تفسير سورة المائدة-06b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تفسير قول الله تعالى : << ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل و بعثنا منهم اثني عشر نقيبا و قال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وءاتيتم الزكاة وءامنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم و لأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سوآء السبيل >>
سبب معلوم وهو سبب شرعي أو قدري ، فذلك لا ينافي الإيمان لا تجعلوا نيتك هذا السبب بل اجعله سببا والمسبب هو الله عزوجل ، ولهذا نجد الأسباب كثيرا ما تتخلف مسببها لأن الأمر بيد من ؟ بيد الله عزوجل (( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) . ثم قال الله تبارك وتعالى: (( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل )) الجملة هنا مؤكدة بثلاث مؤكدات يعده لنا الأخ ؟ (( ولقد أخذ الله ميثاق )) الجملة مؤكدة بثلاث مؤكدات ؟ اللام ، والثاني: قد ، والثالث: القسم ، وهذه القاعدة كلما جاء التعبير بهذا فهو مؤكد بثلاثة مؤكدات ، (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )) هذه مؤكدة بثلاثة مؤكدات، (( لقد خلقنا الإنسان في كبد )) مؤكد ، (( ولقد خلقناكم ثم صورناكم )) مؤكد بثلاثة مؤكدات .
1 - تفسير قول الله تعالى : << ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل و بعثنا منهم اثني عشر نقيبا و قال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وءاتيتم الزكاة وءامنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم و لأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سوآء السبيل >> أستمع حفظ
سؤال عن الأعياد الغير شرعية في هذا الزمان (عيد الشجرة )هل تعد من البدعة ؟(غير واضح)
السائل : ما يحصل من الأعياد الآن في بعض البلدان مما لا يتقرب بها إلى الله ، بعض أهل العلم يقول هذه بدعة ، فهم يقولون هذه ليست بدعة نحن لا نتقرب به إلى الله إنما مناسبات فهل تعد من البدعة ؟
الشيخ : هذه بعض العلماء يقول إنها ليست بدعة يعني يوم الشجرة ، يوم كذا ويوم كذا ، يقول هذه المقصود بها تذكير الناس ، أما إذا كانت المناسبة مناسبة التولي أمير على إمرة أو رئيس على رئاسة أو ملك على ملك فهذه إنما تفعل للتعظيم ، تفعل للتعظيم فلا يجوز ، لأن الأعياد لا يمكن أن تكون إلا بمناسبات الشرعية ، لا يجوز أن تكون إلا لمناسبات شرعية ، غير المناسبات الشرعية لا تشرع ، لكن ما يذكر عن أيام الشجرة وأشباهها يقولون إننا لا نتخذها على سبيل أنها عيد ولذلك لا نخص بها من أجر إنما هي تذكير وت وكان ابتداء عمل ، ولكن عندي أنه لو أن الناس تنزهوا عنها لكان أحسن .
الشيخ : هذه بعض العلماء يقول إنها ليست بدعة يعني يوم الشجرة ، يوم كذا ويوم كذا ، يقول هذه المقصود بها تذكير الناس ، أما إذا كانت المناسبة مناسبة التولي أمير على إمرة أو رئيس على رئاسة أو ملك على ملك فهذه إنما تفعل للتعظيم ، تفعل للتعظيم فلا يجوز ، لأن الأعياد لا يمكن أن تكون إلا بمناسبات الشرعية ، لا يجوز أن تكون إلا لمناسبات شرعية ، غير المناسبات الشرعية لا تشرع ، لكن ما يذكر عن أيام الشجرة وأشباهها يقولون إننا لا نتخذها على سبيل أنها عيد ولذلك لا نخص بها من أجر إنما هي تذكير وت وكان ابتداء عمل ، ولكن عندي أنه لو أن الناس تنزهوا عنها لكان أحسن .
ما هي المؤكدات الثلاثة في لفظة " ولقد " من قوله تعالى " ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل..." ؟
السائل : ما هي المؤكدات في لفظة " ولقد " في قوله تعالى: (( ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ... )) قلنا فيها ثلاثة مؤكدات ؟
الشيخ : نعم ! اللام ، وقد ، والقسم ، لأن تقدير الكلام: والله لقد .
الشيخ : ما هو اللازم التحكم، ما هو بلازم ، إذا كان هذا الشرع من عند الله عزوجل فهو عالم كما قلنا إن هذه الشرائع لا يمكن للبشر أن يأتي مثلها .
الشيخ : نعم ! اللام ، وقد ، والقسم ، لأن تقدير الكلام: والله لقد .
الشيخ : ما هو اللازم التحكم، ما هو بلازم ، إذا كان هذا الشرع من عند الله عزوجل فهو عالم كما قلنا إن هذه الشرائع لا يمكن للبشر أن يأتي مثلها .
3 - ما هي المؤكدات الثلاثة في لفظة " ولقد " من قوله تعالى " ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل..." ؟ أستمع حفظ
سؤال عن التوراة والإنجيل ؟(غير واضح)
السائل : عن التوراة والإنجيل ؟
الشيخ : ما أرى هذا إلا إذا كان ينكرها خوفا من الالتباس لأن العامي إذا سمعها يظن هذه التوراة والإنجيل والقرآن .
الشيخ : ما أرى هذا إلا إذا كان ينكرها خوفا من الالتباس لأن العامي إذا سمعها يظن هذه التوراة والإنجيل والقرآن .
سؤال عن الأعياد ؟(غير واضح)
السائل : الأيام هذه لم تكن أعياد ؟
الشيخ : وعلى التشبه تشتبه على كثير من الناس مع أن الأئمة نصوا أنه إذا كان مصدر الشيء من غير المسلمين ثم انتشر وصار المسلمون يفعلونه زال التشبه ، لأن التشبه حقيقته أن يقوم الإنسان بما يختص بغيره ، مادام أنه شاعت هذه المسألة فلا ، كان مثلا لبس البنطلون أتى من أين ؟ أتى من الكفار لكن ت المسلمون وصار الآن يلبسه المسلم والكافر .
