1 - ثم ضرب سبحانه وتعالى مثلا ثانيا وهو المثل الناري فقال ^ ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع زبد مثله ^ وهذا كالحديد والنحاس والفضة والذهب وغيرها فانها تدخل الكير لتمحص وتخلص من الخبث فيخرج خبثها فيرمي به ويطرح ويبقى خالصها فهو الذي ينفع الناس # ولم ضرب الله سبحانه وتعالى هذين المثلين ذكر حكم من استجاب له ورفع بهداه راسا وحكم من لم يستجب له ولم يرفع بهداه راسا فقال الذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو ان لهم ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به اولئك لهم سوء الحساب وماواهم جهنم وبئس المهاد والمقصود ان الله تعالى جعل الحياة حيث النور والموت حيث الظلمة فحياة الوجودين الروحي والجسمي بالنور وهو مادة الحياة كما انه مادة الاضاءة فلا حياة بدونه كما لا اضاءة بدونه وكما به حياة القلب فبه انفساحه وانشراحه وسعته كما في الترمذي عن النبي # اذا دخل النور القلب انفسح وانشرح قالوا وما علامة ذلك قال # الانابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله # ونور العبد هو الذي يصعد عمله وكلمه الى الله تعالى فان الله تعالى لا يصعد اليه من الكلم الا الطيب وهو نور ومصدر عن النور ولا من العمل الا الصالح ولا من الارواح الا الطيبة وهي ارواح المؤمنين التي استنارت بالنور الذي انزله على رسوله والملائكة الذين خلقوا من نور كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها وعن النبي قال # خلقت الملائكة من نور وخلقت الشياطين من نار وخلق ادم مما وصف لكم فلما كانت مادة الملائكة من نور كانوا هم الذين يعرجون الى ربهم تبارك وتعالى وكذلك ارواح المؤمنين هي التي تعرج الى ربها وقت قبض الملائكة لها فيفتح لها باب السماء الدنيا ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة الى ان ينتهي بها الى السماء السابعة فتوقف بين يدي الله عز وجل ثم يامر ان يكتب كتابه في اهل عليين فلما كانت هذه الروح روحا زاكية طيبة نيرة مشرقة صعدت الى الله عز وجل مع الملائكة واما الروح المظلمة الخبيثة الكدرة فانها لا تفتح لها ابواب السماء ولا تصعد الى الله تعالى بل ترد من السماء الدنيا الى عالمها ومحتدها لانها ارضية سفلية والاولي علوية سمائية فرجعت كل روح الى عنصرها وما هي منه وهذا منه مبين في حديث البراء بن عازب الطويل الذي رواه الامام احمد وابو عوانه الاسفرائيني في صحيحه والحاكم وغيرهم وهو حديث صحيح # والمقصود ان الله عز وجل لا يصعد اليه من الاعمال والاقوال والارواح الا ما كان منها نورا اقربهم اليه واكرمهم عليه . أستمع حفظ
2 - وفي المسند من حديث عبدالله بن عمرو عن النبي # ان الله تعالى خلق خلقه في ظلمة والقى عليهم من نوره فمن اصاب من ذلك النور اهتدى ومن اخطاه ضل فلذلك اقوال # جف القلم على علم الله تعالى وهذا الحديث العظيم اصل من اصول الايمان وينفتح به باب عظيم من ابواب سر القدر وحكمته والله تعالى الموفق # وهذا النور الذي القاه عليهم سبحانه وتعالى هو الذي احياهم وهداهم فاصابت الفطرة منه حظها ولكن لما لم يستقل بتمامه وكماله أكمله لهم واتمه بالروح الذي القاه على رسله عليهم الصلاة والسلام والنور الذي اوحاه اليهم فادركته الفطرة بذلك النور السابق الذي حصل لها يوم القاء النور فانصاف نور الوحي والنبوة الى نور الفطرة نور على نور فاشرقت منه القلوب واستنارت به الوجوه وحييت به الارواح واذعنت به الجوارح للطاعات طوعا واختيارا فازدادت به القلوب الصفات العليا الذي يضمحل فيه كل نور سواه فشاهدته ببصائر الايمان مشاهدة نسبتها الى القلب نسبة المرئيات الى العين ذلك