الكلام عن عظم التوكل الذي كان عليه إبراهيم عليه السلام.
المسألة الأولى: أنه يقال أن إبراهيم لما ألقي في النار، جاءه جبريل فقال له: " اسأل الله عز وجل أن ينقذك منها، فقال: علمه بحالي يغني عن سؤالي "، وهذا لا شك أنه أثر باطل كذب، تشكون في علم الله بأحوالهم ؟ وهل هم يدعون الله عند الشدائد؟ نعم، ولو قلنا إن علم الله بالحال يغني عن السؤال ما احتجنا إلى السؤال أبدا، أو لا ؟
الطالب : بلى.
الشيخ : لأن الله عالم بأحوالهم في كل حال، فهذا القول قول باطل، ويجب على من سمعه أن ينبه على بطلانه، وإنما نبهت عليه لأني سمعت خطبة يخطبها عبد الحميد كشك، وقال هذا القول، فيجب أن ننبه على هذا الشيء، أن هذا قول باطل لا يصح.
المسألة الثانية: يقولون إن الله سبحانه وتعالى لما قال لنار إبراهيم (( كوني بردا وسلاما على إبراهيم )) أن جميع النيران في الدنيا كانت باردة، حتى أنهم اللي يطبخون غداهم وعشاهم ما ... ذاك اليوم، لأن النار صارت مثل الماء، ما طبخت الغداء ولا العشاء، هذا أيضا باطل، هذا باطل بلا شك، يكذبه القرآن، لأن الله تعالى يقول: (( يا نار كوني بردا )) ونار هذه في اللغة العربية نكرة مقصودة فهي كالعلَم، حكمها حكم العلم في تعيين صاحبها، ولهذا تبنى على الضم في النداء كما يبنى العلم. إذن فما المراد بالنار التي خاطبها الله ؟
الطالب : نار إبراهيم.
الشيح : النار التي طرح فيها إبراهيم، التي ألقي فيها هي النار، فكانت بردا وسلاما على إبراهيم، أما النيران الأخرى ما يمكن تكون بردا وسلاما على أهلها، لأن ما بينها وبين إبراهيم صلة، والله قال: (( كوني بردا وسلاما على إبراهيم ))، فعين النار المخاطبة، ثم قال: (( على إبراهيم )) أيضا زيادة في التعيين، اللي تحت قدور الناس في كل مكان هل تمس إبراهيم حتى يقال لها كوني بردا وسلاما عليه ؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، قد يقول قائل: إن النيران من شدة تعظيمها لله عز وجل وهيبتها له ظنت أن الخطاب موجه لها فصارت بردا، وش نقول؟ نقول: هذا باطل غير صحيح، لأن الله عز وجل إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، فلا بد أن يكون مراد الله محددا معينا، النار اللي غير نار إبراهيم ما وجه لها هذا الخطاب، فكيف تخرج عن طبيعتها؟! ولهذا بعض الناس الله يهدينا وإياهم يتعلقون بمثل هذه الإسرائيليات يعني ترويجا على العامة وهو خطأ، فيما صح في كتاب الله وفيما صح من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام كفاية في بيان هذا آيات الله سبحانه وتعالى.
أظن الشاهد من هذه الآية واضح، وهو قوله؟ هاه؟ (( حسبنا الله ونعم الوكيل )) نعم.
... والمعجزة العظيمة دليل يبطل ... الطبائعيين الذين يقولون الأشياء بطبائعها، وأن هذه الطبائع التي جعلها الله تعالى في هذه الأشياء هي من خلق الله عز وجل وتكوينه وإرادته سبحانه وتعالى، وليست هذه الأشياء بطبائعها ...، فلهذا هذه الآية من أكبر ما يدمغ رؤوسهم وباطلهم، وأن الأمور تسير كلها حسب تقدير العزيز العليم (( والقمر قدرناه منازل )) (( والشمس تمشي لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم )) سبحانه وتعالى، العزيز الذي لا يغلب، العليم الذي لا يجهل، (( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم )) والله سبحانه وتعالى حتى النقطة اللي تنزل من المطر في مكانها وزمانها وحجمها وكيفيتها كلها بتقدير الله عز وجل وعلمه (( وما ننزله إلا بقدر معلوم ))، فكل شيء فهو بتقدير الله تعالى وعلمه وإرادته (( وما تسقط من ورقة إلا يعلمها )) فإذا كان الأوراق الساقطة يعلمها فالأوراق المخلوقة وتحتاج إلى تكوين من باب أولى، والله أعلم.
شرح قول المصنف : فيه مسائل الأولى: أن التوكل من الفرائض.الثانية: أنه من شروط الإيمان. الثالثة: تفسير آية الأنفال. الرابعة: تفسير الآية في آخرها. الخامسة: تفسير آية الطلاق.السادسة: عظم شأن هذه الكلمة، وأنها قول إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم في الشدائد.
الشيخ : أيش لفظ الآية ؟ (( وعلى الله )) ؟
الطالب : وعليه فتوكلوا
الشيخ : (( وعلى الله فتوكلوا )).
الطالب : (( إن كنتم مؤمنين )).
الشيخ : وش وجه كونه من الفرائص؟
الطالب : لأنه علق الإيمان بعد التوكل.
الشيخ : طيب.
القارئ : " الثانية أنه من شروط الإيمان "
الشيخ : طيب، يؤخذ أحمد ؟
الطالب : من قوله تعالى: (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلونهم وإذا تليت عليهم آياته )).
الشيخ : من شروط الإيمان؟
الطالب : في آخرها يقول: (( وعلى ربهم يتوكلون)).
الشيخ : توافقونه على هذا ؟
الطالب : لا.
طالب آخر: من قوله (( إن كنتم مؤمنين)).
الشيخ : من قوله: (( إن كنتم مؤمنين ))، طيب.
القارئ : " الثالثة تفسير آية الأنفال ".
الطالب : أيش الفرق بين الأولى والثانية ؟
الشيخ : نعم، تفسير آية الأنفال، قلنا (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم )) فسرناها، وقلنا: المراد بالإيمان هنا الإيمان الكامل، إذ أن الإنسان يكون مؤمنا وإن لم يتصف بهذه الصفات، لكن يكون معه مطلق الإيمان، نعم.
القارئ : " الرابعة تفسير الآية في آخرها "
الشيخ : أيها ؟
الطالب : (( وعلى ربهم يتوكلون )).
الشيخ : لا، " تفسير الآية في آخرها ".
الطالب : (( يا أيها النبي حسبك الله )).
الشيخ : طيب، ما معناها ؟ وش معناها؟
الطالب : (( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك ))، يعني: حسب من اتبعك من المؤمنين ... .
الشيخ : والحسب بمعنى ؟
الطالب : الكافي.
الشيخ : (( ومن اتبعك )) يعني وحسب من اتبعك، هذا هو القول الراجح. طيب.
القارئ : " الخامسة تفسير آية الطلاق "
الشيخ : ما هي ؟
الطالب : آية الطلاق؟
الشيخ : نعم. زيد؟
الطالب : (( ومن يتوكل على الله فهو حسبه )).
الشيخ : نعم، (( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ))، ما معناها؟
الطالب : يعني أن من يتوكل على الله فهو كافيه.
الشيخ : فالله تعالى يكفيه، والتوكل معروف أنه الاعتماد على الله؟
الطالب : في جلب المنافع ودفع المضار مع فعل الأسباب ...
الشيخ : نعم ، طيب
القارئ : " السادسة: عظم شأن هذه الكلمة، وأنها قول إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم في الشدائد "
الشيخ : ما هي الكلمة ؟
الطالب : حسبنا الله ونعم الوكيل.
الشيخ : حسبنا الله ونعم الوكيل، طيب.
نعم. فيه مسائل، فيه مسائل في الباب غير الله معنا.
الطالب : المسائل ما هي من الفوائد ؟
الشيخ : أيه، بمعنى الفوائد، نعم.
فيه مسائل أيضا زيادة الإيمان، لقوله: (( فزادتهم إيمانا ))، وكذلك أيضا في آية الأنفال: (( وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا )).
فيه أيضا أنه عند الشدائد ينبغي للإنسان أن يعتمد على ربه جل وعلا، يتبرأ من حوله وقوته ويعتمد على ربه، لكن مع فعل الأسباب أيضا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه قالوا ذلك عندما قيل لهم: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، ولكنهم فوضوا أمرهم إلى الله، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فالشيء الذي يمكنك أن تفعل أسبابه افعله، والذي لا يمكن فوضه إلى ربك، ولكن اصدق الاعتماد عليه فإنه يكفيك، نعم.
