سلسلة الهدى والنور-008
الشيخ محمد ناصر الالباني
سلسلة الهدى والنور
كلمة من الشيخ في بيان سبيل طلب العلم الشرعي والحرص على سؤال أهل الذكر .
الشيخ : [ إن الحمد لله ] نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدهُ ورسوله، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))
أما بعد :
فقد سبق أن نبهنا في جلسات ماضية على أن من الطرق المشروعة في تعليم الناس وتفقيههم في دينهم هو أن يسألوا ثم أن يُجابوا ، هذا أسلوب قرره الشارع الحكيم، لأنه -تبارك وتعالى- يعلم أن الناس لا يساقُون مساقاً واحداً في تعلمهم لأحكام دينهم، ومعلوم لدى الجميع أن الطريقة المتبعة في تلقي العلم إنما هي الحلقات العلمية التي كانت قديماً ولا تزالُ إلى العصرِ الحاضرِ قليلاً سبيلاً لتلقي العلم، حيث يجتمع من كان عنده رغبةٌ في طلبِ العلم مع بعض أهلِ العلم في المسجدِ أو في مكانٍ آخر، فيتلقون منه العلمَ الذي يريدونه على جلسات منظمة، وهذا كما رأيته من الجميع يتطلبُ نوعيةً معينة من الناسِ من ذلك أن يكونوا:
أولاً:- راغبين في طلب العلم في طريقة رتيبة منظمة .
وثانياً:- أن يكون عندهم الإستعداد النفسي من ذكاءٍ وحفظٍ ونحوِ ذلك .
وثالثاً:- وأخيراً أن يكون عندَهم الوقت الذي يساعدهم على الإنتظام في طلبِ العلم بهذه الطريقة من الحلقات العلمية .
وكما قلت آنفاً، كثيراً من الناسِ لا يجدون في أنفسِهم هذه الخصال التي ينبغي أن تتوفر على طالب العلم، وقد تتوفر في بعضهم ثم لا يتوفر لهم العالِم الذي ينشدونه، ويرغبون أن يتعلموا منه، أو يجدونه ولكن لا يجدون عنده فراغاً، ولذلك فقد شرع الله -عز وجل- طريقة ووسيلة أخرى لتلقي العلم، وكأن هذا الأمر أصبح اليومَ حقيقة واقعة بسبب وجود الوسائل المقربة للأصوات وأعني بها بصورة خاصة: الهاتف، فتكثر الأسئلة بواسطة هذا الهاتف، وبذلكَ يتعلم الناس ما هم بحاجة إليه .
ثم من الفوارق التي تظهر بين الطريقة المتبعة سابقاً وهي طريقة تلقي العلم من المشايخ وأهل العلم، وبين طريقة السؤال والجواب، هو أن السؤال يُفسِـح المجال لصاحب السؤال أن يسألَ عما يتعلق به شخصياً أو بأهله الذي هو مسؤول عنهم، بينما الطريقة الأولى يتعلم بها ما قد لا يشعر بأنه بحاجة إليها، وإن كان فيما بعد لا سيما إذا كان ينشد أن يصبح يوماً ما من أهلِ العلم، فسيجد فائدة طلب العلم بتلك الطريقة، لما كان أكثر الناس ليسوا كذلك من أجل هذا كله شرع الله -عز وجل- هذه الطريقة في طلبِ العلمِ، ألا وهو السؤال والجواب، كما قال -عزّ وجلّ- في القرآن الكريم: (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، اللهُ عز وجل في هذه الآية الكريمة جعل المجتمع الإسلامي وقسمه إلى قسمين من حيث تعلقهم بالعلم: قسم لا يعلم ، وقسم يعلم ، وأوجب على كل من القسمين واجباً ، أوجب على الذين لا يعلمون أن يتعلموا بطريق السؤال، وأوجب على الذين يُسألون أن يجيبوا ، فهذه الآية صريحة في ذلك (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، وأكد ذلك رسولُ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الحديث الثابت في السنن ، سنن أبي داود وغيره، من حديث جابر بن عبدِ الله الأنصاري رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أرسل سريّة -أي جهّز جيشاً ليجاهدوا في سبيلِ الله- وأمّـر عليهم أميراً كما هي السُّنّـة، السريّة هي التي تغزو وليس معها رسولُ اللهِ صلى الله عيه وسلم ، بخلاف الغزوة وهي التي يكون رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو قائدهم وهو موجههم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً سريةَ ، فذهبوا وقاتلوا الكفار، ثم لمّـا أرخى الليل سدوله وظلامه، ووضعتِ الحربُ أوزارها، وصلوا العشاء ثم ناموا، وفي الصباح استيقظوا لصلاة الفجرِ وإذا بأحدهم يجد نفسه قد احتلم، فوجب عليه الغُسل، ولكنه كان قد أصيب في المعركةِ بجراحات كثيرة في جسمه، فسأل من حوله لعلهم يجدون له رخصة في أن لا يغتسل وأن يتيمم، قالوا: لا، لابد لك من الغسل، فاغتسل الرجل وكان عاقبة ذلك أنه مات، اشتدت عليه الحرارة والجراحات أيضاً قامت عليه فكانت نفسُه فيها ، هلك ، فلما بلغ خبرُه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- غضب غضباً شديداً ، ودعا على الذين أفتوه بعدمِ جوازِ التيمم وهو جريحٌ، فقال عليه السلام : ( قتلوه قاتلهم الله، ألا سألوا حين جهلِوا، فإنما شفاءُ العي السؤال ) فالشاهدُ من هذا الحديث أن النبي صلى الل عليه وسلم حضّ الذين أفتوه بغير علمٍ على أنه كان يجب عليهم أن يسألوا ليكونَ جوابُهم نابعاً من أهلِ العلمِ ، أما هم لمّـا كانوا ليسوا من أهلِ العلم، فأفتوه ذلك الجريح بجهلهم، فكانت فتواهم سبباً لقتله وموته، لذلك من الوسائل المشروعة في تلقي العلم: السؤال كما ذكرنا، ثم كما ذكرنا في الآية السابقة أوجب ربنا -عز وجل- على القسمِ الثاني من المجتمع الإسلامي وهم: العلماء أن يجيبوا ، ولا يجوز للعالِم إذا سئل عن مسألة وعنده علمٌ بها إلا أن يجيب عليها، لقوله -عليهِ الصلاةُ والسلام- في الحديث المشهور الصحيح: ( من سئل عن علمِ فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار ) .
ومن آداب السؤال نقول في هذه المناسبة، أن يسأل المسلم عما يتعلق بحياته سواءٌ حياته الخاصة بنفسه أو بأهله أو بمن يلوذ به أو له علاقةٌ ما به، وأن لا يتعمق في الأسئلة عن أمورٍ خيالية أو بعيدةُ الوقوع، وإن اشتغال المسلم بالواقع خيرٌ له من أن يسأل عن شيء يتخيله ولا يمنع أن يتصور أنه قد يكون بأن من أدب علماءِ السلف -رضي اللهُ عنهم- أن أحدهم إذا جاءه السائل يسأله عن مسألة قال المسئول: هل وقعت ؟ ، فإن أجاب بـ: نعم ، أجابه بما عندَه من العلم، وإن قال: لمّـا تقع ، لسه ما وقعت، قال: انتظر حتى إذا وقعت سألتَ، وحينما تقع فلابد أن الله -عز وجل- يسخّـر للسائل من يفتيه بعلمِه، لهذا نقول من الآداب أن نسمع الآن الأسئلة ونبدأ فيها بالأهم فالأهم، ونجيب عليها بما يسـّر اللهُ -عز وجل- مذكرين لكم بأنه ليس من المفروض في العالم أن يجيب عن كل ما يسأل عنه، فقد جاء في بعض الآثار السلفية أن من أجاب عن كل ما يسأل عنه فهو مجنون، لأنه كما قال تعالى: (( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )) ، فإذا عجزنا عن الإجابة عن بعض الأسئلة فلا يستغربن أحدٌ منكم ذلك، لأن ذلك طبيعةُ البشر الذين طبعهم اللهُ -عزّ وجلّ- بما سمعتم في الآية السابقة (( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )) ، ولذلك أيضاً جاء في بعض الآثار: نصفُ العلم لا أدري ، هات ما عندك .
أما بعد :
فقد سبق أن نبهنا في جلسات ماضية على أن من الطرق المشروعة في تعليم الناس وتفقيههم في دينهم هو أن يسألوا ثم أن يُجابوا ، هذا أسلوب قرره الشارع الحكيم، لأنه -تبارك وتعالى- يعلم أن الناس لا يساقُون مساقاً واحداً في تعلمهم لأحكام دينهم، ومعلوم لدى الجميع أن الطريقة المتبعة في تلقي العلم إنما هي الحلقات العلمية التي كانت قديماً ولا تزالُ إلى العصرِ الحاضرِ قليلاً سبيلاً لتلقي العلم، حيث يجتمع من كان عنده رغبةٌ في طلبِ العلم مع بعض أهلِ العلم في المسجدِ أو في مكانٍ آخر، فيتلقون منه العلمَ الذي يريدونه على جلسات منظمة، وهذا كما رأيته من الجميع يتطلبُ نوعيةً معينة من الناسِ من ذلك أن يكونوا:
أولاً:- راغبين في طلب العلم في طريقة رتيبة منظمة .
وثانياً:- أن يكون عندهم الإستعداد النفسي من ذكاءٍ وحفظٍ ونحوِ ذلك .
وثالثاً:- وأخيراً أن يكون عندَهم الوقت الذي يساعدهم على الإنتظام في طلبِ العلم بهذه الطريقة من الحلقات العلمية .
وكما قلت آنفاً، كثيراً من الناسِ لا يجدون في أنفسِهم هذه الخصال التي ينبغي أن تتوفر على طالب العلم، وقد تتوفر في بعضهم ثم لا يتوفر لهم العالِم الذي ينشدونه، ويرغبون أن يتعلموا منه، أو يجدونه ولكن لا يجدون عنده فراغاً، ولذلك فقد شرع الله -عز وجل- طريقة ووسيلة أخرى لتلقي العلم، وكأن هذا الأمر أصبح اليومَ حقيقة واقعة بسبب وجود الوسائل المقربة للأصوات وأعني بها بصورة خاصة: الهاتف، فتكثر الأسئلة بواسطة هذا الهاتف، وبذلكَ يتعلم الناس ما هم بحاجة إليه .
