شرح قول المصنف : ولهما عن ابن مسعود مرفوعاً : ( ليس منا من ضرب الخدود , وشق الجيوب , ودعا بدعوى الجاهلية ) .
فإذن ليس منا في هذا الفعل، لأن هذا الفعل لا يمكن أن يقع من المسلم. وقوله: ( من ضرب الخدود ) يشمل من ضرب خده وخد غيره؟ يشمل ؟ أي نعم، لكن ما أظن أن أحد إذا أصابته مصيبة يضرب خد غيره، وإنما يضرب خد نفسه، فإذن العموم هنا يراد به الخصوص، كذلك ( مَن ضرب الخدود ) لو أخذنا بعمومه لكان كل من ضرب خده فهو ليس من الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس الأمر كذلك، لأن المراد من ضرب خده تسخطا من المصيبة.
وقوله: ( وشق الجيوب ) الجيب هو طوق القميص الذي يدخل منه الرأس، هذا الجيب، الطوق الذي يدخل منه الرأس، هذا هو الجيب، وشق الجيوب أن الإنسان والعياذ بالله إذا أصيب بمصيبة مسك هذا الجيب وشقه، تسخطا من هذه المصيبة، وعدم تحمل لما وقع عليه.
الثالث ( ودعا بدعوى الجاهلية ) كلمة دعا بدعوى، دعوى الجاهلية، دعوى مضاف، الجاهلية مضاف إليه، فهل نقول: إنه للعموم، كل دعاء الجاهلية يدخل في هذا الحديث، أو نقول دعا بدعوى الجاهلية عند المصيبة؟ هنا أمران، يتنازع هذا أمران: الأمر الأول صيغة العموم، والأمر الثاني قرينة السياق، فهمتم؟ هذا يتنازعه أمران: الأمر الأول صيغة العموم، وين صيغة العموم؟ دعوى الجاهلية، مفرد مضاف، والمفرد المضاف تقدم لنا مرارا وتكرارا أنه للعموم، أو لا ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، والثاني قرينة السياق لأن .. وما أشبه ذلك، هذي دعوى الجاهلية، فيكون الرسول عليه الصلاة والسلام .. ثلاثة أصناف: ما يتعلق بالبدن، وما يتعلق باللسان، وما يتعلق باللباس، ما يتعلق، يعني بالجوارح، تسخط الجوارح، تسخط اللسان، تسخط يتعلق باللباس، وهو من فعل الجوارح، شق الجيوب يتعلق باللباس، دعوى الجاهلية باللسان، وضرب الخدود بالجوارح، فذكر هذه الأصناف الثلاثة، لأنها غالب ما تكون عند المصائب، وإلا فمن كسّر القدور وهدم البيوت وما أشبه ذلك عند المصيبة مثله، أو مثلا من ضرب أولاده أو ضرب زوجته أو ما أشبه ذلك هو مثله، لأنه فعل ينبي عن التسخط، أيهما أولى أن يرجح العموم في دعوى الجاهلية أو يرجح الخصوص بقرينة السياق؟
الطالب : ...
الشيخ : نشوف، إن نظرنا إلى السياق، قلنا: الخصوص أولى، لأن سياق الكلام يحدد المعنى، وإن نظرنا إلى المعنى في قوله ( ليس منا ) فإن كل دعوى الجاهلية يتبرأ منها الإسلام، فيشمل كل دعوى الجاهلية، فالدعوى للنسب والعصبية وما أشبه ذلك، كله من دعوى الجاهلية، وربما يؤيد هذا الحديث الذي قبله، وهو الطعن في النسب والنياحة على الميت،فالرسول ذكر الطعن في النسب مع النياحة مما يدل على أن كل ما تدعو إليه الجاهلية فإنه داخل في الحديث، وهذا أصح أحسن، حمله على العموم أولى، والقرينة لا تخصصه، ويؤيده الحديث الذي سبقه. طيب، دعوى الجاهلية نسبت إلى الجاهلية، هل المراد بالجاهلية أهل الجهل أو الجاهلية معنى، يعني: الدعوى التي منشأها الجهل؟ هذا هو الظاهر، الدعوى التي منشأها الجهل، ومنها دعاوي الجاهلية في جهلهم قبل الإسلام فإنها من دعوى الجاهلية. فبهذا نعرف أن هذه الأمور الثلاثة حرام، ولا لأ ؟
الطالب : حرام.
الشيخ : ومن الكبائر ؟ ومن الكبائر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتبرأ من شيء إلا وهو كبيرة من كبائر الذنوب، وليس بالأمر الهين، هذا موجود الآن الظاهر، هاه ؟ شق الجيوب موجود، وضرب الخدود؟ هاه؟ موجود الآن ؟ وكذلك نتف الشعور موجود.
الطالب : ...
الشيخ : هاه؟
الطالب : ... التراب.
الشيخ : عجيب. التمرغ في التراب؟
الطالب : التمرغ في التراب.
الشيخ : هذا موجود؟
الطالب : موجود.
الشيخ : أعوذ بالله.
الطالب : طيب يا شيخ ... كلها ... حتى ضرب الخدود وشق الجيوب؟
الشيخ : لا لا، لأن من ضرب خد ولده مثلا لتأديبه نقول أنت منهي عن ضرب الوجه، ولكن ما يدخل في هذا الحديث.
الطالب : ...
الشيخ : ما يصل إلى حد البراءة منه.
الطالب : طيب، وشق الجيوب؟
الشيخ : وشق الجيوب أيضا لو شق الإنسان جيبه لأنه على رأسه.
الطالب : ...
الشيخ : وكذلك لو شق ... غيره عدوانا ما هو لأجل المصيبة ما يدخل في الحديث.
الطالب : ما يدخل.
الشيخ : لا ، ... وطيب قال سأفسد عليه راح وشق جيبه نقول: هذا عدوان لكنه لا يدخل في الحديث.
الطالب : ...
الشيخ : لا لا ، هذا ...
الطالب : دعوى الجاهلية.
الشيخ : لكن دعوى الجاهلية قلت لكم أن الحديث الأول يؤيده، لأنه قال: ( الطعن في النسب والنياحة ) فقرن الطعن بالنسب، والطعن في النسب من دعوى الجاهلية لا شك.
الطالب : الرسول ما رتب الأحاديث هذه ...
الشيخ : أنا ما قصدي أنه ذكر هذا قبل هذا، قصدي أن الرسول قرن بين شيء من دعوى الجاهلية وشيء مما يتعلق بالتضجر وبالنياحة، فلا يمنع أن يكون قوله: ( دعا بدعوى الجاهلية ) عاما سواء دعوى الجاهلية التي يقولونها عند المصائب أو لا.
الطالب : ...
الشيخ : نعم نعم نعم.
1 - شرح قول المصنف : ولهما عن ابن مسعود مرفوعاً : ( ليس منا من ضرب الخدود , وشق الجيوب , ودعا بدعوى الجاهلية ) . أستمع حفظ
شرح قول المصنف : وعن أنس ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا , وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة ) .
أولا: قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ( إذا أراد الله بعبده الخير ) استفدنا من هذا أن الله تعالى يريد بعبده الخير، ويريد به الشر، ولكن الشر المراد لله عز وجل ليس مرادا لذاته، الله تعالى لا يريد الشر لذاته، الدليل ؟ قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( والشر ليس إليك )، ومن أراد الشر لذاته فالشر إليه بلا شك، لكنه سبحانه وتعالى يريد الشر لحكمة، وحينئذٍ يكون خيرا باعتبار ما يتضمنه من أين ؟ من الحكمة.
وقوله: ( إذا أراد الله بعبده الخير عجل له بالعقوبة ) إذا قال قائل: هناك خير أولى، وهو العفو عن الذنب، ما هو هذا أعلى ولا لأ ؟ يعني كون الله يعفو عن المرء لا يعاقبه في الدنيا ولا في الآخرة، لا شك أن هذا أولى، ولكن الرسول قال خيرا باعتبار الأمر الثاني، وهو أن تؤخر العقوبة إلى الآخرة، إذن فهو خير نسبي لا خير مطلق.
