تتمة شرح قول المصنف " وقد انقسم أهل القبلة في آيات الصفات وأحاديثها إلى ست طوائف: طائفتان قالوا: تجرى على ظاهرها. وطائفتان قالوا: تجرى على خلاف ظاهرها. وطائفتان واقفتان.
فالطائفتان الذين قالوا : تجرى على ظاهرها هم:
الشيخ : هؤلاء كلهم من أهل القبلة لأنهم يصلون إليها وينتسبون إلى الإسلام. أما هل هم مسلمون أو غير مسلمين؟ هذا شيء آخر. المهم أن هؤلاء يقولون إنهم مسلمون ويصلون إلى القبلة. " انقسم أهل القبلة في آيات الصفات وأحاديثها إلى ست طوائف : طائفتان قالوا : تجرى على ظاهرها. وطائفتان قالوا : تجرى على خلاف ظاهرها. وطائفتان واقفتان ". فالأقسام إذن ستة. " فالطائفتان الذين قالوا : تجرى على ظاهرها هم "
شرح قول المصنف: " 1- طائفة المشبهة الذين جعلوها من جنس صفات المخلوقين ومذهبهم باطل أنكره عليهم السلف "
الشيخ :" أولا : طائفة المشبهة الذين جعلوها من جنس صفات المخلوقين، ومذهبهم باطل، أنكره عليهم السلف ". هؤلاء قالوا تجرى على ظاهرها، لكن جعلوا ظاهرها من جنس صفات المخلوقين، قالوا: نؤمن بأن الله يجيء، وأن له رحمة، وأن له وجها، وأن له يدا، لكن كل هذا مشابه نعم؟ لما للمخلوقين من ذلك. فيد الله تعالى كيد الإنسان ووجهه هكذا. طيب، ونحن إذا سمينا هذا ظاهرا، فإنما نسميه من باب التنزل، وإلا فليس ظاهر كلام الله ورسوله في صفاته، ليس ظاهره التشبيه، لكن تنزلا معهم.
شرح قول المصنف: " 2- طائفة السلف الذين أجروها على ظاهرها اللائق بالله عز وجل ومذهبهم هو الصواب المقطوع به لدلالة الكتاب، والسنة، والعقل عليه دلالة ظاهرة إما قطعية، وإما ظنية، كما تقدم دليل وجوبها وصحتها في البابين الثالث والرابع.
والفرق بين هاتين الطائفتين، أن الأولى تقول بالتشبيه، والثانية تنكره.
الشيخ :" ثانيا : طائفة السلف الذين أجروها على ظاهرها اللائق بالله تعالى ". فمثلا يقول : (( جاء ربك )) على ظاهرها، هو جاء لكنه جاء مجيئا يليق بجلاله. ( يضحك الله إلى رجلين ) يقول: نعم هو يضحك، لكنه ضحك يليق بجلاله. فالفرق إذن بينهم وبين المشبهة: أن المشبهة يجعلونها دالة على التشبيه، يقولون: يجيء على كيفية كذا وكذا، يضحك على كيفية كذا وكذا، وليسوا ينزهون الله تعالى عن المماثلة، فلذلك كانوا ضالين في هذه الناحية. قال : " والفرق بين هاتين الطائفتين أن الأولى تقول بالتشبيه والثانية تنكره" وإلا فكل منهم يجريها على الظاهر. فإن قال المشبه.
شرح قول المصنف: " فإن قال المشبه في علم الله ونزوله ويده مثلاً: أنا لا أعقل من العلم والنزول، واليد إلا مثل ما يكون للمخلوقين من ذلك.فجوابه من وجوه:
الشيخ :" فإن قال المشبه في علم الله ونزوله ويده مثلاً : أنا لا أعقل من العلم والنزول واليد إلا مثل ما يكون للمخلوق من ذلك ". المخلوقين؟ باالإفراد عندي، لكن ما يضر. المشبه الآن يقول : أنا لا أعقل من اليد إلا مثل أيدي المخلوقين، لا أعقل من الاستواء إلا مثل استواء المخلوقين، لأن هذا هو المعروف في اللغة العربية.
