التعليق على كتاب زاد المعاد-01
الشيخ عبدالعزيز ابن باز
زاد المعاد
الحجم ( 7.73 ميغابايت )
التنزيل ( 1916 )
الإستماع ( 208 )


1 - القراءة من قول المصنف: فصلٌ في هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد والمغازي والسرايا والبعوث كان الجهاد ذروة سنام الإسلام وقبته ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة كما لهم الرفعة في الدنيا فهم الأعلون في الدنيا والآخرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا منه واستولى على أنواعه كلها فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان والدعوة والبيان والسيف والسنان وكانت ساعاته موقوفةً على الجهاد بقلبه ولسانه ويده . ولهذا كان أرفع العالمين ذكرًا وأعظمهم عند الله قدرًا وأمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه وقال { ولو شئنا لبعثنا في كل قريةٍ نذيرًا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا } فهذه سورةٌ مكيةٌ أمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بتبليغ الحجة وإلا فهم تحت قهر أهل الإسلام قال تعالى : { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير } فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل والقائمون به أفرادٌ في العالم والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عددًا فهم الأعظمون عند الله قدرًا أستمع حفظ

7 - القراءة من قول المصنف: كان جهاد النفس مقدمًا على جهاد العدو في الخارج وأصلًا له فإنه ما لم يجاهد نفسه أولًا لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه وعدوه الذي بين جنبيه قاهرٌ له متسلطٌ عليه لم يجاهده ولم يحاربه في الله بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج . فهذان عدوان قد امتحن العبد بجهادهما وبينهما عدوٌ ثالثٌ لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده وهو واقفٌ بينهما يثبط العبد عن جهادهما ويخذله ويرجف به ولا يزال يخيل له ما في جهادهما من المشاق وترك الحظوظ وفوت اللذات والمشتهيات أستمع حفظ

11 - فأعطى الله العبد مددًا وعدةً وأعوانًا وسلاحًا لهذا الجهاد وأعطى أعداءه مددًا وعدةً وأعوانًا وسلاحًا وبلا أحد الفريقين بالآخر وجعل بعضهم لبعضٍ فتنةً ليبلو أخبارهم ويمتحن من يتولاه ويتولى رسله ممن يتولى الشيطان وحزبه كما قال تعالى : { وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكان ربك بصيرًا } وقال تعالى { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعضٍ } وقال تعالى : { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم } فأعطى عباده الأسماع والأبصار والعقول والقوى وأنزل عليهم كتبه وأرسل إليهم رسله وأمدهم بملائكته وقال لهم { أني معكم فثبتوا الذين آمنوا } وأمرهم من أمره بما هو من أعظم العون لهم على حرب عدوهم وأخبرهم أنهم إن امتثلوا ما أمرهم به لم يزالوا منصورين على عدوه وعدوهم وأنه إن سلطه عليهم فلتركهم بعض ما أمروا به ولمعصيتهم له ثم لم يؤيسهم ولم يقنطهم بل أمرهم أن يستقبلوا أمرهم ويداووا جراحهم ويعودوا إلى مناهضة عدوهم فينصرهم عليه ويظفرهم بهم فأخبرهم أنه مع المتقين منهم ومع المحسنين ومع الصابرين ومع المؤمنين وأنه يدافع عن عباده المؤمنين ما لا يدافعون عن أنفسهم بل بدفاعه عنهم انتصروا على عدوهم ولولا دفاعه عنهم لتخطفهم عدوهم واجتاحهم . وهذه المدافعة عنهم بحسب إيمانهم وعلى قدره فإن قوي الإيمان قويت المدافعة فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه . أستمع حفظ

13 - القراءة من قول المصنف: وأمرهم أن يجاهدوا فيه حق جهاده كما أمرهم أن يتقوه حق تقاته وكما أن حق تقاته أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر فحق جهاده أن يجاهد العبد نفسه ليسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله فيكون كله لله وبالله لا لنفسه ولا بنفسه ويجاهد شيطانه بتكذيب وعده ومعصية أمره وارتكاب نهيه فإنه يعد الأماني ويمني الغرور ويعد الفقر ويأمر بالفحشاء وينهى عن التقى والهدى والعفة والصبر الإيمان كلها فجاهده بتكذيب وعده ومعصية أمره فينشأ له من هذين الجهادين قوةٌ وسلطانٌ وعدةٌ يجاهد بها أعداء الله في الخارج بقلبه ولسانه ويده وماله لتكون كلمة الله هي العليا . أستمع حفظ

