أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( بسم الله الرحمن الرحيم ))(( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب )) . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تعالى: (( بسم الله الرحمن الرحيم ))(( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم )) أولا هذه السورة مدنية وهي من آخر ما نزل من القرآن، ولهذا قال العلماء: ما كان فيها من حلال فأحلوه وما كان فيها من حرام فحرموه . ولم يأت فيها حكم يكون منسوخا، بل كل الأحكام التي فيها محكمة، وهي مدنية لأنها نزلت بعد الهجرة وكل ما نزل بعد الهجرة فإنه مدني وإن نزل بمكة وإلا ففيها قول الله تبارك وتعالى: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) هذا نزل في مكة .
البسملة لا حاجة لتكرار الكلام عليها ، لأنه سبق الكلام عليها وأنها آية من كتاب الله مستقلة ليست من السورة التي قبلها ولا بعدها ، يؤتى بها عند بدء كل سورة سوى سورة براءة وأنها متعلقة بمحذوف ويقدر هذا المحذوف فعلا متأخرا مناسبا للموضوع الذي تقدمته هذه البسملة ، هذا أحسن ما قيل في متعلق البسملة ، وعليه فإذا كنت تريد أن تقرأ تقول: إن الجار والمجرور متعلق بفعل محذوف تقديره: بسم الله أقرأ ، يعني التقدير: بسم الله أقرأ ، وإذا كنت تريد تتوضأ تقول تقديره: بسم الله أتوضأ ، إذا كنت تريد أن تذبح مذكاة تقول: بسم الله أذبح ، هذا التقدير .
تفسير قول الله تعالى : << يآ أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد و أنتم حرم إن الله يحكم ما يريد >>
يقول الله عز وجل: (( يا أيها الذين آمنوا )) واعلم أنه إذا صدر الكلام بهذه الجملة (( يا أيها الذين آمنوا )) فإنه كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أرعها سمعك ـ يعني انتبه له ـ فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه وإما خبر يكون فيه مصلحة لك ، مثل قول الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس )) وما أشبه ذلك ، المهم أنه لابد أن تكون لخير أو لشر أو لخبر يتضمن خيرا أو شرا . واعلم أيضا أنه إذا صدر الكلام بها فإنه يدل على أن ما بعدها من مقتضيات الإيمان تصديقا به إن كان خبرا وعملا به إن كان عملا ، وأن مخالفة ذلك نقص في الإيمان . واعلم أيضا أن الله تعالى يصدر الخطاب بها إغراء للمخاطب ، لأنه إذا قيل: (( يا أيها الذين آمنوا )) كأنه يقول إن إيمانكم يحملكم على أن تفعلوا كذا وكذا أو أن تتركوا كذا وكذا حسب السياق . (( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود )) أوفوا بها أي إيتوا بها وافيا كاملة من غير نقص ، وقد بين الله تعالى الوعيد على من يستوفي العقود تامة ولا يوفيها تامة في قوله تعالى: (( ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون )) إذا (( أوفوا )) بمعنى أيش ؟ إيتوا بها كاملة ، ومنه قوله تعالى: (( وأوفوا العهد ))(( وأوفوا الكيل إذا كلتم )) وما أشبه ذلك ، والعقود جمع عقد وهو ما أبرمه الإنسان مع غيره، وضد العقد الحل ، تقول: عقدت الحبل وحللت الحبل، فالعقود إذا ما أبرمه الإنسان مع غيره، وهي أنواع كثيرة منها: البيع، والإجارة والرهن، والوقف، والنكاح، وغير ذلك ، وقوله: (( أوفوا بالعقود )) هذا عام ، أي عقد فإنه يجب الوفاء به ، ولكن لابد أن يقيد بما جاءت به الشريعة وهو ألا يكون العقد محرما ، فإن كان العقد محرما فإن النصوص تدل على عدم الوفاء به بل على تحريم الوفاء به ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ) . ثم قال: (( أحلت لكم بهيمة الأنعام ))(( أحلت )) هذا فعل مبني بأيش ؟ لما لم يسم فاعله ، وفاعله معلوم ليس مجهولا لأن الفاعل هنا هو الله عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى: (( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب )) فالمحل هنا هو الله . وقوله: (( بهيمة الأنعام )) البهيمة ما لا ينطق ، كل حيوان لا ينطق فهو بهيمة، وذلك لأن ما يتكلم به أو ما ينطق به يكون مبهما لا يعرف فهو بهيمة . وقوله: (( الأنعام )) المراد بها ثلاثة أنواع: الإبل ، والبقر ، والغنم ، فإضافة البهيمة إلى الأنعام من باب إضافة الشيء إلى جنسه كما تقول: خاتم حديد ، وباب خشب ، وما أشبه ذلك ، كأنه قال: البهيمة من الأنعام ، بهيمة الأنعام وهي الإبل عندما نقول وهي الإبل والبقر والغنم هل نحن نفسر البهيمة أو الأنعام ؟ الأنعام يعني الإبل والبقر والغنم . (( إلا ما يتلى عليكم )) هذا استثناء من قوله: (( بهيمة الأنعام )) لأن بهيمة الأنعام مفرد مضاف فهو عام لكل شيء ، (( من بهيمة الأنعام )) قال: (( إلا ما يتلى عليكم )) والمراد بذلك ما سيأتي في الآية التي بعدها في قوله تعالى: (( حرمت عليكم الميتة والدم ... )) هذا الذي يتلى عليهم . (( غير محلي الصيد )) هذه استثناء من قوله: (( أحلت لكم بهيمة الأنعام )) ويحتمل أن تكون حالا وهي الأقرب ، لأنه مضافة إلى اسم الفاعل يعني أحلت لكم حال كونكم غير محلي الصيد وأنتم حرم أي مستبيحين، وذلك بصيده ، (( وأنتم حرم )) جملة حالية ، و(( الحرم )) جمع حرام وهو من تلبس بالإحرام بحج أو عمرة أو دخل في الحرام ، من تلبس بالإحرام بحج أو عمرة أو دخل في حرم وإن لم يكن محرما ، والحرم في مكة معروف بحدوده وفي المدينة كذلك أيضا، ولكن المدينة ليست كمكة في التحريم بل هي أقل كما سيذكر إن شاء الله . (( إن الله يحكم ما يريد )) الجملة كالتعليل لما قبلها، لما ذكر الله عز وجل الإحلال والتحريم قال: (( إن الله يحكم ما يريد )) حكما شرعيا أو كونيا ؟ نعم يشمل الحكم الكوني والحكم الشرعي ، فكل ما يريده الله عز وجل فإنه يحكم به ، لأنه لا راد لحكمه ، إن شاء حلل هذا وحرم هذا، وإن شاء أوجب هذا ورخص في هذا ، وكذلك أيضا إن شاء حكم على عباده بالغناء والأمن وإن شاء حكم بضد ذلك ، فالأحكام الكونية والشرعية كلها بإرادة الله ولا أحد يعترض على حكم الله عز وجل كما قال الله تعالى: (( إن الحكم إلا لله )) يعني ما الحكم إلا لله (( أمر أن لا تعبدوا إلا إياه )) . وقوله: (( ما يريد )) أي الإرادتين ؟ نعم نقول هي الإرادة الكونية باعتبار كون الحكم كونيا ، والشرعية باعتبار كون الحكم شرعيا ، وحينئذ لابد أن نفرق ما بين الإرادتين الكونية والشرعية ، الفرق بينهما: أن الكونية بمعنى المشيئة ، الكونية بمعنى المشيئة فتتعلق فيما يحبه الله وما لا يحبه الله ويقع فيها ما أراد بكل حال ، وأما الشرعية فهي التي بمعنى المحبة ، فمعنى يريد أي يحب ، وتتعلق فيما يحبه الله فقط، وقد يقع فيها المراد وقد لا يقع ، فهذا هو الفرق بين الإرادتين الكونية والشرعية .
