(الكلام على التسلسل في الماضي والمستقبل)
أو لست تسمع قول كل موحد*** يا دائم المعروف والسلطان وقديم الإحسان الكثير ودائم الـ*** جود العظيم وصاحب الغفران
الشيخ : المستقبل ما دام دائما فإنه يقتضي أن يكون فاعلا لم يزل فعالا في الماضي كما لا يزال فعالا في المستقبل. " أو لست تسمع قول كل موحد *** يا دائم المعروف والسلطان " " أو لست تسمع "، هذا الاستفهام للتقرير الجواب نعم ولا لا؟ بلى، بلى نسمع، كل واحد من أهل التوحيد يقول يا دائم المعروف والسلطان والدوام يقتضي التسلسل في الماضي والتسلسل في المستقبل وإلا لم يكن دائما. وقديم الإحسان الكثير ودائم الجود " وقديم الإحسان الكثير ودائم *** الجود العظيم وصاحب الغفران " كل هذا نسمعه من المسلمين، وكله يقتضي أن الله لم يزل هاه؟ ولا يزال فعالا محسنا.
من غير إنكار عليهم فطرة*** فطروا عليها لا توصي ثان (إعراب فطرة)
الشيخ : من غير إنكار عليهم ، يعني: لا أحد ينكر عليهم. " فطرةً *** فطروا عليها " ويجوز أن تقول: فطرةٌ فطروا عليها، فعلى الأول تكون فطرة مصدر مفعول مطلق لفطروا، وعلى الثاني تكون خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هي فطرة. " لا تواص ثاني " يعني لا أحد وصاهم، يعني ليس بعضهم يوصي بعضا ويقول قل يا دائم المعروف قل يا دائم السلطان، بل هي أمر فطري.
معنى قول الناظم: أو ليس فعل الرب تابع وصفه*** وكماله أفذاك ذو حدثان
الشيخ :" أوليس فعل الرب تابع وصفه *** وكماله أفذاك ذو حدثان " الجواب: بلى، فعل الرب تابع لكماله، وإذا كان تابع كماله، فهل كماله حادث؟ الطالب : لا. الشيخ : هاه؟ الطالب : لا. الشيخ : لا، الفعال أكمل ممن لا يفعل، وإذا كان كمال الله تعالى لازما له أزلا وأبدا لزم أن يكون فعله أيش؟ لازما له أزلا وأبدا، فالله لم يزل ولا يزال فعالا. طيب، قال:
معنى قول الناظم: وكماله سبب الفعال وخلقه*** أفعالهم سبب الكمال الثاني
الشيخ : قال: " وكماله سبب الفعال وخلقه *** أفعالهم سبب الكمال الثاني " " وكماله سبب الفعال " يعني: أنه لما كان كاملا كان كماله سببا لفعله، ومن المعلوم أن المسبب لا يتأخر عن السبب، فالكمال لازم أبدا، الفعل إذن لازم أبدا. " وخلقه أفعالهم " يعني: خلق أفعال العباد سبب الكمال الثاني، حطوا بالكم، يعني مثلا: الله تعالى لم يزل خالقا فاعلا، فإذا خلق الشيء صار هذا كمالا ثانيا تبين به الكمال الأول، لأنه لا يظهر لنا كمال الله عز وجل إلا بمخلوقاته، فهذه المخلوقات إذا رأيناها كاملة وهي من أثر فعله فهذا كمال ثان غير الكمال الأول الذي هو وصفه الدائم.
(بيان رأي الكرامية في أفعال الله)
أو ما فعال الرب عين كماله*** أفذاك ممتنع عن المنان
أزلا إلى أن صار فيما لم يزل*** متمكنا والفعل ذو إمكان تالله قد ضلت عقول القوم اذ*** قالوا بهذا القول ذي البطلان
الشيخ :" أو ما فعال الرب عين كماله *** أفذاك ممتنع على المنان " الجواب: لا، ليس بممتنع، فإذا كان فعل الله هو عين كماله، فهو لم يزل كاملا، أزلا إلى أن صار. " أفذاك ممتنع على المنان أزلا إلى أن صار فيما لم يزل *** متمكنا والفعل ذو إمكان " وهذا رأي من؟ رأي الكرامية، يقولون: إن الله كان في الأزل لا يتمكن من الفعل، ثم صار متمكنا، لماذا؟ لأنهم يخشون إذا قالوا بأنه لم يزل فاعلا أن يلزموا بتسلسل الحوادث في الماضي، وأن هذا يقتضي أن هذا الكون لا خالق له، وهذا خطأ، لأنا نقول: حتى لو قلنا بقدم الفعل فإن المفعول يكون بعد الفاعل أو معه؟ بعده قطعا، يعني: لو قلنا بأن المخلوقات لم تزل فيما مضى، لكن نحن لا نعلم إلا السماوات والأرض، فإنه لا يلزم أن تكون قديمة قدم الله، لأنه من المعلوم أن الفعل لا يكون إلا بعد الفاعل، والمفعول لا يكون إلا بعد الفعل، فكيف تقولون إن هذا ممتنع؟! يقول: " تالله قد ضلت عقول القوم " من؟ الطالب : الكرامية. الشيخ : الكرامية، " إذ *** قالوا بهذا القول " يعني: أنه كان بالأول ممتنعا الفعل ثم صار ممكنا، " بهذا القول ذي البطلان ".
