شرح قول المصنف : باب من سب الدهر فقد آذى الله
القسم الثاني: أن يسبوا الدهر على أنه هو الفاعل، فهذا شرك أكبر ولا أصغر؟ شرك أكبر، لأنه نسب الحوادث إلى غير الله عز وجل، فيكون ذلك شركا أكبر، مثل: أن يعتقد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير وإلى الشر، فهذا كفر، شرك أكبر مخرج عن الملة والعياذ بالله، لأنه اعتقد أن مع الله خالقا، وكل من اعتقد أن مع الله خالقا فهو كافر، كما أن من اعتقد أن مع الله إلها يستحق أن يعبد فإنه كافر.
القسم الثالث: أن يسب الدهر لا لاعتقاد أنه الفاعل، بل يعتقد أن الله هو الفاعل، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده، فهذا محرم ولا يصل إلى درجة الشرك، وذلك لأن سبه إياه لا يخلو، إما أن يعتقد أنه الفاعل فهذا شرك، وإما أن يعتقد أن الله هو الفاعل فتكون حقيقة السب لمن؟ لله عز وجل، لأن الله تعالى هو الذي يدبر الدهر، الدهر مسخر، يكون فيه ما أراد الله عز وجل من خير أو من شر، فليس الدهر فاعلا، فسبه في الحقيقة يعود إلى من؟ إلى سب الله عز وجل في الحقيقة، فيكون هذا محرما وليس بشرك، لأنه ما سب الله تعالى مباشرة، ولو سب الله مباشرة لكان كافرا، هذا حكم سب الدهر. ينقسم إذن أن يقصد مجرد الخبر بوقوع أمر مكروه في هذا الحين أو في هذا الوقت أو ما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به، والثاني: أن يقصد السب واللوم فهذا إن اعتقد أن الدهر هو الفاعل فهو شرك أكبر، لأنه اعتقد أن مع الله خالقا وإن اعتقد أن الفاعل الله ولكن سب الدهر لكونه محل الحوادث فهو محرم، لأنه في الحقيقة يعود سبه إلى الله عز وجل، إذ أن الدهر مسخر، ما يملك شيئا.
فإن قال قائل: إذا قلتم أن سب الدهر في هذا القسم يعود إلى الله فلماذا لا يكون كفرا؟ قلنا: لأنه لم يسب الله مباشرة، ولهذا لو كان يعتقد أنه بسبه الدهر يسب الله فعلا وأراد سب الله لكان كافرا.
وقول المؤلف : " فقد آذى الله "، الأذية هل هي الضرر أو غير الضرر؟ الأذية غير الضرر، ولا يلزم منها الضرر، فإن الواحد قد يتأذى بالشيء ولا يتضرر به، أنت تتأذى من سماعك القبح أو بمشاهدتك المكروه أو بشمك الخبيث، يعني تشم شيئا خبيث الرائحة، ولكنك لا تتضرر به، فهذا الرجل يصلي إلى جنبك وهو آكل بصلا وثوما، تتأذى ولا لأ؟ تتأذى، لكن ما تتضرر به، تتأذى ولا تتضرر، وهذا رجل صلى إلى جنبك وصار يجلس على رجلك يؤذيك يجلس على رجلك أو يضايقك بتفريج العضدين في السجود حتى إن عضديه تكون بحذاء رقبتك، بين رقبتك وكتفك وما أشبه ذلك، هذا أيش؟ تتأذى به ولكنك لا تتضرر به. فالمهم أن الأذية شيء والضرر شيء، ولهذا أثبت الله في القرآن وأثبت فيما رواه عنه نبيه عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي أنه يؤذى، ونفى أن يكون الله تعالى يتضرر، في القرآن وفي الحديث القدسي، ففي القرآن يقول الله تعالى (( إنهم لن يضروا الله شيئا ))، وفي الحديث القدسي يقول: ( يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ) فأثبت الله عز وجل الأذية له في القرآن وفي الحديث القدسي، في القرآن (( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا )) وفي الحديث القدسي هذا الحديث الذي نحن بصدده: ( يؤذيني ابن آدم يسب الدهر ) ونفى الضرر عن نفسه بماذا؟ في القرآن وفي الحديث القدسي، (( إنهم لن يضروا الله شيئا )) هذا في القرآن، في الحديث القدسي: ( يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ).
قال : " وقول الله تعالى "، تبون نستمر ولا نقرأ النحو؟
الطالب : ...
الشيخ : أخذنا نعم، إذن نعطيه عشر دقائق.
الطالب : ...
الشيخ : نشوف عاد، نعم؟ حطوا عشر دقائق الآن اضبط الساعة.
هل حديث"الدنيا ملعونة ملعون ما فيها ..." يوهم سب الدهر ؟
الشيخ : أولا لا بد نشوف هل هذا الحديث صحيح ولا لأ؟
الطالب : رواه مسلم.
الشيخ : الدنيا ملعونة؟
الطالب : نعم الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه.
الشيخ : سبحان الله
الطالب : أو عالما أو متعلما.
الشيخ : طيب، ما يخالف، راجعوه راجعوه، أنا والله أنا أشك فيه، لكن راجعوه ما يخالف، كل شيء يمكن مراجعته، فإذا صح فإنه خبر وليس بدعاء ولا سب، نعم.
السائل : ...
الشيخ : يأتينا، هذا تقدم في التطير، نعم.
قال: " وقوله تعالى ".
السائل : ...
الشيخ : نعم؟
السائل : ...
الشيخ : في سورة محمد وفي آل عمران، أظنه في الآية في موضعين أو ثلاثة.
السائل : ...
الشيخ : نعم.
الطالب : الاستثناء منقطع؟
الشيخ : الاستثناء منقطع أي نعم، يعني: لن يضروكم ولكن يؤذونكم، نعم.
شرح قول المصنف : وقول الله تعالى : (( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ، وما يهلكنا إلا الدهر ))
(( نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر )) يعني ليس هلاكنا بأمر الله عز وجل ولا بقضائه وقدره، ما يهلكنا إلا الدهر، يعني السنين، طول السنين إما طول المدة لمن طالت مدته، وإما الأمراض والهموم والغموم لمن قصرت مدته، أما أن يكون ذلك بقضاء الله وقدره ومكتوب علينا فهذا ليس كذلك، ولا شك أن هذا كذب كما سيأتي إن شاء الله.
وقوله: (( إلا الدهر )) ما المراد بالدهر هنا؟ الزمن والوقت والسنين، يعني ما يهلكنا إلا هذا، فقال الله تعالى: (( وما لهم بذلك من علم ))، يعني: ما للذي يقولونه من علم، بل العلم واليقين بخلافه، أما بالنسبة لقولهم: (( وما يهلكنا إلا الدهر )) فالعلم المحسوس المشاهد المنظور بخلافه، وأما قولهم: (( ما هي إلا حياتنا الدنيا )) فإن العلم المنقول والمعقول يدل على بطلان قولهم، حطوا بالكم، فقوله (( ما لهم بذلك من علم ))، نقول بل العلم على خلاف ما يقولون، وهم قالوا شيئين: الأول: ما هي إلا حياتنا الدنيا، والثاني: ما يهلكنا إلا الدهر، أما الأول فقد أبطله المنقول والمعقول، وأما الثاني فقد أبطله المنقول والمحسوس المشاهد، عرفتم؟ طيب، ولهذا قال الله عز وجل: (( ما لهم بذلك من علم )) وما هذه نافية، ومن علم مبتدأ مؤكد بمن، هذا نفي مؤكد بمن، فيكون نصا في العموم، يعني ما لهم علم لا قليل ولا كثير، إذن ما حالهم بهذا القول؟ يقول: (( إن هم إلا يظنون )) يعني: ما هم إلا يظنون، فهو ظن، وليس ظنا مبنيا على حقيقة في الواقع، بل هو ظن مبني على أيش؟ على أوهام وخيالات لا حقيقة لها، فالظن هنا بمعنى الوهم، يعني ليس مبنيا على دليل يجعل الشيء مظنونا، بل هو مجرد وهم، ففي هذه الآية دليل على أن الظن يستعمل بمعنى الوهم كما أنه يستعمل بمعنى العلم واليقين، أو لا؟ بمعنى العلم واليقين (( الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم )) بمعنى الوهم هنا فإنه لا حجة لهم إطلاقا وليس هناك شيء يوجب أن يصلوا إلى الظن بما قالوا بل هو مجرد وهم وخيالات، نرجع الآن إلى ما قلنا قبل قليل بأن القول الأول أو الجملة الأولى التي قالوها: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيى، قلنا: إن هذا يكذبه المنقول والمعقول، المنقول بماذا؟
الطالب : ...