الشيخ : وعلى التشبه تشتبه على كثير من الناس مع أن الأئمة نصوا أنه إذا كان مصدر الشيء من غير المسلمين ثم انتشر وصار المسلمون يفعلونه زال التشبه ، لأن التشبه حقيقته أن يقوم الإنسان بما يختص بغيره ، مادام أنه شاعت هذه المسألة فلا ، كان مثلا لبس البنطلون أتى من أين ؟ أتى من الكفار لكن ت المسلمون وصار الآن يلبسه المسلم والكافر .
هل للإنسان أن يتحرى تجمع الناس في العزائم والحفلات ونحوها ليعظهم ؟
السائل : هل للإنسان أن يتحرى تجمع الناس في العزائم والحفلات ونحوها ليغظهم وينصحهم ؟
الشيخ : أما من جهة الموعظة فالموعظة إذا وجد سبب لها فإنها تفعل في أي مكان ، لكن إذا اتخذ هذا راتنا وكأنه هو السبب قلنا هذا خطأ ، فمثلا الاجتماع في العرس أو وليمة كبيرة إذا رأى الإنسان من المناسبة أن يتكلم بما رآهم متشوقين لكلامه والناس يختلفون من هذه الناحية ، من الناس رجال يتشوق الناس إلى كلامه ويتمنون أن يتكلموا فهنا نقول الكلام جيد ، أو طلب منه أن يتكلم فهنا أيضا نقول تكلم لأنك سئلت العلم فإذا سئلت العلم فبين ، أما إنسان ليس ذا أهمية عند الناس ولا الناس يترقبون كلامه ، يبلغ نفسه عليهم ثم يتكلم في مثل هذه المناسبات فيه تضييق على الناس ، وكثير من الناس يأتون إلى هذه الحفلات فيجتمع بعضهم ببعض مع طول الزمان ويتساءلون عن أحوالهم وعن قراباتهم فيقطع هذا عليهم ما يريدون أو يتكلمون فيكون شهرة بين الناس ، هذه واحدة ، كذلك العزاء أشد وأشد ، كون الإنسان ويخطب في الحاضرين تكون بدعة على بدعة ، لأنه أصلا الاجتماع للعزاء غير مشروع كما نص على ذلك أهل العلم ، منهم من كره على الكراهة ومنهم من قال إنها بدعة ، وكتب الفقهاء بين أيدينا . كذلك ما أحدثه بعض الناس عند الدفن ، يقوم أحدهم خطيبا ويخطب ويعظ الناس ، هذا أيضا من البدعة ، لأن الرسول ما فعل هذا ، غاية ما ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه انتهى إلى قبر مع أصحابه ولما يلحد يعني ما تم تلحيد القبر فجلسوا وجلس النبي عليه الصلاة والسلام معهم وجعل ينكث في مخصرة معه ـ ينكث الأرض ـ ويحدثهم عن حال الإنسان عند الموت وبعد الدفن ، وهذه ليست خطبة هذه موعظة وليت راتبة لم يفعلها الرسول كلما دفن أحدا ، فعلها لأنه ينتظر التلحيد ، ينتظر التلحيد فبدلا أن يسكت أو يتكلموا بشيء غير مناسب تكلم عليه الصلاة والسلام .
الشيخ : أما من جهة الموعظة فالموعظة إذا وجد سبب لها فإنها تفعل في أي مكان ، لكن إذا اتخذ هذا راتنا وكأنه هو السبب قلنا هذا خطأ ، فمثلا الاجتماع في العرس أو وليمة كبيرة إذا رأى الإنسان من المناسبة أن يتكلم بما رآهم متشوقين لكلامه والناس يختلفون من هذه الناحية ، من الناس رجال يتشوق الناس إلى كلامه ويتمنون أن يتكلموا فهنا نقول الكلام جيد ، أو طلب منه أن يتكلم فهنا أيضا نقول تكلم لأنك سئلت العلم فإذا سئلت العلم فبين ، أما إنسان ليس ذا أهمية عند الناس ولا الناس يترقبون كلامه ، يبلغ نفسه عليهم ثم يتكلم في مثل هذه المناسبات فيه تضييق على الناس ، وكثير من الناس يأتون إلى هذه الحفلات فيجتمع بعضهم ببعض مع طول الزمان ويتساءلون عن أحوالهم وعن قراباتهم فيقطع هذا عليهم ما يريدون أو يتكلمون فيكون شهرة بين الناس ، هذه واحدة ، كذلك العزاء أشد وأشد ، كون الإنسان ويخطب في الحاضرين تكون بدعة على بدعة ، لأنه أصلا الاجتماع للعزاء غير مشروع كما نص على ذلك أهل العلم ، منهم من كره على الكراهة ومنهم من قال إنها بدعة ، وكتب الفقهاء بين أيدينا . كذلك ما أحدثه بعض الناس عند الدفن ، يقوم أحدهم خطيبا ويخطب ويعظ الناس ، هذا أيضا من البدعة ، لأن الرسول ما فعل هذا ، غاية ما ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه انتهى إلى قبر مع أصحابه ولما يلحد يعني ما تم تلحيد القبر فجلسوا وجلس النبي عليه الصلاة والسلام معهم وجعل ينكث في مخصرة معه ـ ينكث الأرض ـ ويحدثهم عن حال الإنسان عند الموت وبعد الدفن ، وهذه ليست خطبة هذه موعظة وليت راتبة لم يفعلها الرسول كلما دفن أحدا ، فعلها لأنه ينتظر التلحيد ، ينتظر التلحيد فبدلا أن يسكت أو يتكلموا بشيء غير مناسب تكلم عليه الصلاة والسلام .
