بيان حول مسألة التكفير وذكر شروط تكفير المعين.
السائل : ...
الشيخ : أظن ما يمدينا نقرأ ...
السائل : ...
الشيخ : نعم.
ما هو ضابط التكفير في حكم بغير من أنز ل الله وحكم من وضع القوانين الوضعية ؟
الشيخ : اللي وضع القانون يعني بدل شريعة الله بهذا القانون.
السائل : وهذا ...
الشيخ : لا لا أبدا، هو الشرع خلاف ما قلت، لكنه حكم لهوى في نفسه، مثل ما أن الإنسان، أرأيت الإنسان مثلا لو أنه زنا مثلا، أو ضرب أحدا بغير حق، يعتقد أنه حرام وأن الاعتداء على الغير محرم، لكن في نفسه هوى هو يريد والعياذ بالله يتمتع بالجماع، ويريد أن يضرب هذا الرجل لأن بينه وبينه عداوة، نقول هذا كافر؟
السائل : لا
الشيخ : مثله، مثل هذا، هو الآن فعل فعلا يعتقد أنه محرم، ما قال والله هذا حلال يجوز لي أني أظلم هذا الرجل.
السائل : الحاكم كذلك لا يعتقد حله.
الشيخ : إلا.
السائل : لكن استباحه.
الشيخ : الواضع القانون؟
السائل : نعم.
الشيخ : لا لا.
السائل : وإن سألته قال مغلوب على أمري.
الشيخ : لا أبدا ولو قال، إن كان حاكما صحيحا غيَّره، ولا يدرون هذا هم، يعني بعضهم يصرح والعياذ بالله بأن الحكم الإسلامي غير صالح الآن، أصلا هم يقولون الكلام هذا إما بألسنتهم وإما بألسنة حالهم.
شرح قول المصنف : فيه مسائل: الأولى: تفسير آية النور. الثانية: تفسير آية براءة. الثالثة: التنبيه على معنى العبادة التي أنكرها عدي. الرابعة: تمثيل ابن عباس بأبي بكر وعمر، وتمثيل أحمد بسفيان.
القارئ : " الثانية: تفسير آية براءة "
الشيخ : وهو قوله: (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )).
القارئ : " الثالثة: على معنى العبادة التي أنكرها عدي "
الشيخ : التنبيه، التنبيه.
القارئ : " التنبيه على معنى العبادة التي أنكرها عدي "
الشيخ : نعم، معنى العبادة التي أنكرها عدي هي التعبد لهم بالطاعة والتذلل بالركوع والسجود والنذور وما أشبهها، فقال: ( لسنا نعبدهم ) يعني هذه العبادة، فبين الرسول عليه الصلاة والسلام المراد من عبادتهم بأنها طاعتهم في تحليل الحرام أو تحريم الحلال، نعم.
القارئ : " الرابعة: تمثيل ابن عباس بأبي بكر وعمر، وتمثيل أحمد بسفيان ".
الشيخ : أي نعم، يعني: معناه أنه إذا كان أبو بكر وعمر لا يمكن أن يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بقولهما فما بالك بمن بعدهما، يكون من باب أولى وأحرى، كذلك تمثيل أحمد لسفيان الثوري إمام جليل أنكر على من يأخذون برأيه ويدعون ما صح به الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستدل رحمه الله بقوله تعالى: (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) فما بالك بمن دون سفيان، واضح؟ يكون معارضة قول الرسول عليه الصلاة والسلام بمن دون أبي بكر وعمر وبمن دون سفيان أشد وأقبح، نعم.
الطالب : وتمثيل أحمد، أحمد مضاف ولا ؟
الشيخ : تمثيلُ أحمدَ، نعم.
الطالب : ...
الشيخ : مصدر أضيف إلى فاعله.
3 - شرح قول المصنف : فيه مسائل: الأولى: تفسير آية النور. الثانية: تفسير آية براءة. الثالثة: التنبيه على معنى العبادة التي أنكرها عدي. الرابعة: تمثيل ابن عباس بأبي بكر وعمر، وتمثيل أحمد بسفيان. أستمع حفظ
شرح قول المصنف : الخامسة: تغير الأحوال إلى هذه الغاية، حتى صار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال، وتسمى الولاية، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه ثم تغيرت الحال إلى أن عبد من دون الله من ليس من الصالحين، وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين.
الشيخ : عندي الأحوال، " ثم تغيرت الأحوال "، عندكم الحال؟
الطالب : الحال.
الشيخ : أي، نسخة ثانية.
القارئ : " إلى أن عبد من دون الله من ليس من الصالحين، وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين ".
الشيخ : يقول المؤلف رحمه الله، يقول : الخامسة تغير الأحوال إلى هذه الغاية، حتى صار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال، وتسمى الولاية وعبادة الأحبار هي العلم والفقه، وهذا لا شك أنه أشد، أشد من معارضة قول الرسول عليه الصلاة والسلام بقول أبي بكر وعمر.
" ثم تغيرت الأحوال إلى أن عبد من دون الله من ليس من الصالحين " بينما عبد عيسى بن مريم وغيره من الصالحين فصار يعبد من ليس من الصالحين، يعني يركع له ويسجد ويعظم تعظيم الرب، ويوصف بما لا يستحق الوصف به إلا الرب من ليس من الصالحين، وهذا كما يوجد عند كثير من الشعراء وغيرهم، يمدحون من يمدحون من الملوك ومن الوزراء ومن غيرهم وهم لم يستحقوا أن يكونوا بمنزلة أبي بكر وعمر.
" ثم عُبد بالمعنى الثاني " وش المعنى الثاني؟ الطاعة والاتباع، " عبد من هو من الجاهلين " يعني: أطيع الجاهل في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، كما يوجد في بعض الدساتير والنظم المخالفة للإسلام، واضعها من؟ واضعها الجهال ما يعرفون من الشريعة شيئا، ولا من الأديان شيئا، ثم وضعوها وصاروا يُعبدون بهذا المعنى، فيطاعون في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، وهذا في زمان المؤلف، فكيف بزماننا الحاضر، لأن الأمور نسأل الله السلامة تتغير كما في حديث أنس الثابت في البخاري: ( لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده شر منه حتى تلقوا ربكم )، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ) يخاطب الصحابة، مع أن عصرهم أقرب إلى الهدى من عصر من بعدهم، وأخبر بأن الذي يعيش منهم سيرى اختلافا كثيرا، ومن الأمثال العامية " عش كثير ترى كثير " وهذا هو الواقع، والناس الذين ماتوا منذ ثلاثين سنة أو أربعين سنة لو جاؤوا في الوقت الحاضر لرأوا تغيرا عظيما، لكن نحن لا نرى التغير، لأنه يمشي رويدا رويدا، بمنزلة طفلك الذي عندك يشب وينمو، لكنك لا تشعر بنموه وشبابه، والسبب لأنه ليس عندك، لكن إذا جاءك من زارك قبل سنتين ثم جاء وزارك هذه السنة ووجد الطفل وجده متغيرا كثيرا، حتى يقول ما شاء الله هذا ولدك؟ كيف بلغ إلى هذا الحد؟ فالناس لا يحسون بالتغير لأن الأمور تأتي رويدا رويدا، لكن لو أن أحدا جاء منذ أن غاب مدة طويلة لوجد تغيرا كثيرا المزعج المخيف المرعب نسأل الله السلامة والعافية، فعلينا أن نتذكر هذه الأمور وأن نعرف أن شريعة الله عز وجل يجب أن تحفظ ويجب أن تصان، وأن لا يطاع أحد في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله أبدا مهما كانت منزلته، وأن الواجب أن نكون عبادا لله عز وجل تذللا وتعبدا وطاعة، نعم.