فإذا قال قائل: ما دليلكم على الأمر الثالث وهو العفو المطلق؟ قلنا: دليلنا ما في الكتاب والسنة من أن الله سبحانه وتعالى يعفو عن عبده المؤمن ولا يعاقبه، لقوله تعالى (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ومعنى المغفرة لا عقوبة، فالخير إذن ( إذا أراد بعبده الخير ) ها ؟
الطالب : ...
الشيخ : ... الخير يعني النسبي، الخير بالنسبة لتعجيل العقوبة، عجل له بالعقوبة، وإنما كان تعجيل العقوبة خيرا لأنه يجوز، يعاقب في الدنيا ويمشي، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث المتلاعنين أيش قال لهما ؟ ( عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ) مع أن عذاب الدنيا ... لامرأة هلال ... الرجم الرجم ، ... عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، الله أكبر. ( عجل له بالعقوبة في الدنيا ) العقوبة والعقاب معناه مؤاخذة المذنب بذنبه، وسميت معاقبة المذنب بذنبه عقابا، لأنها تعقب الذنب، ولكنه لا يقال إلا في الشر.
وقوله: ( عجل له بالعقوبة في الدنيا )، ما نوع هذه العقوبة ؟ العقوبة أنواع كثيرة منها ما يتعلق بالدين، ومنها ما يتعلق بالبدن، ومنها ما يتعلق بالأهل، ومنها ما يتعلق بالمال، وما هو أعظمها ؟ ما يتعلق بالدين، ومع الأسف أنه أخفها في نظر كثير من الناس.
مثال ذلك: رجل عصى الله عز وجل، وكانت المعصية في نفسه كبيرة جدا، ثم إنه خفت عليه هذه المعصية، عقوبة هذه ولا لأ؟ عقوبة، عقوبة بلا شك، لأن خفة المعاصي في قلب الإنسان تجعله يستمرؤها ويستهون بها، وحينئذٍ يناله العقوبات الكثيرة، هذه من المصائب، كذلك أيضا تهاون الإنسان بترك الواجب من المصائب، عدم غيرته على حرمات الله من المصائب، عدم قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المصائب، هذه عقوبات ما أحد يفطن لها في الحقيقة وهي عقوبات أنكى من العقوبات الحسية، إذ أن العقوبات الحسية ربما يتفطن الإنسان ويتذكر، لكن هذه قد لا يتفطن لها إلا من هداه الله سبحانه وتعالى ووفقه، أما العقوبة بالنفس بالبدن فمثل الأمراض، يصاب الإنسان بأمراض كثيرة، قد تكون عقوبة لما حصل منه من المعاصي بتفريط في واجب أو انتهاك لمحرم، فتكفر عنه هذه المصائب، فتكفر عنه هذه الذنوب.
العقوبة بالأهل واضحة، يصاب الإنسان بعقوبة في أهله إما بأمراض تعتريهم، وإما بفقدانهم أو بغير ذلك.
بالمال كذلك بنقصه أو تلفه أو تعب الإنسان وراءه، وما أشبهه.
( وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه ) أمسك عنه، كيف؟ فعل، وهل يوصف الله بالإمساك؟ الجواب: نعم، يوصف، لأن أفعال الله لا نهاية لها، فكل فعل يفعله فإنه يوصف به، ولهذا نقول: الصفات الفعلية تشمل كل أفعال الله عز وجل، وقد قال الله تعالى: (( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه )) فأثبت الإمساك، (( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا )) هذه آية أخرى، لكن هذه (( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه )).
قال: ( أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به ) يعني: يلاقي الله به يوم القيامة، أو حتى يوافي به يعني يوافي به الله عز وجل، يوافي به الفاعل يوم القيامة، فهي إما أن تكون بمعنى يلاقي به الله، أو بمعنى أن الله يوافيه به، يعني: يوفيه إياه يوم القيامة، وهو الذي يقوم فيه الناس من قبورهم لرب العالمين، وسمي بيوم القيامة، نعم؟
الطالب : ...
الشيخ : لأمور ثلاثة: أولا قيام الناس من قبورهم لرب العالمين، والثاني: قيام الأشهاد (( ويوم يقوم الأشهاد ))، والثالث قيام العدل.
الغرض من سياق المؤلف لهذا الحديث بيان أو تسلية الإنسان إذا أصيب بمصائب، تسليته إذا أصيب بالمصائب أن لا يجزع، فإن ذلك قد يكون خيرا له، ولا ريب أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين، قال لهما ( عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ) وما الذي به يحصل من عذاب الدنيا في قضية المرأة التي لاعنها زوجها؟ الرجم يعني أعلى أنواع العقوبة في الدنيا هو الرجم، ومع ذلك قال عليه الصلاة والسلام إنه أهون من عذاب الآخرة، فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن كل العقوبات التي تحصل في الدينا فهي بالنسبة للآخرة ليست بشيء، أهون، فإذا أصبت بمصيبة فقل الحمد لله الذي لم يؤخر عقوبتي إلى الآخرة، قد يكون خيرا لك كما في هذا الحديث. ثم اعلم أيضا أنه لو قدر على الفرض الممتنع والعلم عند الله أن أحدا لم يأت بخطيئة، وأصيب بمصيبة فإننا نقول هذه المصيبة قد تكون من باب الامتحان، امتحان العبد على الصبر، لكن لا يجوز للإنسان إذا أصيب بمصيبة وهو يرى أنه لم يخطئ يقول أنا والله ما أخطأت، فيعد نفسه من المقربين، هذه تزكية، لكن أنا أقول لو فرضنا أن أحدا من الناس لم يصب ذنبا، ثم أصيب بمصيبة فإن هذه المصيبة لا تلاقي ذنبا تكفره، لكنها تلاقي قلبا تمحصه حتى يبتلى الإنسان بالمصائب، لينظر من ابتلاه سبحانه وتعالى هل يصبر أو لا يصبر، ولهذا كان أخشى الناس لله وأتقاهم له محمد صلى الله عليه وسلم يوعك كما يوعك الرجلان منا، السبب؟ لأجل أن ينال أعلى درجات الصبر، حتى يصبر على هذا البلاء الذي لا يصاب به أحد، كما يوعك الرجلان، فينال بذلك مرتبة الصابرين على أعلى وجوهها، وشُدد عليه صلى الله عليه وسلم حين النزع أشد ما يكون كل ذلك ليصل إلى أعلى درجات الصبر، ومع ذلك مع هذه الشدة العظيمة تجده ثابت القلب، دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه مسواك يتسوك به، فأمده بصره، يعني مد إليه بصره ينظر إليه، فعرفت عائشة رضي الله عنها أنه يريد السواك، فقالت آخذه لك ؟ فأشار برأسه نعم، فأخذت السواك وقضمته وعلكته حتى ألانته للرسول صلى الله عليه وسلم فأعطته إياه، فاستن به، تقول: ( ما رأيته استن استنانا أحسن منه، ثم رفع يده وقال: في الرفيق الأعلى) حتى مالت ... عليه الصلاة والسلام فانظر إلى هذا الثبات واليقين والصبر العظيم مع هذه الشدة العظيمة، هذا لأجل أن يتبين، أو لأجل أن يصل الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أعلى درجات الصابرين، صبرَ لله، وصبر في الله، وصبر بالله عليه الصلاة والسلام حتى نال أعلى الدرجات.
فأقول: أنت يا أخي المسلم إذا أصبت بمصائب وحدثتك نفسك أن مصائبك أعظم من معائبك، فإياك أن تقول هكذا، احذر من هذا، لأنك بهذا تُدل على ربك بعملك، وتمن عليه بطاعتك، ومع ذلك نقول لو فرض أن هذا الأمر هو الواقع، فإن هذه المصائب خير لك، تنال بها أيش؟ درجات الصابرين العليا. فهذان أمران أحدهما أن إصابة الإنسان بالمصائب تعتبر تكفيرا لسيئاته، وتعجيل العقوبة له في الدنيا خير من تأخيرها إلى الآخرة هذه واحدة. ثانيا: قد تكون المصائب أكثر من المعايب، ولكن من أجل أن يبتلى المرء حتى يصل بصبره إلى أعلى درجات الصابرين، لأن الصبر كما ترون درجة عالية ما هي هينة ، " الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد " مهم جدا، فهذا هو ما يتضمنه هذا الحديث العظيم.
