شرح قول المصنف: " فبين رحمه الله أن الغرض من نقله بيان الحق من أي إنسان، وإقامة الحجة على هؤلاء من كلام أئمتهم والله أعلم "
الشيخ : يعرف الرجال بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال لكن لا شك أن من كان مأمونا فإن قوله له قيمته. ولهذا قال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا )) فأمر بالتبين في خبر الفاسق لأنه ليس أهلا لأن يقبل قوله ولكن العدل أمر بقبول قوله نعم. " فبين رحمه الله أن الغرض من نقله بيان الحق من أي إنسان وإقامة الحجة على هؤلاء من كلام أئمتهم، والله أعلم ". وهذا موجود الآن، الآن إذا قلت مثلا لواحد: هذا مذهب، إذا أتيت بحكم مسألة من المسائل واستنكرها، من يقول هذا؟ قلت هذا مذهب الإمام أحمد، يصير كأنه مصبوب على رأسه ماء بارد خلاص يطمئن ويستأنس ويستقر، وهو بالأول مستنكره. أو تيجي واحد مقلد الشافعي تقول له مثلا: هذا القول ثم يستنكره ويستغربه، كيف هذا يكون؟ قلت هذا مذهب الشافعي، هذا ما قاله النووي في المجموع، وما أشبه ذلك يهدأ ويسكت مع أنه بالأول كان بينكر عليك أشد الإنكار. وهذا موجود في كل وقت، حتى الآن يعني أن الإنسان ينبغي له إذا أمكنه إقناع الغير ولو بنقل كلام من ليس قوله حجة فلا بأس.
شرح قول المصنف: " الباب الثالث والعشرون في أقسام المنحرفين عن الاستقامة في باب الإيمان بالله واليوم الآخر. طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان على الصراط المستقيم علماً، وعملاً يعرف ذلك من تتبعها بعلم وعدل فقد حققوا الإيمان بالله واليوم الآخر، وأقروا بأن ذلك حق على حقيقته، وهم في عملهم مخلصون لله، متبعون لشرعه، فلا شرك، ولا ابتداع، ولا تحريف، ولا تكذيب "
الشيخ :" الاستقامة في باب الإيمان بالله واليوم الآخر ". نحن ذكرنا كثيرا أن الله عز وجل يقرن بين الإيمان به واليوم الآخر، لأن الإيمان به أصل كل الإيمان، والإيمان باليوم الآخر هو السبب الذي يحدو الإنسان إلى العمل، لأن العامل إذا لم يعتقد بأن هناك مبعثا يجازى الناس فيه بأعمالهم فإنه يعمل أو لا؟ فإنه لن يعمل، إذا لم يعتقد ذلك ويؤمن به فإنه لن يعمل. لو كان الإنسان لا يرى إلا أنها الحياة الدنيا يحيى قوم ويموت آخرون ما عمل أبدا للآخرة، ولأطلق نفسه الحرية التامة للشيطان والهوى، فلهذا يقرن الله دائما بين الإيمان به الذي هو أصل كل إيمان، والإيمان باليوم الآخر الذي هو السبب الوحيد للعمل. الناس انقسموا في هذا الباب إلى ثلاثة أقسام، بل إلى أربعة أقسام : قسم على الحق، وقسم أهل تخييل، وقسم أهل تجهيل، وقسم أهل تأويل، أربعة أقسام. أما القسم الأول فإليك بيانه، يقول : " طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان على الصراط المستقيم علما وعملا ". علما هذا يعود إلى الأمور العلمية العقدية، وعملا يعود إلى الأمور العملية