الطالب : ... رأينا شيئا واقعا ...
الشيخ : أي نعم، أي نعم، صحيح هذا واقع، كانت آلات اللهو تكسر عند جوامع الناس، إذا خرجوا من الجمعة كسرت أمامهم تنكيلا بصاحبها وتحذيرا لغيره، وأصبحت الآن كما تشاهدون، أصبحت تباع علنا، وترفع بها الأصوات، حتى أنه والعياذ بالله بعضهم ربما يكون حول المساجد ويرفع هذه الأصوات المنكرة التي حرمها النبي عليه الصلاة والسلام وقرنها بالزنا والخمر ( ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ) ونحن نشكو إلى الله عز وجل أن الواحد منا إذا خرج به ورم خبيث سرطان ذهب يجوب مشارق الأرض ومغاربها لعله ينجو من هذا المرض مع أن مآله الهلاك، لكن هذه الأمراض الفتاكة في المجتمع ما نجد الناس يتألمون منها أو يحسون بها، وكأنها أمر أصبح بالتدريج شيئا معروفا لا منكرا، وهذا مما تخشى عاقبته، لأن الله يقول في القرآن: (( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب )) فحذر عز وجل من هذه الفتنة العظيمة التي لا تختص بالظالمين، وإنما تشمل، ثم أعقب ذلك بالأمر بأن نعلم علم اليقين أن الله شديد العقاب، مع كمال مغفرته ورحمته لكن في مواقع الظلم شديد العقاب عزيز ذو انتقام، نعم. الله المستعان.
السائل : ...
الشيخ : أي نعم، يعني طاعة العلماء هي العلم والفقه عندهم، الفقيه هو الذي مثلا يقلد هذا الحبر وما أشبه ذلك، وليس الفقيه هو العالم ...
السائل : ...
الشيخ : أي نعم
السائل : ...
الشيخ : ما فيه شيء لا سيما إذا أضيف، أقول إذا أضيف مثل حبر الأمة حبر زمانه ما في مانع، ما زال الناس يستعملونه والعلماء.
السائل : ...
الشيخ : هاه؟
السائل : ...
الشيخ : آه.
4 - شرح قول المصنف : الخامسة: تغير الأحوال إلى هذه الغاية، حتى صار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال، وتسمى الولاية، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه ثم تغيرت الحال إلى أن عبد من دون الله من ليس من الصالحين، وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين. أستمع حفظ
شرح قول المصنف : باب : قول الله تعالى : (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيداً ))
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم.
قال رحمه الله تعالى : " باب قول الله تعالى (( ألم تر إلى الذين يزعمون )) " إلى آخره.
هذا الباب له صلة بما قبله صلة قوية، لأنه فيه الإنكار على من أراد التحاكم إلى غير الله ورسوله، والأول الذي قبله فيه بيان حكم من أطاع العلماء أو الأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله. وانظر إلى قوله تعالى: (( ألم تر إلى الذين )) (( ألم تر )) هذا الاستفهام المراد به التقرير والتعجب من حالهم، تقرير ما هم عليه والتعجب من هذه الحال، (( ألم تر )) والخطاب في قوله: (( تر )) يعود إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، لقوله: (( يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ))، وهنا الخطاب يتعين أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم. وقوله: (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا )) ما قال: إلى الذين آمنوا، لأنهم ما آمنوا، لكنهم يزعمون ذلك وهم هاه؟ كاذبون يزعمون ذلك وهم كاذبون. وقوله: (( إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ))، بما أنزل إليك وهو الكتاب والحكمة، كما قال الله تعالى: (( وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة ))، والحكمة قال المفسرون إنها هي السنة، هؤلاء يزعمون يقولون: نحن نؤمن بالله نؤمن بالقرآن نؤمن بالسنة، ولكن أفعالهم تكذب أقوالهم، كيف؟ (( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ))، يعني: هذه إرادتهم، وهذا هواهم أنهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، ما يريدون أن يتحاكموا إلى الله ورسوله، إلى الطاغوت، والطاغوت كما سبق صيغة مبالغة من الطغيان، فهو إذن فيه الاعتداء والبغي، والمراد بالطاغوت هنا كل حكم خالف حكم الله ورسوله، أو كل حاكم يحكم بغير ما أنزل الله ورسوله، بغير ما أنزل الله على رسوله، هذا الطاغوت، لأن كل من حكم بغير كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ورأى أنه يجب أن يكون الحكم إلى ما قال، فإنه طاغية معتدٍ، نزّل نفسه ما لا يستحق، واضح؟ إذن ما هو الطاغوت؟ الطاغوت كل من حكم بغير ما أنزل الله، هذا الطاغوت، لأن الكلام الآن في المحاكمة، وقد حد ابن القيم رحمه الله الطاغوت بمعنى الأعم، فقال : " هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ".
(( يريدون أن يتحاكموا إلى الطغوت وقد أمروا أن يكفروا به )) يعني الأمر ليس فيه لبس وليس فيه خفاء عليهم، بل قد أمروا أن يكفروا به، والذي يؤمر بأن يكفر بالشيء، ثم يريد أن يكون التحاكم إليه، هل هذه الآية منه على بصيرة ولا على جهل وخفاء؟ هي على بصيرة، فهم قد بين لهم الأمر، وأمروا بأن يكفروا بهذا الطاغوت، ويكفروا بكل حكم خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكنهم مع ذلك والعياذ بالله ما يريدون إلا هذا.
قال الله تعالى: (( ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا )) يريد الشيطان، هل هنا الشيطان علم أو جنس؟ جنس، فيشمل شياطين الإنس وشياطين الجن.
قال الله تعالى: (( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ))، فالمراد بالشيطان الجنس شياطين الإنس والجن، يريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا أي: يوقعهم في الضلال، الضلال البعيد عن الحق، ولكن لا يلزم من هذا أن ينقلهم من الحق إلى الباطل طفرة واحدة، بل هو يستدرج بهم شيئا فشيئا، ويمهد لهم الطرق، لأن الشيطان يعلم أنهم لو حكموا بما يخالف الحق طفرة واحدة، هل يُقبلون أم لا يقبلون؟ لا يقبلون، لكنه يمهد لهم الطريق، ويريد أن يضلهم ضلالا بعيدا، ليس قريبا، لكنه بالتدريج شيئا فشيئا حتى يوقعهم في الضلال البعيد.
(( ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا )) سبحان الله القرآن يفسر بعضه بعضا، (( إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ))، (( تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول )) إلى ما أنزل الله وهو؟ القرآن، وإلى الرسول، إلى الرسول نفسه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته، لكنا قلنا الخطاب هنا للرسول عليه الصلاة والسلام، فيكون المراد بقوله: (( وإلى الرسول )) أي إلى الرسول نفسه. (( إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ))، قوله: (( رأيت )) يعني: رؤية حال لا رؤية بصر، لأنهم ما هم عند الرسول عليه الصلاة والسلام، ويمكن أن يكونوا عنده ويقال لهم: تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول، لكن كلمة تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول تدل على أنهم ليسوا حاضرين عنده، فقوله: (( رأيت )) أي رؤية حال لا رؤية بصر، يعني كأنما تشاهدهم.