وقال صلى الله عليه وسلم، نعم؟
السائل : الإمساك ... .
الشيخ : لا، حقيقة، أمسك عنه بذنبه يعني أخّره، يعني: أنت تظن أن الإمساك باليد؟ لا، أبدا الإمساك في كل شيء بحسبه، لو قال أمسك بيده صحيح يبقى مشكل، أما إذا قال أمسك فإنه قد يقال أمسك عن الكلام امتنع، أمسك لسانه بيده؟! سكت، كل موضع بحسبه.
السائل : ما ورد أن المؤمن عند النزع تنزع روحه كالشعر من العجين؟
الشيخ : بلى بلى، تسهل عليه مع شدة النزع، يكون الألم البدني شديدا، لكن خروج الروح سهلا، لأنها تبشر بالرحمة فيسهل لها الانقياد، فيكون سهلا، يعني نزع الروح يكون سهلا، لكن مع الألم، ما يمنع من الألم، بخلاف والعياذ بالله الكافر إذا بشر بالغضب والنار فإن الروح تأبى أن تخرج، وتتفرق في البدن، لأنه والعياذ بالله تبشر بما يسوؤها ويريعها، ولهذا انظر إلى سياق الآية الكريمة في ... (( ولو ترى الظالمين في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم )) أخرجوا كأنهم يشحون بها فيمنعونها، فيقولون أخرجوا، مثل ما يقول الإنسان للمماطل أعطني ديني، نعم.
2 - شرح قول المصنف : وعن أنس ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا , وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة ) . أستمع حفظ
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء , وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم .... فمن رضي فله الرضا , ومن سخط فله السخط ) حسنه الترمذي .
( وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ) إذا أحب قوما ابتلاهم، شف قد يقول قائل: إن الأمر يقتضي العكس إذا أحب قوما أرضاهم، ولا لأ؟ مثل ما أنك الآن إذا أحببت أحدا أنعمت عليه، ولكننا نقول: الله حكيم جل وعلا، يبتليهم ثم بعد ذلك يعطيهم أكثر مما كان، ( فإذا أحب قوما ابتلاهم ) يعني اختبرهم بما يقدّر عليهم من الأمور الشرعية أو الأمور الكونية، حطوا بالكم، من الأمور الشرعية أو الأمور الكونية، ليس الإبتلاء بالأمور الكونية فقط كالأمراض وفقد الأموال والأهل وما أشبه ذلك، حتى الأمور الشرعية، انظر إلى قول الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم: (( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك )) فذكّره بالنعمة وأمره بالصبر، لأن هذا الإنزال الذي أنزل الله عليه له تكليف يكلف به، فهذا من الابتلاء، كذلك إذا أحب الله قوما ابتلاهم يبتليهم بأمور تعترض لهم، لينظر هل يصبروا عن محارم الله، نعم، أو لا يصبروا، كما جاء في الحديث في ( رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ) هذا ابتلاء ولا لأ ؟ وش جزاؤه؟ يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فالابتلاء لا تظن أنه فقط في الأمور الكونية كالمصائب التي، في الأمور الكونية والأمور الشرعية، إذا أحبك الله عز وجل ابتلاك بشيء حتى يمحصك.
( فمن رضي فله الرضى ) من هذه شرطية، وجملة ( فله الرضا ) جواب الشرط، يعني: فله الرضا من أين ؟ من الله، وإذا رضي الله على شخص أرضى عنه الناس أيضا.
( ومن سخط فله السخط ) وظاهر هنا أن المراد بالسخط يعني ما يكون من المصائب القدرية الكونية، يعني كالذي يحصل على البدن أو على المال أو ما أشبه ذلك، وقوله ( ومن سخط فله السخط ) لماذا لم يقل فعليه، مع أن مقتضى السياق أن يقال فعليه، مثل قوله تعالى (( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ))؟ مثل هذا السياق يقول بعض العلماء إن اللام فيه بمعنى على، كقوله تعالى (( أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار )) لهم اللعنة يعني عليهم اللعنة. وقال بعض أهل العلم: لا، اللام على ما هي عليه، للاستحقاق ، فتكون أبلغ من على يعني كأنه استحق هذا يعني صار عليه السخط باستحقاق ولا لأ؟ باستحقاق، مثل ( أولئك لهم اللعنة ) حقت عليهم اللعنة باستحقاق ولا بغير استحقاق؟ باستحقاق، فهو أبلغ من قولهم عليهم اللعنة، وإن كان يعبر بعلى أيضا في مواضع أخرى (( أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )) وهذا أصح، أن اللام إذا دخلت على شيء يكون مقتضى السياق أن يعدى إليه الحكم بعلى فإن فيها فائدة أن هذا الشيء مستحق له، وأن اللام فيه للاستحقاق.
وفي هذا الحديث إثبات المحبة لله عز وجل وإثبات السخط وإثبات الرضا، ثلاث صفات، من صفات الأفعال أو الذات؟ من صفات الأفعال، لأن صفات الأفعال ضابطها: كل ما يتعلق بمشيئة الله، كل شيء يتعلق بمشيئته فهو صفة فعل، فمثلا إذا أحب قوما متعلقة بمشيئته ولا لأ؟ بمشيئته، إذا أحب، إذا للمستقبل، فإذن الحب يحدث فهو من الصفات الفعلية.
وها هنا مسألة وهي أن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبدا هل هو يحبه من الأزل أو يحبه عند وجود سبب المحبة ويبغضه لو وجد سبب البغض؟
الطالب : ...
الشيخ : هذا هو الصحيح وهو موافق للمعقول، فحينئذٍ يكون هذا الشخص في يوم من الأيام يحبه الله، وفي يوم يبغضه الله عز وجل، نعم، لأن الحكم يدور مع علته.
وفيه أيضا إثبات الرضى لله وإثبات السخط، وهما صفتان فعليتان.
وقاعدة أهل التأويل في هذه الصفات الثلاث أنهم ينكرونها، يقولون إن الله ما يحب، وبعضهم يقول ولا يُحَب أيضا، يقولون إن الله تعالى لا يحب ولا يرضى ولا يسخط، لأن هذه الصفات تقتضي النقص ومشابهة المخلوق، وقد سبق مرارا وتكرارا الرد عليهم والحمد لله، وهم يؤولون مثلا المحبة والرضى بماذا؟ بالثواب أو إرادة الثواب، والسخط بالعقوبة أو إرادة العقوبة.
والصواب أن هذه صفات ثابتة لله عز وجل كسائر صفاته التي يثبتها من يتأول في هذه الصفات، ولكنها ثابتة لله على الوجه اللائق به، وأنه يجب علينا في كل وصفٍ وصف الله به نفسه يجب علينا فيه أمران: إثباته على حقيقته وظاهره، والأمر الثاني: الحذر من التكييف أو التمثيل.
كل شيء وصف الله به نفسه يجب عليك أن تثبته، هل أنت تحكم على الله أو الله هو الذي يحكم عليك ؟ الله هو اللي يحكم، كيف تقول الله ما يحب وهو أثبت لنفسه المحبة، كيف تقول ما يرضى وهو أثبت لنفسه أنه يرضى، كيف تقول لا يغضب وهو أثبت لنفسه أنه يغضب؟! أأنت أعلم بالله من الله ؟! كلا، إذن أثبت ما أثبته الله لنفسه، ولكن تبرأ من التكييف والتمثيل، وبهذا تسلم، فإذا وقفت بين يدي الله عز وجل يوم القيامة، وقال ما الذي بلغك في كتابي أو على لسان رسولي أنني أحب وأنت تقول إنني لا أحب، وش جواب الإنسان؟ نعم؟ ما له جواب، ما له جواب، لأن الأمر واضح، كلمة صريحة واضحة لكن احذر من التمثيل أو التكييف وتسلم، وحينئذٍ تكون آخذا بالنصوص إثباتا ونفيا، (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )). نعم.