الجوارحية، التي تتعلق بالجوارح. " فهم على الصراط المستقيم في العلم والعمل يعرف ذلك من تتبعها بعلم وعدل ". انتبه إلى هالكلمتين. النظر إلى الناس إذا لم يكن بعلم وعدل صار سببا للجور والظلم. إذا نظرت إلى غيرك فانظر إليه بعلم وعدل لأجل أن تعطيه ما يليق به من الحكم، لأنك إن نظرت بجهل فإنك قد تحكم بالشيء وهو لا يستحقه، وإن نظرت إليه بجور فإنك قد تحكم عليه بالشيء الذي ترى أنه بريء منه لأنك جائر، لأنك جائر. حتى لو وجد قرائن تدل على ما حكمت به وهو من الأمور التي تخفى فإنه لا يجوز لك الحكم عليه. ألم تروا إلى أسامة بن زيد رضي الله عنه حين لحق المشرك بالسيف، فوقف المشرك، وقال : لا إله إلا الله. فظن أسامة أنه قال ذلك تعوذا من القتل فقتله. ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : ( قتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال نعم يا رسول الله إنما قالها تعوذا ) ما هو حقيقة ولا من القلب فقال : ( قتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ فما زال يكررها حتى قال أسامة : تمنيت أني لم أكن أسلمت من بعد ). انتبه، إذن الحكم على الناس يحتاج إلى ايش؟ إلى علم وعدل. فمن قال بجهل ظلم ومن قال بجور ظلم. وكثيرا ما نظن بالإنسان ظنا فإذا الأمر بخلافه. لو وجدت رجلا معه امراة يمشي في السوق ويكلمها ويحادثها، قلت: هذا الرجل هذا خيبة، هذا يكلم النساء في الأسواق ويمشي معهن ما فيه خير، وحكمت عليه بأنه رجل ساقط سافل، لأنه يمشي مع امرأة في السوق ويكلمها، ماذا نقول في هذا الكلام، في هذا الحكم؟ الطالب : ... . الشيخ : لأنه مبني على ايش؟ على الجهل، هل علمت أنها أجنبية منه؟ لا، إذن كيف تحكم؟ لو أنك رأيت إنسانا تعرف أن الذي تمشي معه امرأة من محارمه فذهبت إلى الوالي، قلت: تعال شوف هذا الرجل والعياذ بالله معه امرأة أجنبية منه عليك به ابطش به، ويش يكون هذا؟ جور ولا جهل؟ الطالب : جور وظلم. الشيخ : نعم، جور وظلم، هذا خلاف العدل، ولهذا استمع إلى الكلام : لا بد أن تنظر إلى الناس حين الحكم عليهم بماذا؟ بالعلم والعدل، بالعلم والعدل، أما أن تحكم بجهل فهذا خطأ، أما أن تحكم بجور فهذا خطأ، وكثير من الناس تجده يتكلم بجهل وربما يتكلم بجور في الحكم على الناس، وهذا حرام، قال الله عز وجل : (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )). طيب، من نظر إلى طريق النبي عليه الصلاة والسلام بعلم وعدل فإنه يحكم بأنها ايش؟ " على الصراط المستقيم، وأنهم قد حققوا الإيمان بالله واليوم الآخر، وأقروا بأن ذلك حق على حقيقته، وهم في عملهم مخلصون لله، متبعون لشرعه، فلا شرك، ولا ابتداع، ولا تحريف، ولا تكذيب ". هذه طريق النبي عليه الصلاة والسلام، بل من نظر إلى هذه الطريقة بالعلم والعدل علم أنها أفضل طريقة وأنها الطريق الوحيد إلى سعادة الدنيا والآخرة.