2 - شرح قول المصنف : فيه مسائل الأولى: أن التوكل من الفرائض.الثانية: أنه من شروط الإيمان. الثالثة: تفسير آية الأنفال. الرابعة: تفسير الآية في آخرها. الخامسة: تفسير آية الطلاق.السادسة: عظم شأن هذه الكلمة، وأنها قول إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم في الشدائد. أستمع حفظ
شرح قول المصنف : باب قول الله تعالى : (( أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ))
قوله: (( أفأمنوا )) الضمير يعود على أهل القرى، لأن الآية قبلها آيات (( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون )) أمِنوا ولا لأ ؟ هم أمِنوا ؟ لا، قصدي وهم نائمون، الجملة الحالية هذه تدل على أمنهم في بلادهم؟ نعم، لأن الخائف لا ينام (( أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون )) أيضا تدل على كمال الأمن والرخاء وعدم الضيق، لأنهم لو كان عندهم ضيق في عيش لذهبوا يطلبون العيش، ما صاروا في الضحى في رابعة النهار يلعبون، فدل أنهم في رخاء كامل ورزق ورغد، ما صاروا يلعبون في الضحى (( أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون )) بعدها ؟ (( أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون )). والاستفهامات هنا كلها للإنكار والتعجب من حال هؤلاء، للإنكار والتعجب، هم نائمون وفي رغد وهم مقيمون على معاصي الله واللهو، ذاكرون لترفهم، غافلون عن ذكر خالقهم، ولهذا في الليل نوم، ولا تهجد ؟ نوم، وفي النهار لعب، هذه حالهم والعياذ بالله، فبين الله عز وجل أن هذا من مكره بهم، ولهذا قال: (( أفأمنوا مكر الله ))، وهذا كما قلت للتعجب والإنكار، ثم ختم الآية بقوله: (( فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ))، الذين ينعمون في النعم والرغد والترف يظن أنه رابح وهو في الحقيقة؟ خاسر، ولهذا قال: (( فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون )) فلا تظن أن الله إذا أنعم عليك النعم من كل ما شئت أطعمك من جوع، وآمنك من خوف، وكساك من عري، لا تظن أنك رابح وأنت مقيم على معصيته، بل أنت خاسر، ولهذا قال: (( فلا يأمر مكر الله إلا القوم الخاسرون )) هذا معنى الآية، وقوله: (( أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم )) هذا الاستثناء أيش ...؟ لأيش؟ للحصر، وذلك لأن ما قبله مفرغ له أو لا ؟ فالجملة لم تستوف أركانها، الجملة اللي قبل إلا لم تستوف أركانها، ... فيها ؟ ... فاعل، فالقوم فاعل والخاسرون صفته.
قوله تعالى: (( أفأمنوا مكر الله )) ما معنى الأمن من مكر الله ؟ الأمن من مكر الله الإقامة على معصيته مع وفور نعمه، هذا الأمن من مكر الله، إذا طبقنا هذه الحال على حال كثير من الناس اليوم، إذا طبقنا هذه الآية على كثير من أحوال الناس اليوم نجدها منطبقة تماما، تجدهم والعياذ بالله نائمون في فرشهم عن صلاة الفجر، تجدهم لاعبون في ضحاهم عن ذكر مولاهم، حتى الصلوات الفرائض ما يصلونها، والعياذ بالله، لا يصلونها، وأظن أني حدثتكم حديثا بلغني عن طريق الهاتف: أن أهل بيت كانوا والعياذ بالله على غاية ما يكون من الاستكبار، وكان من بينهم شاب أصلحه الله صالح، يقيم الصلاة، ويمشي مع أهل الخير، وهم ينهونه فلا ينتهي، لأنه قد شب وكبر، أما الصغار الذين دونه فإنهم يزجرونهم إذا صلوا، ويوبخونهم على عمل الخير، هذا الشاب ماذا يفعلون به؟ فزين لهم الشيطان أن يبتعثوه إلى بلاد خارجية كافرة، فزينوا ذلك له فانبعث، وبقي هناك سنتين، فلما جاء وإذا هو قد أتى بقلب غير ما ذهب به العباذ بالله، فتن، فقالوا هذا الذي نريد، هؤلاء يقول هذا الذي بلغني إنهم من أغنى أهل البلد الذي هم فيهاـ أغنياء أثرياء، هؤلاء لا شك أنهم داخلون في الآية، أمنوا مكر الله فهم خاسرون، والعياذ بالله، وهكذا كل من أنعم الله عليه بالنعم وهو مقيم على معصيته، فإنه آمن مكر الله، لأن الله استدرجه من حيث لا يعلم، وأملى له من حيث لا يعلم، وكاد له من حيث لا يعلم. وفي قوله عز وجل: (( أفأمنوا مكر الله )) دليل على أن لله تعالى مكرا، والمكر ما هو ؟ المكر هو: التوصل إلى الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، هذا المكر، عرفتم ؟ التوصل إلى الإيقاع به، يعني: بتلفه أو ضرره أو نقصه أو ما أشبه ذلك، المهم أن توقع به شيئا من حيث لا يشعر، لأنه إذا شعر ما صار مكرا، ومنه ما جاء في الحديث: ( الحرب خدعة )، ويقال: إن علي بن أبي طالب لما خرج إلى مبارزة عمرو بن ود، والتقيا صرخ به علي رضي الله عنه فقال: ( ما خرجت لأبارز رجلين ) فالتفت عمرو يحسب أنه جاء معه واحد ثان، لما التفت انتهز علي الفرصة فقطع رأسه، هذا مكر ولا لأ؟ أي نعم، مكر لكن جائز، يعني هذا الرجل ما خرج إلا ليقتله، فأراد أن يخدعه فخدعه بهذا. فالحاصل أن المكر في الأصل الإيقاع بأيش؟ بالخصم، التوصل إلى الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر.
فإذا قال قائل : كيف يوصف الله بالمكر مع أن المكر في ظاهره مذموم ؟
فالجواب على ذلك أن يقال: إن المكر في محله محمود، يدل على قوة الماكر، وأنه غالب على خصمه، فالمكر في موضعه لا شك أنه محمود، وأنه من صفات الكمال، ولهذا ما يوصف الله به عز وجل على سبيل الإطلاق، ما يجوز أن تقول: إن الله ماكر، ولا يجوز أن تقول: إن من أسماء الله الماكر مثلا، فلا تصفه بالمكر على الإطلاق، ولا تسميه بالماكر، وإنما تذكر هذه الصفة في مقام تكون فيه مدحا، مثل قوله تعالى: (( ويمكرون ويمكر الله )) (( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ))، وهكذا مثل هذه الآية (( افأمنوا مكر الله ))، وعلى هذا فالمكر من الصفات التي لا يوصف الله بها على سبيل الإطلاق، ولا تنفى عنه على سبيل الإطلاق، بل إنها في المقام الذي تكون فيه مدحا يوصف بها، وفي المقام الذي لا تكون مدحا لا يوصف بها، بخلاف الخيانة، الخيانة ما يوصف الله بها مطلقا، لأن الخيانة ذم بكل حال، إذ أنها مكر في موضع الائتمان، والمكر في موضع الإئتمان مذموم ولا محمود ؟ مذموم، ولهذا قال الله عز وجل: (( ذلك بأنهم خانوا الله من قبل )) ويش بعده؟ (( فأمكن منهم )) ولا قال فخانهم، (( خانوا الله من قبل فأمكن منهم ))، أما الخداع قال (( يخادعون الله وهو خادعهم )). فالحاصل: أن المكر من الصفات التي لا يوصف الله بها على الإطلاق، ولا تنفى عنه على الإطلاق، بل يوصف بها حيث تكون مدحا، وتنفى عنه حيث تكون ذما.
وقوله سبحانه وتعالى: (( أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله )) السؤال الآن: هل المكر من الصفات الذاتية أو الفعلية ؟ الفعلية، لأنها تتعلق بمشيئته.
يستفاد من هذه الآية الكريمة - يرحمك الله - الحذر من النعم التي يجلبها الله للعبد لئلا تكون استدراجا، لأن كل نعمة فلله عليك فيها وظيفة، ما هي الوظيفة ؟
الطالب : الشكر.
الشيخ : الشكر، وهو القيام بطاعة المنعم، فإذا لم تقم بطاعة المنعم مع توافر النعم عليك، فاعلم أن هذا من مكر الله فاحذر، نعم، أيش سؤالك ؟
الطالب : ... الكبر في صفات الله محمود، وفي غير الله مذموم.