3 - وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء , وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم .... فمن رضي فله الرضا , ومن سخط فله السخط ) حسنه الترمذي . أستمع حفظ
ما هو ضابط الصفات الفعلية ؟
الشيخ : ما نثب ، لأن له سبب، فقط له سبب وهو فعل ما أثبت الله، والرضى له سبب
السائل : ... وقع على الفعل ولا وقع على العبد؟
الشيخ : لا، واقع على العبد إذا فعل هذا الفعل، أما مسألة الأفعال فالله لم يزل ولا يزال يحب الخير والإحسان ويكره الشر، لكن اتصاف الإنسان نفسه بهذه الصفة في حال اتصافه بها إذا كانت مما يحبه الله يكون محبوبا له، وفي حال اتصافه بها إذا كانت مسخوطة له يكون ساخطا عليه.
السائل : ...
الشيخ : لا، لا ما يحبه أزلا، يعلم أنه من أهل الجنة، وأنه في حال من الأحوال هو كافر، وفي حال كفره لا يحبه الله.
السائل : إذن ...
الشيخ : ولهذا أباح الله دمه وأهله وماله.
السائل : ربما تقع المحبة ... على
الشيخ : نعم الأزلية على الأفعال، لم يزل الله يحب الخير يحب الإحسان يحب العدل، لم يزل ولا يزال، لكن هذا المتصف بهذا الوصف متى اتصف به استحق ما يترتب عليه، نعم؟
السائل : شيخ كون ... يعني الشرع ...
الشيخ : كيف؟
السائل : ... إذا أحب.
الشيخ : هو كامل بارك الله فيك، نعم هو كامل لكن اتصاف الإنسان بالأسباب التي توجب الابتلاء ليس بكامل، بمعنى أني أنا قد لا يكمل فيّ الإسلام، قد يكون علي نقص في بعض الأمور، فيبتليني الله عز وجل مثل ما ابتلى هذا الذي دعته امرأة ذات منصب وجمال، هذا ابتلاء، حتى يصل الإنسان إلى الغاية، وإلا نفس الشرع لا شك أنه كامل لكن اتصاف العبد به هو الذي لا يكون كاملا.
السائل : طيب، ... بهذا الحديث دليل على وجود ...
الشيخ : أي نعم نعم، هذا نقول: إن قوله ( ومن سخط ) يدل على أن المراد بالرضا هنا الصبر، يعني: رضي بقضاء الله من حيث هو قضاء، وهذا لا بد منه واجب، بدليل قوله: ( ومن سخط ) فقابل السخط بالرضى، ولا يقابل السخط إلا بالرضى الذي هو بمعنى الصبر. لما قابل السخط، السخط وش يقابله؟ الرضى الذي بمعنى الصبر، لأن السخط هو عدم الصبر، السخط أن لا تصبر، إذا تسخط الإنسان من القضاء والقدر ما صار صابرا.
السائل : إذا ما رضي يكون ساخطا؟
الشيخ : لا، إذا لم يرضى وصبر، إلا إذا كان الرضى بمعنى الصبر كما في هذا الحديث، فالرضى في هذا الحديث غير الرضى اللي تكلمنا عنه، لأن الرضى اللي تكلمنا عنه معناه أنه الرجل تكون المصيبة وعدمها عنده على السواء، وأما الصبر فهو يتألم منها، لكن ما يحدث شيئا يسخط الله، أو يتسخط منه.
السائل : ومن سخط فله السخط متعلقة بالحديث؟
الشيخ : أي نعم، هي تمام البلوى في الحقيقة.
السائل : ...
الشيخ : أي نعم، إذا أحب الله تعالى قوما فابتلاهم، نعم، إذا رضي دامت المحبة، بل ازداد بذلك، إذا سخط فإن الله يسخط عليه وتكون هذه المحبة تنقلب إلى سخط وإلى كراهة، لأن المحبة من الأفعال الاختيارية كما قلنا قبل قليل.
وفيها في الحقيقة إشكال، الذي أوردته فيه إشكال، لأنه لو كان لفظ الحديث: وإن الله إذا أراد أن يختبر القوم ابتلاهم لكان واضح، نعم.
السائل : ... من رواه.
الشيخ : إلا إلا، حسنه الترمذي.
السائل : لا، اللي قبله؟
الشيخ : الظاهر أنه حديث واحد، كلهن راويهن الترمذي، ما عندكم تخريج هذا؟
الطالب : رواه الترمذي في الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، والحاكم من حديث أنس.
الشيخ : أيهم الأول ولا الثاني ؟
الطالب : الأول، والحاكم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وإسناده حسن، وله شاهد من حديث عبد الله بن ... رضي الله عنه عند الطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي في ...، ومن حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه عند الطبراني في الكبير، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند ابن عدي، فهو حديث صحيح بشواهده.
الشيخ : أيهن؟
الطالب : الأول، هذا الأول، المقطع الأول، أما المقطع الثاني يقول: رواه الترمذي بنفس المصدر، في الزهد باب ما جاء في الصبر على البلاء ... باب الصبر على البلاء من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وإسناده حسن.
الشيخ : إسناده حسن، طيب.
الطالب : ... التحقيق تحقيق ... تحقيق الأحاديث التخريج.
الشيخ : أي أي، الظاهر أنه العام عام ألف وأربعمئة وأربعة، وهالسنة هذه ألف وأربعمئة وخمسة، وهذا غير هذا.
الطالب : وش استفدنا منه؟
الشيخ : ما استفدنا شيئا، حتى بعد نسيت أنا والله نسيتها الحقيقة، نعم؟
السائل : ما وجه ...؟
الشيخ : لا، حتى لو سُجل أنه أحبهم الآن فهو قد يبتليهم بهذا الشيء لينظر هل هم أهل لمحبته أم لا، على كل حال ما لنا إلا أن نسلم للحديث، فيه شيء من الإشكال لكن نسلم له.
السائل : اللفظ واحد ولا ...؟
الشيخ : لا، عندي أنا اللفظ واحد، نعم.
السائل : إذا أحب ... إذا أراد أن يحب ...
الشيخ : ممكن، نعم.
الطالب : لأنهم قد لا يصبرون فلا ...
الشيخ : إذا أراد بعد الاختبار محبتهم بعد الاختبار، يمكن هذا ويزول الإشكال، نجعل أحب يعني أراد أن يحبهم ابتلاهم، مع أنه ما عندي فيها مانع، حتى لو أحبهم سبحانه وتعالى يبتليهم حتى ينظر هل تبقى المحبة أو ...
ما هوضابط الرضا على القدر ؟
الشيخ : الرضى؟
السائل : نعم.
الشيخ : الرضى اللي نحن قسمناه عند المصائب، هذا ما نقول إن ضده السخط، نقول ضده انتفاؤه فقط، لأنا إذا جعلنا ضده السخط لزم أن يكون الرضى بمعنى الصبر، إذ أن الصبر هو أن لا يتسخط الإنسان من قضاء الله وقدره، خلنا نخلص المسائل، إلا إذا كان ضروري.
السائل : إذا كان الإنسان معافى ... ولا يبتلى، فهل يفهم من الحديث أنه يراجع نفسه يعني؟
الشيخ : أي نعم، ولهذا بعض السلف إذا قال له أحد من الناس ابتليت أو مرضت ولا شيء قال له كلام مثل كلامك هذا، قال انظر في أمرك لا تكن ممن عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا.
قال: " فيه مسائل "
السائل : ... المؤمن ...
الشيخ : لا، ما هو صحيح.
السائل : ولهذا ...
الشيخ : لا يبتلى الابتلاء النافع.
فيه مسائل: الأولى: تفسير آية التغابن. الثانية: أن هذا من الإيمان بالله. الثالثة: الطعن في النسب.الرابعة: شدة الوعيد فيمن ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية. الخامسة: علامة إرادة الله بعبده الخير. السادسة: إرادة الله به الشر. السابعة: علامة حب الله للعبد. الثامنة: تحريم السخط. التاسعة: ثواب الرضي بالبلاء.
" الثانية: أن هذا من الإيمان بالله " وش هو اللي من الإيمان بالله؟ ما هو الذي، هذا الإشارة تعود إليه ؟
الطالب : الصبر.
الشيخ : الصبر.
" الثالثة: الطعن في النسب " وأنه ..
" الثالثة الطعن في النسب " يعني عيبه وسبق أنه من الكفر، ( اثنتان في الناس هما بهما كفر ).
" الرابعة: شدة الوعيد في من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية " ما هو الوعيد عليه؟ أن الرسول تبرأ منه صلى الله عليه وسلم.