(( يصدون عنك صدودا )) يعرضون عنك إعراضا، وقوله: (( رأيت المنافقين )) هذا كما يعلم أكثركم إظهار في موضع الإضمار، وكان مقتضى السياق أن يقال: رأيتهم يصدون عنك صدودا، لكن قال: (( رأيت المنافقين )) وفي هذا الإظهار في مقام الإضمار فائدتان، الفائدة الأولى: أن هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا كانوا منافقين، يزعمون أنهم آمنوا ولكن ما آمنوا. ثانيا: أن مثل هذه الحال لا تصدر إلا من منافق، وأن من كانت هذه حاله ولو إلى يوم القيامة فإنه منافق، لأن المؤمن حقا لا بد أن ينقاد لأمر الله وأمر رسوله مهما كان الأمر.
قال ... غلطان، نعم انتبه.
قوله: (( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين )) هذي جواب إذا، يعني بمجرد ما يقال لهم هذا الكلام يعرضون.
كلمة صد تستعمل لازمة ومتعدية، فإن كانت لازمة فالمصدر صدود، صد يصد صدودا، كقعد يقعد قعودا، وهنا لازمة ولا متعدية؟ لازمة، لأن مصدرها صدود. أما إذا كانت متعدية بمعنى صد غيره فإن مصدرها صدا، صده يصده صدّا، كرده يرده ردا، واضح ؟طيب هنا هم يصدون إذا دعوا، رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا.
قال الله عز وجل: (( فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا )) يعني: كيف حالهم إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم، ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا، هذه، الاستفهام هنا المراد به التعجب، يعني: كيف تكون حالهم إذا أصابتهم مصيبة، وهذه المصيبة التي ذكر الله هل هي مصيبة دنيوية أم أنها مصيبة شرعية أم الأمران؟ الأمران، لأنه كلما أمكن أن تكون الآية شاملة للمعنيين وهما لا يتضادان فهو أولى، إذا أصابتهم مصيبة قد تكون مصيبة دنيوية بالفقر والجدب وما أشبه ذلك، فيأتون يشكون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يشكون إليه، ويقولون: يا رسول الله أصبنا بهذه المصائب ونحن ما أردنا إلا الإحسان والتوفيق، أو أنها مصيبة شرعية، ويكون المراد بها إذا أظهر الله رسوله على أمرهم، جاؤوا يحلفون إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا، وكلا الأمرين صحيح، فإذا أطلع الله نبيه عليهم جاؤوا يعتذرون يقولون: إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا.
وقوله: (( بما قدمت أيديهم )) الباء هنا للسببية، بما قدمت، وما اسم موصول وقدمت صلته والعائد محذوف، والتقدير بما قدمته أيديهم، أي: بما قدموا هم، لكن في اللغة العربية يطلق مثل هذا التعبير ويراد به نفس الفاعل، بما قدمت أيديهم أي بما قدموه من الأعمال السيئة والنفاق، جاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يحلفون بالله أي يقسمون به، إن بمعنى ما، ما أردنا إلا إحسانا وتوفيقا، إحسانا لكوننا نسلم من الفضيحة والعار، وتوفيقا بين المؤمنين والكافرين، أو بين طريق الكفر والإيمان، يعني: ودّنا نوفق بين طريقكم أنتم يا أيها المسلمون وبين طريق الكفار، نمشي معكم ونمشي معهم، وهذه حال المنافقين، فهم يقولون ما أردنا إلا الإحسان، أن نحسن المسلك والمنهج، ونعيش مع هؤلاء وهؤلاء، فنوفق بين الطرفين، وهذا ممكن ولا غير ممكن؟ غير ممكن، ولهذا توعدهم الله بقوله: (( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم )) لأنه جل وعلا علام الغيوب (( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ))، بل الرب جل وعلا أعلم منك بما في نفسك، أو لا؟ (( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه )) أبلغ من هذه الحيلولة، أحد يحول بينك وبين قلبك؟ ما فيه أحد يحول بينك وبين قلبك، الإنسان قلبه هو الذي يدبره، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، لكن الرب عز وجل يحول بينك وبين قلبك، وهذا من أبلغ ما يكون في العلم والخبرة أنه جل وعلا يحول بين المرء وقلبه، ولهذا أحيانا تجد الإنسان عازما على فعل شيء، ثم لا يدري إلا وأن الله تعالى صرفه عنه، ولهذا " قيل لأعرابي بم عرفت ربك؟ قال: بنقض العزائم وصرف الهمم "، شف كيف الأعرابي؟ بنقض العزائم وصرف الهمم، هذا صحيح ولا لأ؟ دائما الإنسان يعزم، ربما يخطو خطوات لما يريد ثم ما يدري إلا والأمر العزيمة منتقضة، بدون أي سبب حسي، وصرف الهمم، يهم الإنسان بشيء، والهمة قبل العزيمة، ثم يصرف عنه، بدون أن يكون هناك سبب ظاهر، وهذا كقول الأعرابي الآخر " بم عرفت ربك ؟ - لكن ذاك استدل بأمر حسي، قيل له بم عرفت ربك ؟ - قال: الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، - يعني صاحب إبل هذا الأعرابي - فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، أما تدل على السميع البصير " سبحان الله، تدل ولا لأ؟ تدل والله أعظم دلالة.
فالحاصل أن هؤلاء يقول الله فيهم متوعدا لهم (( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم )) ما فيها من النفاق والمكر والخداع والعياذ بالله، (( فأعرض عنهم )) وهذا غاية ما يكون من الإهانة، أعرض عنهم فالله تعالى يتولاهم، (( وعظهم )) يعني ذكرهم وخوفهم، لكن لا تجعلهم أكبر همك، اتركهم ما كأنهم وجدوا، وقم بما يجب عليك من الموعظة.
5 - شرح قول المصنف : باب : قول الله تعالى : (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيداً )) أستمع حفظ
شرح قول المصنف : قوله :( وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ).
والبليغ بلاغة القول تكون بأمور، منها: أن يكون مشتملا على البلاغة والفصاحة، كما يقال: هذا قول بليغ. ومنها: أن يكون جزلا فخما مؤثرا، بمعنى أن كلماته قوية مترابطة محددة، هذا أيضا يكون بليغا لقوة تأثيره. ويكون بليغا أيضا من حيث هيئة المتكلم، فإن المتكلم إذا كان يتكلم بموت وانخفاض ما يؤثر، لكن إذا كان يتكلم بحماس وقوة يؤثر. ( كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ). أحيانا يتكلم بعض الناس أمامك بكلام حماسي تحس كأن شيء يشيلك بس ودك تمشي على طول، هذا بليغ ولا غير بليغ؟ هذا بليغ مؤثر، وأحيانا يأتي واحد يتكلم وما شاء الله لو ما تنام جاءك النوم، هذا بليغ ولا غير بليغ؟ لا هذا ...، هذا ليس ببليغ.
فالمهم أن البلاغة بلاغة القول تكون بأمور ثلاثة الآن، ما هي؟ ... عشان ما يفهم، بماذا تكون؟
أولا: بهيئة المتكلم، بأن يكون إلقاؤه للكلام على وجه مؤثر وبالغ.
