تتمة شرح قول المصنف: " والشبهة التي احتج بها أهل التجهيل هي وقف أكثر السلف على ( إلا الله ) من قوله تعالى: ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) وقد بنوا شبهتهم على مقدمتين الأولى: أن آيات الصفات من المتشابهة. الثانية: أن التأويل المذكور في الآية: هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يخالف الظاهر فتكون النتيجة أن لآيات الصفات معنى يخالف ظاهرها لا يعلمه إلا الله.
الشيخ : أن آيات الصفات من المتشابه. الطالب : الأولى. الشيخ : ها؟ الأولى، نعم، صح. " الأولى: أن آيات الصفات من المتشابه "، وين المتشابه؟ المتشابه الذي قال الله فيه : (( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتعون ما تشابه منه )) قالوا : وآيات الصفات من المتشابه. " الثاني : أن المراد بالتأويل المذكور في الآية صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يخالف الظاهر، فتكون النتيجة أن لآيات الصفات معنى يخالف ظاهرها لا يعلمه إلا الله ". إذن (( ما يعلم تأويله )) أي: معناه المخالف للظاهر، إلا الله، وحينئذ يكون آيات الصفات ليست على ظاهرها بل لها تأويل يخالف الظاهر لا يعلمها إلا الله، وتكون النتيجة آيات الصفات لا يعلم معناها، لماذا؟ لأنه لا يراد بها ظاهرها، بل المراد المعنى المخالف للظاهر، هذا المعنى المخالف للظاهر معلوم ولا غير معلوم؟ غير معلوم، لا يعلمه إلا لله، هذا تقرير استدلالهم بهذه الآية الكريمة. ونحن نرد عليهم.
شرح قول المصنف: " والرد عليهم من وجوه: الأول: أن نسألهم ماذا يريدون بالتشابه الذي أطلقوه على آيات الصفات. أيريدون اشتباه المعنى وخفاءه، أم يريدون اشتباه الحقيقة وخفاءها؟ فإن أرادوا المعنى الأول وهو مرادهم فليست آيات الصفات منه لأنها ظاهره المعنى، وإن أرادوا المعنى الثاني فآيات الصفات منه لأنه لا يعلم حقيقتها وكيفيتها إلا الله تعالى:. وبهذا عرف أنه لا يصح إطلاق التشابه على آيات الصفات بل لابد من التفصيل السابق.
الشيخ : نرد عليهم من وجوه : الأول : أن نسألهم ماذا يريدون بالتشابه الذي أطلقوه على آيات الصفات لأجل أن ننظر حتى نرد عليهم بعد أن يتقرر مذهبهم، أيريدون بذلك اشتباه المعنى وخفاءه، أم يريدون اشتباه الحقيقة وخفاءها؟ نقول : أنتم الآن تقولون إن آيات الصفات من المتشابه، فماذا تعنون بالمتشابه؟ هل تريدون اشتباه الحقيقة وأننا يشتبه علينا أن نعرف حقيقة هذه الأسماء والصفات، أو تريدون بالاشتباه اشتباه المعنى؟ يعني: أن المعنى مشتبه علينا ما ندري ما المراد؟ وأظننا نعرف الفرق بين المعنى وبين الحقيقة التي يؤول إليها الشيء. فنحن نعرف معنى اليد، ومعنى الاستواء، لكن هل نحن عرفنا حقيقة يد الله وكيفيتها؟ أبدا، فيجب أن نعرف الفرق بين المعنى وبين الحقيقة. فنسأل هؤلاء ماذا تريدون بالتشابه؟ هل تريدون اشتباه المعنى وخفاءه أم تريدون اشتباه الحقيقة وخفاءها؟ فإن أرادوا المعنى الأول وهو مرادهم، هم يريدون المتشابه يعني لا يعرف معناها، فليست آيات الصفات منه لأنها ظاهرة المعنى لقول مالك : " الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ". طيب قولنا : إن أرادوا المعنى الأول وهو مرادهم، كيف نعلق بالأول ثم نثبت في الثاني؟ لأجل التفصيل، فإنهم هم إذا قالوا نحن نريد المعنى الأول، وهي أن آيات الصفات وأحاديثها مشتبهة المعنى هذا هو مرادهم فالجواب ؟ نعم. " وإن أرادوا المعنى الثاني فآيات الصفات منه، لأنه لا يعلم حقيقتها وكيفيتها إلا الله تعالى. وبهذا عرف أنه لا يصح إطلاق التشابه على آيات الصفات، بل لابد من التفصيل السابق". ما هو التفصيل السابق؟ أنه إن أريد بذلك اشتباه المعنى وخفاؤه فآيات الصفات واضحة المعنى ليست منه، وإن أريد بذلك اشتباه الحقيقة التي يكون عليها الأمر فهذا حق وهي من المتشابه. ومن الذي يريدونه هؤلاء؟ يريدون هؤلاء يريدون المعنى الأول طيب.