" الخامسة: علامة إرادة الله بعبده الخير " وهو أن يعجل له بالعقوبة.
" السادسة: إرادة الله به الشر " وهو أن يؤخر عنه العقوبة.
" السابعة: علامة حب الله للعبد " وهو الابتلاء، نعم.
" الثامنة: تحريم السخط " لقوله ( ومن سخط فله السخط ).
" التاسعة: ثواب الرضى بالبلاء " ( ومن رضي به فله الرضى ). هاه؟
الطالب : ...
6 - فيه مسائل: الأولى: تفسير آية التغابن. الثانية: أن هذا من الإيمان بالله. الثالثة: الطعن في النسب.الرابعة: شدة الوعيد فيمن ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية. الخامسة: علامة إرادة الله بعبده الخير. السادسة: إرادة الله به الشر. السابعة: علامة حب الله للعبد. الثامنة: تحريم السخط. التاسعة: ثواب الرضي بالبلاء. أستمع حفظ
شرح قول المصنف : باب ما جاء في الرياء
والرياء مصدر رآى يرائي، كجاهد يجاهد، المصدر جهاد، ومصدر رآى يرائي رياء، ويقال أيضا مراءاة كما يقال مجاهدة، والمهم أن الرياء مصدر رآى يرائي، ومعنى رآى يرائي أي عمل العمل ليراه الناس، ويدخل في ذلك من عمل العمل ليسمعه الناس، فيقال إنسان مسمّع، وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: ( من رآى رآى الله به، ومن سمّع سمّع الله به ). والرياء خلق ذميم وهو من صفات أهل النفاق، كما قال الله تعالى: (( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا )) ..
واعلم أن الرياء يبحث فيه في مقامين، المقام الأول: في حكمه، والمقام الثاني: في حكم العبادة إذا اتصل بها. فها هنا أمران أو مقامان، المقام الأول في حكم الرياء، والمقام الثاني في حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء.
أما الأول: فإن الرياء من الشرك، لأن الإنسان قصد بعمله غير الله، فيكون مشركا، وهل هو شرك أكبر أو أصغر؟ نقول: هو شرك أصغر، لكنه قد يصل إلى حد الأكبر، وقد مثّل ابن القيم رحمه الله للشرك الأصغر بأمثلة منها قوله : ويسير الرياء، وهذا يدل على أن الرياء أن كثيره قد يصل إلى الشرك الأكبر، هذا باعتبار المقام الأول وهو حكم الشرك. ويدل على ذلك ما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب التفسير.
أما المقام الثاني وهو حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء، فإن العبادة إذا اتصل بها الرياء يكون الاتصال فيها على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس من الأصل، يعني: ما قام يصلي إلا رياء، ما صام إلا رياء، ما تصدق إلا رياء، ما حج إلا رياء، ما قصد وجه الله، فهذا لا شك أن العبادة باطلة ليست مقبولة، مع ما فيها من التحريم كما سبق.
القسم الثاني أو الحال الثانية: أن يكون مشاركا للعبادة في أثنائها، بمعنى أن يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص مخلصا لله، لكن يطرأ عليه الرياء في أثناء العبادة، فها هنا إن كانت العبادة لا يرتبط آخرها بأولها، فأولها صحيح بكل حال، مثل: لو كانت العبادة صدقة، عنده مئة ريال فتصدق بخمسين منها صدقة خالصة، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية، فالخمسون الأولى أيش حكمها؟
الطالب : مقبولة.
الشيخ : صحيحة ما طرأ عليها شيء. وكذلك لو كان عنده صاع من الطعام فتصدق بنصفه صدقة خالصة، ثم بعد ذلك طرأ عليه الرياء عند الصدقة بالنصف الباقي، فالأول منها صحيح وليس فيه شيء.
أما القسم الثاني من العبادة فهو التي يتصل آخرها بأولها، بمعنى أن بطلان آخرها يبطل أولها، فهمتم؟ مثل أيش ؟ كالصلاة مثلا، كالصلاة فهذه إن كان الرجل دافع الرياء ولم يسلم إليه وكرهه وأعرض عنه فإنه لا يؤثر عليه شيئا، لماذا ؟ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ) وهذا الرجل ما عمل، ما اطمأن إلى ما طرأ على قلبه من الرياء، بل كرهه ودافعه وأعرض عنه، فهذا لا يضره.
والحال الثانية أن يطمئن إلى هذا الرياء ولا يدافعه بل يقره، فحينئذٍ تبطل العبادة، وببطلان آخرها يبطل أولها، لأن أولها ينبني على آخرها، طيب.
إذا كان لا ينبني آخرها على أولها، فالذي يبطل آخرها فقط. أفهمنا الآن؟
فصار الحال الأولى إذا صحب الرياء العبادة، القسم الأول أن يكون الباعث له على العبادة الرياء، فهنا تبطل العبادة من أصلها.
القسم الثاني: أن يطرأ عليه في أثناء العبادة فله حالان: الحال الأولى أن يدافعه، والحال الثانية أن يسكن إليه ويقره، ففي الحال الأولى لا يضره، وفي الحال الثانية يفسد عليه العبادة كلها إن كانت ينبني آخرها على أولها، وإلا اختص البطلان بما قارنه الرياء فقط، مفهوم هذا ؟
طيب، فإذا قال قائل: هل من الرياء أن يفرح الإنسان إذا علم الناس بعبادته؟
الجواب: لا، ليس من الرياء، لأن هذا إنما طرأ عليه بعد فراغه من العبادة.
فإذا قال قائل: هل من الرياء أن يسر الإنسان بفعل الطاعة؟ فالجواب: لا، بل إن ذلك دليل على إيمانه، كما جاء في الحديث: ( من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن ) والأول إذا قلنا أنه فرح بثناء الناس عليه بما فعل من الخير قلنا ليس من الرياء، وقد سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك فقال ( تلك عاجل بشرى المؤمن ) أن الله تعالى يطلع العباد على عمله فيثنون عليه بما يستحق من هذا العمل.
فإذن ما يطرأ بعد انتهاء العبادة لا يؤثر عليها، اللي يكون بعد انتهاء العبادة لا يؤثر عليها، اللهم إلا أن يكون هذا الشيء فيه عدوان كالمن والأذى في الصدقة، فإن هذا العدوان يكون إثمه مقابلا لأجر الصدقة فيبطلها، كما قال الله تعالى: (( لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى )).
أرجو المقام اتضح الآن؟
الكلام في الرياء في مقامين، المقام الأول: في حكمه، والثاني: في حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء.
قلنا في حكمه أنه من الشرك الأصغر وقد يكون أكبر. في حكم العبادة المتصل بها، قلنا: إن كان الباعث على العبادة هو الرياء فهي باطلة جملة وتفصيلا باطلة بكل حال، وإن كان الباعث على العبادة الإخلاص لكن طرأ عليها الرياء، فهذا له حالان، الحال الأولى: أن يركن إلى ذلك ويسكن إليه ويطمئن به، فماذا يكون الحكم ؟ تبطل العبادة إن كانت مما ينبني آخرها على أولها، وإلا صح منها ما لم يكن فيه الرياء، وبطل ما فيه الرياء. والحال الثانية: أن لا يطمئن إلى الرياء ويكرهه ويهرب منه فما حكمه؟ هذا لا يؤثر على عبادته شيئا، واضح ؟
طيب، لا بد لنا من الأدلة على هذه الأشياء، نقول: أما إذا كان الباعث له الرياء فالدليل على بطلانه أيش؟ هذا الحديث الذي معنا، قال الله تعالى: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) وقال سبحانه وتعالى: (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )).
وأما بطلانها إذا طرأ عليه في أثنائها، فلأن العبادة إذا بطل آخرها وهي مما ينبني أولها على آخرها إذا بطل آخرها بطلت جميعا كما لو أحدث في أثناء الصلاة مثلا تبطل الصلاة كلها، أما إذا كان لا ينبني بعضها على بعض فإن الأول الجزء الأول منها صحيح، ما خالطه رياء ولا شيء، مبني على الإخلاص، والجزء الثاني منها يكون باطلا. وأما إذا طرأ عليه الرياء وهي الحال الثانية ولكنه لم يطمئن إليه ولم يقره، فدليله قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ).