ثم من الفوارق التي تظهر بين الطريقة المتبعة سابقاً وهي طريقة تلقي العلم من المشايخ وأهل العلم، وبين طريقة السؤال والجواب، هو أن السؤال يُفسِـح المجال لصاحب السؤال أن يسألَ عما يتعلق به شخصياً أو بأهله الذي هو مسؤول عنهم، بينما الطريقة الأولى يتعلم بها ما قد لا يشعر بأنه بحاجة إليها، وإن كان فيما بعد لا سيما إذا كان ينشد أن يصبح يوماً ما من أهلِ العلم، فسيجد فائدة طلب العلم بتلك الطريقة، لما كان أكثر الناس ليسوا كذلك من أجل هذا كله شرع الله -عز وجل- هذه الطريقة في طلبِ العلمِ، ألا وهو السؤال والجواب، كما قال -عزّ وجلّ- في القرآن الكريم: (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، اللهُ عز وجل في هذه الآية الكريمة جعل المجتمع الإسلامي وقسمه إلى قسمين من حيث تعلقهم بالعلم: قسم لا يعلم ، وقسم يعلم ، وأوجب على كل من القسمين واجباً ، أوجب على الذين لا يعلمون أن يتعلموا بطريق السؤال، وأوجب على الذين يُسألون أن يجيبوا ، فهذه الآية صريحة في ذلك (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، وأكد ذلك رسولُ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الحديث الثابت في السنن ، سنن أبي داود وغيره، من حديث جابر بن عبدِ الله الأنصاري رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أرسل سريّة -أي جهّز جيشاً ليجاهدوا في سبيلِ الله- وأمّـر عليهم أميراً كما هي السُّنّـة، السريّة هي التي تغزو وليس معها رسولُ اللهِ صلى الله عيه وسلم ، بخلاف الغزوة وهي التي يكون رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو قائدهم وهو موجههم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً سريةَ ، فذهبوا وقاتلوا الكفار، ثم لمّـا أرخى الليل سدوله وظلامه، ووضعتِ الحربُ أوزارها، وصلوا العشاء ثم ناموا، وفي الصباح استيقظوا لصلاة الفجرِ وإذا بأحدهم يجد نفسه قد احتلم، فوجب عليه الغُسل، ولكنه كان قد أصيب في المعركةِ بجراحات كثيرة في جسمه، فسأل من حوله لعلهم يجدون له رخصة في أن لا يغتسل وأن يتيمم، قالوا: لا، لابد لك من الغسل، فاغتسل الرجل وكان عاقبة ذلك أنه مات، اشتدت عليه الحرارة والجراحات أيضاً قامت عليه فكانت نفسُه فيها ، هلك ، فلما بلغ خبرُه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- غضب غضباً شديداً ، ودعا على الذين أفتوه بعدمِ جوازِ التيمم وهو جريحٌ، فقال عليه السلام : ( قتلوه قاتلهم الله، ألا سألوا حين جهلِوا، فإنما شفاءُ العي السؤال ) فالشاهدُ من هذا الحديث أن النبي صلى الل عليه وسلم حضّ الذين أفتوه بغير علمٍ على أنه كان يجب عليهم أن يسألوا ليكونَ جوابُهم نابعاً من أهلِ العلمِ ، أما هم لمّـا كانوا ليسوا من أهلِ العلم، فأفتوه ذلك الجريح بجهلهم، فكانت فتواهم سبباً لقتله وموته، لذلك من الوسائل المشروعة في تلقي العلم: السؤال كما ذكرنا، ثم كما ذكرنا في الآية السابقة أوجب ربنا -عز وجل- على القسمِ الثاني من المجتمع الإسلامي وهم: العلماء أن يجيبوا ، ولا يجوز للعالِم إذا سئل عن مسألة وعنده علمٌ بها إلا أن يجيب عليها، لقوله -عليهِ الصلاةُ والسلام- في الحديث المشهور الصحيح: ( من سئل عن علمِ فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار ) .
ومن آداب السؤال نقول في هذه المناسبة، أن يسأل المسلم عما يتعلق بحياته سواءٌ حياته الخاصة بنفسه أو بأهله أو بمن يلوذ به أو له علاقةٌ ما به، وأن لا يتعمق في الأسئلة عن أمورٍ خيالية أو بعيدةُ الوقوع، وإن اشتغال المسلم بالواقع خيرٌ له من أن يسأل عن شيء يتخيله ولا يمنع أن يتصور أنه قد يكون بأن من أدب علماءِ السلف -رضي اللهُ عنهم- أن أحدهم إذا جاءه السائل يسأله عن مسألة قال المسئول: هل وقعت ؟ ، فإن أجاب بـ: نعم ، أجابه بما عندَه من العلم، وإن قال: لمّـا تقع ، لسه ما وقعت، قال: انتظر حتى إذا وقعت سألتَ، وحينما تقع فلابد أن الله -عز وجل- يسخّـر للسائل من يفتيه بعلمِه، لهذا نقول من الآداب أن نسمع الآن الأسئلة ونبدأ فيها بالأهم فالأهم، ونجيب عليها بما يسـّر اللهُ -عز وجل- مذكرين لكم بأنه ليس من المفروض في العالم أن يجيب عن كل ما يسأل عنه، فقد جاء في بعض الآثار السلفية أن من أجاب عن كل ما يسأل عنه فهو مجنون، لأنه كما قال تعالى: (( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )) ، فإذا عجزنا عن الإجابة عن بعض الأسئلة فلا يستغربن أحدٌ منكم ذلك، لأن ذلك طبيعةُ البشر الذين طبعهم اللهُ -عزّ وجلّ- بما سمعتم في الآية السابقة (( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )) ، ولذلك أيضاً جاء في بعض الآثار: نصفُ العلم لا أدري ، هات ما عندك .
ما حكم الجهاد في أفغانستان لغير الأفغانيين.؟ وما سبب ضعف المسلمين اليوم .؟
السائل : ورد غير ما سؤال بعدة صيغ، أدقها ما حكمُ الجهادِ في أفغانستان لغيرِ الأفغانيين ؟
الشيخ : الجهاد في الأفغان ، كالجهاد في كل البلاد التي غزاها الكفار، ومن الغفلة إلى حد بعيد أن الناس يؤخذون بالعواطف، فتثور ثورة في بلد ما، فتثور عواطف ونريد أن نجاهد، فإذا ما مضى بضع سنين أصبحت الثورة هذه خامدة في نفوس الناس، وأصبح الجهادُ نسياً منسياً ، فإذا ما أثيرت مشكلة أخرى في بعض البلاد الإسلامية، أيضاً ثارت عواطف المسلمين وسألوا عن حكم الجهاد، فنقول:
الجهاد قبل حادثة أفغانستان ، وقبل حادثة سوريا ، وقبل حادثة فلسطين، كل هذه الحوادث وهذه الحروب الظالمة التي وقعت في بعض البلاد الإسلامية من أهل الكفر والضلال الجهادُ فيها فرضُ عينٍ على المسلمين، لا يجوز لهم أن يتأخروا عن هذا الجهاد إطلاقاً لأن العلماء قسّموا الجهاد إلى قسمين:
1 - جهاد حكمه فرض العين .
2 - وجهاد حكمُه : فرض كفائي .
أما الجهادُ الأول الذي هو فرضُ عين: فهو إذا ما غُزيت بلدة واحدة من بلاد الإسلام، فعلى المسلمين أن يخرجوا أو على الأقل أن يخرج جماعة منهم يتحقق بهم الواجب ألا وهو صد هذا الكافر الذي غزا البلد المسلم، فإن لم يشف ذلك، فيتتابع المسلمون حتى لو فرضنا أنه يجب عليهم جميعاً أن يخرجوا فهو واجب وجوب عينيا، إذا تأخروا أثموا جميعاً، والآن ليست القضية قضية أفغانستان فقط، فهذه البلاد قريبة منكم وبعضكم منها، شريد وطريد ، وهي فلسطين ، فأصبحت فلسيطن الآن مع الأسف الشديد نسياً منسيّاً ، و الا فرق في الجهاد هنا أو هناك، كله فرض عين .
لكن الحقيقة المؤسفة أن المسلمين مع وجود هذا الحُكم الصريح، وهو أن الجهاد فرض عيني، لا يستطيعون الجهاد، لا حكومات ولا شعوباً، ذلك لأن المسلمين ابتعدوا مع الأسف عن الجهاد النفسي الذي قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : ( المجاهدُ من جاهدَ هواه لله ) فنحن نجد اليوم المسلمين بعيدين كل البعد عن مجاهدتهم لأهوائهم ولنفوسهم في عقرِ دارهم، بل وفي عقرِ بيوتِهم مع أهليهِهم ومع أولادهم، ولذلك فمثل ذاك الجهاد الذي قلنا إنه فرضُ عين يتقدمُه عادةً وشرعاً جهادٌ لا يتساءل عنه كثير من المسلمين اليوم بل هم عنه غافلون، من أعظم الجهاد أن يبتعد المسلم عن ارتكاب المحرمات التي يستطيع أن يكون بعيداً عنها وليس هناك أي سلطة تفرض عليه الإرتكاب بما حرم الله -تبارك وتعالى- ، ولقد أشار النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى بعض الأسبابِ التي تكونُ سبباً لوقوعِ المسلمين في مثل هذا الذل الذي يدفعنا أن نتساءل: ما حكمُ هذا الجهاد ؟ يجب أن ننظر إلى الأسباب التي أودت بالمسلمين إلى محاربة الكافرين إياهم وعدم استطاعة المسلمين لصدهم عن بلادِ الإسلام، ما هي الأسباب؟ لقد ذكر رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعض الأسبابِ في بعضِ الأحاديث الثابته، من أشهرها قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ( إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهادَ في سبيلِ الله، سلّط اللهُ عليكم ذلاَ لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) فالرجوعُ إلى الدين هو الواجب الأول اليوم على المسلمين الذين يريدون أن يجاهدوا في سبيلِ اللهِ حقاً، والرجوع إلى الدين معناه الرجوع إلى أحكامِه التي أنزلها اللهُ -تبارك وتعالى- على قلبِ نبيه -عليهِ الصلاةُ والسلام- وبخاصّة الرجوع إلى الكسب الحلال الذي ابتعد عنه كثير من المسلمين إن لم نقل أكثر المسلمون اليوم وبخاصّه التجّار منهم .
إذا ما وقع المسلمونَ فيها استحقوا الذُلّ أن يقع عليهم من عدوهم قال عليه السلام : ( إذا تبايعتم بالعينة ) التبايع بالعينة ذكرنا أكثر من مرة ولا أريد الآن العودة إلى ذلك وإنما هي صورة من صور البيوع المحرمة، بل هي صورة من صور البيوع الربوية، وأصلُ هذا البيع يسمى ببيع العينة، ما ابتلوا المسلمون به اليوم جميعاً إلا قليلاً قليلاً جداً وهو معروف بين ظهرانيكم وواقع ، وهو بيع التقسيط، بيع العينة قائم على بيع التقسيط، بيع التقسيط من حيث هو وفاء على أقساط، فليس فيه شيء، بل هو أفضل من بيع النقد ، لكن إذا استغل هذا البيع بيع التقسيط بثمن زائد عن بيع النقد، فهو رباً بشهادة قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من باع بيعتين في بيعة فلهو أوكسهُما أو الرباً ) ، ( أوكسهُما ) أي : أنقصها ثمناً ، ( أو رباَ ) اليوم هؤلاء المسلمون الذين يريدون أن يجاهدوا في سبيلِ الله ويتحمسون للجهاد في سبيل الله ، ولا سبيلَ لهم إلى ذلك لما ذكرناه فيما سبق، لماذا لا يجاهدون أنفسهم فلا يبايعون بيعتين في بيعة واحدة بسعرين متفاوتين ؟ وهذا لا أحد يفرض عليهم، ذلك لأنهم تكالبوا على الدنيا، وهذا ما أشار إليه الرسول عليه السلام في تمام الحديث حين قال: ( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ) كناية على ربطُ المزارعين وراءَ زرعِهم ووراء أبقارهم وحيواناتهم التي يستعملونها في تحصيل المال ولا يكفيهم تحصيل هذا المال بطريق الحلال بل ينكبون وراء تحصيلِ المال حتى يضيّعون واجباتهم، كثير من التجّار ومن المزارعين ينصرفون عن الصلاة وعن القيام حتى بالواجبات العائلية وراءَ تهجمهم على هذا الكسب الذي ذكره الرسول عليه السلام في هذا الحديث، حيث قال: ( وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع ) هذا التكالب في الدنيا هو الداء العضال إذا سيطر على الأمّـة ، ماتت فيها غريزة الجهاد الشرعية التي بسبب تكالب الإنسان على المادة لا يبالي بالآخرة، ولذلك جعل الرسول عليه السلام هذه الأسباب سبباً شرعياً لإستحقاق المسلمين أن يقع الذل عليهم ثم وصف لهم العلاج في قوله عليه السلام : ( لا يرفع اللهُ هذا الذل حتى ترجعوا إلى دينكم ) والرجوع إلى الدين -وأوجز الآن الكلام- لأنه عندنا أسئلة مما يبدو كثيرة- الرجوع إلى الدين معناه الرجوع إلى فهمه -أولاً- فهماً صحيحاً على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح -كما ندعو الله الناس دائماً إلى ذلك- وثانياً: العمل بهذا الدين الذي فهمناه فهماً صحيحاً، وأرجو الله -عزّ وجلّ- أن يكونَ هناك نور بصيص من نور نراه بين المسلمين اليوم حيثُ استأنفوا فهمهم لدينهم على ضوء الكتاب والسنة في كثير من البلاد الإسلامية، ثم ظهرَ أثرُ ذلك على كثير من الشبابِ المسلمِ في تعاملهم مع الناس وفي تخلقهم بالأخلاق الإسلامية بقدر ، والأمرُ يحتاج إلى -إن شاء الله- تتمة ليظهر ثمرةُ ذلك عمّا قريب -إن شاء اللهُ تبارك وتعالى .
