شرح قول المصنف: " وفساد قول هؤلاء معلوم بضرورة الحس، والعقل، والشرع " بيان دلالة الحس على وجود الله
وهذا دليل حسي معروف.
هل هناك دليل حسي ملموس؟ اسأل نفسك، هل دعوت الله يوما من الأيام فاستجاب لك؟ نعم، أي نعم الحمد لله كثير، كثيرا ما يدعو الإنسان ربه فيستجيب الله له رأي العين.
إذن هل هذا دليل حسي على وجود الله؟ ها؟ دليل حسي على وجوده وعلمه وقدرته ورحمته وسمعه وبصره وغير ذلك مما تدل عليه الإجابة دلالة مطابقة أو تضمن أو التزام.
1 - شرح قول المصنف: " وفساد قول هؤلاء معلوم بضرورة الحس، والعقل، والشرع " بيان دلالة الحس على وجود الله أستمع حفظ
دلالة العقل على وجود الله
بقي أن يكونوا خلقوا بخالق، فمن هو هذا الخالق؟
الطالب : الله.
الشيخ : لا لا، خاف الله، أبوك وأمك، نطفة المني خرجت من أبيك، والبويضة التي تلقت هذه النطفة منين؟ من أمك، إذن مرج البحرين يلتقيان، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، التقت هذه بهذه فتكون الجنين، فصار أبوك وأمك هما اللذان خلقاك، ولا لا؟ العجيبنة المختلطة هي الي جابت الولد، أصحيح هذا أم لا؟ ها؟ (( أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون )) ويش الجواب؟ إذن الأب ما خلق منيه، والأم ما خلقت البويضة، فالخالق من؟ الخالق الله.
وأنا لا أظن عاقلا يقول إن أباه دخل في رحم زوجته وصار يصنع بيده الولد، هذا شيء مستحيل.
فتبين الآن أن الخالق من؟ الخالق الله، هذا دليل عقلي على وجود الله، فكل الحوادث كل الحوادث دليل على وجود الله سبحانه وتعالى، لأننا نعلم علم اليقين أنها لم توجد نفسها ولم توجد بغير موجد، وعلى هذا فضرورة الدلالة العقلية تدل على هذا.
دلالة الشرع على وجود الله، شرح قول المصنف: " فإننا نشاهد من الآيات الدالة على وجود الله وكمال صفاته ما لا يمكن حصره: وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد " فإن هذه الحوادث المنتظمة لا يمكن أن تحدث إلا بمدبر حكيم قادر على كل شيء "
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
وقبل هذا البيت :
فواعجبا كيف يعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحد
استنكار كيف إنك تعصي ربك أو تجحده.
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد "
ابدأ بنفسك وارجع إلى علماء الأحياء لتنظر ما في نفسك من عجائب الخلقة، وارجع إلى علماء النفس لتنظر ما في نفسك من عجائب الإرادات والانفعالات وغير ذلك، تجد العجب العجاب.
نحن الآن نأكل الأكلة على أنها خبزة أدمت بعسل ومشت مع هذا الحلق، من الذي تلقاها؟ تلقاها عمال أخصائيون كل واحد له اختصاص، حتى يكيف هذه المضغة لتكون صالحة لتغذية هذا الجسم. ثم هناك موزعون موزع بريد ولا برقيات؟ ها؟ أشد من هذا، موزعون لا يدعون صغيرة ولا كبيرة في الجسم إلا أعطوه نصيبه من هذا الغذاء. وسبحان الله! لو أن إحدى الغدد في جزء من البدن تعدت على أخواتها وأخذت حظا من الغذاء أكثر من أخواتها، ماذا يكون؟ يكون هذا العضو يتضخم، يتضخم ويكبر، وقد شوهد أناس تكون أيديهم نسأل الله العافية أكبر من نصف الجسم، نعم، أنا شاهدت إنسان قبل زمن طويل معه يده يعني حوالي نصف جسمه، يعني يحملها حمل بيده الأخرى ليضعها على كتفه. نسأل الله العافية والسلامة.
الأصابع أحيانا تأخذ بعض الأصابع حظا أكثر من الغذاء وبعدئذ تتضخم حتى يكون الأصبع الواحد كالذراع.
