من فوائد هذه الآية الكريمة: أن عذاب اليهود والنصارى مستمر كما قلنا . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الأسباب ، لقوله: (( بذنوبكم )) . ومن فوائدها: الاحتراز عما يوهم باطلا ، حيث قال: (( لم يعذبكم بذنوبكم )) ولم يقل: فلم يعذبكم ، لأنه لو قالها بدون قرنها (( بذنوبكم )) لأوهم أن الله تعالى يعذب بغير ذنب .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، (( وإذ قال موسى يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين )) . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تبارك وتعالى: (( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل )) .
من فوائد هذه الآية الكريمة السابقة من قوله تعالى: (( بل أنتم بشر ممن خلق )) بل هنا فسرناها أنها للإضراب الإبطالي . فيستفاد منها: أن هؤلاء الذين دعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه هم من البشر والبشر عند الله سواء وأكرمهم عند الله أتقاهم . ومن فوائدها: إثبات خلق الله عزوجل للبشر ، وهذا أمر قد يقول قائل إنه لا حاجة لأنه أمر معلوم ، ولكن الله تعالى قال: (( يخلق ما يشاء )) نعم ولكن الله قال: (( ممن خلق )) فبين أن هؤلاء المخلوقون وأنهم كغيرهم من البشر . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات المغفرة والتعذيب ، إثبات المغفرة والتعذيب من الله عز وجل لمن شاء، ولكن هل هذا مجرد مشيئة إن شاء غفر وإن شاء عذب أو لابد من سبب ؟ الجواب الثاني ، لابد من سبب ، وقد تبين لنا قاعدة مهمة أن كل فعل علقه الله بالمشيئة إنه تابع للحكمة إذ ليس لله مشيئة مجردة بل هي مقرونة بحكمته تبارك وتعالى كما قال الله تعالى: (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما )) . ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المشيئة لله ، والمشيئة بمعنى الإرادة الكونية ، واعلم أنه ليس فيها انقسام ، يعني لا تقسم إلى مشيئة كونية وإلى مشيئة شرعية بخلاف الإرادة ، فالمشيئة شيء واحد وهي الإرادة الكونية . ومن فوائد الآية الكريمة: اختصاص الله تعالى بالملك ، وأنه لا مالك معه ، الشيخ : يأخذها الأخ من قوله تعالى ؟ الطالب : (( لله ملك السموات )) الشيخ : وجه ذلك ؟ الطالب : الخبر ، الشيخ : صح انفراد الله تعالى بالملك . فإن قال قائل: إن الله تعالى أثبت لعباده ملكا في قوله تعالى: (( أو ما ملكتم مفاتحه )) ، (( أو ما ملكت أيمانكم )) وما أشبه ذلك ؟ قلنا لا سواء بين الملكين ، فملك الله تعالى عام جار وملك الآدمي قاصر ناقص ، ولهذا لا يملك الإنسان أن يتلف ماله مع أنه ماله ، لو أراد أن يحرق مال كله لا يمكن هجرنا عليه ومنعناه ، لأنه خلاف ما أمر الله به بل هو ما نهى الله عنه . ومن فوائد الآية الكريمة: أن بين السموات والأرض من المخلوقات العظيمة ما اقتضى أن يكون مقابلا ومعادلا بالسموات والأرض ، يؤخذ من أين ؟ من قوله: (( وما بينهما )) . ومن فوائد الآية الكريمة: أن المرجع الخلائق إلى الله وحده ، لقوله تعالى: (( وإليه المصير )) يعني المرجع .