تتمة تفسير الآية السابقة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، (( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموه وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل )) .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تبارك وتعالى: (( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل )) الجملة هنا مؤكدة ، بكم يا حامد ؟ بثلاثة ، ما هو عينه ؟ القسم ، واللام ، وقد . وذكرنا لكم قبله أنه إذا جاء مثل هذا التعبير فالتأكيد بثلاث مؤكدات ، باللام ، وقد ، وقسم المقدر ، و التقدير: والله لقد ، أعرفتم ؟ . (( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل )) أي عهدهم ، والسياق هنا سياق غائي (( أخذ الله )) . قال: (( وبعثنا منهم )) هذا التفات من الغيبة إلى التكلم ، ولو كان الكلام على نسق واحد لقال: بعثنا منهم اثني عشر نقيبا أي جعلنا منهم اثني عشر رقيبا ، اثني عشر هذه لسنا نعربها على أن اثني وحدها أو عشر وحدها ، لو كانت في غير هذا اللفظ يعني من الثلاثة عشر أربع عشرة ، ثلاثة عشرة أربعة عشر ، لا نعربها هذه على أنها الجزء الأول وحده والثاني وحده إلا اثني عشر واثنتي عشر ، فيعرب الجزء الأول بحسب العوامل ، ففي الرفع نجعل بالألف ، وفي النصب والجر بالياء ، لأنه ملحق بالمثنى وإنما قلنا إنه ملحق مثنى ولم يجعله مثنى حقيقة لأنه ليس له مفرد إذ أن إثنى ليس مفرده اسم لكن مفرده واحد ، فلهذا يعربونه على أنه ملحق بالمثنى ويكون إعرابه بالألف رفعا وبالياء نصبا وجرا ، ولكنه لا يضاف إلى عشرة بل يقال: اثنا مركب مع عشر وعشر مبني على الفتح لا محل له من الإعراب . (( اثني عشر نقيبا )) (( نقيبا )) هذه تمييز ، وكلما جاءت كلمة تفسر المعدد وهي المعدود فأعربها على أنها تمييز مثلا ثلاثة عشر رجلا، رجلا تمييز ، (( اثني عشر نقيبا )) نقول نقيب تمييز ، ولهذا يقول صاحب الألفية:
اسم بمعنى من مبين نكرة ينصب تمييزا لما قد فسره
(( اثني عشر نقيبا )) (( نقيبا )) فعيل بمعنى فاعل وناقب بمعنى منقب ، منقب يعني مفتش وهم العرفاء ، لأن العريف يفتش عمن جعل عريفا عليه ، وأصل التنقيب التفتيش ، ومنه قوله تعالى: (( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد )) أي فتشوا فيها ، إذا النقيب فعيل بمعنى فاعل أي منقب ، والتنقيب هو التفتيش ، ومعناه العرفاء جعل الله منهم اثني عشر نقيبا عرفاء على قومهم كل سد عليه عريف لأنهم هم اثنا عشر أسباطا ، (( وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا )) وهذا من عناية الله عزوجل بهم أن جعل عليهم العرفاء من أجل أن يوجهونهم ويؤدبونهم . (( وقال الله إني معكم )) (( قال الله إني معكم )) أي في النصر والتأييد ، وهذه المعية خاصة وسنتكلم إن شاء الله عليها عند أخذ الفوائد . ثم قال: (( لئن أقمتم )) هذا رد الميثاق (( لئن أقمت الصلاة )) أي أتيتم بها مستقيما ، والصلاة معروفة هي التعبد لله تعالى بذات الأقوال والأفعال المعلومة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم ، هذا هو الأصل ، وعلى هذا فصلوات اليهود والنصارى الآن صلوات محرفة ، فهم كما حرفوا في التأويل حرفوا أيضا في العقائد . (( وآتيتم الزكاة )) آتيتم بمعنى أعطيتم ، والزكاة مال واجب في أموال مخصوصة ، وقوله: (( آتيتم الزكاة )) إلى من ؟ إلى مستحقها ، ولهذا نقول إن آتى تنصب مفعولين ، الأول الزكاة والثاني محذوف ، أي آتيتم الزكاة أهلها ، والزكاة هي المال الذي ذكرنا لكم وسمي زكاة لأنه يزكي أخلاق باذله ، يزكيها يعني ينميها ، فإن بذل المال ينمي الأخلاق بلاشك ، وإذا أردت أن ينشرح صدرك فأكثر من النفقة ، لكن بدون إسراف . (( وآمنتم برسلي )) أي أقررتم إقرارا مستلزما للقبول والإذعان ، هذا معنى الإيمان هو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان ، فمجرد الإقرار لا يعتبر إيمانا ، فلو كان مجرد الإقرار إيمانا لكان أبو طالب مؤمنا لأنه مقر برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، (( وآمنتم برسلي )) والرسل جمع الرسول وهم الذين أرسلهم الله تعالى إلى بني إسرائيل ، وأكثر الأنبياء الذين قصوا علينا من بني إسرائيل . (( وعزرتموه )) أي نصرتموه لأن التعزير يعني النصرة وأصله من التقوية ، قال الله تبارك وتعالى: (( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه )) تعزروا من ؟ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . (( وأقرضتم الله قرضا حسنا )) قوله: (( وأقرضتم الله )) أي بذلتم المال محتسبين الأجر من عنده ، لأن المقرض يعطي القرض على أنه سوف يرد إليه عوضه ، فالإقراض لله يعني احتساب الثواب منه كأنك بذلت الشيء ابتغاء مرضاته لتنال بذلك ثوابا . فإن قال قائل: (( أقرضتم )) مع قوله: (( آتيتم الزكاة )) هل هو من باب عطف المتغايرين أو هو من باب عطف العام على الخاص أم ماذا ؟ يرى بعض العلماء أنه من باب العطف العام على الخاص لأن الزكاة حقيقة من أقراض الله إذا أداها الإنسان متصفا ثوابها فهي من أقراض الله ، ويكون ذكر الإقراض وهو أعم من الزكاة بعد ذكر الزكاة ليشمل الزكاة وغيرها ، وقيل: المراد بالزكاة هنا المراد به الصدقة أي ما زاد على الزكاة ، وعلى هذا يكون العطف عليها من باب عطف المتغايرين . وقوله: (( قرضا حسنا )) القرض الحسن ما كان خالصا لله على وفق شريعة الله ، هذا هو القرض الحسن ، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم الإحسان في عبادة الخالق أنه تمام الإيمان والمراقبة فقال: ( أن تعبدوا الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) . وقوله: (( لأكفرن عنكم سيئاتكم )) هذا جواب، لكن الجواب لأيش ؟ جواب لقوله: (( لئن أقمتم )) وهو جواب للشرط التي هي إن أو جواب للقسم المقدر المدلول عليه باللام في قوله: (( لئن أقمتم))