شرح قول المصنف: " وأما المنحرفون عن طريقتهم فهم ثلاث طوائف: أهل التخييل، وأهل التأويل، وأهل التجهيل "
الشيخ :" أما المنحرفون عن طريقهم في ذلك فهم ثلاث طوائف: أهل التخييل، وأهل التأويل، وأهل التجهيل ". انتبه لهذا الباب لأنه مهم جدا. المنحرفون عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الإيمان بالله واليوم الآخر طوائف ثلاث: أهل التخييل، وأهل التأويل، وأهل التجهيل. أهل التخييل سموا بذلك لأنهم يقولون : إن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر كله أمثال وتخييلات لا حقيقة لها، ما لها حقيقة، فليس هناك رب ولا بعث ولا جنة ولا نار. لكن الرسل جاؤوا بذلك على سبيل الأمثال، ضرب الأمثال، وعلى سبيل التخييلات حتى يتخيل الناس أن هناك ربا ويوما آخر وجزاء وعقابا. أنتم معي يا جماعة؟ ولهذا سموا بهذا الاسم، سموا أهل التخييل، لأنهم يقولون به، من هؤلاء؟
شرح قول المصنف: " فأما أهل التخييل: فهم الفلاسفة، والباطنية ومن سلك سبيلهم من المتكلمين وغيرهم. وحقيقة مذهبهم أن ما جاءت به الأنبياء مما يتعلق بالإيمان بالله واليوم الآخر أمثال وتخييلات لا حقيقة لها في الواقع، وإنما المقصود بها انتفاع العامة وجمهور الناس، لأن الناس إذا قيل لهم : إن لكم رباً عظيماً، قادراً، رحيماً، قاهراً، وأمامكم يوماً عظيماً تبعثون فيه، وتجازون بأعمالكم ونحو ذلك استقاموا على الطريقة المطلوبة منهم، وإن كان هذا لا حقيقة له على زعم هؤلاء "
الشيخ : يقول : " فأما أهل التخييل : فهم الفلاسفة، والباطنية ومن سلك سبيلهم من المتكلمين وغيرهم". الفلاسة هؤلاء هم الذين يدعون أنهم الحكماء العقلاء، ويرون أن العلوم التي سوى علومهم ليست بشيء، حتى علوم الأنبياء عندهم ليست بشيء، تقول هذه علوم عجائز ولا تصلح لأهل العقل، وطبعا هم ينكرون الخالق، وينكرون اليوم الآخر، لأنهم ماديون دهريون، لا يؤمنون بشيء والعياذ بالله. ومع ذلك عندهم الكبرياء والغطرسة ما يجعلهم يرون الناس كأمثال الذر ولا يعبؤون بهم، فهم فلاسفة. والباطنية، الباطنية هم الذين يقولون: إن الدين له ظهر وبطن، أو ظاهر وباطن. فالظاهر لأهل الظاهر والباطن لأهل الباطن. من هم أهل الظاهر؟ أهل الظاهر هم السذج الذين يلعب الناس بعقولهم، يقولون: في جنة وفي نار وفي صلاة وصوم وحج وما أشبه ذلك ويمشون، هذا العوام. والباطن هو الذي عليه أئمتهم وسيأتي إن شاء الله بيان مذهبهم وطريقتهم في العمل. هؤلاء يقولون : " إن ما جاءت به الأنبياء مما يتعلق بالإيمان بالله واليوم الآخر أمثال وتخييلات لا حقيقة لها في الواقع "، أعوذ بالله، يعني الواقع عندهم أنه لا رب ولا بعث ولا جزاء، وإنما هي أرحام تدفع وأراض تبلع فقط ولا في شيء، ولكن، " وإنما المقصود بها انتفاع العامة وجمهور الناس، لأن الناس إذا قيل لهم : إن لكم رباً عظيماً، قادراً، رحيماً، قاهرا وأمامكم يوما عظيماً تبعثون فيه وتجازون بأعمالكم ونحو ذلك استقاموا على الطريقة المطلوبة منهم، وإن كان هذا لا حقيقة له على زعم هؤلاء ". يقولون: هذا ما له حقيقة، طيب ليش الرسل تأتي وتقول للناس إن لكم ربا وإن هناك جنة وهناك نارا؟ قال : نعم، قالوا هذا لأجل أن يسير الناس على ما وجهوهم إليه، لأنه إذا قيل للناس إن لكم ربا رحيما قادرا عظيما شديد العقاب وما أشبه ذلك ولكن افعلوا كذا وافعلوا كذا واتركوا كذا واتركوا كذا وإلا فسيعاقبكم هذا الرب ينصاعون ولا لا؟ نعم ينصاعون لهذه الأوامر ويطيعون، لكن إذا لم يقل لهم ذلك كل ركب رأسه ولا همه أحد. طيب، إذن فعلى هؤلاء يكون ذكر الله عز وجل وذكر اليوم الآخر ما هو إلا تخويف وترويع فقط، مثل ما تقول للصبي اسكت ولا ترى بيجيك البعبع، ولا ترى بينزل عليك من السماء صفيحة حامية، العامة يقولون " مقرصة حامية " مقرصة يصنع بها القرص، هل صحيح هذا؟ لكن قلنا له ذلك الشيء من أجل يسكت يتروى ويسكت، فهذا هو الأمر عند هؤلاء الفلاسفة والباطنية ومن تابعهم، ولا ما في رب ولا جزاء ولا بعث، نسأل الله العافية والسلامة. ثم هل ما قالوه هو ما استقر في فطرهم ؟ الجواب : لا، لأنه لا يمكن لأحد أن ينكر الخالق، قد ينكر الجزاء، ولكن إنكار الخالق لا يمكن أبدا، لأن أي عاقل لا يمكن أن يقول إن الحادث يحدث بدون محدث أبدا، لكن هذا كلامهم.
