تتمة تفسير الآية : << أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار ......................>>
إن من هنا زائدة لقول الله تعالى : (( وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ ))[الإنسان:21] ، فمن زائدة لكن هذا القول ضعيف ، لأن من لا تزاد في الإثبات كما قال ابن مالك رحمه الله في الألفية : " وزيد في نفي وشبهه فجر نكرة كما لباغ من مطر " وإذا بطل هذا القول فإن من إما أن تكون للبيان لأن أساور من أي شيء ؟ من فضة ، من حديد ، من ذهب ، من زبرجد ، ما ندري فتكون من إيش ؟ بيانية ، وإما أن تكون من أساور ، أنا غلطت ، من بيانية في من الأخرى ، (( يحلون فيها من أساور )) إما أن تكون للتبعيض ، يحلون فيها بعض أساور ، لأن الأساور الكثيرة العظيمة توزع عليهم فتكون من للتبعيض يعني بعض أساور أي يحلى كل واحد منهم شيئاً من هذه الأساور وحينئذ لا يكون فيه إشكال ، (( من ذهب )) هذه من بيانية ، (( من )) بيان لأساور أنها من ذهب ، ولكن لا تحسبوا أن الذهب الذي في الجنة كالذهب الذي في الدنيا يختلف اختلافاً عظيماً لقوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي : ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) ولو كان كذهب الدنيا لكانت العين رأته من ذهب ، (( وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُندُسٍ )) السندس ما رق من الديباج والحرير (( يلبسون ثياباً خضراً )) وخصها بالخضر لأن اللون الأخضر أشد ما يكون راحة للعين ففيه جمال وفيه راحة للعين لناظره وقوله : (( وَإِسْتَبْرَقٍ )) هذا ما غلظ من الديباج فالسندس الديباج الرقيقة والإستبرق الديباج الغليظة (( مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ ))(( متكئين )) هذا حال من قوله تبارك وتعالى : (( أولئك لهم جنات عدن )) يعني حال كونهم متكئين فيها ، الاتكاء يدل على راحة النفس وعلى الطمأنينة ، (( على الأرائك )) جمع أريكة والأريكة نوع من المرتفق الذي يرتفق فيه وقيل : إن الأريكة هي الخيمة الصغيرة المغطاة بالثياب الجميلة تشبه ما يسمونه بالكوخ ، يعني أن كل واحد منهم يكون متكئاً على هذا ، فهي إذاً عبارة عن حجر الصغيرة وفيها أسرة يتكئون فيها ، (( نِعْمَ الثَّوَابُ )) هذه إنشاء للمدح مدح هذه الجنة وما فيها من نعيم (( وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا )) ففيها الثناء على هذه الجنة بأمرين بأنها نعم الثواب وأنها حسنت مرتفقا . قال الله تعالى : (( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ))[الفرقان:24]
قال الله تعالى : << و اضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب و حففناهما بنخل و جعلنا بينهما زرعا >>
ثم قال الله عز وجل : (( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ ))(( اضرب )) بمعنى اجعل وصير (( لهم )) أي للكفار من قريش وغيرهم (( مثلاً )) مفعول اضرب وبين هذا المثل بقوله : (( رجلين )) وعلى هذا فيكون (( رجلين )) عطف بيان ، وتفسير للمثل (( جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا )) أي لأحد الرجلين (( جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا )) أغلب ما في الجنتين العنب ، وأطراف الجنتين النخيل ، وما بينهما زرع ففيها الفاكهة والغذاء من الحب وثمر النخيل .