شرح قول المصنف: " الثاني: أن قولهم: " إن التأويل المذكور في الآية هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يخالف الظاهر" غير صحيح ، فإن هذا المعنى للتأويل اصطلاح حادث لم يعرفه العرب والصحابة الذين نزل القرآن بلغتهم، وإنما المعروف عندهم أن التأويل يراد به معنيان:
إما التفسير ويكون التأويل على هذا معلوماً لأولي العلم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: " أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله " وعليه يحمل وقف كثير من السلف على قوله تعالى: ( والراسخون في العلم ) من الآية السابقة.
وإما حقيقة الشيء ومآله وعلى هذا يكون تأويل ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر غير معلوم لنا، لأن ذلك هو الحقيقة والكيفية التي هو عليها وهو مجهول لنا كما قاله مالك وغيره في الاستواء وغيره، وعليه يحمل وقف جمهور السلف على قوله تعالى:) وما يعلم تأويله إلا الله( (2). من الآية السابقة.
الشيخ :" الثاني: أن قولهم: إن التأويل المذكور في الآية هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يخالف الظاهر غير صحيح ". لأنهم يقولون : آيات الصفات لها معنى يخالف ظاهرها فلا نجريها على ظاهرها؟ لماذا؟ لأن الله قال : (( وما يعلم تأويله إلا الله )) أي: ما يعلم المعنى المخالف للظاهر إلا الله عز وجل. إذن فنحن الآن لا نجريها على ظاهرها، لأن لها معنى مخالف الظاهر لا يعلمه إلا الله. " فإن هذا المعنى للتأويل اصطلاح حادث لم يعرفه العرب والصحابة الذين نزل القرآن بلغتهم، وإنما المعروف عندهم أن التأويل يراد به معنيان : إما التفسير ويكون التأويل على هذا المعنى معلوماً لأولي العلم قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله )، وعليه يحمل وقف كثير من السلف لا أكثرهم على قوله تعالى : (( والراسخون في العلم )) من الآية السابقة ". أظن أنه إذا كان التأويل بمعنى التفسير فهذا معلوم، لمن؟ لأهل العلم، لقوله تعالى : (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) معطوفة على الله وموصولة به، فالراسخون في العلم يعلمون التأويل بناء على أن المراد بالتأويل: المعنى، طيب. " وإما حقيقة الشيء ومآله وعلى هذا يكون تأويل ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر غير معلوم لنا، لأن ذلك هو الحقيقة والكيفية التي هو عليها وهو مجهول لنا ". صح، إذا أردنا بالتأويل الحقيقة والمآل الذي عليه الشيء، فإن هذا غير معلوم لنا، لأننا لا نستطيع أن نعرف حقيقة ما أخبر الله به عن نفسه، نعم، نعرف المعنى أما أن نعرف كيف ذلك وما حقيقته فهذا لا يمكن. وعلى هذا يقول : " يحمل وقف جمهور السلف على قوله تعالى : (( وما يعلم تأويله إلا الله )) من الآية السابقة ". وبهذا تبين أن للسلف في هذه الآية وقفان، أو وقفين : الوقف الأول على: (( إلا الله )) فماذا يكون معنى التأويل عندهم ؟ اه؟ الحقيقة، إذا وقفنا على (( إلا الله )) صار المراد بالتأويل الحقيقة التي يؤول إليها الكلام. وأما إذا وصلنا وهو قول لبعض السلف وقلنا : (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) صار المراد به التفسير وهو معلوم لأهل العلم، لأن قوله : (( والراسخون في العلم يقولون آمنا به )) إذا جعلناها معطوفة على الله صاروا من الذين يعلمون تأويله وهو التفسير كما قال ابن عباس عن نفسه رضي الله عنه.