15 - القراءة من قول المصنف: فقال ابن عباسٍ : هو استفراغ الطاقة فيه وألا يخاف في الله لومة لائمٍ . وقال مقاتلٌ : اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته . وقال عبد الله بن المبارك : هو مجاهدة النفس والهوى . ولم يصب من قال إن الآيتين منسوختان لظنه أنهما تضمنتا الأمر بما لا يطاق وحق تقاته وحق جهاده هو ما يطيقه كل عبدٍ في نفسه وذلك يختلف باختلاف أحوال المكلفين في القدرة والعجز والعلم والجهل . فحق التقوى وحق الجهاد بالنسبة إلى القادر المتمكن العالم شيءٌ وبالنسبة إلى العاجز الجاهل الضعيف شيءٌ وتأمل كيف عقب الأمر بذلك بقوله { هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ } والحرج الضيق بل جعله واسعًا يسع كل أحدٍ كما جعل رزقه يسع كل حي وكلف العبد بما يسعه العبد ورزق العبد ما يسع العبد فهو يسع تكليفه ويسعه رزقه وما جعل على عبده في الدين من حرجٍ بوجه ما قال النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة أستمع حفظ

17 - القراءة من قول المصنف: وقد وسع الله سبحانه وتعالى على عباده غاية التوسعة في دينه ورزقه وعفوه ومغفرته وبسط عليهم التوبة ما دامت الروح في الجسد وفتح لهم بابًا لها لا يغلقه عنهم إلى أن تطلع الشمس من مغربها وجعل لكل سيئةٍ كفارةً تكفرها من توبةٍ أو صدقةٍ أو حسنةٍ ماحيةٍ أو مصيبةٍ مكفرةٍ وجعل بكل ما حرم عليهم عوضًا من الحلال أنفع لهم منه وأطيب وألذ فيقوم مقامه ليستغني العبد عن الحرام لكل عسرٍ يمتحنهم به يسرًا قبله ويسرًا بعده " فلن يغلب عسرٌ يسرين " أستمع حفظ

22 - القراءة من قول المصنف: إحداها : أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين . الثانية أن يجاهدها على العمل به بعد علمه وإلا فمجرد العلم بلا عملٍ إن لم يضرها لم ينفعها . الثالثة أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله . الرابعة أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله أستمع حفظ

28 - القراءة من قول المصنف:فصلٌ الشيطان فمرتبتان إحداهما : جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان . الثانية جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات فالجهاد الأول يكون بعده اليقين والثاني يكون بعده الصبر . قال تعالى : { وجعلنا منهم أئمةً يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة واليقين يدفع الشكوك والشبهات أستمع حفظ

50 - القراءة من قول المصنف: فصلٌ وأكمل الخلق عند الله من كمل مراتب الجهاد كلها والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في مراتب الجهاد ولهذا كان أكمل الخلق وأكرمهم على الله خاتم أنبيائه ورسله فإنه كمل مراتب الجهاد وجاهد في الله حق جهاده وشرع في الجهاد من حين بعث إلى أن توفاه الله عز وجل فإنه لما نزل عليه { يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر } شمر عن ساق الدعوة وقام في ذات الله أتم قيامٍ ودعا إلى الله ليلًا ونهارًا وسرا وجهارًا ولما نزل عليه { فاصدع بما تؤمر } فصدع بأمر الله لا تأخذه فيه لومة لائمٍ فدعا إلى الله الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والأنثى والأحمر والأسود والجن والإنس. أستمع حفظ