السائل : استاذنا الآن نتمم سؤال آخر له علاقة بهذا البحث .
الشيخ : تفضل .
السائل : سؤال، فما موقف من جاهد نفسه بأن صار على منهج الله وعقيدة وفروعا وجهّـز ماله ونفسه لقتال أعداء الدين في الأفغان مثلاً، كتيسير سبل الوصول إليها ؟
الشيخ : نحنُ لا نرى مانعاً من الذهاب، لكن لا نعتقد أن الجهاد لصد هؤلاء الأعداء يكونُ جهاداً فردياً، لابد أن يكون جهاداً منظماً من المسلمين، وأن يكون عليهم قائد، والذي نسميه باللغة الشرعية خليفة للمسلمين، هو الذي يتولى توجيههم ويتولى تسييرهم، ويتولى إعدادهم، القضية مو قضيّة شخص متحمّس زعم بأنه قام بكل ما يجب عليه وفي هذه الدعوة مافيها من التسليم، هذا أمر جدلي أفترضه، مع ذلك إذا تحقق ذلك في بعض الأفراد فهؤلاء الأفراد لا يستطيعون أن يشكلوا الجماعة التي يجاهدون في سبيل الله تحت خليفة يبايع من الأمة المسلمة، فالقضية ليست بهذه البساطة التي يتصورها بعض المتحمسين للجهاد في سبيلِ الله، وهم بلا شك مثابون على حماسهم هذا، ولكن يجب أن يبتعدوا وأن يترووا في القضية ويعرفوا شروط الجهاد في سبيلِ الله، لا يكون ثورة ، ولا يكونُ عاطفة جيّـاشة، وإنما تكون عن تدبير [ للقوة ] .
اليوم لو نظرنا إلى ناحية خٌلقية فقط، ربنا -عزّ وجلّ- ذكر في القرآنِ الكريم أن من أسبابِ ضعفِ المسلمين هو التنازع والإختلاف، فيقول -عزّ وجلّ- : (( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ )) ، شايف ، (( َتَذْهَبَ رِيحُكُمْ )) يعني : قوتكم، اليوم المسلمون ليس فقط في هذا المجتمع الضخم مختلفون أشد الإختلاف، ولكن مع ذلك الأخبار تأتينا أن في المعركة هناك في أفغانستان هم مختلفون، ما بين سلفيين ما بين صوفيين ما بين إخوان مسلمين ، أين هذا الجهاد وتحت أي راية يجاهد المسلم [المتحمس] ؟ لذلك نقول يجب أن نبدأ من الأصل، أن نصلح ذوات أنفسنا، وهذا لا يحتاج إلى ساعات أو أيام أو شهور ، يحتاج إلى سنين طويلة، وإلى إعداد مركّز ومدبّر، بحيث انه توجد هناك كتلة يصدرون عن رأي واحد، ويندرجون عن فكرة واحدة، لا خلاف بينهم، قلوبهم ، قلب كل منهم واحد، على قلب رجل واحد منهم، على الكتاب والسنة، وعسى أن يحقق ربنا ذلك لنا ولو بعد لأيٍ إن شاء الله .
الشيخ : الجهاد في الأفغان ، كالجهاد في كل البلاد التي غزاها الكفار، ومن الغفلة إلى حد بعيد أن الناس يؤخذون بالعواطف، فتثور ثورة في بلد ما، فتثور عواطف ونريد أن نجاهد، فإذا ما مضى بضع سنين أصبحت الثورة هذه خامدة في نفوس الناس، وأصبح الجهادُ نسياً منسياً ، فإذا ما أثيرت مشكلة أخرى في بعض البلاد الإسلامية، أيضاً ثارت عواطف المسلمين وسألوا عن حكم الجهاد، فنقول:
الجهاد قبل حادثة أفغانستان ، وقبل حادثة سوريا ، وقبل حادثة فلسطين، كل هذه الحوادث وهذه الحروب الظالمة التي وقعت في بعض البلاد الإسلامية من أهل الكفر والضلال الجهادُ فيها فرضُ عينٍ على المسلمين، لا يجوز لهم أن يتأخروا عن هذا الجهاد إطلاقاً لأن العلماء قسّموا الجهاد إلى قسمين:
1 - جهاد حكمه فرض العين .
2 - وجهاد حكمُه : فرض كفائي .
أما الجهادُ الأول الذي هو فرضُ عين: فهو إذا ما غُزيت بلدة واحدة من بلاد الإسلام، فعلى المسلمين أن يخرجوا أو على الأقل أن يخرج جماعة منهم يتحقق بهم الواجب ألا وهو صد هذا الكافر الذي غزا البلد المسلم، فإن لم يشف ذلك، فيتتابع المسلمون حتى لو فرضنا أنه يجب عليهم جميعاً أن يخرجوا فهو واجب وجوب عينيا، إذا تأخروا أثموا جميعاً، والآن ليست القضية قضية أفغانستان فقط، فهذه البلاد قريبة منكم وبعضكم منها، شريد وطريد ، وهي فلسطين ، فأصبحت فلسيطن الآن مع الأسف الشديد نسياً منسيّاً ، و الا فرق في الجهاد هنا أو هناك، كله فرض عين .
لكن الحقيقة المؤسفة أن المسلمين مع وجود هذا الحُكم الصريح، وهو أن الجهاد فرض عيني، لا يستطيعون الجهاد، لا حكومات ولا شعوباً، ذلك لأن المسلمين ابتعدوا مع الأسف عن الجهاد النفسي الذي قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : ( المجاهدُ من جاهدَ هواه لله ) فنحن نجد اليوم المسلمين بعيدين كل البعد عن مجاهدتهم لأهوائهم ولنفوسهم في عقرِ دارهم، بل وفي عقرِ بيوتِهم مع أهليهِهم ومع أولادهم، ولذلك فمثل ذاك الجهاد الذي قلنا إنه فرضُ عين يتقدمُه عادةً وشرعاً جهادٌ لا يتساءل عنه كثير من المسلمين اليوم بل هم عنه غافلون، من أعظم الجهاد أن يبتعد المسلم عن ارتكاب المحرمات التي يستطيع أن يكون بعيداً عنها وليس هناك أي سلطة تفرض عليه الإرتكاب بما حرم الله -تبارك وتعالى- ، ولقد أشار النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى بعض الأسبابِ التي تكونُ سبباً لوقوعِ المسلمين في مثل هذا الذل الذي يدفعنا أن نتساءل: ما حكمُ هذا الجهاد ؟ يجب أن ننظر إلى الأسباب التي أودت بالمسلمين إلى محاربة الكافرين إياهم وعدم استطاعة المسلمين لصدهم عن بلادِ الإسلام، ما هي الأسباب؟ لقد ذكر رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعض الأسبابِ في بعضِ الأحاديث الثابته، من أشهرها قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ( إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهادَ في سبيلِ الله، سلّط اللهُ عليكم ذلاَ لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) فالرجوعُ إلى الدين هو الواجب الأول اليوم على المسلمين الذين يريدون أن يجاهدوا في سبيلِ اللهِ حقاً، والرجوع إلى الدين معناه الرجوع إلى أحكامِه التي أنزلها اللهُ -تبارك وتعالى- على قلبِ نبيه -عليهِ الصلاةُ والسلام- وبخاصّة الرجوع إلى الكسب الحلال الذي ابتعد عنه كثير من المسلمين إن لم نقل أكثر المسلمون اليوم وبخاصّه التجّار منهم .
إذا ما وقع المسلمونَ فيها استحقوا الذُلّ أن يقع عليهم من عدوهم قال عليه السلام : ( إذا تبايعتم بالعينة ) التبايع بالعينة ذكرنا أكثر من مرة ولا أريد الآن العودة إلى ذلك وإنما هي صورة من صور البيوع المحرمة، بل هي صورة من صور البيوع الربوية، وأصلُ هذا البيع يسمى ببيع العينة، ما ابتلوا المسلمون به اليوم جميعاً إلا قليلاً قليلاً جداً وهو معروف بين ظهرانيكم وواقع ، وهو بيع التقسيط، بيع العينة قائم على بيع التقسيط، بيع التقسيط من حيث هو وفاء على أقساط، فليس فيه شيء، بل هو أفضل من بيع النقد ، لكن إذا استغل هذا البيع بيع التقسيط بثمن زائد عن بيع النقد، فهو رباً بشهادة قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من باع بيعتين في بيعة فلهو أوكسهُما أو الرباً ) ، ( أوكسهُما ) أي : أنقصها ثمناً ، ( أو رباَ ) اليوم هؤلاء المسلمون الذين يريدون أن يجاهدوا في سبيلِ الله ويتحمسون للجهاد في سبيل الله ، ولا سبيلَ لهم إلى ذلك لما ذكرناه فيما سبق، لماذا لا يجاهدون أنفسهم فلا يبايعون بيعتين في بيعة واحدة بسعرين متفاوتين ؟ وهذا لا أحد يفرض عليهم، ذلك لأنهم تكالبوا على الدنيا، وهذا ما أشار إليه الرسول عليه السلام في تمام الحديث حين قال: ( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ) كناية على ربطُ المزارعين وراءَ زرعِهم ووراء أبقارهم وحيواناتهم التي يستعملونها في تحصيل المال ولا يكفيهم تحصيل هذا المال بطريق الحلال بل ينكبون وراء تحصيلِ المال حتى يضيّعون واجباتهم، كثير من التجّار ومن المزارعين ينصرفون عن الصلاة وعن القيام حتى بالواجبات العائلية وراءَ تهجمهم على هذا الكسب الذي ذكره الرسول عليه السلام في هذا الحديث، حيث قال: ( وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع ) هذا التكالب في الدنيا هو الداء العضال إذا سيطر على الأمّـة ، ماتت فيها غريزة الجهاد الشرعية التي بسبب تكالب الإنسان على المادة لا يبالي بالآخرة، ولذلك جعل الرسول عليه السلام هذه الأسباب سبباً شرعياً لإستحقاق المسلمين أن يقع الذل عليهم ثم وصف لهم العلاج في قوله عليه السلام : ( لا يرفع اللهُ هذا الذل حتى ترجعوا إلى دينكم ) والرجوع إلى الدين -وأوجز الآن الكلام- لأنه عندنا أسئلة مما يبدو كثيرة- الرجوع إلى الدين معناه الرجوع إلى فهمه -أولاً- فهماً صحيحاً على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح -كما ندعو الله الناس دائماً إلى ذلك- وثانياً: العمل بهذا الدين الذي فهمناه فهماً صحيحاً، وأرجو الله -عزّ وجلّ- أن يكونَ هناك نور بصيص من نور نراه بين المسلمين اليوم حيثُ استأنفوا فهمهم لدينهم على ضوء الكتاب والسنة في كثير من البلاد الإسلامية، ثم ظهرَ أثرُ ذلك على كثير من الشبابِ المسلمِ في تعاملهم مع الناس وفي تخلقهم بالأخلاق الإسلامية بقدر ، والأمرُ يحتاج إلى -إن شاء الله- تتمة ليظهر ثمرةُ ذلك عمّا قريب -إن شاء اللهُ تبارك وتعالى .