تفسير قول الله تعالى : << يآأهل الكتاب قد جآءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جآءنا من بشير ولا نذير فقد جآءكم بشير ونذير و الله على كل شيئ قدير >>
ثم قال الله تبارك وتعالى: (( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل )) في هذه الصفحة الواحدة نداء لأهل الكتاب مرتين (( يا أهل الكتاب )) والمراد اليهود والنصارى . (( قد جاءكم رسولنا )) وهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم . (( يبين لكم )) يبين الجملة الحالية حال من رسول يعني حال كونه يبين لكم أي يوضح ويفسر ، ولم يذكر الله تعالى المبين ليكون أعم ، لأن حذف المفعول يفيد العموم ، وهذه القاعدة المعروفة في اللغة العربية أن الحذف يفيد العموم . فهنا (( يبين لكم )) أي شيء يبين ؟ نقول يبين كل ما يحتاج الناس إلى بيانه ، ولهذا قال الله تعالى في القرآن الكريم: (( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء )) . وقوله: (( على فترة من الرسل )) يعني حال كون البيان على فترة من الرسل أي مدة من الزمن لم يأت فيها رسول ، هذه المدة ليس لنا كبيرة فائدة في معرفتها على التحقيق لكن نعرف أنها مدة طويلة تقدر بنحو ستمائة سنة بين عيسى وبين محمد صلى الله عليهما وسلم ، لأن آخر الأنبياء الذين بعثوا على الناس هو عيسى عليه الصلاة والسلام ومن بعده محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس بينهما نبي، ولهذا ما يذكر في بعض التواريخ أن خالد بن سنان وفلان و فلان أنهم أنبياء وأنهم بعثوا بعد عيسى فهذا كله ليس بصحيح ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أخبر بأنه ليس بينه وبين عيسى نبي، ويدل لذلك أن عيسى قال: (( مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد )) فلم يأت بعد عيسى إلا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، (( على فترة من الرسل )) وإنما نص على هذه الفترة ليتبين أن الناس في أشد الحاجة إلى بعثة الرسول ، وهذا هو الواقع فإن الله تعالى نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم ـ أي أبغضهم وكرههم ـ لأنهم ليسوا على دين إلا بقايا من أهل الكتاب ، بقايا قليلة كما قال تعالى: (( فلو لا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين )) بقي القليل ، وهذا القليل أيضا يحتاج إلى رسول فلهذا نص على الفترة وهي المدة الطويلة التي بلغت نحو ستمائة سنة ليتبين شدة حاجة الناس إلى بعث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم . ثم قال: (( أن تقولوا )) أي لئلا تقولوا ، فأن وما دخلت عليه هنا في موقع التعليل يعني أرسلناه إليكم لئلا تحتجوا فتقولوا ما جاءنا من بشر ولا نذير ، ولذلك لطول المدة لم يأتهم رسل ولا أنبياء ، فيحتجون يقولون ما جاءنا من بشير ولا نذير . وقوله: (( ما جاءنا من بشير ولا نذير )) هذه من يعربونها على أنها زائدة لفظا لكنها تزيد في المعنى ، تزيد في المعنى التوكيد وهذه القاعدة معروفة عند البلاغيين أن جميع الحروف الزائدة تفيد التوكيد ، وأصل الكلام: ما جاءنا بشير ولانذير ، هذا الأصل ، لكن إذا دخلت من صارت أدل على النفي مما لو لم تدخل ، ولهذا يقولون إن النفي قد يكون نصا في التعميم إذا كان حرف النافي هي لا أو اقترن بحرف الجر الزائد سواء كان من أو الباء . هنا يقول: (( من بشير )) قلنا من زائدة من حيث الإعراب فمن يستطيع أن يعربها ؟ بشير فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره من عن ظهورها اشتغال المحل بحركة الحرف الجر الزائد ، لأن حرف الجر أداة لفظية فلابد أن يكون تأثيرها في اللفظ أكثر من تأثير المعنى . سؤال خارجي: لو عطفنا على الباء للمجرور بمن ما لم تدخل عليه من فماذا نصنع ؟ الطالب : يرفع الحركة التي بعدها ، الشيخ : يرفع وجوبا ؟ الطالب : وجوبا ، الشيخ : فيه وجهان ؟ يعني يجوز وجهان فقوله تعالى: (( ما لكم من إله غيره )) و(( غيره )) كلاهما صحيح ، والمعطوف على المجرور بحرف الجر الزائد يجوز فيه اعتبار المحل واعتبار اللفظ . (( ما جاءنا من بشير ولا نذير ))(( من بشير )) مبشر بالخير، ونذير مخوف من الشر . قال الله تعالى: (( فقد جاءكم بشير ونذير )) يعني فالآن لا حجة لكم ، (( قد جاءكم بشير ونذير )) من هو ؟ رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم . (( والله على كل شيء قدير )) ختم هذه الآية بالقدرة إشارة إلى أنه تبارك وتعالى قادر على أن يبعث الرسل وأن لا يبعث الرسل وأن الأمر كله بيده تبارك وتعالى .