الشيخ : أي نعم.
الطالب : ما يصير المكر مثله؟
الشيخ : لا، المكر ليس مثله، لأن المكر يقع من بني آدم، أما، نعم؟
السائل : محمود حتى من بني آدم؟
الشيخ : أي نعم، محمود من بني آدم إذا كان في محله، فمثلا ما ذكر عن علي بن أبي طالب يعتبر؟
الطالب : محمود.
الشيخ : يعتبر محمودا، لا شك فيه، كل ما وقع فإنه محمود، الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها، لئلا يعلم به أعداؤه، إلا في غزوة تبوك كما هو معروف.
فالحاصل أن المكر صفة مدح في مقامه.
الطالب : هذه ما تعد مكرا.
الشيخ : كيف ما تعد مكرا؟ إذا كان هناك قوم منابذون كهؤلاء الجماعة، وخرجوا يريدونهم، ولكن ما أخبروا أحدا، قالوا نريد مثلا جهة أخرى، لأن هؤلاء ... أنهم يأتونهم، فهو نوع من المكر، صحيح أنه ما ... لكنه نوع منه.
الطالب : لكن من قال أن هذا خاص ...
الشيخ : أيها ؟
الطالب : ...
الشيخ : ... كان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها إلا في تبوك.
الطالب : إلا في تبوك.
الشيخ : نعم، أما في غزوة الفتح فإنه الرسول صلى الله عليه وسلم سأل الله دعا أن الله يعمي الأخبار عن قريش حتى يبغتها في بلادها
الطالب : بالنسبة ... .
الشيخ : نعم.
الطالب : ... .
الشيخ : لا، هو كل بني آدم ائتمنهم الله على العهد، فالعهد الذي يكون بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أن هذا ائتمان، فالأصل أن من عقدنا معه عهدا الأصل أننا أمِناه على ذلك وإلا لما عقدنا معه عهدا، ولهذا حتى الذين عقد معهم العهد إذا خفنا منهم الخيانة نبذنا إليهم عهدهم (( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء )).
الطالب : ...
الشيخ : ... ولهذا لما علم أمكن منهم، وخيانتهم لله عز وجل ما هي خيانة لله نفسه، لكن خيانة لرسوله عليه الصلاة والسلام
الطالب : ... .
الشيخ : نقول إن هذه الخيانة لما كانت خيانة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانت خيانة لله، مثل ما أن مبايعة الصحابة للرسول كانت مبايعة لله عز وجل.
إذن اللي صار في هذه الآية تحريم الأمن من مكر الله، ووجه الدلالة: أن الله تعالى صاغ هذه الجملة بصيغة الاستفهام الدال على الإنكار والتعجب هذا وجه، والوجه الثاني: قوله (( فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون )). إذن ما الذي يعلمني أن هذه النعم مكر أو ليست بمكر ؟ وش اللي يدريني إنها مكر ولا غير مكر ؟
الطالب : إذا لم يؤدي شكرها علمت أنها مكر.
الشيخ : أي، صح، إذا كان لم يؤد شكرها فهي مكر، إذا كان يؤدي شكرها فهي نِعَم ومنح.
3 - شرح قول المصنف : باب قول الله تعالى : (( أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون )) أستمع حفظ
شرح قول المصنف : وقوله : (( قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون )) .
أما الثاني (( ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون )) نشوف الكلام على ألفاظه، (( من يقنط )) من اسم استفهام، وليست شرطية، لأن الفعل بعدها مرفوع، ولو كانت شرطية لجزم، ثم إنها لم تستكمل الجواب.
وقوله (( من يقنط من رحمة ربه )) ما معنى القنوط؟ القنوط قال أهل العلم: إنه أشد اليأس، اليأس له درجات، إذا بلغ الدرجة العليا سمي قنوطا، لأن الإنسان يقنط ويستحسر ويبعد الرجاء والأمل.
وقوله (( من رحمة ربه )) هذا رحمة مضاف إلى الفاعل، ومفعولها محذوف، والتقدير من رحمة ربه إياه.
وقوله (( إلا الضالون )) إلا أداة حصر، لأن الاستفهام في قوله (( ومن يقنط )) يراد به النفي، ولهذا نقول: إلا أداة حصر والضالون فاعل يقنط، يعني: لا يقنط من رحمة الله إلا الضالون، الضال بمعنى فاقد الهداية التائه الذي لا يدري ما يجب لله عز وجل، مع أنه سبحانه وتعالى قريب الغِير، ولهذا جاء في الحديث ( عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَره، ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب ).
أما معنى الآية، فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما بشره الملائكة بغلام عليم قال لهم: (( أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون )) يعني: أنه عليه الصلاة والسلام استبعد أن يكون الولد وقد بلغ الكبر وامرأته كذلك كانت عاقرا كبيرة، فاستبعد ذلك وقال: (( فبم تبشرون ))، يعني هل تبشرون بأمر محقق واقع فأنا أستبعد ذلك، (( قالوا بشرناك بالحق )) يعني: بالصدق الذي لا بد أن يقع (( فلا تكن من القانطين )) يعني: لا تستبعد رحمة الله عز وجل، ولا تيأس من رحمة الله، فإن الله تعالى على كل شيء قدير، وكم من إنسان بلغ من الكبر عتيا لم يرزق أولادا فرزقه الله عز وجل، فلهذا لا يجوز للإنسان أن يقنط من رحمة الله، فقال لهم: (( ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون )) يعني وأنا والحمد لله مهتد وعالم، لكن أريد أن أتحقق من الأمر، وأزداد يقينا وطمأنينة، وهذا مثل قول زكريا عليه الصلاة والسلام، أيش قال زكريا لما بشره الله عز وجل؟ (( قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا )) فهذا لا ينافي اليقين، لكنه يراد به زيادة أيش؟ الطمأنينة، كقول إبراهيم (( رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )).
إذن فهمنا أن القنوط من رحمة الله أيش؟ لا يجوز وأنه ضلال، وذلك لأنه سوء ظن بالله عز وجل، سوء ظن بالله من جهتين: الجهة الأولى: أنها طعن في قدرته، فإن من علم أن الله على كل شيء قدير لم يستبعد شيئا على قدرة الله.
والثاني: أنها طعن في رحمته، لأن من علم أن الله سبحانه وتعالى رحيم ما يستبعد أن يرحمه الله عز وجل، فلهذا كان القانط ضالا، القانط من رحمة ربه ضال.
فإذا قال قائل: ما هو القنوط من رحمة الله ؟ قلنا هو أشد اليأس، بحيث يستبعد الإنسان حصول مطلوبه أو كشف مكروبه. حطوا بالكم يعني أن القنوط يدور على أمرين: يستبعد الإنسان حصول مطلوبه أو كشف مكروبه، يدور على هذا، القنوط يدور على هذا الأمر، فأنت لا تستبعد يا أخي أن يأتي الله بمطلوبك ولا تستبعد أن يكشف الله مكروبك، فكم من إنسان وقع في كربة وظن أنه لا نجاة له منها، فكشف الله تعالى كربته، إما بعمل سابق له أو بعمل لاحق، العمل السابق مثل ما وقع ليونس، يونس وقع في بطن الحوت في ظلمات البحر، قال الله عز وجل (( فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون )) هذا نجا بعمل سابق، والذين نجوا بعمل لاحق كثير، كدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على الأحزاب ليلة الأحزاب، ودعائه في بدر، هذا أُنجوا بعمل لاحق، وهو الدعاء، وكذلك أصحاب الغار الذين انطبق عليهم الغار، فإنهم لهم أعمال صالحة، لكنها ما دفعت عنهم هذه الأعمال الصالحة حتى دعوا الله بها وتوسلوا بها إلى الله سبحانه وتعالى.
الطالب : شيخ يونس ما هو ...؟
الشيخ : لا، أعم ، كان في الماضي، (( كان من المسبحين للبث في بطنه )).
السائل : قال : (( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )).
الشيخ : أي، هذه منها، لكنها تدل على الماضي، ولهذا لما قال (( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم )) فأتى بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب، وأن هذا أعقب تسبيحه، لكن كان الدالة على الماضي تدل على أن هذا شيء سابق.
الآن نقول ما هو القنوط ؟ أشد اليأس، ويكون في استبعاد حصول المطلوب أو كشف المكروب، وكل ذلك محرم، والواجب على الإنسان أن يحسن الظن بالله إذا وجد معه سبب إحسان الظن، أن يحسن الظن إذا وجد معه السبب. نعم؟
الطالب : ...