الشيخ : الكتاب والسنة، الكتاب والسنة كلها تدل على ثبوت الآخرة والإيمان باليوم الآخر، والكتب السماوية كلها تقر ذلك وتؤكده بأن الله تعالى سيجعل للعباد حياة أخرى سوى هذه، هذا بالنسبة للمنقول.
أما بالنسبة للمعقول فإننا نقول لو كانت الخليقة عالم يحيى ويؤمر وينهى ويلزم بالجهاد حتى تكون كلمة الله هي العليا فيستبيح الدماء والأموال والنساء والذرية، ثم تكون النتيجة لا شيء، هل هذا يليق بحكمة الله عز وجل؟ ما يليق، لا يليق بالحكمة أن الناس يفرض عليهم الإسلام والدعوة إليه والقتال لإعلاء كلمة الله مع ما فيه من استباحة الدماء والأموال والنساء والذرية، ثم نقول: النتيجة أن الجميع يكونون ترابا ثم لا بعث ولا حياة، هذا خلاف المعقول، وهذا تأباه حكمة الله عز وجل، وقد أشار الله إليه في قوله: (( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد )) الذي فرض عليك القرآن وأنزله وفرض عليك العمل به والدعوة إليه، لا بد أن يردك إلى معاد، تجازى عليه ويجازى عليه كل من بلغته الدعوة.
طيب، الثاني قلنا قولهم الثاني: وما يهلكنا إلا الدهر يرده المنقول والمحسوس، أما المنقول فإن الآيات كثيرة بأن الإحياء والإماتة بيد من؟ بيد الله عز وجل، هو الذي يحيي ويميت، وهو الذي يقدر الآجال وكل شيء عنده بمقدار، وهو الذي يقول: (( إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون )) كل هذا من النقول يدل على أن الدهر ما له دخل في الموضوع.
أما المحسوس فإننا نشاهد من يموت في حال الصغر في أعز شبابه وأقوى بدنه، يموت أليس كذلك؟ ونشاهد من يبقى سنين طويلة وهو على قيد الحياة، وهذا نوح عليه الصلاة والسلام كم بقي في قومه؟ ألف سنة إلا خمسين عاما، ما أهلكه الدهر، ونجد أطفالا يموتون في الشهر الأول من وضعهم والشهر الثاني، وشبابا في غاية ما يكونوا من القوة يموتون، الدهر هو الذي يميتهم ولا لأ؟ ليس الدهر، إذن فهؤلاء كذبوا في القولتين جميعا، في قولهم ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وفي قولهم وما يهلكنا إلا الدهر. فتبين أنه لا بد من حياة أخرى، وأن الذي يهلك ويبقي هو الله عز وجل، ولهذا قال الله عز وجل: (( وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون )) يعني ما هم إلا يظنون.
فإن قلت: ما مناسبة هذه الآية للترجمة باب من سب الدهر فقد آذى الله؟
قلنا: المناسبة لأن أحد الاحتمالين في ساب الدهر أن ينسب الحوادث إليه، وهؤلاء نسبوا الحوادث إلى الدهر، فقالوا: وما يهلكنا إلا الدهر، هذا هو وجه المناسبة مناسبة الآية للترجمة، وإلا فإن المسألة ليس فيها إيذاء، بل فيها كفر وشرك قول هؤلاء الذين يقولون ما يهلكنا إلا الدهر، وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون، نسأل الله السلامة والعافية.
.. تليق به، ما نقول عاد إن أذيته كأذيتنا لا لأن الله يقول: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) طيب قوله، نعم، طيب نأخذ الحديث.
3 - شرح قول المصنف : وقول الله تعالى : (( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ، وما يهلكنا إلا الدهر )) أستمع حفظ
شرح قول المصنف : وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ، يسب الدهر وأنا الدهر ، أقلب الليل والنهار ) .
الطالب : ...
الشيخ : لا، الرب عز وجل هذا منتهى السند، لكنها ليست كالقرآن، الأحاديث القدسية ليست كالقرآن، ولهذا لا تقرأ في الصلوات، ولا يتعبد بتلاوتها، ويجوز مسها على غير طهارة، ويجوز للجنب قراءتها، ويجوز للحائض قراءتها، ويصح بيعها، وفي المصحف خلاف كما تعرفون، في بيع المصحف، ويسافر بها إلى أرض العدو، وفي المصحف خلاف. المهم أن أحكام المصحف لا تتعلق بالأحاديث القدسية.
الطالب : وتروى بالمعنى.
الشيخ : نعم؟
الطالب : وتروى بالمعنى؟
الشيخ : وتروى بالمعنى، نعم، بخلاف القرآن، نعم؟
الطالب : وغير مخلوقة الاحاديث القدسية؟
الشيخ : نعم؟
الطالب : وغير مخلوقة؟
الشيخ : الظاهر أن المسألة اختلف فيها أهل العلم في مسألة: هل هي منسوبة إلى الله لفظا ومعنا، فإن كان كذلك فهي غير مخلوقة، وأما من قال إنها منسوبة إلى الله معنى فقط وأن التعبير تعبير الرسول عليه الصلاة والسلام لأنها غير معجزة، فعلى هذا تكون ألفاظها مخلوقة، أما معناها فهو كلام الله غير مخلوق.
الطالب : لكن الظاهر يعني أيضا اللفظ لفظ الله سبحانه وتعالى، قيما يرويه عن ربه.
الشيخ : لا، هو هذا الظاهر، لكنه يخالف الظاهر أشياء، منها: أنا لو جعلنا الأحاديث القدسية كلام الله لفظا لصارت أعلى سندا من القرآن، لأن القرآن بواسطة جبريل، وأما هذه فتكون من الرسول إلى الله مباشرة. ولأن لفظها ليس بمعجز عند أهل العلم، ولو كانت من كلام الله لكان معجزا لأن كلام الله لا يشبهه كلام البشر، ولأنها أيضا لو كانت من كلام الله ما حصل فيها هذا الاختلاف، اختلاف الألفاظ أحيانا بزيادة أو نقص، وكلام الله تعالى محفوظ، ولهذا القرآن ما يمكن يتوصل إليه زيادة أو نقص (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) فالظاهر لي أن القول الثاني أصح، أنها كلام الله معنى وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام لفظا، وكونه يضيف الله فيقول قال الله، كما أن الله يضيف إلى فرعون وإلى موسى وإلى غيرهم فيقول قال فرعون قال موسى، مع أن اللفظ لفظ الله عز وجل، أي نعم.
( قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم ) قال الله تعالى، لنشرح هذا الحديث بألفاظه، تعالى أيش معنى تعالى؟ تعالى من العلو، لكنها أتت بهذه الصيغة للدلالة على ترفعه جل وعلا عن كل نقص وكل سُفل، فهو متعال في ذاته ومتعال في صفاته، وهي أبلغ من كلمة علا، لأنها تدل على ... ولهذا يأتي بها الله عز وجل في مقابلة الذين أشركوا به فيقول (( تعالى الله عما يشركون )) أي ترفع وتنزه عما يشركون علوا كبيرا.
وقوله: ( قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم )، يؤذيني أي يلحق بي الأذى، ولكن هذا الأذى كما قلت قبل قليل ليس كأذية المخلوق، وش الدليل؟ قوله تعالى: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وهكذا صفات الله كلها ليست كصفات المخلوق، ولهذا تأمّل أن الله قدم النفي على الإثبات في قوله: (( ليس كمثله )) لأجل أن يرد الإثبات على قلب خالٍ من توهم المماثلة، حتى يرد الإثبات على قلب خال من توهم المماثلة، يعني: ليس كمثله أقرَّ هذا في قلبك، ثم يأتي وهو السميع البصير، فيرد على قلب أيش؟ خال من توهم المماثلة، ويكون الإثبات حينئذٍ على الوجه اللائق به تعالى، وأنه لا يمكن أن يماثل الله أحدٌ في صفاته كما لا يماثله أحد في ذاته، وكل ما وصف الله به نفسه فليس فيه احتمال للتمثيل أبدا، لأنك لو أجزت احتمال التمثيل فيما وصف الله به نفسه لأجزت أن يكون احتمال الكفر في كلام الله وكلام رسوله، لأن التمثيل كفر، فلو أجزت فيما وصف الله به نفسه في القرآن أو ما وصفه به رسوله في السنة، لو أجزت احتمال التمثيل لكان معنى ذلك أنك أجزت في كلام الله وكلام رسوله أيش؟ احتمال الكفر، وهذا أمر لا يقوله عاقل فضلا عن المؤمن.