يعني إذن في كل شيء لله آية تدل على وحدانيته، وقد بحث ابن القيم رحمه الله بحثا دقيقا في كتابه " مفتاح دار السعادة " في هذا الأمر، وبحث ابن القيم رحمه الله تطور بعد ذلك إلى أكثر من هذا.
فلينظر الإنسان حكمة الله عز وجل وما في نفسه من الآيات الدالة على وجود خالقه سبحانه وتعالى وحكمته وقدرته (( وفي أنفسكم أفلا تبصرون )).
حاجة بسيطة هي نطقنا الآن عبارة عن هواء يحصل من ضغط الرئتين فيمر على مجاري يمر على مجرى فيكون ها؟ حرفا، ويمر على مجرى آخر فيكون حرفا آخر، وهكذا في آن واحد وفي سرعة فائقة. شوف الآن الكلمات تتعاقب الحروف بلحظة، وكل واحد من هذه الحروف له مجرى خاص يختلف عن الأول مع أن الأصل الذي أثار هذه الحروف شيء واحد، والآيات كثيرة، آيات الله سبحانه وتعالى. (( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ))
يقول :
" وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
فإن هذه الحوادث المنتظمة لا يمكن أن تحدث إلا بمدبر حكيم قادر على كل شيء ". لا شك.
3 - دلالة الشرع على وجود الله، شرح قول المصنف: " فإننا نشاهد من الآيات الدالة على وجود الله وكمال صفاته ما لا يمكن حصره: وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد " فإن هذه الحوادث المنتظمة لا يمكن أن تحدث إلا بمدبر حكيم قادر على كل شيء " أستمع حفظ
شرح قول المصنف: " والإيمان باليوم الآخر دلت عليه جميع الشرائع واقتضته حكمة الله البالغة، ولا ينكره إلا مكابر، أو مجنون "
أيضا الحكمة تقتضيه، وجه ذلك : أنه من السفه البالغ أن يحدث هذا الخلق، وترسل إليه الرسل، وتنزل إليه الكتب، ويباح دماء بعضهم لبعض، وأموال بعضهم لبعض، ونساء بعضهم لبعض، ليقاتلوا على دين الله، ثم في النهاية موت بلا بعث، ما هذا؟ ها؟ سفه، ويش الفائدة الآن؟ فلولا أن هناك يوما يجازى فيه العاملون بما عملوا لكان إيجاد الخليقة عبثا، ولا يظن ظان بالله هذا الظن إلا كافرا. قال الله تعالى : (( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما باطلا )) ايش بعدها؟ (( ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار )) (( وماخلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون )) ويش بعده؟ ها؟ (( إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين )) فلما نفى عن نفسه اللعب وأنه إنما خلقهما بالحق بين أن هذا له غاية (( إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين )) (( أيحسب الإنسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى )) ويش بعده ؟ (( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى )) فإذن هذه الخليقة وهذه الشرائع ما جاءت إلا ليوم آخر. فلو أنها جاءت هكذا ليقتل الناس بعضهم بعضا ويسبي بعضهم بعضا ويأخذ بعضهم مال بعض، ثم النتيجة أن يموتوا جميعا وتأكلهم الأرض لكان هذا من أسفه السفه.
إذن فالإيمان باليوم الآخر افتضته الشرائع ويش بعد؟ والحكمة والعقل، ولا ينكره إلا مكابر أو مجنون.
من هو المكابر؟ المكابر هو الذي يعاند ولا يقبل مهما كان.
والمجنون فاقد العقل.
أما الإنسان العاقل فإن عقله يهديه إلى وجوب وجود اليوم الآخر، وأنه أمر لا بد منه.
ومن حكمة الله عز وجل ورحمته بنا أنه قرر هذا اليوم الآخر قرره بعدة أدلة عقلية وحسية، لأن الإيمان باليوم الآخر هو الذي يحمل الإنسان على العمل بالطاعات وترك المعاصي وإلا ما آمن أحد، والله الموفق.
4 - شرح قول المصنف: " والإيمان باليوم الآخر دلت عليه جميع الشرائع واقتضته حكمة الله البالغة، ولا ينكره إلا مكابر، أو مجنون " أستمع حفظ
قراءة الطالب من قول المصنف: " وأهل التخييل لا يحتاجون في الرد عليهم إلى شيء كثير، لأن نفور الناس عنهم معلوم ظاهر.