الشيخ : مثل أيش؟
الطالب : ...
الشيخ : لأ، لأن هذا أصلا ما فيه رجاء حتى ييأس، يعني ما فيه رجاء حتى ييأس، فلهذا ما نقول، أو مثلا إنسان مات ما يمكن يرد، لأن هذا ما فيه رجاء حتى نقول إنك يأست وقنطت، أي نعم.
فتبين الآن أن المؤلف رحمه الله أراد في هذا الباب أن يكون الإنسان جامعا بين الخوف فلا يأمن مكر الله، وبين الرجاء فلا يقنط من رحمته، لأن القنوط من رحمة الله يستحسر به الإنسان ولا يدعو وتضيق عليه الدنيا، وربما والعياذ بالله يكفر، خصوصا الذي يعبد الله على حرف إن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه.
والأمن من مكر الله يوجب للإنسان أن يطغى ويزيد ويرى أنه استغنى ولا يبالي بإضاعة حق الله، فكل منهما على طرفي نقيض، والإنسان يجب أن يكون بين الخوف والرجاء فلا يأمن مكر الله ولا يقنط من رحمته.
القنوط من رحمته كَلْمٌ في جانب الرجاء أو لا ؟ والأمن من مكره كلمٌ في جانب الخوف.
وأنا أقول لكم إن أعمال القلوب أشد من أعمال الجوارح، أعمال الجوارح يستطيع الإنسان بكل سهولة أن يفعلها، يستطيع الإنسان مثلا في الصلاة أن يقف ولا يتحرك، وأن يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وأن يركع مستوي الظهر إلى آخر ما تعرفونه من صفات الصلاة، يستطيع؟ وبكل سهولة، لكن أعمال القلوب من المحبة لله والتعظيم له والخوف منه والرجاء له هذا أمر صعب جدا جدا، حتى إن بعض السلف يقول : " ما عالجت نفسي على شيء معالجتها على الإخلاص " على الإخلاص الذي هو لب العبادة، الواحد منا يرى أنه ما شاء الله أكمل الناس إخلاص وتوكل وما أشبه ذلك لكن لو ينظر ويلتفت قليلا وجد أن القلب كله خروق يحتاج إلى من يرقعه، فأعمال القلوب أنا أحثكم ونفسي أو أبدأ بنفسي في الحقيقة على اعتبارها وملاحظتها دائما، وأظن والله أعلم أن الله ما شرع الطاعات إلا كالسور للحديقة، حماية للأصل الذي هو القلب، لأن الطاعات بمنزلة السور تحفظ القلب، فإذا اعتنى الإنسان بالسور لكن أهمل الحديقة، أيش الفايدة ؟ فلهذا يجب علينا أننا نعتني بأعمال القلوب اعتناء كاملا.
ثم إن هذا المقام أعني جانب الخوف والرجاء تقدم الكلام عليه، وأن أهل العلم اختلفوا: هل يغلب جانب الرجاء أو جانب الخوف؟ فمنهم من قال: يغلب جانب الرجاء، ومنهم من قال: يغلب جانب الخوف، ومنهم من قال: يجب أن يكونا سواء، وأنهما للإنسان في سيره إلى ربه بمنزلة الجناحين للطائر، إذا انكسر أحدهما سقط الطائر، ومنهم من قال: في حال الصحة تغلب جانب الخوف حتى تستقيم، وفي حال المرض تغلب جانب الرجاء، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله )، ومنهم من فرق بين فعل الطاعة والمعصية، فقال: إذا فعلت الطاعة فغلب جانب الرجاء، لأنك فعلت ما أمرت به وما بقي إلا فضل الله وثوابه، وإذا هممت بالمعصية فغلب جانب الخوف حتى ترتدع عنها.
وعلى كل حال الإنسان في الحقيقة طبيب نفسه ما دام أنه فطن وكيّس وحازم ويتدبر قلبَه دائما فهو طبيب نفسه، يستطيع المسير إلى الله عز وجل على ما يكون صلاحا له، ولا يستطيع الإنسان أن يجعل من هذا الأمر قاعدة عامة، فإن بعض الناس قد لا يصلحه إلا الخوف مطلقا، وبعضهم قد لا يصلحه إلا الرجاء مطلقا، فلكل مقام مقال، ولكنه في الأصل نذهب إلى ما ذهب إليه الإمام أحمد، قال: " ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدا، فأيهما غلب هلك صاحبه "، وهو ظاهر كلام المؤلف أيضا، ظاهر صنيع المؤلف رحمه الله شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب ظاهر صنيعه أيضا أنه يكون خوفه ورجاؤه واحدا، لأنه جمع بين الآيتين.
الطالب : ...
الشيخ : يمكن أيش؟
الطالب : ...
الشيخ : أي.
الطالب : ... .
الشيخ : لا، لا بد، أيهما أغلب، لا بد، إذا لم يخف وقع في المعصية ، لا بد من الخوف، ولا بد من الرجاء أيضا.
الطالب : ...
الشيخ : هذا باب الخوف والرجاء.
شرح قول المصنف : وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : سئل عن الكبائر ؟ فقال : ( الشرك بالله , واليأس من روح الله , والأمن من مكر الله ) .
(( ومن يقنط من رحمة ربه )) فيها إثبات الرحمة لله أو لا ؟ وهي صفة حقيقية على الوجه اللائق بالله، وليس معناها الإحسان أو إرادته، أو إرادة الإحسان، بل الإحسان وإرادته من آثار الرحمة.
قال : " وعن ابن عباس رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر ) ". الكبائر جمع كبيرة، والمراد بها المعاصي الكبائر، وهذا السؤال يدل على أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، وقد دل على ذلك كتاب الله أيضا حيث قال الله تعالى: (( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ))، وقال سبحانه وتعالى: (( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ))، وهذا أمر لا ريب فيه أن الذنوب تنقسم إلى قسمين: كبائر وصغائر، ونفس الكبائر أيضا ليست في درجة واحدة، بعضها أكبر من بعض، فهنا جنس وهنا نوع، الجنس هو أن المعاصي على سبيل العموم صنفان: كبائر وصغائر، والنوع أن الكبائر بعضها أكبر من بعض، والصغائر أيضا بعضها أصغر من بعض.
طيب، الكبائر اختلف العلماء فيها هل هي محدودة أو معدودة؟ فقال بعضهم إنها معدودة وصار يعددها ويتتبع النصوص الواردة في ذكر الكبائر، ويكتب ما ورد أنه كبيرة. وقال بعض العلماء إنها محدودة بحد لا بعدد، ورأيت لشيخ الإسلام كلاما حدها فيه، فقال : " كل ما رتب عليه عقوبة خاصة فهو من كبائر الذنوب " سواء كانت العقوبة هذه في الدنيا أو في الآخرة، وسواء كانت العقوبة بفوات محمود أو بحصول مذموم، المهم كل ذنب رتب عليه عقوبة خاصة، فهو من الكبائر، وهذا واسع جدا، لأنه يشمل ذنوبا كثيرة، ووجه ما قاله رحمه الله أنه يقول: المعاصي قسمان، قسم نهي عنه فقط، ولا ذكر عليه وعيد، فعقوبة هذا تأتي بالمعنى العام للعقوبات، يعاقب عقوبة عامة، وهذه معصية مكفَّرة ولا لأ ؟ مكفرة بفعل الطاعات، كما جاء في الحديث الصحيح: ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر )، وكما جاء أيضا في ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما )، وكذلك أيضا في الوضوء يكفر الله به الخطايا، وغير ذلك، هذه نعتبرها أيش؟ صغائر، أما ما رتب عليه عقوبة خاصة مثل لُعن فاعله، أو ذكر أن الله يغضب عليه، أو كان فيه حد في الدنيا، أو كان فيه تبرؤ من فاعله، أو نفي الإيمان عنه، أو ما أشبه ذلك، المهم أنه ذُكر له عقوبة خاصة فإنه يعتبر من الكبائر، لكن الكبائر تختلف بعضها أكبر من بعض، منها كبائر فواحش ومنها كبائر دون ذلك، هذه الكبيرة.
سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكبائر، والسائل عن الكبائر يا إخوانا ليس قصده أن يعرف ما هي الكبيرة فقط، قصده أن يعرفها، لماذا؟ ليتجنبها، خلافا لحال كثير من الناس اليوم يسألون عن الأشياء لأجل العلم فقط، ولذلك نقصت بركة علمهم حيث أنهم لا يريدون إلا أن يعرفوا ذلك نظريا أما عمليا وتطبيقا فإن هذا قليل جدا في كثير من الناس اليوم، وهم كما قال ابن مسعود رضي الله عنه : " قراء وليسوا فقهاء "، القراء كثير لكن الفقهاء قليل، فالصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن المسائل لأجل أن يأخذوا بها إن كانت طلبا فعلوه، وإن كانت نهيا اجتنبوه.
