع الناس سوف يفضحه الله، وسوف يتبين أمره إن عاجلاً أم آجلاً.
تفسير قوله تعالى: " ويمنعون الماعون " وذكر أقسام بذل الماعون، وبعض مسائله
(( ويمنعون الماعون )) أي: يمنعون ما يجب بذله من المواعين وهي الأواني، يعني يأتي الإنسان إليهم يستعير آنية، يقول: أنا محتاج إلى دلو، محتاج إلى إناء أشرب به، محتاج إلى لمبة كهرباء وما أشبه ذلك، فيمنع. فهذا أيضاً مذموم. ومنع الماعون ينقسم إلى قسمين: قسم يأثم به الإنسان. قسم لا يأثم به، لكن يفوته الخير. فما وجب بذله فإن الإنسان يأثم بمنعه، وما لم يجب بذله فإن الإنسان لا يأثم بمنعه لكن يفوته الخير. مثال ذلك: إنسان جاءه رجل مضطر يقول: أعطني إناءً أشرب به، فإن لم أشرب مت، بذل الإناء له؟ إيش؟ واجب يأثم بتركه الإنسان، حتى إن بعض العلماء يقول: لو مات هذا الإنسان فإنه يضمنه ذاك بالدية، لأنه هو سبب موته ويجب عليه بذل ما طلبه. جاء إنسان إلى آخر يقول: أعطني ثوباً أدفأ به عن البرد وإلا هلكت، هنا؟ يجب عليه أن يبذل له ذلك الثوب وجوباً، لكن اختلف العلماء في هذه المسألة هل يجب على المستعير في هذه الحال أن يعطي المعير أجرة أو لا يجب؟ أو يجب في المنافع دون الأعيان؟ كيف هذا مثلاً: إنسان أتاك وهو مضطر إلى طعام، مضطر إلى طعام وإن لم تطعمه هلك، قلنا يجب عليك أن تطعمه، لكن هل يجب عليه أن يعطيك قيمة هذا الطعام؟ قال بعض أهل العلم: يجب عليه أن يعطيك قيمة الطعام، وقال آخرون: لا يجب، لأن إطعامه في هذه الحال واجب، واجب عليك من عند الله، وهذا القول هو الراجح بأنه ليس له عوض لأن إنقاذ الواقع في الهلكة واجب، ولا يمكن أن يأخذ الإنسان أجراً على ما أوجب الله عليه. في المسألة الثانية: جاءك إنسان مضطر إلى ثوب خوفاً من البرد، فأعطيته الثوب، فهل يجب عليه أجرة في هذا الثوب؟ بعض أهل العلم يقولون: يجب عليه الأجرة، وبعضهم يقول: لا يجب، والصحيح أنه لا يجب عليه الأجرة، ولكن إن أعطيته إياه على سبيل التملك فهو ملكه، وإن أعطيته إياه على سبيل العارية وجب عليه إذا وجد ثوباً غيره أن يرده عليك، هذا القول هو الصحيح .
ذكر فوائد هذه السورة
وفي نهاية الكلام على هذه السورة يجب على المرء أن ينظر في نفسه هل هو ممن اتصف بهذه الصفات أو لا؟ إن كان ممن اتصف بهذه الصفات قد أضاع الصلاة وسها عنها، ومنع الخير عن الغير فليبشر بالويل ـ والعياذ بالله ـ وإن كان قد تنزه عن ذلك فليبشر بالخير، والقرآن الكريم ليس المقصود منه أن يتلوه الإنسان فقط، ليتعبد لله تعالى بتلاوته، المقصود أن يتأدب به ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: ( إن النبي صلى الله عليه وسلّم كان خلقه القرآن ). خُلقه يعني أخلاقه التي يتخلق بها يأخذها من القرآن، وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة.
اضيفت في - 2007-02-04