الشيخ : ما هو الصحيح ؟
الطالب : الثاني ،
الشيخ : الثاني فهو جواب القسم ، ولهذا لم يقترن بالفاء ولو كان جوابا للشرط اقترن بالفاء ، وفي هذا يقول ابن مالك :
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم جواب ما أخرت فهو ملتزم
فما الذي أخر هنا ؟ القسم أو الشرط ؟ الشرط، إذا الذي حذف هو الشرط . (( لأكفرن عنكم سيئاتكم )) أي أجعلها مكفرة بالحسنات التي فعلتم: إقام الصلاة ، إيتاء الزكاة ، الإيمان بالرسل ، وتعزيرهم ، إقراض الله قرضا حسنا ، فالسيئات تفكر بهذه الحسنات . (( ولأدخلن جنات تجري من تحتها الأنهار )) هذه معطوفة على (( لأكفرن )) وإذا جمعت بينها وبين أكفر صار فيها النجاة من المرهوب وحصول المطلوب، النجاة من المرهوب في قوله: (( لأكفرن عنكم سيئاتكم )) لأنها إذا كفرت لم نعاقب عليه، حصول المطلوب (( ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار )) وبالتدبر والاستقراء نجد أن أغلب ما يكون تقديم النجاة من المرهوب ليرد المطلوب على محل خال مما يرخن ، فيكون التصفية قبل التحلية يعني صف الشيء قبل أن تخليه ، اقلص المكان قبل أن تفرشها ، تأمل الآن القرآن والسنة وفي غيرها أيضا تجد أن النفي غالبا يكون مقدما على الإثبات " لا إله إلا الله " كلمة الإخلاص قدم فيها النفي على الإثبات ليرد الإثبات على مكان خال من الشوائب . (( لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار )) جنات المراد بها جنة المأوى وهي كما ترون تذكر أحيانا مفردة وأحيانا مجموعة (( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة )) مفرد ، وتأتي جنات كثيرا مجموعا ، فإفرادها باعتبار الجنس وجمعها باعتبار النوع لأن الجنة أنواع ، وقد ذكر الله تعالى في آخر سورة الرحمن أربعة أنواع (( ولمن خاف مقام ربه جنتان )) ثم قال: (( ومن دونهما جنتان )) أيهما أشرف الأوليان أو الأخريان ؟ الأوليان ؟ يعني سواه ، لا تعبدوا من دون الله من سواه ، طيب من يبين لنا الفروق ؟ ابن قيم ذكر في النونية أن الفروق عشرة لكن ... فمن يستطيع أن يذكر لنا ؟ ثلاثة كفاية لكن لا يستعين أحدكم بالثاني ، إذا تجمع جنة على جنات باعتبار أيش ؟ باعتبار الأنواع ، وتفرد باعتبار الجنس (( جنات تجري من تحتها الأنهار )) يعني الآن (( جنات تجري من تحتها الأنهار )) لو أننا فسرنا الجنات بما نفسر به الجنات في الدنيا وقلنا الجنات بساطين كثيرة الأشجار كثيرة الثمار لم يذهب الذهن بعيدا ولا استقل نعيم الآخرة ، لكن إذا قلنا الجنة هي الدار التي أعد الله تعالى لأوليائه ـ اللهم اجعلنا منهم ـ فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، أيهما أشد هزا للمشاعر ؟ الثاني بلاشك ، ولهذا قد نعجب على بعض الناس أن يفسر جنة المأوى بأنها البستان الكثير الأشجار وأنها سميت بذلك لأن أشجارها متف بعضها إلى بعض فهي تستر من فيها ، نقول لاشك إنه يقلل من تخيل الجنة وأنها شيء عظيم ، فنقول الجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، هذا يحس النشاط ويوجب أن يسارع الإنسان ويسابق إليه . وقوله: (( تجري من تحتها الأنهار )) معلوم أنه ليس المراد من تحت أرضها ، لأن النهر إذا جرت من تحت الأرض أي فائدة منها ؟ ولهذا لا ننتفع بالأنهار التي الجوفية ، ولكن (( من تحتها )) قال العلماء: من تحت قصورها وأشجارها ، وما أحسن تحت الأشجار الظليلة والقصور الفخمة العظيمة لها منظر لا يتصوره الإنسان في الواقع، (( تجري من تحتها الأنهار )) هذه الأنهار ليست كأنهار الدنيا، أنواعها أربعة: (( أنهار من ماء غير آسن )) يعني لا يمكن أن يتغير وأنهار الدنيا تتغير ، والثاني: (( أنهار من لبن لم يتغير طعمه )) بل هو من أحسن ما يكون مذاقه ، (( وأنهار من خمر لذة للشاربين )) وقد نفى الله الغول (( لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون )) ، (( وأنهار من عسل مصفى )) نقي ليس فيه شيء من ما يكون في عسل الدنيا، هذه أنهار أربعة تجري جريانا ، الماء ربما يتصور الإنسان أنه يجري ، لبن لم يتغير طعمه يتصور كيف يجري، لأن اللبن جاف، خمر يتصور أم لا ؟ يتصور، وقد لا يتصور، لأن الخمر ليس كله سواء، الرابع العسل في تصورنا الآن أنه لا يجري لكنه في الجنة يجري نهر، ثم إن ابن قيم رحمه الله ذكر في النونية أن هذه الأنهار تجري لغير أخدود فقال:
أنهارها من غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان
الله أكبر، النهر يجري ما له أخدود تمنعه يمين ويسار ؟ ولا حفر له ، على سطح ، سطح مكان ومع هذا أيضا لا يجري إلا حيث شاء صاحبه يصرفه كيف شاء ليس هناك عمال ولا عوامل وإنما هي إرادات (( فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذذ الأعين وأنتم فيها خالدون )) . نقول: (( تجري من تحتها الأنهار )) إذا هنا ميثاق بين متعاقدين، عمل يسير في مقابل ثواب كثير . يقول: (( فمن كفر بعد ذلك منكم )) فمن هنا شرطية جوابها (( فقد ضل )) أي فمن كفر بعد هذا الميثاق ولم يقم بما وثق الله عليه فقد ضل سواء السبيل ، الضلال بمعنى الضياع والتيه يعني تاه عن الصراط المستقيم ، و(( سواء السبيل )) أي مستقيم ، مستقيمه الموصل إلى المراد .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تبارك وتعالى: (( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل )) الجملة هنا مؤكدة ، بكم يا حامد ؟ بثلاثة ، ما هو عينه ؟ القسم ، واللام ، وقد . وذكرنا لكم قبله أنه إذا جاء مثل هذا التعبير فالتأكيد بثلاث مؤكدات ، باللام ، وقد ، وقسم المقدر ، و التقدير: والله لقد ، أعرفتم ؟ . (( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل )) أي عهدهم ، والسياق هنا سياق غائي (( أخذ الله )) . قال: (( وبعثنا منهم )) هذا التفات من الغيبة إلى التكلم ، ولو كان الكلام على نسق واحد لقال: بعثنا منهم اثني عشر نقيبا أي جعلنا منهم اثني عشر رقيبا ، اثني عشر هذه لسنا نعربها على أن اثني وحدها أو عشر وحدها ، لو كانت في غير هذا اللفظ يعني من الثلاثة عشر أربع عشرة ، ثلاثة عشرة أربعة عشر ، لا نعربها هذه على أنها الجزء الأول وحده والثاني وحده إلا اثني عشر واثنتي عشر ، فيعرب الجزء الأول بحسب العوامل ، ففي الرفع نجعل بالألف ، وفي النصب والجر بالياء ، لأنه ملحق بالمثنى وإنما قلنا إنه ملحق مثنى ولم يجعله مثنى حقيقة لأنه ليس له مفرد إذ أن إثنى ليس مفرده اسم لكن مفرده واحد ، فلهذا يعربونه على أنه ملحق بالمثنى ويكون إعرابه بالألف رفعا وبالياء نصبا وجرا ، ولكنه لا يضاف إلى عشرة بل يقال: اثنا مركب مع عشر وعشر مبني على الفتح لا محل له من الإعراب . (( اثني عشر نقيبا )) (( نقيبا )) هذه تمييز ، وكلما جاءت كلمة تفسر المعدد وهي المعدود فأعربها على أنها تمييز مثلا ثلاثة عشر رجلا، رجلا تمييز ، (( اثني عشر نقيبا )) نقول نقيب تمييز ، ولهذا يقول صاحب الألفية:
اسم بمعنى من مبين نكرة ينصب تمييزا لما قد فسره
(( اثني عشر نقيبا )) (( نقيبا )) فعيل بمعنى فاعل وناقب بمعنى منقب ، منقب يعني مفتش وهم العرفاء ، لأن العريف يفتش عمن جعل عريفا عليه ، وأصل التنقيب التفتيش ، ومنه قوله تعالى: (( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد )) أي فتشوا فيها ، إذا النقيب فعيل بمعنى فاعل أي منقب ، والتنقيب هو التفتيش ، ومعناه العرفاء جعل الله منهم اثني عشر نقيبا عرفاء على قومهم كل سد عليه عريف لأنهم هم اثنا عشر أسباطا ، (( وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا )) وهذا من عناية الله عزوجل بهم أن جعل عليهم العرفاء من أجل أن يوجهونهم ويؤدبونهم . (( وقال الله إني معكم )) (( قال الله إني معكم )) أي في النصر والتأييد ، وهذه المعية خاصة وسنتكلم إن شاء الله عليها عند أخذ الفوائد . ثم قال: (( لئن أقمتم )) هذا رد الميثاق (( لئن أقمت الصلاة )) أي أتيتم بها مستقيما ، والصلاة معروفة هي التعبد لله تعالى بذات الأقوال والأفعال المعلومة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم ، هذا هو الأصل ، وعلى هذا فصلوات اليهود والنصارى الآن صلوات محرفة ، فهم كما حرفوا في التأويل حرفوا أيضا في العقائد . (( وآتيتم الزكاة )) آتيتم بمعنى أعطيتم ، والزكاة مال واجب في أموال مخصوصة ، وقوله: (( آتيتم الزكاة )) إلى من ؟ إلى مستحقها ، ولهذا نقول إن آتى تنصب مفعولين ، الأول الزكاة والثاني محذوف ، أي آتيتم الزكاة أهلها ، والزكاة هي المال الذي ذكرنا لكم وسمي زكاة لأنه يزكي أخلاق باذله ، يزكيها يعني ينميها ، فإن بذل المال ينمي الأخلاق بلاشك ، وإذا أردت أن ينشرح صدرك فأكثر من النفقة ، لكن بدون إسراف . (( وآمنتم برسلي )) أي أقررتم إقرارا مستلزما للقبول والإذعان ، هذا معنى الإيمان هو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان ، فمجرد الإقرار لا يعتبر إيمانا ، فلو كان مجرد الإقرار إيمانا لكان أبو طالب مؤمنا لأنه مقر برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، (( وآمنتم برسلي )) والرسل جمع الرسول وهم الذين أرسلهم الله تعالى إلى بني إسرائيل ، وأكثر الأنبياء الذين قصوا علينا من بني إسرائيل . (( وعزرتموه )) أي نصرتموه لأن التعزير يعني النصرة وأصله من التقوية ، قال الله تبارك وتعالى: (( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه )) تعزروا من ؟ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . (( وأقرضتم الله قرضا حسنا )) قوله: (( وأقرضتم الله )) أي بذلتم المال محتسبين الأجر من عنده ، لأن المقرض يعطي القرض على أنه سوف يرد إليه عوضه ، فالإقراض لله يعني احتساب الثواب منه كأنك بذلت الشيء ابتغاء مرضاته لتنال بذلك ثوابا . فإن قال قائل: (( أقرضتم )) مع قوله: (( آتيتم الزكاة )) هل هو من باب عطف المتغايرين أو هو من باب عطف العام على الخاص أم ماذا ؟ يرى بعض العلماء أنه من باب العطف العام على الخاص لأن الزكاة حقيقة من أقراض الله إذا أداها الإنسان متصفا ثوابها فهي من أقراض الله ، ويكون ذكر الإقراض وهو أعم من الزكاة بعد ذكر الزكاة ليشمل الزكاة وغيرها ، وقيل: المراد بالزكاة هنا المراد به الصدقة أي ما زاد على الزكاة ، وعلى هذا يكون العطف عليها من باب عطف المتغايرين . وقوله: (( قرضا حسنا )) القرض الحسن ما كان خالصا لله على وفق شريعة الله ، هذا هو القرض الحسن ، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم الإحسان في عبادة الخالق أنه تمام الإيمان والمراقبة فقال: ( أن تعبدوا الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) . وقوله: (( لأكفرن عنكم سيئاتكم )) هذا جواب، لكن الجواب لأيش ؟ جواب لقوله: (( لئن أقمتم )) وهو جواب للشرط التي هي إن أو جواب للقسم المقدر المدلول عليه باللام في قوله: (( لئن أقمتم))
الشيخ : ما هو الصحيح ؟
الطالب : الثاني ،
الشيخ : الثاني فهو جواب القسم ، ولهذا لم يقترن بالفاء ولو كان جوابا للشرط اقترن بالفاء ، وفي هذا يقول ابن مالك :
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم جواب ما أخرت فهو ملتزم
فما الذي أخر هنا ؟ القسم أو الشرط ؟ الشرط، إذا الذي حذف هو الشرط . (( لأكفرن عنكم سيئاتكم )) أي أجعلها مكفرة بالحسنات التي فعلتم: إقام الصلاة ، إيتاء الزكاة ، الإيمان بالرسل ، وتعزيرهم ، إقراض الله قرضا حسنا ، فالسيئات تفكر بهذه الحسنات . (( ولأدخلن جنات تجري من تحتها الأنهار )) هذه معطوفة على (( لأكفرن )) وإذا جمعت بينها وبين أكفر صار فيها النجاة من المرهوب وحصول المطلوب، النجاة من المرهوب في قوله: (( لأكفرن عنكم سيئاتكم )) لأنها إذا كفرت لم نعاقب عليه، حصول المطلوب (( ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار )) وبالتدبر والاستقراء نجد أن أغلب ما يكون تقديم النجاة من المرهوب ليرد المطلوب على محل خال مما يرخن ، فيكون التصفية قبل التحلية يعني صف الشيء قبل أن تخليه ، اقلص المكان قبل أن تفرشها ، تأمل الآن القرآن والسنة وفي غيرها أيضا تجد أن النفي غالبا يكون مقدما على الإثبات " لا إله إلا الله " كلمة الإخلاص قدم فيها النفي على الإثبات ليرد الإثبات على مكان خال من الشوائب . (( لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار )) جنات المراد بها جنة المأوى وهي كما ترون تذكر أحيانا مفردة وأحيانا مجموعة (( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة )) مفرد ، وتأتي جنات كثيرا مجموعا ، فإفرادها باعتبار الجنس وجمعها باعتبار النوع لأن الجنة أنواع ، وقد ذكر الله تعالى في آخر سورة الرحمن أربعة أنواع (( ولمن خاف مقام ربه جنتان )) ثم قال: (( ومن دونهما جنتان )) أيهما أشرف الأوليان أو الأخريان ؟ الأوليان ؟ يعني سواه ، لا تعبدوا من دون الله من سواه ، طيب من يبين لنا الفروق ؟ ابن قيم ذكر في النونية أن الفروق عشرة لكن ... فمن يستطيع أن يذكر لنا ؟ ثلاثة كفاية لكن لا يستعين أحدكم بالثاني ، إذا تجمع جنة على جنات باعتبار أيش ؟ باعتبار الأنواع ، وتفرد باعتبار الجنس (( جنات تجري من تحتها الأنهار )) يعني الآن (( جنات تجري من تحتها الأنهار )) لو أننا فسرنا الجنات بما نفسر به الجنات في الدنيا وقلنا الجنات بساطين كثيرة الأشجار كثيرة الثمار لم يذهب الذهن بعيدا ولا استقل نعيم الآخرة ، لكن إذا قلنا الجنة هي الدار التي أعد الله تعالى لأوليائه ـ اللهم اجعلنا منهم ـ فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، أيهما أشد هزا للمشاعر ؟ الثاني بلاشك ، ولهذا قد نعجب على بعض الناس أن يفسر جنة المأوى بأنها البستان الكثير الأشجار وأنها سميت بذلك لأن أشجارها متف بعضها إلى بعض فهي تستر من فيها ، نقول لاشك إنه يقلل من تخيل الجنة وأنها شيء عظيم ، فنقول الجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، هذا يحس النشاط ويوجب أن يسارع الإنسان ويسابق إليه . وقوله: (( تجري من تحتها الأنهار )) معلوم أنه ليس المراد من تحت أرضها ، لأن النهر إذا جرت من تحت الأرض أي فائدة منها ؟ ولهذا لا ننتفع بالأنهار التي الجوفية ، ولكن (( من تحتها )) قال العلماء: من تحت قصورها وأشجارها ، وما أحسن تحت الأشجار الظليلة والقصور الفخمة العظيمة لها منظر لا يتصوره الإنسان في الواقع، (( تجري من تحتها الأنهار )) هذه الأنهار ليست كأنهار الدنيا، أنواعها أربعة: (( أنهار من ماء غير آسن )) يعني لا يمكن أن يتغير وأنهار الدنيا تتغير ، والثاني: (( أنهار من لبن لم يتغير طعمه )) بل هو من أحسن ما يكون مذاقه ، (( وأنهار من خمر لذة للشاربين )) وقد نفى الله الغول (( لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون )) ، (( وأنهار من عسل مصفى )) نقي ليس فيه شيء من ما يكون في عسل الدنيا، هذه أنهار أربعة تجري جريانا ، الماء ربما يتصور الإنسان أنه يجري ، لبن لم يتغير طعمه يتصور كيف يجري، لأن اللبن جاف، خمر يتصور أم لا ؟ يتصور، وقد لا يتصور، لأن الخمر ليس كله سواء، الرابع العسل في تصورنا الآن أنه لا يجري لكنه في الجنة يجري نهر، ثم إن ابن قيم رحمه الله ذكر في النونية أن هذه الأنهار تجري لغير أخدود فقال:
أنهارها من غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان
الله أكبر، النهر يجري ما له أخدود تمنعه يمين ويسار ؟ ولا حفر له ، على سطح ، سطح مكان ومع هذا أيضا لا يجري إلا حيث شاء صاحبه يصرفه كيف شاء ليس هناك عمال ولا عوامل وإنما هي إرادات (( فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذذ الأعين وأنتم فيها خالدون )) . نقول: (( تجري من تحتها الأنهار )) إذا هنا ميثاق بين متعاقدين، عمل يسير في مقابل ثواب كثير . يقول: (( فمن كفر بعد ذلك منكم )) فمن هنا شرطية جوابها (( فقد ضل )) أي فمن كفر بعد هذا الميثاق ولم يقم بما وثق الله عليه فقد ضل سواء السبيل ، الضلال بمعنى الضياع والتيه يعني تاه عن الصراط المستقيم ، و(( سواء السبيل )) أي مستقيم ، مستقيمه الموصل إلى المراد .