فقال صلى الله عليه وسلم : ( الشرك بالله ) ولا شك أن الشرك أكبر الكبائر، لأن أعظم .. حتى تسخير الأم والأب لك من أين؟ من الله عز وجل، هو الذي أمدك بهذا، الأكل والشرب واللباس والمسكن كل ذلك من الله، هو الذي أمدك به، فالإيجاد والإعداد والإمداد كله من الله وهو أصل ..
" يخشى على العبد من خلقين ذميمين، أحدهما: أن يستولي عليه الخوف حتى يقنط من رحمة الله وروحه، والثاني: أن يتجارى به الرجاء حتى يأمن مكر الله وعقوبته، ومن بلغت به الحال إلى هذا فقد ضيع واجب الخوف والرجاء اللذين هما من من أكبر أصول التوحيد ... " الأخير هو اللي فيه الفائدة " وللقنوط من رحمة الله واليأس من روحه ... محذوران، أحدهما: أن يسرف العبد على نفسه ويتجرأ على المحارم ويصر عليها، ويصمم على الإقامة على المعصية، ويقطع طمعه من رحمة الله، لأجل أنه مقيم على الأسباب التي تمنع الرحمة، فلا يزال كذلك حتى يصير له هذا وصفا وخلقا لازما، وهذا غاية ما يريده الشيطان من العبد، ومتى وصل إلى هذا الحد لم يرج له خير إلا بتوبة نصوح وإقلاع عن قوله. الثاني: أن يقوى خوف العبد بما قرفت يداه من الجرائم، ويضعف أمله بالله من واسع الرحمة والمغفرة، ويظن بجهله أن الله لا يغفر له ولا يرحمه ولو تاب وأناب، وتضعف إرادته فييأس من الرحمة، وهذا من المحاذير الضارة الناشئ عن ضعف علم العبد بربه وما له من الحقوق، ومن ضعف النفس وعجزها ومهانتها، فلو عرف هذا ربه ولم يخلد إلى الكسل لعلم أن أدنى سعي يوصله إلى ربه وإلى رحمته وجوده وكرمه.
وللأمن من مكر الله أيضا سببان مهلكان، أحدهما: إعراض العبد عن الدين وغفلته عن معرفة ربه وما له من الحقوق، وتهاونه بذلك، فلا يزال معرضا غافلا مقصرا عن الواجبات منهمكا في المحرمات حتى يضمحل خوف الله من قلبه، ولا يبقى في قلبه من الإيمان شيء، لأن الإيمان يحمل على خوف الله وخوف عقابه ... .
السبب الثاني: أن يكون العبد عابدا جاهلا معجبا بنفسه مغرورا بعمله، فلا يزال به جهله حتى يُدِل بعمله ويزول الخوف عنه، ويرى أن له عند الله مقامات عالية فيصير آمنا من مكر الله متكلا على نفسه الضعيفة المهينة، ومن هنا يسلب ويحال بينه وبين التوفيق، إذ هو الذي جنى على نفسه، وبهذا التفصيل تعرف ... ".
طيب، اليأس من رحمة الله حكمه محمد ؟ من أي الأقسام الصغائر ولا الكبائر ؟
الطالب : من الكبائر.
الشيخ : من الكبائر.
طيب، اليأس من روح الله ثمرته ونتيجته أن الإنسان يستحسر ولا يعمل الأسباب النافعة، لأنه آيس، ولهذا إن استولى عليه اليأس، والعياذ بالله، وقف مكانه لا يتقدم من الخير، ولا يحاول أن يتخلص من الشر، لكن إذا كان عند الإنسان قوة رجاء وعمل الأسباب حصل له الخير الكثير.
أما الأمن من مكر الله فإن ثمرته أن يستمر الإنسان على معصيته وعلى تفريطه في الواجبات، لأنه آمن من أن الله سبحانه وتعالى يمكر به فتجده مصرا على ما هو عليه.
فالفرق بينهما إذن أن الأول يائس من رحمة الله تعالى قانط جاهل بربه، والثاني أيضا مُدل على ربه بعمله معجب به، يرى أن هذه النعم أعطاه الله إياها لأنه كفؤ لها، ولا .. بذلك ، فكلا الأمرين لا شك أنه مناف للتوحيد، لأنه سوء ظن بالله سبحانه وتعالى أو جهل به، وكلاهما مما ينافي التوحيد.
وأظننا قرأنا حديث ابن عباس؟
الطالب : ليس كاملا، بعضه.
الشيخ : نعم ؟ سئل عن الكبائر، فقال : ( الشرك بالله ) الشرك بالله هنا مطلق ما قيد، فإما أن يراد به الشرك الأصغر والأكبر، وهو ظاهر الإطلاق، وإما أن يراد به الشرك الأكبر فقط، والظاهر أن المراد به الشرك الأصغر والأكبر، لأن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، قال ابن مسعود رضي الله عنه : " لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا " وذلك لأن سيئة الشرك أعظم من سيئة الكذب، فدل هذا على أن الشرك من الكبائر مطلقا.
والشرك بالله يتضمن الشرك بربوبيته أو بألوهيته أو بأسمائه وصفاته.
الثاني: ( اليأس من روح الله ) الروح قريب من معنى الرحمة، وهو الفرج والتوفيق، ييأس الإنسان من روح الله، أي: من فرجه وتوفيقه، فتجده قانطا لا يتجه إلى ربه ولا يسأله، لأنه آيس، والعياذ بالله، واليأس ليس معه عمل، فهو من كبائر الذنوب، لأنه ينتج عليه مسائل سيئة.
ثالثا: ( الأمن من مكر الله ) بحيث يبقى الإنسان على معصية ربه مع ... إياه بالنعم (( والذين كفروا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين ))، فالمهم أن الأمن من مكر الله من كبائر الذنوب، هذه ثلاثة.
وقوله ( سئل عن الكبائر فقال ) كذا، ظاهر الجواب والسؤال أن هذا على سبيل الحصر، وليس كذلك، لأن هناك كبائر غير هذه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يجيب كل سائل بما يناسب حاله، فلعله عليه الصلاة والسلام رأى أن هذا السائل عنده شيء من الأمن من مكر الله، أو اليأس من روح الله، فأراد أن يبين له ذلك. وهذه مسألة ينبغي أن يتفطن لها الإنسان حين ... النصوص الشرعية مما ظاهره التعارض، حيث يحمل كل واحد منها على الحال المناسبة، لئلا يقع التعارض في كلام الله ورسوله، فيحمل كل شيء على حال.
فإذا قال قائل: الكبائر أكثر من هذه؟ قلنا نعم، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام قد يجيب السائل بحسب ما تقتضيه حاله.
5 - شرح قول المصنف : وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : سئل عن الكبائر ؟ فقال : ( الشرك بالله , واليأس من روح الله , والأمن من مكر الله ) . أستمع حفظ
شرح قول المصنف : وعن ابن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال : ( أكبر الكبائر : الإشراك بالله , والأمن من مكر الله , والقنوط من رحمة الله , واليأس من روح الله ) رواه عبد الرازق .
ثانيا: ( الأمن من مكر الله ) وقد سبق تفسيره، وهو استمرار الإنسان على معصية الله مع وفور النعمة عليه.
( والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله ) القنوط من رحمة الله تقدم أن القنوط أشد اليأس، كما قاله أهل اللغة. وأما الرحمة فالمراد بها أن الإنسان يقنط من أن الله يرحمه، ويستبعد رحمة الله سبحانه وتعالى، وهذا من الكبائر لما يقتضيه من سوء الظن به جل وعلا.
أما اليأس من روح الله فقد قلنا إن المعنى استبعاد الإنسان فرج الله تعالى وتوفيقه، فيكون هذا خاصا بإزالة الكروب، الكلام من ابن مسعود لأجل أن لا يتكرر الكلام، والقنوط هو أن يستبعد الإنسان حصول المطلوب، وإنما لجأنا إلى ذلك لئلا يكون في كلام ابن مسعود تكرار، فنقول: اليأس من روح الله أيش ؟ استبعاد زوال المكروه، والقنوط استبعاد حصول المطلوب، هذا في كلام ابن مسعود لئلا يحصل التكرار في كلامه، فإذا أمكن أن يحمل الكلام على التأسيس فهو أولى من أن يكون على سبيل التأكيد.