إذن فالأذية ثابتة، أفهمتم؟ الأذية ثابتة، ويجب علينا إثباتها لأننا لسنا أعلم من الله بالله، صح؟ نعم، فإذا وصف الله نفسه بهذا نقول لا؟ حاشاك أن يؤذيك أحد، أبدا، نقول حاشاك أن يضرك أحد، أما أن يؤذيك وقد أثبته لنفسك فنقول: آمنا وأقررنا واعترفنا بذلك، ولكن مع هذا لا تكون أذيته كأذية المخلوق، أنا ربما أتأذى من شيء ويكون عندي مثلا انفعال وعدم تحمل، وربما أتضرر، لكن الرب عز وجل لا يمكن في حقه هذا.
وقوله: ( ابن آدم ) يعني دون بنت آدم؟
الطالب : ...
الشيخ : آي، يقول العلماء: إذا قيل ابن أو بني في غير محصور فهو شامل للذكور والإناث، ولهذا لو وقّف إنسان على بني تميم، بني تميم وقّف عليهم وقف، فجاء الرجال وأخذوا الوقف، وقالوا للنساء: يلا ما لكم شيء، ليش؟ قالوا بني، وأنتن بنات، يصح هذا ولا ما يصح؟ ما يصح لأنهم غير محصورين، وكذلك ابن آدم ليس معناه الذكور فقط، بل الذكور والإناث، وهكذا القاعدة: ابن وبني إذا كان في غير محصور فهو شامل للذكور والإناث.
( يؤذيني ابن آدم ) وآدم هو أبو البشر كما هو معروف، خلقه الله تعالى من طين وسواه ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وعلمه أسماء كل شيء. واعلم أنه من المؤسف أنه يوجد في الكتب التي بين أيدي الطلاب فكرة ضالة خاطئة كافرة مضلة، وهي أن الآدميين ما نشأوا من طين، إنما نشأوا من قرود، وتطور الأمر بهم حتى صاروا على هذا الوصف، ويمكن على مر السنين يتطور حتى يكونوا ملائكة، وتصير الملائكة ملائكة الملائكة، وهذا القول لا شك أنه كفر، لأنه تكذيب للقرآن، وأعداء المسلمين أدخلوه على المسلمين من أجل أن يقولوا هذه أفكار متضاربة، أنتم يا المسلمين عندكم فكر ونحن يا الطبائعيين عندنا فكر، وليس فكركم بأولى من فكرنا، ولهذا أنا دائما أحذر من كلمة فكر إسلامي، مفكر إسلامي لا بأس، لكن فكر إسلامي معناه أنا حولنا الإسلام إلى أفكار قابلة للأخذ والرد، وهذا خطر عظيم، والتعبير دخل علينا من أعدائنا من حيث لا نشعر، وأعداؤنا يدسون علينا الأشياء، ونأخذها مسلمة لغلبة الجهل وقلة البصيرة والضعف الشخصي في النفوس الإسلامية، ورؤية هؤلاء القوم مرآى المبجل المعظم المعصوم من الخطأ، لهذا دخل علينا مثل هذه الأمور. أقول إن هذا القول تكذيب للقرآن صريح ولا لأ؟ تكذيب صريح واضح، فالواجب علينا أن ننكر هذا إنكارا بالغا، وأن لا نقره في أي كتب من كتب المدارس، وأن نعاقب من يقرره أو يضعه بين أيدي الشباب، لأن أقل ما فيه من الخطورة أيش؟ أقل ما فيه من الخطورة أنه يوجب لهذا الشاب الذي لم يرسخ الإيمان في قلبه ولم ترسخ قدمه في العلم وش يوجب له؟ أن يشك يقول والله يمكن هذا، هذا رجل مفكر يمكن صحيح هذا الشيء، لكننا نحن نقول مثل ما قيل في أبي العلاء المعري، يقول :
" إذا ما ذكرنا آدما وفعاله *** وتزويجه بنتيه بابنيه في الخنا
علمنا بأن الخلق من نسل فاجر *** وأن جميع الناس من عنصر الزنا "
أعوذ بالله، أجابه بعض العلماء بجواب، قال : أنت الآن أقررت أنك ولد زنا وإقرارك على نفسك مقبول، وعلى غيرك غير مقبول، وهكذا
" إقرار الفتى لازم له وفي *** غيره لهو كما جاء شرعنا " رَدوا عليه.
فالمهم هذا الرجل نقول أنت قرد، ولا تتجاوز أن تكون من القرود بصورة إنسان، أما فكرك هذا فهو فكر باطل، لأن الله أكذبك فيه، وقد قال: (( ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم )) أنت بنفسك لا تدري كيف يخلقك الله، (( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث)) ما تدري كيف تخلق، كيف تقول إن أصلك قرد، ثم صرت آدميا، قل لي: ما أصل الكلب، وما أصل البقرة، وما أصل البعير؟ ولكن أنا الحقيقة يؤلمني أن يوجد هذا بين أيدي الشباب، وأن بعض الناس قد أخذوا به على أنه أمر محتمل، والواقع أنه أمر لا يحتمل سوى البطلان والكذب والدس على المسلمين بالتشكيك بما أخبرهم الله به عن خلق آدم وبنيه، نعم.
( يؤذيني ابن آدم يسب الدهر ) الجملة هنا تفسير، يعني جملة تفسيرية أو تعليلية، يعني: إما أنها تعليل للأذية أو تفسير للأذية، يعني: بكونه يسب الدهر، أي: يشتمه ويقبحه ويلومه، وربما يلعنه والعياذ بالله، وما هو الدهر؟ الدهر الزمن، الدهر هو الزمن، قال الله تعالى: (( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا )) فالدهر الزمن فالإنسان يسب الزمن، وسبه في الحقيقة إن كان يعتقد أن الزمن هو الفاعل فقد تقدم أنه شرك، وإن كان يعتقد أن الزمن محل الحوادث ويسبه لوقوع الحوادث السيئة فيه فإنه محرم وإثم، والسب في الحقيقة يعود إلى الله.
( يسب الدهر ) أي: الزمن والوقت، قال: ( وأنا الدهر ) كيف يعني أنا الدهر، يعني أنا الزمن؟ لا، أنا الدهر يعني معناه أنا مدبر الدهر ومصرف الدهر، ويدل لذلك قوله: ( أقلب الليل والنهار ) الليل والنهار هو الدهر، يعني أنا الدهر أي أقلب الدهر، كما قال الله تعالى (( وتلك الأيام نداولها بين الناس ))
" فيوم علينا ويوم لنا *** ويوم نساء ويوم نسر "
هكذا الدنيا، لو تأملتها لوجدتها هكذا، تتقلب بالإنسان يوم يسر الإنسان ويوم يساء، ويوم يكون صحيح ونشيط، ويوم يكون فيه شيء من المرض، ويوم يكون منطلق ومسرور، ويوم بالعكس هكذا الدنيا، وهذا من حكمة الله عز وجل لئلا يركن إليها العاقل، لو كانت كلها صفوا لركن إليها كثير من الناس، لكنها كانت على هذا الوجه حتى يعتبر الناس ولا يتخذوها مقرا، نعم.