معنى قول الناظم: ماذا الذي أضحى له متجددا*** حتى تمكن فانطقوا ببيان
والرب ليس معطلا عن فعله*** بل كل يوم ربنا في شان
الشيخ :" ماذا الذي أضحى له متجددا *** حتى تمكن " يعني: ما السبب أنه كان ممتنعا ثم صار ممكنا. " ماذا الذي أضحى له متجددا *** حتى تمكن فانطقوا ببيان والرب ليس معطلا عن فعله *** بل كل يوم ربنا في شان " أظن هذا كله واضح، يعني: أن الله لو قلنا بأنه في الأزل لم يكن قادرا على الفعل ثم كان قادرا لزم أن يكون في الأول معطلا عن الفعل.
والأمر والتكوين وصف كماله*** ما فقد ذا ووجوده سيان (معنى قول الله تعالى:{ ألا له الخلق والأمر })
الشيخ :" والأمر والتكوين وصف كماله *** ما فقد ذا ووجوده سيان " الأمر والتكوين ذكرهم الله في قوله: (( ألا له الخلق والأمر )) التكوين الخلق، والأمر هو الأمر، فالله له الأمر، وله التكوين، وهذان وصفان لكماله، ولهذا قال: " وصف كماله *** ما فقد ذا ووجوده سيان "، أيهما أكمل؟ الطالب : وجوده. الشيخ : وجوده لا شك.
معنى قول الناظم: وتخلف التأثير بعد تمام مو***جبه محال ليس في الامكان
الشيخ :" وتخلف التأثير بعد تمام *** موجبه محال ليس في الإمكان " يعني: هو يرد عليهم، يقول: إذا قلتم إن الله تعالى لا مفعول له في الأزل ثم صار له مفعول، إن قلتم إن الله قادر ثم تخلف المقدور فهذا مستحيل، لأن تخلف التأثير بعد تمام موجبه مستحيل، إذا وجد الموجِب لابد أن يوجد الموجَب ولا يتخلف، فإذا كان الله قادرا فاعلا فلماذا لا يكون المفعول أزليا كما كان الفعل أزليا؟ لكن معنى ذلك لو قلنا بأنه أزلي لا يلزم أن يكون مساويا للفاعل، لأن الفعل بعد الفاعل، والمفعول بعد الفعل.
(بيان أن الفعل لا يكون فعلا إلا بقدرة ومشيئة والعلم والحياة)
والله ربي لم يزل ذا قدرة*** ومشيئة ويليهما وصفان
العلم مع وصف الحياة وهذه*** أوصاف ذات الخلق المنان
وبها تمام الفعل ليس بدونها*** فعل يتم بواضح البرهان فلأي شيء قد تأخر فعله*** مع موجب قد تم بالأركان
ما كان ممتنعا عليه الفعل بل*** ما زال فعل الله ذا إمكان
الشيخ :" والله ربي لم يزل ذا قدرة *** ومشيئة ويليهما وصفان العلم مع وصف الحياة " فهذه أربعة: الحياة، والعلم، والمشيئة، والقدرة. " *** أوصاف ذات الخالق المنان وبها تمام الفعل ليس بدونها *** فعل يتم بواضح البرهان " صحيح، لا يمكن أن يتم فعل الفاعل إلا بهذه الأوصاف الأربعة، وهي: الحياة والعلم والمشيئة والقدرة، فالميت ما يفعل، صح؟ والجاهل ما يفعل، لو جاءنا إنسان وقال أنا أريد أصلح لكم مسجل الآن، أصنع لكم مسجل وهو جاهل ما درس ولا جرب، هل يمكن أن ينتج؟ الطالب : لا الشيخ : لماذا؟ الطالب : لجهله. الشيخ : لجهله. طيب الإرادة وهي المشيئة، أيضا لو كان الإنسان حيا عالما قديرا لكن لم يشأ أن يصنع هذا المسجل، هل يمكن أن يوجد؟ هاه؟ لا. طيب إنسان حي عليم شائي، لكنه لا يقدر أشل، يعني هذا الرجل كان درس وتعلم كيف يصنع وأراد أن يصنع لكنه أشل، ما يقدر، هل يمكن أن يوجد المصنوع؟ لا يوجد. فإذا تمت هذه الأوصاف الأربعة: الحياة والعلم والمشيئة والقدرة، فلابد أن يوجد المفعول. هل الله عز وجل فقد الحياة يوما من الأيام؟ الطالب : لا. الشيخ : فقد العلم؟ الطالب : لا. الشيخ : المشيئة القدرة؟ أبدا، فإذا كانت هذه الأوصاف تامة في حق الله فلماذا لا يوجد المفعول؟ لابد أن يوجد، ولهذا قال: " وبها تمام الفعل ليس بدونها *** فعل يتم بواضح البرهان فلأي شيء " إذا كان قد تم تمت أسباب الفعل. " فلأي شيء قد تأخر فعله *** مع موجب قد تم بالأركان ما كان ممتنعا عليه الفعل *** بل ما زال فعل الله ذا إمكان "
خلاصة الكلام في رد الناظم على الكرامية حول فعل الله
الشيخ : وخلاصة الأبيات هذه: أنه أقام الدليل على الكرامية بأن الله لم يزل حيا، لم يزل عالما، لم يزل قادرا، لم يزل شائيا، فإذا تمت هذه الأمور الأربعة فلا بد من وجود المقدور عليه، لابد من وجوده، بأي شيء يتخلف؟ كيف نقول الموجِب تام سابق ثم لا يوجد الموجَب؟! هذا شيء غير ممكن، كل هذه الأبيات لتقدير هذه القاعدة، أنه متى تمت شروط الفعل وجب وجود الفعل، نعم.