السائل : استاذنا الآن نتمم سؤال آخر له علاقة بهذا البحث .
الشيخ : تفضل .
السائل : سؤال، فما موقف من جاهد نفسه بأن صار على منهج الله وعقيدة وفروعا وجهّـز ماله ونفسه لقتال أعداء الدين في الأفغان مثلاً، كتيسير سبل الوصول إليها ؟
الشيخ : نحنُ لا نرى مانعاً من الذهاب، لكن لا نعتقد أن الجهاد لصد هؤلاء الأعداء يكونُ جهاداً فردياً، لابد أن يكون جهاداً منظماً من المسلمين، وأن يكون عليهم قائد، والذي نسميه باللغة الشرعية خليفة للمسلمين، هو الذي يتولى توجيههم ويتولى تسييرهم، ويتولى إعدادهم، القضية مو قضيّة شخص متحمّس زعم بأنه قام بكل ما يجب عليه وفي هذه الدعوة مافيها من التسليم، هذا أمر جدلي أفترضه، مع ذلك إذا تحقق ذلك في بعض الأفراد فهؤلاء الأفراد لا يستطيعون أن يشكلوا الجماعة التي يجاهدون في سبيل الله تحت خليفة يبايع من الأمة المسلمة، فالقضية ليست بهذه البساطة التي يتصورها بعض المتحمسين للجهاد في سبيلِ الله، وهم بلا شك مثابون على حماسهم هذا، ولكن يجب أن يبتعدوا وأن يترووا في القضية ويعرفوا شروط الجهاد في سبيلِ الله، لا يكون ثورة ، ولا يكونُ عاطفة جيّـاشة، وإنما تكون عن تدبير [ للقوة ] .
اليوم لو نظرنا إلى ناحية خٌلقية فقط، ربنا -عزّ وجلّ- ذكر في القرآنِ الكريم أن من أسبابِ ضعفِ المسلمين هو التنازع والإختلاف، فيقول -عزّ وجلّ- : (( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ )) ، شايف ، (( َتَذْهَبَ رِيحُكُمْ )) يعني : قوتكم، اليوم المسلمون ليس فقط في هذا المجتمع الضخم مختلفون أشد الإختلاف، ولكن مع ذلك الأخبار تأتينا أن في المعركة هناك في أفغانستان هم مختلفون، ما بين سلفيين ما بين صوفيين ما بين إخوان مسلمين ، أين هذا الجهاد وتحت أي راية يجاهد المسلم [المتحمس] ؟ لذلك نقول يجب أن نبدأ من الأصل، أن نصلح ذوات أنفسنا، وهذا لا يحتاج إلى ساعات أو أيام أو شهور ، يحتاج إلى سنين طويلة، وإلى إعداد مركّز ومدبّر، بحيث انه توجد هناك كتلة يصدرون عن رأي واحد، ويندرجون عن فكرة واحدة، لا خلاف بينهم، قلوبهم ، قلب كل منهم واحد، على قلب رجل واحد منهم، على الكتاب والسنة، وعسى أن يحقق ربنا ذلك لنا ولو بعد لأيٍ إن شاء الله .
لم لا يجتمع العلماء في لجنة علمية لحل الخلافات الحاصلة في الساحة الإسلامية وللإجابة على أسئلة المسلمين.؟
السائل : استاذنا فيه سؤال أيضاً له علاقة بموضوع الإختلاف الذي ذكرته دون مسائل الجهاد .
السؤال يقول : هناك إختلافات كثيرة بين العلماء في بعض الفتاوى والتفسيرات، فلماذا لا تكون هناك حلقة تضم هؤلاء العلماء لحل هذه الخلافات على السنة والقرآن واتباع الأئمة الأربعة في ذلك ؟
الشيخ : كيف في إتباع إيش ؟
السائل : آآه لحل هذه الخلافات على السنة والقرآن وإتباع الأئمة الأربعة في ذلك ؟
الشيخ : همم، أما هذا السؤال فموضوع جوابه مثل موضوع الجهاد ، من الذي يشكل اللجنة التي تبحث في هذه الخلافات وتنظر إليها بمنظار الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ؟ من ؟ أنا أنصح إخوانا أن يكونوا عمليين ولا يكونوا خياليين ، الآن نحنُ ما نستطيع أن نجتمع خمسين شخص على رأي واحد، وما بالنا نقول عالم إسلامي يشكل تسعمائة مليون أو أكثر من ذلك كما يقول البعض، وهناك علماء كثيرون، منهم علماء رسميون متخرجون من الجامعات، منهم علماء غير ذلك، فمن الذي يجمع هؤلاء ؟ من الذي يوحّـد أفكارهم ؟، ونحن نجد الأمر أعسر من أن نتخيل تنفيذ مثل هذا الإقتراح الذي يطلبه الأخ السائل، نحنُ اليوم نتنازع في وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة .
أحد الحضور : اللهُ أكبر !
الشيخ الألباني : وعدم التعصب للأئمة، لا نزالُ مختلفين في هذا، كثير من المشايخ هنا وهناك، كثير من الدكاترة، ولعل بعضكم يذكر في بعض الجرائد أثارت هذه القضيّة من قريب، ورد أخونا علي عليه، فأثار النعرة هذه النعرة المذهبية -التعصب المذهبي- ، وهو دكتور ومتخرج من جامعة ويدرّس في جامعة، لا يتفق بعدُ معنا على وجوب رجوع المسلمين في ما اختلفوا فيه من الأحكام الشرعية إلى الكتاب وإلى السُّنّــة، هذا شيء .
الشيء الثاني الذي لاحظته من السؤال، يقول السائل : وعلى اتباع المذاهب الأربعة، هذا القيد ليس من الواجب على أي عالِم مسلم فضلاً عن العلماء إذا تيسر لهم هذا الإجتماع الذي يطلبه هذا السائل، ليس من اللازم عليهم في أن يتقيدوا بالمذاهب الأربعة، لأن هناك مذاهب أخرى، معروفة أن أصحابها كانوا من أئمة المسلمين، كسفيان الثوري، وكعبد الرحمن المهدي، وعبد الله بن المبارك ، والأوزاعي، كل هؤلاء أئمة من أئمة المسلمين، لهم آراؤهم، لهم اجتهاداتهم، ،والحديث الصحيح فما فرض اللهُ تباركَ وتعالى على علماء المسلمين أن يتقيدوا بمذهب من المذاهب الأربعة، خذوا مثلاً واقعيّاً الآن: لقد كُنّـا منذ أن [...] في الطلقات الثلاثة إنما يقع عليها طلقة واحدة، وكان العالم الإسلامي كله إلى ما قبل عشرين أو ثلاثين سنة في المحاكم الشرعية يقضون بأن من قال لزوجته: أنتِ طالق ثلاثاً ، بانت منه بينونة كبرى، لكن أيقظتهم المصائب وليس السُّنّـة واتباعها -مع الأسفِ الشديد- ، كثرة مشاكل الطلاق في المحاكم الشرعية اضطرّ بعض القضاة، حتى من المتعصبين منهم للمذهب وبخاصة للمذهب الحنفي أن يعيدوا النظر في هذا الفرع مما يسمونه بالأحوال الشخصية، يعيدون النظر في تطليق الزوجة بسبب قول الرجل لها: أنتِ طالق ثلاث، فما وسعهم إلا أن يأخذوا برأي ابن تيمية، ورأي ابن تيمية قائم على حديث صحيح لا يزال موجوداً في صحيح مسلم، كان الطلاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في عهدِ أبي بكر وشطر من خلافة عمر، كان الطلاق بلفظ ثلاث طلقة واحدة، ثم رأى عمر بن الخطاب أن يجعلها ثلاثاً ، فجعلها ثلاثاً لحكمة بدت له، واستمر العالم الإسلامي يمشي على هذا حتى هذا الزمن لما اضطُـرَّ بعض القضاة إلى إعادة النظر في هذه المسألة فرجعوا إلى الحديث الصحيح، ما رجعوا إلى الحديث الصحيح الذي يعتبر الطلاق بلفظ ثلاث طلقة لأنه السنّه هكذا، وإنما حوادث الكثيرة التي أصبحت بيوت عديدة يصيبها الخراب واليباب بسبب تسرع رجل وقوله لزوجته: أنت طالق ثلاثة، فرجعوا إلى السُّنة رغم أنفوهم، لكن إلى الآن لا يزال كثير من المشايخ يفتون الرجل الذي يقول لزوجته: أنت طالق ثلاثاً، يقول طلقت منك، فلا تحلُ لك من بعدُ حتى تنكح زوجاً غيره .
المذاهب الأربعة -الشاهد- المذاهب الأربعة تقول هكذا، طلاق لفظ ثلاث ، ثلاث، إقتراح الأخ أن يكون اجتماع هؤلاء العلماء وعلى اتباع المذاهب الأربعة، ليس صحيحاً من ناحية شرعية، لأنه في المذاهب الأربعة بعض الأفكار تخالف السنة، من ذلك قضية الطلاق بلفظ ثلاث ، هذا خطأ ، مخالف للحديث الذي رواه الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه أن الطلاق بلفظ ثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وشطر من خلافة عمر كان طلقة واحدة، ثم ارتأى عمر أن يجعلها ثلاثاً تأديباً لهم، فإذا الرجوع إلى السُّنـّة هو الواجب، وليس الرجوع إلى إتباع الأئمة، لأنهم أحياناً قد يجتهدون -كما اجتهد عمر- وتكون السُّنة في جانب وعلينا أن نتبع السنّـة، سواء كان إمام من الأئمة الأربعة أو مع إمام آخر من غير الأئمة الأربعة لأنهم لم يشتهروا عند المسلمين، مثلاً من الأئمة المعروفين في كتب الفقه والحديث، الليث بن سعد المصري، هذا لما يترجمه العلماء يقولون بأنه أعلم من مالك ، مالك إمام دار الهجرة ، يقولون هو أحقّ بأن يتبع من الإمام مالك، لكن الإمام مالك حفظَه أصحابُه، أمّـا الليث بن سعد فضيّعه أصحابه، كُتب لمالك أن يرفع مذهبه أما الليث بن سعد فمذهبه مسطور في كتب الحديث وكتب الآثار .
الخلاصة: هذا القيد الذي جاء في سؤال السائل في آخره ليس باللازم على علماء المسلمين إذا اجتمعوا أن يلتزموا به، وكذلك فليس باللازم على علماء المسلمين ولو لم يتيسر لهم الإجتماع إذا ما اجتهدوا في بعضِ المسائل إلا أن يلتزموا السُّنّـة سواءٌ وافقت المذاهب الأربعة أو لم توافق ، غيرُه .