إذن ( أنا الدهر ) أيش معنى أنا الدهر؟ أنا مقلب الدهر ومصرفه، ولا يحتمل المعنى سوا ذلك لأنك لو قلت أن الله نفسه هو الدهر لجعلت الخالق مخلوقا، ولجعلت المقلِّب مقلَّبا لأن الدهر مقلَّب ( أقلب الليل والنهار ) وهذا أمر لا يمكن، فإذا قال قائل: ألستم تقولون دائما وتكررون بأن المجاز ممنوع في اللغة العربية ولا سيما في كلام الله وكلام الرسول؟ وهذا إما أن تقولوا بأن الله هو الدهر، أو تقولوا بالمجاز، فما هو الجواب؟ الجواب أننا نقول: إن الكلمة حقيقة في معناها الذي دل عليه السياق والقرائن، وإن كانت في مكان آخر تكون مجازا، وحينئذٍ فنقول هنا لا شك أن في الكلام محذوفا وهو مقلب الدهر، لأنه فسره بقوله: ( أقلب الليل والنهار )، ولأن العقل لا يمكن أن يجعل الدهر المخلوق هو الخالق، ولأن العقل لا يمكن أن يجعل الفاعل هو المفعول، المقلَّب هو المقلِّب، وبهذا نعرف خطأ من قال: إن الدهر من أسماء الله كابن حزم رحمه الله فإنه قال إن الدهر من أسماء الله، وهذا غفلة عن مدلول هذا الحديث، وغفلة عن الأصل في الأسماء، ما هو الأصل في أسماء الله؟ أن تكون حسنى بالغة في الحسن غايته، فلا بد أن تشتمل على وصف ومعنى هو أحسن ما يكون من الأوصاف والمعاني في دلالة هذه الكلمة مثلا، يعني ما تجد في أسماء الله اسما جامدا أبدا، في أسماء الخلق تجد اسما جامدا جعفر مثلا وحدرد هذا اسم جامد، أسد اسم جامد، لكن في أسماء الله تجد اسما جامدا؟ لا أبدا، لأن الاسم الجامد ما فيه معنى حتى يكون أحسن أو غير أحسن، لكن أسماء الله كلها حسنى، فيلزم من ذلك أن تكون دالة على معان، والدهر اسم من أسماء الزمن ليس فيه معنى إلا أنه اسم زمن، وعلى هذا فينتفي أن يكون من أسماء الله لوجهين، الوجه الأول: أن سياق الحديث يأباه غاية الإباء، الوجه الثاني: أن أسماء الله حسنى والدهر اسم جامد لا يحمل معنى إلا أنه اسم للأوقات، فلا يحمل المعنى الذي يوصف بأنه أحسن، وحينئذٍ فليس من أسماء الله تعالى، بل إنه الزمن، ولكن مقلب هذا الزمن هو الله، ولهذا قال: ( أقلب الليل والنهار ).
تقليب الليل والنهار هل المراد ذواتهما أو ما يحدث فيهما أو الأمران جميعا؟ الأمران جميعا، فالليل والنهار يقلب من طويل إلى قصير إلى متساو، أليس كذلك؟ والحوادث فيهما حدث ولا حرج، تتقلب في الساعة، وفي اليوم، وفي الأسبوع، وفي الشهر، وفي السنة، (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير )) ثم جاء تغيير الزمن نفسه، تؤتي الملك وتعز هذا الحوادث التي في الزمن، ثم جاء الزمن نفسه فقال: (( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ))، فالله عز وجل يقلب الليل والنهار في ذواتهما وفي الحوادث الواقعة فيهما، وتقليبه سبحانه وتعالى للحوادث الواقعة فيهما أمر ظاهر ما يحتاج إلى شواهد. فإذا قال قائل: هل لهذا التقليب حكمة أو مجرد ظهور السلطان والقدرة فقط؟
فالجواب: لا بد فيها من حكمة، ولكن هذه الحكمة قد تظهر لنا وقد لا تظهر، لأن عقولنا أقصر من أن تحيط بحكمة الله عز وجل، لكن منها ما يكون معلوما لنا، ومنها ما يكون مجهولا لنا، ثم نقول إن مجرد ظهور سلطان الله عز وجل وتمام قدرته هو من الحكمة، أليس كذلك؟ فإن سلطان الله عز وجل الأعظم الذي لا يماثله سلطان وتمام قدرته هذه لا شك أن ظهورها للإنسان من أعظم الحكم حتى يخشى صاحب السلطان سبحانه وتعالى ويخشى صاحب القدرة، ويتضرع إليه سبحانه وتعالى باللجوء إليه مما يخافه، لولا اعتقاد المرء تمام قدرة الله وسلطانه ما صح لجوؤه إليه، ولا لأ؟ إذ لا يلجأ إلى من لا يعتقد أن له السلطان الأعظم، بهذا نعرف أن تقليب الليل والنهار له حكم عظيمة، لكن منها ما يظهر لنا، ومنها ما لا يظهر، وفي رواية، طيب.
4 - شرح قول المصنف : وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ، يسب الدهر وأنا الدهر ، أقلب الليل والنهار ) . أستمع حفظ
يحتج علينا أهل البدع بأننا نأول الصفات كما في حديث سب الدهر فكيف نرد عليهم ؟
الشيخ : نعم، نحن نقول ما هو من الصفات أصلا
السائل : الأسماء
الشيخ : ولا من الأسماء، يعني معروف الدهر ما هو الدهر في اللغة العربية؟ الزمن، هل يمكن أن الله يكون هو الزمن؟
السائل : يقولون إن الله قال كذا.
الشيخ : طيب، قال كذا ما يخالف، لكن نعرف من سياق كلامه أنه يريد أنا الدهر أي مقلبه، لأنه فسره، ولاحظ أننا نحن لا ننكر التأويل أصلا، إنما ننكر التأويل الذي لا ينبني على دليل، أما ما ينبني على دليل فلم نؤول في الحقيقة، لم نحرف كلام الله وكلام رسوله عن معناه، لأننا استندنا إلى ما قال الله ورسوله، فإذا كان التأويل مستندا إلى دليل ما بقي تأويل، أو نقول هو تأويل لكن دل عليه كلام مَن قال هذا الكلام الذي أولناه إلى المعنى الذي يريد، لأن المتكلم واحد وهو الله عز وجل أو الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا حملنا كلامه بعضه على بعض ما صار هذا تأويلا مذموما، فنحن ذكرنا في كتابنا " القواعد المثلى " أن لنا على أهل البدع في هذه المسألة جوابين، الجواب الأول: أن نقول نحن لا ننكر التأويل الذي دل عليه الدليل، ما ننكره، ( عبدي مرض وعبدي استطعمتك ولم تطعمني ) أولها الله عز وجل وبين معناها ولا لأ؟ آي، ما ننكر هذا، لأن الله بينه، فإذا جاء البيان من الله ورسوله سواء كان متصلا بهذا الدليل أو منفصلا عنه فإن تأويلنا له بحجة وحجة ممن تكلم به، فكأنه يقول أردت بكلامي كذا وكذا ما في مانع أن نقول هذا هو المراد، نحن ننكر على أهل التأويل لأنهم أولوا بدون دليل إلا مجرد ما يظنونه عقلا وليس بعقل.
شرح قول المصنف :وفي رواية : ( لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر ) .
الطالب : فإن الدهر هو الله.
الشيخ : عندي فإن الله هو الدهر.
الطالب : ...
الشيخ : لا، فإن الله هو الدهر هذا الصواب.
وقوله: ( فإن الله هو الدهر ) هذا تعليل للنهي، وقد سبق لنا مرارا أن من بلاغة كلام الله ورسوله أنه أحيانا يقرن الحكم بالعلة لبيان الحكمة ولزيادة الطمأنينة، ولأجل تعدي العلة إلى غيرها فيما إذا كان المعلل حكما، فإنه يتعدى إلى غيره.
الطالب : ...
الشيخ : لا اللي عندنا فإن الله هو الدهر، هذا اللفظ، هذا اللفظ اللي ذكرنا.
الطالب : ...
الشيخ : المعنى هو الدهر هو مقلب الدهر، مثل الأول.
الطالب : ...
الشيخ : ما يستقيم، ما قاله الرسول هكذا، أثبت لي ذا قبل
الطالب : ...
الشيخ : اللي عندنا فإن الله هو الدهر
الطالب : بالنسبة يا شيخ للنظرية ...