خلاصة الباب الآن: أن السائر إلى الله سبحانه وتعالى يعتريه شيئان يعوقانه عن الوصول إلى ربه، وهما: الأمن من مكر الله، والقنوط من رحمته، فإذا أصيب بالضراء، أو ضاقت عليه الأمور التي يحب تجده إن لم يتداركه الله يستولي عليه أيش ؟ القنوط ويستحسر ويستبعد الفرج ولا يسعى في أسبابه. وأما الأمر الثاني وهو الأمن من مكره الإنسان المقيم على معصية الله مع إسباغ النعم عليه، تجده يعجب بنفسه، ويرى أنه على حق، ويقول: لا، لولا أني على حق ما أغدق الله علي النعم، لأن الله يقول (( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض )) فكون الله سبحانه وتعالى يعطيني دليل على أنه راض عني، فيُدل بعمله على ربه، ويرى أنه الرجل القائم بطاعة الله المتجنب لمعصيته، وهذا صحيح لو كان الإنسان على هذا الوصف، لكن إذا كان على معصية الله فلا ريب أن النعم استدراج من الله سبحانه وتعالى ومكر به.
6 - شرح قول المصنف : وعن ابن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال : ( أكبر الكبائر : الإشراك بالله , والأمن من مكر الله , والقنوط من رحمة الله , واليأس من روح الله ) رواه عبد الرازق . أستمع حفظ
شرح قول المصنف : فيه مسائل: الأولى: تفسير آية الأعراف. الثانية: تفسير آية الحجر. الثالثة: شدة الوعيد فيمن أمن مكر الله. الرابعة: شدة الوعيد في القنوط.
" الثانية تفسير آية الحجر " (( قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون )).
" الثالثة شدة الوعيد فيمن أمن مكر الله "، وينه؟
الطالب : ...
الشيخ : أو الحديثين أنه من أكبر الكبائر.
" الرابعة شدة الوعيد في القنوط " وهو أيضا مأخوذ من الأحاديث التي ذكرها المؤلف.
ثم قال : " باب من ".
الطالب : ما يؤخذ من الآية يا شيخ؟
الشيخ : هاه؟
الطالب : ما يؤخذ من الآية آية الأعراف؟
الشيخ : الوعيد؟
الطالب : الأمن؟
الشيخ : الأمن من مكر الله ؟ يمكن يؤخذ ...
الطالب : شيخ ... ؟
الشيخ : لا، ما رُتب عليه عقوبة خاصة.
الطالب : ...
الشيخ : نعم.
الطالب: ...
الشيخ : نعم.
الطالب : ...
الشيخ : لا، يعرف أن اللي رتب عليه عقوبة خاصة أعظم مما لم يرتب عليه بلا شك، هذا يقين، لأنه لولا أنه أعظم من غيره ما رتب عليه عقوبة خاصة.
الطالب : ...
الشيخ : أي نعم، لكن كونه له عقوبة خاصة يدل على أن هذا جنس معين، جنس مستقل، وإن كان الجنس تتفاوت أفراده أو أنواعه، حتى الزنا نفسه يتفاوت، فالزنا بحليلة الجار ليس كالزنا بالبعيدة، والزنا بذوات المحارم ليس كالزنا بغيرهن، والزنا من الشيخ الكبير ليس كالزنا من الشاب، أي نعم، فالمهم أنه لما أنه جعل له عقوبة خاصة صار معناه أنه انفرد بجنس معين، وهذه المسألة على سبيل التقريب، ولهذا كثير من السلف ما جزموا بها، تجده يقول: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع، وما أشبه ذلك.
الطالب : لأنه ينبي عليها تعريف الفاسق.
الشيخ : أي نعم، معلوم، ينبي عليها الفاسق، لكنه تقدم لنا في الفقه أن ما ذكره بعض أهل العلم من التشدد ... أنه ينبغي أن يقال هذا بحسب الإمكان، لأنه لا شك أن النميمة من كبائر الذنوب، وأن الغيبة من كبائر الذنوب، ولو أننا أخذنا بما قاله بعض أهل العلم لضيقنا على الناس.
الطالب : يعني قول الشيخ أرجح في تعريف الكبائر؟
الشيخ : والله هذا أقرب شيء عندي، هذا أقرب شيء، لأنه لا شك إذا رتب عليه عقوبة خاصة أنه جنس مستقل.
7 - شرح قول المصنف : فيه مسائل: الأولى: تفسير آية الأعراف. الثانية: تفسير آية الحجر. الثالثة: شدة الوعيد فيمن أمن مكر الله. الرابعة: شدة الوعيد في القنوط. أستمع حفظ
شرح قول المصنف : باب من الايمان بالله الصبر على أقدار الله
واعلم أن الصبر معناه الحبس، هذا في اللغة، ومنه: قتل صبرا أي محبوسا مأسورا ... .
أما في الاصطلاح فإنه حبس النفس، وذلك بحبس القلب عن التسخط، واللسان عن النطق والجوارح عن الفعل، والمراد الأفعال المحرمة والأقوال المحرمة والتسخط المحرم، وهو حبس النفس بحبس القلب عن التسخط، واللسان عن النطق، والجوارح عن الفعل، هذا هو الصبر.
وقد قسّم أهل العلم الصبر إلى ثلاثة أقسام، فقالوا: إنه صبر على طاعة الله، وصبر عن معصيته، وصبر على أقداره، قال الله تعالى: (( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك )) هذا يشمل الصبر على الأوامر، لأنه نزل عليه القرآن لأجل أن يبلغه، فيكون مأمورا بالصبر على؟ الطاعة، وقال: (( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها )) هذا أيضا صبر على طاعة الله، وقال تعالى: (( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه )) هذا صبر على طاعة الله.
وأما الصبر عن معصية الله فهو أن يكف الإنسان نفسه عن المعصية، مثل صبر يوسف عليه الصلاة والسلام عن إجابة مرأة العزيز، فإن امرأة العزيز دعته إلى نفسها في مكان لها فيها العزة والقوة والسلطة عليه، ومع ذلك صبر، وقال: (( رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين )) هذا صبر عن المعصية.
والثالث الصبر على أقدار الله، ويدخل في قوله تعالى: (( فاصبر لحكم ربك )) فإن حكم الله كوني وقدري، ومنه أيضا قوله تعالى: (( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم )) فإن هذا صبر على تبليغ الرسالة وعلى أذى قومه، ولهذا قال: (( ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون )). طيب، إذن الصبر صار ثلاثة أنواع، أيها أعلى؟ قالوا: إن الأعلى هو الصبر على الطاعة، ثم الصبر عن المعصية، ثم الصبر على الأقدار. وهذا الترتيب ترتيب له من حيث هو، لا باعتبار من يتعلق به، وإلا فقد يكون الصبر عن المعصية أشق على الإنسان من الصبر على الطاعة، إذا فتن الإنسان مثلا بامرأة جميلة تدعوه إلى نفسها في مكان لا يطلع عليه إلا الله، وهو رجل ذو شهوة وشاب، فالصبر عن هذه المعصية شاق ولا لأ؟ من أشق ما يكون، من أشق ما يكون على النفوس، يمكن الإنسان يصلي مئة ركعة أهون عليه من هذا، ولا لأ ؟ لكن من حيث هو لا شك أن الصبر على فعل المأمور أعلى من الصبر على ترك المحذور، والصبر عليهما أعلى من الصبر على المقدور، هذا من حيث هو. كذلك أيضا المقدور قد يصاب الإنسان بمصيبة يكون الصبر عليها أشق من الصبر على الطاعة، ولا لأ؟ قد يموت مثلا له قريب أو صديق أو أحد عزيز عليه جدا فتجده يتحمل من الصبر على هذه المصيبة، يتحمل مشقة عظيمة، وبهذا يندفع الإيراد الذي يورده بعض الناس، ويقول: إن هذا الترتيب فيه نظر، لأن بعض المعاصي الصبر عليها أشق من بعض الطاعات، وكذلك بعض الأقدار الصبر عليها أشق، فنقول: نحن نذكر المراتب بقطع النظر عن الصابر، نذكر المراتب من حيث هي هي.