شرح قول المصنف: " الأول: أن العقل، والسمع قد دل كل منهما على مباينة الخالق للمخلوق في جميع صفاته، فصفات الخالق تليق به، وصفات المخلوق تليق به، فمن أدلة السمع على مباينة الخالق للمخلوق قوله تعالى: ( ليس كمثله شيء ) ومن أدلة العقل أن يقال: كيف يكون الخالق الكامل من جميع الوجوه، الذي الكمال من لوازم ذاته، وهو معطي الكمال مشابهاً للمخلوق الناقص، الذي النقص من لوازم ذاته، وهو مفتقر إلى من يكمله؟! "
الشيخ : فالجواب من وجوه : " الأول : أن العقل والسمع قد دل كل منهما على مباينة الخالق للمخلوق في جميع صفاته. فصفات الخالق تليق به وصفات المخلوق تليق به ". فإذا دل السمع والعقل على مباينة الخالق للمخلوق فإن الصفات التي تثبت للخالق يجب أن تكون مباينة للصفات التي تكون للمخلوق، لأن صفة كل شيء تناسبه. " فمن أدلة السمع على مباينة الخالق للمخلوق قوله تعالى : (( ليس كمثله شيء )) ". وهذا واضح أن المماثلة منتفية في حق الله، والكاف في قوله : (( ليس كمثله )) اختلف فيها العلماء، لأننا لو أخذنا بظاهر (( ليس كمثله )) لكان ظاهره أن الله أثبت لنفسه مثيلا، وليس لهذا المثيل مثيل، والأمر ليس كذلك، فإن الله تعالى ليس له مثيل إطلاقا. قالوا: فالكاف هنا زائدة، والتقدير ليس مثله شيء. وقيل : إن الزائد مثل، والتقدير : ليس كهو شيء. وقيل : إنه ليس هناك زيادة لا في الكاف ولا في مثل، ولكنه نفى مماثلة المثل من باب المبالغة، وإذا انتفى مثل المثل انتفى الأصل، لأنه لو كان الأصل موجودا لكان للمثل مثل. وقيل : إن مثل هنا بمعنى صفة، يعني: ليس كصفته شيء. ولكن الأقرب والله أعلم أن المثل على ما هو عليه، وأن الكاف زيدت للمبالغة، يعني: كأنه نفى المثل مرتين، مرة بصيغة الكاف، ومرة بصيغة مثل، وهذا هو الأقرب. الحاصل أن في هذا ردا على المشبهة ولا لا؟ لأنه يقول : (( ليس كمثله شيء )). قال: " ومن أدلة العقل أن يقال : كيف يكون الخالق الكامل من جميع الوجوه الذي الكمال من لوازم ذاته وهو معطي الكمال مشابها للمخلوق الناقص الذي النقص من لوازم ذاته، وهو مفتقر إلى من يكمله؟! " صحيح هذا؟ يقال : أنت أيها المشبه هل تعتقد أن الخالق أكمل من المخلوق؟ فسيقول : نعم، أعتقد ذلك. إذا كنت تعتقد أن الخالق أكمل من المخلوق فكيف يمكن أن تكون صفاته مثل صفات المخلوق؟! يجب أن تكون صفاته أكمل، لأنك أنت بنفسك تقول إن الخالق أكمل من المخلوق، وهذا في الحقيقة رد عليك، فإنه إذا كان أكمل لزم أن لا تكون صفاته مماثلة لصفات المخلوق.
شرح قول المصنف: " الثاني: أن يقال له: ألست تعقل لله ذاتاً لا تشبه ذات المخلوقين؟ فسيقول : بلى. فيقال له: فلتعقل إذاً أن لله صفات لا تشبه صفات المخلوقين، فإن القول في الصفات كالقول في الذات، ومن فرق بينهما فقد تناقض.
الشيخ :" الثاني: أن يقال له : ألست تعقل لله ذاتاً لا تشبه ذات المخلوقين؟ فسيقول : بلى. فيقال له : فلتعقل إذن أن لله صفات لا تشبه صفات المخلوقين، فإن القول في الصفات كالقول في الذات. ومن فرق بينهما فقد تناقض ". هذا الآن نخاصم المشبه، نقول: هل تعتقد أن لله ذاتا لا تشبه الذوات؟ فسيقول؟ الطالب : لا. الشيخ : لا، يقول : نعم، أعتقد ذلك. فنقول: إذا كنت تعتقد أن له ذاتا لا تشبه الذوات، فلتعتقد أن له صفات لا تشبه الصفات؟ لماذا؟ لأن صفة كل موصوف تليق به، فالجمل مثلا قوي، وقوته أقوى من الإنسان، والذرة قوية وقوتها ها؟ دون قوة الإنسان، لا هي قوية في القوة التي تليق بها، هي قوية في القوة التي تليق بها، لكن هل تشبه قوة الإنسان؟ لا تشبه، ليش؟ لأن قوة كل شيء تناسبه، فكذلك قوة الخالق لا يمكن أن تكون مماثلة لقوة المخلوق، ونقول في بقية الصفات كذلك.