السائل : رمضان ...
الشيخ : لا، منفصل يعني اليوم ينفصل عن أمس.
من صام رياء فهل يبطل صومه ؟
الشيخ : أي نعم، لو أنه صام رياء وجب عليه القضاء، لأنه باطل
السائل : ...
الشيخ : كل العبادات، لا الحج عبادة واحدة، وأجزاؤه مثلا الوقوف بعرفة ومزدلفة كالركوع والسجود في الصلاة، نعم ربما نقول فيما لو رآى في واجب، ربما نقول لو رآى في واجب إنه لا يبطل الحج، ويكون هذا الواجب باطلا يجبر بدم، ربما نقول وعندي فيها ثقل هذه، نعم يا عبد الله؟
السائل : ...
الشيخ : ربما يكون، لكن ما ينفعه، يجب عليه إذا زال الرياء عنه أن يعيد العبادة من جديد، نعم؟
السائل : اللي بعثه على العمل الرياء، ولكن عندما بلغ العمل أخلص؟
الشيخ : هذا سؤال عبد الله.
السائل : أخلص في مبدأ اعلم
الشيخ : قبل أن يبدأ، قبل أن يشرع.
السائل : إي أوله...
الشيخ : كلمة مع، وكلمة بعد، وكلمة قبل، إذا كان مع فهو ما صح، إذا كان بعد فهو أيضا ما صح، إذا كان قبل صح.
ما حكم من قام يصلي رياء وعند تكبيرة الإحرام أخلص نيته لله تعالى ؟
الشيخ : صار عند التكبيرة ما زال الرياء معه؟
السائل : نعم.
الشيخ : يوم قال: الله أكبر غير مخلص؟
السائل : إي.
الشيخ : ما تصح صلاته، أي نعم؟
السائل : الرياء ...
الشيخ : ما هو رياء بعد العبادة.
فهمنا الآن حكم الرياء، وحكم العبادة إذا اتصل بها، هذا أهم شيء، وبعدين نرجع إلى ما قال المؤلف.
شرح قول المصنف : وقول الله تعالى : (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ))
قال: (( يوحى إلي )) هذا هو الفرق بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم، (( يوحى إلي )) فهو متميز بالوحي كغيره من الأنبياء والرسل. والوحي يقول العلماء: إنه في اللغة الإعلام بسرعة وخفاء، قالوا ومنها قوله تعالى: (( فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا )). وأما في الشرع فهو إعلام الله عز وجل لأحد من البشر أو من الملائكة بما تقتضيه حكمته من شرع، أو الإعلام بالشرع، إعلام الله بالشرع، هذا الوحي، إعلام الله بالشرع يسمى وحيا.
وقوله: (( أنما إلهكم إله واحد )) هذه أيضا فيها حصر، أي: ما إلهكم إلا إله واحد، من هو؟ الله ، فإذا كان الإله المستحق للعبادة إلها واحدا فكيف تشرك معه غيره في العبادة؟ هذا لا يليق، إذا ثبت أنه لا إله إلا الله، وأنه سبحانه وتعالى واحد، فإنه لا يليق بك أن تشرك معه غيره، ولهذا قال: (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ))، المراد باللقاء هنا، (( فمن كان يرجو )) الرجاء وش معناه؟ أيش معنى الرجاء ؟
الطالب : ...
الشيخ : الرجاء الطلب والأمل، يعني: فمن كان يؤمل أن يلقى ربه، والمراد باللقيا هنا الملاقاة الخاصة، لأن الملاقاة نوعان: عامة وخاصة، فالعامة كقوله تعالى: (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )) من المراد بالإنسان ؟ كل إنسان، ولهذا قال مفرعا على ذلك: (( فأما من أوتي كتابه بيمينه )) (( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره )).أما الملاقاة الخاصة التي تتضمن رؤيته تبارك وتعالى كما قاله بعض أهل العلم فإنها خاصة بالمؤمنين كما في هذه الآية، يعني: من كان يرجو لقاء ربه لقاء رضى ونعيم فليعمل، الفاء في قوله (( فليعمل ))؟ رابطة للجواب جواب الشرط، أين الشرط ؟ من كان، من كان يرجو لقاء ربه، وقوله: (( فليعمل عملا صالحا )) هذه الأمر هنا للإرشاد ولا للوجوب ؟
الطالب : ...
الشيخ : أو للإرشاد؟ للإرشاد، يعني: فيقول من كان يريد لقاء الله عز وجل على الوجه الذي يرضاه سبحانه وتعالى فليفعل هذا، فليعمل عملا صالحا، نعم.
وقوله (( فليعمل عملا صالحا )) العمل الصالح ما جمع بين أمرين: ما كان خالصا صوابا، وهذا وجه الشاهد من الآية، ما كان خالصا صوابا، فالخالص ما قصد به وجه الله، والصواب ما كان على شريعة الله، عرفتم؟ الخالص ما قصد به وجه الله، والصواب ما كان على شريعة الله. عندنا رجلان أحدهما ابتدع تسبيحا معينا مخلصا لله، لا يرجو بذلك إلا وجهه، فهل ينفعه؟
الطالب : لا.
الشيخ : ليش ؟ ليس على الشريعة، لأنه ليس على شريعة الله. وآخر عمل عملا على شريعة الله لكنه مراءٍ فيه، هذا أيضا لا يقبل، أيش اللي فقد؟ ليس خالصا لله. فالعمل الصالح ما جمع بين أمرين: الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يقصد الإنسان به وجه الله ويتمشى فيه على شريعة الله، هذا هو العمل الصالح، وما عداه فهو عمل فاسد مردود على صاحبه.
دليل ذلك من السنة واضح جدا: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى ) هذا في جانب الإخلاص، ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) هذا في جانب المتابعة، ولهذا قال العلماء: إن هذين الحديثين ميزان الأعمال، فحديث عمر ميزان الأعمال الباطنة وهي النيات والمقاصد، وحديث عائشة ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) هذا ميزان الأعمال الظاهرة.
وقوله: (( فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) (( ولا يشرك )) لا هذه ناهية، والمراد بالنهي ال... كما قلنا في المراد في الأمر. وقوله (( لا يشرك بعبادة ربه)) شف بعبادة، أما مسائل العادة فالعادة للعادات، لكن العبادة هي خالص الحق لله، ولهذا قال: (( بعبادة ربه )) وأتى بكلمة رب إشارة إلى العلة، فكما أنه ربك الذي خلقك ولم يشركه أحد في خلقك فيجب أن تكون العبادة له وحده، ما قال ولا يشرك بعبادة الله، قال: (( ولا يشرك بعبادة ربه ))، فتكون هنا الإضافة إلى الرب من باب التعليل، كأنه يقول: لما كان هو الرب الذي خلقك وأعدك وأمدك فلتكن العبادة له وحده.
وقوله: (( أحدا )) أحدا نكرة في سياق النهي فتكون عامة، لا يتعبد لأحد، لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، ولا لولي، ولا لأحد من المخلوقين، تكون العبادة لله وحده.
وجه الشاهد من هذه الآية الكريمة: أن المرائي يا إخوان المرائي هل أشرك بعبادة الله أحدا؟ نعم، أشرك، لأنه الآن قام يصلي مثلا ليتقرب إلى الناس بمدحه والثناء عليه، فيكون أشرك بعبادة الله أحدا، فالآية واضح مناسبتها للترجمة، مناسبتها للترجمة واضحة.
وفي هذه الآية الكريمة دليل على ملاقاة الله عز وجل لقوله: (( يرجو لقاء ربه )) وقد استدل بها بعض العلماء على ثبوت رؤية الله، لأن الملاقاة معناها المواجهة، وعلى كل حال فالمسألة فيها شيء من الخفاء، وأدلة رؤية الله واضحة في الكتاب والسنة سوى هذه، واضحة وصريحة.
طيب، يستفاد من هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر لا يستحق أن يعبد، أو لا؟ لأنه حصر حاله بالبشرية كما حصر الألوهية بمن؟ بالله، ثم فرع على ذلك أن من كان يرجو لقاء الله فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا، نعم.
10 - شرح قول المصنف : وقول الله تعالى : (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد )) أستمع حفظ
شرح قول المصنف : وعن أبي هريرة مرفوعاً : ( قال تعالى : أن أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه ) رواه مسلم .
