تفسير سورة المسد-34
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة المسد: قال الله تعالى:" تبت يدا أبي لهب وتب " وبيان أقسام الناس الذين تعامل معهم النبي صلى الله عليه وسلم من أقاربه: فمنهم من آمن به وجاهد معه ومنهم من سانده ولكنه مات على الكفر ومنهم من حاربه ومات على الكفر وهو أبو لهب
أما السورة الثانية فهي قوله تعالى: (( تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ . مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ . سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ . وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ . فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ )). سبحان الله، هذا القرآن فيه من الدلالات الكثيرة ما يدل دلالة واضحة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حق، ليس يدعو لملك ولا لجاه، ولا لرئاسة، ولا لرئاسة قومه أبداً، له أعمام الرسول عليه الصلاة والسلام انقسموا في معاملته ومعاملة ربه عز وجل إلى ثلاثة أقسام: قسم آمن به وجاهد معه، وأسلم لله رب العالمين. وقسم ساند وساعد، لكنه باق على الكفر والعياذ بالله. وقسم عاند وعارض، وهو كافر. أما الأول: فالعباس بن عبد المطلب، وحمزة بن عبد المطلب، والثاني أفضل من الأول، لأن الثاني من أفضل الشهداء عند الله عز وجل، ووصفه النبي عليه الصلاة والسلام بأنه أسد الله، وأسد رسوله، واستشهد رضي الله عنه في أحد في السنة الثانية من الهجرة، جمعني الله وإياكم به في جنات النعيم. أما الذي ساند وساعد مع بقائه على الكفر فهو أبو طالب، أبو طالب قام مع النبي صلى الله عليه وسلّم خير قيام في الدفاع عنه ومساندته ولكنه ـ والعياذ بالله ـ قد سبقت له كلمة العذاب، لم يُسلم حتى في آخر حياته في آخر لحظة من الدنيا عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلّم أن يسلم ولكنه أبى بل ومات على قوله: إنه على ملة عبد المطلب، فشفع له النبي عليه الصلاة والسلام حتى كان في ضحضاح من نار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه. أما الثالث: الذي عاند وعارض فهو أبو لهب، أنزل الله فيه سورة كاملة تُتلى في الصلوات فرضها ونفلها، في السر والعلن، يُثاب المرء على تلاوتها، على كل حرف عشر حسنات، يعني الذي يقرأ سيرة أبي لهب التي في هذه السورة له في كل حرف عشر حسنات، أنت لو تقرأ سيرة أبي بكر من سيرة أبي إسحاق، أو من سيرة البداية والنهاية وغيرها ما يحصل لك هذا الأجر، فالإنسان كأنه يدعى دعوة أكيدة إلى قراءة سيرة أبي لهب، كل حرف تقرأه من تبت لك به عشر حسنات.
1 - تفسير سورة المسد: قال الله تعالى:" تبت يدا أبي لهب وتب " وبيان أقسام الناس الذين تعامل معهم النبي صلى الله عليه وسلم من أقاربه: فمنهم من آمن به وجاهد معه ومنهم من سانده ولكنه مات على الكفر ومنهم من حاربه ومات على الكفر وهو أبو لهب أستمع حفظ
سبب نزول هذه السورة
يقول الله عز وجل: (( تبت يدا أبي لهب وتب )) وهذا رد على قوله، على قول أبي لهب حين جمعهم النبي صلى الله عليه وسلّم ليدعوهم إلى الله فبشر وأنذر، قال أبو لهب: تبًّا لك، ألهذا جمعتنا؟ شوف: " ألهذا جمعتنا " هذه إشارة للتحقير، يعني هذا أمر حقير ما يحتاج أن يُجمع له زعماء قريش وهذا كقولهم: (( أهذا الذي يذكر آلهتكم ))، أي يعيبها ويسبها، يعني الرسول، الآية تقول: (( أهذا الذي يذكر آلهتكم ))، ، المعنى؟ التحقير، فليس بشيء ولا يستحق، ولا يهتم به كما قالوا: (( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم )). فالحاصل أن أبا لهب قال: تبًّا لك ألهذا جمعتنا، فرد الله عليه بهذه السورة: (( تبت يدا أبي لهب وتب )):
معنى تبت يدا أبي لهب، ومناسبة تلقيبه بهذا اللقب
والتباب الخسار، كما قال تعالى: (( وما كيد فرعون إلا في تباب )). أي: خسار. وبدأ بيديه قبل ذاته، لأن اليدين هما آلة العمل والحركة، والأخذ والعطاء وما أشبه ذلك. وهذا اللقب أبو لهب، لقب مناسب تماماً لحاله ومآله، وجه المناسبة أن هذا الرجل سوف يكون في نار تلظى - والعياذ بالله -، تتلظى لهباً عظيماً، فهو كنيته مطابقة لحاله ومآله. يقول الشاعر:قل أن أبصرت عيناك ذا لقب *** إلا ومعناه إن فكرت في لقبه، ولما أقبل سهيل بن عمرو في قصة غزوة الحديبية قال الرسول صلى الله عليه وسلّم: ( هذا سهيل بن عمرو، وما أراه إلا سهل لكم من أمركم )، لأن الاسم مطابق للفعل.