شرح قول المصنف: " الثالث: أن يقال: نحن نشاهد من صفات المخلوقات صفات اتفقت في أسمائها، وتباينت في كيفيتها فليست يد الإنسان كيد الحيوان الآخر فإذا جاز اختلاف الكيفية في صفات المخلوقات مع اتحادها في الاسم فاختلاف ذلك بين صفات الخالق والمخلوق من باب أولى، بل التباين بين صفات الخالق والمخلوق واجب كما تقدم "
الشيخ :" الثالث : أن يقال له: نحن نشاهد من صفات المخلوقات صفات اتفقت في أسمائها، وتباينت في كيفيتها ". صح. نشاهد من صفات المخلوقات صفات اتفقت في أسمائها لكنها تباينت في حقيقتها أو في كيفيتها. " فليس يد الإنسان كيد الحيوان " فليست، نعم، " فليست يد الإنسان كيد الحيوان الآخر " ولا وجه الإنسان كوجه الحيوان الآخر، فالمخلوقات تتفق في الصفة وتختلف في الكيفية. " فإذا جاز اختلاف الكيفية في صفات المخلوقات مع اتحادها في الاسم، فاختلاف ذلك بين صفات الخالق والمخلوق من باب أولى، بل التباين بين صفات الخالق والمخلوق واجب كما تقدم ". وبهذا يندحر المشبه فقد أجبنا عنه ورددنا عليه بثلاثة أوجه، ويكون إن شاء الله النقاش فيها وفيما سبق غدا.
شرح قول المصنف: " وأما الطائفتان الذين قالوا : تجرى على خلاف ظاهرها، وأنكروا أن يكون لله صفات ثبوتية، أو أنكروا بعض الصفات، أو أثبتوا الأحوال دون الصفات فهم:
الشيخ : ننتقل الآن إلى الطائفتين الذين قالوا تجرى على خلاف ظاهرها وأنكروا أن يكون لله صفات ثبوتية، أو أنكروا بعض الصفات وأثبتوا الأحوال، نعم، أنكروا بعض الصفات، أو أثبتوا الأحوال دون الصفات. انتبه. الذين قالوا تجرى على خلاف ظاهرها، وأنكروا أن يكون لله صفات ثبوتية، قالوا: ما يمكن أن يكون لله صفات ثبوتية، بل صفاته كلها سلبية، قالوا: ما نقول إن لله سمعا لكن نقول : إنه ليس بأصم، ما نقول لله علم، لكن نقول ها؟ ليس بجاهل. ما نقول لله قدرة ولكن نقول ليس بعاجز. طيب ليش؟ قالوا: لأننا لو أثبتنا الصفات الثبوتية شبهناه بالموجودات، وهذا تمثيل والتمثيل حرام. نقول لهم : والصفات السلبية، النفي عدم، فإذا نفيتم شبهتموه بماذا؟ بالمعدومات. ولهذا لجأ بعضهم إلى الالتزام بهذا، وقال : ننفي عنه الإثبات والنفي، فلا نقول سميع ولا ليس بسميع، ما نقول لا هذا ولا هذا، ولا موجود ولا ليس بموجود. وطبعا هذا خلاف العقل ومتناقض. المهم أن منهم من يقول من ينكر الصفات الثبوتية، ولهذا إذا أرادوا أن يصفوا الله بأعظم الصفات عندهم، قالوا: إن الله ليس بميت ولا جاهل ولا عاجز ولا ضعيف ولا أصم ولا أعمى، ومن هذا، ومن هذا فقس، فيأتون بالصفات السلبية. ومعلوم أن الصفات الثبوتية أكمل، ولهذا لو جئت إلى ملك قلت له: ما شاء الله تبارك الله، أنت لست بزبال زبال، ولا كساح، ولا جزار، ولا بناء، نعم؟ ولا ميكانيكي، وهكذا، ولا كنّاس إلى آخره، ويش يقول لك هذا؟ يعطيك جائزة ولا لا؟ نعم يعطيه جائزة لكن سجن وصفع على الوجه. لكن لو تأتي له وتقول: ما شاء الله، أنت ملك قوي قدير ذكي عاقل، وما أشبه ذلك، ها؟ تحظى بجائزته ولا لا ؟ لأن هذه الأخيرة صفات ثبوتية والأولى صفات سلبية صفات نفي. العجيب أن هؤلاء يرون أن كمال الله أن يوصف بالصفات السلبية، والعياذ بالله، طيب هذا قول. أنكروا بعض الصفات مثل؟ مثل من؟ الطوائف؟ مثل الأشاعرة أنكروا بعض الصفات وأثبتوا بعضا. أثبتوا الأحوال دون الصفات، المعتزلة وكذلك الأشاعرة أيضا. ويش معنى الأحوال؟ قالوا: مثلا إن الله سميع ليس المعنى أن له سمعا، لكن هو ذو سمع، هو ذو سمع، يعني: حاله أن يكون سميعا، لكن تبي تثبت نعم؟ أنه له سمع لا. فقل هو ذو سمع وليس المعنى أنه متصف بالسمع، فيقول الله عليم وكونه عليما هذه هي الحال أما أن له علما فلا. ولا شك هذا تناقض، لأن ما من إنسان يقول كونه عالما إلا وهو متصف بالعلم، هؤلاء يقولون، هم طائفتان.
شرح قول المصنف: " 1- أهل التأويل من الجهمية وغيرهم الذين أولوا نصوص الصفات إلى معان عينوها كتأويل اليد بالنعمة، والاستواء بالاستيلاء ونحو ذلك "
الشيخ :" أهل التأويل من الجهمية وغيرهم الذين أولوا نصوص الصفات إلى معان عينوها كتأويل اليد بالنعمة، والاستواء بالاستيلاء، ونحو ذلك ". هل هؤلاء أجروها على ظاهرها؟ ها؟ قالوا المراد باليد القوة أو النعمة وبالاستواء الاستيلاء أجروها على ظاهرها أو لا؟ أجروها على خلاف ظاهرها، لكن جعلوا لها معنى، معنى مؤولا.
شرح قول المصنف: " 2- أهل التجهيل المفوضة الذين قالوا: الله أعلم بما أراد بنصوص الصفات، لكننا نعلم أنه لم يرد إثبات صفة خارجية له تعالى:، وهذا القول متناقض فإن قولهم: " نعلم أنه لم يرد إثبات صفة خارجية له" يناقض التفويض، لأن حقيقة التفويض أن لا يحكم المفوض بنفي ولا إثبات وهذا ظاهر.
الشيخ :" الثانية : أهل التجهيل المفوضة، الذين قالوا : لا نجريها على ظاهرها ولكن نقول : الله أعلم بما أراد ". تقول له تعال: استوى على العرش، تجريها على ظاهرها؟ يقول: لا، ما أجريها، ويش معناها؟ قال الله أعلم. أهل التأويل خير منهم ولا لا؟ أهل التأويل خير منهم، لأنهم أثبتوا لها معنى، وإن كانوا أشد منهم عدوانا لأنهم تجرؤوا وأثبتوا ما لا علم لهم به، لكن هم من حيث النظر أحسن من هؤلاء. تجي للمفوض تقول : (( ويبقى وجه ربك )) ويش معنى وجه ربك؟ قال : لا يراد به ظاهره، لا يراد به ظاهره، إذن ويش المراد؟ قال: الله أعلم، أنا أفوض فأقول : الله أعلم. وأنت إذا تأملت وجدت أن قولهم متناقض، ما دمت تقول : الله أعلم، أليس من الممكن أن الله أراد الظاهر؟ نقول : بلى. فإذا كان ممكن أن يكون الله أراد الظاهر ليش تقول ليش تجزم بالنفي وتقول : لا يراد الظاهر. أي نعم. استمع إلى مذهبهم. " يقولون : الله أعلم بما أراد بنصوص الصفات، لكننا نعلم أنه لم يُرد إثبات صفة خارجية له تعالى ". يعني: مثلا (( جاء ربك )) تسألهم ويش معنى جاء ربك؟ قالوا: : الله أعلم بما أراد، لكننا نعلم أنه لم يرد المجيء الحقيقي، ها؟ تناقض ولا لا؟ طيب، إذا كنت تقول الله أعلم ليش تقول : نعلم أنه لم يرد؟ أليس من الجائز أن يكون أراد المعنى الحقيقي الظاهر؟ بلى، ومع ذلك يقول: لا، ما أراد أنه يجيء، ما أراد أنه استوى، ما أراد أنه له سمعا وبصرا وما أشبه ذلك، نعلم هذا، ثم نقول : الله أعلم بما أراد. كل يعلم أن هذا تناقض، ولهذا قلنا : " وهذا القول متناقض فإن قولهم : نعلم أنه لم يرد إثبات صفة خارجية له يناقض التفويض، لأن حقيقة التفويض أن لا يحكم المفوض بنفي ولا إثبات وهذا ظاهر ". إذن كلتا الطائفتين ضالتان، ولا لا ؟ لأنهما قالا على الله بلا علم، ولأنهما نفيا ما هو ظاهر من كلام الله وكلام رسوله. الظاهر أنه مذكور الرد عليهم؟ لا ما ذكر.
شرح قول المصنف: " والفرق بين هاتين الطائفتين: أن الأولى أثبتوا لنصوص الصفات معنى لكنه خلاف ظاهرها، وأما الثانية فيفوضون ذلك إلى الله من غير إثبات معنى، مع قولهم: " إنه لا يراد من تلك النصوص إثبات صفة لله عز وجل".
الشيخ :" والفرق بين هاتين الطائفتين : أن الأولى أثبتوا لنصوص الصفات معنى، لكنه خلاف ظاهرها. وأما الثانية فيفوضون ذلك إلى الله من غير إثبات معنى، مع قولهم : إنه لا يراد من تلك النصوص إثبات صفة لله عز وجل ". هذا الفرق بين الطائفتين، ولا شك أن الطائفة التي تثبت لها معنى خير في العقل والنظر ممن لا تثبت. ولا شك أن التي تثبت معنى يخالف الظاهر أشد جرأة من الذين توقفوا، أشد. فكل واحدة من الطائفتين خير من الأخرى من وجه. أما الرد على الطائفتين جميعا، فقد سبق الرد على أهل النجهيل، وسبق الرد على أهل التأويل، سبق في نفس الكتاب هذا فليرجع إلى ذلك. والرد الإجمالي على الطائفتين أن نقول : لا يمكن أن الله تعالى يتكلم بكلام لا يريد من العباد إثبات معناه على ظاهره، أبدا، بل لا يتكلم سبحانه بكلام إلا وهو يريد أن يأخذ الناس بظاهره، نعم.
شرح قول المصنف: " وأما الطائفتان الذين توقفوا فهم: 1- طائفة جوزوا أن يكون المراد بنصوص الصفات إثبات صفة تليق بالله، وأن لا يكون المراد ذلك، وهؤلاء كثير من الفقهاء وغيرهم.
2- طائفة أعرضوا بقلوبهم وألسنتهم عن هذا كله ولم يزيدوا على قراءة القرآن والحديث.
الشيخ :" وأما الطائفتان الذين توقفوا فهم : أولا : طائفة جوزوا أن يكون المراد بنصوص الصفات إثبات صفة تليق بالله، وأن لا يكون المراد ذلك. والطائفة الثانية : أعرضوا بقلوبهم وألسنتهم عن هذا كله، ولم يزيدوا على قراءة القرآن والحديث ". هاتان الطائفتان واقفتان، كيف توقفهما؟ ما الفرق بينهما؟ الفرق أن الطائفة الأولى تقول : إنه يمكن أو يجوز أن يكون المراد إثبات صفة، ويجوز أن لا يكون المراد إثبات صفة، فهم يحكمون بتجويز الأمرين. أما الثانية : فيقولون لا نتعرض للمعنى إطلاقا، نقرأ القرآن والحديث، ونمسك بقلوبنا وألسنتنا عن التعرض لما يدل عليه القرآن والسنة. - انتبه يا أخ - الفرق بينهما ظاهر الآن؟ الطائفة الأولى تقول : إننا متوقفون، لأننا نرى أنه يجوز أن يكون المراد إثبات صفات ويجوز أن يكون المراد عدم ذلك، الله أعلم. الثانية تقول : أعرض عن هذا كله، لا تتكلم، لا تقول يجوز ولا ما يجوز، ولا تثبت ولا تنفي.