القراءة من قول الناظم: والله عاب المشركين بأنهم..إلى قوله.. هذا المحال وأعظم البطلان
القارئ : " والله عاب المشركين بأنهم *** عبدوا الحجارة في رضا الشيطان ونعى عليهم كونها ليست بخالقة *** وليست ذات نطق بيان فأبان أن العقل والتكليم من *** " الشيخ : أن الفعل. القارئ : " فأبان أن الفعل والتكليم من *** أوثانهم لا شك مفقودان وإذا هما فقدا فما مسلوبها *** بإله حق وهو ذو بطلان والله فهو إله حق دائما *** أفعنه ذا الوصفان مسلوبان أزلا وليس لفقدها من غاية *** هذا الْمَحال وأعظم البطلان " الشيخ : هذا الْمُحال، هذا الْمُحال، قلت: الْمَحال؟ القارئ : إيه نعم. الشيخ : لا، الْمُحال. القارئ : " أزلا وليس لفقدها من غاية *** هذا المحال وأعظم البطلان "
معنى قول الناظم: والله عاب المشركين بأنهم*** عبدوا الحجارة في رضا الشيطان
ونعى عليهم كونها لس بخا***لقة وليست ذات نطق بيان
فأبان أن العقل والتكليم من*** أوثانهم لا شك مفقودان
واذا هما فقدا فما مسلوبها*** بأله حق وهو ذو بطلان
الشيخ : طيب، في هذه القطعة يقول المؤلف رحمه الله أن الله عاب المشركين بأنهم عبدوا الحجارة في رضا الشيطان، ونعى عليهم كونها ليست بخالقة، يعني أنها لا تخلق (( والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون )) ليست بخالقة، وليست ذات نطق بيان، يعني: أنها لا تتكلم، كما قال إبراهيم (( فاسألوهم إن كانوا ينطقون )) " فأبان أن الفعل والتكليم من *** أوثانهم لا شك مفقودان وإذا هما فقدا فما مسلوبها *** بإله حق وهو ذو بطلان " إذا فقدا من المعبود فليس بإله حق، إذن هي ليست بالخالقة فلا تفعل، وليست بناطقة فلا تتكلم، فإذا فقد التكليم والخلق من المعبود فليس بإله حقيقة.
معنى قول الناظم: والله فهو إله الحق دائما*** أفعنه ذا الوصفان مسلوبان
أزلا وليس لفقدها من غاية ***هذا المحال وأعظم البطلان
الشيخ :" والله فهو إله حق دائما *** أفعنه ذا الوصفان مسلوبان " الجواب: لأ، بل لم يزل فعالا ولم يزل متكلما، ولهذا قال: " *** أفعنه ذا الوصفان مسلوبان أزلا وليس لفقدها من غاية *** هذا المحال وأعظم البطلان " نعم. الطالب : معنى البيت الأخير؟ الشيخ : نعم؟ الطالب : معنى البيت الأخير؟ الشيخ : معناه أفيكون هذان الوصفان مسلوبان عنه أزلا كما قالت الكرامية، لأن الكرامية يقولون في الأزل ليس بمتكلم وليس بفاعل، ثم حدث له ذلك، وإذا قلنا بهذا فإلى متى كان لا يتكلم ولا يفعل؟ ولهذا قال: " وليس لفقدها من غاية *** " إلى أي زمن لم يكن يتكلم ولم يكن يفعل، ثم صار يتكلم ويفعل إيه نعم.