قال: قال الله تعالى، يعني: النبي عليه الصلاة والسلام يرويه عن ربه، يقول: قال الله: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ) أغنى اسم تفضيل، وليست فعلا ماضيا، بل هي اسم تفضيل، ولهذا تضاف إلى الشركاء، يعني: إذا كان بعض الشركاء يستغني عن شركته مع هذا الرجل، فأنا أغنى الشركاء عن مشاركته، وهل يمكن أن يستغني الإنسان عن شركته مع شخص آخر؟ يمكن، يكون الإنسان غنيا وله من هذا المكان جزء من مئة جزء، ولا يهتم بهذا الشيء، يدعه، فصار هنا استغناء عن شركته في هذا البستان مثلا، الله عز وجل أغنى الشركاء عن الشرك، لا يقبل عملا له فيه شريك أبدا، وإنما يقبل العمل الخالص له وحده، كما أنه سبحانه وتعالى الخالق وحده، فكيف يكون الخالق لك وحدك، وبعد ذلك تصرف شيئا من حقه إلى غيره، هل هذا عدل؟
الطالب : لا.
الشيخ : ولهذا قال الله عز وجل عن لقمان (( إن الشرك لظلم عظيم )) صحيح أنه من أبلغ الظلم، الذي خلقك وأعدك إعدادا كاملا في كل مصالحك، وأمدك بما تحتاج إليه، ثم تذهب وتصرف شيئا من حقه إلى غيره، لا شك أن هذا من أظلم الظلم والعياذ بالله، ولهذا نقول إنما كان الله تعالى لا يقبل عملا فيه شرك، لأنه كما أنه الخالق وحده فيجب أن تكون العبادة له وحده.
ثم بين مقتضى هذه الجملة فقال: ( من عمل عملا ) عملا هذه نكرة في سياق الشرط فتكون للعموم، ( من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) أي عمل يكون، صلاة، صدقة، صيام، حج، جهاد، علم، أي شيء يكون مما يتقرب به إلى الله إذا عمل الإنسان هذا العمل وأشرك فيه مع الله غيره فإن الله يتركه وشركه.
وقوله: ( تركته وشركه ) ما المراد بشركه هل المراد وشريكه أو المراد وشركه أي عمله الذي أشرك فيه؟ المراد الثاني عمله الذي أشرك فيه، لأن من أُشرك مع الله قد لا يتركه الله، لو أن أحدا من الناس راءى رجلا من الصالحين في عبادته، هل يترك الله هذا الصالح من أجل مراءاة هذا الرجل؟ لا، وكم من أناس عبدوا الأنبياء، والله تعالى لا يترك الأنبياء، فمعنى وشركه أي وما أشرك فيه من ذلك العمل.
يستفاد من هذا الحديث.
الطالب : الآية.
الشيخ : الآية ؟ الآية ما انتهينا منها؟ طيب، انتهينا منها وبينا فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم حاله بشرية، وأنه رسول بالوحي ... على الله عز وجل، وأن من يرجو لقاءه فليعمل هذا العمل، طيب، ها؟
الطالب : ...
الشيخ : لا ما هو بالظاهر ، ... لأن هذه أخاف أنها ت... المعاصي ، أما في الطاعات فالرجاء فيها بمعنى الطمع في الشيء، نعم.
السائل : ...
الشيخ : تركته يعني تركت هذا الرجل الذي أشرك معي فلم ألتفت إليه ولم أجازه على عمله، نعم، أي في نفس العمل الذي أشرك فيه، لكن قد يصل إلى حد الكفر ويترك في كل الأعمال. يستفاد من هذا الحديث أولا: بيان غنى الله عز وجل لقوله: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ).
ويستفاد منه أيضا بيان عظم حقه وأنه لا يجوز لأحد أن يشرك مع الله أحدا في حقه.
ويستفاد منه بطلان العمل الذي صاحبه الرياء، لقوله: ( تركته وشركه ).
ويستفاد منه تحريم الرياء، ووجه ذلك أن ترك الإنسان وشركه وعدم قبوله، رضى ولا غضب؟
الطالب : غضب.
الشيخ : نعم، للغضب أقرب، وما أوجب الغضب فهو محرم، فحينئذٍ هذا الحديث يدل على تحريم الرياء، وعلى بطلان العمل الذي قارنه الرياء، لقوله: ( تركته وشركه ).
ويستفاد من هذا الحديث أن صفات الأفعال لا حصر لها، شف الآن: ( تركته ) هل نأخذ من هذا الوصف أن الله يسمى بالتارك؟ لا، لكن الأفعال ما لها نهاية. الله أكبر.
في مناقشة الآن، ... رضي الله عنه مرفوعا، هذا مبتدأ درسنا اليوم؟
الطالب : نعم.
11 - شرح قول المصنف : وعن أبي هريرة مرفوعاً : ( قال تعالى : أن أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه ) رواه مسلم . أستمع حفظ
شرح قول المصنف : وعن أبي سعيد مرفوعاً : ( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ قالوا : بلى يا رسول الله
السائل : ...
الشيخ : المرفوع حكما بمعنى له حكم الرفع، ولكنه ليس مرفوعا مباشرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فله حكم الرفع، يعني إذا قال الصحابي: كنا نفعل كذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما قال أنه اطلع عليه، أو أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا، أما إذا قال أمرنا رسول الله فهذا صريح.
السائل : ...
الشيخ : يرفعه، نعم.
السائل : ... المرفوع حكما.
الشيخ : ذكروا أن هذا من المرفوع حكما، أما إذا قال العلماء، عن أبي سعيد مرفوعا ما هو معناه أنه أبو سعيد يقول رفعته، لا، هذا من المؤلفين، بدل ما يقولون عن أبي سعيد قال: قال رسول الله، يقولون مرفوعا، وإذا أطلقت كلمة مرفوعا في اصطلاح العلماء فالمراد به الصريح.
السائل : ...
الشيخ : أي، هذا مرفوع حكما.
السائل : لكن هنا ألا أخبركم.
الشيخ : هذا من قول الرسول
السائل : هذا من قول الرسول
الشيخ : أي هذا صريح نعم، وهو كذلك.
قال: وعن أبي سعيد مرفوعا، قال: ( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ ) ألا هنا أداة عرض، والمقصود بها التنبيه، تنبيه المخاطب لما يلقى إليه، فهو أبلغ من الإتيان بالكلام مرسلا هكذا.
وقوله: ( بما هو أخوف عليكم عندي ) بما ما اسم موصول، أي بالذي هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال، أخوف عليكم عندي، يعني: عند الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه عليه الصلاة والسلام من رأفته ورحمته بالمؤمنين يخاف عليهم كل الفتن، وأعظم فتنة تكون على وجه الأرض هي فتنة الدجال، هذا معروف معلوم، ولكن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام هذا ( أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال )، وإنما كان كذلك لأن التخلص منه صعب جدا من هذا النوع الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم وعسر، ولهذا قال بعض السلف : " ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص "، وهذا الصحيح، لأن الإخلاص ليس بالأمر الهين، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ) ولا إله إلا الله ما هو مجرد التلفظ بها، لا بد لها من أحكام وشروط، يقتضي أن جميع الأعمال التي تتأله بها إلى الله تكون خالصة من قلبك.
وقوله: ( المسيح الدجال ) وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام بأمرين: بأنه مسيح، وبأنه دجال، فوصفه بعيبين: أحدهما حسي، والثاني معنوي، الحسي المسيح لأنه ممسوح العين أعور العين، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن الله لا يخفى عليكم، إنه ليس بأعور، وإن الدجال أعور العين اليمنى )، أما العيب المعنوي فهو قوله ( الدجال ) وهو صيغة مبالغة، وإن شئنا قلنا إنه نسبة، نعم، يعني أن وصفه الملازم له هو الدجل، والدجل هو الكذب والتمويه، ولا أكذب ولا أشد تمويها من هذا الرجل الدجال، فهو رجل من بني آدم، لكن الله عز وجل لحكمته البالغة يرسله ليفتن الناس، وفتنته عظيمة، ما في الدنيا منذ خُلق آدم إلى أن تقوم الساعة شيء أشد من فتنة الدجال، نعوذ بالله منه.