شرح قول المصنف: " والفرق بين هذه الطائفة والتي قبلها: أن الأولى تحكم بتجويز الأمرين: الإثبات وعدمه، وأما الثانية، فلا تحكم بشيء أبداً. والله أعلم "
الشيخ : يقول: " والفرق بين هذه الطائفة والتي قبلها: أن الأولى تحكم بتجويز الأمرين: الإثبات وعدمه، وأما الثانية، فلا تحكم بشيء أبداً ". تجده يقرأ القرآن تقول تعال ما معنى قول الله : (( الرحمن على العرش استوى )) ؟ يقول ؟ ها؟ الطالب : ما يتكلم. الشيخ : ما يتكلم، يقول: أعرض عن هذا لا تتكلم بشيء. الطائفة الأولى تقول: هل أراد الله استوى على العرش أي علا واستقر، أو أراد استولى عليه؟ يقول : يجوز هذا وهذا، أو لم يرد شيئا، يقول نعم يجوز، يمكن هذا وهذا. وهذا لا شك أنه حكم، هذا حكم على الشيء بأنه يجوز أن يكون المراد به كذا أو كذا أو كذا أو إلى آخره. أما الثانية : فإذا سألته ايش معنى : استوى الله على عرشه. قال : أنا معرض عن هذا، لا أحكم بشيء أبدا، ولا أتكلم بشيء في هذا الباب إطلاقا. وكلا الطائفتين أو كلتا الطائفتين ضالتان، لأننا كوننا نجوز هذا وهذا وهذا في أشياء لا تليق بالله هذا حرام، فما لا يليق بالله لا يمكن أن يجوز. والثانية، كوننا نعرض عن هذا كله مخالف لقوله تعالى : (( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب )) ووقوع فيما أنكر الله حيث قال عز وجل : (( أفلم يدبروا القول )) وهذا الاستفهام للإنكار، فالله أمرنا بالتدبر لنثبت المعنى الذي دل عليه اللفظ. وبهذا عرفنا أن خير الأقسام وأوجب الأقسام بالاتباع هم الذين قالوا تجرى على ظاهرها، ايش؟ اللائق بالله سبحانه وتعالى. فعندما تقرأ : (( الرحمان على العرش استوى )) تثبت أنه علا على العرش، لكن لا يجوز أن يدور في ذهنك أنه كاستوائنا على السرير، لا يجوز هذا إطلاقا، ليش؟ لتباين ما بين الخالق والمخلوق. كذلك عندما تقرأ : (( بل يداه مبسوطتان )) لا يمكن أبدا أن تتصور أن هاتين اليدين كأيدينا أبدا، ولا يحل لك أن تقرن هذا بهذا لأن الله (( ليس كمثله شيء )) حتى لو قال لك الذهن إن يدي الله عز وجل كيد الإنسان يجب أن تطرد هذا عن ذهنك وأن لا تفكر فيه، إذ من الجائز أن تكون يد الله عز وجل ليست كيد الإنسان تكون كيد شيء آخر غير الإنسان، أليس كذلك؟ طيب، إذا كان الأمر هكذا، فالواجب أن نتوقف عن تقدير التمثيل وتخيله، فنقول: لله تعالى يد حقيقية يأخذ بها ويقبض، نعم، ولكنها لا تشبه أيدي المخلوقين. ويجب علينا أيها الإخوة أن نبعد عن مخيلتنا تصور كل شيء من صفات الله سواء كانت فعلية أو خبرية، لأننا لا نحيط به سبحانه وتعالى.