وأما أهل التأويل: فهم المتكلمون من الجهمية والمعتزلة وأتباعهم، وحقيقة مذهبهم أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من نصوص الصفات لم يقصد به ظاهره، وإنما المقصود به معان تخالفه، يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه تركها للناس يستنتجونها بعقولهم، ثم يحاولون صرف ظواهر النصوص إليها، وغرضه بذلك امتحان عقولهم، وكثرة الثواب بما يعانونه من محاولة صرف الكلام عن ظاهره وتنزيله على شواذ اللغة وغرائب الكلام، وهؤلاء هم أكثر الناس اضطراباً وتناقضاً، لأنهم ليس لهم قدم ثابت يمكن تأويله وما لا يمكن ".
الشيخ : لأنهم لأنهم لأنهم ليس لهم.
القارئ : " قدم ثابت يمكن تأويله ".
الشيخ : فيما يمكن، فيما يمكن.
القارئ : " لأنهم ليس لهم قدم ثابت فيما يمكن تأويله وما لا يمكن، ولا في تعيين المعنى المراد.
ثم إن غالب ما يزعمونه من المعاني يعلم من حال المتكلم وسياق كلامه أنه لم يرده في ذلك الخطاب المعين الذي أوله ".
الشيخ : أولوه.
القارئ : " الذي أولوه، وهؤلاء كانوا يتظاهرون بنصر السنة ويتسترون بالتنزيه، ولكن الله تعالى هتك أستارهم برد شبهاتهم ودحض حججهم، فلقد تصدى شيخ الإسلام وغيرِه "
الشيخ : وغيرُه.
القارئ : " وغيره للرد عليهم أكثر من غيرهم، لأن الاغترار بهم أكثر من الاغترار بغيرهم لَمَّا "
الشيخ : لِمَا.
القارئ : " لِمَا يتظاهرون به من نصر السنة ".
5 - قراءة الطالب من قول المصنف: " وأهل التخييل لا يحتاجون في الرد عليهم إلى شيء كثير، لأن نفور الناس عنهم معلوم ظاهر. أستمع حفظ
شرح قول المصنف: " وأهل التخييل لا يحتاجون في الرد عليهم إلى شيء كثير، لأن نفور الناس عنهم معلوم ظاهر. وأما أهل التأويل: فهم المتكلمون من الجهمية والمعتزلة وأتباعهم. وحقيقة مذهبهم أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من نصوص الصفات لم يقصد به ظاهره، وإنما المقصود به معان تخالفه يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم لكنه تركها للناس يستنتجونها بعقولهم ثم يحاولون صرف ظواهر النصوص إليها، وغرضه بذلك امتحان عقولهم، وكثرة الثواب بما يعانونه من محاولة صرف الكلام عن ظاهره وتنزيله على شواذ اللغة وغرائب الكلام.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سبق لنا التفصيل في مذهب أهل التخييل وبيان الرد عليهم، وأن فساد قولهم معلوم بضرورة العقل والحس والشرع.
وهم لا يحتاجون في الرد عليهم إلى عناء كبير، لأن نفور الناس منهم أمر ظاهر معلوم، ولهذا كانوا أقل الطوائف عددا وإن كانوا قد يكونون أكثر الطوائف عُددا يبتلي الله بهم العباد، لكن هم أقل الطوائف عددا، لأن النفور منهم ظاهر معلوم.
6 - شرح قول المصنف: " وأهل التخييل لا يحتاجون في الرد عليهم إلى شيء كثير، لأن نفور الناس عنهم معلوم ظاهر. وأما أهل التأويل: فهم المتكلمون من الجهمية والمعتزلة وأتباعهم. وحقيقة مذهبهم أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من نصوص الصفات لم يقصد به ظاهره، وإنما المقصود به معان تخالفه يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم لكنه تركها للناس يستنتجونها بعقولهم ثم يحاولون صرف ظواهر النصوص إليها، وغرضه بذلك امتحان عقولهم، وكثرة الثواب بما يعانونه من محاولة صرف الكلام عن ظاهره وتنزيله على شواذ اللغة وغرائب الكلام. أستمع حفظ
شرح قول المصنف: " وأما أهل التأويل: فهم المتكلمون من الجهمية والمعتزلة وأتباعهم "
وقولنا: وأتباعهم، يشمل من تبعهم اتباعا كاملا ومن تبعهم اتباعا جزئيا كالأشاعرة، فإن الأشاعرة بلا شك من أهل التأويل.