شرح قول المصنف: " الوجه الثالث: أن الله أنزل القرآن للتدبر، وحثنا على تدبره كله ولم يستثن آيات الصفات، والحث على تدبره يقتضي أنه يمكن الوصول إلى معناه وإلا لم يكن للحث على تدبره معنى، لأن الحث على شيء لا يمكن الوصول إليه لغو من القول ينزه كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم عنه، وهذا - أعني الحث على تدبره كله من غير استثناء- يدل على أن لآيات الصفات معنى يمكن الوصول إليه بالتدبر، وأقرب الناس إلى فهم ذلك المعنى هو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأن القرآن نزل بلغتهم، ولأنهم أسرع الناس إلى امتثال الحث على التدبر خصوصاً فيما هو أهم مقاصد الدين.
الشيخ :" الوجه الثالث " منين؟ من الرد على أهل التفويض - : " أن الله أنزل القرآن للتدبر "(( كتاب أنزلناه إليك مبارك )) اه؟ (( ليدبروا آياته ))" وحثنا على تدبره كله، ولم يستثن آيات الصفات، والحث على تدبره يقتضي أنه يمكن الوصول إلى معناه، وإلا لم يكن للحث على تدبره معنى، لأن الحث على شيء لا يمكن الوصول إليه لغو من القول ينزه كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم عنه. وهذا - أعني الحث على تدبره كله من غير استثناء - يدل على أن لآيات الصفات معنى يمكن الوصول إليه بالتدبر. وأقرب الناس إلى فهم ذلك المعنى هو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأن القرآن نزل بلغتهم ولأنهم أسرع الناس إلى امتثال الحث على التدبر خصوصاً فيما هو أهم مقاصد الدين ". نقول لهؤلاء الذين يقولون إننا لا نعلم معاني آيات الصفات، نرد عليهم فنقول : إن الله أمرنا بتدبر القرآن، صح؟ أين هو؟ (( كتاب )) نعم نعم (( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته )) فاللام هنا للتعليل، وكذلك قال : (( أفلم يدبروا القول ))(( أفلم يدبروا القول )) وهذا لا شك أنه إنكار عليهم حيث لم يتدبروه ولم يعرفوا معناه. فإذا كان الله تعالى حثنا على التدبر وأمرنا به، فهل يمكن الوصول إلى المعنى؟ يمكن، لولا أنه يمكن الوصول إلى المعنى لكان الأمر بالتدبر لغوا لا فائدة منه. طيب، هل استثنى الله آيات الصفات وقال : لا تدبروها فإنكم لن تصلوا إلى معناها؟ الجواب : لا، بل آيات الصفات هي أول وأولى ما يدخل في ذلك، لأنه ليس من المعقول أن تعرف معنى الوضوء والركوع والسجود والصيام والزكاة والحج ثم يقال : إن أعظم من ذلك - وهو أسماء الله وصفاته - لا يمكن أن تتدبرها. أنا لو لم أتدبر معنى السميع ومعنى الاستواء على العرش ومعنى الوجه الموصوف بذي الجلال والإكرام، لو لم أتدبر ذلك ما ازددت إيمانا، أظن هذا ظاهر؟ طيب.
شرح قول المصنف: " وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهما كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لا يتجاوزونها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، قال: فتعلمنا القرآن، والعلم، والعمل جميعاً. فكيف يجوز مع هذا أن يكونوا جاهلين بمعاني نصوص الصفات التي هي أهم شيء في الدين؟! "
الشيخ : يقول : " وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن: عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لا يتجاوزونها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، قالوا " هذا الصواب، عندكم قال؟ " قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً. فكيف يجوز مع هذا أن يكونوا جاهلين بمعاني نصوص الصفات التي هي أهم شيء في الدين؟! " بل نقول : مع كونها أهم شيء في الدين هي أكثر ما يكون في القرآن، لا تكاد تجد آية في القرآن وإلا وفيها اسم من أسماء الله أو صفة من صفاته، فإذا كان الصحابة رضي الله عنهم إذا قرؤوا على النبي صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، إذا كانوا كذلك فإنه يشمل آيات الصفات بلا شك. ومن ادّعى أنهم لا يعلمون معاني آيات الصفات فليأت بالدليل، بالداليل الذي يمنع هذا العموم.