السائل : ... . الشيخ : نعم؟ السائل : الواقفتان. الشيخ : أي نعم، لا، المفوضة غير هاذول يتوقفون، والمفوضة يقولون إن الله أراد معنى معينا لكنا ما نعلمه. السائل : ما يمكن نجعل هذين الأخيرين والقسم الثالث من الي قبلهم كل هالثلاثة مفوضة، لكن يختلفون بينهم؟ الشيخ : القسم الثاني يعني؟ السائل : أي. الشيخ : لا، شيخ الإسلام رحمه الله في الفتوى الحموية قسمهم هذا التقسيم، وجعل المفوضة ممن يجرونها على خلاف الظاهر، لأنهم يجزمون بما قالوا، أما هذولا فهم دروايش ما يعرفون شيئا أبدا. الطائفة الأولى تقول : كل شيء يمكن، والطائفة الثانية تقول: لا تتكلم بشيء، اقرأ القرآن والحديث وخليك مثل الصبي الي يقرأ ولا يدري ما يقول. السائل : ... . الشيخ : نعم. نعم. شيقول؟ السائل : وهؤلاء كثير من الفقهاء وغيرهم. الشيخ : الطائفة الأولى الذين جوزوا أن يكون المراد بنصوص الصفات. السائل : إثبات صفة تليق بالله، وأن لا يكون المراد ذلك، وهؤلاء كثير من الفقهاء وغيرهم. الشيخ : عندنا هذا. السائل : موجود؟ الشيخ : موجودة. السائل : ما قرأتها؟ الشيخ : بس أنا ما قرأتها.
شرح قول المصنف: " الباب الخامس والعشرون في ألقاب السوء التي وضعها المبتدعة على أهل السنة من حكمة الله تعالى: أن جعل لكل نبي عدواً من المجرمين يصدون عن الحق بما استطاعوا من قول وفعل بأنواع المكايد، والشبهات، والدعاوي الباطلة، ليتبين بذلك الحق، ويتضح ويعلو على الباطل
الشيخ : ثم قال المؤلف : " الباب الخامس والعشرون: في ألقاب السوء التي وضعها المبتدعة على أهل السنة ". اللقب عند العلماء كل ما أشعر بمدح أو ذم. فإذا قالوا : علي زين العابدين، زين العابدين هذا لقب مدح، سعيد كرز هذا ذم. أهل السنة والجماعة والحمد لله كل ألقابهم ألقاب مدح، لو لم يكن من ذلك إلا أنهم يسمون أهل السنة، ويش بعد؟ والجماعة، فلا بدعة عندهم ولا تفرق، بل كل أمرهم مبني على سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى الاجتماع عليها، فهم الذين أخذوا بأكبر نصيب من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ). يقول المؤلف : " من حكمة الله تعالى: أن جعل لكل نبي عدواً من المجرمين، يصدون عن الحق بما استطاعوا من قول وفعل بأنواع المكائد والشبهات والدعاوي الباطلة، ليتبين بذلك الحق، ويتضح ويعلو على الباطل ". كيف هذا؟ يعني ما وجهه؟ جعل الله تعالى لكل نبي عدوا من المجرمين، يلقبونه بألقاب السوء، ويعيبون دينه وشرعه، ويقولون فيك كذا وكذا وكذا، لماذا؟ لأجل أن يتبين الحق، لأن الحق لو لم يجد مصادما ما تبيّن، أخذه الناس هكذا ساذجا، ولا يدرون هل هو حق أو غير حق، فإذا عورض تبينت محاسنه. مثلا دين الجاهلية مبني على الشرك بالله، فجاء الإسلام يدعو إلى التوحيد. وُجد أناس يقاومون هذه الدعوة، وينكرون التوحيد، فإذا وجد هؤلاء المقاومون تبين أن التوحيد خير من الشرك، لأن مقاومة هؤلاء إذا عرضت على العاقل تبين ايش؟ فسادها. كذلك من أجل أن يعلو الحق على الباطل، لأنه إذا كان هناك خصمان وتبين الحق مع أحدهما صار العلو لمن ؟ لمن كان معه الحق، فيعلو على الباطل. كذلك أيضا فيه فائدة أخرى: وهي امتحان المعتنقين للشريعة هل يصبرون على هذه الألقاب والأذية ويبقون على ما هم عليه من الحق أو يرجعون وينكصون على أعقابهم؟ كما وجد لبعض الناس الذين ذموا وعيبوا بعد إسلامهم رجعوا عن الإسلام والعياذ بالله، وهذا أبو طالب يقول : " لولا الملامة أو حِذار مسبة *** لوجدتني سمحا بذاك مبينا ". فهذا أيضا من الحكمة في أن الله تعالى جعل للأنبياء وأتباعهم.