واعلم أنه إنما سموا أنفسهم بأهل التأويل من باب التغرير بالناس والدعوة إلى مذهبهم، وإلا فبالحقيقة أنهم هم أهل التحريف أهل التحريف، لأن التأويل الذي يريدونه صرف الكلام عن ظاهره إلى المعنى المخالف للظاهر، وهذا إذا لم يكن له دليل كان تحريفا.
وهذا هو الواقع في مذهبهم، فإنهم ذهبوا بباب أسماء الله وصفاته مذهبا لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه.
تسمية أنفسهم بأهل التأويل من باب التزيين والتلطيف والتغرير لأنه من المعلوم أنه لو سموا أنفسهم أهل التحريف ولا يمكن أن يسموا أنفسهم أهل التحريف لنفر الناس منهم، لكن أهل التأويل لا شك أنها ألين وألطف ولا توجب النفور.
طيب، الجهمية من؟ أتباع ؟
الطالب : الجهم بن صفوان.
الشيخ : والمعتزلة؟ أتباع واصل بن عطاء، وأتباعهم من سائر الطوائف، فكل من تأول في شيء من صفات الله وأسمائه فهو داخل في هذا.
شرح قول المصنف: " وحقيقة مذهبهم أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من نصوص الصفات لم يقصد به ظاهره، وإنما المقصود به معان تخالفه يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم لكنه تركها للناس يستنتجونها بعقولهم ثم يحاولون صرف ظواهر النصوص إليها، وغرضه بذلك امتحان عقولهم، وكثرة الثواب بما يعانونه من محاولة صرف الكلام عن ظاهره وتنزيله على شواذ اللغة وغرائب الكلام "
هذا مذهب أهل التأويل، يقولون: إن نصوص الصفات لا يراد بها ظاهرها _اجلس هنا_ لا يراد بها ظاهرها (( الرحمن على العرش استوى )) ما أريد بها ظاهر الاستواء، اليد ما أريد بها ظاهرها، الوجه، وعلى هذا فقس.
ما المراد بها؟ قالوا: المراد بها معان تخالف الظاهر.
من يعلم هذه المعاني؟ يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم.
شوف انتبه، فهنا ثلاثة أمور :
أولا : لم يرد بها ظاهرها.
ثانيا : أراد بها معان تخالف الظاهر.
ثالثا : هذه المعاني كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمها.
هذا مذهبهم مركب من هذه الأمور الثلاثة، وكلها كما مرّ علينا تحتاج إلى دليل وليس عندهم دليل.
فقولهم: إنه لم يرد بها ظاهرها، نقول: هذا خلاف الظاهر، بل إن الظاهر أن الله ورسوله إذا تكلم بكلام كان المراد به ظاهر الكلام، وكما أننا نحمل كلام الناس في بيعهم وشرائهم وأوقافهم ورهونهم وجميع معاملاتهم نحمل كلامهم على ايش؟ على ظاهره، فلماذا لا نحمل كلام الله ورسوله على ظاهره في أمور غيبية لا مجال للاجتهاد فيها؟ أليس الأجدر بنا أن نستسلم لهذه النصوص، ونحملها على ظاهرها؟
بلى، لأن هذه أمور غيبية ما للرأي فيها مجال، تكلم الله بها عن نفسه وتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، فكان الواجب علينا أن نأخذها على ظاهرها.
ولكن يجب أن نعلم أن ظاهرها ليس هو التمثيل، لأن التمثيل منفي ها؟ عن الله عز وجل، طيب.
أراد بها معاني تخالف الظاهر، أراد بها معاني تخالف الظاهر. من قال إنه أراد بها معاني تخالف الظاهر؟ إذ من الجائز أن لا يراد بها الظاهر ولا يراد بها المعاني الأخرى، وتكون ألفاظا هملا لا معنى لها، هذا جائز ولا غير جائز؟ جائز.
إذن نطالبكم بالدليل أن المراد بها معاني أخرى تخالف الظاهر ولا دليل لهم في ذلك، واضح؟ طيب.
الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمها ولم يبينها للأمة. هذا أيضا دعوى لو شعر الإنسان القائل بها ماذا يترتب عليها لنكص على عقبيه. إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم المراد بهذه النصوص الذي لم يدل عليه ظاهرها ولم يبينه للناس مع أن ما يتعلق بأسماء الله وصفاته هو أعظم ما جات به الرسل، ماذا تكون حال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ يكون مبلغا؟ أبدا، غير مبلغ، يكون من أعظم الناس كتمانا للحق، لأن الحق لا يعلم إلا من عنده فكتمه. كتم العالم للحق أهون من كتم الرسول صلى الله عليه وسلم للحق، لأن العالم المعين إذا كتمه ذهبنا إلى عالم آخر وأخبرنا به، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما نعلم الحق إلا من عنده، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم معاني هذه النصوص ولم يبينها للناس كان هذا أعظم الطعن في الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا لا؟
إذن شوف هذا المذهب الباطل والعياذ بالله ماذا يترتب عليه كذب وتكذيب واتهام.
فحينئذ، كذب، لأنهم يقولون المراد بها معان أخرى وهم مايعلمونها.
تكذيب، لأنه نفوا الظواهر.
اتهام، ها؟ اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم بكتم بيان الحق في هذا، والله عز وجل يقول لرسوله : (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته )).
شوف المذاهب الباطلة ويش يترتب عليها؟ فالآن هذا المذهب مذهب أهل التأويل ترتب عليه هذه اللوازم الباطلة التي هي من أبطل ما يقال من الباطل.
طيب، نسألهم لماذا لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أمته بمعانيها؟
قال : لأجل أن يمتحن عقول الناس أيهم يعلمها، هذه واحدة. ثانيا: لأجل أن يكثر الثواب في طلب الوصول إلى معناها، لأن المعنى الذي يخالف الظاهر يحتاج إلى مقدمات حتى نصل إليه، لأنه يحتاج إلى أدلة تدل على أن الظاهر غير مراد، ثم يحتاج إلى أدلة تدل على أن هذا الذي زعم أنه مراد يحتمله اللفظ، ثم أدلة إلى تعيين المعنى الخاص.
فالمهم إن الشارع أو النبي صلى الله عليه وسلم على زعمهم لم يبينها من أجل أن يتعب الناس في الوصول إلى هذه المعاني بتخريجها على شواهد اللغة وطلب الأدلة الدالة عليها، فينالون بذلك، ها؟ الثواب، ينالون بذلك الثواب، لأنه كلما كثر العمل من أجل الوصول إلى الحق علما أو عملا كان ذلك أكثر للثواب، أنتم معي ولا سارحين؟ طيب.
نقول لهم : هذان الغرضان غرضان باطلان، غرضان باطلان.
أما الأول : فقولكم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبينها لأجل امتحان العقول، هذا إنما يصح لو كنت تلغز على أقوام حاضرين يجيبون عما ألغزت به، فإن كان حقا قبلته، وإن كان باطلا فندته، أما والأمر ليس كذلك فهذا لا يمكن.
الرسول صلى الله عليه وسلم ألغز ذات يوم على أصحابه حيث قال: ( إن من الأشجار شجرة مثلها مثل المؤمن ) ولا بينها، لكنه صار الناس يتخبطون، أو يذكرون أشياء من شجر البوادي، نعم، ولم يصيبوا الغرض، فعلمهم النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، وقال : ( إنها النخلة ).
هذا ممكن أن الشارع يختبر الناس يختبر ذكاءهم في أمر يبينه لهم بعد، أما أن يجعل الأمر عائما يختبر ذكاءهم إلى يوم القيامة فهذا مستحيل.
وأما قولهم : من أجل أن ينالوا كثرة الثواب، فنقول : إن محاولة كثرة الثواب في التعمية على الخلق هو عقاب في الواقع وذنب يستحق العقاب لا الثواب، لأن الناس سوف يتخبطون في هذه المعاني كما هو الواقع، تخبطوا فيها وتناقضوا فيها حتى كان بعضهم يناقض بعضا، وحتى كان الواحد منهم يؤلف تأليفا في معنى ثم ينقضه مرة ثانية.