ثانيا: أن تكون ألفاظه جزلة فخمة مترابطة محددة الموضوع، ما يقعد مثلا يخوض في كل واد، لكن محددة مؤثرة.
الثالث: أن يبلغ من الفصاحة غايتها بحسب الإمكان، لكن أظن أن بعض الناس قد يكون عنده جزالة ألفاظ وحسن تعبير وترتيب في الكلام وكذلك أيضا قوة اندفاع في الكلام وحماس، ولكنه إذا كان إلى جانبه سيبويه يكاد يقوم فرارا من سماعه، لماذا؟ باللحن العظيم، هذا يؤثر على العامة لا شك، لأن العامي ما يدري، لكن طالب العلم يضيّق صدره هذا، ولهذا قلنا إنه لا بد في بلاغة القول أن يكون مشتملا على البلاغة وسلامة التركيب وموافقة القواعد، وأظن هذا واضحا جدا فيما لو قام بعض الناس يقوم وهو عامي، عامي ما عنده شيء، ويتكلم بكلام جزل وفصيح وباندفاع وقوة وحماس فتجده يؤثر في قلوب الناس، لكن إذا كان عنده طالب علم يضيق صدره، لو تأثر وعرف أن الموضوع جيد وجزل، لكن يضيق صدره من جهة اللحن العظيم.
يقول لي واحد حضر مجلسا يتكلم فيه الإخوان أهل جماعة التبليغ، فقام واحد منهم، وكان لهم تأثير في الواقع الجماعة هؤلاء، فقام يتكلم فأثر، لكن بدأ يرفع المنصوب وينصب المرفوع، ويجر المرفوع، وما أشبه ذلك، يخبط خبط عشواء، في واحد جالس يعرف النحو، وذاك كل ما تكلم كلمة فيها خطأ لم رأسه هكذا.
الطالب : ...
الشيخ : أي نعم، فلما انتهى قال جزاك الله خير، هذه موعظة مفيدة ولكنك في الحقيقة أكثرت اللحن، ماذا قال له هذا المبلغ؟ قال: الله يجزاك الخير بعد أنت اللي أهديت إلي عيوبي وبينت أني ضعيف وأني ما أقدر، فالآن عرفتني بنفسي، ولكن جزاك الله خير قم أنت وتكلم، يقول فقام هذا الرجل يتكلم، لكن ذاك أخطأ في ستة أسطر في ستة مواضع، وهذا أخطأ في ستة أسطر في اثني عشر موضعا.
الطالب : ...
الشيخ : نعم، الناقد، يقول لحن أكثر من ذاك، وهذا غريب، والناس يقولون: لا تعير الناس فيعيروك. الغالب أن الإنسان اللي ينتقد الناس لأجل الانتقاد لا لأجل الإصلاح، الغالب أنه يخطئ، يكون الانتقاد عليه أكثر، فكل إنسان منا يعرف نفسه.
المهم يقول الله عز وجل: (( فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا )) شف الله عز وجل يرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى هذه التوجيهات العظيمة، (( أعرض عنهم )) احتقارا وامتهانا، (( عظهم )) إقامة للحجة عليهم، (( قل لهم في أنفسهم قولا بليغا )) من أجل لعل الله أن يهديهم ويتأثروا بهذا، وكم من منافق تاب وتاب الله عليه، ولهذا قال تعالى: (( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما ))، يقول شيخ الإسلام رحمه الله في هذه الآية : " تنطبق تماما على أهل التحريف والتأويل في صفات الله " لأن هؤلاء المعطلة لا شك أنهم يؤمنون بالله والرسول، ولا لأ؟ ويقولون ذلك، إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول يصدون ويعرضون، ويقولون: نذهب إلى فلان وفلان الشيخ الفلاني والعالم الفلاني، إذا عثر عليهم يقولون نحن نريد الإحسان والتوفيق وأن نجمع بين دلالة العقل وبين دلالة السمع اللي هو النقل، فيدّعون أنهم بتأويلهم هذا وتحريفهم جمعوا بين الدلالتين بين النقل والعقل، ذكر رحمه الله في " الفتوى الحموية " أن حال هؤلاء المعطلة الذين يحرفون الكلم عن مواضعه تباعا لزعمائهم أنهم يشبهون من قال الله فيهم: (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك )) إلى آخره، فالأمر خطير ومسألة التحاكم إلى الله ورسوله .. (( فلا وربك لا يؤمنون)) ..
(( لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون )) مناسبة هذا الباب للذي قبله أظنها واضحة، الأول في الحكم بغير ما أنزل الله، والثاني في أن من حكم بغير ما أنزل الله فدعواه الإيمان كذب، فمناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة، نعم.
شرح قول المصنف : وقوله : (( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون )) وقوله : (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ))
الإفساد في الأرض نوعان، أحدهما: الإفساد الحسي المادي، وذلك بهدم البيوت وإفساد الطرق وما أشبه ذلك مما يفعله بعض الرعاع من الناس الذين يدعون أنهم بذلك مصلحون، وهم مفسدون بلا شك، هم مفسدون، وإلا فما ذنب البيوت، وما ذنب الطرق، وما ذنب الأبرياء حتى تهدر كرامتهم؟ فهؤلاء الذين يدعون أنهم مصلحون هم في الحقيقة مفسدون.
والنوع الثاني من الإفساد: الإفساد المعنوي، يعني: فعل ما يحصل به الفساد، وذلك بالمعاصي، فإن المعاصي من أكبر فساد الأرض، قال الله تعالى: (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ))، وقال تعالى: (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )) هذا يشمل إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض يشمل المعنيين جميعا.
والإفساد في الأرض بالمعنى الأول كثر في الآونة الأخيرة، وذلك بإلقاء القنابل وغيرها مما يدمر أبرياء، فإذا قيل لماذا؟ قالوا إنما نحن مصلحون، وهم في الحقيقة مفسدون، كما قال الله عز وجل.
كذلك الإفساد في الأرض بالمعاصي كثير، فإن المعاصي سبب للبلاء والشر والفساد، قال الله تعالى: (( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ))، وقال في أهل الكتاب: (( ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم )).
المهم أن الفساد في الأرض هذا النوع الثاني وهو فعل ما يكون سببا للفساد، وذلك بالمعاصي، والمعاصي ..
شف هذه الدعوة الباطلة من أبطل الدعاوى، ما قالوا نحن مصلحون فقط، يعني عندنا إصلاح، بل قالوا: ما نحن، أي: ما حالنا وما شأننا إلا الإصلاح، فقال الرب عز وجل: (( ألا إنهم هم المفسدون )) قابل حقهم بأعظم منه، ألا أداة الاستفتاح التي تفيد التنبيه والتوكيد، إنهم إن للتوكيد هم للتوكيد، والجملة جملة اسمية تفيد التوكيد، فأكدت بأربع مؤكدات، وهي: ألا، وإن، وهم ضمير الفصل، والجملة الاسمية، إنهم المفسدون، كل هذه الأنواع، أربع من المؤكدات أكد الله عز وجل أن هؤلاء الذين يفسدون في الأرض ويدعون الإصلاح هم المفسدون لا غيرهم. طيب، مناسبة هذه الآية للباب، الباب في دعوى من يزعم أنه مؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ويريد أن يتحاكم إلى الطاغوت فيحكم بغير ما أنزل الله، مناسبة هذه الآية للباب أن الحكم بغير ما أنزل الله من أكبر أسباب الفساد في الأرض، وما فسدت الأمم إلا بتحكيم غير شريعة الله، فمناسبتها إذن ومطابقتها للباب ظاهران، نعم.