سؤال عن بقاء بعض الأنبياء بعد عيسى عليه الصلاة والسلام ؟(غير واضح)
السائل : عن بقاء بعض الأنبياء بعد عيسى عليه الصلاة والسلام ؟ الشيخ : بس يحتاج إلى إثبات ، ابن كثير بينه وبين عيسى أمم يحتاج إلى إثبات ، لأن الحديث صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ليس بينه وبين عيسى نبي ، ولا قول لأحد بعده .
ما مدى صحة أقوال أهل الهيئة في المخلوقات التي في الفضاء الواسع " ما بين السموات والأرض"؟
السائل : ورد في الآية: (( ولله ملك السموات والأرض وما بينهما )) أن ما بين السماء والأرض خلق عظيم فما مدى صحة أقوال الهيئة في تلك المخلوقات التي بين ما يسمونه بالفضاء وتلك المسافات الهائلة التي لا يحصيها العقل فهل هذا ؟ الشيخ : ما يذكره علماء الهيئة في هذا الأمر لا يصدق ولا يكذب مثل أقوال بني إسرائيل ، لا تصدق ولا تكذب ولا يوافقون عليهم ، لأنها مسافات يعني كما قلت هائلة حتى إن بعضهم يقول إن النجوم التي تنارها الليلة هذه النجوم البارحة لم يصل إلينا نورها إلا بعد أربع وعشرين ساعة ، هذا معقول ؟ على كل حال هذه ما نصدقها ولا نكذبها ، لكن نعلم أن فيه مخلوقات وقد ذكرنا فيما سبق كيف نعلم الرياح ، الغيوم ، الأمطار ، القمر ، النجوم، كل هذه بين السماء والأرض .
السائل : هل يجوز أن يقال إن في القرآن حرفا زائدا ؟ الشيخ : إذا كان في الآية حرف جر زائد قل زائد في الإعراب ، بعض المعربين يقول حرف صلة ، لكن لا وجه له بل يقال إنه حرف جر زائد إعرابا ، وكان من العبارات التي قد تقال: هو زائد زائد ، أيش معنى زائد زائد ؟ زائد لفظا زائد معنى ، الأول زائد من الناقص من زاد يزيد الناقص ، والثاني من زاد المتعدي لأن زاد تصلح ناقصة وتصلح متعدية ، قال الله: (( والذين اهتدوا زادهم )) متعدية أو لازمة ؟ متعدية ، وتقول زاد الماء هذه لازمة . التقدير ما هو بواقع ، التقدير ليس هو الواقع قد يقدر الإنسان شيئا يكون مستحيلا الله قدر شيئا مستحيلا قال: (( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا )) وهذا مستحيل لكن هذا تقدير .
في قوله تعالى " وما بينهما..." يشمل ما بين السماء السابعة والأرض أم ما بين السماء الأولى والأرض ؟
السائل : في قوله تعالى: (( وما بينهما )) يشمل ما بين السماء والأرض أم ما بين السماء الأولى والأرض؟ الشيخ : هذا هو الظاهر، ما بين السماء الدنيا إلى الأرض ، السائل : إذا ملائكة التي في السموات الأخرى ؟ الشيخ : لا ، ملك السموات داخل في السموات ، ما هو داخل فيما بينهما داخل في السموات.
هل "من" في قولع تعالى زائدة " ما ننسخ من آية ...."؟
السائل : يقال: الضابط في " من " الزائدة أن تكون بعد نفي وشبه نفي وأن يكون مذكورها . يقولون علامة حرف جر أنه إذا حذفت استقام الكلام وأحيانا تأتي مثلا (( ليهدي )) ويستقيم الكلام مع حذف الحرف . زائدة مثل قوله تعالى: (( ما ننسخ من آية )) وقوله تعالى: (( يغفر لكم من ذنوبكم )) ؟ الشيخ : أي نعم هذه ما هي زائدة ، هذه من بيان لمن يعني ما ننسخ ما اسم شرط وأسماء الشرط كلها مبهمة فجاءت من هنا للبيان وليست زائدة ، ابن مالك يقول في من: وزيد في نفي وشبهه فجر نكرة كما لباق من مفر وهي قد تزاد بالمعرفة لكن قليل .