الشيخ : ... ودائما اللي يشعر بالنقص أيش يسوي؟ يقلد من يرى أنه أعلم منه وأعلى منه، نحن الآن نلهث وراء حضارات ... عندهم الآن، هي الآن ما صارت حضارة عندهم صارت حقارات عندهم، لكن مع ذلك نلهث وراءها، فهم يعني سبقونا بكثير في هذه العلوم، لكن نحن نلهث وراءهم، وكل ما خلفوا من العراميش أخذناه، مثل ما قال ابن القيم في النونية يقول:
" كالكلب يتبعهم يمشمش أعظما " حاشا الكلاب، فالحاصل أن بعض الكتاب من اللي ما عندهم علم في الشرع أو علمهم ضعيف ويقينهم ضعيف، يأخذون بهذه الفكرة الباطلة ، والحقيقة أنه لو كان هناك قوة عند المسلمين لكانوا ما يتجاوزون القرآن والحديث ويرون أنها شهب تنقض على أباطيلهم فتحرقها، لكن مع الأسف أعرضنا عن القرآن في الحقيقة، واتخذناه مهجورا إلا في مسائل قليلة أو عند أناس قليلين، وهجر القرآن ما هو معناه هجر ألفاظه وتلاوته، هجر ألفاظه ومعانيه وأحكامه، كلها، (( قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا )) ما هو معناه ما يقرأونه، لو قرأوه ولم يصدقوا بأخباره ولم يعملوا بأحكامه صاروا هاجرين له، الصحابة رضي الله عنهم حيث أنهم ما هجروا القرآن كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، وما ظنكم إذا اطلعوا على ما فيه من العلم والعمل يصدقون بالخبر؟ يصدقون بلا شك، ويعملون بالحكم، هذا هو قبول القرآن والعمل به، فأقول مثل ما قال الأخ أحمد من أن هذه النظرية بطلت الآن، ولكن مع الأسف ... شيء يؤسف له.
شرح قول المصنف : فيه مسائل الأولى : النهي عن سب الدهر الثانية :تسميته أذى لله الثالثة :التأمل في قوله "فإن الله هو الدهر " الرابعة: أنه قد يكون سابا ولو لم يقصده بقلبه .
الطالب : ...
الشيخ : ما دليلك؟
الطالب : ...
الشيخ : من أين تؤخذ يا عبد الله؟
الطالب : من قوله تعالى: ( يؤذيني ابن آدم )
الشيخ : من قوله تعالى: ( يؤذيني ابن آدم )، نعم.
القارئ : " الثالثة: التأمل في قوله: ( فإن الله هو الدهر ) "
الشيخ : نعم، تأملنا في قوله: ( فإن الله هو الدهر ) فوجدنا أن معناه؟
الطالب : مقلب الدهر ...
الشيخ : ومصرفه وليس المعنى أن الله نفسه هو الدهر، طيب، كيف يا خالد يمتنع أن يكون الله نفسه هو الدهر؟
الطالب : إذا قلنا أنه هو الدهر فيصير الخالق مخلوقا.
الشيخ : والمخلوق خالقا، فيكون المقلَّب مقلِبا، وكذلك بالعكس طيب، نعم.
القارئ : " الرابعة: أنه قد يكون سابا ولو لم يقصده بقلبه "
الشيخ : من أين تؤخذ هذه يا محمد؟
الطالب : ...
الشيخ : لا من الحديث، الحديث هذا وارد، يعني حادث تقسيم حادث.
الطالب : ...
الشيخ : نعم، من قوله: ( يؤذيني ابن آدم يسب الدهر ) ولم يذكر قصدا نعم.
وقوله: " أنه يكون سابا " يعني لو قال قائل: لو عبر بقوله إنه يكون مؤذيا وإن لم يكن قاصدا للإيذاء لكان أوضح، أوضح من أن يقول لأن الله صرح يسب الدهر، يسب، والفعل لا يضاف إلا لمن قصده، فلو قيل: إنه يكون مؤذيا لله ولو لم يقصد الإيذاء، صح لعموم الحديث.
طيب، فات المؤلف شيء من مسائل الباب، ما هو الذي فاته من مسائل الباب؟ هاه؟ عادته رحمه الله إذا قال فيه مسائل استوعب جميع ما في الباب، يعني جميع ما تدل عليه الأدلة التي في الباب.
الطالب : ...
الشيخ : لا.
الطالب : ...
الشيخ : نعم، الآية مع أنه رحمه الله من عادته إذا ذكر آيات وأحاديث يقول فيه مسائل الأولى تفسير آية كذا وتفسير آية كذا، وهذه إما أن تكون سقطت من النساخ، أو أن المؤلف رحمه الله غفل عنها ونسيها.
على كل حال في هذا الباب من المسائل : تفسير آية الجاثية (( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيى )) إلى آخره، وقد علمنا تفسيرها وبينا وجه مناسبتها للباب، نعم.
7 - شرح قول المصنف : فيه مسائل الأولى : النهي عن سب الدهر الثانية :تسميته أذى لله الثالثة :التأمل في قوله "فإن الله هو الدهر " الرابعة: أنه قد يكون سابا ولو لم يقصده بقلبه . أستمع حفظ
شرح قول المصنف : باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه
الشيخ : هذه لو ألحقتموها عشان ينتبه لها، تلحق عندكم، وفيه أيضا من المسائل تفسير الآية وبيان وجه مناسبتها للباب، طيب.
القارئ : " صلى الله عليه وسلم قال ( إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله ) قال سفيان مثل شاهان شاه ، وفي رواية ( أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه ) قوله أخنع يعني أوضع ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم.
قال رحمه الله تعالى : " باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه "، المؤلف قال: قاضي القضاة، أل الدالة على العموم، وقاضي بمعنى حاكم، والقضاة الحكام، فيكون المعنى باب حاكم الحكام ونحوه، التسمي بحاكم الحكام ونحوه، مثل ملك الأملاك، سلطان السلاطين، وما أشبه ذلك، وما أشبه ذلك مما يدل على الحكم والنفوذ والسلطان، لأن القاضي ليس كالعالم، القاضي مفتٍ وملزم، وله سلطة، وأما العالم فإنه مفتٍ وليس له سلطة، لو يفتي مثلا شخص أو شخصين فيما بينهما من المشاكل ما ألزمهما، لكن القاضي مفت وملزم، ولهذا يقال: إن القاضي جمع بين الشهادة والإفتاء والحكم الإلزام، يعني جمع بين ثلاثة أشياء: الشهادة لأنه يشهد بحكمه على أن هذا حكم الله، ويشهد كذلك بأن الحق للمحكوم له على من؟ المحكوم عليه، وهو أيضا مفت لأنه مخبر عن حكم الله والإخبار عن حكم الله وشريعته إفتاء، وهو أيضا ملزم لأنه يلزم الخصمين بما حكم به، ففيه نوع من السلطان والولاية والشهادة، يعني: نوع من السلطان والولاية والإفتاء والشهادة، المهم أن قاضي القضاة، قلت إن أل هنا للعموم القضاة، ومعلوم أن قاضي القضاة الذي ترجع إليه القضاة، ويكون له الكلمة العليا عليهم لأنه قاضيهم، وهذا الوصف بهذا المعنى الشامل لا يصلح إلا لله عز وجل، وهذا وجه مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد، لأن من تسمى بذلك الاسم فإنه جعل نفسه شريكا مع الله فيما لا يستحقه إلا الله عز وجل، هذا وجه مناسبة الباب لكتاب التوحيد، وهي مناسبة ظاهرة، فالله عز وجل هو الذي يقضي وهو القاضي فوق كل قاضٍ، وهو الذي له الحكم وهو الذي إليه يرجع الأمر كله، كما ذكر الله ذلك في القرآن.