لاستيلاء اليقين عليها وانكشاف حقائق الايمان لها حتى كانها تنظر الى عرش الرحمن تبارك وتعالى بارزا والى استوائه عليه كما اخبر به سبحانه وتعالى في كتابه وكما اخبر به عنه رسوله يدبر امر الممالك ويامر وينهى ويخلق ويرزق ويميت ويحيي ويقضي وينفذ ويعز ويذل ويقلب الليل والنهار ويداول الايام بين الناس ويقلب الدول فيذهب بدولة وياتي باخرى والرسل من الملائكة عليهم الصلاة والسلام بين صاعد اليه بالامر ونازل من عنده به واوامره ومراسيمه متعاقبة على تعاقب الايات نافذه بحسب ارادته فما شاء كما شاء في الوقت الذي يشاء على الوجه الذي يشاء من غير زيادة ولا نقصان ولا تقدم ولا تاخر وامره وسلطانه نافد في السموات واقطارها وفي الا رض وما عليها وما تحتها وفي البحار والجو وفي سائر اجزاء العالم وذراته يقبلها ويصرفها ويحدث فيها ما شاء وقد احاط بكل شئ علما واحصى كل شئ عددا ووسع كل شئ رحمة وحكمة ووسع سمعه الاصوات فلا تختلف عليه ولا تشتبه عليه بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها على كثرة حاجاتها لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه كثرة المسائل ولا يتبرم بالحاح ذوي الحاجات واحاط بصره بجميع المرئيات فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء فالغيب عنده شهادة والسر عنده علانية يعلم السر واخفى من السر فالسر ما انطوى عليه ضمير العبد وخطر بقلبه ولم تتحرك به شفتاه واخفى منه ما لم يخطر بعد فيعلم انه سيخطر بقلبه كذا وكذا في وقت كذا وكذا له الخلق والامر وله الملك والحمد وله الدنيا والاخرة وله النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن له الملك كله وله الحمد كله وبيده الخير كله واليه يرجع الامر كله شملت قدرته كل شئ ووسعت رحمته كل شئ وسعت نعمته الى كل حي # يساله من في السموات والارض كل يوم هو في شان يغفر ذنبا ويفرج هما ويكشف كربا ويجبر كسيرا ويغني فقيرا ويعلم جاهلا ويهدي ضالا ويرشد حيران ويغيث لهفان ويفك عانيا ويشبع جائعا ويكسو عاريا ويشفي مريضا ويعافى مبتل ويقبل تائبا ويجزي محسنا وينصر مظلوما ويقصم جبارا ويقيل عثرة ويستر عورة ويؤمن من روعة ويرفع اقواما ويضع اخرين لا ينام ولاينبغي له ان ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع اليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلفه ويمينه ملاى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ارايتم ما انفق منذ خلق الخلق فانه لم يغض ما في يمينه # قلوب العباد وتواصيهم بيده وازمة الامور معقودة بقضائه وقدره الارض جميعا يوم القيامة والسموات مطوبات بيمينه يقبض سمواته كلها بيده الكريمة والارض باليد الاخرى ثم يهزهن ثم يقول انا الملك انا الملك انا الذي بدات الدنيا ولم تكن شيئا وانا الذي أعيدها كما بدأتها لا يتعاظمه ذنب ان يغفره ولاحاجة يسالها ان يعطيها لو ان اهل سمواته واهل ارضه واول خلقه واخرهم وانسهم وجنهم كانوا على اتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئا ولو ان اول خلقه واخرهم وانسهم وجنهم كانوا على افجر قلب رجل منهم ما نقص ذلك من ملكه شيئا ولو ان اهل سمواته واهل ارضه وانسهم و جنهم وحيهم وميتهم ورطبهم ويابسهم قاموا في صعيد واحد فسالوه فاعطي كلا منهم ما ساله ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة ولو ان اشجار الارض كلها من حين وجدت الى ان تنقضي الدنيا اقلام والبحر وراءه سبعة ابحرتمده من بعده مداد فكتب بتلك الاقلام وذلك المداد لفنيت الاقلام ونفذ المداد ولم تنفذ كلمات الخالق تبارك وتعالى وكيف تفنى كلماته عز وجل جلاله وهي لا بداية لها ولا