شرح قول المصنف: " الرابع: إن قولهم يستلزم أن يكون الله قد أنزل في كتابه المبين ألفاظاً جوفاء لا يبين بها الحق، وإنما هي بمنزلة الحروف الهجائية والأبجدية، وهذا ينافي حكمة الله التي أنزل الله الكتاب وأرسل الرسول من أجلها "
الشيخ :" الرابع : إن قولهم يستلزم أن يكون الله تعالى قد أنزل في كتابه المبين ألفاظاً جوفاء لا يبين بها الحق. وإنما هي بمنزلة الحروف الهجائية والأبجدية. وهذا ينافي حكمة الله التي أنزل الله الكتاب وأرسل الرسول من أجلها ". صح. على رأيهم يستلزم أن هذه الحروف والكلمات والجمل المتعلقة بأسماء الله وصفاته ألفاظ، ها؟ جوفاء، ما لها معنى، لأنهم يقولون: ما لها معنى، يعني: أننا لا نصل إليه، فهي بمنزلة الحروف الهجائية ألف باء تاء ثاء الخ. والأبجدية هي نفس الحروف الهجائية لكنها رتبت على ترتيب آخر. الأبجدية : أبجد هوز حطي كلمن سعفص طرشت ثخذ ضظغ، نعم هذه هي؟ لا، قرشت قرشت، أي أبجد هوز حطي كلمن صعفس قرشت ثخذ ضظغ. هذه، يعني يركبون كلمات لو ما لها معنى علشان بس ضبط الحروف، إلا أن هذه الحروف لا تخرج عن الحروف الهجائية. على كل حال هم يرون أن نصوص الصفات من القرآن والسنة بمنزلة الحروف الهجائية التي لا يعلم لها معنى. وهذا من أكبر القدح والطعن في الله عز وجل وفي كتابه وفي رسوله، حيث يتكلمون بكلمات ليس لها معنى. فأنتم الآن تبين لكم أن مذهب أهل التجهيل باطل من وجوه أربعة، من وجوه أربعة.
شرح قول المصنف: " تنبيه: علم مما سبق أن معاني التأويل ثلاثة: أحدها: التفسير وهو إيضاح المعنى وبيانه، وهذا اصطلاح جمهور المفسرين ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". وهذا معلوم عند العلماء في آيات الصفات وغيرها.
الثاني: الحقيقة التي يؤول الشيء إليها، وهذا هو المعروف من معنى التأويل في الكتاب والسنة كما قال تعالى: (هل ينظرون إلا تأويله ) ذلك خير وأحسن تأويلاً ). فتأويل آيات الصفات بهذا المعنى هو الكنه والحقيقة التي هي عليها، وهذا لا يعلمه إلا الله.
الثالث: صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يخالف الظاهر وهو اصطلاح المتأخرين من المتكلمين وغيرهم. وهذا نوعان: صحيح وفاسد: فالصحيح: ما دل الدليل عليه مثل تأويل قوله تعالى: ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) إلى أن المعنى إذا أردت أن تقرأ.
والفاسد: ما لا دليل عليه كتأويل استواء الله على عرشه باستيلائه ويده بقوته ونعمته ونحو ذلك .
الشيخ :" تنبيه : علم مما سبق أن معاني التأويل ثلاثة : أحدها : التفسير وهو إيضاح المعنى وبيانه. وهذا اصطلاح جمهور المفسرين، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس : ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ). وهذا معلوم عند العلماء في آيات الصفات وغيرها ". من الذي أنكره في آيات الصفات؟ أهل التجهيل، قالوا: إن هذا غير معلوم، فهم يقولون نحن نعلم معنى الركوع والسجود والقيام والقعود والصيام والحج، نعلم معناها، لكن ما يتعلق بالعقيدة على زعمهم لا يعلم معناه. " الثاني : الحقيقة التي يؤول الشيء إليها. وهذا هو المعروف من معنى التأويل في الكتاب والسنة، كما قال تعالى : (( هل ينظرون إلا تأويله ))(( ذلك خير وأحسن تأويلاً )) " آية ثانية. " فتأويل آيات الصفات بهذا المعنى هو الكنه والحقيقة التي هي عليها، وهذا لا يعلمه إلا الله ". لأنه لو قال لك قائل : كيف استوى على العرش؟ ويش تقول؟ أقول ما هو معلوم، لكن ما معنى استوى على العرش؟ أقول : إنه معلوم، طيب. " الثالث : صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يخالف الظاهر ". يعني: قد يطلق التأويل على صرف اللفظ عن الظاهر إلى المعنى الذي يخالفه. فما حكم ذلك؟ يقول : " وهو، نعم، وهذا نوعان : صحيح وفاسد : فالصحيح : ما دل الدليل عليه مثل تأويل قوله تعالى : (( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم )) إلى أن المعنى إذا أردت أن تقرأ " لا إذا خلصت من القراءة. " والفاسد : ما لا دليل عليه كتأويل استواء الله على عرشه باستيلائه ويده أي: تأويل يده بقوته ونحو ذلك " نعم؟ نعم، " بقوته ونعمته ونحو ذلك " هذا التأويل جائز ولا غير جائز؟ هذا غير جائز، والله أعلم. نعم.