القراءة من قول الناظم:
إن كان رب العرش حقا لم يزل *** أبدا إله الحق ذا سلطان
فكذاك أيضا لم يزل متكلما *** بل فاعلا ما شاء ذا إحسان
والله ما في العقل ما يقضي لذا *** بالرد والإبطال والنكران
بل ليس في المعقول غير ثبوته *** للخالق الأزلي ذي الإحسان هذا وما دون المهيمن حادث *** ليس القديم سواه في الأكوان
والله سابق كل شيء غيره *** ما ربنا والخلق مقترنان واله كان وليس شيء غيره *** سبحانه جل العظيم الشان
القارئ : " إن كان رب العرش حقا لم يزل *** أبدا إله الحق ذا سلطان فكذاك أيضا لم يزل متكلما *** بل فاعلا ما شاء ذا إحسان والله ما في العقل ما يقضي لذا *** بالرد والإبطال والنكران بل ليس في المعقول غير ثبوته *** للخالق الأزلي ذي الإحسان هذا وما دون المهيمن حادث *** ليس القديم سواه في الأكوان " الشيخ : هذا هذا القارئ : " هذا وما دون المهيمن حادث *** ليس القديم سواه في الأكوان والله سابق كل شيء غيره *** ما ربنا والخلق مقترنان والله كان وليس شيء غيره *** سبحانه جل العظيم الشان لسنا نقول كما يقول الملحد *** الزندين صاحب منطق اليونان بدوام هذا العالم المشهود *** والأرواح في أزل وليس بفان هذه مقالات الملاحدة الألى *** كفروا بخالق هذه الأكوان وأتى ابن سينا بعد ذاك مصانعا *** للمسلمين فقال بالإمكان " الطالب : مصانع. الشيخ : مصانعا الطالب : بالنصب ولا بالرفع؟ الشيخ : وأتى ابن سينا بعد ذاك مصانعا القارئ : " وأتى ابن سينا بعد ذاك مصانعا *** للمسلمين فقال بالإمكان لكنه الأزلي ليس بمحدث *** ما كان معدوما ولا هو فان وأتى بصلح بين طائفتين *** بينهما الحروب وما هما سلمان أنى يكون المسلمون " الشيخ : أنى يكون ... الألف ممدودة الطالب : لا، ألف مقصورة. الشيخ : ألف مقصورة. القارئ : " أنى يكون المسلمون وشيعة اليونان " الشيخ : وشيعة ال *** يونان القارئ : " أنى يكون المسلمون وشيعة ال *** يونان صلحا قط في الإيمان ". الشيخ : وش وصلت إلى؟ الطالب : وصلت إلى: " وشواهد الأحداث ظاهرة على *** ذا العالم المخلوق بالبرهان ". الشيخ : أي طيب.
(الكلام على أرسطو وعقيدته في تسلسل العالم وأنه أزلي)
لسنا نقول كما يقول الملحد الـ***زنديق صاحب منطق اليونان بدوام هذا العالم المشهود والـ***أرواح في أزل وليس بفان
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. نشرح الأبيات التي كمل بها المؤلف رحمه الله أقوال الناس في الأفعال بل في المفعولات، قال: " هذه مقالات الملاحدة الألى *** كفروا بخالق هذه " نعم. " لسنا نقول كما يقول الملحد *** الزنديق صاحب منطق اليونان " وهو أرسطو، لأن أرسطو هو المعلم الأول للفلسفة اليونانية، يقول: " بدوام هذا العالم المشهود *** والأرواح في أزل وليس بفان " هذا العالم المشهود الذي هو السماوات والأرض والأفلاك والأرواح وهي عالم خفي يقول إنه دائم أزلا وليس بفان، إذن فهو دائم أزلا وأبدا، وهذا الوصف لا يصح إلا لله وحده، فهم يقولون، أعني الفلاسفة، يقولون: هذا العالم ليس له أول وليس له آخر، يبقى ولا يفنى أبدا، وهو أزلي فيما سبق، لم يسبقه عدم.
معنى قول الناظم: هذه مقالات الملاحدة الألى*** كفروا بخالق هذه الأكوان (معنى الألى)
الشيخ : يقول: " هذي مقالات الملاحدة الألى *** كفروا بخالق هذه الأكوان " إذن الفلاسفة يقولون هذا الكون المشهود، استمع، الكون المشهود ما هو؟ السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم، كل المشهود، والأرواح وهي عالم غير مشهود، كل هذا أزلي أبدي، من أين يؤخذ الأزلي؟ من قوله: " في أزل "" بدوام هذا العالم في أزل " وهو أيضا أبدي، لقوله:" وليس بفان ". " هذي " الإشارة إلى القول بدوام العالم المشهود أزلا وأبدا، " مقالات الملاحدة الألى " يعني الذين، الألى جمع الذي، كما قال ابن مالك في ألفيته: " جمع الذي الألى الذين " " هذه مقالات الملاحدة الألى " يعني: الذين " *** كفروا بخالق هذه الأكوان " لأن عندهم أن الكون أزلي أبدي.
(الكلام على ابن سينا وعقيدته في تسلسل العالم وله شبه بالمنافقين في عقيدته هذه)
وأتى ابن سينا بعد ذاك مصانعا*** للمسلمين فقال بالإمكان لكنه الأزلي ليس بمحدث*** ما كان معدوما ولا هو فان
الشيخ :" وأتى ابن سينا بعد ذاك مصانعا *** للمسلمين " مصانعا لهم، يعني: متقربا إليهم، لأن ابن سينا يدعي أنه مسلم، وإذا كان مسلما بدعواه فإنه لن يأتي بقول يناقض ما عليه المسلمون، فأتى بقول يصانعهم فيه، فقال: " فقال بالإمكان " يعني: بإمكان حدوث هذا العالم، وأن العالم يمكن أن يكون حادثا، والفلاسفة الذين قبله أرسطو وأتباعه يقولون: إن العالم أيش؟ أزلي، لا يمكن أن يكون حادثا، أما ابن سينا فأتى، فقال: " فقال بالإمكان لكنه الأزلي ليس بمحدث *** ما كان معدوما ولا هو فان " أيش الكلام هذا؟ يقول إنه ممكن أن يكون حادثا، لكنه أزلي، فما الفرق بينه وبين الفلاسفة؟ الفلاسفة يقولون يمتنع أن يكون حادثا، وهو يقول: يمكن لكن ليس بحادث، فالفرق بينه وبينهم أنه يقول يمكن أن يكون حادثا، وهم يقولون لا يمكن، المسلمون ماذا يقولون؟ يقولون يجب أن يكون حادثا، لأن كل ما سوى الله فهو حادث بعد أن كان عدما، فصار هذا الرجل كالمنافقين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لا هو الذي قال بقول الفلاسفة بأن كونه حادثا ممكن، ولا بقول المسلمين بأن كونه حادثا أيش؟ واجب، بل قال يمكن، لكن مع ذلك هو أزلي ليس بمحدث. " ما كان معدوما " هذا التسلسل في الأول، " ولا هو فان " التسلسل في المستقبل.