56 - القراءة من قول المصنف: وقال { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسولٍ إلا قالوا ساحرٌ أو مجنونٌ أتواصوا به بل هم قومٌ طاغون } فعزى سبحانه نبيه بذلك وأن له أسوةً بمن تقدمه من المرسلين وعزى أتباعه بقوله { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريبٌ } وقوله { الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآتٍ وهو السميع العليم ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين }{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ووصينا الإنسان بوالديه حسنًا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصرٌ من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين } فليتأمل العبد سياق هذه الآيات وما تضمنته من العبر وكنوز الحكم فإن الناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنا وإما ألا يقول ذلك بل يستمر على السيئات والكفر فمن قال آمنا امتحنه ربه وابتلاه وفتنه والفتنة الابتلاء والاختبار ليتبين الصادق من الكاذب ومن لم يقل آمنا فلا يحسب أنه يعجز الله ويفوته ويسبقه فإنه إنما يطوي المراحل في يديه . وكيف يفر المرء عنه بذنبه إذا كان تطوى في يديه المراحل فمن آمن بالرسل وأطاعهم عاداه أعداؤهم وآذوه فابتلي بما يؤلمه وإن لم يؤمن بهم ولم يطعهم عوقب في الدنيا والآخرة فحصل له ما يؤلمه وكان هذا المؤلم له أعظم ألمًا وأدوم من ألم اتباعهم فلا بد من حصول الألم لكل نفسٍ آمنت أو رغبت عن الإيمان لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداءً ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة والمعرض عن الإيمان تحصل له اللذة ابتداءً ثم يصير إلى الألم الدائم . وسئل الشافعي رحمه الله أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى ؟ فقال لا يمكن حتى يبتلى والله تعالى ابتلى أولي العزم من الرسل فلما صبروا مكنهم فلا يظن أحدٌ أنه يخلص من الألم البتة وإنما يتفاوت أهل الآلام في العقول فأعقلهم من باع ألمًا مستمرا عظيمًا بألمٍ منقطعٍ يسيرٍ وأشقاهم من باع الألم المنقطع اليسير بالألم العظيم المستمر . فإن قيل كيف يختار العاقل هذا ؟ قيل الحامل له على هذا النقد والنسيئة . و النفس موكلةٌ بحب العاجل { كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة } { إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يومًا ثقيلًا } أستمع حفظ

61 - القراءة من قول الناظم:وهذا يحصل لكل أحدٍ فإن الإنسان مدني بالطبع لا بد له أن يعيش مع الناس والناس لهم إراداتٌ وتصوراتٌ فيطلبون منه أن يوافقهم عليها فإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه وإن حصل له الأذى والعذاب تارةً منهم وتارةً من غيرهم كمن عنده دينٌ وتقًى حل بين قومٍ فجارٍ ظلمةٍ ولا يتمكنون من فجورهم وظلمهم إلا بموافقته لهم أو سكوته عنهم فإن وافقهم أو سكت عنهم سلم من شرهم في الابتداء ثم يتسلطون عليه بالإهانة والأذى أضعاف ما كان يخافه ابتداءً لو أنكر عليهم وخالفهم وإن سلم منهم فلا بد أن يهان ويعاقب على يد غيرهم أستمع حفظ

68 - القراءة من قول الناظم: فمن هداه الله وألهمه رشده ووقاه شر نفسه امتنع من الموافقة على فعل المحرم وصبر على عدوانهم ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة كما كانت للرسل وأتباعهم كالمهاجرين والأنصار ومن ابتلي من العلماء والعباد وصالحي الولاة والتجار وغيرهم . ولما كان الألم لا محيص منه البتة عزى الله - سبحانه - من اختار الألم اليسير المنقطع على الألم العظيم المستمر بقوله { من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآتٍ وهو السميع العليم } فضرب لمدة هذا الألم أجلًا لا بد أن يأتي وهو يوم لقائه فيلتذ العبد أعظم اللذة بما تحمل أجله وفي مرضاته وتكون لذته وسروره وابتهاجه بقدر ما تحمل من الألم في الله ولله أستمع حفظ

74 - القراءة من قول المصنف: وأكد هذا العزاء والتسلية برجاء لقائه ليحمل العبد اشتياقه إلى لقاء ربه ووليه على تحمل مشقة الألم العاجل بل ربما غيبه الشوق إلى لقائه عن شهود الألم والإحساس به ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه الشوق إلى لقائه فقال في الدعاء الذي رواه أحمد وابن حبان : اللهم إني أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني إذا كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيمًا لا ينفد وأسألك قرة عينٍ لا تنقطع وأسألك الرضى بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرةٍ ولا فتنةٍ مضلةٍ اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداةً مهتدين " أستمع حفظ