وقد تقدم لنا ولا حرج من إعادته أن قضاء الله ينقسم إلى قسمين: قضاء كوني وقضاء شرعي، فالقضاء الكوني لا بد من وقوعه، ويكون فيما أحب الله وفيما كرهه، انظر إلى قوله تعالى (( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين )) هذا قضاء، لكنه كوني، متعلق بما يكرهه الله ولا بما يحبه؟ بما يكرهه، لأن الفساد في الأرض لا يحبه الله، إن الله لا يحب المفسدين ولا يحب الفساد، واضح؟ هذا القضاء الكوني لا بد أن يقع، ولا معارض له إطلاقا، والنوع الثاني من القضاء أو القسم الثاني قضاء شرعي، مثل قوله تعالى: (( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ))، والقضاء الشرعي لا يلزم منه وقوع المقضي، قد يقع وقد لا يقع، ولا لأ؟ ولكنه يتعلق فيما يحبه الله، لا يقضي سبحانه وتعالى شرعا إلا بما أحب، أما ما كرهه فإنه يقضي بتركه واجتنابه، ما يقضي بوجوده وإثباته، بل يقضي بالعكس. إذن القضاء لله عز وجل شرعا وكونا، أو شرعا وقدرا، وبهذا عرفنا أن الحكم بغير ما أنزل الله يتعلق بجانب الربوبية ولا بجانب الألوهية؟ الحكم بغير ما أنزل الله يتعلق بجانب الربوبية ولا بجانب الألوهية ؟ بجانب الربوبية، لأن هذا حكم، وإذا كان حكما فإنه يتعلق بجانب الربوبية، فهو من الإخلال بتوحيد الربوبية، الحكم بغير ما أنزل الله، نعم.
وقول المؤلف: " في الصحيح إلى آخره ".
إذن الكلام على هذا الباب ما مناسبته لكتاب التوحيد؟ مناسبته أن من تسمى بهذا الاسم فقد جعل نفسه شريكا مع الله فيما لا يستحقه إلا الله، لأنه لا أحد يستحق أن يكون قاضي القضاة أو حاكم الحكام أو ملك الملوك إلا الله سبحانه وتعالى، طيب.
فإن قلت: إذا أضفنا القضاة وحصرناها بطائفة معينة أو ببلد معين أو بزمان معين، هل يجوز ذلك مثل أن أقول: قاضي قضاة المملكة العربية السعودية، أو قاضي قضاة مصر أو قاضي قضاة الشام أو قاضي قضاة العراق، أو ما أشبه ذلك، هل يجوز هذا؟ جائز؟ لماذا؟ لأنه قُيّد، ومعلوم أن قضاء الله لا يتقيد، فحينئذٍ لا يكون فيه مشاركة لله عز وجل، نعم، على أنه لا ينبغي أيضا أن يتسمى الإنسان أو يسمى بذلك وإن كان جائزا، لكن لا ينبغي، لأن النفس قد تصعب السيطرة عليها فيما إذا شعر الإنسان بأنه موصوف بأنه قاضي قضاة الناحية الفلانية، قد يدخله الإعجاب بالنفس والغرور حتى لا يقبل الحق إذا خالف قوله، وهذه مسألة عظيمة لها خطرها، إذا وصلت الحال بالإنسان إلى الإعجاب بالرأي بحيث يرى أن رأيه مفروض على من دونه فإن هذا خطره عظيم، فهو حتى على القول بأن ذلك جائز فإنه لا ينبغي التسمي به، لا قبوله اسما للإنسان أو وصفا له، ولا أن يسمى به، كما قلت هذا رجل له منصب وهو فوق هؤلاء في المنصب ويرجعون إليه، فإذا سمي وأعلن بهذا الإعلان أو بهذا الوصف، فإنه على خطر عظيم، قد يلحقه الغرور والإعجاب وحينئذٍ ما يقبل إلا ما وافق قوله، نعم. وثانيا: هل يجوز مثلا أن نقول قاضي قضاة عصره باعتبار الزمن، عصره؟
الطالب : ...
الشيخ : مقيد أيضا؟ مقيد لكن أيهما أشمل قاضي قضاة عصره أو قاضي قضاة مصر مثلا أو الشام؟
الطالب : ...
الشيخ : العصر، العصر أعم، السبب؟ لأنك إذا قلت قاضي قضاة عصره صار قاضي القضاة مدة حياته في كل الأقطار، صح؟ إذا قلت قاضي القضاة في البلد الفلاني أو في الناحية الفلانية، فهو لا يمكن أن يكون قاضي القضاة بعد موته، فتقييده بحياته واضح، ويصير مقيد أيضا بالمكان، فيكون أخف من قولنا قاضي قضاة عصره، ذكرنا تقييد ثالث ما هو؟ التقييد بالمكان، والتقييد بالزمان، والثالث ؟ أن يقال قاضي قضاة أو عالم العلماء في الفقه مثلا، قاضي القضاة في الفقه أو عالم العلماء في الفقه أو في العقائد أو ما أشبه ذلك، جائز ولا لأ؟ إذا قيده بزمن أو بمكان قلنا إنه جائز، لكن الأفضل أن لا يفعل، إذا قيده بفن من الفنون هل يكون جائزا؟ هو في الحقيقة مقتضى التقييد أن يكون جائزا، لكن في مسألة الفقه إذا قلنا إن الفقه يشمل أصول الدين وفروعه على حد قول الرسول عليه الصلاة والسلام ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) صار فيه عموم كبير ولا لأ؟ معناه مرجع الناس كلهم في الشرع إليه، وهذا عموم واسع، فأنا أشك في جواز هذا وإن كان مقيدا، صحيح أن الله عز وجل حاكم الحكام في كل شيء في الأمور الشرعية والأمور الكونية والأمور العلمية، كل الأمور، ونحن قيدناه بشيء معين لكن في الحقيقة أن هذا الشيء المعين لا سيما الفقه إذا جعلناه عاما للأصول والفروع ففي نفسي منه شيء، والتنزه عنه أولى. طيب، إذا قيدناه بقبيلة؟ قلنا من باب أولى بالتحريم أو بالجواز؟ بالجواز؟ قلنا هذا قاضي قضاة آل فلان، هذا أظن من أقل ما يكون حصرا أو لا؟ إذن هذا جائز، لكن كما قلت من قبل، مراعاة جانب الموصوف بهذه الصفات حتى لا يغتر ويعجب بنفسه هذا أظنه واجب، ولهذا مدح رجل رجلا عند النبي عليه الصلاة والسلام فقال له ( قطعت عنق صاحبك ) يعني خطر عظيم، وهذا ما يحتاج أننا نقيم عليه دليلا، لأن الإنسان يشعر به بنفسه، لأنه إذا مدح لا شك أنه يصير عنده شيء من الترفع، لكن من الناس من إذا مدح فرح بنعمة الله، وقال هذا من نعمة الله علي أن أكون في مقام المدح لا في مقام الذم، ولكنه مع ذلك يكون متواضعا، ومن الناس من تؤزه نفسه نسأل الله السلامة ويهلك، نعم.
الطالب : لفظة شيخ الإسلام وكذا.
الشيخ : أي نعم، ما رأيكم في هذا إذا قلنا شيخ الإسلام؟
الطالب : جائز.
الشيخ : لماذا ؟
الطالب : ...
الشيخ : هاه؟
الطالب : ...
الشيخ : لا هو شيخ الإسلام، نقصد شيخ الإسلام ابن تيمية، هاه؟ وش رأيكم يعني لو قال قائل مثلا ابن تيمية شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب شيخ الإسلام، هو عند الإطلاق لا يمكن أن يصح، عند الإطلاق ما يمكن أن يصح، لأن أبا بكر أحق بهذا الوصف، ولا لأ؟ لا شك أنه بعد النبيين أبو بكر هو أفضل الخلق، كيف نقول هذا شيخ الإسلام؟ يمكن أن يقال إن كل أحد لا يفهم من شيخ الإسلام أنه الشيخ المطلق الذي يرجع إليه في الإسلام ولا لأ؟ لكنه وصف بهذا الوصف لأنه جدد الإسلام وأثر في الإسلام، وهذا أمر لا يُشك فيه بالنسبة إلى مثل هؤلاء العلماء، مثل الإمام أحمد والشافعي وغيرهم من الأئمة، ما في شك أنهم من شيوخ الإسلام، لأن لهم تأثيرا بالغا، وكذلك مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، كل هؤلاء لا شك أنه يصح أن نقول أنهم شيوخ الإسلام باعتبار ما لهم من أثر حميد في الإسلام، فالظاهر لي أنه كما قال الأخ عبد الله أنه نظرا لإقرار أهل العلم ذلك فيما بينهم وتناقله هذا لا بأس به، وكل أحد لا يفهم من كلمة شيخ الإسلام أن هذا هو الشيخ الذي يرجع إليه في قضايا الإسلام، أبدا، ولكن يعلم أن هذا الرجل له أثر في دين الله فاستحق هذا اللقب.