معنى قول الناظم: وأتى بصلح بين طائفتين بيـ***ـنهما الحروب وما هما سلمان
أنى يكون المسلمون وشيعة الـ***يونان صلحا قط في الإيمان
والسيف بين الأنبياء وبينهم*** والحرب بينهم فحرب عوان
الشيخ :" وأتى بصلح بين طائفتين *** بينهما الحروب وما هما سلمان " أتى بصلح بين أيش؟ بين المسلمين الذين قالوا بوجوب حدوث العالم، وبين الفلاسفة الذين قالوا باستحالة حدوث العالم وأن العالم أزلي، قال: نريد نجمع بينكم، نقول أيش؟ يمكن أن يكون حادثا ولكن ليس بحادث، يمكن لأجل يدفع قول من؟ الفلاسفة، وليس بحادث ليدفع قول المسلمين. الطالب : العكس. الشيخ : طيب، يقول هو: إنه ممكن ليدفع قول من؟ الفلاسفة، يقول: ليس بممكن، ويقول: إنه أزلي ليدفع قول المسلمين، فيقول نصلح بينكم، نقول: الأمر أزلي لأجل نوافق الفلاسفة، ونقول: إنه ممكن ليس بواجب الأزلية ليوافق من؟ المسلمين، لكن ابن القيم يقول: " أتى بصلح بين طائفتين *** بينهما الحروب وما هما سلمان " ما بينهم سلم، حرب طاحنة بين المسلمين وبين الفلاسفة، كيف يقول هذا نجمع بينكم؟! " أنى يكون المسلمون وشيعة *** اليونان صلحا " هل يمكن أن يكون المسلمون الذين يؤمنون بالله وأنه خالق الأكوان هل يمكن أن يصطلحوا مع اليونان الذين يقولون إن هذه الأكوان أزلية أبدية ولا موجد لها؟ لا يمكن، ولهذا قال: " أنى يكون قط في الإيمان " كذا؟ الطالب : ... الشيخ : نعم. " أنى يكون المسلمون وشيعة *** اليونان صلحا قط في الإيمان " لا يمكن أن يصطلحوا في الإيمان بينهما فرق عظيم، ثم قال: " والسيف بين الأنبياء وبينهم *** والحرب بينهما فحرب عوان " يعني: حرب ثائرة دائمة، فهل يمكن الصلح؟ لا.
(الكلام على الطوسي وعقيدته وخطر وضع المقررات الغير الإسلامية في المدارس)
وكذا أتى الطوسي بالحرب الصر***يح بصارم منه وسل لسان وأتى إلى الإسلام يهدم أصله*** من أسه وقواعد البنيان
عمر المدارس للفلاسفة الألى*** كفروا بدين الله والقرآن
الشيخ : قال: " وكذا أتى الطوسي بالحرب الصريح *** بصارم منه وسل لسان " الطوسي من هو؟ الخوجة نصير الدين الطوسي الذي استوزره من؟ هولاكو خان ملك التتر، هذا هو المسمى عندهم بنصير الدين، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يسميانه: نصير الكفر، وصدقا هو نصير الكفر كما سمعتم في درس الليلة الماضية ما حصل منه على المسلمين مع من وازره، وهو ابن العلقمي، نعم، يقول: " وكذا أتى الطوسي بالحرب الصريح *** بصارم منه وسل لسان " يعني: أتى بسلاحين الصارم وهو السيف، واللسان وهو القول بما عنده من الوشاية حتى قضى على المسلمين في بغداد. " وأتى إلى الإسلام يهدم أصله *** من أسه وقواعد البنيان عمر المدارس بالفلاسفة الألى *** كفروا بدين الله والقرآن " هذا الرجل الخبيث عمر المدارس، لكن لمن؟ للفلاسفة، يدرس فيها علم الفلسلفة الذي هو صد عن سبيل الله، كما يوجد الآن في بلاد المسلمين من أدخل على منهج المسلمين وثقافتهم فلسلفة الغرب وشطحات الغرب وفساد الغرب، حتى أضعفت المواد الشرعية من أجل إقحام هذه المعلومات التي تدمر الأديان والأخلاق، بل فقدت العلوم الشرعية من بعض البلاد الإسلامية فلم تكن في مناهجها، والله أعلم ربما لو حصل لهؤلاء الذين أقحموا هذه العلوم في المناهج والمدارس، لو حصل أن يقضوا على المواد الدينية في البلاد التي فيها المواد الدينية لقضوا عليها، لكنهم يخشون من سطوة العامة، فأبقوا شيئا من المناهج الدينية وأضعفوها، ثم أحلوا محلها هذه المقررات التي فيها الكفر الصريح، في بعضها كفر صريح، دعونا من المقررات التي تدعو إلى التحلل من الأخلاق وإلى صور بعض النساء العاريات أو بعض الرجال اللي شبه عراة، لكن فيها أفكار مدمرة أفسدت العالم، فهذا الحقيقة أنه امتداد لما سبق، هذا الرجل الذي يسمى نصير الدين، يقول إنه عمر المدارس للفلاسفة الذين كفروا بدين الله والقرآن.
