تفسير سورة الكوثر-31
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة الكوثر : وهل هي مكية أو مدنية؟
سورة: (( إِنَّآ أَعْطَيْنَكَ الْكَوْثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ . إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ )). هذه السورة قيل إنها مكية، وقيل: إنها مدنية. والمكي هو الذي نزل قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة سواء نزل في مكة، أو في المدينة، أو في الطريق في السفر يعني، كل ما نزل بعد الهجرة فهو مدني، وما نزل قبلها فهو مكي، هذا القول الراجح من أقوال العلماء.
تفسير قوله تعالى:" إنا أعطيناك الكوثر " والكلام على الكوثر وصفته
يقول الله عز وجل مخاطباً النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (( إنا أعطيناك الكوثر )) و الكوثر: في اللغة العربية هو الخير الكثير، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه الله تعالى خيراً كثيراً في الدنيا والآخرة. فمن ذلك النهر العظيم الذي في الجنة والذي يصبّ منه ميزابان على حوضه المورود صلى الله عليه وسلّم، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى مذاقاً من العسل، وأطيب رائحة من المسك، وهذا الحوض في القيامة في عرصات القيامة يرده المؤمنون من أمة النبي صلى الله عليه وسلّم. وآنيته كنجوم السماء كثرة وحسناً، فمن كان وارداً على شريعته في الدنيا كان وارداً على حوضه في الآخرة، ومن لم يكن وارداً على شريعته فإنه محروم منه في الآخرة، نسأل الله أن يوردنا وإياكم حوضه وأن يسقينا منه،
بيان ما اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم دون الأنبياء: شرح حديث جابر: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء غيري
ومن الخيرات الكثيرة التي أعطيها صلى الله عليه وسلّم في الدنيا ما ثبت في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: ( أعطيت خمساً لم يُعطهن أحداً من الأنبياء قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجلاً من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وأحلت لي المغانم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة ). هذا من الخير الكثير، لأن بعثه إلى الناس عامة يستلزم أن يكون أكثر الأنبياء أتباعاً وهو كذلك فهو أكثرهم أتباعاً عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن الدال على الخير كفاعل الخير، والذي دل هذه الأمة العظيمة التي فاقت الأمم كثرة هو محمد صلى الله عليه وسلّم، وعلى هذا فيكون للرسول عليه الصلاة والسلام من أجر كل واحد من أمته نصيب من الأجر، ومن يحصي الأمة إلا الله عز وجل، ومن الخير الذي أعطيه في الآخرة المقام المحمود، ومنه الشفاعة العظمى، فإن الناس في يوم القيامة يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون، فيطلبون الشفاعة، فيأتون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى حتى تصل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقوم ويشفع، ويقضي الله تعالى بين العباد بشفاعته، وهذا مقام يحمده عليه الأولون والآخرون وداخل في قوله تعالى: (( عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً )). إذاً الكوثر يعني ايش؟ الخير الكثير، ومنه النهر الذي في الجنة، فالنهر الذي في الجنة هو الكوثر لا شك، ويسمى كوثراً لكنه ليس هو فقط الذي أعطاه الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الخير، ولما ذكر منته عليه بهذا الخير الكثير .
3 - بيان ما اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم دون الأنبياء: شرح حديث جابر: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء غيري أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى:" فصل لربك وانحر "
قال: (( فصل لربك وانحر )) شكراً لله على هذه النعمة العظيمة، أن تصلي وتنحر لله، والمراد بالصلاة هنا جميع الصلوات، وأول ما يدخل فيها الصلاة المقرونة بالنحر وهي صلاة عيد الأضحى لكن الآية شاملة عامة (( فصل لربك )) الصلوات المفروضة والنوافل، صلوات العيد والجمعة. (( وانحر )) أي: تقرب إليه بالنحر، والنحر يختص بالإبل، والذبح للبقر والغنم، لكنه ذكر النحر، لأن الإبل أنفع من غيرها بالنسبة للمساكين، ولهذا أهداها النبي صلى الله عليه وسلّم في حجه أهدى مائة بعير، ونحر منها ثلاثة وستين بيده، وأعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الباقي فنحرها، وتصدق بجميع أجزائها إلا بضعة واحدة من كل ناقة، فأخذها وجعلت في قدر، فطبخها فأكل من لحمها، وشرب من مرقها، وأمر بالصدقة حتى بجلالها وجلودها عليه الصلاة والسلام، والأمر له أمر له وللأمة، فعلينا أن نخلص الصلاة لله، وأن نخلص النحر لله كما أُمر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلّم .
تفسير قوله تعالى:" إنا شانئك هو الأبتر " فكل من أبغض رسول الله أو أبغض شريعته فيناله هذا العقاب
ثم قال :(( إن شانئك هو الأبتر )) هذا في مقابل إعطاء الكوثر قال: (( إن شانئك هو الأبتر )) (( شانئك )) أي مبغضك، والشنئان هو البغض، ومنه قوله تعالى: (( ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا )). أي: لا يحملنكم بغضهم أن تعتدوا. (( ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا )). أي: لا يحملنكم بغضهم على ترك العدل (( اعدلوا هو أقرب للتقوى )) فشانئك في قوله: (( إن شانئك )) يعني مبغضك. (( هو الأبتر )) الأبتر: اسم تفضيل من بتر بمعنى قطع، يعني هو الأقطع، المنقطع من كل خير، وذلك أن كفار قريش يقولون: محمد أبتر، لا خير فيه ولا بركة فيه ولا في إتباعه، أبتر لما مات ابنه القاسم رضي الله عنه قالوا: محمد أبتر، لا يولد له، ولو ولد له فهو مقطوع النسل، فبين الله عز وجل أن الأبتر هو مبغض الرسول عليه الصلاة والسلام فهو الأبتر المقطوع عن كل خير، الذي ليس فيه بركة، وحياته ندامة عليه، وإذا كان هذا في مبغضه فهو أيضاً في مبغض شرعه، فمن أبغض شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو أبغض شعيرة من شعائر الإسلام، أو أبغض أي طاعة مما يتعبد به الناس في دين الإسلام فإنه كافر، خارج عن الدين لقول الله تعالى: (( ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم )). ولا حبوط للعمل إلا بالكفر، فمن كره فرض الصلوات فهو كافر ولو صلى، ومن كره فرض الزكاة فهو كافر ولو صلى، لكن من استثقلها مع عدم الكراهة فهذا فيه خصلة من خصلة النفاق لكنه لا يكفر، وفرق بين من استثقل الشيء ومن كره الشيء.
5 - تفسير قوله تعالى:" إنا شانئك هو الأبتر " فكل من أبغض رسول الله أو أبغض شريعته فيناله هذا العقاب أستمع حفظ
ذكر فوائد هذه السورة
إذاً هذه السورة تضمنت بيان نعمة الله على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإعطائه الخير الكثير، ثم الأمر بالإخلاص لله عز وجل في الصلوات والنحر، وكذلك في سائر العبادات، ثم بيان أن من أبغض الرسول عليه الصلاة والسلام، أو أبغض شيئاً من شريعته فإنه هو الأقطع الذي لا خير فيه ولا بركة فيه.
اضيفت في - 2007-02-04