تفسير سورة الكافرون-32
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة الكافرون، وسبب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لها مع سورة الإخلاص في ركعتي الفجر وركعتي بعد المغرب وركعتي الطواف
ثم قال الله تعالى :(( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) (( قُلْ يأَيُّهَا الْكَفِرُونَ . لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ . وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ . وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ ))، فهذه السورة هي إحدى سورتي الإخلاص، لأن سورتي الإخلاص (( قل يا أيها الكافرون )) و(( قل هو الله أحد )) وكان النبي صلى الله عليه وسلّم يقرأ بهما في سُنة الفجر، وفي سنة المغرب، وفي ركعتي الطواف لما تضمنتاه من الإخلاص لله عز وجل، والثناء عليه بالصفات الكاملة في سورة (( قل هو الله أحد )).
1 - تفسير سورة الكافرون، وسبب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لها مع سورة الإخلاص في ركعتي الفجر وركعتي بعد المغرب وركعتي الطواف أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى:" قل يا أيها الكافرون "
يقول الله آمراً نبيه : (( قل يا أيها الكافرون )) يناديهم يعلن لهم بالنداء (( يا أيها الكافرون )) وهذا يشمل كل كافر سواء كان من المشركين، أو من اليهود، أو من النصارى، أو من الشيوعيين أو من غيرهم، كل كافر يجب أن تناديه بقلبك أو بلسانك إن كان حاضراً لتتبرأ منه ومن عبادته .(( قل يا أيها الكافرون )).
تفسير قوله تعالى:" لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد "
(( لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد )) كُررت الجمل على مرتين، مرتين. (( لا أعبد ما تعبدون )) أي: لا أعبد الذين تعبدونهم، وهم الأصنام . (( ولا أنتم عابدون ما أعبد )) وهو الله، و" ما " هنا في قوله: (( ما أعبد )) بمعنى " من " لأن اسم الموصول إذا عاد إلى الله فإنه يأتي بلفظ " من ". (( لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد )) يعني: أنا لا أعبد أصنامكم وأنتم لا تعبدون الله .
تفسير قوله تعالى:" ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد " وهل هذا تكرار وما فائدته وذكر الأقوال في تفسيرها وبيان الراجح في ذلك؟
(( ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد )): قد يظن الظان أن هذه مكررة للتوكيد، وليس كذلك لأن الصيغة مختلفة (( لا أعبد ما تعبدون )) هذا فعل أو اسم؟ سؤال؟(( لا أعبد ما تعبدون ))؟ فعل، (( ولا أنا عابد ما عبدتم )) " عابد " و "عابدون " اسم، والتوكيد لابد أن تكون الجملة الثانية كالأولى. إذاً القول بأنه كرر للتوكيد ضعيف، إذاً لماذا هذا التكرار؟ قال بعض العلماء: (( لا أعبد ما تعبدون )): الآن، (( ولا أنا عابد ما عبدتم )) في المستقبل، هذا قول، فصار (( لا أعبد ما تعبدون )) أي: في الحال، (( ولا أنا عابد ما عبدتم )) يعني في المستقبل، لأن الفعل المضارع يدل على الحال، واسم الفاعل يدل على الاستقبال، بدليل أنه عمل، واسم الفاعل لا يعمل إلا إذا كان للاستقبال. فإذاً(( لا أعبد ما تعبدون )) في الحاضر، (( لا أعبد ما تعبدون )): الآن، (( ولا أنتم عابدون ما أعبد )) يعني الآن، (( ولا أنا عابد ما عبدتم ))يعني في المستقبل، (( ولا أنتم عابدون ما أعبد )) يعني في المستقبل. لكن أورد على هذا القول أورد إيراد كيف قال: (( ولا أنتم عابدون ما أعبد )) مع أنهم قد يؤمنون فيعبدون الله؟! وعلى هذا فيكون في هذا القول نوع من الضعف. أجابوا عن ذلك بأن قوله: (( ولا أنتم عابدون ما أعبد )) يخاطب المشركين الذين عَلِم الله تعالى أنهم لن يؤمنوا. فيكون الخطاب ليس عامًّا، وهذا مما يضعف القول بعض الشيء فعندنا الآن قولان: الأول: أنها توكيد. والثاني: أنها ايش؟ في المستقبل. القول الثالث: (( لا أعبد ما تعبدون )) أي: لا أعبد الأصنام التي تعبدونها،(( ولا أنتم عابدون ما أعبد )) أي: لا تعبدون الله، (( ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد )) أي: في العبادة يعني ليست عبادتي كعبادتكم، ولا عبادتكم كعبادتي، فيكون هذا نفي للفعل لا للمفعول به، يعني ليس نفيًا للمعبود، لكنه نفي للعبادة أي لا أعبد كعبادتكم، ولا تعبدون أنتم كعبادتي، لأن عبادتي خالصة لله، وعبادتكم عبادة شرك. القول الآن كم؟ ثلاثة؟ القول الرابع: اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن قوله (( لا أعبد ما تعبدون . ولا أنتم عابدون ما أعبد )) هذا الفعل، فوافق القول الأول في هذه الجملة، (( ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد )) أي: في القبول، بمعنى ولن أقبل غير عبادتي، ولن أقبل عبادتكم، وأنتم كذلك لن تقبلوا، فتكون الجملة الأولى عائدة على الفعل، والجملة الثانية عائدة على القبول والرضا، يعني لا أعبده ولا أرضاه، وأنتم كذلك، لا تعبدون الله ولا ترضون بعبادته. وهذا القول إذا تأملته لا يرد عليه شيء، لا يرد عليه شيء من الهفوات السابقة، فيكون قولاً حسناً جيداً،
4 - تفسير قوله تعالى:" ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد " وهل هذا تكرار وما فائدته وذكر الأقوال في تفسيرها وبيان الراجح في ذلك؟ أستمع حفظ
مسألة: هل في القرآن تكرار، وما فائدته إذا ورد ؟
ومن هنا نأخذ أن القرآن الكريم ليس فيه شيء مكرر لغير فائدة إطلاقاً، ليس فيه شيء مكرر إلا وله فائدة، لأننا لو قلنا: إن في القرآن شيئاً مكرراً بدون فائدة لكان في القرآن ما هو لغو، وهو منزه عن ذلك، وعلى هذا فالتكرار في سورة الرحمن (( فبأي آلاء ربكما تكذبان ))، وفي سورة المرسلات (( ويل يومئذ للمكذبين )) تكرار لفائدة عظيمة، وهي أن كل آية مما بين هذه الآية المكررة، فإنها تشمل على نعم عظيمة، وآلاء جسيمة، ثم إن فيها من الفائدة اللفظية التنبيه للمخاطب حيث يكرر عليه (( فبأي آلاء ربكما تكذبان ))، ويكرر عليه بـ(( ويل يومئذ للمكذبين ))،
تفسير قوله تعالى:" لكم دينكم ولي ديني " وذكر وقت نزولها، وهل تنافي الأمر بالجهاد، وأهمية هذه السورة؟
ثم قال عز وجل: (( لكم دينكم ولي دين )) (( لكم دينكم )) الذي أنتم عليه وتدينون به، ولي ديني، فأنا بريء من دينكم، وأنتم بريئون من ديني. قال بعض أهل العلم: وهذه السورة نزلت قبل فرض الجهاد، لأنه بعد الجهاد لا يقر الكافر على دينه إلا بالجزية إن كان من أهل الكتاب، على القول الراجح أو من غيرهم، ولكن الصحيح أنها لا تنافي الأمر بالجهاد حتى نقول إنها منسوخة، بل هي باقية ويجب أن نتبرأ من دين اليهود والنصارى والمشركين، في كل وقت وحين، ولهذا نقر اليهود والنصارى على دينهم بالجزية، ونحن نعبد الله، وهم يعبدون ما يعبدون. على كل حال هذه السورة فيها البراءة والتخلي من عبادة غير الله عز وجل، سواء في المعبود أو في نوع الفعل، وفيها الإخلاص لله عز وجل، وأن لا نعبد إلا الله وحده لا شريك له.
اضيفت في - 2007-02-04