نهاية والمخلوق له بداية ونهاية فهو احق بالفناء والنفاد وكيف يفنى المخلوق غير المخلوق # هو الاول الذي ليس قبله شئ والاخر الذي ليس بعده شئ والظاهر الذي ليس دونه شئ والباطن الذي ليس دونه شئ تبارك وتعالى احق من ذكر واحق من عبد واحق من حمد واولى من شكر وانصر من ابتغى وارأف من ملك واجود من سئل و اعفى من قدر واكرم من قصد واعدل من انتقم حلمه بعد علمه وعفوه بعد قدرته ومغفرته عن عزته ومنعه عن حكمته و موالاته عن احسانه ورحمته # ما للعباد عليه حق واجب % كلا ولا سعي لديه ضائع # ان عذبوا فبعدله او نعموا % فبفضله وهو الكريم الواسع # وهو الملك لاشريك له والفرد فلا ندله والغني فلا ظهير له والصمد فلا ولد له ولا صاحبة والعلي فلا شبيه له ولا سمي له كل شئ هالك الا وجهه وكل ملك زائل الا ملكه وكل ظل قالص الا ظله وكل فضل منقطع الا فضله لن يطاع الا باذنه ورحمته ولن يعصي الابعلمه الا بعلمه وحكمته يطاع فيشكر ويعصى فيتجاوز ويغفر كل نقمة منه عدل وكل نعمة منه فضل اقرب شهيد وادنى حفيظ حال دون النفوس واخذ بالنواصي وسجل الاثار وكتب الاجال فالقلوب له مفضية والسر عنده علانية والغيب عنده شهاده عطاؤه كلام وعذابه كلام ^ انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون ^ # فاذا اشرقت على القلب انوار هذه الصفات اضمحل عندها كل نور ووراء هذا ما لا يخطر بالبال ولا تناله عبارة والمقصود ان الذكر ينور القلب والوجه والاعضاء وهو نور العبد في دنياه وفي البرزخ وفي القيامة . أستمع حفظ
3 - فوائد الذكر السابعة والثلاثون ان الذكر راس الامور وطريق عامة الطائفة ومنشور الولاية فمن فتح له فيه فقد فتح له باب الدخول على الله عز وجل فليتطهر وليدخل على ربه عز وجل يجد عنده كل ما يريد فان وجد ربه عز وجل وجد كل شئ وان فاته ربه عز وجل فاته كل شئ # الثامنة والثلاثون أن في القلب خلة وفاقة لا يسدها شئ البته الا ذكر الله عز وجل فإذا صار شعار القلب بحيث يكون هو الذاكر بطريق الاصالة واللسان تبع له فهذا هو الذكر الذي يسد الخله ويغني الفاقة فيكون صاحبه غنيا بلا مال عزيزا بلا عشيرة مهيبا بلا سلطان فإذا كان غافلا عن ذكر الله عز وجل فهو بضد ذلك فقير مع كثرة جدته ذليل مع سلطانه حقير مع كثرة عشيرته # التاسعة والثلاثون ان الذكر يجمع المتفرق و يفرق المجتمع ويقرب البعيد ويبعد القريب فيجمع ما تفرق على العبد من قلبه وارادته وهمومه وعزومه والعذاب كل العذاب في تفرقتها وتشتتها عليه وانفراطها له والحياء والنعيم في اجتماع قلبه وهمه وعزمه وارادته ويفرق ما اجتمع عليه من الهموم والغموم والاحزان والحسرات على فوت حظوظه ومطالبه ويفرق أيضا ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه واوزاره حتى تتساقط عنه وتتلاشى وتضمحل ويفرق ايضا ما اجتمع على حربه من جند الشيطان فان ابليس لا يزال يبعث له سرية من بعد سرية وكلما كان اقوى طلبا لله سبحانه وتعالى وأشد تعلقا به وارادة له كانت السرية اكثف واكثر واعظم شوكة بحسب ما عند العبد من مواد الخير والارادة ولا سبيل الى تفريق هذا الجمع الا بدوام الذكر # واما تقريبه البعيد فانه يقرب اليه الاخرة التي يبعدها منه الشيطان والامل فلا يزال يلهج بالذكر حتى كانه قد دخلها وحضرها فحينئذ تصغر في عينه الدنيا وتعظم في قلبه الاخرة ويبعد القريب اليه وهي الدنيا التي هي ادنى اليه من الاخرة فان الاخرة متى قربت من قلبه بعدت منه الدنيا كلما قربت من هذه مرحلة بعدت من هذه مرحلة ولا سبيل الى هذا الا بدوام الذكر . أستمع حفظ