طيب، وقوله: ( المسيح الدجال ) في مسيح صديق من هو؟
الطالب : ...
الشيخ : المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام، مسيح صديق يقتل مسيحا دجالا، قال بعض أهل العلم: إنه ينبغي أن يسمى المسيخ، من المسخ، ولكن هذا من باب ... ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم سماه بهذا الاسم، فلسنا أشد من الرسول عليه الصلاة والسلام تعظيما لله وتنفيرا من عبادة غيره وادعاء الألوهية لغيره، وسماه المسيح.
طيب، المسيح الدجال يخاف منه لأن فتنته عظيمة.
واعلم أن المسيح الدجال ثبتت فيه أحاديث واشتهرت حتى كان من المعلوم بالضرورة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أمته أن يتعوذوا منه في كل صلاة، حتى أصبح الآن أمرا ضروريا، وقد حاول بعض الناس والعياذ بالله أن ينكروه، وقالوا: إن هذا لا يمكن، وإن ما ورد من الأحاديث في صفته فيه شيء من التناقض وفيه شيء من مخالفة الطبيعة، فلا يمكن أن نصدق به، لكن هؤلاء والعياذ بالله هم الذين يقيسون الأحاديث بعقولهم وأهوائهم، ويقيسون أيضا قدرة الخالق بقُدرهم، يقولون: كيف يصير اليوم الواحد عن سنة كاملة، والشمس لها نظام وقانون وناموس ما يمكن تتعداه، وهذا لا شك ينادي بجهلهم والعياذ بالله بجهلهم بالله سبحانه وتعالى، من الذي جعل هذا النظام والنواميس للشمس؟ الله، والذي جعل لها ذلك قادر على أن يغيرها متى شاء، فهي يوم القيامة تكور، والنجوم تنفجر، والسماء تكشط، كل هذا اللي نحن نشوفه الآن يتغير بكلمة واحدة من الله عز وجل، كن فيكون، وكوننا نرد ما ثبتت به الأحاديث واشتهرت بين المسلمين بمثل هذه التعاليل هذا دليل على ضعف إيمان وعلى نقص تقدير الإنسان لله عز وجل (( وما قدروا الله حق قدره )) فالذي نؤمن به أن هذا المسيح سيبعث في آخر الدنيا، ويحصل منه كل ما ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ونؤمن بأن الله على كل شيء قدير، وأنه قادر على أن يبعث من يفتن الناس عن دينهم ليتميز الخبيث من الطيب، والمؤمن من الكافر، مثل ما أن الله يبتلي العباد بشيء آخر غير هذه المسألة، ابتلى المؤمنين بأن أرسل عليهم الصيد وهم محرمون تناله أيديهم ورماحهم ليعلم الله من يخافه بالغيب، وابتلى الله بني إسرائيل بالحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، ويبتلي الله عز وجل أيضا أفرادا من الناس بأشياء يمتحنه بها (( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة )) قد يمتحن الإنسان بأشياء في بلاء يصيبه في نفسه أو في أهله أو في ماله أو في فكره أيضا، قد يسلط على الإنسان أشياء ترد عليه على قلبه إن ثبت على الإيمان ووفق لهذا ثبت، وإلا حصل له ما يحصل لمن يزيغ والعياذ بالله.
فالحاصل أننا نقول: نحن نؤمن بهذا المسيح الدجال، وأن فتنته أعظم الفتن، وكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصفه فإنه يجب علينا أن نؤمن به.
السائل : لكن يا شيخ هو يبعث في آخر الزمان ولا ... ؟
الشيخ : لا، يبعث في آخر الزمان، أي نعم، ويبعث في وقته.
السائل : ...
الشيخ : لا، ما هو ... .
السائل : يقولون موجود؟
الشيخ : ما هو موجود، لأنه ثبت في صحيح البخاري عن الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر حياته أنه قال: ( ما من نفس منفوسة على الأرض تبقى مئة سنة بعد ذلك ).
السائل : حديث الجساسة؟
الشيخ : حديث الجساسة يعني يمكن الجواب عنه، لأجل أن يوافق هذا الحديث، بأن الدجال قد يطلق على المتصف بالدجل، قد يطلق على هذا.
السائل : ...
الشيخ : الله أعلم، لأن الحديث في البخاري صحيح صريح، وحديث الجساسة لكني ما أثق يعني في طعن المتأخرين، وإلا بعض المتأخرين طعن فيه، قال إنه ليس بصحيح وإن كان في مسلم.
السائل : شيخ؟
الشيخ : نعم.
السائل : ...
الشيخ : التوفيق بسيط، لأن البلاء المراد به ما يصاب الإنسان به في دينه، مثل الإيذاء ورد الدعوة وما أشبه ذلك، وأما الشبهة العامة اللي مثل هذه فلا يوجد شيء أشد من الدجال، وقد ثبت به الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام.
12 - شرح قول المصنف : وعن أبي سعيد مرفوعاً : ( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ قالوا : بلى يا رسول الله أستمع حفظ
شرح قول المصنف : قال : الشرك الخفي ، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته ، لما يرى من نظر الرجل ) رواه أحمد .
الطالب : آمين.
الشيخ : الحقيقة إن العلم يوم القيامة على ما في السرائر، وكم من إنسان افتضح إذا كان يوم القيامة، لأنه يتبين للناس أن أمره خلاف ما كان يظهر في الدنيا، كما في الحديث الذي ( كان يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله فيلقى في النار حتى تندلق أقتاب بطنه فيدور عليها كما يدور الحمار على رحاه، فيجتمع عليه أهل النار فيسألوه ).
الحاصل أن هذا شرك خفي ويسمى شرك السرائر أو السريرة، لأنه لا يطلع عليه إلا الله. وفهمنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الشرك الخفي ) أن هناك شركا جليا، وهو كذلك، وهو ما كان بالقول أو بالفعل، فالشرك يكون بالقول، ويكون بالفعل، ويكون بالقلب، الذي في القلب نسميه خفيا، والذي في القول وفي الفعل نسميه جليا، فالانحناء لغير الله تعظيما شرك، ظاهر ولا خفي؟
الطالب : ظاهر.
الشيخ : بالفعل ولا بالقول ؟ بالفعل، والحلف بغير الله وقول ما شاء الله وشئت وما أشبه ذلك، هذا شرك ظاهر بالقول.
فصارت أقسام الشرك الآن قسمان، وأحدهما ينقسم إلى قسمين، خفي وجلي، والجلي فعلي، أيش بعد؟ وقولي، نعم. قال : ( الشرك الخفي ) ثم بينه، فقال: ( يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل إليه ) والمرأة ما تفعل، ها؟ مثله ؟ نعم مثله، ولهذا نقول: إن مثل هذا يسميه العلماء: مفهوم لقب، بمعنى أنه قد يعلق الحكم بما هو أشرف، لا لقصد التخصيص، ولكن لضرب المثل، لضرب المثل لا لقصد التخصيص، فهنا ما قصد الرسول صلى الله عليه وسلم التخصيص، لأن الحكم يشمل الرجال والنساء.
قوله: ( فيصلي فيزين صلاته ) يجعلها زينة، يحسنها، يعني: يطمئن ويرفع يديه عند التكبير، ويجعل رأسه مساويا لظهره في الركوع، إلى آخره، معروف.
طيب، العلة؟ ( لما يرى من نظر رجل ) ما هنا هل ترونها مصدرية أو موصولة؟
الطالب : ...
الشيخ : هي فيها إشكال، الحقيقة إن جعلناها مصدرية لأن من قد تمنع، لو قلنا لرؤيته من نظر رجل إليه يستقيم الكلا ؟
الطالب : لا.
الشيخ : طيب، إذا قلنا موصولة: للذي يراه من نظر رجل إليه، فتكون موصولة حذف منها العائد، يعني للذي يراه من نظر رجل إليه، شف الآن لما يراه من نظر، هذه المراءاة، هو أشرك ليراه هذا الرجل، أو تعبد ليراه هذا الرجل، والتعليل هنا لما يرى من نظر الرجل، هل هو للتزيين ولا للصلاة أصلا؟
الطالب : ...
الشيخ : يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى.