التعليق على كتاب زاد المعاد-12
الشيخ عبدالعزيز ابن باز
زاد المعاد
الحجم ( 7.69 ميغابايت )
التنزيل ( 1021 )
الإستماع ( 99 )


12 - القراءة من قول المصنف: ودفن عبد الله بن عمرو بن حرام ٍ وعمرو بن الجموح في قبرٍ واحدٍ لما كان بينهما من المحبة فقال ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا في قبرٍ واحدٍ ثم حفر عنهما بعد زمنٍ طويلٍ ويد عبد الله بن عمرو بن حرامٍ على جرحه كما وضعها حين جرح فأميطت يده عن جرحه فانبعث الدم فردت إلى مكانها فسكن الدم . وقال جابرٌ رأيت أبي في حفرته حين حفر عليه كأنه نائمٌ وما تغير من حاله قليلٌ ولا كثيرٌ . وقيل له أفرأيت أكفانه ؟ فقال إنما دفن في نمرةٍ خمر وجهه وعلى رجليه الحرمل فوجدنا النمرة كما هي والحرمل على رجليه على هيئته وبين ذلك ست وأربعون سنة وقد اختلف الفقهاء في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يدفن شهداء أحدٍ في ثيابهم هل هو على وجه الاستحباب والأولويه أو على وجه الوجوب ؟ على قولين الثاني : أظهرهما وهو المعروف عن أبي حنيفة والأول هو المعروف عن أصحاب الشافعي وأحمد أستمع حفظ

16 - القراءة من قول المصنف: ومنها : أن شهيد المعركة لا يصلى عليه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحدٍ ولم يعرف عنه أنه صلى على أحدٍ ممن استشهد معه في مغازيه وكذلك خلفاؤه الراشدون ونوابهم من بعدهم . فإن قيل فقد ثبت في " الصحيحين " من حديث عقبة بن عامرٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يومًا فصلى على أهل أحدٍ صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر وقال ابن عباسٍ : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحدٍ قيل أما صلاته عليهم فكانت بعد ثمان سنين من قتلهم قرب موته كالمودع لهم ويشبه هذا خروجه إلى البقيع قبل موته يستغفر لهم كالمودع للأحياء والأموات فهذه كانت توديعًا منه لهم لا أنها سنة الصلاة على الميت ولو كان ذلك كذلك لم يؤخرها ثمان سنين لا سيما عند من يصلى على القبر أو يصلى عليه إلى شهرٍ أستمع حفظ

30 - القراءة من قول المصنف:فصلٌ في ذكر بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحدٍ وقد أشار الله - سبحانه وتعالى - إلى أمهاتها وأصولها في سورة ( آل عمران حيث افتتح القصة بقوله { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } إلى تمام ستين آيةً . فمنها : تعريفهم سوء عاقبة المعصية والفشل والتنازع وأن الذي أصابهم إنما هو بشؤم ذلك كما قال تعالى : { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم } فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول وتنازعهم وفشلهم كانوا بعد ذلك أشد حذرًا ويقظةً وتحرزًا من أسباب الخذلان . أستمع حفظ

38 - القراءة من قول المصنف: ومنها : أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدرٍ وطار لهم الصيت دخل معهم في الإسلام ظاهرًا من ليس معهم فيه باطنًا فاقتضت حكمة الله عز وجل أن سبب لعباده محنةً ميزت بين المؤمن والمنافق فأطلع المنافقون رءوسهم في هذه الغزوة وتكلموا بما كانوا يكتمونه وظهرت مخبآتهم وعاد تلويحهم تصريحًا وانقسم الناس إلى كافرٍ ومؤمنٍ ومنافقٍ انقسامًا ظاهرًا وعرف المؤمنون أن لهم عدوا في نفس دورهم وهم معهم لا يفارقونهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم . قال الله تعالى : { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء } أي ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمنين بالمنافقين حتى يميز أهل الإيمان من أهل النفاق كما ميزهم بالمحنة يوم أحدٍ { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } الذي يميز به بين هؤلاء وهؤلاء فإنهم متميزون في غيبه وعلمه وهو سبحانه يريد أن يميزهم تمييزًا مشهودًا فيقع معلومه الذي هو غيبٌ شهادةً . وقوله { ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء } استدراكٌ لما نفاه من اطلاع خلقه على الغيب سوى الرسل فإنه يطلعهم على ما يشاء من غيبه كما قال { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسولٍ } فحظكم أنتم وسعادتكم في الإيمان بالغيب الذي يطلع عليه أستمع حفظ

42 - القراءة من قول المصنف: فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون فهم عبيده حقا وليسوا كمن يعبد الله على حرفٍ واحدٍ من السراء والنعمة والعافية . ومنها : أنه سبحانه لو نصرهم دائمًا وأظفرهم بعدوهم في كل موطنٍ وجعل لهم التمكين والقهر لأعدائهم أبدًا لطغت نفوسهم وشمخت وارتفعت فلو بسط لهم النصر والظفر لكانوا في الحال التي يكونون فيها لو بسط لهم الرزق فلا يصلح عباده إلا السراء والضراء والشدة والرخاء والقبض والبسط فهو المدبر لأمر عباده كما يليق بحكمته إنه بهم خبيرٌ بصيرٌ . أستمع حفظ

48 - القراءة من قول المصنف: ومنها : أنه سبحانه هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لم تبلغها أعمالهم ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه كما وفقهم للأعمال الصالحة التي هي من جملة أسباب وصولهم إليها . ومنها : أن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغيانًا وركونًا إلى العاجلة وذلك مرضٌ يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والدار الآخرة فإذا أراد بها ربها ومالكها وراحمها كرامته قيض لها من الابتلاء والامتحان ما يكون دواءً لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه فيكون ذلك البلاء والمحنة بمنزلة الطبيب يسقي العليل الدواء الكريه ويقطع منه العروق المؤلمة لاستخراج الأدواء منه ولو تركه لغلبته الأدواء حتى يكون فيها هلاكه . ومنها : أن الشهادة عنده من أعلى مراتب أوليائه والشهداء هم خواصه والمقربون من عباده وليس بعد درجة الصديقية إلا الشهادة وهو سبحانه يحب أن يتخذ من عباده شهداء تراق دماؤهم في محبته ومرضاته ويؤثرون رضاه ومحابه على نفوسهم ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو . ومنها : أن الله سبحانه إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم وطغيانهم ومبالغتهم في أذى أوليائه ومحاربتهم وقتالهم والتسلط عليهم فيتمحص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم ويزداد بذلك أعداؤه من أسباب محقهم وهلاكهم وقد ذكر سبحانه وتعالى ذلك في قوله { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرحٌ فقد مس القوم قرحٌ مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين فجمع لهم في هذا الخطاب بين تشجيعهم وتقوية نفوسهم وإحياء عزائمهم وهممهم وبين حسن التسلية وذكر الحكم الباهرة التي اقتضت إدالة الكفار عليهم فقال { إن يمسسكم قرحٌ فقد مس القوم قرحٌ مثله } فقد استويتم في القرح والألم وتباينتم في الرجاء والثواب كما قال { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون } فما بالكم تهنون وتضعفون عند القرح والألم فقد أصابهم ذلك في سبيل الشيطان وأنتم أصبتم في سبيلي وابتغاء مرضاتي . ثم أخبر أنه يداول أيام هذه الحياة الدنيا بين الناس وأنها عرضٌ حاضرٌ ثم ذكر حكمةً أخرى وهي أن يتميز المؤمنون من المنافقين فيعلمهم علم رؤيةٍ ومشاهدةٍ بعد أن كانوا معلومين في غيبه وذلك العلم الغيبي لا يترتب عليه ثوابٌ ولا عقابٌ وإنما يترتب الثواب والعقاب على المعلوم إذا صار مشاهدًا واقعًا في الحس . ثم ذكر حكمةً أخرى وهي اتخاذه سبحانه منهم شهداء فإنه يحب الشهداء من عباده وقد أعد لهم أعلى المنازل وأفضلها وقد اتخذهم لنفسه فلا بد أن ينيلهم درجة الشهادة . وقوله { والله لا يحب الظالمين } تنبيهٌ لطيف الموقع جدا على كراهته وبغضه للمنافقين الذين انخذلوا عن نبيه يوم أحدٍ فلم يشهدوه ولم يتخذ منهم شهداء لأنه لم يحبهم فأركسهم وردهم ليحرمهم ما خص به المؤمنين في ذلك اليوم وما أعطاه من استشهد منهم فثبط هؤلاء الظالمين عن الأسباب التي وفق لها أولياءه وحزبه . ثم ذكر حكمةً أخرى فيما أصابهم ذلك اليوم وهو تمحيص الذين آمنوا وهو تنقيتهم وتخليصهم من الذنوب ومن آفات النفوس وأيضًا فإنه خلصهم ومحصهم من المنافقين فتميزوا منهم فحصل لهم تمحيصان تمحيصٌ من نفوسهم وتمحيصٌ ممن كان يظهر أنه منهم وهو عدوهم . أستمع حفظ

50 - القراءة من قول المصنف: ثم ذكر حكمةً أخرى وهي محق الكافرين بطغيانهم وبغيهم وعدوانهم ثم أنكر عليهم حسبانهم وظنهم أن يدخلوا الجنة بدون الجهاد في سبيله والصبر على أذى أعدائه وإن هذا ممتنعٌ بحيث ينكر على من ظنه وحسبه . فقال { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } أي ولما يقع ذلك منكم فيعلمه فإنه لو وقع لعلمه فجازاكم عليه بالجنة فيكون الجزاء على الواقع المعلوم لا على مجرد العلم فإن الله لا يجزي العبد على مجرد علمه فيه دون أن يقع معلومه ثم وبخهم على هزيمتهم من أمرٍ كانوا يتمنونه ويودون لقاءه فقال { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون }. قال ابن عباسٍ : ولما أخبرهم الله تعالى على لسان نبيه بما فعل بشهداء بدرٍ من الكرامة رغبوا في الشهادة فتمنوا قتالًا يستشهدون فيه فيلحقون إخوانهم فأراهم الله ذلك يوم أحدٍ وسببه لهم فلم يلبثوا أن انهزموا إلا من شاء الله منهم فأنزل الله تعالى : { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون } ومنها : أن وقعة أحدٍ كانت مقدمةً وإرهاصًا بين يدي موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبتهم ووبخهم على انقلابهم على أعقابهم إن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قتل أستمع حفظ

52 - القراءة من قول المصنف: بل الواجب له عليهم أن يثبتوا على دينه وتوحيده ويموتوا عليه أو يقتلوا فإنهم إنما يعبدون رب محمدٍ وهو حي لا يموت فلو مات محمدٌ أو قتل لا ينبغي لهم أن يصرفهم ذلك عن دينه وما جاء به فكل نفسٍ ذائقة الموت وما بعث محمدٌ صلى الله عليه وسلم ليخلد لا هو ولا هم بل ليموتوا على الإسلام والتوحيد فإن الموت لا بد منه سواءٌ مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بقي ولهذا وبخهم على رجوع من رجع منهم عن دينه لما صرخ الشيطان إن محمدًا قد قتل فقال { وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزي الله الشاكرين } والشاكرون هم الذين عرفوا قدر النعمة فثبتوا عليها حتى ماتوا أو قتلوا فظهر أثر هذا العتاب وحكم هذا الخطاب يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد على عقبيه وثبت الشاكرون على دينهم فنصرهم الله وأعزهم وظفرهم بأعدائهم وجعل العاقبة لهم ثم أخبر سبحانه أنه جعل لكل نفسٍ أجلًا لا بد أن تستوفيه ثم تلحق به فيرد الناس كلهم حوض المنايا موردًا واحدًا وإن تنوعت أسبابه ويصدرون عن موقف القيامة مصادر شتى فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير ثم أخبر سبحانه أن جماعةً كثيرةً من أنبيائه قتلوا وقتل معهم أتباعٌ لهم وهن من بقي منهم لما أصابهم في سبيله وما ضعفوا وما استكانوا وما وهنوا عند القتل ولا ضعفوا ولا استكانوا بل تلقوا الشهادة بالقوة والعزيمة والإقدام فلم يستشهدوا مدبرين مستكينين أذلةً بل استشهدوا أعزةً كرامًا مقبلين غير مدبرين والصحيح أن الآية تتناول الفريقين كليهما . ثم أخبر سبحانه عما استنصرت به الأنبياء وأممهم على قومهم من اعترافهم وتوبتهم واستغفارهم وسؤالهم ربهم أن يثبت أقدامهم وأن ينصرهم على أعدائهم فقال { وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين } لما علم القوم أن العدو إنما يدال عليهم بذنوبهم وأن الشيطان إنما يستزلهم ويهزمهم بها وأنها نوعان تقصيرٌ في حق أو تجاوزٌ لحد وأن النصرة منوطةٌ بالطاعة قالوا : ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ثم علموا أن ربهم تبارك وتعالى إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يقدروا هم على تثبيت أقدام أنفسهم ونصرها على أعدائهم فسألوه ما يعلمون أنه بيده دونهم وأنه إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يثبتوا ولم ينتصروا فوفوا المقامين حقهما : مقام المقتضي وهو التوحيد والالتجاء إليه سبحانه ومقام إزالة المانع من النصرة وهو الذنوب والإسراف أستمع حفظ

63 - القراءة من قول المصنف: ثم ذكرهم بحالهم وقت الفرار مصعدين أي جادين في الهرب والذهاب في الأرض أو صاعدين في الجبل لا يلوون على أحدٍ من نبيهم ولا أصحابهم والرسول يدعوهم في أخراهم إلى عباد الله أنا رسول الله فأثابهم بهذا الهرب والفرار غما بعد غم غم الهزيمة والكسرة وغم صرخة الشيطان فيهم بأن محمدًا قد قتل . وقيل جازاكم غما بما غممتم رسوله بفراركم عنه وأسلمتموه إلى عدوه فالغم الذي حصل لكم جزاءً على الغم الذي أوقعتموه بنبيه والقول الأول أظهر لوجوهٍ أحدها : أن قوله { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم } تنبيهٌ على حكمة هذا الغم بعد الغم وهو أن ينسيهم الحزن على ما فاتهم من أصابهم من الهزيمة والجراح فنسوا بذلك السبب وهذا إنما يحصل بالغم الذي يعقبه غم آخر . الثاني : أنه مطابقٌ للواقع فإنه حصل لهم غم فوات الغنيمة ثم أعقبه غم الهزيمة ثم غم الجراح التي أصابتهم ثم غم القتل ثم غم سماعهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل ثم غم ظهور أعدائهم على الجبل فوقهم وليس المراد غمين اثنين خاصةً بل غما متتابعًا لتمام الابتلاء والامتحان . الثالث أن قوله " بغم " من تمام الثواب لا أنه سبب جزاء الثواب والمعنى : أثابكم غما متصلًا بغم جزاءً على ما وقع منهم من الهروب وإسلامهم نبيهم صلى الله عليه وسلم وأصحابه وترك استجابتهم له وهو يدعوهم ومخالفتهم له في لزوم مركزهم وتنازعهم في الأمر وفشلهم وكل واحدٍ من هذه الأمور يوجب غما يخصه فترادفت عليهم الغموم كما ترادفت منهم أسبابها وموجباتها ولولا أن تداركهم بعفوه لكان أمرًا آخر . ومن لطفه بهم ورأفته ورحمته أن هذه الأمور التي صدرت منهم كانت من موجبات الطباع أستمع حفظ

69 - القراءة من قول المصنف: ثم إنه تداركهم سبحانه برحمته وخفف عنهم ذلك الغم وغيبه عنهم بالنعاس الذي أنزله عليهم أمنًا منه ورحمةً والنعاس في الحرب علامة النصرة والأمن كما أنزله عليهم يوم بدر ٍ وأخبر أن من لم يصبه ذلك النعاس فهو ممن أهمته نفسه لا دينه ولا نبيه ولا أصحابه وأنهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية وقد فسر هذا الظن الذي لا يليق بالله بأنه سبحانه لا ينصر رسوله وأن أمره سيضمحل وأنه يسلمه للقتل وقد فسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقضائه وقدره ولا حكمة له فيه ففسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أن يتم أمر رسوله ويظهره على الدين كله وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون به سبحانه وتعالى في ( سورة الفتح حيث يقول { ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرًا } وإنما كان هذا ظن السوء وظن الجاهلية المنسوب إلى أهل الجهل وظن غير الحق لأنه ظن غير ما يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وذاته المبرأة من كل عيبٍ وسوءٍ بخلاف ما يليق بحكمته وحمده وتفرده بالربوبية والإلهيه وما يليق بوعده الصادق الذي لا يخلفه وبكلمته التي سبقت لرسله أنه ينصرهم ولا يخذلهم ولجنده بأنهم هم الغالبون فمن ظن بأنه لا ينصر رسوله ولا يتم أمره ولا يؤيده ويؤيد حزبه ويعليهم ويظفرهم بأعدائه ويظهرهم عليهم وأنه لا ينصر دينه وكتابه وأنه يديل الشرك على التوحيد والباطل على الحق إدالةً مستقرةً يضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالًا لا يقوم بعده أبدًا فقد ظن بالله ظن السوء ونسبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله وصفاته ونعوته فإن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك وتأبى أن يذل حزبه وجنده أستمع حفظ