السؤال يقول : هناك إختلافات كثيرة بين العلماء في بعض الفتاوى والتفسيرات، فلماذا لا تكون هناك حلقة تضم هؤلاء العلماء لحل هذه الخلافات على السنة والقرآن واتباع الأئمة الأربعة في ذلك ؟
الشيخ : كيف في إتباع إيش ؟
السائل : آآه لحل هذه الخلافات على السنة والقرآن وإتباع الأئمة الأربعة في ذلك ؟
الشيخ : همم، أما هذا السؤال فموضوع جوابه مثل موضوع الجهاد ، من الذي يشكل اللجنة التي تبحث في هذه الخلافات وتنظر إليها بمنظار الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ؟ من ؟ أنا أنصح إخوانا أن يكونوا عمليين ولا يكونوا خياليين ، الآن نحنُ ما نستطيع أن نجتمع خمسين شخص على رأي واحد، وما بالنا نقول عالم إسلامي يشكل تسعمائة مليون أو أكثر من ذلك كما يقول البعض، وهناك علماء كثيرون، منهم علماء رسميون متخرجون من الجامعات، منهم علماء غير ذلك، فمن الذي يجمع هؤلاء ؟ من الذي يوحّـد أفكارهم ؟، ونحن نجد الأمر أعسر من أن نتخيل تنفيذ مثل هذا الإقتراح الذي يطلبه الأخ السائل، نحنُ اليوم نتنازع في وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة .
أحد الحضور : اللهُ أكبر !
الشيخ الألباني : وعدم التعصب للأئمة، لا نزالُ مختلفين في هذا، كثير من المشايخ هنا وهناك، كثير من الدكاترة، ولعل بعضكم يذكر في بعض الجرائد أثارت هذه القضيّة من قريب، ورد أخونا علي عليه، فأثار النعرة هذه النعرة المذهبية -التعصب المذهبي- ، وهو دكتور ومتخرج من جامعة ويدرّس في جامعة، لا يتفق بعدُ معنا على وجوب رجوع المسلمين في ما اختلفوا فيه من الأحكام الشرعية إلى الكتاب وإلى السُّنّــة، هذا شيء .
الشيء الثاني الذي لاحظته من السؤال، يقول السائل : وعلى اتباع المذاهب الأربعة، هذا القيد ليس من الواجب على أي عالِم مسلم فضلاً عن العلماء إذا تيسر لهم هذا الإجتماع الذي يطلبه هذا السائل، ليس من اللازم عليهم في أن يتقيدوا بالمذاهب الأربعة، لأن هناك مذاهب أخرى، معروفة أن أصحابها كانوا من أئمة المسلمين، كسفيان الثوري، وكعبد الرحمن المهدي، وعبد الله بن المبارك ، والأوزاعي، كل هؤلاء أئمة من أئمة المسلمين، لهم آراؤهم، لهم اجتهاداتهم، ،والحديث الصحيح فما فرض اللهُ تباركَ وتعالى على علماء المسلمين أن يتقيدوا بمذهب من المذاهب الأربعة، خذوا مثلاً واقعيّاً الآن: لقد كُنّـا منذ أن [...] في الطلقات الثلاثة إنما يقع عليها طلقة واحدة، وكان العالم الإسلامي كله إلى ما قبل عشرين أو ثلاثين سنة في المحاكم الشرعية يقضون بأن من قال لزوجته: أنتِ طالق ثلاثاً ، بانت منه بينونة كبرى، لكن أيقظتهم المصائب وليس السُّنّـة واتباعها -مع الأسفِ الشديد- ، كثرة مشاكل الطلاق في المحاكم الشرعية اضطرّ بعض القضاة، حتى من المتعصبين منهم للمذهب وبخاصة للمذهب الحنفي أن يعيدوا النظر في هذا الفرع مما يسمونه بالأحوال الشخصية، يعيدون النظر في تطليق الزوجة بسبب قول الرجل لها: أنتِ طالق ثلاث، فما وسعهم إلا أن يأخذوا برأي ابن تيمية، ورأي ابن تيمية قائم على حديث صحيح لا يزال موجوداً في صحيح مسلم، كان الطلاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في عهدِ أبي بكر وشطر من خلافة عمر، كان الطلاق بلفظ ثلاث طلقة واحدة، ثم رأى عمر بن الخطاب أن يجعلها ثلاثاً ، فجعلها ثلاثاً لحكمة بدت له، واستمر العالم الإسلامي يمشي على هذا حتى هذا الزمن لما اضطُـرَّ بعض القضاة إلى إعادة النظر في هذه المسألة فرجعوا إلى الحديث الصحيح، ما رجعوا إلى الحديث الصحيح الذي يعتبر الطلاق بلفظ ثلاث طلقة لأنه السنّه هكذا، وإنما حوادث الكثيرة التي أصبحت بيوت عديدة يصيبها الخراب واليباب بسبب تسرع رجل وقوله لزوجته: أنت طالق ثلاثة، فرجعوا إلى السُّنة رغم أنفوهم، لكن إلى الآن لا يزال كثير من المشايخ يفتون الرجل الذي يقول لزوجته: أنت طالق ثلاثاً، يقول طلقت منك، فلا تحلُ لك من بعدُ حتى تنكح زوجاً غيره .
المذاهب الأربعة -الشاهد- المذاهب الأربعة تقول هكذا، طلاق لفظ ثلاث ، ثلاث، إقتراح الأخ أن يكون اجتماع هؤلاء العلماء وعلى اتباع المذاهب الأربعة، ليس صحيحاً من ناحية شرعية، لأنه في المذاهب الأربعة بعض الأفكار تخالف السنة، من ذلك قضية الطلاق بلفظ ثلاث ، هذا خطأ ، مخالف للحديث الذي رواه الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه أن الطلاق بلفظ ثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وشطر من خلافة عمر كان طلقة واحدة، ثم ارتأى عمر أن يجعلها ثلاثاً تأديباً لهم، فإذا الرجوع إلى السُّنـّة هو الواجب، وليس الرجوع إلى إتباع الأئمة، لأنهم أحياناً قد يجتهدون -كما اجتهد عمر- وتكون السُّنة في جانب وعلينا أن نتبع السنّـة، سواء كان إمام من الأئمة الأربعة أو مع إمام آخر من غير الأئمة الأربعة لأنهم لم يشتهروا عند المسلمين، مثلاً من الأئمة المعروفين في كتب الفقه والحديث، الليث بن سعد المصري، هذا لما يترجمه العلماء يقولون بأنه أعلم من مالك ، مالك إمام دار الهجرة ، يقولون هو أحقّ بأن يتبع من الإمام مالك، لكن الإمام مالك حفظَه أصحابُه، أمّـا الليث بن سعد فضيّعه أصحابه، كُتب لمالك أن يرفع مذهبه أما الليث بن سعد فمذهبه مسطور في كتب الحديث وكتب الآثار .
الخلاصة: هذا القيد الذي جاء في سؤال السائل في آخره ليس باللازم على علماء المسلمين إذا اجتمعوا أن يلتزموا به، وكذلك فليس باللازم على علماء المسلمين ولو لم يتيسر لهم الإجتماع إذا ما اجتهدوا في بعضِ المسائل إلا أن يلتزموا السُّنّـة سواءٌ وافقت المذاهب الأربعة أو لم توافق ، غيرُه .
3 - لم لا يجتمع العلماء في لجنة علمية لحل الخلافات الحاصلة في الساحة الإسلامية وللإجابة على أسئلة المسلمين.؟ أستمع حفظ
هل الإشهاد شرط لصحة الطلاق .؟
السائل : سؤال له علاقة أيضاً بمسألة الطلاق التي تطرقت إليها ، وهو : هل الإشهادُ شرطاً لصحة الطلاق ؟
الشيخ : نعم ، لأنه هناك قاعدة للعلماء أن الطلاق البدعي محرّم ، ثم اختلفوا هل الطلاق البدعي يقع فيما إذا أوقعه الرجل هل ينفذ أو لا ينفذ ؟
قولان للعلماء : منهم من يقول : ينفذ .
ومنهم من يقول : لا ينفذ .
وهذا هو الأصل، أن الطلاق البدعي لا يقع لقوله -عليهِ الصلاةُ والسلام-: ( من أحدث في أمرِنا هذا ما ليسَ منه فهو رد ) أي : مردود على صاحبه، فإذا عرفنا هذه القاعدة، وتذكرنا حديث عمران بن حصين في سنن أبي داود أن السُّنّـة في الطلاق الإشهاد ، حينئذ يكون الطلاق بغير إشهاد طلاقا بدعيا، يضاف إلى هذا أنه لا يرتاب عاقل في أن الطلاق بالنسبة للنكاح هو كالهدِم بالنسبة للبناء، فإنسان يبني دارا ثم يهدمها، يبني دارا ينفق عليها أموال طائلة وأوقات عديدة و تكاليف ثم ما إذا أراد هدمها ، هدمها بساعة من نهار، الهدِم أصعب من البناء، لأنه يضيع على الإنسان جهود كثيرة وكثيرة جداً، النِكاح هو بناء لأسرة حينما يتزوج المسلم فإنما يضع الأساس لإقامة أسرة مسلمة، وكلنا يعلم قول الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : ( لا نكاح إلا بولي وشاهِدَيْ عدل ) فأي نكاح لم يتحقق فيه الشهود العدول فلا يعتبر نكاحاً شرعياً، وهو بناء، فالطلاق الذي قلنا إنه أخطر من هذا النكاح فهو كالهدم بالنسبة للبناء، فالعقل والنظر السليم يؤيد أن يشترط فيه الإشهاد، ومعنى ذلك أن إنساناً ما قرر وعزم كما قال -عزّ وجلّ- : (( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) ، عزم على الطلاق ، ولكن هذا الطلاق وضع له الشارع الحكيم شروطاً وهذه الشروط هي في الواقع كالعرقلة لمنع وقوع هذا الطلاق، لأن الطلاق -كما قلنا- يترتب من وراءه هدم الأسرة، فقال أن السُّنّـة الإشهاد، فكأن الشارع الحكيم يقول للمطلق: لو عزمت على الطلاق وأردت تنفيذه فآت بشاهدين، كما إذا أردت أن تنكح فخذ [..] الولي وأتي بشاهدين، وإلا فلا نكاح لك، هذا هو جواب ذاك السؤال .
السائل : جزاك اللهُ خير .
الشيخ : كيف
السائل : الشهود...
الشيخ : اذا كان ...مافي مانع...
الشيخ : نعم ، لأنه هناك قاعدة للعلماء أن الطلاق البدعي محرّم ، ثم اختلفوا هل الطلاق البدعي يقع فيما إذا أوقعه الرجل هل ينفذ أو لا ينفذ ؟
قولان للعلماء : منهم من يقول : ينفذ .
ومنهم من يقول : لا ينفذ .