في الآية الكريمة فوائد منها: فضيلة الإيمان ، وذلك من توجيه الخطاب خطاب الله عز وجل إلى المؤمنين . ومنها: أهمية ما يذكر بعد هذا النداء ، لأنه يفرق في الكلام بين أن تقول افعل كذا أو أن تقول يا فلان افعل كذا، أيهما أشد ؟ الثاني أشد ، ففيه أهمية ما ذكر بعد هذا النداء . ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب الوفاء بالعقود ، لقوله: (( أوفوا بالعقود )) والأصل في الأمر الوجوب لاسيما إذا كان متعلقا بحق الآخرين ، والعقد متعلق بحق الآخرين لأنه إبرام شيء بينك وبين الآخر ، فإذا الأمر بالوفاء للوجوب . ومنها: أن جميع العقود حلال ، وجه ذلك: أن الله أمر بها والله تعالى أمر بالوفاء بها والله تعالى لا يأمر بالوفاء بالفحشاء أبدا ، لكن هذا ليس على عمومه إذ يستثنى منها ما حرمه الشرع كبيع الغرر ، بيع حبل الحبلة ، البيع بالربا ، القمار، وما أشبه ذلك . ومنها: أن العقود تنعقد بما دل عليه من قوله أو فعل بلفظ أو إشارة أو كتابة ، من أين تؤخذ هذه الفائدة ؟ من أن الله أطلق العقد ، فكلما صار عقدا بين الناس فهو عقد . ويتفرع على هذا مسائل كثيرة منها: جواز البيع بالمعراة ، أ تعرفون المعراة ؟ المعراة أن يأتي الإنسان للخباز ويكون مكتوب في إعلان الخبز بريال فيضع الريال في مكان الفلوس ويأخذ الخبزين ، هذا بيع بأيش؟ بالمعراة ما عقود ، ما فيه بيع ولا شراء لكنه بالمعراة وقد عرف الناس أنه عقد . ومن ذلك أيضا الركوب في الحافلات ، الإنسان يدخل يعني باب الحافلة مفتوح فيدخل ويسلم الأجرة للذي عند الباب ولا يعقد الإجارة بصيغة ، هذا أيضا إجارة بالمعراة . ومن ذلك أيضا: أن النكاح ينعقد لما دل عليه وأنه لا يحتاج إلا لفظ " زوجت " فإذا قال: ملكتك بنتي ، فقال: قبلت ، يصح العقد أو لا ؟ يصح نعم يصح لأن هذا هو المعروف وقد جاء في حديث واهبة نفسها عند البخاري لفظ: ( ملكتها بما معك من القرآن ) . ومن فوائد هذه الآية: وجوب الوفاء بالشروط المشترط في العقد يعني معناه إذا عقد رجلان بينهما عقد بيع أو غيره واشترطا شروطا ، في الأصل أيش ؟ وجوب الوفاء بالشرط ، وذلك لأن قوله: (( بالعقود )) يشمل الوفاء بالعقد نفسه وبأوصافه التي هي شروطه ، لأن الشروط في العقد في الحقيقة أوصاف للعقد والأمر بوفاء العقد أمر بالوفاء به وبما يتضمنه من الأوصاف . فإذا اشترط المتعاقدان شرطا وحصل نزاع هل يصح هذا الشرط أو لا يصح ؟ فمن الصواب معه؟ الصواب مع من يقول إنه يصح حتى يقيم المانع دليلا على المنع ، وعلى هذا فإننا نجري الناس على معاملاتهم حتى نتأكد أن فيها مخالفة للشرع ، فالأصل إذا في المعاملات ؟ الأصل نعم أن تجري على ما هي عليه حتى يقوم دليل على أنها محرمة . هل يدخل في ذلك الوفاء بالعهود ؟ نعم لأن العهد عقد ، العهد لأن العهد عقد كما جاء في آية أخرى: (( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا )) . وهل يدخل في ذلك الوعد ؟ لو قلت لإنسان: سأمر عليك غدا في الساعة الفلانية ، هل يجب عليك أن توفي بذلك ؟ الصحيح نعم يجب عليك ، يجب عليك أن توفي به لأن الوعد عهد ولأن إخلاف الوعد من صفات المنافقين والرسول عليه الصلاة والسلام لما قال: إن المنافق إذا وعد أخلف ، لا يريد أن يوصل إلى أفهامنا هذه أن يخص من خصال المنافقين ولكن يريد منا أن نتجنبها ونحذرها ، ولهذا كان قول الراجح أن الوفاء بالوعد واجب وأنه لا يجوز للإنسان أن يخلف في الوعد إلا لعذر شرعي ، والعجب أن بعض المغرورين بأخلاق الأمم الكافرة يقول لصاحبه إذا واعده إنه وعد انكليزي مع أن الكفار من أبعد الناس عن الوفاء بالعهد، وكان على هذا أن يقول إنه وعد المؤمن لأن المؤمن هو الذي لا يخلف الوعد إلا لعذر شرعي . ومن فوائد الآية الكريمة: أن جميع بهائم الأنعام حلال ، لقوله: (( أحلت لكم بهيمة الأنعام )) وغير بهيمة الأنعام ؟ هل هي حلال أو غير حلال ؟ نقول إنها حلال لكن لا بهذه الآية بل بقوله تعالى: (( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا )) وعلى هذا فإذا شككنا في هل هو حلال أو حرام فالأصل أنه حلال ، من حرمه قلنا هات الدليل وإلا فإنه حلال . إذا شككنا في الحلال هل ذكي ذكاة شرعية أم لا فما الأصل ؟ الأصل عدمه ، الأصل عدم ذكاة الشرعية ، لأن الذكاة فعل لابد من تحقق وجوده ، فإذا وجدنا مثلا عضو من الشاة ولا ندري هل هو مذكى أو غير مذكى فنقول إنه لا يحل لأن الأصل عدم التذكية ما لم يوجد ظاهر يغلب على هذا الأصل، إن وجد ظاهر يغلب على هذا الأصل فإننا نأخذ به ، فلو وجدنا رجل شاة عند بيت من بيوت المسلمين فنحن لا نعلم هل ذكيت أم لا فالأصل عدم الحل لكن هنا ظاهر يغلب على الأصل وهو أن وجودها بين بيوت المسلمين يدل على أنها مذكاة ، فيكون هذا الظاهر غالبا أو مغلبا على الأصل ، ولهذا قال العلماء رحمهم الله لو وجد الإنسان شاة مذكاة في بلد أكثر أهله ممن تحل ذبيحته فهي حلال مع أن فيه احتمالا أن الذي ذبح غير من تحل ذبيحته لكن يغلب الظاهر لقوته . من فوائد الآية: الإحالة على مذكور أو ما سيذكر ، من أين تؤخذ ؟ من قوله: (( إلا ما يتلى عليكم )) وهذا إحالة على ما سيذكر، وقد استعمل العلماء رحمهم الله هذا في مؤلفاتهم وأكثر من رأيناه يستعمله من ؟ ابن حجر ، ابن حجر ما أكثر إحالته ومع ذلك أحيانا ينسى أن يوفي رحمه الله ، إذا تجوز الإحالة على شيء مذكور أو سيذكر كما قال: (( إلا ما يتلى عليكم )) . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الأصل في البهيمة بهيمة الأنعام الحل كما قررناه قبل قليل ، وجه ذلك: الاستثناء من ذلك الحكم، أحلت إلا ، وقد قال العلماء رحمهم الله: إن الاستثناء معيار العموم، معيار يعني ميزان ، إذا وجدت شيئا فيه استثناء فاعلم أن هذا الحكم عام ، لأنه لما أخرج هذا الفرد من أفراده علم أن الحكم شامل لجميع الأفراد . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا يحل الصيد للمحرم، لقوله: (( غير محلي الصيد وأنتم حرم )) ولا لمن كان في الحرم ، لأن من كان في الحرم فقد دخل في جو محرم ، محرم فيه الصيد فيحرم عليه الصيد ، لكن لو صاده صيدا حلالا يعني أنحر الدم وسمى الله وقتله هل يحل أو لا يحل ؟ لا يحل، نعم ؟ انظر الآية (( غير محلي الصيد وأنتم حرم )) نعم لا يحل ، لا يحل لأنه قال غير محلين ، فدل ذلك على أنهم إذا قتلوه فهو حرام فلا يحل لهم أن يحللوه لأنفسهم ، ولهذا عبر الله عن صيد الصيد عبر عنه بالقتل فقال في آية أخرى: (( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم )) ومعلوم أنه لا يريد أن يقتل بغير الصيد الشرعي لأن القتل بغير الصيد الشرعي منهي عنه سواء كان الإنسان محرما أو غير محرم ، لكن لما كان الصيد في حال الإحرام حراما صار هذا الصيد بمنزلة القتل فيكون المصيد حراما . ومن فوائد الآية الكريمة: تعظيم الإحرام وأنه يحرم على المحرم الصيد لئلا ينسى وراء الصيد فينسى الإحرام إذ من المعلوم الآن في أهل الصيد أنهم شغوفون به وأنه يأخذ بلبهم وعقولهم حتى إنك ترى الصائد يلحق الصيد والحصى يدمي قدمه والشوك يخرقها ومع ذلك لا يبالي ، لو أحل الصيد للمحرم لتلحى به عن إحرامه . ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الحكم لله ، لقوله: (( إن الله يحكم ما يريد )) . ومن فوائد الآية أيضا: إثبات الإرادة لله ، في قوله: (( إن الله يحكم ما يريد )) . ومن فوائد الآية: الإشارة إلى أنه لا يحل للإنسان أن يعترض على الأحكام الشرعية ، لماذا ؟ لأن الله ختمها بقوله: (( إن الله يحكم ما يريد )) ختم الآية لما ذكر أنواعا من الأحكام قال: (( إن الله يحكم ما يريد )) .
تفسير قول الله تعالى : << يآ أيها الذين ءامنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلآئد ولآ ءامين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم و رضوانا >>
ثم قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانه )) . نقول في قوله: (( يا أيها الذين آمنوا )) ما قلناه في الآية الأولى . (( لا تحلوا شعائر الله )) أي لا تنتهكوا حرماتها ، والشعائر جمع الشعيرة وهي العبادات الكبار كالحج والعمرة ونحو ذلك، وذلك لأن الأحكام الشرعية شعائر وغير الشعائر الأحكام الكبيرة تسمى شعائر ، قال الله تعالى: (( إن الصفا والمرة من شعائر الله )) . (( ولا الشهر الحرام )) الشهر المراد به هنا الجنس وليس المراد به الواحد ، فما هو الشهر الحرام ؟ الشهر الحرام شهور أربعة بين الله تعالى في قوله: (( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم )) وبين النبي صلى الله عليه وسلم أعيان هذه الأشهر بأنها ذو القعدة وذي الحجة والمحرم والرابع رجب ، رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ، هذه الأشهر الحرم يعني لا تحلوها بالمعاصي ولا تحلوها بالقتال أيضا، لأن القتال في الأشهر الحرم حرام حتى الكفار لا يحل أن نبدأهم بالقتال في الأشهر الحرم إلا دفاعا عن النفس أو إذا كان امتدادا بقتال سابق، انتبه وهذه المسألة يأتي إن شاء الله بيان حكمها واختلاف العلماء فيها . (( ولا الهدي )) يعني ولا تحلوا الهدي ، والمراد بالهدي ما يهدى إلى الحرم من إبل أو بقر أو غنم، وكيف إحلاله ؟ إحلاله أن يذبحه قبل أن يبلغ محله ، هذا إحلال ، فلو أن الإنسان ساق الهدي من الميقات من ذي الحليفة ثم أراد أن يذبحه أو ينحره قبل الوصول إلى مكة كان هذا حراما لا يحل ، ولهذا قال: (( ولا الهدي )) . (( ولا القلائد )) القلائد جمع أيش ؟ جمع قلادة ، فما المراد بالقلائد ؟ المراد بالقلائد ما تعلق به أعناق الهدي ، وكان من عادتهم أن يجعلوا في عنق كل واحدة قلادة إشارة إلى أنها هدي ، ويجعل هذه القلادة يعلق فيها النعال وأطراف الأسقية ، الأطراف القرب والأسقية وما أشبه ذلك إشارة إلى أن هذه للفقراء ، فمن حين أن يرى الإنسان هذه الشاة أو هذه البعير وعليها هذه القلادة يعرف أنها هدي فيحترمها ولا يضيرها بشيء ، (( ولا القلائد )) ويحتمل أن يقال إن القلائد أعم من ذلك وأن المراد: ولا أن تقلدتموه ، ما تقلدتموه من عهود ووعود وغيرها ، ولكن السياق يدل على المعنى الأول ، الهدي يعني القلائد يعني قلائد الهدي . (( ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا )) يعني ولا تحلوا أيضا (( آمين )) بمعنى قاصدين ، (( البيت الحرام )) وهو الكعبة (( يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا )) وسماه الله بيتا لأنه بيت في الواقع إذ أنه حجرة ذات أركان وسقف فهي بيت ، ووصف الله بالحرام لما لها من حرمة والتعظيم ، ولهذا كان ما حولها محترما حتى الأشجار محترمة في الحرم مع أن الأشجار جماد ، الحصى ؟ غير محترم الحصى والتراب غير محترم ، ولهذا لك أن تكسر الحصى ولك أن تنقل التراب إلى خارج الحرم بخلاف الأشجار ، الأشجار التي لا تنمو كالتي قد يبست وكأغصان كسرت هل هي بحرام أو ليست بحرام ؟ الجواب ليست بحرام ، اليابسة التي انتهت ليست حراما . (( يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا )) جملة (( يبتغون )) في موضع نصب على الحال من (( آمين )) أما (( البيت الحرام )) فهي مفعول به لـ(( آمين ))(( يبتغون )) أي يطلبون ، (( فضلا من ربهم )) والفضل هنا يشمل الفضل الدنيوي والفضل الأخروي ، دليل ذلك قوله تعالى لما ذكر أحكام الحج قال: (( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم )) وهذا فضل الدنيا يشير به إلى من أتى إلى الحج يبيع ويشتري أو يكاري إبله أو سيارته أو ما أشبه ذلك، وهنا يقول: (( يبتغون فضلا من ربهم )) يعم الفضلين: فضل الدنيا وفضل الآخرة ، وقوله: (( ورضوانا )) أي رضا من الله عز وجل ، وفيها قراءتان: ضم الراء وكسرها (( رضوانا )) و (( رضوانا )) ورضوانا أي من ربهم ، أو أعم من ذلك يعني هل هم يريدون رضوانا من الله عز وجل ؟ أو رضوانا من الله ومن أنبيائه وأوليائه وأصفيائه ؟ العموم ، لكن أصل الأصيل أنهم يريدون الفضل من الله عز وجل . ثم قال: (( وإذا حللتم فاصطادوا )) جاء وقت السؤال ؟ نعم .
يا شيخ بارك الله فيك قلنا بأن الوعد عهد ، وأن العهد لابد من الوفاء به ، إذا استثنى الرجل في الوعد وقال إن شاء الله وهو بكل حال يجب أن يقولها لأن الوعد فيما يستقبل ، ولم يأت بالوعد فهل عليه شيء .؟ وكيف يفرق السامع بين كون هذا الوعد أنه للتحقيق .؟
السائل : شيخ بارك الله فيكم ! قلنا بأن الوعد عهد وأن العهد لابد من الوفاء به ، إذا استثنى الرجل في الوعد وقال إن شاء الله وهو بكل حال يجب أن يقولها لأن الوعد فيما يستقبل ، ولم يأت بالوعد فهل عليه شيء ؟ وكيف يفرق السامع بين كون هذا الوعد أنه للتحقق ؟ الشيخ : في الظاهر أنه لا شيء عليه وذلك لأن صاحبه الذي سمعه يقول إن شاء الله يعرف أنه لم يرد الوفاء التام إلا إذا فهم المخاطب من قوله إن شاء الله التحقيق ، لأنه أحيانا يقال للتحقيق . السائل : لكن شيخ كيف يفرق السامع ؟ الشيخ : حسب السياق ، حسب السياق وربما يكون حركة الواعد تدل على هذا إن شاء الله إن شاء الله يقول هكذا بيده، المعنى ؟ التحقيق . السائل : هل الوعد عقد ؟ الشيخ : نعم لأنه معاقدة بين الواعد والموعد .
عندنا في الكويت إتحاد الجمعيات التعاونية ذهبوا إلى بعض البلاد الأوربية ووجدوا أن الذبح على غير الشريعة الإسلامية مثل بعض الدجاج الفرنسي ، فما الحكم .؟
السائل : شيخ عندنا في الكويت اتحاد الجمعيات التعاونية ذهبوا إلى بعض البلاد الأوروبية ووجدوا أن الذبح على غير الشريعة الإسلامية مثل بعض الدجاج الفرنسي مثلا فما الحكم ؟ الشيخ : هذا الذي يذبح هناك هل هو الذي يرد إلى البلاد الإسلامية ؟ السائل : أي نعم هم كتبوا حلال على الدجاج ، الشيخ : أي نعم هذا رأيناه و قرأناه لكن الآن إشكال في الحل هل هذا الذي يذبحونه على غير الطريقة الإسلامية هل هو الذي يرد إلى بلاد الإسلامية أو غيره ، أو هو يرد إلى بلاد أخرى ؟ السائل : هو الذي يرد، أولا جمعيات التعاونية هم الذين يشترون هذا ، الشيخ : لكنهم أخبروهم أنه لا يصح ؟ كيف ؟ الجمعية التعاونية أخبروا الجزارين هناك بأن هذا لا يصح ؟ السائل : أي نعم هم أخبروهم أو ما أخبروهم هم يذبحون على طريقتهم . الشيخ : أبدا ، الشركات لو تقول لها اذبحي عشر مرات ذبحت لأنه ، لأجل الفائدة ، يعني لو قالوا لها إما أن تذبحي على طريقة الإسلامية وإلا قاطعناك ذبحت .
إذا اشترطت الزوجة في عقد النكاح أن لا يتزوج عليها فهل يجب عليه أن يفي بهذا الشرط .؟
السائل : إذا اشترطت الزوجة في عقد النكاح أن لا يتزوج عليها فهل يجب عليه أن يفي بهذا الشرط ؟ الشيخ : هذا السؤال يقول: هل يدخل في الوفاء في الشروط شروط النكاح ؟ الجواب نعم ، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ) ، يقول فإذا اشترطت المرأة على زوجها ألا يتزوج عليها هل يصح الشرط ؟ يصح ، وإذا اشترطت الزوجة أن يطلق الزوجة التي معه ؟ لا يصح ، والفرق ظاهر لأن الثاني فيه عدوان على الزوجة الأولى والأول لا عدوان فيه على أحد ، الأول فيه أن الزوج يمتنع مما أباح الله له لكن باختياره هو الذي رضي ، ولكن لو صمم أن يتزوج فتزوج فماذا نقول ؟ نقول لها الخيار إن شاءت بقيت معها وإن شاءت فسقت النكاح .
السائل : في عقود الزواج هل يصح الزواج بكل لفظ ؟ الشيخ : لا يصح بكل لفظ أبدا ، لو قال: ملكتك بنتي ، وهبتك بنتي وعلم أن المراد بالهبة هنا ليس مجانا فلا بأس، كل ما دل عليه العقد فهو صحيح بدون تفصيل .
هل الكفار مخاطبون بقوله تعالى " يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ..." ؟
السائل : هل الكفار مخاطبون بقوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ... )) ؟ الشيخ :(( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود )) هذا للمؤمنين ، السائل : نقول هل تحتمل هذا ؟ الشيخ : لا ما تحتمل ، لأن الكافر يقال له أسلم أولا ثم يؤمر بفروع الإسلام . السائل : لكن جاء الحديث في تفسير الآية ؟ الشيخ : ما هو صحيح ، وأيضا (( غير محلي الصيد وأنتم حرم )) هل الكافر يحل ؟ لا ما تحتمل إلا المؤمنين .
إذا تنازع متعاقدان في شرط من شروط العقد فما الحكم .؟
السائل : إذا تنازع متعاقدان في شرط من شروط العقد فما الحكم ؟ الشيخ : إذا تنازع في أيش ؟ السائل : في شروط العقد يقول أحدهما هذا شرط والثاني يقول هذا غير موجود في الشرط . الشيخ : ذكرنا هذا ؟ لا لا في صحة العقد ، إذا تنازع المتعاقدان فقال أحدهما العقد صحيح وقال الثاني العقد غير صحيح، هذا الذي ذكرناه ، الشروط الأصل عدمه يعني لو تنازع في وجود الشرط أو عدمه فالأصل عدم الشرط ، تنازع في صحة الشرط هل هذا شرط صحيح أو لا بعد أن التزما به فالأصل صحته .
إذا اشترطت المرأة ألا يتزوج عليها زوجها فقبل بالشرط ثم بعد ذلك بدا له أن يتزوج فطلبت الفسخ فهل للرجل أن يطالب بمهره منها ؟
السائل : إذا اشترطت المرأة ألا يتزوج عليها زوجها فقيل بالشرط ثم بعد ذلك بدا له أن يتزوج فطلبت الفسخ فهل للرجل أن يطالب بمهره منها ؟ الشيخ : لا لا ، الزوج لا مهر له لأنه هو الذي أخلف الشرط، مع أن ذمته لا تبرأ حتى في هذه الحال لأنها في هذه الحال ما فسخت إلا إكراها وهو غرها في الواقع ، لكننا نقول له أن يتزوج لأننا لا نحجر لأنه لم يفي الشرط ، وهي ربما لا تفسخ لأنها تريد أن تبقى مع زوجها لكن مكرهة ، أي نعم وللإثم أقرب إلا إذا دعت الحاجة واقتضت الحاجة فهذا شيء آخر .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، (( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب )) . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تبارك وتعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله )) هذا مبتدأ مناقشة ؟ أول السورة ؟ نعم . قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود )) ذكرنا أنه إذا صدر الخطاب بـ" يا أيها الذين آمنوا " ففيه فوائد ما هي ؟ الفائدة الأولى: أن ما بعدها حكم أو خبر ، يدل على أهمية ما بعدها ، هذا إذا صدر الخطاب بالنداء مطلقا حتى يا أيها الناس يدل على أهمية ما بعدها لكن إذا صدر يا أيها الذين آمنوا خاصة ؟ أنه خاص للمؤمنين ، لا ، يدل على أن ما بعده من مقتضيات الإيمان ، لأنه لو لا ذلك ما صح توجيه الخطاب إلى مؤمن .