شرح قول المصنف: " ثم إن هؤلاء على قسمين: غلاة، وغير غلاة. فأما الغلاة فيزعمون أن الأنبياء لا يعلمون حقائق هذه الأمور وأن من المتفلسفة الإلهية ومن يزعمونهم أولياء من يعلم هذه الحقائق، فزعموا أن من الفلاسفة من هو أعلم بالله واليوم الآخر من النبيين الذين هم أعلم الناس بذلك.
الشيخ :" ثم إن هؤلاء على قسمين : غلاة، وغير غلاة. فأما الغلاة " الغلاة الموغلين في مذهبهم " فيزعمون أن الأنبياء لا يعلمون حقائق هذه الأمور، وأن من المتفلسفة الإلهية ومن يزعمونهم أولياء من يعلم هذه الحقائق ". متفلسفة إلهية، هناك فلاسفة طبائعيون ما يتكلمون في الإلهيات، يتكلمون في الطبيعة وأحوالها ونتائجها، وأما مسألة الإلهيات والعبادات ما يبحثون فيها. وفي فلاسفة في الإلهيات، يتكلمون في الله عز وجل على زعمهم ويجعلونه على ما يريدون. الغلاة يقولون: إن الأنبياء لا يعلمون الحقيقة، ها؟ سمعوا وحيا أوحي إليهم وقيل لهم اصنعوا كذا وأمروا الناس .. " أن من الفلاسفة من هو أعلم بالله واليوم الآخر من النبيين الذين هم أعلم الناس بذلك ".
شرح قول المصنف: " وأما غير الغلاة فيزعمون أن الأنبياء يعلمون حقائق هذه الأمور ولكنهم ذكروا للناس أموراً تخييلية لا تطابق الحق لتقوم مصلحة الناس، فزعموا أن مصلحة العباد لا تقوم إلا بهذه الطريقة التي تتضمن كذب الأنبياء في أعظم الأمور وأهمها "
الشيخ :" وأما غير الغلاة فيزعمون أن الأنبياء يعلمون حقائق هذه الأمور، ولكنهم ذكروا للناس أموراً تخييلية لا تطابق الحق لتقوم مصلحة الناس ..." الخ. هؤلاء الطائفة الثانية من الفلاسفة، يقولون: إن الرسل يعلمون أنه ما هناك رب ولا بعث، لكن رأوا أن المصلحة لا تقوم إلا بهذا، أي: بأن يقولوا إن هناك ربا وبعثا لأجل ايش؟ ها؟ لمصلحة الخلق، عشان يوافقونهم على ما يقولون. وهؤلاء يزعمون أن الأنبياء عباقرة أذكياء عقلاء وليس لهم صلة بالله، لأنه ما في إله عندهم، لكن هذا النبي عندهم رجل من العباقرة الأذكياء اصطنع بنفسه أمورا يرى أنها مصلحة كالقوانين الوضعية فدعى الناس إليها وحذرهم من مخالفتها بهذا الرب وهذا البعث وليس هناك بعث ولا جزاء.