السائل : ذكرنا فيما سبق أن الأراضي سبع أين استباقها ؟ الشيخ : استباقها في جوف الأرض ، في جوف هذه الأرض ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله به يوم القيمة من سبع أراضين ) وهذا يدل على أن الأراضين في جوف الأرض هذه ، لكن كيف ؟ ما ندري .
أهل الفترة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكلفون بما أرسل به إبراهيم أم بما أرسل به عيسى ؟
السائل : أهل الفترة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هل كانوا مكلفين بدين عيسى الذي هو آخر ما نزل أم كانوا مكلفين بدين ابراهيم الذين كان من العرب ؟ الشيخ : لا ، هم مكلفون بملة ابراهيم فقط ، لأن عيسى يبعث إلى قومه كغيره من الأنبياء ، لكن الظاهر ـ الله أعلم ـ أنه لا مانع أن يتدين أحد بدين ابراهيم أو بدين موسى في ذلك الوقت لأنه لم يرسل إليه رسول . السائل : إذا عرض أحد في العرب رسالة عيسى فهل يجب عليه أن يؤمن بها ؟ الشيخ : لا ، لا يجب. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، (( وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم )) .
تفسير قوله تعالى : << وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده و أنتم ظالمون >> من سورة البقرة
قال الله تبارك وتعالى: (( وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة )) وكان الله تعالى وعده قبل ذلك ثلاثين ليلة وأتمها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة . وعده الله تعالى لمناجاته هذه المدة وأناب أخاه على قومه وقال: (( اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين )) فكان هارون خليفة موسى في قومه حين ذهب لميعاد الله عزوجل ، ثم إن بني إسرائيل لعتوهم وعنادهم اتخذوا عجلا من الذهب اتخذوه إلها وكان صاحب هذه الفكرة رجلا يقال له السامري ، صنعوا من الحلي الذي قيل إنهم أخذوا من حلي آل فرعون صنعوا منه ثورا عجلا وجعلوا له جوفا تدخل منه الريح من الدبر وتخرج من الفم فإذا دخلت الريح سمعوا له صوتا كخوار الصوت فقال السامري هذا إلهكم وإله موسى، موسى ذهب يطلب إلهه فضل ولهذا مضت ثلاثون ليلة وزادت يطلب هذا الإله ولكنه نسي وضل وتاه وهذه إلهكم وإله موسى فجعل هارون يذكرهم بذلك ويقول: (( إن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري )) وهو نبي ولكنهم أصروا استكبارا وقالوا: (( لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى )) وأصروا على عبادة العجل ، رجع موسى عليه الصلاة والسلام ووجدهم على حال ليست مرضية على خلاف ما فارقهم عليه وغضب ألقى الألواح وهي التوراة التي كتب الله تعالى بيده ، ألقاها من شدة الغضب واخذ برأس أخيه ولحيته يجره إليه شدة ويقول: (( ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن )) وكان هذا من شدة الغضب وإلا في حال الرضا لابد أن يسأل أولا كيف ضلوا قبل أن يقول (( ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن )) لكن إنسان بشر يعتريه ما يعتريه من الحال البشرية ، قال: (( يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي )) شف هو خشي من موسى عليه الصلاة والسلام أن يقول فرقت بين بني إسرائيل ، لأنه لو قال أو زاد في وعظهم لانقسموا قسمين قسما يكون مع هارون وقسما آخر مع السامري ، فكأنه عليه الصلاة والسلام ترك ذلك خوفا من هذا ، ومع ذلك هم أيضا مصرون على ما هم عليه اتخذوه إلها حتى عبدوه والقصة مبسوطة في سورة طه ، اتخذوه إلها ولهذا قال: (( ثم اتخذتم العجل من بعده )) العجل مفعول اتخذتم الأول ، والمفعول الثاني محذوف والتقدير: ثم اتخذتم العجل إلها . وقوله: (( من بعده )) تفيد أنهم لم يتخذوه من أول وهلة بل هناك مسافة وهي كما قلت لكم أنه لما مرت المدة التي حددها موسى عليه الصلاة السلام ثم زاد الله تعالى فيها قالوا هذا الإله ولكنه نسي . وقوله: (( وأنتم ظالمون )) الواو هنا للحال ، حال من فاعل (( اتخذتم )) يعني والحال أنكم ظالمون ليس لكم عذر وكيف يكون لهم عذر ونبيهم هارون يقول: (( يا قوم إنكم فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري )) وبعد هذا الفعل القبيح الشنيع قال الله عزوجل: (( ثم عفونا عنكم من بعد ذلك )) وانظر إلى قوله: (( وأنتم ظالمون )) هل هم ظالمون لأنفسهم أو ظالمون لغيرهم ؟ ظالمون لأنفسهم فإن كل عاص ظالم لنفسه فإن تعددت مضرة معصيته إلى غيره صار ظالما لنفسه ولغيره .