7 - الاربعون ان الذكر ينبه القلب من نومه ويوقظه من سنته والقلب اذا كان نائما فاتته الارباح والمتاجر وكان الغالب عليه الخسران فادا استيقظ وعلم ما فاته في نومته شد المئزر واحيا بقية عمره واستدرك ما فاته ولا تحصل يقظته الا بالذكر فان الغفلة نوم ثقيل # الحادية والاربعون ان الذكر شجرة تثمر المعارف والاحوال التي شمر اليها السالكون فلا سبيل الى نيل ثمارها الا من شجرة الذكر وكلما عظمت تلك الشجرة ورسخ اصلها كان اعظم لثمرتها فالذكر يثمر المقامات كلها من اليقظة الى التوحيد وهو اصل كل مقام وقاعدته التي ينبني ذلك المقام عليها كما يبنى الحائط على أسه وكما يقوم السقف على حائطه وذلك ان العبد إذا لم يستيقظ لم يمكنه قطع منازل السير ولا يستيقظ الا بالذكر كما تقدم فالغفلة نوم القلب او موته # الثانية والاربعون ان الذاكر قريب من مذكوره ومذكوره معه وهذه المعية معية خاصة غير معية العلم والاحاطة العامة فهي معية بالقرب والولاية والمحبة والنصرة والتوفيق كقوله تعالى ^ ان الله مع الذين اتقوا ^ ^ والله مع الصابرين ^ ^ وان الله لمع المحسنين ^ ^ لا تحزن ان الله معنا ^ وللذاكر من هذه المعية نصيب وافر كما في الحديث الالهي # انا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه وفي اثر اخر # اهل ذكري اهل مجالستي وهل شكري اهل زيارتي واهل طاعتي اهل كرامتي واهل معصيتي لا اقنطهم من رحمتي ان تابوا فانا حبيبهم فاني احب التوابين واحب المتطهرين وان لم يتوبوا فانا طبيبهم ابتليهم بالمصائب لاطهرهم من المعايب # والمعية الحاصلة للذاكر معية لا يشبهها شئ وهي اخص من المعية الحاصلة للمحسن والمتقي وهي معية لا تدركها العبارة ولا تنالها الصفة وانما تعلم بالذوق وهي مزلة اقدام ان لم يصحب العبد فيها تمييز بين القديم والمحدث بين الرب والعبد بين الخالق والمخلوق بين العابد والمعبود والا وقع في حلول يضاهي به النصارى او اتحاد يضاهي به القائلين بوحدة الوجود وان وجدة الرب عين وجود هذه الوجودات بل ليس عندهم رب وعبد ولا خلق وحق بل الرب هو العبد والعبد هو الرب والخلق المشبه هو الحق المنزه تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا والمقصود انه ان لم يكن مع العبد عقيدة صحيحة والا فاذا استولى عليه سلطان الذكر وغاب بمذكوره عن ذكره و عن نفسه ولج باب الحلول والاتحاد ولا بد أستمع حفظ
11 - الثالثة والاربعون ان الذكر يعدل عتق الرقاب ونفقة الاموال والحمل على الخيل فى سبيل الله عز وجل ويعدل الضرب بالسيف فى سبيل الله عز وجل وقد تقدم ان من قال فى يوم مائة مرة لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى الحديث # وذكر ابن ابي الدنيا عن الاعمش عن سالم بن ابي الجعد قال قيل لابي الدرداء ان رجلا اعتق مائة نسمة قال ان مائة نسمة من مال رجل كثير وافضل من ذلك ايمان ملزوم بالليل والنهار ان لا يزال لسان احدكم رطبا من ذكر الله عز وجل وقال ابن مسعود لان اسبح الله تعالى تسبيحات احب الى من ان انفق عددهن دنانير فى سبيل الله عز وجل وجلس عبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود فقال عبد الله لأن آخذ في طريق أقول فيه سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر احب الى من ان انفق عددهن دنانير فى سبيل الله عز وجل فقال عبد الله بن عمرو لان اجد فى طريق فاقولهن احب إلي من أن احمل عددهن على الخيل فى سبيل الله عز وجل وقد تقدم حديث ابى الدرداء قال قال رسول الله # الا انبئكم بخير اعمالكم وازكاها عند مليككم وارفعها فى درجاتكم وخير لكم من انفاق الورق والذهب وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم قالوا بلى يارسول الله قال # اذكروا الله رواه ابن ماجه والترمذي وقال الحاكم صحيح الإسناد . أستمع حفظ