شرح قول المصنف: " فالطائفة الأولى حكمت على الرسل بالجهل. والطائفة الثانية حكمت عليهم بالخيانة والكذب. هذا هو قول أهل التخييل فيما يتعلق بالإيمان بالله واليوم الآخر "
الشيخ : يقول : " فالطائفة الأولى حكمت على الرسل بالجهل " أو لا؟ ها؟ الطائفة الأولى الذين يقولون إن الرسل لا يعلمون الحقائق على ما هي عليه، هؤلاء قالوا: إن الرسل جهال فدعوا إلى الجهل ودعوا بجهل. " والثانية حكمت عليهم بالخيانة والكذب " لأن الرسل على زعمهم يعلمون أنه ليس رب ولا جزاء ولكن قالوا للناس إن لكم ربا وجزاء وهم يكذبون عليهم، فحكموا عليهم بالكذب والخيانة، أيهما أشد؟ كلهن شينات، لكن أيهما أعظم قدحا في الرسل؟ إن قلت الأول لأن كيف يدعون إلى أمر يجهلونه؟ وإن قلت الثاني وهو أنهم كذبوا على الناس وخانوهم. الطائفة الثانية يقولون إن الرسل يعلمون الحقائق على ما هي عليه وأنه ما في رب ولا جزاء، لكن كذبوا على الناس من أجل المصلحة. إذن هم كذبوا وخانوا، كذبوا على الناس وقالوا إن لكم ربا وخانوهم حيث لم يعلموهم بالحقيقة. أما الأولون فإنهم جهلاء، جهلوا النبي، فباعتبار حال النبي وضعفه وعجزه الطائفة الأولى أشد، وباعتبار خيانة النبي وكذبه فالثانية أشد. قال : " هذا هو قول أهل التخييل فيما يتعلق بالإيمان بالله واليوم الآخر ".
شرح قول المصنف: " أما في الأعمال فمنهم من يجعلها حقائق يؤمر بها كل أحد، ومنهم من يجعلها تخييلات ورموزاً يؤمر بها العامة دون الخاصة فيؤولون الصلاة بمعرفة أسرارهم، والصيام بكتمانها، والحج بالسفر إلى شيوخهم ونحو ذلك "
الشيخ :" أما في الأعمال فمنهم من يجعلها حقائق يؤمر بها كل أحد، ومنهم من يجعلها تخييلات ورموزا يؤمر بها العامة دون الخاصة ". قال العمل الآن، احنا فهمنا الاعتقاد عندكم إنه ما فيه رب ولا جزاء، لكن في العمل؟ تؤمنون بالصلاة؟ انقسموا بعضهم قال: نعم نؤمن بالصلاة والزكاة والصيام والحج، ونقول : إن هذه الأعمال مصلحة للعامة وللخاصة، وكل يؤمر بها، فنقول للعامة صلوا ونقول للخاصة صلوا، ونقول للعامة زكوا ونقول للخاصة زكوا، ونقول للعامة صوموا ونقول للخاصة صوموا، ونقول للعامة حجوا ونقول للخاصة حجوا، لأن هذه أعمال تؤثر على الإنسان انطباعا خاصا يكون مقابل للفضائل فنأمر بها كل أحد. ومنهم من يقول : لا، حتى الأعمال لا حقيقة لها وإنما يؤمر بها العامة دون الخاصة، فعندهم أن الرسل من العوام ولا من الخواص؟ من العوام، لأنهم هم الي يصلون ويزكون ويصومون ويحجون، كل العالم الي يتعبد لله عندهم من العوام الذين لا يعرفون الحقائق ولا يعرفون الأمور. وأما الخواص فإنهم لا يؤمرون بهذه الصلوات ولا بالصيام ولا بالزكاة ولا بغيرها ما يؤمر، لأنه وصل إلى مرحلة تسقط التكليف، لأن الله يقول : (( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )) وهؤلاء وصلوا إلى درجة اليقين فانتهت العبادة في حقهم، لأن حتى للغاية، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها. أنت لو سافرت إلى بلد فإن سفرك ينتهي بوصولك إليها، وحينئذ تضع العصا وتنيخ الناقة ولا تعمل أي عمل من أعمال السفر. هكذا يقول هؤلاء والعياذ بالله إن الإنسان إذا بلغ الغاية سقطت عنه الوسيلة، وهذه العبادات وسائل توصلك إلى اليقين ثم بعد ذلك لا تعمل، طيب ويش عبادات الخاصة؟ استمع إليها. يقول : " فيؤولون الصلاة بمعرفة أسرارهم، والصيام بكتمانها، والحج بالسفر إلى شيوخهم، ونحو ذلك ". يقول : الصيام الذي يؤمر به العامة أن يمسكوا عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والي يؤمر به الخاصة أن يكتموا أسرارهم أسرار الفرقة والطائفة. طيب، الصلاة صلة بين العبد وبين الله ذات ركوع وسجود هذه صلاة من؟ العوام. صلاتهم هم أن تعرف أسرارهم، ولهذا هؤلاء الفرقة الباطنية وأشباههم موجودين الآن ما يأذنون لكل واحد يدخل معهم حتى يتمرن ولهم مراتب عشر، ينقلون الإنسان من مرتبة إلى مرتبة، ولا يمكن أن يخبر بالمرتبة الثانية حتى يتقن المرتبة الأولى، كلها مبنية على أسرار عظيمة أشد من أسرار الحرب ليش؟ لأنه لو اطلع الناس على أسرارهم هذه لقتلوهم قتلا، ما أبقوا لهم على الأرض ديارا، لكن يتسترون، فيقولون: إن الصلاة ليست الصلة بين الإنسان وبين الله لأنه ما في إله. الصلاة أن يكون بينك وبين أوليائهم صلة بحيث يخبرونك ها؟ بأسرارهم. طيب، تريد تصوم؟ نعم. كيف أصوم؟ قال اكتم هذا السر، لأن الصيام في اللغة الإمساك، والصيام عندنا هو الإمساك عن إظهار الأسرار، امسك لا تعلِّم، فيكون الصيام هذا بالليل والنهار ولا بالنهار فقط؟ بالليل والنهار، إلى أن يموت، لأنه لازم يكتم الأسرار ولا ماصام. الحج، قال: الحج ليس أن تسافر إلى بيت الله لأنه ما في إله حتى يكون له بيت. الحج أن تسافر إلى الولي فلان، وينه في؟ في كربلاء، في قم، في المكان الفلاني في المكان الفلاني، نعم، هذا هو الحج، كان تبي حج يغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فاذهب إلى الولي الفلاني، نعم، واخضع بين يديه واسجد له وامش إليه راكعا هذا هو الحج. أما أن تذهب إلى مكة لتقصد بيت الله فهذا ليس بحج، شوف الآن، طيب ويش بقي عندنا؟ يقول : " وهؤلاء هم الملاحدة من الإسماعيلية والباطنية ونحوهم ". وهم موجودون الآن ولا لا؟ موجودون الآن، الإسماعيلية موجودين والباطنية موجودين والنصيرية وغيرهم كل هؤلاء على هذا الطريق والعياذ بالله. ولهذا تجد رد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم على هؤلاء ردا مفحما شديدا، وسيأتي إن شاء الله بيان بطلان مذهبهم. إنما هذه الفرقة الأولى وتسمى ايش؟ أهل التخييل، لأنهم يرون أن الله سبحانه وتعالى أن الإيمان به تخييلات فقط، ما هو حقيقة نعم؟ ها. الطالب : الإسماعيلية. الشيخ : إذا أردت أن تبحث عن هؤلاء فارجع إلى الملل والنحل للشهرستاني لأنه هو أحسن ما رأيت في جمعها. القارئ : ... ما يتعلق بالإيمان بالله واليوم الآخر . الشيخ : صفحة 52 عندي نعم. ها؟ طيب.
قراءة الطالب من قول المصنف: " أما في الأعمال فمنهم من يجعلها حقائق يؤمر بها كل أحد، ومنهم من يجعلها تخييلات ورموزاً يؤمر بها العامة دون الخاصة فيؤولون الصلاة بمعرفة أسرارهم، والصيام بكتمانها، والحج بالسفر إلى شيوخهم ونحو ذلك. وهؤلاء هم الملاحدة من الإسماعيلية والباطنية ونحوهم وفساد قول هؤلاء معلوم بضرورة الحس، والعقل، والشرع فإننا نشاهد من الآيات الدالة على وجود الله وكمال صفاته ما لا يمكن حصره:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
فإن هذه الحوادث المنتظمة لا يمكن أن تحدث إلا بمدبر حكيم قادر على كل شيء. والإيمان باليوم الآخر دلت عليه جميع الشرائع واقتضته حكمة الله البالغة، ولا ينكره إلا مكابر، أو مجنون، وأهل التخييل لا يحتاجون في الرد عليهم إلى شيء كثير، لأن نفور الناس عنهم معلوم ظاهر "
القارئ : قال : "هذا هو قول أهل التخييل فيما يتعلق بالإيمان بالله واليوم الآخر، أما في الأعمال فمنهم من يجعلها حقائق يؤمر بها كل أحد، ومنهم من يجعلها تخييلات ورموزاً يؤمر بها العامة دون الخاصة، فيؤولون الصلاة بمعرفة أسرارهم والصيام بكتمانها والحج بالسفر إلى شيوخهم ونحو ذلك، وهؤلاء الملحدون ". الشيخ : هم الملاحدة. القارئ : وهؤلاء الملاحدة. الشيخ : هم هم، ما عندكم هم؟ عندنا، أي نعم. القارئ : " .. جميع الشرائع واقتضته حكمة الله البالغة، ولا ينكره إلا مكابر أو مجنون. وأهل التخييل لا يحتاجون في الرد عليهم إلى شيء كثير، لأن نفور الناس عنهم معلوم ظاهر ".