ويقول: وقوله: (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )) المعنى لا تفسدوها بالمعاصي، ولا بالتدمير المادي الحسي، فهو شامل للنهي عن الفسادين بنوعيهما كما سبق.
وقوله: (( بعد إصلاحها )) أي بعد إصلاحها من قبل من؟ من قبل المصلحين الذين أصلح الله بهم الأرض، فمن ذلك القيام ضد دعوة أهل العلم، القيام ضد دعوة السلف وأهل السنة والجماعة، القيام ضد من ينادي بأن يكون الحكم لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كل هذا من الفساد في الأرض بعد إصلاحها.
طيب، أما الفساد في الأرض بعد إفسادها بأن نزيد الفساد فسادا فلا بأس به؟
الطالب : لا.
الشيخ : كيف؟ (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ))، هاه؟
الطالب : هذا أقوى.
الشيخ : هذا من باب زيادة التوبيخ واللوم لهم، لأن الإصلاح إصلاح، ما أحد يذهب يقاوم هذا الإصلاح إلا من كان شرير الطبع فاسد السريرة، أحد يقاوم الإصلاح ويريد أن ينقلب إلى إفساد؟ لا، إلا خبيث الطوية شرير النفس، هذا يمكن يكون، فلهذا ذِكر قوله: (( بعد إصلاحها )) من باب تأكيد اللوم والتوبيخ عليهم، لأن هذا أمر لا ينبغي، كيف تفسد الصالح؟ هذا غاية ما يكون من الوقاحة وغاية ما يكون من الخبث والشر، لكن شيء فاسد يمضي الإنسان في فساده أهون وإن كان المطلوب من الجميع أن يصلحوا بعد الفساد، لكن الإفساد بعد الإصلاح أعظم وأشد.
هل لهذه الآية مناسبة في الباب؟ نعم، لأن الحكم في الأرض بما أنزل الله إصلاح بلا شك، وإرادة الحكم بغير ما أنزل الله إفساد، نعم.
7 - شرح قول المصنف : وقوله : (( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون )) وقوله : (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )) أستمع حفظ
شرح قول المصنف : وقوله : (( أفحكم الجاهلية يبغون ))
وما هو حكم الجهل أو حكم الجاهلية ؟ كل حكم يخالف حكم الله فهو حكم جهل وجاهلية، وهل هو حكم جهل أو جهالة؟ جهل وجهالة، إن كان مع العلم بالشرع فهو جهالة، وإن كان مع خفاء الشرع فهو جهل، والجهالة هي العمل بالخطأ سفها لا جهلا، (( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب )) فأما من يعمل السوء بجهل فليس عليه ذنب، لكن عليه أن يتعلم.
طيب، إذن حكم الجاهلية نقول هذه الإضافة تقتضي أيش؟
الطالب : التقبيح.
الشيخ : التقبيح والتنفير واللوم والتوبيخ على من أراد ذلك، والإضافة هنا إما أنها إضافة إلى قوم فالمعنى أفحكم الجاهليين الذين سبقوا الإسلام يبغون، أو مضافة إلى معنى، يعني: أفحكم الجهل الذي ليس فيه علم يبغون؟ والمعنى الثاني أعم.
قال الله عز وجل: (( ومن أحسن من الله حكما )) من اسم استفهام بمعنى النفي، أي: لا أحد أحسن من الله حكما، وقد سبق لنا مرارا أنه إذا جاء النفي بصيغة الاستفهام فإنه يكون مشربا معنى التحدي، كأنه يقول من أحسن، جب ما تقدر، من أحسن من الله حكما فهو أبلغ من قول لا أحسن من الله حكما، أبلغ لأنه يفيد أيش؟ هاه؟ يفيد التحدي.
الطالب : يفيد الإعجاز.
الشيخ : هذا هو معنى التحدي هو الإعجاز، نعم.
(( ومن أحسن من الله حكما ))، حكما فاعل أحسن منصوب بالضمة الظاهرة، كيف؟ تمييز؟ ليش؟ لأحسن لأنه بعد اسم التفضيل، فيكون تمييزا، ميز الأحسن لأن كلمة من أحسن من الله مبهم، فبين هذا المبهم، من أحسن من الله حكما.
وقوله جل ذكره: (( من أحسن من الله حكما )) يتناول الحكم الكوني والشرعي، أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : الكوني والشرعي، قد يقول قائل: إننا نجد في الأحكام الكونية ما هو ضار ومدمر، كالزلازل والفيضانات والعواصف وما أشبهها، فأين الحسن في ذلك؟ فما الجواب؟
الجواب: أن الغايات المحمودة في هذه الأمور تجعلها حسنة، كما يضرب الإنسان ولده تربية فيعد هذا الضرب فعلا حسنا، فكذلك الله عز وجل يصيب بعض الناس بهذه المصائب لأجل تربيتهم، وقد قال الله تعالى في القرية التي قلب أهلها قردة خاسئين، قال: (( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين )) وموعظة للمتقين، هذه من أعظم الحكم، فصدق قوله تعالى: (( ومن أحسن من الله حكما )).
ولكن هذا الحسن في حكم الله هل هو بين لكل أحد؟ لا، (( لقوم يوقنون )) وكلما ازداد الإنسان إيقانا ازداد معرفة بحسن أحكام الله، وكلما نقص إيقانه ازداد جهلا بحسن أحكام الله، ولذلك تجد أهل العلم الراسخين فيه إذا جاءت الآيات المشتبهات تجدهم يبينون وجهها بأكمل بيان، حتى تقول سبحان الله كيف يوجد هذا عندهم ولا أعرفه أنا، فكل من كان أكمل إيقانا كان ظهوره على حسن أحكام الله أكثر وأبين، ولا يجد في أحكام الله تناقضا، ولا يجد في أحكام الله ما يخالف العقل السليم، وكلما قل إيقان المرء قل معرفته بحسن أحكام الله، امتحن نفسك الآن، هل أنت تجد أحكام الله أحسن الأحكام؟ إن كنت كذلك فعندك إيقان، وإن لم تكن كذلك فيقينك ناقص، لأن الله قال: (( من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ))، وهذا خبر لا يدخله الكذب إطلاقا، لأنه لا أحد أحسن من الله حكما لقوم يوقنون، ولهذا هدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فجمعوا بين المشتبهات وبين المختلفات من النصوص، وقالوا: كل من عند ربنا لا تناقض فيه ولا اختلاف، أي نعم، نعم.
شرح قول المصنف : عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواء تبعاً لما جئت به ) قال النووي : حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح .
قال: ( لا يؤمن أحدكم )، لا يؤمن مطلقا ولا لا يؤمن على وجه التمام؟ لا يؤمن على وجه التمام، اللهم إلا أن يكون لا يهوى ما جاء به الرسول إطلاقا، فإنه لا يؤمن أبدا، لا يؤمن مطلق الإيمان، لأنه إذا كره ما أنزل الله فقد حبط عمله لكفره (( ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم )) لكفرهم، لكن إذا كان مؤمنا ولا يكره ما أنزل الله، لكن عنده في بعض الأشياء ميل إلى غير ما أنزل الله، فهذا يكون نفي الإيمان في حقه نفي كمال.