طيب، والإمام ما رأيكم فيه؟ هاه؟ الإمام أهون بكثير، حتى النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إذا أمن الإمام ) إمام مسجد يمكن ما عنده إلا اثنين، سماه الرسول إمام، الإمام، لكن، نعم؟
الطالب : هذه مقيدة.
الشيخ : لا، مقيدة باعتبار القرينة وإلا هي مطلقة باعتبار اللفظ.
ولكن الشيء الذي أنا أحب أن لا يكون ما جرى عليه تعبير الناس الآن طلبة العلم صاروا يجعلون كل شخص إماما، حتى وإن كان له رتبة دنيا بالنسبة مثلا للحديث أو لغيره كالفقه يقولون قال الإمام، وهذا في الحقيقة ربما نقول إنه كذب، لأن الإمام من له أتباع وكان قدوة (( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله )) أمة، كوننا نعبر عن كل مصنف إمام، في هذا نظر، أما من كان قدوة وعمدة كالبخاري مثلا أو مسلم أو هؤلاء الأئمة ممكن أن نقول إمام، على أننا ما نقول إن إمامة البخاري كإمامة الإمام أحمد مثلا، بينهما فرق بحسب ما لهما من الأثر في المسلمين، لكن الذي قد يكون كذبا وقد يكون يؤدي إلى أن يرفع أحد فوق مرتبته هو هذا التسامح في إطلاق إمام، كما أنه أيضا تسامح ووصف للإنسان بما لا يستحق أحيانا فإنه هضم للأئمة، لأن الإنسان إذا تصور أن هذا إمام وذاك إمام وش يصير؟ يصغر ذلك في عينه، يصغر الإمام الحق في عينه، ولهذا قيل :
" ألم تر أن السيف ينقص قدره *** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا "
نعم؟
الطالب : ...
الشيخ : ... واسعة جدا، آية الله، حجة الله، حجة الإسلام هذه كلها ألقاب حادثة ما تنبغي في الحقيقة، لأن ما في أحد حجة الله، ما في أحد حجة لله على عباده إلا الرسل، (( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )) ما في أحد، وما في أحد أيضا آية الله إلا إذا أردنا بالمعنى الأعم، وإذا أردنا آية الله بالمعنى الأعم دخل فيها كل شيء.
" وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد "
أما آية خارقة للعادة هذه ما تكون أيضا إلا على أيدي الرسل. على كل حال هذه الألقاب كلها ينبغي أن تحذف، أن تحذف من قواميس الشرع، وأن يقال: العالم لا بأس، المفتي لا بأس، القاضي لا بأس، الحاكم لا بأس، الإمام إذا كان مستحقا لا بأس، نعم، نعم.
شرح قول المصنف :في الصحيح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك ، لا مالك إلا الله ) .
قال: ( لا مالك إلا الله ) لا مالك ولا ملك إلا الله عز وجل، ولهذا جاء في الآية في سورة الفاتحة (( ملك يوم الدين )) و (( مالك يوم الدين )) لأجل يجمع بين الأمرين بين الملك وكمال التصرف، الملك بأن تكون له الكلمة، فإن الملك له الكلمة، والمالك له كمال التصرف، وكم من ملك ليس بمالك أو لا؟ يمكن هاه ملك وليس مالك؟ ممكن أي نعم ممكن، ممكن يصير ملك ويعظم وتقرع له الدفوف وكل شيء، لكن ما هو مالك في الواقع، كل الأمور من دونه، في الآن ملكة بريطانيا تسمى ملكة، ولكن ما لها شأن كل الأمور بدونها، فرب ملك ليس بمالك، ورب مالك ليس بملك، يصير؟ ما يصير يا خالد، الآن أنت مالك كتابك، وهل أنت ملك؟
الطالب : ...
الشيخ : طيب، ورب ملك ليس بمالك، رب ملك ليس بمالك، ورب مالك ليس بملك ، ولهذا جاءت الآية الكريمة بالقراءتين عشان يُعرف أنه سبحانه وتعالى ملك مالك، ملك ذو سلطان وعظمة وقول نافذ، ومالك متفرد مدبر لجميع أمور مملكته وكل شيء فهو مملكة لله وملك لله سبحانه وتعالى.
هنا قال: ( لا مالك إلا الله ) وكذلك لا ملك إلا الله عز وجل، فإذا كان لا مالك إلا الله، فهو من باب أولى أن لا يكون ملك إلا الله سبحانه وتعالى.
طيب، ( لا مالك إلا الله ) بأي نوع من أنواع التوحيد تتعلق بالألوهية أو بالربوبية أو بالأسماء والصفات؟
الطالب : بالربوبية.
الشيخ : بالربوبية، ولهذا سبق لنا أن توحيد الربوبية يتركز على ثلاثة أمور: الخلق والملك والتدبير، كذا؟ ما مر علينا هذا؟ مر علينا أن توحيد الربوبية يرتكز على أمور ثلاث: الخلق والملك والتدبير، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر إلا الله كل ذلك موجود دلائله في الكتاب في القرآن الكريم، بغض النظر عن دلالة العقل، قال الله تعالى (( هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض )) الاستفهام هنا بمعنى النفي، لكن جاء بصورة الاستفهام وهو للنفي لأنه أشرب معنى التحدي، يعني إن وجدتم فهاتوه، وقال تعالى: (( إن ربك هو الخلاق )) هو ضمير الفصل وش يدل عليه؟ يدل على التوكيد والحصر، إذن لا خلاق إلا الله عز وجل، وقال: (( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله )) الذين اسم موصول يشمل كل من يدعى من دون الله (( لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له )) شوف لو اجتمعوا على أن يخلقوا ذبابا ما استطاعوا، يخلقوا بعوضة أقل من الذباب؟ كيف؟ ما قدروا على الذباب لكن قدروا على البعوض؟ ها ما يقدرون؟ إذن لأن التمثيل بالذباب ليس للتقدير، ولكنه للمبالغة، وما جاء على سبيل المبالغة فإنه لا مفهوم له كثرة ولا قلة، وهذا مر علينا أيضا هذه القاعدة، طيب هذا الخلق، الملك أين الدليل على أن الله منفرد به؟ (( تبارك الذي بيده الملك )) نعم، (( ألا له الخلق والأمر )) لا الأمر في التدبير (( قل اللهم مالك الملك )) (( ولله ملك السماوات والأرض )) (( ولله ما في السماوات والأرض )) كثير انفراده بالملك، طيب.
انفراده بالتدبير (( ألا له الخلق والأمر )) (( أمن خلق السماء والأرض )) (( ومن يملك السمع والأبصار )) (( ومن يخرج الحي من الميت )) (( ومن يدبر الأمر )) ولئن سألتهم أظن (( قل من يرزقكم من السماء والأرض )) أحسنت، قل من يرزقكم من السماء والأرض ، (( أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله ))، (( قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون الله )) إذن الآيات كثيرة في هذا، وش بقي؟ ما بقي شيء، الخلق والملك والتدبير، لكن قد يقول قائل: إن غير الله يكون خالقا لقول الله تعالى: (( فتبارك الله أحسن الخالقين ))، ولقوله في الحديث الصحيح في المصورين يقال: ( أحيوا ما خلقتم ) فأثبت خلقا، وقال تعالى: (( والله يعلم ما تصنعون )) فأثبت صنعا، وفي الملك قال: (( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ))، وقال (( أو ما ملكتم مفاتحه )) وفي التدبير والأمر ...، فما هو الجواب؟ يأتي إن شاء الله بعد الأذان وتأملوه.