مراجعة ومناقشة فيما سبق الكلام عليه حول المنحرفين في باب الإيمان بالله واليوم الآخر
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. كم أقسام المنحرفين عن الصراط المستقيم فيما يتعلق بالإيمان بالله واليوم الآخر؟ حجاج؟ نعم. الطالب : ... . الشيخ : أهل التخييل وأهل التأويل وأهل التجهيل .. مقصودة ومرادة وتطلب من كل إنسان لما فيها من ترويض النفس والتحمل والصبر والمصلحة وما أشبه ذلك. وقسم آخر قالوا: إن هذه العبادات لا حقيقة لها، وليست مقصودة لذاتها، وإنما تقصد لغاية إذا بلغها الإنسان ها؟ سقطت عنه، وعلى هذا فيؤمر بها العامة دون الخاصة. أما الخاصة الذين بلغوا الذروة فإنهم لا يؤمرون بها ولا تطلب منهم، ولهذا هم من حيث الأعمال إباحيون، من حيث الأعمال إباحيون، يقول: لا تصلي لا تزكي لا تصوم لا تحج لا تتزوج ازن بمن شئت والعياذ بالله، لأنهم يقولون كل هذه التقييدات إنما يؤمر بها من؟ العوام الذين لا يصلحون إلا بها. أما الخواص الذين بلغوا الغاية فإنهم لا يؤمرون، لأن الله يقول : (( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )) واليقين هو الجزم، لا ما هو الموت عندهم، هو الجزم بلا شك ولا تردد، فإذا وصلت إلى هذه الغاية لا تعبد ربك. كما نقول للرجل استأجر السيارة إلى مكة وهو يريد مكة إذا وصل إلى مكة ها؟ يبقي السيارة ولا يدعها؟ يدعها. هذا طريقتهم في باب العبادات، فصاروا والعياذ بالله في الاعتقادات والأمور العلمية متفقين على إنكارها، لكنهم اختلفوا هل الرسل يعلمونها أم لا؟ أما في العبادات فمختلفون، فمنهم من قال: إنها مرادة ومصلحة للخلق عامتهم وخاصتهم. ومنهم من قال إنها ليست مرادة وإنما يؤمر بها العامة ليصلوا إلى درجة اليقين، فإذا وصلوا إلى درجة اليقين سقطت عنهم، ولهذا لا نأمر الخاصة بذلك. طيب.
شرح قول المصنف: " وهؤلاء هم الملاحدة من الإسماعيلية والباطنية ونحوهم. وفساد قول هؤلاء معلوم بضرورة الحس، والعقل، والشرع "
الشيخ : يقول في مبتدأ درس اليوم : " وهؤلاء هم الملاحدة من الإسماعيلية والباطنية ونحوهم ". وهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية أكفر من اليهود والنصارى، لأن اليهود والنصارى يؤمنون بالله وباليوم الآخر وإن كان هذا الإيمان لاينفعهم لأنهم كافرون بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الإسماعيلية والباطنية ومن أشبههم هؤلاء ملحدون غاية الإلحاد، هم يقول: " وفساد قول هؤلاء معلوم بضرورة الحس والعقل والشرع ". ويش معنى بضرورة الحس؟ الضرورة ما يضطر الإنسان إلى التصديق به.