الفوائد المستنبطة من الآية الكريمة .
في هذه الآية فوائد كثيرة، منها: تذكير هذه الأمة وتذكير بني إسرائيل بما أخذ الله عليهم من الميثاق ، أما تذكير بني إسرائيل فالأمر فيه واضح (( ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل )) ، وأما تذكير الأمة الإسلامية فلأنه ليس بين البشر وبين الخالق عهد يتضمن المحابات إلا تفضلا من الله عزوجل إذا قمنا بما أوجب علينا فلنا الأجر مرتين حسب ما جاء به النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومن فوائد الآية الكريمة: ذكر الله نفسه بالغيبة تعظيما وتكبيرا له جل وعلا ، تؤخذ من أين ؟ من قوله: (( ولقد أخذ الله )) ما قال: لقد أخذنا، وهذا كما يقول الملك في جنوده: إن الملك يأمركم أن تفعلوا كذا، ما يقول أنا آمركم ، يقول إن الملك يأمركم ، نظيرها هذا (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )) . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من أساليب البلاغة الانتقال من أسلوب إلى أخر لتنبيه المخاطب ، تؤخذ من قوله: (( وبعثنا )) بعد قوله: (( ولقد أخذ الله )) ولاشك أن هذا أي تغيير الأسلوب يوجب الانتباه . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات أن الله تعالى خلق أعمال العباد، لقوله: (( وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا )) لأن النقباء مفتشون وإذا كان الله هو الذي بعثهم لزم أن تكون أفعالهم مخلوقة لله، ففيها الرد على الجبرية ، وربما نأخذ من قوله: (( نقيبا )) الرد على القدرية لأن المنقب ينقب باختياره ، نعم ربما نأخذ الرد على الجبرية بقوله: (( نقيبا )) . نعود مرة ثانية يؤخذ من الآية الرد على القدرية في قوله: (( وبعثنا منهم )) إذا هم قاموا بأمر من ؟ بأمر الله ، القدرية يقولون إن أفعال العبد ليست مخلوقة لله ولا لله فيها تعلق . أيضا يؤخذ منها الرد على الجبرية بقوله: (( نقيبا )) لأن النقيب هو المنقب فأضاف الله إليه وهذا يدل على أن الإنسان غير مجبور، وهذا مقرر ـ والحمد لله ـ عدة مرات أن نصوص الكتاب والسنة تدل على بطلان قول القدرية وبطلان قول الجبرية . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه ينبغي للناس أن يتخذوا نقباء يرجعون إليهم في أمورهم ، عند النزاع يكونون مصلحين ، وعند الإشكال يكونون مهتمين ، وما أشبه ذلك ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا كانوا ثلاثة في سفر أن يؤمروا أحدهم من أجل أن يوجههم ويدبر شئونهم ولا يكون الأمر فوضى . ومن فوائد الآية الكريمة: منة الله على بني إسرائيل بأنه ناصرهم ، تؤخذ من قوله: (( وقال الله إني معكم )) واعلم أن الله تعالى وصف نفسه بالمعية في عدة آيات ، فمرة ذكرها عامة ومرة ذكرها خاصة بوصف ، ومرة ذكرها خاصة بشخص ، وكلها حق . فالعامة مقتضاها الإحاطة بالخلق علما وقدرة وسلطانا وتدبيرا وملكا وغير ذلك، ومن هذا قوله تعالى: (( وهو معكم أين ما كنتم )) وقوله: (( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا )) . ومن ذكرها أي المعية مقيدة بوصف مثل قوله تعالى: (( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) ، لكن هذا تقتضي مع الإحاطة العامة تقتضي النصر والتأييد والدفاع (( إن الله يدافع عن الذين آمنوا )) . الثالث: مقيدة بشخص مثل قوله تعالى لموسى وهارون: (( لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى )) ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما حكاه الله عنه لصاحبه أبي بكر رضي الله عنه: (( لا تحزن إن الله معنا )) . هذه المعية هل هي حقيقة أو هي مجاز عن العلم والإحاطة والنصرة والتأييد وما أشبه ذلك ؟ الجواب: هي كالأول ، هي كسائر الصفات أنها حقيقة وأنها تقتضي لكل موضع ما يناسبه، لكن هل إذا قلنا إنها حقيقة هل تنافي ما ذكر من علو الله ؟ لا أبدا ، هو معنا وهو على عرشه وليس معنا أنه في الأرض كلا ، (( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه )) ومن كان هذا شأنه كيف يمكن أن يتصور عاقل فضلا أن يكون معنا في أماكننا ، لكن هو معنا وهو عال ولا مانع لأن الله بكل شيء محيط ، حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما رفع الصحابة أصواتهم بالتكبير قال: ( أيها الناس أرئعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ) أصم لا يسمع ولا غائبا لا يرى، إنما تدعون سميعا بصيرا ( إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ) نحن نؤمن بهذا ، لكن ليس معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى في نفس المكان ، لأنك لو قلت هكذا لكنت ممن عمل بالنصوص ونظر إليها نظر الأعور أي من جانب واحد ، ولهذا لما نظر الجميع إلى هذا جانب واحد قالوا إن الله معنا في نفس المكان ، في كل مكان ، لكنهم بطلوا عن العلو ، ونحن نقول إن الله تعالى معنا حقيقة وعلى عرشه حقيقة ولا منافاة . فإن قال قائل: هل يتصور العقل أن الشيء يطلق عليه أنه معك وهو بعيد عنك ؟ قلنا نعم ، أولا أنه يتصور في الأمور المخلوقة ، فالقمر يقول المسافرون إنه معنا ، والنجم يقولون إنه معنا ، والشمس يقولون معنا، وأين أمثلة هذه ؟ في السماء ، يعني العرب تقول القمر معنا ، والقطب معنا ، يقولون هكذا ويعبرون عن هذا على أنه حقيقة ، ومحله بالسماء ولا يعد ذلك تناقضا ، ثم على فرض أنه تناقض للمخلوق وأنه لا تجتمع المعية حقيقة والعلو حقيقة فهل يقاس الخالق بالمخلوق ؟ لا ، لا يقاس ، يقال نثبت لله ما أثبته لنفسه بعلوه ومعيته ونعلم أنه لا تناقض بل هو عال ومعنا ، إذا الجواب على هذا نقول: أولا ليس بينهما تناقض للوجوه التالي ، ألف: أن الله جمع لنفسه بينهما ، وما جمع الله بينهما في كتابه فليس فيه تناقض إذ لو كان لما صدق قوله تعالى: (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )) هذه واحدة ، كل شيئين جمع الله بينهما فاعلم أنه لا تناقض بينهما . ثانيا: لا تناقض ولا منافاة بين المعية حقيقة والعلو حقيقة أبدا ، لأننا نحس بالواقع المشاهد المتفق عليه عند علماء اللغة أنه يقال للشيء إنه معنا وهو في مكانه في السماء بعيدا عنه . ثالثا: على فرض أن هذا ممتنع في المخلوق فليس يمتنع في الخالق ، لأن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في نعوته فهو علي في دنوه قريب في علوه ، وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة المباركة ألا وهي " العقيدة الواسطية " وبه أيضا نسلم من أهل الإلزام أهل التأويل لأهل السنة حيث يقولون أنتم تنكرون علينا التأويل وأنتم تؤولون، لأنك إذا قرأت (( هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير )) كل هذه الضمائر تعود إلى من ؟ إلى الله ، ما الذي يخرج المعية عن هذا ؟ إذا كان خلق السموات أي الله ، استوى على العرش أي الله ، يعلم ما يلج أي الله ، وهو معكم أي الله ، أي الله لكن يجب كما قال شيخ الإسلام أن يصان هذا الفهم عن الظنون الكاذبة ، الظنون الكاذبة مثل أن يعتقد الإنسان أنه معنا أي في مكانه أو أنه على السماء يعني أن السماء تقله، أو أنه إذا نزل إلى السماء الدنيا صارت السموات الأخرى تظله، هذا يجب أن يصان عنه ، لأن الله تعالى في العلو وعلوه من لازم ذاته وهو من الصفات الذاتية التي لا ينفك عنها كما لا ينفك عن سمعه وبصره ، لكن ورد عن السلف رحمهم الله عن كثير منهم أنه فسروا المعية بالعلم وهذا تفسير باللازم لأن من لازم من كان معه أن يكون عالما به ، ولاشك أن هذا تفسير صحيح غير منكر والتفسير باللازم تفسير صحيح ، لكنه ليس هو المطابق لأن الدلالات ثلاثة أنواع: دلالة التضمن، ودلالة المطابقة ، ودلالة الالتزام ، هذا من دلالة الالتزام ، واضطروا إلى ذلك من أجل الرد على أولئك الجهمية الذين كانوا يقولون إن الله معنا في نفس المكان ، ولهذا قال ابن المبارك رحمه الله: إن الله معنا بعلمه ولا نقول كما قال هؤلاء الجهمية إنه معنا هاهنا يعني في الأرض ، فتبين بذلك لماذا صارت أكثر عبارات السلف أن المعية يعني العلم ، ونحن نقول هذا تفسير صحيح غير منكر لأنه تفسير بأيش ؟ باللازم والتفسير باللازم قد استعمله السلف في كثير من الآيات ولا يعد هذا خروجا عن ما تقتضيه الآية ، لكن التفسير الذي ينكر على الإنسان أن يؤول تأويلا مخالفا للفظ بأنواع الدلالات الثلاثة وهي: المطابقة والتضمن والالتزام . المعية الخاصة بالوصف كثيرة في القرآن مثل: (( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) هذه الآية إذا آمن بها الإنسان سوف تحمله على ثقته بنفسه ، لكن ثقته بنفسه لا لأنه قوي قادر ولكن لأن الله معه ، فإذا اتقى الإنسان ربه التقوى حقيقة فإنه سوف يحصل له النصر والتأييد وإن الله يدافع عن الذين آمنوا ، لكن الذي في الحقيقة ينقصنا هو التقوى ، ولذلك نجد أننا فاشلون في كل المعاني التي خ مع إخوان القرد والخنازير وهم اليهود .
اضيفت في - 2007-08-13