.. ليس إيجادا، لكنه تحويل من شيء إلى شيء، أما مادة هذا الشيء فهو من الله عز وجل هو الذي خلقه، ولا لأ؟ لنفرض مثلا هذا رجل صنع بابا، ممكن نقول خلقه إذا كان أوجده بعد أن تروّى فيه وقدّر لكن هل هو الذي خلقه حقيقة؟ لا، لكن خشب حوله من صفة إلى صفة حتى جعله بابا، وعلى هذا فقس، فليس الخلق إيجاد، ولهذا لو اجتمع الخلق كلهم على أن يوجدوا شيئا ما أوجدوه أبدا، فعناصر الكون كلها من الله عز وجل هو الذي خلقها، وغاية ما للإنسان من ذلك أيش؟ أن يحوله بما علمه الله عز وجل إلى ما يريد أن يكون عليه فيه، هذا من جهة، ومن جهة ثانية أيضا أنه محدود محدود حتى خلق الآدميين لو قلنا الخلق فهو محدود، هل أحد ادعى أنه خلق الشمس أو القمر أو السماء؟ أبدا، وكذلك نقول في الملك، الملك إنه محدود وليس مطلقا، محدود فيما أختص به أنا، فهذا ملكي لكن ما أقول إني ملكت الذي بيدك ولا لأ؟ فإذن محدود، أيضا مقيد ما أستطيع أن أملك هذا الشيء إلا بمقتضى الشرع، ولا أستطيع أن أتصرف فيه كما شئت، لو أن أحدا أراد أن يحرق ماله يمكن؟ ما يمكن إلا بحدود الشرع، وكذلك نقول في التدبير الإنسان نعم له تدبير وله أمر، لكن تدبيره وأمره تحت مشيئة الله (( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله )) فليس مستقلا بتدبيره ولا بمشيئته، وبهذا عرفنا أن الخلق الحقيقي والملك الحقيقي والتدبير الحقيقي لمن؟ لله سبحانه وتعالى، والله أعلم.
9 - شرح قول المصنف :في الصحيح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك ، لا مالك إلا الله ) . أستمع حفظ
شرح قول المصنف :قال سفيان : ( مثل شاهان شاه ) . وفي رواية : ( أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه ) . قوله : ( أخنع ) يعني : أوضع .
الطالب : تختلف عن الغضب يا شيخ؟
الشيخ : الظاهر أنها آي نعم، كأنها والله أعلم أشد، نعم.
10 - شرح قول المصنف :قال سفيان : ( مثل شاهان شاه ) . وفي رواية : ( أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه ) . قوله : ( أخنع ) يعني : أوضع . أستمع حفظ
شرح قول المصنف : فيه مسائل: الأولى: النهي عن التسمي بملك الأملاك. الثانية: أن ما في معناه مثله، كما قال سفيان. الثالثة: التفطن للتغليظ في هذا ونحوه، مع القطع بأن القلب لم يقصد معناه. الرابعة: التفطن أن هذا لإجلال الله سبحانه.
الطالب : حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أن من أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بملك الأملاك ).
الشيخ : طيب لو قال قائل: هذا ما في نهي، والمؤلف يقول فيه النهي، تبين أين النهي؟
الطالب : إن أخنع اسم عند الله.
الشيخ : وين النهي؟ النهي هو طلب الكف على وجه الاستعلاء بحرف لا.
الطالب : لا مالك إلا الله.
الشيخ : هذه لا نافية ما فيها نهي، يخبر أنه ما في مالك إلا الله.
الطالب : ...
الشيخ : النهي شرعا لا يستفاد من الصيغة المعينة المعروفة، بل إذا ورد الذم فيه أو سب فاعله أو ما أشبه ذلك فإنه يفيد النهي، صحيح أن صيغة النهي هي المضارع المقرون بلا الناهية، مثل: لا تفعل، ولكن إذا كان هناك ذم أو وعيد أو ما أشبه ذلك فهو متضمن لمعنى النهي وزيادة أيضا.
طيب، الفائدة الثانية يقول : " أن ما كان في معناه مثله كما قال سفيان " وش الذي في معناه؟
الطالب : ... حاكم الحكام وكما قال سفيان شاهان شاه.
الشيخ : نعم، وقاضي القضاة نعم طيب.
" الثالثة: التفطن للتغليظ في هذا ونحوه مع القطع بأن القلب لم يقصد معناه " من أين تؤخذ يا عبد الرحمن؟
الطالب : ...
الشيخ : لم يقصد.
الطالب : ما في لم.
الشيخ : لا لم، لم يقصد، عندنا لم، يمكن ساقطة من بعض النسخ، لم يقصد معناه.
الطالب : وصفه بأنه أغيظ رجل وأخبثه ...
الشيخ : يعني سواء قصدت أم لم تقصد، فإن كنت قاصدا؟
الطالب : ...
الشيخ : آي فهو أشد، لأن القاصد إما أن يكون قوله مطابقا للواقع ولا يمكن أن يكون مطابقا للواقع، أو يمكن؟ إما أن يكون مطابقا للواقع فيكون واقعا في النهي والتحذير، وإن لم يكن مطابقا للواقع فقد تضمن الأمرين الكذب والوقوع في هذا الاسم المبغوض إلى الله عز وجل، يعني مثلا إذا سمينا شخصا بقاضي القضاة أو حاكم الحكام وهو ليس كذلك، هو من أجهل القضاة ومن أضعف الحكام، جمعنا بين أمرين بين الكذب في المعنى والوقوع في اللفظ المنهي عنه، وإن كان صدقا يعني صحيح أن هذا الرجل أعلى من ناس زمانه أو مكانه ويرجع القضاة إليه هذا وإن كان مطابقا للواقع ولكنه واقع في النهي عنه، هذا معنى قول المؤلف: " مع أن القلب لم يقصد معناه".
" الرابعة: التفطن أن هذا لأجل الله " التفطن أن هذا لأجل الله من أين تؤخذ يا خالد، التفطن من أن هذا لأجل الله؟
الطالب : لا مالك إلا الله.
الشيخ : من أين، من أين، حدد؟ أما تقرأ الحديث كله وتقول يؤخذ من هذا الحديث!
الطالب : يعني هذا النهي لأجل الله سبحانه وتعالى.
الشيخ : آي أنا أقصد من أين نأخذه من الحديث.
الطالب : نأخذه: لا مالك إلا الله.
الشيخ : توافقون؟
الطالب : آي.
الشيخ : آي صح، بيّن، أشار إلى العلة في ذلك، وهو أنه لا مالك إلا الله كيف تقول ملك الأملاك؟ وهو ما في مالك إلا الله عز وجل.
طيب، ذكرنا فيما سبق الفرق بين ملك ومالك، أحمد؟
الطالب : الملك قد ... ليس كل ملك مالك وليس كل مالك ملك، قد يكون مسمى ملك ولكن لا يكون ...، وقد يكون الإنسان مالك بما يملكه من شيء ...
الشيخ : يعني الملك من ملك السلطان مطلقا؟ كذا؟
الطالب : ...
الشيخ : من ملك حسب حاله، هذا الملك، لكن قد ينفذ يفعل فيكون ملكا مالكا، وقد لا يفعل فيكون ملكا اسما وليس بمالك، وكذا أن المالك فهو الذي له تصرف في شيء معين كمالك البيت ومالك السيارة ومالك البهيمة وما أشبه ذلك هذا ليس بملك، لأنه ما له سلطة عامة أي نعم،
طيب، يستفاد من هذا الحديث أيضا فوائد غير هذه، لكن كأن المؤلف رحمه الله ذكر منها ما يتعلق بكتاب التوحيد، يستفاد منه إثبات الغيظ لله عز وجل، وأنه يتفاضل، لقوله: ( أغيظ ) وأغيظ اسم تفضيل.
ويستفاد من ذلك أيضا أن كل من تعاظم فجزاؤه عند الله أن يوضع ( إن حقا على الله ما ارتفع من شيء إلا وضعه ) وكل ( من تواضع لله رفعه الله ) لأن هذا مقتضى الجزاء في هذا الحديث.
ويستفاد من هذا الحديث أيضا: حكمة الرسول عليه الصلاة والسلام في التعبير والتعليل، لأنه لما بين أن هذا أخنع اسم وأغيظه أشار إلى العلة، وهو لا مالك إلا الله، وهذا من حسن التعليم والتعبير، وهذا ينبغي لكل إنسان يعلم الناس أن يقرن الأحكام بما تطمئن إليه النفوس من أدلة شرعية أو علل مرعية، حطيتوا بالكم، لأن هذا العلم، قال ابن القيم في النونية :
" العلم معرفة الهدى بدليله *** ما ذاك والتقليد يستويان "
هذا هو العلم أن تربط الأحكام بأدلتها الأثرية أو النظرية، الأثرية يعني كتاب وسنة أو إجماع، والنظرية يعني العقلية العلل المرعية التي يعتبرها الشرع.
ثم قال: نعم؟