سؤال عن المعنى الثاني لمعاني التأويل في كلام السلف ؟
السائل : الأولى أن نعبر بالحقيقة أو الكيفية ؟ الشيخ : لا، الحقيقة أحسن، لأن الكيفية من الحقيقة. السائل : ... الحقيقة في نفس المعنى ؟ الشيخ : ... لأن المعنى شيء والحقيقة شيء آخر، وإنما قلنا الحقيقة لأجل يشمل ما أخبر الله به عن اليوم الآخر من ثواب الجنة ونعيمها وما فيها من النعيم، فإن هذا النعيم لا نعلم حقيقته ولا كنهه. السائل : ... . الشيخ : نعم؟ لا، حتى حقيقته مثلا طعمه ما ندركه، صحيح نعرف معنى السمع من حيث هو عموم، على سبيل العموم وهو إدارك المسموع لكن لا نعلم حقيقة سمع الله على ما هو عليه، والحقيقة منها الكيفية، الكيفية جزء من الحقيقة، نعم.
سؤال: هل يصح أن نزيد لفظة من غير تفويض في قولنا " نؤمن بصفات الله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ...." ؟
السائل : في تعريف الأسماء والصفات. الشيخ : ها؟ السائل : في تعريفنا للأسماء والصفات لماذا ما نزيد ونضيف إليه ونقول : من غير تفويض؟ الشيخ : لا، لأن حنا إذا قلنا الإيمان بها من غير تحريف ولا تعطيل، التفويض تعطيل، التفويض بلا شك نوع من التعطيل، ولا نقول ذلك، لأن التفويض إن أردت به تفويض المعنى فخطأ، إن أردت تفويض الحقيقة والكيفية فهذا صواب، ولهذا السلف أو العلماء لم يقولوا من غير تفويض لأنه فيه احتمال.
شرح قول المصنف: " فصل روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " تفسير القرآن على أربعه أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله، فمن ادعى علمه فهو كاذب" أهـ.
الشيخ :" فصل روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ( تفسير القرآن على أربعة أوجه ) " نعم؟ الطالب : ... . الشيخ : كيف أتممنا عليه، أكملناه. الطالب : ... . الشيخ : لا لا، أخذناه، وهذا الي ناقشتكم فيه الآن. يقول : ( على أربعة أوجه : تفسير تعرفه العرب من كلامها ) يعني: تفسير يرجع فيه إلى اللغة العربية، تعرفه العرب من كلامها. ( تفسير لا يعذر أحد بجهالته ) يعني أنه يحتاج إلى معرفة، يحتاج إلى معرفة، ولا بد أن يعرف. ( تفسير يعلمه العلماء ) ولا يلزم كل واحد أن يعرفه. ( وتفسير لا يعلمه إلا الله فمن ادعى علمه فهو كاذب ). انتبه للأربعة الأوجه : الوجه الأول : ما تعرفه العرب من كلامها. الثاني : ما لا يعذر أحد بجهالته، يعني: يجب على كل أحد أن يعرفه. والثالث : ما يعلمه العلماء، يعني: دون غيرهم فلا يلزم كل واحد أن يعرفه، لكن العلماء يجب عليهم أن يعرفوه لأنه فرض كفائي. والرابع : ما لا يعلمه إلا الله.