لماذا كان الصبر على الطاعة أشق؟ لأنه يتضمن إلزاما وفعلا، الصبر يتضمن إلزام وفعل، ولا لأ؟ تلزم نفسك أن تصلي وتصلي، تلزم نفسك أن تحج فتحج، ففيه إلزام وفعل حركة، نوع من التعب والمشقة، ثم الصبر عن المعصية وش اللي فيه؟ كف فقط، إلزام النفس بالكف ما فيه حركة اترك فقط، أما الصبر على الأقدار فليس فيه إلزام، والسبب أنه ليس فيه إلزام لأن هذا شيء ليس في اختيارك، هذا أمر قدر عليك شئت أم أبيت، ما لك فيه تصرف، فإما أن تصبر صبر الكرام، وإما أن تسلو سلو البهائم، فهمتم ولا لأ؟.
صار هذا باعتبار أنواع الصبر من حيث هي، أما باعتبار تحمل الصابر لها فهذا يختلف فيه الناس، يختلفون فيه اختلافا بينا ظاهرا.
الطالب : طيب، مثلا إنسان ما يصير له ... يسهل عليه الطاعة وترك المعصية ولا يشق عليه الصبر ... أو العكس ... ؟
الشيخ : لا، هو يؤجر على قدر المشقة، يؤجر الإنسان على قدر المشقة، مثل ما قال عليه الصلاة والسلام لعائشة: ( أجرك على قدر نصبك ) هو يؤجر على قدر المشقة لا شك، فتحمله لهذه المصيبة العظيمة الفادحة لا شك أنها تؤثر على قلبه وربما تمرضه أحيانا، هذه يثاب عليها كثيرا.
طيب، الصبر على أقدار الله ما ذكر المؤلف الصبر على الطاعة ولا عن المعصية.
الصبر على أقدار الله مما يتعلق بتوحيد الربوبية أو بتوحيد الألوهية أو بالأسماء والصفات ؟ يتعلق بتوحيد الربوبية، لأن التدبير للخلق والتقدير عليهم من مقتضيات ربوبية الله عز وجل، فهو يتعلق بتوحيد الربوبية.
وقوله : " على أقدار الله " أقدار جمع قدر، ويطلق القدر على المقدور وعلى فعل القادر، يطلق على المقدور وعلى فعل القادر، حطوا بالكم، فبالنسبة لفعل القادر يجب عليك الرضا والصبر بالنسبة لفعل القادر، ولهذا يقول الإنسان: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا.
وبالنسبة للمقدور الصبر واجب والرضا مستحب، فهمتم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : واضح الآن ؟ بالنسبة للقدر الذي هو فعل الله يجب عليك الرضا به، أن ترضى ما هو بس مجرد الصبر، ترضى بتقدير الله لأنه صادر عن حكمة، ولا تكون راض بالله ربا إلا إذا صبرت على قدره الذي هو فعله.
وأما الصبر على المقدور فهذا واجب، والرضا مستحب، وليس بواجب.
مثال ذلك: قدر الله سبحانه وتعالى على سيارتك أن تحترق، عندنا الآن قدر ومقدور، ما هو القدر ؟
الطالب : الاحتراق.
الشيخ : لا، الاحتراق هذا مقدور، القدر كون الله قدر أن تحترق، هذا يجب عليك أن ترضى به، لأنه من تمام الرضا بالله ربا، كيف ترضى به ربا ثم تسخط فعله؟! أما بالنسبة للمقدور الذي هو احتراق السيارة فالصبر واجب، والرضا مستحب، والفرق بينهما: أن الصبر يجد الإنسان من نفسه شيئا من المشقة، ولكن لا يتجاوز الحدود، والرضا يرى أن وقوع هذا الشيء وعدم وقوعه على حد سواء.
طيب، " الصبر على أقدار الله، وقول الله تعالى: (( ومن يؤمن بالله يهد قلبه )) ".
وبالنسبة لهذا، المقدور في الحقيقة ينبغي أن نقسمه في الواقع. المقدور قد يكون طاعات، وقد يكون معاصي، وقد يكون أفعال من أفعال الله المحضة، فالطاعات يجب الرضا بها ولا لأ؟ الطاعات يجب الرضا بها، والمعاصي ما يجوز الرضا بها، أي: بالمقدور، لكن بتقدير الله لها يجب الرضا ولا ما يجب؟ نعم، ولهذا قال ابن القيم في نونيته :
" ولذاك نرضى بالقضاء ونسخط المقضي حين يقوم بالعصيان" فأنت إذا نظرت إلى هذا الرجل الذي فعل معصية، إذا نظرت إليه بعين القضاء والقدر ترضى ولا لأ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ترضى، لأن الذي قدر هذا هو الله، وله حكمة ف تقدير ذلك، وإذا نظرت إلى فعله هو وهذه المعصية، فإنك لا يجوز أن ترضى بها، يجب أن لا ترضى بالمعاصي، وهذا مما يزيدكم وضوحا في الفرق بين القدر وبين المقدور.
الطالب : ...
الشيخ : قلنا الأفعال هي الطاعات والمعاصي.
الصبر على الأقدار هل يكون من توحيد الألوهية؟
الشيخ : نعم.
السائل : ...
الشيخ : لا.
السائل : ... تقديرها يتعلق بالربوبية ... لكن الصبر عليها يتعلق ...
الشيخ : لا، ما هو الصبر، نحن نتكلم على الأقدار، الأقدار مما يتعلق بالربوبية، والصبر على الأقدار من باب الرضا بالربوبية، بمطلق الربوبية، أما كون الصبر عبادة فهذا شيء آخر، لكن الكلام على أن هذا الصبر يتعلق بأمر من مقتضيات الربوبية.
شرح قول المصنف : وقوله تعالى : (( ومن يؤمن بالله يهد قلبه )) [ سورة التغابن : 11 ] قال علقمة : ( هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم ) .
قال علقمة - علقمة من ؟ من أكابر التابعين رحمه الله - قال: " هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم" فهذا التفسير الذي فسرها به هو من لازم الإيمان، لأن من آمن بالله علم أن التقدير من أين؟ من الله، فيرضى ويسلم، وكل من آمن بالله ربا رضي بقضائه وقدره، لأنه يعلم أن له التصرف المطلق في عباده سبحانه وتعالى، فإذا آمن بذلك فإن الله تعالى يهدي قلبه، ويوفقه لأمر أكثر مما آمن به، وهذا من ثمرات الإيمان أن الإيمان إذا تحقق زاد الإنسان به هدى، يهد قلبه، وقوله: (( ومن يؤمن بالله يهد قلبه )) إذا علمت أن المصيبة من عند الله اطمئن القلب وارتاح القلب، ولم يحصل عليه ضجر، ولهذا من أكبر الراحة والطمأنينة الإيمان بالقضاء والقدر، لأن الإنسان يستريح يكون مؤمنا بالله ومؤمنا بأن الملك ملكه وأن الأمر أمره، فإذن يتوكل عليه سبحانه وتعالى ولا يكون في قلبه حسرة، لأن هذا أمر قد قدره العليم الخبير الحكيم.
10 - شرح قول المصنف : وقوله تعالى : (( ومن يؤمن بالله يهد قلبه )) [ سورة التغابن : 11 ] قال علقمة : ( هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم ) . أستمع حفظ
شرح قول المصنف : وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب , والنياحة على الميت ) .
وقوله: ( هما بهم كفر ) الباء هنا يحتمل أن تكون بمعنى مِن، يعني: هما منهم كفر، ويحتمل أن تكون بمعنى في، أي: هما فيهم، وقوله: ( كفر ) أي: هاتان الخصلتان كفر، ولا يلزم من وجود خصلتين من الكفر في المؤمن أن يكون كافرا، كما لا يلزم من وجود خصلتين في الكافر من خصال الإيمان أن يكون مؤمنا، فالشجاعة من الإيمان، والحياء من الإيمان، والكرم من الإيمان، فلو وُجدت هذه الثلاث في كافر يكون مؤمنا؟ لا، كذلك هاتان الخصلتان اللتان ذكرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لو وجدتا في الإنسان وهو مؤمن لا يلزم أن يكون كافرا، فقد يجتمع في المؤمن خصال كفر مع بقائه على أصل الإيمان، قال شيخ الإسلام رحمه الله : " بخلاف قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) فإنه هنا عبر بقوله: ( بين الرجل والكفر ) الدالة على الحقيقة، يكون الكفر المذكور في الحديث الأخير المراد به الكفر المخرج عن الإسلام، بخلاف أن يأتي كفر نكرة مطلق، فلا يدل على خروج الإنسان من الإسلام به ".
ما هما ؟ ( الطعن في النسب )، أيش معنى الطعن في النسب؟ يعني العيب فيه، أنه يعيب نسبه، يقول أنت وش أنت، أنت من القبيلة الفلانية، ما فيها خير، أو يقول أنت لست من القبيلة، ما لك أصل، لأنك لست قبيليا، هذا أيضا طعن في النسب.