وهذا هو الأصل، أن الطلاق البدعي لا يقع لقوله -عليهِ الصلاةُ والسلام-: ( من أحدث في أمرِنا هذا ما ليسَ منه فهو رد ) أي : مردود على صاحبه، فإذا عرفنا هذه القاعدة، وتذكرنا حديث عمران بن حصين في سنن أبي داود أن السُّنّـة في الطلاق الإشهاد ، حينئذ يكون الطلاق بغير إشهاد طلاقا بدعيا، يضاف إلى هذا أنه لا يرتاب عاقل في أن الطلاق بالنسبة للنكاح هو كالهدِم بالنسبة للبناء، فإنسان يبني دارا ثم يهدمها، يبني دارا ينفق عليها أموال طائلة وأوقات عديدة و تكاليف ثم ما إذا أراد هدمها ، هدمها بساعة من نهار، الهدِم أصعب من البناء، لأنه يضيع على الإنسان جهود كثيرة وكثيرة جداً، النِكاح هو بناء لأسرة حينما يتزوج المسلم فإنما يضع الأساس لإقامة أسرة مسلمة، وكلنا يعلم قول الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : ( لا نكاح إلا بولي وشاهِدَيْ عدل ) فأي نكاح لم يتحقق فيه الشهود العدول فلا يعتبر نكاحاً شرعياً، وهو بناء، فالطلاق الذي قلنا إنه أخطر من هذا النكاح فهو كالهدم بالنسبة للبناء، فالعقل والنظر السليم يؤيد أن يشترط فيه الإشهاد، ومعنى ذلك أن إنساناً ما قرر وعزم كما قال -عزّ وجلّ- : (( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) ، عزم على الطلاق ، ولكن هذا الطلاق وضع له الشارع الحكيم شروطاً وهذه الشروط هي في الواقع كالعرقلة لمنع وقوع هذا الطلاق، لأن الطلاق -كما قلنا- يترتب من وراءه هدم الأسرة، فقال أن السُّنّـة الإشهاد، فكأن الشارع الحكيم يقول للمطلق: لو عزمت على الطلاق وأردت تنفيذه فآت بشاهدين، كما إذا أردت أن تنكح فخذ [..] الولي وأتي بشاهدين، وإلا فلا نكاح لك، هذا هو جواب ذاك السؤال .
السائل : جزاك اللهُ خير .
الشيخ : كيف
السائل : الشهود...
الشيخ : اذا كان ...مافي مانع...
ما حكم تارك الصلاة .؟ وما الفرق بين الكفر العملي والكفر الإعتقادي.؟
السائل : قلتم في بعض مجالسكم أن الخطأ في مسألةِ تكفيرِِ تاركِ الصلاة مفتاح لباب من أبواب الضلال، نرجو أن تفصلوا لنا القولَ في هذه المسألة .
الشيخ : تفصيلُ هذه المسألة هو ما تكلمنا عنه مراراً وتكراراً في التفريق بين الكفر الإعتقادي والكفر العملي، لأن تارك الصلاة له حالتان :
1 - إما أن يؤمن بها، يؤمن بها بشرعيتها .
2 - وإما أن يجحد شرعيتها .
ففي الحالة الثانية فهو كافر بإجماع المسلمين، وكذلك كل من جحد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، من جحد الصيام مثلاً فهو كافر، الحج إلى آخر ما هنالك، من الامور المعروفة عند المسلمين جميعاً أنها من ضروريات الدين، فهذا لا خلاف فيه من جحد شرعية الصلاة فهو كافر .
لكن إذا كان هناك رجل لا يجحد الصلاة يعترف بشرعيتها ولكن من حيث العمل هو لا يقوم بها، لا يصلي، ربما لا يصلي مطلقاً، وربما يصلي تارة وتارة، ففي هذه الحالة إذا قلنا: هذا رجل كفَر، ما يصدق عليه هذا الكلام بإطلاقه، لأن الكفر هو الجحد وهو لا يجحد شرعية الصلاة، كما قال تعالى بالنسبة للكفار: (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ )) ، فإذا أخذنا مثالاً زيداً من الناس، لا يصلي ولكن حينما يسأل، لماذا لا تصلي أخي؟ بيقولك: الله يتوب عليَّ، والله الدنيا شاغلتني هالأولاد شاغليني ، من هذا الكلام ، هذا الكلام طبعا ليس له عذر مطلقاً، لكن يعطينا فائدة لا نعرفها نحنُ لأننا لا نطلع على ما في قلبه، يعطينا فائدة أن الرجل يؤمن بشرعية الصلاة، بخلاف ما لو كان الجواب لا سمح الله: يا أخي الصلاة هذي راح وقتها هذه كانت في زمن يعني كان الناس غير مثقفين كانوا وسخين كانوا بحاجة إلى نوعية من النظافة والطهارة والرياضة وهذا الآن ذهب زمانه الآن في وسائل جديدة تغنينا عن الصلاة، هذا كفر فإلى (( جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )) ، أما إذا كان الجواب هو الأول ، ليه ما بتصلي ؟ ، الله يتوب علينا ، الله يلعن الشيطان، من هذا الكلام اللي ينبي لنا أن الرجل لا ينكر شرعية الصلاة، فإذا قلنا هذا رجل كافر ، نكون خالفنا الواقع ، لأن هذا رجل مؤمن ، مؤمن بشرعية الصلاة ومؤمن بالإسلام كله، فكيف نكفـره ؟!
من هنا نحنُ نقول لا فرق بين تاركِ الصلاة وتارك الصيام وتارك الحج وتارك أي شيء من العبادات العملية في أنه يكفّـر وأنه لا يكفّــر ، متى يكفـر ؟ إذا جحد ، متى لا يكــفّـر؟ إذا آمن ، فالمؤمن لا يجوز تكفيره قولا واحداً، وعلى ذلك جاءت الأحاديث الكثيرة التي آخرها : ( أدخلوا الجنة من قال : لا إله إلا الله وليس له من العمل مثقال ذرة ) لكن له مثقال ذرة من إيمان فهذا الإيمان هو الذي يمنعه من أن يخلد في النار، ويدخل الجنة ، ولو بعد أن صار فحماً أسود ، لكن هذا الذي يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويؤمن بكل ما جاء عن الله ورسوله، لكن لا يصلي ، أو لا يصوم أو لا يحج ، أو نحو ذلك ، أو يسرق ، أو يزني ، كل هذه الأمور لا فرق فيها إذا ما وضعت في ميزان الكفر العملي والكفر الإعتقادي ، رجل مثلاً يزني ، هل نكفره ؟! ستقولون : لا ، أنا أقول : لا، رويداً، ننظر، هل يقول الزنا حرام ؟ هل بيقول كما يقول بعض الجُّهال : بلا حرام بلا حلال ، إذا قال لي كلمة كفر ، كذلك السارق ، أي ذنب الرجل الذي -مثلاً- يستغيب كثير الناس، نقول: اتق الله ، الرسول قال: ( الغيبة ذكرُك أخاك بما يكره ) بيقول: بلا قال الرسول بلا كذا ، كـَـفَـر ، هكذا كل الأحكام الشرعية ، سواء ما كان منها حكم إيجابي بمعنى فرض من الفرائض، أو كان حكماً سلبياً بمعنى المحرمات يجب أن يبتعد عنها ، فإذا استحل شيء من هذه المحرمات في قلبه كفر، لكن إذا واقعها عمليا وهو يعتقد أنه عاص، لا يكفر، فلا فرق في هذا بين الأحكام الشرعية كلها، سواء ما كانت من الفرائض أو ما كانت محرمات، الفرائض يجب القيام بها، ولا يجوز تركها ، لكن من تركها كسلاً ، لم يجز تكفيره ، من تركها جحداً كفر ، من استحل شيء من المحرمات كذلك يكفر ، لا فرق في هذا -أبداً- بين الواجبات وبين المحرمات، هذا ما أردت بكلمتي السابقة .
السائل : جزاك الله خير .
الشيخ : نعم .
الشيخ : تفصيلُ هذه المسألة هو ما تكلمنا عنه مراراً وتكراراً في التفريق بين الكفر الإعتقادي والكفر العملي، لأن تارك الصلاة له حالتان :
1 - إما أن يؤمن بها، يؤمن بها بشرعيتها .
2 - وإما أن يجحد شرعيتها .
ففي الحالة الثانية فهو كافر بإجماع المسلمين، وكذلك كل من جحد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، من جحد الصيام مثلاً فهو كافر، الحج إلى آخر ما هنالك، من الامور المعروفة عند المسلمين جميعاً أنها من ضروريات الدين، فهذا لا خلاف فيه من جحد شرعية الصلاة فهو كافر .
لكن إذا كان هناك رجل لا يجحد الصلاة يعترف بشرعيتها ولكن من حيث العمل هو لا يقوم بها، لا يصلي، ربما لا يصلي مطلقاً، وربما يصلي تارة وتارة، ففي هذه الحالة إذا قلنا: هذا رجل كفَر، ما يصدق عليه هذا الكلام بإطلاقه، لأن الكفر هو الجحد وهو لا يجحد شرعية الصلاة، كما قال تعالى بالنسبة للكفار: (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ )) ، فإذا أخذنا مثالاً زيداً من الناس، لا يصلي ولكن حينما يسأل، لماذا لا تصلي أخي؟ بيقولك: الله يتوب عليَّ، والله الدنيا شاغلتني هالأولاد شاغليني ، من هذا الكلام ، هذا الكلام طبعا ليس له عذر مطلقاً، لكن يعطينا فائدة لا نعرفها نحنُ لأننا لا نطلع على ما في قلبه، يعطينا فائدة أن الرجل يؤمن بشرعية الصلاة، بخلاف ما لو كان الجواب لا سمح الله: يا أخي الصلاة هذي راح وقتها هذه كانت في زمن يعني كان الناس غير مثقفين كانوا وسخين كانوا بحاجة إلى نوعية من النظافة والطهارة والرياضة وهذا الآن ذهب زمانه الآن في وسائل جديدة تغنينا عن الصلاة، هذا كفر فإلى (( جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )) ، أما إذا كان الجواب هو الأول ، ليه ما بتصلي ؟ ، الله يتوب علينا ، الله يلعن الشيطان، من هذا الكلام اللي ينبي لنا أن الرجل لا ينكر شرعية الصلاة، فإذا قلنا هذا رجل كافر ، نكون خالفنا الواقع ، لأن هذا رجل مؤمن ، مؤمن بشرعية الصلاة ومؤمن بالإسلام كله، فكيف نكفـره ؟!
من هنا نحنُ نقول لا فرق بين تاركِ الصلاة وتارك الصيام وتارك الحج وتارك أي شيء من العبادات العملية في أنه يكفّـر وأنه لا يكفّــر ، متى يكفـر ؟ إذا جحد ، متى لا يكــفّـر؟ إذا آمن ، فالمؤمن لا يجوز تكفيره قولا واحداً، وعلى ذلك جاءت الأحاديث الكثيرة التي آخرها : ( أدخلوا الجنة من قال : لا إله إلا الله وليس له من العمل مثقال ذرة ) لكن له مثقال ذرة من إيمان فهذا الإيمان هو الذي يمنعه من أن يخلد في النار، ويدخل الجنة ، ولو بعد أن صار فحماً أسود ، لكن هذا الذي يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويؤمن بكل ما جاء عن الله ورسوله، لكن لا يصلي ، أو لا يصوم أو لا يحج ، أو نحو ذلك ، أو يسرق ، أو يزني ، كل هذه الأمور لا فرق فيها إذا ما وضعت في ميزان الكفر العملي والكفر الإعتقادي ، رجل مثلاً يزني ، هل نكفره ؟! ستقولون : لا ، أنا أقول : لا، رويداً، ننظر، هل يقول الزنا حرام ؟ هل بيقول كما يقول بعض الجُّهال : بلا حرام بلا حلال ، إذا قال لي كلمة كفر ، كذلك السارق ، أي ذنب الرجل الذي -مثلاً- يستغيب كثير الناس، نقول: اتق الله ، الرسول قال: ( الغيبة ذكرُك أخاك بما يكره ) بيقول: بلا قال الرسول بلا كذا ، كـَـفَـر ، هكذا كل الأحكام الشرعية ، سواء ما كان منها حكم إيجابي بمعنى فرض من الفرائض، أو كان حكماً سلبياً بمعنى المحرمات يجب أن يبتعد عنها ، فإذا استحل شيء من هذه المحرمات في قلبه كفر، لكن إذا واقعها عمليا وهو يعتقد أنه عاص، لا يكفر، فلا فرق في هذا بين الأحكام الشرعية كلها، سواء ما كانت من الفرائض أو ما كانت محرمات، الفرائض يجب القيام بها، ولا يجوز تركها ، لكن من تركها كسلاً ، لم يجز تكفيره ، من تركها جحداً كفر ، من استحل شيء من المحرمات كذلك يكفر ، لا فرق في هذا -أبداً- بين الواجبات وبين المحرمات، هذا ما أردت بكلمتي السابقة .