تفسير قوله تعالى:" ما أغنى عنه ماله وما كسب "
يقول عز وجل: (( ما أغنى عنه ماله )): " ما " هذه يحتمل أن تكون استفهامية والمعنى: أي شيء أغنى عنه ماله وما كسب؟ أي شيء؟ والجواب: لا شيء، ويحتمل أن تكون " ما " نافية، أي ما أغنى عنه، أي لم يغنِ عنه ماله وما كسب شيئاً، وكلا المعنيين متلازمان، ومعناهما: أن ماله وما كسب لم يغنِ عنه شيئاً، مع أن العادة أن المال ينفع، فالمال يفدي به الإنسان نفسه لو تسلط عليه عدو وقال: أنا أعطيك كذا وكذا من المال وأطلقني، يطلقه، لكن قد يطلب مالاً كثيراً أو قليلاً، لو مرض انتفع بماله، لو جاع انتفع بماله، فالمال ينفع، لكن النفع الذي لا ينجي صاحبه من النار، ليس بنفع، ولهذا قال: (( ما أغنى عنه ماله )): يعني من الله شيئاً .وقوله: (( وما كسب )) قيل المعنى: وما كسب من الولد. كأنه قال: ما أغنى عنه ماله وولده. كقول نوح: (( واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً )). فجعلوا قوله: (( وما كسب )) يعني بذلك الولد، وأيدوا هذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلّم: ( إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم ). والصواب أن الآية أعم من هذا، وأن الآية تشمل الأولاد، وتشمل المال المكتسب الذي ليس في اليد الآن، وتشمل ما كسبه من شرف وجاه، كل ما كسبه مما يزيده شرفاً وعزًّا فإنه لا يُغني عنه شيئاً (( ما أغنى عنه ماله وما كسب )) .
تفسير قوله تعالى:" سيصلى نارا ذات لهب "
(( سيصلى ناراً ذات لهب )): والسين في قوله: (( سيصلى )) للتنفيس المفيد للحقيقة والقرب. يعني أن الله تعالى وعده أو توعده بأنه سيصلى ناراً ذات لهب، قلت لكم السين للتحقيق والتقريب، يعني أنه سوف يصلى عن قريب ناراً ذات لهب، لأن متاع الدنيا، لأن البقاء في الدنيا مهما طال فإن الآخرة قريبة، حتى الناس في البرزخ وإن مرت عليهم ملايين السنين فإنها كأنها ساعة (( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون )). وشيء يقدر بساعة من نهار أظننا نتفق على أنه قريب، أي أنه قريب ولا شيء. يقول الله عز وجل:(( سيصلى ناراً ذات لهب )). (( وامرأته حمالة الحطب )) : نعم السين هذه تفيد التحقيق والتقريب، فكونه يصلى النار ذات اللهب أمر محقق وقريب. (( سيصلى ناراً ذات لهب )) .
تفسير قوله تعالى:" وامرأته حمالة الحطب " وإعرابها وقراءة حمالة بالرفع والنصب وتوجيه القراءتين
(( وامرأته حمالة الحطب )): يعني وكذلك امرأته معه والعياذ بالله، وهي امرأة من أشراف قريش، لكن لم يغنِ عنها شرفها شيئاً لكونها شاركت زوجها في العدوان والإثم، والبقاء على الكفر. وقوله: (( حمالة الحطب )) قُرأت بالنصب وبالرفع، أما النصب فإنها تكون حالاً لامرأة، يعني وامرأته حال كونها حمالة الحطب، أو تكون منصوبة على الذم لأن النعت المقطوع يجوز نصبه على الذم. أي أذم حمالة الحطب. وأما على قراءة الرفع فهي صفة لامرأة.(( حمالة الحطب )): (( حمالة )) التي للحطب تحمل وهي تحمله بكثرة،(( حمالة )): صيغة مبالغة ، ذكروا أنها تحمل الحطب الذي فيه الشوك، تضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلّم والعياذ بالله، من أجل أذى الرسول صلى الله عليه وسلّم. وقوله :(( في جيدها حبل من مسد )) الجيد: العنق، والحبل معروف، والمسد: الليف، يعني أنها متقلدة حبلاً من الليف تخرج به إلى الصحراء لتربط به الحطب الذي تأتي به لتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلّم، نعوذ بالله من ذلك، وهو إشارة إلى دنو نظرتها، وأنها أهانت نفسها، امرأة من قريش من أكابر قبائل قريش تخرج إلى الصحراء وتضع هذا الحبل في عنقها، وهو من الليف مع ما فيه من المهانة، لكن من أجل أذية الرسول عليه الصلاة والسلام. نسأل الله العافية.
اضيفت في - 2007-02-04