ويقال إن واحد من الناس قال: هؤلاء الذين ليسوا من القبائل، هؤلاء ليسوا من بني آدم، أعوذ بالله، ليش؟ قال: لأنه بني آدم معروفين ينسبون إليه، هؤلاء ما ينسبون إليه، نقول: هذا هو الجهل.
الطعن في النسب سواء احتقرته أو نفيته عنه وقلت إنك ناقص بسبب إنك غير منسوب إلى القبائل، فإن هذا من الكفر، عمل كفري.
الثاني: ( النياحة على الميت )، وهذه الجملة هي الشاهد في الباب، النياحة يعني أن يبكي الإنسان على الميت بكاء على صفة النوح، يعني نوح الحمام، تعرفون نوح الحمام؟ لأن هذا والعياذ بالله يدل على ... وعدم الصبر، فهو مناف للصبر، الواجب فلهذا كان ..
الرضا في هذه الأمور لنا فيه نظران: النظر الأول، أيش؟ باعتباره قضاءً لله وفعلا له فيجب الرضا به، لأنه من تمام الرضا بالله ربا. والنظر الثاني باعتبار أيش؟ المقضي، فباعتبار المقضي هو ينقسم إلى قسمين: قسم يتعلق بالشرع، وقسم يتعلق بالكون يعني أمر كوني ما هو شرعي، فإن كان أمرا شرعيا فإن كان طاعة وجب الرضا به، وإن كان معصية حرم الرضا به، وإن كان مباحا فلا يتعلق به الرضا ولا عدمه، المباح مباح. وأما بالنسبة للمقدور إذا كان كونيا فالصبر واجب، والرضا مستحب، على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة، وبعض العلماء يرى أنه واجب، وسيأتي إن شاء الله في الحديث ما يدل على أحد القولين.
طيب، ذكرنا أيضا حال الإنسان باعتبار الأقدار المؤلمة كم حالة له؟
الطالب : ثلاثة.
الشيخ : وهي؟
الطالب : أن يرضى.
الشيخ : نعم.
الطالب : أن يتسخط.
الشيخ : نعم.
الطالب : وأن يصبر.
الشيخ : وأن يصبر، وفي بعد حالة رابعة؟
الطالب : الشكر.
الشيخ : أن يشكر.
الطالب : ...
الشيخ : وباللسان وبالجوارح، فهو يكون بالقلب، وأيش بعد؟ وباللسان وبالجوارح.
أما التسخط بالقلب فأن يسخط الإنسان على ربه ويغضب لماذا قدر كذا وكذا علي وما أشبه ذلك، وهذا قد يؤدي والعياذ بالله إلى الكفر، وهو كقوله تعالى: (( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ))، وكم من أناس والعياذ بالله صارت المصائب عليهم سببا للكفر. وأما التسخط باللسان فمثل الدعاء بالويل والثبور، وما أشبه ذلك، نعم، من الأقوال المحرمة.
وأما التسخط بالأفعال بالجوارح فمثل لطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعور، وما أشبه ذلك، وتكسير الأواني ، ولا ما يوجد؟ يوجد، يوجد من يكسر الأواني.
طيب، هذه كلها تسخط، فصار التسخط بالقلب والقول أيش بعد ؟ والفعل، أي نعم.
أما القسم الثاني وهو الصبر، الصبر كما قال الشاعر :
" الصبر مثل اسمه مر مذاقته *** لكن عواقبه أحلى من العسل"
يرى الإنسان الشيء هذا ثقيلا عليه، ويكرهه، لكنه يتحمله، فليس وقوعه وعدم وقوعه سواء عنده، ليس سواء، بل هو يكره هذا، ولكنه يحميه إيمانه من السخط، عرفتم ؟ واضح؟
طيب، الرضا أعلى من ذلك، أن يكون الأمران عنده سواء، يعني أصيب أو ما أصيب كله عنده واحد، لأنه رجل يسبح في القضاء والقدر، أيما ينزل به القضاء والقدر فهو نازل به، على سهل أو على جبل، ما يهم، فإن أصيب بنعمة أو أصيب بضدها الكل عنده سواء، لا لأن قلبه ميت، لكن لتمام رضاه بربه سبحانه وتعالى، يتقلب في تصرفات الرب عز وجل، ولكنه عنده سواء، لأنه ينظر إليها باعتبارها قضاء لربه، فلا يهمه، هذا واحد، هذا الفرق بين الرضا والصبر.
أما الشكر فأن يشكر الله على ما أصابه على المصيبة، وهذه درجة أو منزلة قد يقول القائل: أين يكون ذلك؟ وكيف يكون؟ فنقول: يكون في عباد الله الشاكرين، ويكون ذلك إذا عرف الإنسان أن هذه المصيبة سبب لتكفير سيئاته، وربما لزيادة حسناته، قد تثمر هذه المصيبة في الإنسان حالات ليست له من قبل، بحيث ينيب إلى ربه ويرجع إليه، ويعرف قدر نفسه، ويعرف حكمة ربه، فيزداد بذلك إيمانا لم يكن عنده من قبل أن تصيبه هذه المصيبة، أليس كذلك؟ فهو يشكر الله عز وجل بما يحصل بهذه المصيبة من الثمرات العظيمة، ولو لم يكن منها إلا أنها تكفير للذنوب، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما يصيب المرء المؤمن من هم ولا غم ولا شيء إلا كفر له به عنه، حتى الشوكة يشاكها )، كل المصائب تكفير، هذه بدون استثناء، لكن هل هي فيها زيادة حسنات؟ إن قارنها شيء يستوجب زيادة الحسنات صار فيها زيادة حسنات، وإلا فإنها تكفير بكل حال.
أظن انتهى الكلام على الصبر على الأقدار، صارت أحوال الناس بالنسبة لأقدار الله كم؟ أربعة حالات، نعم.
المراتب أربعة كل واحدة أعلى من الثانية، ففهمنا الفرق، وهذا هو الذي يشكل على كثير من الناس، الفرق بين الرضا وبين الصبر، لأن بعض الناس ما يدرك الفرق بينهما، ولكن هذا هو الفرق، أن الصبر الإنسان يجد من نفسه كراهة لهذا الأمر لكنه حابس نفسه عن فعل ما يحرم، وأما الرضا فلا يؤثر شيئا على شيء، الكل عنده سواء، لكن لا ينافي هذا الحزن، أو لا يمنع الحزن والبكاء، وما أشبه ذلك، والإنسان قد يبكي مثلا لفقد محبوبه، وقد يبكي رحمة على ما يرى ويشاهد، مثل ما بكى عليه الصلاة والسلام حين ... إليه صبي فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: ( إنها رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) فهذا لا شك أن الرسول بكى، لكن ما حزنا كما بكى على ابنه إبراهيم، إنما رحمة بهذا الصبي في هذه الحال الشديدة، نعم.
الطالب : ...
الشيخ : الله يثني عليه بالشكر أيضا، (( إنه كان عبدا شكورا )) يثني عليه بهذا وهذا.
الطالب : ...
الشيخ : الله أعلم، لكن يجوز أنه مثلا كرهوا هذا الأمر، لكن صبروا على ذلك يجوز، والإنسان قد تفوته بعض المراتب وله مراتب أخرى تكمل، الله أعلم، طيب نأخذ الدرس؟
11 - شرح قول المصنف : وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب , والنياحة على الميت ) . أستمع حفظ
المناقشة .
الطالب : ...
الشيخ : أي نعم، وليس الكفر المطلق. طيب، لكن وش معنى ( هما بهم كفر ) نريد تحليل الكلمات هذه؟
الطالب : ...
الشيخ : الباء بمعنى من، يعني: هما منهم كفر، أو بمعنى؟
الطالب : فيهم.
الشيخ : فيهم كفر، أما هما فيعود على؟
الطالب : الطعن في النسب، و.
الشيخ : الخصلتين، نعم.
طيب، نبدأ بحديث ابن مسعود أظن؟ نبدأ به.
قال رحمه الله تعالى : " ولهما عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا " مرفوعا يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والمرفوع كما هو معروف إما صريح وإما حكمي، الصريح ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، والحكمي ما كان له حكم ذلك ولم يضف إليه، وهو أنواع معروفة في علم المصطلح، لكن هذا نذكركم على ... .
( ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية )، الحديث لا شك أنه يراد به شيء معين، لأن ضرب الخدود ليس كل من ضرب الخد.