تفسير قوله تعالى : << ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون >> من سورة البقرة
(( ثم عفونا عنكم )) أي تجاوزنا عن هذا الفعل ورفعنا عنكم العقوبة (( لعلكم تشكرون )) أي لأجل أن تشكروا ، ولعل هنا للتعليل وكما أسلفنا من قبل ترد لعل لعدة معاني ، منها التعليل وذلك كثير في القرآن الكريم ، ومنها الرجاء، ومنها التمني، ومنها الإشفاق والخوف ، ومنها التوقع، وكل هذا يعرف بالسياق . وقوله: (( لعلكم تشكرون )) الشكر هو العمل الصالح هكذا جاء في القرآن ، دليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا )) وقال في المؤمنين: (( كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله )) ) وهذا يدل على أن الشكر هو العمل الصالح وهو كذلك لاشك فيه ، واعلم أن الشكر لا يكون إلا في مقابلة إحسان بخلاف الحمد ، الحمد يكون لكمال المحمود والإفضال المحمود فسببه أعم من الشكر، ولكن الشكر أعم من الحمد من حيث تعلقه بالقلب واللسان والجوارح كما قال القائل: أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والمضير المحجبا
فوائد قوله تعالى : << وإذ واعدنا موسى ...........>>
في هاتين الآيتين فوائد ، منها: بيان عيوب بني إسرائيل ، وذلك أنهم اتخذوا العجل إلها حين غاب نبيهم . ومن فوائدها: إثبات كلام الله عزوجل، لقوله: (( وإذ واعدنا موسى ثلاثين ليلة )) والوعد يكون بين المتواعدين في الغالب بالقول ، ثم إن هذا الميعاد الذي حصل كلمه الله عزوجل حتى إن موسى عليه الصلاة والسلام من شدة شفقته على رؤية الله قال: (( رب أرني أنظر إليك )) . ومنها: بيان سفه الأمة الغضبية اليوم ، حين اتخذوا العجل إلها ، والعجيب أنهم هم الذين صنعوا العجل بأيديهم ثم اتخذوه إلها ، ولكن لا تستغرب فإن من يضلل الله له فلا هادي له والجاهليون في العرب يفعلون مثل هذا أو أشد ، يقال إنهم يصنعون من التمر إلها وإذا جاعوا ؟ وإذا جاعوا أكلوه ، ما يدعون أنه يأتيهم برزق ، يعرفون أنه لن يملك ذلك ، لكن يأكلونه ويقولون إنهم إذا نزلوا أرضا أخذوا أربعة أحجار واختاروا أحسنها أن يكون إلها والثلاثة الباقية يجعلونها أثافي للقدر ينصبون القدر عليه . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه ليس لبني إسرائيل عذر في اتخاذهم العجل إلها لأن الحجة قد قامت عليهم ، لقوله تعالى: (( وأنتم ظالمون )) . هل يستفاد من هذه الآية أنهم لو اتخذوا العجل إلها بدون ظلم لم يلاموا ؟ أو يقال إن هذا بيان لحالهم فقط ؟ يحتمل هذا وهذا ، يحتمل أن هذا بيان لحالهم وأنهم اتخذوه إلها من غير عذر ، ويحتمل أن يكون دليلا على أنه إذا كان الإنسان معذورا فإنه لا يؤاخذ ، ويدل لهذا قوله تعالى: (( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث فيهم منها رسولا يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مهلك القرى إلا وأهلها ظالمون )) وعلى هذا فيكون في الآية دليل على أن من عمل عملا سيئا الشرك فما دونه وهو معذور فإنه لا عقوبة له ، ثم إن كان منتسبا إلى الإسلام حكم له بظاهره لأنه مسلم وإن كان منتسبا إلى دين آخر ولم يبلغه دين الإسلام فيعامل في الدنيا حسب دينه الذي هو عليه وعمله في الآخرة إلى الله عزوجل، فصار هذا هو التفصيل في مسألة العذر بالجهل، إذا كان يتسمى بالإسلام ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتوا الزكاة ويحج ويعتمر ويقول إنه مسلم لكن فيه شيء من الشرك بغير علم ، عاش في هذا البلد التي فيها هذا الشرك ولا علم أن هذا شرك ، فهذا يعامل معاملة المسلمين على ظاهر حاله ، وكذلك أيضا في الآخرة لا يؤاخذه الله لأنه معذور ، وأما من كان معذورا لكنه لا ينتسب إلى الإسلام على دين معين فهذا يعامل في الدنيا معاملة الكافرين يعني أهل دين . وفي الآخرة يقال أمره إلى الله عز وجل .