(الكلام على الأوقاف للمدارس ومعنى النواميس وتحكيم القوانين الوضعية)
وأتى إلى أوقاف أهل الدين ين *** قلها اليهم فعل ذي أضغان
وأراد تحويل الإشارت التي*** هي لابن سينا موضع الفرقان
وأراد تحويل الشريعة بالنوا*** ميس التي كانت لذي اليونان
الشيخ :" وأتى إلى أوقاف أهل الدين *** ينقلها إليهم فعل ذي أضغان " الأوقاف أوقاف المسلمين التي وقفت على المدارس الدينية التي فيها علم الحديث والفقه والنحو، أخذ هذه الأوقاف وصرفها إلى المدارس التي يدرس فيها علم الفلسلفة. " وأراد تحويل الإشارات التي *** هي لابن سينا موضع الفرقان " أراد أن يجعل هذا الكتاب كتاب الإشارات لابن سينا يجعله محل القرآن، وينقل القرآن، ومعلوم أن الطغاة يريدون هذا، يقول: " وأراد تحويل الشريعة *** بالنواميس التي كانت لدى اليونان " النواميس يعني النظم، وتسمى في عرفنا الحاضر بالقوانين، يعني أراد أن يرفع الشريعة ويحل محلها القانون، وهذا واقع من أمثاله في عصرنا، كثير من البلاد الإسلامية التي ينادى فيها بالأذان وترسم في قانونها أنها دولة إسلامية حلت فيها القوانين الوضعية محل الأحكام الشرعية، رفعت الأحكام الشرعية منها وحلت القوانين، فنسأل الله أن ينجي المسلمين من هؤلاء وأمثالهم.
(بيان مكر الطوسي بالمسلمين وخبثه)
لكنه علم اللعين بأن ها***ذا ليس في المقدور والإمكان
إلا إذا قتل الخليفة والقضا***ة وسائر الفقهاء في البلدان
فسعى لذلك وساعد المقدور بالـ***أمر الذي هو حكمة الرحمن
الشيخ : يقول: " لكنه علم اللعين بأن هذا *** ليس في المقدور والإمكان إلا إذا قتل الخليفة " علم اللعين يعني نصير الدين الطوسي، ووصفه باللعين يعني لأنه ملعون حقيقة، لأن فعله هذا فعل الشياطين، وكلمة اللعين يحتمل أن تكون دعاء أو خبرا، فإن كان دعاء فقد استحق اللعنة، لأنه مات على الكفر، وإن كان خبرا فهو أهل لذلك. " إلا إذا قتل الخليفة والقضاة *** وسائر الفقهاء في البلدان فسعى لذلك " سعى لأيش؟ قتل الخليفة والقضاة والفقهاء، وسمعتم في الدرس الماضي ما حصل من أنه أشار بأن يتقدم، هو وابن العلقمي، أن يتقدم الخليفة ومعه القضاة والأشراف والأعيان، وأنه لما أقبل على الملك هولاكو فصل بين الخليفة وبين هؤلاء القضاة والأشراف، وقضى عليهم، ثم فاوض الملك، ثم رجع، ثم حصلت النهاية في الجولة الثانية، قال: " فسعى لذلك وساعد المقدور *** بالأمر الذي هو حكمة الرحمن " الله أكبر! ساعد المقدور مقدور الله عز وجل الذي هو حكمة الرحمن، والله عز وجل لا يفعل شيئا إلا لحكمة، يعني قد تقع المكاره والمصائب العظيمة، لكن الذي قدرها هو الله، والله عز وجل لا يقدر شيئا إلا لحكمة.