شرح قول المصنف: " فالتفسير الذي تعرفه العرب من كلامها هو تفسير مفردات اللغة كمعرفة معنى القرء، والنمارق، والكهف ونحوها "
الشيخ :" فالتفسير الذي تعرفه العرب من كلامها هو تفسير مفردات اللغة، كمعرفة معنى القرء والنمارق والكهف ونحوها ". عندما نبحث عن معنى القرء نرجع إلى أي شيء؟ إلى اللغة. فهل تطلق القرء على الحيض أو على الطهر؟ ننظر. عندما نرجع إلى تفسير النمارق، ما هي النمارق؟ الوسائد، هذا نرجع فيه إلى أي شيء؟ إلى اللغة، نرجع إلى القاموس، إلى لسان العرب، أو غيرهما مما ألف في معنى الكلمات. الكهف عندما نسأل عن معناه نرجع إلى؟ إلى اللغة، إلى المعاجم اللغوية، مثل: القاموس وغيره. والكهف ما هو ؟ الغار الذي في الجبل.
شرح قول المصنف: " والتفسير الذي لا يعذر أحد بجهالته هو تفسير الآيات المكلف بها اعتقاداً، أو عملاً كمعرفة الله بأسمائه وصفاته، ومعرفة اليوم الآخر، والطهارة، والصلاة، والزكاة وغيرها "
الشيخ :" والتفسير الذي لا يعذر أحد بجهالته هو تفسير الآيات المكلف بها اعتقادا أو عملا ". كل ما كلفنا به اعتقادا أو عملا فإنه لا عذر لنا في جهله، يجب علينا أن نعرفه، مثل: معرفة الله بأسمائه وصفاته، هذا كلفنا به ايش؟ عملا ولا اعتقادا؟ اعتقادا. كذلك معرفة اليوم الآخر وما فيه، هذا اعتقادا. الطهارة عمل، الصلاة عمل، الزكاة عمل، الصوم عمل، الحج عمل، فكل ما يجب على المكلف اعتقاده أو عمله فإنه لا يعذر بجهالته، لأنه يجب عليه أن يتعلم حتى يبني عقيدته على أسس سليمة، وكذلك أفعاله.
شرح قول المصنف: " والتفسير الذي يعلمه العلماء هو ما يخفى على غيرهم مما يمكن الوصول إلى معرفته كمعرفة أسباب النزول، والناسخ، والمنسوخ، والعام، والخاص، والمحكم، والمتشابه، ونحو ذلك "
الشيخ :" التفسير الذي يعلمه العلماء هو ما يخفى على غيرهم مما يمكن الوصول إلى معرفته كمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمحكم والمتشابه ونحو ذلك ". هذا لا يعلمه إلا أهل العلم. معرفة أسباب النزول (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله )) ويش سببها؟ الظهار الذي وقع من أوس بن الصامت على زوجته. كذا؟ وكذلك أيضا قوله تعالى : (( فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم )) الخ. سبب نزول الآية أن أحد الصحابة رضي الله عنهم أتى إلى أهله في ليالي الصيام وجامعها بعد أن صلى العشاء الآخرة، وكانوا إذا نام الرجل قبل العشاء أو صلى العشاء فإنه يجب عليه الإمساك إلى اليوم الثاني، فأنزل الله تعالى هذه الآية. المهم أن أسباب النزول لا يجب على كل أحد أن يعرفها، لأنه يمكن أن يعرف المعنى بدونها، وإن كان سبب النزول لا شك أنه يقوي على معرفة المعنى. طيب، الناسخ والمنسوخ هل يجب على كل واحد أن يعرف ذلك؟ لا، إذا عرف الحكم الشرعي كفى، لكن الناسخ من المنسوخ هذا لا يعرفه إلا أهل العلم. العام والخاص مثله، والمحكم والمتشابه ونحو ذلك، هذا لا يعلمه إلا العلماء.
شرح قول المصنف: " وأما التفسير الذي لا يعلمه إلا الله فهو حقائق ما أخبر الله به عن نفسه، وعن اليوم الآخر، فإن هذه الأشياء نفهم معناها، لكن لا ندرك حقيقة ما هي عليه في الواقع. مثال ذلك: أننا نفهم معنى استواء الله على عرشه، ولكننا لا ندرك كيفيته التي هي حقيقة ما هو عليه في الواقع. وكذلك نفهم معنى الفاكهة والعسل، والماء، واللبن، وغيرها مما أخبر الله أنه في الجنة ولكن لا ندرك حقيقته في الواقع كما قال تعالى: ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء.
وبهذا تبين أن في القرآن ما لا يعلم تأويله إلا الله كحقائق أسمائه وصفاته وما أخبر الله به عن اليوم الآخر. وأما معاني هذه الأشياء فإنها معلومة لنا وإلا لما كان للخطاب بها فائدة. والله أعلم.