75 - القراءة من قول المصنف: وإن كانت مكروهةً له فما قدرها سدًى ولا أنشأها عبثًا ولا خلقها باطلًا { ذلك ظن الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النار } وأكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وعرف أسماءه وصفاته وعرف موجب حمده وحكمته فمن قنط من رحمته وأيس من روحه فقد ظن به ظن السوء . ومن جوز عليه أن يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ويسوي بينهم وبين أعدائه فقد ظن به ظن السوء . ومن ظن به أن يترك خلقه سدًى معطلين عن الأمر والنهي ولا يرسل إليهم رسله ولا ينزل عليهم كتبه بل يتركهم هملًا كالأنعام فقد ظن به ظن السوء . ومن ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دارٍ يجازي المحسن فيها بإحسانه والمسيء بإساءته ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين فقد ظن به ظن السوء. أستمع حفظ

77 - القراءة من قول المصنف: ومن ظن أنه يضيع عليه عمله الصالح الذي عمله خالصًا لوجهه الكريم على امتثال أمره ويبطله عليه بلا سببٍ من العبد أو أنه يعاقبه بما لا صنع فيه ولا اختيار له ولا قدرة ولا إرادة في حصوله بل يعاقبه على فعله هو سبحانه به أو ظن به أنه يجوز عليه أن يؤيد أعداءه الكاذبين عليه بالمعجزات التي يؤيد بها أنبياءه ورسله ويجريها على أيديهم يضلون بها عباده وأنه يحسن منه كل شيءٍ حتى تعذيب من أفنى عمره في طاعته فيخلده في أسفل السافلين أستمع حفظ

79 - القراءة من قول المصنف: وأنه يحسن منه كل شيءٍ حتى تعذيب من أفنى عمره في طاعته فيخلده في أسفل السافلين وينعم من استنفد عمره في عداوته وعداوة رسله ودينه فيرفعه إلى أعلى عليين وكلا الأمرين عنده في الحسن سواءٌ ولا يعرف امتناع أحدهما ووقوع الآخر إلا بخبرٍ صادقٍ وإلا فالعقل لا يقضي بقبح أحدهما وحسن الآخر فقد ظن به ظن السوء . ومن ظن به أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطلٌ وتشبيهٌ وتمثيلٌ وترك الحق لم يخبر به وإنما رمز إليه رموزًا بعيدةً وأشار إليه إشاراتٍ ملغزةً لم يصرح به وصرح دائمًا بالتشبيه والتمثيل والباطل وأراد من خلقه أن يتعبوا أذهانهم وقواهم وأفكارهم في تحريف كلامه عن مواضعه وتأويله على غير تأويله أستمع حفظ

81 - القراءة من قول المصنف: ويتطلبوا له وجوه الاحتمالات المستكرهة والتأويلات التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالكشف والبيان وأحالهم في معرفة أسمائه وصفاته على عقولهم وآرائهم لا على كتابه بل أراد منهم أن لا يحملوا كلامه على ما يعرفون من خطابهم ولغتهم مع قدرته على أن يصرح لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به ويريحهم من الألفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل فلم يفعل بل سلك بهم خلاف طريق الهدى والبيان فقد ظن به ظن السوء فإنه إن قال إنه غير قادرٍ على التعبير عن الحق باللفظ الصريح الذي عبر به هو وسلفه فقد ظن بقدرته العجز وإن قال إنه قادرٌ ولم يبين وعدل عن البيان وعن التصريح بالحق إلى ما يوهم بل يوقع في الباطل المحال والاعتقاد الفاسد فقد ظن بحكمته ورحمته ظن السوء وظن أنه هو وسلفه عبروا عن الحق بصريحه دون الله ورسوله وأن الهدى والحق في كلامهم وعباراتهم . وأما كلام الله فإنما يؤخذ من ظاهره التشبيه والتمثيل والضلال وظاهر كلام المتهوكين اليارى هو الهدى والحق أستمع حفظ