(بيان قتال التتار للمسلمين وشدة المحنة التي وقعت بالمسلمين وخبث الطوسي)
فأشار أن يضع التتار سيوفهم*** في عسكر الإيمان والقرآن
لكنهم يبقون أهل صنائع الد*** نيا لأجل مصالح الأبدان
فغدا على سيف التتار الألف في*** مثل لها مضروبة بوزان
وكذا ثمان مئينهما في ألفها***مضروبة بالعد والحسبان حتى بكى الإسلام أعداه اليهو***د كذا المجوس وعابدو الصلبان
فشفى اللعين النفس من حزب الر***سول وعسكر الإيمان والقرآن
وبوده لو كان في أحد وقد*** شهد الوقيعة مع أبي سفيان
لأقر أعينهم وأوفى نذره*** أو أن يرى متمزق اللحمان
الشيخ : قال: " فأشار أن يضع التتار سيوفهم *** في عسكر الإيمان والقرآن لكنهم يبقون أهل صنائع *** الدنيا لأجل مصالح الأبدان " نعم، أشار أن يوضع السيف في أهل الإيمان، وأما أهل صنائع الدنيا مثل أصحاب الحرف ومثل ما سبق أنه أبقى اليهود والنصارى، ومن؟ والرافضة، نعم، وبعض التجار أهل صنائع الدنيا والحرف أبقاهم، اليهود والنصارى والرافضة أبقاهم، لأن هؤلاء لا ضرر منهم، لأنهم لا يمكن أن يقوموا ضد عدو الإسلام أبدا، فلذلك أبقاهم. " فغدا على سيف التتار الألف في *** مثل لها مضروبة بوزان " ألف في ألف مليون، يعني قتل ألف ألف، هذا واحد. " وكذا ثمان مئينها في ألفها *** مضروبة بالعد والحسبان " كم تكون؟ ثمانمئة ألف، يعني مليونين إلا مئتي ألف، كلهم قتلوا في بلد واحد، وفي هجوم واحد، مع أن البشر في ذلك الوقت أقل من البشر في هذا الوقت، يعني يمكن أن يكون هذا العدد يمثل النصف أو أكثر من أهل بغداد، كلهم قتلوا، نسأل الله العافية. " حتى بكى الإسلام أعداه " ترى عندكم بالهمزة أعداء. الطالب : ... الشيخ : بالهاء؟ نعم. " حتى بكى الإسلام أعداه " يعني أعداء الإسلام " اليهود *** كذا المجوس وعابد الصلبان " يعني: أن أعداء الإسلام بكوا عليه من شدة ما وقع به، وأمر يحزن له الأعداء فادح ما بعده فداحة، أعداء الإسلام صاروا يبكون الإسلام وأهله. " *** كذا المجوس وعابد الصلبان " يعني: النصارى. " فشفى اللعين النفس من حزب *** الرسول وعسكر الإيمان والقرآن وبوده " شفى النفس، يعني: نفسه، " من حزب*** الرسول وعسكر الإيمان والقرآن وبوده لو كان في أحد وقد *** شهد الوقيعة مع أبي سفيان لأقر أعينهم وأوفى نذره *** أو أن يرى متمزق اللحمان " يعني: هو يود أنه كان في أحد مع أبي سفيان مع المشركين، ومن حربه؟ الرسول عليه الصلاة والسلام. " لأقر أعينهم وأوفى نذره *** أو أن يرى متمزق اللحمان " يعني: أنه تمنى أن يكون في أحد حتى يقر عينه ويشفي صدره بقتل النبي عليه الصلاة والسلام أو أن يتمزق لحمه دونه، نسأل الله العافية، اللهم عافنا، نعم.
القراءة من قول الناظم: وشواهد الأحداث ظاهرة على..إلى قوله..الإمكان أن تحظى به ذاتان
القارئ : " وشواهد الأحداث ظاهرة على *** ذا العالم المخلوق بالبرهان وأدلة التوحيد تشهد كلها *** بحدوث كل الناس والرحمن " الطالب : ... الشيخ : ... نعم. القارئ : " لو كان غير الله جل جلاله *** معه قديما كان ربا ثان إذ كان عن رب العلا مستغنيا *** فيكون حينئذ لنا ربان والرب باستقلاله متوحد *** أفممكن أن يستقل اثنان لو كان ذاك تنافيًا " الشيخ : تنافَيَا القارئ : " لو كان ذاك تنافَيَا وتساقطا *** فإذا هما عدمان ممتنعان والقهر والتوحيد يشمل منهما *** كل لصاحبه هما عدلان ولذلك اقترنا جميعا في صفات *** الله فانظر ذاك في القرآن فالواحد القهار حقا ليس في *** الإمكان أن تحظى به ذاتان "
(بيان أدلة وحدانية الله على هذا الكون ومعنى القديم عند الفلاسفة وفي اللغة)
وشواهد الأحداث ظاهرة على*** ذا العالم المخلوق بالبرهان وأدلة التوحيد تشهد كلها*** بحدوث كل ما سوى الرحمن
لو كان غير الله جل جلاله*** معه قديما كان ربا ثان
الشيخ : بين المؤلف رحمه الله في هذه القطعة أدلة وحدانية الله عز وجل، وأنه سابق على كل موجود، فقال: " شواهد الأحداث ظاهرة على*** ذي العالم المخلوق بالبرهان " يعني: ظاهرة بالدليل القاطع على أن هذا العالم مخلوق. " وأدلة التوحيد تشهد كلها *** بحدوث كلٍّ " أي كل الموجودات، " ما سوى الرحمن " ويجوز بحدوث كلِّ ما سوى الرحمن بالإضافة، كيف ذلك؟ بين قال: " لو كان غير الله جل جلاله *** معه قديما كان ربا ثان " نعم، لو كان مع الله أحد قديم لكان ربا ثانيا، لأنه يجتمع عندنا قديمان الرب وهذا الرب القديم الثاني، والقديم عند الفلاسفة وفي اصطلاح المتكلمين هو ما ليس له أول، وليس هو القديم في اللغة العربية، القديم في اللغة العربية ما سبق غيره ولو كان مسبوقا، والقديم عند الفلاسفة والمتكلمين هو ما ليس له أول، فمثلا: الشيء العتيق يسمى في اللغة قديما، كما قال تعالى: (( حتى عاد كالعرجون القديم ))، عند الفلاسفة لأ، لأنه حادث، فالقديم عندهم هو الأزلي الذي ليس له أول، فيقول ابن القيم: " لو كان غير الله جل جلاله *** معه قديما كان ربا ثان " يعني يكون ربان، إذا كان كل منهما قديما.