السائل : جزاك الله خير .
الشيخ : نعم .
ما هو تفسير حديث ( الحمو الموت ) ؟
السائل : أستاذنا ذهب بعض أهل العلم رحمهم الله تعالى إلى تفسير قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الحمو الموت ) بأنه أبو الزوج، فماذا ترون في ذلك جزاكم الله خيراً ؟
الشيخ : بأنه أبو الزوج .
السائل : قول الدمشقي .
الشيخ : نعم. [...] ما عندي الإجابة المناسبة .
السائل : اياكم والدخول على النساء، قال : فما بال الحمو ؟ قال: ( الحمو الموت ) .
الشيخ : لكن في اعتقادي أن هذا التفسير إذا جاز من الناحية العربية أنه يطلق الحمو ويراد مثلاً أبو الزوج فلا يصح تفسير الحمو في هذا الحديث بهذا المعنى، ذلك لأن الأحاديث الكثيرة والنصوص الشرعية القرآنية قاطعة الدلالة في جواز دخول الحمو الذي هو أبو الزوج على المرأة حتى ولو كانت غير متحجبة، نحن نعلم مثلاً ، أو نذكر مما نذكر ، حديث أبي داود رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوماً على ابنته فاطمة ومعه عبدٌ لها، فسارعت السيدة فاطمة لأنها كانت مضطجعة لتتستر فقال لها: ( لا بأس عليك، إنما هو أبوكِ وغلامك ) الغلام يجوز للمرأة أن يدخل عليها وأن تراه وأن يراها ببدلتها البيتيه في حدود قوله تعالى المنصوص عليه في القرآن الكريم: (( لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ )) ، إلى آخر الآية، يعني : لا تظهر المرأة أمام المحرم أكثر من مواطن الزينة، فالأحاديث صريحة في جواز اختلاء المحرم مع من تحرُم عليه، ولذلك تفسير الحمو هنا بأحرم المحارم وهو أبو الزوج لا يصح ولا يستقيم هنا، وإلا لزم من ذلك رد أحاديث كثيرة، وأحكام متفق عليها بين علماء المسلمين .
إنما يمكن أن يقال هذا في بعض الظروف الخاصة، إذا فسد الزمان وساءت أخلاق الرجال، وغلب على الظن أن دخول أبو الزوج على المرأة قد يعرضهما لفتنة، فهذا حكم ممكن أن يتبنى، لكن عارضاً وليس مضطرداً، يمكن أن نقول هذا ، فقد سمعتم وقرأتم في بعض الجرائد حوادث يعني من الصعب على الإنسان أن يتخيلها، ولكنها وقعت الذي فعل بابنته، والذي فعل بأخته ، ونحو ذلك فهذه أمور لا ينبني عليها أحكام مضطردة إلا أنه إذا ظهر لأقارب الزوجة مثلا خلق سيء من بعض المحارم فمنعوها فهذا وارد تماما، لكن لا يجوز أن نجعله حكماً مضطرداً سارياً لأنه يخالف ما ذكرنا من الأدلة، غيرُه .
السائل : وافقكم بعضُ أهلِ العلم في مكة المكرمة بقوله الحافظ الألباني، فعندما سئل عن ذلك قال: هو القصد أنك وقفت على ما لم يقف عليه من قبلك من أهل العلم، وأيد ذلك بقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمة شيخه العراقي في النداء ... بأن الحفظ المعرفة، ووقفت أنت وعرفت من المتون والأسانيد ما يزيد على ذلك، فما رأيكم ؟
الشيخ : أنا على كل حال -أولاً- لا أرضى بهذا اللقب .
ثانياً: القضية تعود إلى المعنى المصطلح عليه، الذي تذكره الآن عن الحافظ ابن حجر مع شيخه العراقي، هذا اصطلاح خاص، ليس على الإصطلاح العام المذكور في كتب المصطلح، أن الحافظ الذي يحفظ كذا ألف حديث ، ما أذكر العدد بالضبط لعلك تذكره .
السائل : مائة ألف .
الشيخ : مائة ألف ، هذا هو الإصطلاح العام، أما أن يقال أن المقصود هو الإطلاع على ما لم يطلع الآخرون والمعرفة أيضاً، هذا يكون إصطلاحاً خاصاً، وأنا على كل حال يعني أتبرأ من أن يصفني أحدٌ بهذه الصفة سواء بالمعنى الإصطلاحي العام أو بهذا المعنى الخاص، وإنما أنا كما أقول دائماً وأبداً، طالبُ علمٍ أجتهد أن أطلع بقدر ما أستطيع .
الحضور : الله أكبر .
الشيخ : بأنه أبو الزوج .
السائل : قول الدمشقي .
الشيخ : نعم. [...] ما عندي الإجابة المناسبة .
السائل : اياكم والدخول على النساء، قال : فما بال الحمو ؟ قال: ( الحمو الموت ) .
الشيخ : لكن في اعتقادي أن هذا التفسير إذا جاز من الناحية العربية أنه يطلق الحمو ويراد مثلاً أبو الزوج فلا يصح تفسير الحمو في هذا الحديث بهذا المعنى، ذلك لأن الأحاديث الكثيرة والنصوص الشرعية القرآنية قاطعة الدلالة في جواز دخول الحمو الذي هو أبو الزوج على المرأة حتى ولو كانت غير متحجبة، نحن نعلم مثلاً ، أو نذكر مما نذكر ، حديث أبي داود رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوماً على ابنته فاطمة ومعه عبدٌ لها، فسارعت السيدة فاطمة لأنها كانت مضطجعة لتتستر فقال لها: ( لا بأس عليك، إنما هو أبوكِ وغلامك ) الغلام يجوز للمرأة أن يدخل عليها وأن تراه وأن يراها ببدلتها البيتيه في حدود قوله تعالى المنصوص عليه في القرآن الكريم: (( لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ )) ، إلى آخر الآية، يعني : لا تظهر المرأة أمام المحرم أكثر من مواطن الزينة، فالأحاديث صريحة في جواز اختلاء المحرم مع من تحرُم عليه، ولذلك تفسير الحمو هنا بأحرم المحارم وهو أبو الزوج لا يصح ولا يستقيم هنا، وإلا لزم من ذلك رد أحاديث كثيرة، وأحكام متفق عليها بين علماء المسلمين .
إنما يمكن أن يقال هذا في بعض الظروف الخاصة، إذا فسد الزمان وساءت أخلاق الرجال، وغلب على الظن أن دخول أبو الزوج على المرأة قد يعرضهما لفتنة، فهذا حكم ممكن أن يتبنى، لكن عارضاً وليس مضطرداً، يمكن أن نقول هذا ، فقد سمعتم وقرأتم في بعض الجرائد حوادث يعني من الصعب على الإنسان أن يتخيلها، ولكنها وقعت الذي فعل بابنته، والذي فعل بأخته ، ونحو ذلك فهذه أمور لا ينبني عليها أحكام مضطردة إلا أنه إذا ظهر لأقارب الزوجة مثلا خلق سيء من بعض المحارم فمنعوها فهذا وارد تماما، لكن لا يجوز أن نجعله حكماً مضطرداً سارياً لأنه يخالف ما ذكرنا من الأدلة، غيرُه .
السائل : وافقكم بعضُ أهلِ العلم في مكة المكرمة بقوله الحافظ الألباني، فعندما سئل عن ذلك قال: هو القصد أنك وقفت على ما لم يقف عليه من قبلك من أهل العلم، وأيد ذلك بقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمة شيخه العراقي في النداء ... بأن الحفظ المعرفة، ووقفت أنت وعرفت من المتون والأسانيد ما يزيد على ذلك، فما رأيكم ؟
الشيخ : أنا على كل حال -أولاً- لا أرضى بهذا اللقب .
ثانياً: القضية تعود إلى المعنى المصطلح عليه، الذي تذكره الآن عن الحافظ ابن حجر مع شيخه العراقي، هذا اصطلاح خاص، ليس على الإصطلاح العام المذكور في كتب المصطلح، أن الحافظ الذي يحفظ كذا ألف حديث ، ما أذكر العدد بالضبط لعلك تذكره .
السائل : مائة ألف .
الشيخ : مائة ألف ، هذا هو الإصطلاح العام، أما أن يقال أن المقصود هو الإطلاع على ما لم يطلع الآخرون والمعرفة أيضاً، هذا يكون إصطلاحاً خاصاً، وأنا على كل حال يعني أتبرأ من أن يصفني أحدٌ بهذه الصفة سواء بالمعنى الإصطلاحي العام أو بهذا المعنى الخاص، وإنما أنا كما أقول دائماً وأبداً، طالبُ علمٍ أجتهد أن أطلع بقدر ما أستطيع .
الحضور : الله أكبر .
ما حكم الجماعة الثانية في المسجد.؟ وما صحة أثر أنس رضي الله عنه في ذلك.؟
السائل : طيب ما رأيك في مسألة تكرار الجماعة الثانية في المسجد، يسأل أحد الأخوة عن أثر أنس الذي رواه البخاري في صحيحه ما هو الردُ عليه ؟
الشيخ : طبعاً أنت تريد ما هو الجواب .
السائل : نعم
الشيخ : أما نحنُ لا نرد عليه . [ يضحك الشيخ ]
أولاً : أريد أن ألفت النظر أن هذا الأثر الوارد في صحيح البخاري معلّـق وليس بمسند ، لكن أنه أسند في خارج الصحيح بسندٍ صحيح ، وهو ثابت عن أنس، لكن ليس له علاقة بموضوع الذي تبنيناه تباعاً لما كان عليه السلف من الناحية العملية، ثم تباعاً لأكثر الأئمة الأربعة الذين نصوا على أنه لا تُشرع تكرار الجماعة في المسجد الواحد، لكننا نقول تبعا له أيضاً: هذا المسجد الذي لا تُشرع فيه تكرارُ الجماعة ليس كل مسجد، وإنما له مواصفات، المسجد الذي لا تشرع فيه تكرار الجماعة، هو مسجد له إمام راتب وله مؤذن راتب .
أحد الأخوة: السلام عليكم .
الشيح : وعليكم السلام، له إمام راتب وله مؤذب راتب، هذا المسجد إذا دخل إليه جماعة ووجدوا الإمام قد صلى يصلّون فرادى كما قال الإمام الشافعي في كتابه ( الأم ) ، إذا عرفنا هذين الشرطين الذي فحواهما أن ليس كل مسجد تُكره فيه الصلاة، صلاة الجماعة الثانية، وإنما مسجد بهذين الشرطين، ورجعنا إلى أثر أنس بن مالك، ليس في هذا الأثر بيان أن هذا المسجد كان له إمام راتب ومؤذن راتب، وحينئذٍ فليسَ له علاقة بالموضوع إطلاقاً، لأننا لا نقول نحن بتكرار صلاة الجماعة في كل مسجد، وإنما في مسجد توفر فيه الشرطان السابقان ذكراً، الإمام الراتب والمؤذن الراتب .