80 - القراءة من قول المصنف: كما قال تعالى : { وكذلك فتنا بعضهم ببعضٍ ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين } فإذا فاتت العبد نعمةٌ من نعم ربه فليقرأ على نفسه { أليس الله بأعلم بالشاكرين } ثم عزاهم تعالى بعزاءٍ آخر وهو أن جهادهم فيه إنما هو لأنفسهم وثمرته عائدةٌ عليهم وأنه غني عن العالمين ومصلحة هذا الجهاد ترجع إليهم لا إليه سبحانه ثم أخبر أنه يدخلهم بجهادهم وإيمانهم في زمرة الصالحين . ثم أخبر عن حال الداخل في الإيمان بلا بصيرةٍ وأنه إذا أوذي في الله جعل فتنة الناس له كعذاب الله وهي أذاهم له ونيلهم إياه بالمكروه والألم الذي لا بد أن يناله الرسل وأتباعهم ممن خالفهم جعل ذلك في فراره منهم وتركه السبب الذي ناله كعذاب الله الذي فر منه المؤمنون بالإيمان فالمؤمنون لكمال بصيرتهم فروا من ألم عذاب الله إلى الإيمان وتحملوا ما فيه من الألم الزائل المفارق عن قريبٍ وهذا لضعف بصيرته فر من ألم عذاب أعداء الرسل إلى موافقتهم ومتابعتهم ففر من ألم عذابهم إلى ألم عذاب الله فجعل ألم فتنة الناس في الفرار منه بمنزلة ألم عذاب الله وغبن كل الغبن إذ استجار من الرمضاء بالنار وفر من ألم ساعةٍ إلى ألم الأبد وإذا نصر الله جنده وأولياءه قال إني كنت معكم والله عليمٌ بما انطوى عليه صدره من النفاق . أستمع حفظ

86 - القراءة من قول المصنف: فصلٌ ولما دعا صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل استجاب له عباد الله من كل قبيلةٍ فكان حائز قصب سبقهم صديق الأمة وأسبقها إلى الإسلام أبو بكرٍ رضي الله عنه فآزره في دين الله ودعا معه إلى الله على بصيرةٍ فاستجاب لأبي بكر ٍ عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاصٍ . وبادر إلى الاستجابة له صلى الله عليه وسلم صديقة النساء خديجة بنت خويلدٍ وقامت بأعباء الصديقية وقال لها : لقد خشيت على نفسي فقالت له أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا ثم استدلت بما فيه من الصفات الفاضلة والأخلاق والشيم على أن من كان كذلك لا يخزى أبدًا أستمع حفظ

88 - القراءة من قول المصنف: فعلمت بكمال عقلها وفطرتها أن الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة والشيم الشريفة تناسب أشكالها من كرامة الله وتأييده وإحسانه ولا تناسب الخزي والخذلان وإنما يناسبه أضدادها فمن ركبه الله على أحسن الصفات وأحسن الأخلاق والأعمال إنما يليق به كرامته وإتمام نعمته عليه ومن ركبه على أقبح الصفات وأسوإ الأخلاق والأعمال إنما يليق به ما يناسبها وبهذا العقل والصديقية استحقت أن يرسل إليها ربها بالسلام منه مع رسوليه جبريل ومحمدٍ صلى الله عليه وسلم . أستمع حفظ

90 - القراءة من قول المصنف: فصل وبادر إلى الإسلام علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه وكان ابن ثمان سنين وقيل أكثر من ذلك وكان في كفالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه من عمه أبي طالبٍ إعانةً له في سنة محلٍ . وبادر زيد بن حارثة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان غلامًا لخديجة فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها وقدم أبوه وعمه في فدائه فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل هو في المسجد فدخلا عليه فقالا : يا ابن عبد المطلب يا ابن هاشمٍ يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون العاني وتطعمون الأسير جئناك في ابننا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه قال ومن هو ؟ " قالوا : زيد بن حارثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فهلا غير ذلك " قالوا : ما هو ؟ قال " أدعوه فأخيره فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدًا " قالا : قد رددتنا على النصف وأحسنت فدعاه فقال " هل تعرف هؤلاء ؟ " قال نعم قال " من هذا ؟ " قال هذا أبي وهذا عمي قال " فأنا من قد علمت ورأيت وعرفت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما " قال ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا أبدًا أنت مني مكان الأب والعم فقالا : ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وعلى أهل بيتك ؟ قال نعم قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدًا فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال " أشهدكم أن زيدًا ابني يرثني وأرثه " أستمع حفظ