معنى قول الناظم: اذ كان عن رب العلى مستغنيا*** فيكون حينئذ لنا ربان
والرب باستقلاله متوحد*** أفممكن أن يستقل اثنان
لو كان ذاك تنافيا وتساقطا*** فإذا هما عدمان ممتنعان (الكلام على مثال التمانع)
الشيخ : نعم، " إذ كان عن رب العلا مستغنيا *** فيكون حينئذ لنا ربان " لأنه إذا قدر شيئان قديمان كان كل واحد منهما هاه؟ مستغنيا عن الآخر ولا لأ؟ لأن هذا قديم لا يحتاج إلى محدث، والثاني قديم لا يحتاج إلى محدث، فحينئذ يكون لنا ربان كل منهم قديم مستغن عن الآخر، انتبهوا يا جماعة. " إذ كان عن رب العلا مستغنيا *** فيكون حينئذ لنا ربان والرب باستقلاله متوحد *** أفممكن أن يستقل اثنان " الجواب: لأ، الرب لابد أن يكون مستقلا واحدا، لا يمكن أن يكون ربان، ودليل ذلك ما يعرف عند العلماء بدليل التمانع، مثاله، قال: " لو ذاك " يعني لو كان هناك اثنان، " تنافيا وتساقطا *** " صح؟ لو كان هناك ربان تنافيا يعني تعاكسا وتساقطا، " *** فإذا هما عدمان ممتنعان " طيب، كيف ذلك؟ لو كان هناك اثنان مستقلان ربان لانفرد كل واحد، نعم، بمملكته ومخلوقاته، وحينئذ لابد أن يقع النزاع بينهما، فإما أن يعجز كل منهما عن الآخر، وإما أن يغلب أحدهما الآخر، فإن عجز كل واحد منهما عن الآخر تساقطا، وصار كل منهما لا يصلح أن يكون ربا، لأن الرب لابد أن يكون قاهرا غالبا، وإن غلب أحدهما الآخر صار هو الرب والثاني ليس برب. فالحاصل أنه لو كان للعالم خالقان للزم أحد أمرين، إما انتفاء الربوبية عنهما جميعا، وإما ثبوتها لأحدهما، أما أن تثبت لهما جميعا فهذا محال، وإلى هذا يشير قوله تعالى: (( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض )) فإذا علا بعضهم على بعض فالعالي هو الرب، وهذا هو الذي أشار إليه ابن القيم رحمه الله: " لو كان ذاك تنافيا وتساقطا *** فإذا هما عدمان ممتنعان " بقي واحد احتمال واحد، وهو أن يغلب أحدهما الآخر، فإذا غلب أحدهما الآخر فهو الرب.
معنى قول الناظم: والقهر والتوحيد يشهد منهما*** كل لصاحبه هما عدلان
ولذلك اقترنا جميعا في صفا***ت الله فانظر ذاك في القرآن
فالواحد القهار حقا ليس في الا*** مكان أن تحظى به ذاتان (معنى القاهر)
الشيخ : قال: " والقهر والتوحيد يشهد منهما *** كل لصاحبه هما عدلان " القهر والوحدانية كل واحد منهما يشهد على انفراد الله تعالى بذلك، فالقهار الذي يقهر كل شيء يدل على أنه لا يساويه شيء، انتبه، القهار الذي يقهر كل شيء يدل على أنه لا يساويه شيء، لأنه لو ساواه شيء لم يكن قهارا على الإطلاق، لأن من لا يقهر كل شيء بل يقهر أحيانا لا يوصف بأنه القهار على الإطلاق. طيب الواحد أيضا القاهر يشهد له، فإذا كان الله قاهرا لكل شيء لزم أن يكون متوحدا في ملكه، ونحن نرى الكون الآن أنه مقهور برب، أي واحد في الدنيا من أولها إلى آخرها هل يمكنه أن يخرج عن تقدير الله وقضائه؟ الطالب : لا. الشيخ : إذن هو مقهور، هو مقهور على كل حال، فلا يصلح شيء من المخلوقات ربا، ولهذا يقول: " القهر والتوحيد يشهد منهما *** كل لصاحبه هما عِدلان " أو عَدلان، هما عِدلان يعني متعادلان، هما عَدلان أي في شهادتهما مأخوذ من العدالة. " ولذلك اقترنا جميعا في صفات *** الله فانظر ذاك في القرآن " اقترنا يعني الوحدانية والقهر في صفات الله. " فانظر ذاك في القرآن فالواحد القهار " جاءت هذه في القرآن: (( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ))، (( وبرزوا لله الواحد القهار )). " فالواحد القهار حقا ليس في *** الإمكان أن تحظى به ذاتان ".
خلاصة الكلام في هذا الفصل حول التسلسل في الماضي والمستقبل
الشيخ : الخلاصة الآن خلاصة هذا الباب كله: أن مذهب أهل السنة والجماعة أن الله تعالى لم يزل ولا يزال فعالا، وهذا يستلزم التسلسل في الماضي كما يستلزم التسلسل في المستقبل، أما التسلسل في المستقبل.