هذا من ناحية، من ناحية أخرى ، ممكن الإنسان أن يقيم جماعة في مسجد له إمام راتب وله مؤذن راتب لكن يكون له عذر، أنا أعرف من نفسي حينما كُنتُ سائر من دمشق إلى حلب كانت تدركنا صلاة في الطريق فندخل مسجداً، نراقب المسجد فيه أحد، لأن الناس صلوا وانتهوا ، والمسجد في قرية بطبيعة الحال، فإن وجدنا ناس هناك صلينا فرادى، وإن لم نجد صلينا في زاوية من المسجد، لأن المحظور الذي يُخشى أن يقع من القول بتكرار الجماعة هو أن يتحقق هذا الواقع المؤلم الموجود اليوم في كثير من المساجد هنا وهناك، مسجد بني أمية في دمشق من أكبر المساجد في العالم الإسلامي كله، كنّا ندخل بعد صلاة العصر قريب من المغرب وتجد هناك جماعة يصلون صلاة العصر، الله أعلم كم جماعة أقيمت ما بين العصر وما بين المغرب، في هذا تفريق لجماعة المسلمين، الحكمة من عدم شرعية الجماعة الثانية في المسجد الذي له إمام راتب ومؤذن راتب هو المحافظة على تكثير الجماعة الأولى، فإذا ما تساهل المسلمون كما هو واقع اليوم فعددوا الجماعات قلت الجماعة الأولى، ولذلك تجد المساجد لا تمتلأ بالمصلين في الجماعات بخلاف يوم الجمعة، أنا [ ... ] يصلون الجمعة فقط ، لكن من أسباب كثرة الجماعة يوم الجمعة وقلتها في الصلوات الخمس هو أنهم يصلون جماعات متعددة بعد الجماعة الأولى، فمن باب سد الذريعة وسد تقليل الجماعة الأولى، منع عقد الجماعة الثانية بعد الإمام الأول، ففي مثل الصور التي صورتها آنفاً اذا كنا مسافرين -مثلاً- ودخلنا مسجداً نعلم أن له إمام راتب ومؤذن راتب، ولكن ما أحد يوجد في المسجد، فنحن نصلي وننصرف ولا نبقي هناك أثراً لمثل هذه الجماعة الثانية، فممكن أن يكون وضع أنس في تلك الصلاة صلاها لاحظ ما نلاحظه نحنُ، وممكن أن يكون غير ذلك، لكن الذي يمكن أن يقال على أقل احتمال أن هذا الأثر لا يوجد فيه وصف لذاك المسجد وأنه كان له إمام راتب ومؤذن راتب، ولذلك فلا يُنقَـَض بهذا الأثر ما ثبت من تعامل المسلمين في القرون الأولى في محافظتهم على الجماعة الأولى .
ثم نذكر بما يناقض هذا الأثر لو فرضنا أن فيه دليلاً لشرعية الجماعة الثانية، يعارضه مع الفرضية المذكورة أثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه خرج مع صاحبين له إلى المسجد لصلاة الظهر -فيما أذكر- وإذا بالناس يخرجون من المسجد، يعني انتهت صلاة الجماعة، فما دخل بهم المسجد وإنما رجع فصلى في الدار، وهو يعلم يقيناً قول الرسول عليه السلام: ( أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) فما الذي منعه أن يدخل المسجد ويصلي في المسجد جماعة ؟ يعلم أنه لا تشرع الجماعة الثانية في مسجد صلى فيه هذا الإمام ولذلك آثر أن يصلي جماعة في الدار على أن يصلي جماعة في المسجد، لأنه هكذا جرت سُنّـة الرسول عليه السلام والصحابة كما قال الحسن البصري: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا المسجد ووجدوا الإمام قد صلى صلوا فرادى ، وهذا الأثر رواه ابن أبي شيبة بسند قوي عن الحسن البصري، وتبناه الإمام الشافعي، وذكره أنه قضية مسلّمة .
فقال من الأدلة التي بيؤيد بها قوله: إذا دخل جماعة المسجد فوجدوا الإمام قد صلى صلوا فرادى، ثم ذكر السبب قال: لأنه لم يكن من عملِ السلف، قال وأنّا قد حفظنا أن جماعة من جماعة النبي صلى الله عليه وسلم فاتتهم الصلاة في جماعة فصلوا فرادى، وقد كانوا قادرين على أن يجمّعوا في المسجد مرة أخرى، ولكنهم لم يفعلوا لأنهم كرهوا أن يجمعوا في المسجد مرتين ، هذا كلام الإمام الشافعي وهو صريح في المعنى وصريح في الإستدلال بالأثر الذي رواه ابن أبي شيبة في المصنّـف، نعم .
السائل : له شبه اتصال بهذا وهو حديث ...
الشيخ : طبعاً أنت تريد ما هو الجواب .
السائل : نعم
الشيخ : أما نحنُ لا نرد عليه . [ يضحك الشيخ ]
أولاً : أريد أن ألفت النظر أن هذا الأثر الوارد في صحيح البخاري معلّـق وليس بمسند ، لكن أنه أسند في خارج الصحيح بسندٍ صحيح ، وهو ثابت عن أنس، لكن ليس له علاقة بموضوع الذي تبنيناه تباعاً لما كان عليه السلف من الناحية العملية، ثم تباعاً لأكثر الأئمة الأربعة الذين نصوا على أنه لا تُشرع تكرار الجماعة في المسجد الواحد، لكننا نقول تبعا له أيضاً: هذا المسجد الذي لا تُشرع فيه تكرارُ الجماعة ليس كل مسجد، وإنما له مواصفات، المسجد الذي لا تشرع فيه تكرار الجماعة، هو مسجد له إمام راتب وله مؤذن راتب .
أحد الأخوة: السلام عليكم .
الشيح : وعليكم السلام، له إمام راتب وله مؤذب راتب، هذا المسجد إذا دخل إليه جماعة ووجدوا الإمام قد صلى يصلّون فرادى كما قال الإمام الشافعي في كتابه ( الأم ) ، إذا عرفنا هذين الشرطين الذي فحواهما أن ليس كل مسجد تُكره فيه الصلاة، صلاة الجماعة الثانية، وإنما مسجد بهذين الشرطين، ورجعنا إلى أثر أنس بن مالك، ليس في هذا الأثر بيان أن هذا المسجد كان له إمام راتب ومؤذن راتب، وحينئذٍ فليسَ له علاقة بالموضوع إطلاقاً، لأننا لا نقول نحن بتكرار صلاة الجماعة في كل مسجد، وإنما في مسجد توفر فيه الشرطان السابقان ذكراً، الإمام الراتب والمؤذن الراتب .
هذا من ناحية، من ناحية أخرى ، ممكن الإنسان أن يقيم جماعة في مسجد له إمام راتب وله مؤذن راتب لكن يكون له عذر، أنا أعرف من نفسي حينما كُنتُ سائر من دمشق إلى حلب كانت تدركنا صلاة في الطريق فندخل مسجداً، نراقب المسجد فيه أحد، لأن الناس صلوا وانتهوا ، والمسجد في قرية بطبيعة الحال، فإن وجدنا ناس هناك صلينا فرادى، وإن لم نجد صلينا في زاوية من المسجد، لأن المحظور الذي يُخشى أن يقع من القول بتكرار الجماعة هو أن يتحقق هذا الواقع المؤلم الموجود اليوم في كثير من المساجد هنا وهناك، مسجد بني أمية في دمشق من أكبر المساجد في العالم الإسلامي كله، كنّا ندخل بعد صلاة العصر قريب من المغرب وتجد هناك جماعة يصلون صلاة العصر، الله أعلم كم جماعة أقيمت ما بين العصر وما بين المغرب، في هذا تفريق لجماعة المسلمين، الحكمة من عدم شرعية الجماعة الثانية في المسجد الذي له إمام راتب ومؤذن راتب هو المحافظة على تكثير الجماعة الأولى، فإذا ما تساهل المسلمون كما هو واقع اليوم فعددوا الجماعات قلت الجماعة الأولى، ولذلك تجد المساجد لا تمتلأ بالمصلين في الجماعات بخلاف يوم الجمعة، أنا [ ... ] يصلون الجمعة فقط ، لكن من أسباب كثرة الجماعة يوم الجمعة وقلتها في الصلوات الخمس هو أنهم يصلون جماعات متعددة بعد الجماعة الأولى، فمن باب سد الذريعة وسد تقليل الجماعة الأولى، منع عقد الجماعة الثانية بعد الإمام الأول، ففي مثل الصور التي صورتها آنفاً اذا كنا مسافرين -مثلاً- ودخلنا مسجداً نعلم أن له إمام راتب ومؤذن راتب، ولكن ما أحد يوجد في المسجد، فنحن نصلي وننصرف ولا نبقي هناك أثراً لمثل هذه الجماعة الثانية، فممكن أن يكون وضع أنس في تلك الصلاة صلاها لاحظ ما نلاحظه نحنُ، وممكن أن يكون غير ذلك، لكن الذي يمكن أن يقال على أقل احتمال أن هذا الأثر لا يوجد فيه وصف لذاك المسجد وأنه كان له إمام راتب ومؤذن راتب، ولذلك فلا يُنقَـَض بهذا الأثر ما ثبت من تعامل المسلمين في القرون الأولى في محافظتهم على الجماعة الأولى .
ثم نذكر بما يناقض هذا الأثر لو فرضنا أن فيه دليلاً لشرعية الجماعة الثانية، يعارضه مع الفرضية المذكورة أثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه خرج مع صاحبين له إلى المسجد لصلاة الظهر -فيما أذكر- وإذا بالناس يخرجون من المسجد، يعني انتهت صلاة الجماعة، فما دخل بهم المسجد وإنما رجع فصلى في الدار، وهو يعلم يقيناً قول الرسول عليه السلام: ( أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) فما الذي منعه أن يدخل المسجد ويصلي في المسجد جماعة ؟ يعلم أنه لا تشرع الجماعة الثانية في مسجد صلى فيه هذا الإمام ولذلك آثر أن يصلي جماعة في الدار على أن يصلي جماعة في المسجد، لأنه هكذا جرت سُنّـة الرسول عليه السلام والصحابة كما قال الحسن البصري: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا المسجد ووجدوا الإمام قد صلى صلوا فرادى ، وهذا الأثر رواه ابن أبي شيبة بسند قوي عن الحسن البصري، وتبناه الإمام الشافعي، وذكره أنه قضية مسلّمة .
فقال من الأدلة التي بيؤيد بها قوله: إذا دخل جماعة المسجد فوجدوا الإمام قد صلى صلوا فرادى، ثم ذكر السبب قال: لأنه لم يكن من عملِ السلف، قال وأنّا قد حفظنا أن جماعة من جماعة النبي صلى الله عليه وسلم فاتتهم الصلاة في جماعة فصلوا فرادى، وقد كانوا قادرين على أن يجمّعوا في المسجد مرة أخرى، ولكنهم لم يفعلوا لأنهم كرهوا أن يجمعوا في المسجد مرتين ، هذا كلام الإمام الشافعي وهو صريح في المعنى وصريح في الإستدلال بالأثر الذي رواه ابن أبي شيبة في المصنّـف، نعم .
السائل : له شبه اتصال بهذا وهو حديث ...
اضيفت في - 2004-08-16