الشيخ :" وأما التفسير الذي لا يعلمه إلا الله فهو حقائق ما أخبر الله به عن نفسه، وعن اليوم الآخر، فإن هذه الأشياء نفهم معناها، لكن لا ندرك حقيقة ما هي عليه في الواقع ". مثال ذلك : أننا نفهم معنى استواء الله على عرشه، ما معناه؟ العلو والاستقرار. ولكن هل نفهم كيفية ذلك؟ لا، فكيفية الصفة من صفات الله غير معلومة. لو أن أحدا ادعى أنه يعلم كيفية استواء الله على العرش لقلنا هو كاذب ولا يمكن. لو ادعى أحد أنه يعرف كيفية يد الله سبحانه وتعالى، قلنا كاذب. ولهذا نقول فمن ادعى علمه فهو كاذب. طيب، الفاكهة والعسل والماء واللبن، وغيرها مما أخبر الله به في الجنة هل نحن نعرف المعنى؟ المعنى نعرفه، نعرف معنى اللبن والعسل والماء والخمر والفاكهة ونحو ذلك، لكن هل نحن ندرك حقائق هذه الأشياء؟ لا. لو ادعى إنسان قال : إني أدرك العسل الذي في الجنة وأن كيفيته كذا وطعمه كذا وما أشبه ذلك، قلنا هذا كاذب، لأن حقائق هذه الأشياء غير معلومة لقوله تعالى : (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )). ولهذا يقول : " فإنا نفهم معنى الفاكهة والعسل والماء واللبن وغيرها مما أخبر الله أنه في الجنة ولكن لا ندرك حقيقته في الواقع كما قال تعالى : (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )) ". فإذا كان لا تعلم الكيفية، من ادعى علمها فإنه كاذب. قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء ). ويش معنى الكلام؟ يعني: أن الفاكهة موجودة في الدنيا وموجودة في الآخرة، الاسم واحد، لكن الحقيقة مختلفة. النخل والرمان موجود في الدنيا وموجود في الآخرة، لكن يتفقان في الاسم فقط، أما في الحقيقة التي هو عليها فإنهما لا يتفقان. هذا معنى قوله : ( ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء ). " وبهذا يتبين أن في القرآن ما لا يعلم تأويله إلا الله كحقائق أسمائه وصفاته وما أخبر الله به عن اليوم الآخر. وأما معاني هذه الأشياء فإنها معلومة لنا وإلا لما كان للخطاب بها فائدة ". أتينا بهذا الكلام عن ابن عباس رضي الله عنهما ليبتين أن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن أسماء الله وصفاته معلومة لنا من وجه مجهولة لنا من وجه. فمن جهة المعنى معلومة، ومن جهة الحقائق والكيفية مجهولة، وكذلك نقول في أمور الغيب الأخرى، مثل: ما أخبر الله به عن الجنة من النعيم أو عن النار من الجحيم، المعنى معلوم لنا لكن الحقيقة مجهولة. وهذا يمكن أن يكون، بمعنى يمكن أن يكون الشيء معلوما من وجه ومجهولا من وجه آخر.
شرح قول المصنف: " الباب الرابع والعشرون في انقسام أهل القبلة في آيات الصفات وأحاديثها المراد بأهل القبلة من يصلي إلى القبلة وهم كل من ينتسب إلى الإسلام "
الشيخ : ثم قال المؤلف : " الباب الرابع والعشرون: في انقسام أهل القبلة في آيات الصفات وأحاديثها ". أولا : نسأل من هم أهل القبلة؟ استمع إلى المعنى. قال : " المراد بأهل القبلة من يصلي إلى القبلة، وهم كل من ينتسب إلى الإسلام ". هذا معنى أهل القبلة عند أهل السنة، إذا قالوا أهل القبلة فهم كل من يصلي إلى القبلة، ولا يصلي إلى القبلة إلا من ينتسب إلى الإسلام. الجهمية من أهل القبلة؟ ها؟ أي نعم يصلون إلى القبلة والمعتزلة والأشاعرة ونحوهم هؤلاء كلهم من أهل القبلة، لأنهم يصلون إليها وينتسبون إلى الإسلام. أما هل هم مسلمون أو غير مسلمين؟ هذا شيء آخر. المهم هؤلاء يقولون إنهم مسلمون ويصلون إلى القبلة. انقسم أهل القبلة في آيات.