وقوله: ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه )، الهوى مقصورا الميل، والهواء ممدودا الريح، والهواء الريح، والمراد هنا الأول، ولهذا جاء مقصورا.
( حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) فإذا كان الهوى تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كان هوى مقبولا صحيحا، ولكن اعلم أن أكثر ما يطلق الهوى على هوى الضلال، لا على هوى الإيمان، (( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه )) (( واتبعوا أهواءهم )) وما أشبه ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على ذم من اتبع هواه، لكن الهوى إذا كان تبعا لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام صار هوى إيمان، وصار محمودا، وهو من كمال الإيمان.
( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه ) هذه حتى للغاية، ( تبعا لما جئت به )، لما جاء به من القرآن ولا من السنة؟
الطالب : الجميع.
الشيخ : الجميع، وتبعا لما جئت به في الأحكام ولا في التصديق يعني في العمل بالأحكام ولا في التصديق بالأخبار أو بالجميع؟ بالجميع، يكون تبعا لما جاء به، إن جاء بالأخبار صدق وآمن وأيقن، إن جاء بأحكام امتثل واتبع، نعم،
( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به )، إذا كان هواه تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لزم من ذلك أن يوافقه ولا لأ ؟ تصديقا بالخبر وامتثالا للأمر، فيكون حينئذٍ مؤمنا بالرسول محكما ل ... فإنه ناقص أو مفقود.
صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين هذا الباب الذي نحن فيه موضوعه التحاكم إلى غير الله ورسوله، وقد سبق لنا أن ذلك من الشرك والكفر، وأن من اعتقد أن حكما غير حكم الله مساويا لحكم الله أو أحسن منه، أو، مساويا له أو أحسن منه أو أنه يجوز التحاكم إليه فهو كافر، نعم.
وسبق أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) وبينا أن هذا الحديث من حيث الإسناد ضعيف، وأما من حيث المعنى فهو صحيح. وبينا أنه إذا لم يكن هواه تبعا لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن كان كارها له فهو كفر، وإن لم يكن كارها له لكن آثر محبة الدنيا على ذلك فليس بكفر.
9 - شرح قول المصنف : عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواء تبعاً لما جئت به ) قال النووي : حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح . أستمع حفظ
شرح قول المصنف : وقال الشعبي : ( كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فقال اليهودي : نتحاكم إلى محمد - لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة - : وقال المنافق نتحاكم إلى اليهود ، - لعلمه أنهم يأخذون الرشوة - فاتفقا على أن يأتيا كاهناً في جهينة فيتحاكما إليه ، فنزلت (( ألم تر إلى الذين يزعمون )) الآية . وقيل : نزلت في رجلين اختصما فقال أحدهما : نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال الآخر : إلى كعب بن الأشرف . ثم ترافعا إلى عمر ، فذكر له أحدهما القصة . فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أكذلك : قال نعم : فضربه بالسيف فقتله ) .
المنافق هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وسمي منافقا من النافقاء، وهي جحر اليربوع، واليربوع له جحر، يجعل له بابا ويجعل له نافقاء، يخرج منها عندما يحشر من بابه، يخرج من هذه النافقاء، يعني يحفر في الأرض، ثم يحفر على فوق، فإذا بقي على الأرض شيء بسيط بحيث يتمكن من دفعه برأسه حتى يخرج توقف، فيأتي من يريد اصطياده فإذا أمسك به من الجحر، من أين يخرج؟ يخرج من النافقاء من هذا الباب ال... . وأما اليهود فاليهودي هو من ينتسب إلى دين موسى عليه الصلاة والسلام، وسموا يهودا إما من قولهم إنا هدنا إليك، أي: رجعنا، وإما نسبة إلى أبيهم يهوذا بالذال، لكنه بعد التعريب صار بالدال.
فقال اليهودي: " نتحاكم إلى محمد عرف أنه لا يأخذ الرشوة "، إلى محمد يعني الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنهم لا يقرون برسالته، لأنهم يزعمون أن النبي الموعود به في التوراة سيأتي بعد - يرحمك الله - ولهذا ما ذكره بوصف الرسالة، فقال: " إلى محمد ، عرف أنه لا يأخذ الرشوة "، هذا تعليل لكونه طلب التحاكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والرشوة مثلثة الراء، أي تقرأ الرِشوة والرَشوة والرُشوة، وهي المال المدفوع للتوصل إلى شيء، كل ما ... للتوصل إلى شيء فإنه يسمى رشوة ، قال أهل العلم : ولا تكون محرمة إلا إذا كان الإنسان يريد أن يتوصل بها إلى باطل أو يدفع بها حق، فأما من بذلها ليتوصل بها إلى حق له منع منه إلا بهذه الرشوة أو ليدفع بها باطلا عن نفسه فإنها ليست حراما.
وقوله : " فاتفقا أن يأتيا كاهنا في جهينة فيتحاكما إليه "، يعني: كأنه صار بينهما خلاف، كأن المنافق والله أعلم أبى أن يتحاكم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فاتفقا بعد ذلك إلى أن يأتيا كاهنا في جهينة، والكاهن: هو الذي يدعي علم المستقبل، وكان الكهان عند العرب جماعة تنزل عليهم الشياطين بخبر السماء فيقولون سيحدث كذا سيحدث كذا فربما أصابوا في مرة من المرات وربما أخطأوا، فإذا أصابوا ادّعوا أنهم يعلمون الغيب، وكانوا محل الحكم عند العرب يعني يتحاكمون إلى الكهان.
" اتفقا على أن يأتيا كاهنا في جهينة فيتحاكما إليه فنزلت (( ألم تر إلى الذين يزعمون )) الآية " (( الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت )) أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، هذه الآية واضحة في أنها في المنافقين لا في اليهود، فكأن الذي طلب أن يذهب إلى الكاهن من؟ المنافق، أما اليهودي فلم ... هذه الآية، وقد سبق لنا شرحه.
قال : " وقيل نزلت في رجلين اختصما "، رجلين مبهمين، يحتمل أنهما من المسلمين المؤمنين أو من المسلمين المنافقين الذين أسلموا ظاهرا لا باطنا.
" في رجلين اختصما، فقال أحدهما نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر إلى كعب بن الأشرف "، وش هو كعب بن الأشرف ؟ من زعماء بني النضير من اليهود، ثم ترافعا إلى عمر، يعني كأنه صار حلا وسطا، لا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا إلى كعب بن الأشرف.
" فترافعا بعد ذلك إلى عمر بن الخطاب، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم أكذلك؟ " يعني الأمر كذلك، وعلى هذا فتكون كذلك خبر لمبتدأ محذوف، الجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف ، أي أكذلك الأمر؟ " فقال نعم "، يعني: أنه لم يرض بالرسول صلى الله عليه وسلم، " فضربه بالسيف فقتله "، الضارب عمر ضربه حتى مات، قتله.
وأيًا كانت فالقصة هذه والتي قبلها تدل على أن كل من لم يرض بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كافر يجب قتله، ولهذا قتله عمر.