فتبين أيها الإخوة أن هذا المذهب باطل ولا غير باطل؟ باطل ومن أبطل المذاهب، ومن أبطل المذاهب، وسيأتينا إن شاء الله في الفصل التالي ما يترتب عليه من الإلزامات.
8 - شرح قول المصنف: " وحقيقة مذهبهم أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من نصوص الصفات لم يقصد به ظاهره، وإنما المقصود به معان تخالفه يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم لكنه تركها للناس يستنتجونها بعقولهم ثم يحاولون صرف ظواهر النصوص إليها، وغرضه بذلك امتحان عقولهم، وكثرة الثواب بما يعانونه من محاولة صرف الكلام عن ظاهره وتنزيله على شواذ اللغة وغرائب الكلام " أستمع حفظ
شرح قول المصنف: " وهؤلاء هم أكثر الناس اضطراباً وتناقضاً، لأنهم ليس لهم قدم ثابت فيما يمكن تأويله وما لا يمكن، ولا في تعيين المعنى المراد. ثم إن غالب ما يزعمونه من المعاني يعلم من حال المتكلم وسياق كلامه أنه لم يرده في ذلك الخطاب المعين الذي أولوه "
هؤلاء أكثر الناس اضطرابا لأنه ما لهم قدم ثابت في الذي يمكن تأويله والذي لا يمكن. ولهذا تجد بعضهم ولا سيما الأشاعرة أثبتوا شيئا من الصفات وأنكروا شيئا، لأنهم يقولون هذا يمكن تأويله وهذا لا يمكن. وكذلك أيضا المعتزلة اضطربوا فمنهم من أنكر الصفات دون الأسماء، ومنهم من أنكر الأسماء والصفات أيضا، فلم يكن لهم قدم ثابت فيما يمكن تأويله وما لا يمكن.
كذلك أيضا ليس لهم قدم ثابت في تعيين المراد، من المراد بهذا؟ القدرة النعمة القوة وما أشبه ذلك. وهذا يدل على بطلان أقوالهم، لأن تناقض الأقوال من أقوى الأدلة على بطلانها.
وهؤلاء كانوا يتظاهرون بنصر السنة ويتسترون بالتنزيه.
الطالب : ...
الشيخ : نعم، " ثم إن غالب ما يزعمونه من المعاني يعلم من حال المتكلم وسياق كلامه أنه لم يرده في ذلك الخطاب المعين الذي أولوه "
يعني مثلا قوله تعالى : (( لما خلقت بيدي )) هم يقولون المراد باليد هنا النعمة أو القوة.
نقول لهم : لا شك أن اليد تطلق في اللغة العربية على النعمة وعلى القوة كما في حديث غزوة الحديبية : لولا يخاطب أبا بكر يقول : ( لولا يد لك عندي لم أجزك بها لكلمتك ) يعني يد بمعنى نعمة، وكما قال المتنبي :
" وكم لظلام الليل عندك من يد *** تخبر أن المانوية تكذب " المانوية قسم من المجوس يقولون : إن الظلمة تخلق الشر، فهو يقول: أنت تعطي العطايا في الليل، والليل ظلمة، فقول: من يد، أي: من نعمة.
ويقولون : " ما لي بهذا الأمر يدان " أي: قوة.
نقول لا شك أن اليد تطلق ويراد بها القوة، لكن هل يمكن أن يراد بها القوة في مثل قوله تعالى : (( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي )) ها؟ سياق الكلام يمنع هذا منعا باتا، إذ ما معنى بيدي أي بنعمتي أو بقوتي؟ هذا لا يمكن.
فالحاصل أن شيخ الإسلام يقول أيضا: " ما يدعونه من المعاني أو يزعمونه يعلم من حال المتكلم وسياق كلامه أنه لم يرده " وحينئذ تكون دعوة باطلة.
9 - شرح قول المصنف: " وهؤلاء هم أكثر الناس اضطراباً وتناقضاً، لأنهم ليس لهم قدم ثابت فيما يمكن تأويله وما لا يمكن، ولا في تعيين المعنى المراد. ثم إن غالب ما يزعمونه من المعاني يعلم من حال المتكلم وسياق كلامه أنه لم يرده في ذلك الخطاب المعين الذي أولوه " أستمع حفظ