فوائد قوله تعالى : << ثم عفونا عنكم ................>>
ومن فوائد الآية الثانية: بيان تفضل الله تعالى على بني إسرائيل أنهم فعلوا بعد ما فعلوا هذا الشرك المبني على ضلال في الدين والسفه في العقل عفا الله عنهم (( ثم عفونا عنهم )) . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى يعفو عن الذنوب جميعا بدون استثناء ، لكن بعد التوبة ، كما قال الله تعالى: (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )) . لكن لو قال قائل: ليس في الآية الكريمة ما يدل على أنهم تابوا ؟ فيقال: دل في آية أخرى على أنهم تابوا إلى الله عزوجل وأنابوا إلى الله وأنه أخذتهم ذلة وأمروا أن يقتل بعضهم بعضا، فلما علم الله منهم صدق الرجوع إليه وأنهم امتثلوا حتى القتل عفا الله عنهم . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من أنعم الله عليه نعمة دينية وجب عليه شكرها في النعمة الدنيوية، لقوله: (( ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون )) وأيهما أعظم منة ؟ الدينية لاشك ، أنها أعظم منة ، فإذا من الله عليك بنعمة دينية فاعتبرها من أكبر النعم وقم بشكرها، وشكر النعم الدينية من جنسها ، فمثلا من من الله عليه بعلم فإن من شكر نعمة الله عليه أن يعلم وينشر العلم ، وكذلك من من الله عليه بمال فإنه من شكر نعمة الله عليه في المال أن يتصدق منه وينفع الفقراء ويصل الرحم ويبر الوالدين . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات العلل لأفعال الله ، من أين تؤخذ ؟ من قوله: (( لعلكم تشكرون )) ولاشك عندنا في هذا أن جميع أفعال الله وأحكام الله كلها مبنية على العلل والمصالح ، لكن منها ما يعلم ومنها ما لا يعلم ، وأما من قال إن أفعال الله تعالى وأحكامه ليست مبنية على حكمة ولا تعلل بعلة فلاشك أنه ضال في دينه سفيه في عقله .
تفسير قوله تعالى : << وإذ ءاتينا موسى الكتاب و الفرقان لعلكم تهتدون >> من سورة البقرة
ثم قال الله عز وجل مبينا نعمة أخرى من أكبر النعم: (( وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان ))(( آتينا موسى )) أي أعطيناه، وآتينا بالمد تنصب مفعولين بخلاف أتينا فإنها لا تنصب إلا مفعولا واحدا لأن آتى بالمد بمعنى أعطى وأتى بمعنى جاء ، يقول: (( آتينا موسى الكتاب )) أعطيناه ، وأل في الكتاب للعهد ، أي العهود ؟ الذهني يعني الكتاب المعروف عندكم وهو التوراة ، وسمي كتابا لأنه مكتوب فقد كتب الله التوراة بيده جل وعلا . (( والفرقان )) الواو حرف عطف و(( الفرقان )) معطوف على (( الكتاب )) وهل هو غيره أو هو ولكنه من باب الصفة على الموصوف ؟ الجواب الثاني ، الفرقان هو نفس الكتاب فإن التوراة فرقان فرق الله بها بين الحق والباطل وبين الحق والجور وبين أولياء الله وأعداء وإلى آخر ما يكون به التمييز والفرق، فعلى هذا يكون عطفها من باب عطف الصفة على الموصوف، أرأيت قول الله تعالى: (( سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى )) والذي قدر فهدى هو الله عزوجل لكن هذا من باب عطف الصفة على الصفة . يقول جل وعلا: (( لعلكم تهتدون )) لعل هذه للتعليل كما سبق، و(( تهتدون )) أي تسلكون مسلك الهداية ، والمراد بالهداية هنا التي ذكرها الله عزوجل هداية الإرشاد وهداية التوفيق ، وذلك لأن ما أوتي موسى علم فمن اهتدى به فقد علم ، وكذلك علم يثمر عملا لمن يدخله ، فيفسر الهداية هنا بأيش ؟ بهداية العلم وهداية التوفيق العلمية والعملية .
فوائد قوله تعالى : << وإذ ءاتينا موسى ...............>>
في الآية الكريمة فوائد ، أولا: أن موسى نبي ، بل رسول ، لأن الله آتاه كتاب وكل من آتاه كتاب فهو رسول كما قال الله تعالى: (( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان )) . ومنها: الثناء على التوراة ، حيث سماها الله تعالى فرقانا . ومنها: الحكمة في إيتاء الكتاب والفرقان لموسى وهو الهداية . ومنها: أن العلم سبب للهداية لأجل التعليل في قوله: (( لعلكم تهتدون )) لكن هل السبب لابد أن يكون مسببه يؤمن أو قد يوجد مانع ؟ قد يوجد مانع ، وعلى هذا فلا يورد علينا أن يقول قائل: إننا نجد العلماء من لم يهدي ؟ نقول لوجود مانع وإلا فالأصل أن العلم سبب للهداية وأن الهداية تقع بالعلم ، لكن قد يكون هناك عوارض . توجب أن لا ينتفع الإنسان بما أعطاه الله تعالى من العلم كما هو معروف .
يا شيخ أشكلت علي آية في سورة الأحزاب وهي قوله تعالى " ولو دخلت عليهم من أقطرها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا " فلماذا لا يكون "لأتوها ؟
السائل : أشكلت علي قراءة في قوله تعالى: (( ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا )) لماذا لا تكون (( لأتوها )) ؟ الشيخ : نعم أظن فيها قراءتان: (( لأتوها )) و(( لآتوها )) ، السائل : ما تغير المعنى يا شيخ ؟ الشيخ : ما فيه شك إنه تغير لكن كل واحد له وجه والقراءتان تفيد معنيين ، أو تفيدان معنيين (( ولو دخلت عليهم من أقطارها )) نعم فيها قراءتان (( لأتوها )) و(( لآتوها )) أما (( لأتوها )) واضحة (( ثم سئلوا الفتنة )) يعني دعاهم أحد إلى الفتنة لأجابوا ، أو (( لآتوها )) لأجابوا وأعطوها فتنة أخرى ، ما هي أعطوا الفتنة التي دعوا إليها ، ويكون في الآية فائدتان ، أوله استجابتهم للفتنة ، والثاني زيادتهم إياه .
سؤال عن هارون أخي موسى عليهما السلام في عدم إنكار على بنى إسرائيل لما اتخذوا العجل ؟ غير واضح
السائل : عن هارون عليه السلام في عدم إنكاره على بني إسرائيل لما اتخذوا العجل إلها ؟ الشيخ : الرد عليهم سهل ، أما الآية الأولى فإن هارون خاف من ذلك لكن ما يقال إنه يقع، من قال إنه يقع لو دعاهم ؟ لكن هم في الواقع أبوا عليه وقالوا (( لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى )) فعلم أنهم مستكبرون، وأما (( إذا هم فريق يختصمون )) هذا ما فيه دليل على أن الإنسان لا يدعوا بل فيه دليل على أن هؤلاء القوم الذين أرسل إليهم صالح أنهم افترقوا كما افترق الناس في دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام ، منهم من آمن ومنهم من كفر .
السائل : عن أسباب محق بركة العلم ؟ الشيخ : نعم، أن يكون في قلبه إرادة سيئة مثل أن يريد بعلمه غير الله عزوجل ، فهذا ربما يحرم بركة العلم وهذا من الشر ما يكون ، والشيء الثاني معاصي ، المعاصي يجر بعضها بعضا ...