فإن قال قائل: كيف يتجرأ عمر رضي الله عنه على أن يقتله والأمر في ذلك إلى الإمام، وهو النبي عليه الصلاة والسلام؟ فما هو الجواب؟ هاه؟
الطالب : ...
الشيخ : ما هو بالظاهر ، الظاهر أنه فورا، يعني قتله فورا.
الطالب : ...
الشيخ : أي، هذا هو الظاهر أن عمر رضي الله عنه لم يملك نفسه مع قوة غيرته ولم يستطع أن يصبر فقتله، لأنه عرف أن هذه ردة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من بدل دينه فاقتلوه ).
الخلاصة الآن أن الآية نزلت في كل من لم يرض بمن؟ بحكم الله ورسوله وتحاكم إلى غيره فإنه يكون كافرا مباح الدم، ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى : " فيه مسائل ".
10 - شرح قول المصنف : وقال الشعبي : ( كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فقال اليهودي : نتحاكم إلى محمد - لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة - : وقال المنافق نتحاكم إلى اليهود ، - لعلمه أنهم يأخذون الرشوة - فاتفقا على أن يأتيا كاهناً في جهينة فيتحاكما إليه ، فنزلت (( ألم تر إلى الذين يزعمون )) الآية . وقيل : نزلت في رجلين اختصما فقال أحدهما : نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال الآخر : إلى كعب بن الأشرف . ثم ترافعا إلى عمر ، فذكر له أحدهما القصة . فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أكذلك : قال نعم : فضربه بالسيف فقتله ) . أستمع حفظ
شرح قول المصنف : فيه مسائل: الأولى: تفسير آية النساء وما فيها من الإعانة على فهم الطاغوت. الثانية: تفسير آية البقرة: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) الثالثة: تفسير آية الأعراف (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) الرابعة: تفسير: (أفحكم الجاهلية يبغون) الخامسة: ما قاله الشعبي في سبب نزول الآية الأولى. السادسة: تفسير الإيمان الصادق والكاذب. السابعة: قصة عمر مع المنافق. الثامنة: كون الإيمان لا يحصل لأحد حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
الطالب : ...
الشيخ : من أين هو مشتق، اشتقاق الطاغوت من أين؟
الطالب : من الطغيان.
الشيخ : من الطغيان، طيب إذا كان من الطغيان وهو تجاوز الحد فإنه يشمل كل من تجاوز به العبد حده من متبوع أو معبود أو مطاع، كما قاله ابن القيم رحمه الله، وعلى هذا فالأصنام طواغيت، والأمراء والحكام الذين يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله هؤلاء طواغيت، وكذلك المتبوع كالحكام والمطاع مثل من؟ كالأمراء، فكل ما تجاوز به العبد حده فإنه طاغوت، لأنه من الطغيان، نعم.
" الثانية تفسير آية البقرة (( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون )) "
السائل : ... يا شيخ نفسه الطاغوت؟
الشيخ : إلا، (( لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ))، وفيها دليل على أن النفاق فساد في الأرض، لأن الآية في سياق المنافقين، وقد قال الله تعالى: (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )) فيشمل جميع المعاصي كما سبق، وقد ذكرنا أن الفساد في الأرض يشمل الفساد المعنوي، مثل ماذا؟
الطالب : ...
الشيخ : والفساد الحسي كإضاعة المال وإحراق النخيل وهدم المباني وما أشبه ذلك.
الثالثة، عندي الآية الثالثة، ما في الآية؟
الطالب : ما في.
الشيخ : نعم، " الثالثة تفسير آية الأعراف " (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )).
" الرابعة تفسير (( أفحكم الجاهلية يبغون )) " وقد سبق لنا تفسيرها، وبينا أن الاستفهام في النفي للتوبيخ والإنكار، وما المراد بحكم الجاهلية؟
الطالب : ...
الشيخ : نعم حكم الجاهلية كل ما خالف الشرع.
طيب وبناء على هذا فيشمل ما حكم به الجاهلية فيما مضى وما يحكم به فيما بعد مما خالف الشرع، لماذا أضيف إلى الجاهلية؟
الطالب : ...
الشيخ : للتنفير منه وبيان قبحه وأنه مبني على الجهل والضلال.
(( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ))، عباس، الاستفهام هنا لماذا؟ ما المراد به؟
الطالب : ...
الشيخ : ما المراد بالاستفهام في قوله (( ومن أحسن ))؟
الطالب : ...
الشيخ : لا.
الطالب : النفي.
الشيخ : النفي، أي: لا أحد أحسن من الله حكما، المراد به النفي، أي: لا أحد أحسن من الله حكما.
طيب، لماذا يأتي الاستفهام بمَن، ما هي البلاغة الحاصلة في ذلك؟
الطالب : ...
الشيخ : نعم، فيكون متضمنا معنى التحدي، ... هل من أحد أحسن من الله حكما؟ إن كنت صادقا فأت به.
قال : " الخامسة: ما قاله الشعبي في سبب نزول الآية "، ما الذي قاله؟
الطالب : قال أن ذاك في اليهودي والمنافق ...
الشيخ : هذا من؟
الطالب : اليهودي يريد أن يتحاكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والمنافق يريد أن يتحاكم إلى الكاهن فلما ترافعا إلى عمر، رفع القصة، قص القصة على عمر، فعمر قتل المنافق لعدم إذعانه لحكم النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ : توافقونه ؟ طيب، هل هم اتفقوا على أن يأتيا كاهنا؟
الطالب : ...
الشيخ : لكن هل المنافق قال أريد الكاهن؟
الطالب : ...
الشيخ : هو الظاهر، الظاهر من اقتراح المنافق، طيب، هاه؟
الطالب : ...
الشيخ : اليهود، أي لكن اتفقا فيما بعد على أن يأتيا كاهنا في جهينة، والظاهر أن الذي اقترحه المنافق بدليل سياق الآية (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا )).
طيب، هذا الأثر في بيان سبب النزول ... يا محمد؟
الطالب : ...
الشيخ : ...؟
الطالب : ...
الشيخ : الآن هو الآن أمامنا هذا ...
الطالب : ...
الشيخ : لا، ... .
الصادق والكاذب، تفسير الإيمان الصادق والكاذب، من أين يؤخذ، مصطفى؟
الطالب : ...
الشيخ : من الآية؟ وش ...
الطالب : ...
الشيخ : من أين نأخذه ؟ من قوله ... يكون مقيدة ... أن دعواهم الإيمان كاذبة فلا ... نعم.
" السابعة: قصة عمر مع المنافق " وهو أنه قتله، ولكن سبب ذلك قوة الغيرة ... .
" الثامنة: كون الإيمان لا يحصل لأحد حتى يكون هواه تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم " ، من أين يا حسين، من أين يؤخذ؟
الطالب : ...
الشيخ : ... المسألة الثامنة، هاه؟
الطالب : ...
الشيخ : " الثامنة كون الإيمان لا يحصل لأحد حتى يكون هواه تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ".
الطالب : ...
الشيخ : من الحديث؟ طيب.
11 - شرح قول المصنف : فيه مسائل: الأولى: تفسير آية النساء وما فيها من الإعانة على فهم الطاغوت. الثانية: تفسير آية البقرة: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) الثالثة: تفسير آية الأعراف (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) الرابعة: تفسير: (أفحكم الجاهلية يبغون) الخامسة: ما قاله الشعبي في سبب نزول الآية الأولى. السادسة: تفسير الإيمان الصادق والكاذب. السابعة: قصة عمر مع المنافق. الثامنة: كون الإيمان لا يحصل لأحد حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. أستمع حفظ
شرح قول المصنف : باب من جحد شيئاً من الأسماء والصفات
الجحد الإنكار، والإنكار نوعان: إنكار تكذيب وإنكار تأويل، فإنكار التكذيب كفر بلا شك، لو أن أحدا كذّب باسم من أسماء الله أو بصفة من صفاته ثابتة في الكتاب والسنة فإن هذا كفر لا شك فيه، لأن تكذيب خبر الله ورسوله كفر، مثل أن يقول: ليس لله يد، لم يستو الله على العرش، ليس الله فوق عباده، ليس لله وجه، ليس لله عين، وما أشبه ذلك، هذا كفر، لماذا؟ لأنه كذّب الخبر، وتكذيب خبر الله ورسوله كفر، مخرج من الملة ... .
إذن هذا النوع كفر، لأنه تكذيب لله ورسوله، وهو محل إجماع من المسلمين.
طيب، الثاني: جحد تأويل، يجحدها لكن مؤولا إياها، فهذا نوعان، أحدهما: أن يكون هذا التأويل له مسوغ في اللغة، فهذا لا يخرج من الملة، لا يوجب الكفر. والثاني: أن لا يكون له مسوغ في اللغة فهذا حكمه حكم الأول حكم القسم الأول، لأنه إذا لم يكن له مسوغ في اللغة، فهو تكذيب في الواقع، يكون تكذيبا.
فالحاصل أن من جحد شيئا من الصفات فحكمه كما ذكرنا ينقسم أولا إلى قسمين، الأول: أن يكون جحد تكذيب، فهذا كفر، والثاني: أن يكون جحد تأويل، وهذا نوعان، النوع الأول: أن يكون له مسوغ في اللغة العربية، فهذا لا يكفر، والثاني: أن لا يكون له مسوغ فهذا يكفّر، لأنه كجحد التكذيب. مثل أن يقول: ليس لله يد لا حقيقة ولا بمعنى أنها القوة، ينفيها نفيا مطلقا، فنقول: الآن أنت ما صدقت بها في الواقع، ما دام أنك لا أولتها تأويلا سائغا، ولا أثبتها على وجه الحقيقة فأنت مكذب. لو قال المراد بقوله تعالى: (( بل يداه مبسوطتان )) المراد بيديه أي السماوات والأرض، بل يداه أي سماواته وأرضه، فما حكم ذلك؟ هذا كفر، لأن حقيقته الإنكار والتكذيب، إذ لا يمكن أن تكون اليد في اللغة العربية ولا بمقتضى الحقيقة الشرعية لا يمكن أن تكون بمعنى السماء والأرض، واضح؟
طيب، فإن قال المراد بيديه القوة أو النعمة؟ هذا لا يكفر، لأن لها مسوغا في اللغة العربية، فاليد في اللغة العربية تطلق بمعنى النعمة كما في قول الشاعر :
" وكم لظلام الليل عندك من يدٍ *** تحدث أن المانوية تكذب "
وكم لظلام الليل عندك من يد، يعني: أي من نعمة، لأن المانوية إن الظلمة لا تخلق الخير وإنما تخلق الشر.
فإذن الجحد ينقسم إلى قسمين: جحد تكذيب وجحد تأويل، فجحد التكذيب كفر، وجحد التأويل نوعان: النوع الأول ما له مسوغ في اللغة، والنوع الثاني ما لا مسوغ له في اللغة، نعم، وقد عرفتم الحكم.
الطالب : ...
الشيخ : أي نعم، لأنه جحد حقيقته، جحد الحقيقة، فإنه جحد اليد التي أرادها الله عز وجل في قوله: (( بل يداه مبسوطتان ))، فهو جحد، جحد الرحمة في قوله تعالى: (( ورحمتي وسعت كل شيء )) وأولها إلى النعمة أو إرادة النعمة، هذا جحد.
السائل : ما معنى المانوية؟
الشيخ : المانوية طائفة من المجوس، يدعون أن الظلام ما فيه خير، ما فيه إلا الشر.
قال: وقول الله تعالى.
طيب، الأسماء، الأسماء نكمّل.
واختلف أهل اللغة من أين اشتقاقه؟ فقيل من السمو، وهو الارتفاع، وقيل من السمة وهي العلامة، فأما على الأول فوجهه أن المسمى يرتفع باسمه ويتبين ويظهر، وعلى الثاني من السمة والعلامة أن الاسم علامة على مسماه. والحقيقة أن الاسم مشتق من هذا وهذا، من السمة ومن السمو.
والمراد بالأسماء هنا أسماء الله عز وجل، وأسماء الله تعالى لها اعتباران، الأول: باعتبار دلالتها على الذات، الثاني: باعتبار دلالتها على الصفة. فمن حيث دلالتها على الذات هي أسماء، ومن حيث دلالتها على الصفة هي أوصاف، السميع من حيث دلالته على ذات الله عز وجل اسم تسمى الله به، ومن حيث دلالته على المعنى المشتق منه وهو السمع يكون وصفا، ولهذا صح أن يوصف به، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، الرحمن صفة لله، والرحيم صفة ثانية، إذن أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف، أعلام من حيث دلالتها على ذات الله عز وجل، وأوصاف من حيث دلالتها على الصفة التي يتضمنها هذا الاسم.
ودلالة الاسم على الصفة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: دلالة مطابقة، ودلالة تضمن، ودلالة التزام.
مثال ذلك: الخالق يدل على صفة الخلق دلالة تضمن، ويدل على ذات الخالق دلالة تضمن، ويدل على ذات وخلق دلالة مطابقة، ويدل على العلم والقدرة دلالة التزام، فما هو الفرق بين دلالة التضمن والمطابقة والالتزام؟ دلالة المطابقة ما دل عليه اللفظ محيطا به، يعني: دلالة اللفظ على المعنى محيطا به هذه دلالة مطابقة، يعني دلالته على جميع معناه، ودلالته على جزئه دلالة تضمن، ودلالته على خارج لازم له دلالة التزام، هذا الفرق بين الدلالات الثلاث. فالخالق قلنا إنه يدل على ذات الله وحده وعلى صفة الخلق وحدها دلالة أيش؟
الطالب : تضمن.
الشيخ : دلالة تضمن، ويدل على ذات الله وعلى صفة خلقه دلالة مطابقة، ويدل على العلم والقدرة دلالة التزام.
ثم قال الله تعالى: (( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا )) شف (( أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما )) من أين علمنا أن الله على كل شيء قدير؟ من كونه خلق السماوات والأرض، من أين علمنا ؟ من أن الخلق لا بد فيه من علم، ومن لا يعلم لا يقدر، فكيف يخلق شيئا لا يعلمه؟ من أين أخذنا أن الله على كل شيء قدير من صفة الخلق؟ أخذناه لأن الخلق هو التكوين، ولا تكوين إلا بقدرة، ودلالة الالتزام هذه مفيدة جدا لطالب العلم، كم من إنسان يستنبط من دليل واحد عدة مسائل بواسطة الالتزام، وكم من إنسان ... .