قال الله تعالى : << كلتا الجنتين ءاتت أكلها و لم تظلم منه شيئا و فجرنا خلالهما نهرا >>
يقول عز وجل : (( كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا )) ولم يقل : أتتا أكلها لأنه يجوز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى في كلتا ، وقد اجتمعا ذلك أي مراعاة اللفظ والمعنى في قول الشاعر : " كلاهما حين جد الجري بينهما قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي " يشير إلى فرسين يتسابقا فيقول : " كلاهما " أي كلا الفرسين " حين جد الجري بينهما " يعني المسابقة " قد أقلعا " وقفا " وكلا أنفيهما رابي " يعني منتفخ لأنه مع شدة الجري تنتفه مناخر الفرسين الشاهد " كلاهما حين جد الجري بينهما قد أقلعا " ولم يقل : قد أقلع ، " وكلاهم أنفيهما رابي " ولم يقل : رابيان ، ففي البيت مراعاة المعنى ومراعاة اللفظ، وهنا (( آتت أكلها )) مراعاة اللفظ (( آتت أكلها )) يعني ثمرها (( وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا )) أي لم تنقص (( وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا )) كان خلال الجنتين نهر لو تصورت المشهد لتصورت مشهداً عظيماً جنتين فيهما كل مكونات الغذاء أعناب وإيش ؟ ونخيل وزرع ثم بينهما هذا النهر المطرد
قال الله تعالى : << و كان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك ملا و أعز نفرا >>
(( وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ))(( كان )) يعني أحد الرجلين (( له ثمر )) كأن له ثمراً زائداً على ما تثمره هاتان الجنتان (( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ )) في الكلام يتجاذبان الكلام (( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا )) افتخر عليه بشيئين : أولاً : كثرة المال . وثانياً : عز العشيرة والقبيلة ولهذا قال : (( أعز نفراً )) فافتخر عليه بالغنى والحسب نعم . (( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا )) يقول ذلك افتخاراً ولا تحدثاً بنعم الله ؟ يقوله افتخاراً بدليل العقوبة التي حصلت عليه والله أعلم . وأيضاً لتناسب رؤوس الآيات
قوله : (( يحلون فيها من أساور من ذهب )) نعم الأساور جمع سوار أو أسورة ، و أسورة جمع سوار ، نعم ، وما هو ا لسوار ؟ الطالب : ..... الشيخ : لا ، يعني معناه أنه ما يلبس الأسورة في الجنة إلا النساء ؟ الطالب : ما يلبسه الشخص في يده ، نعم . الشيخ : ما يتحلى به في يده ، طيب . في الواقع أن الله ذكر لهم أساور من ذهب وفضة ولؤلؤ يعني أصناف ثلاثة ، وإذا اجتمعت في ذراع الإنسان فهي من أكمل ما يكون رؤية وانشراحاً . قوله تعالى : (( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا )) هذه مبتدأ درس اليوم ؟ الطالب : (( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ )) الشيخ : نعم، قول الله تعالى : (( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رجلين )) هل هذا المثل حقيقي أو تقديري ؟ بمعنى هل هذا الشيء واقع أو أنه شيء مقدر ضربه الله تعالى مثلاً ؟ أظن هذه لم نتعرض لها ، لكن الآن نتعرض لها نقول : من ا لعلماء من قال : إنه مثل تقديري كقوله تبارك وتعالى : (( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ ))[النحل:76] ، وقول الله تعالى : (( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ))[الزمر:29] ، وما أشبه هذا ، فيكون هذا مثلاً تقديرياً وليس واقعياً ولكن السياق وما فيه من المحاورة والأخذ والرد يدل على أنه مثل حقيقي واقعي رجلين أحدهما أنعم الله عليه في الدنيا والثاني لم يكن له مثله ، طيب . بماذا افتخر صاحب الجنتين ؟ الطالب : ..... الشيخ : بالمال وإيش ؟ نعم . الطالب : ..... الشيخ : يعني بالمال والعشيرة ، نعم ، طيب
قال الله تعالى : << و دخل جنته وهو ظالم لنفسه قال مآأظن أن تبيد هذه أبدا >>
قال الله تعالى : (( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ )) يعني أحد الرجلين ، (( وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ )) قوله : (( دخل جنته )) مع أنه قال : (( جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنتَينِ )) فإما أن يراد الجنس وإما أن يراد إحدى الجنتين وتكون العظمى منهما هي التي دخلها (( وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ )) الجملة حالية ، يعني والحال أنه ظالم لنفسه وبماذا ظلم نفسه ؟ ظلم نفسه بالكفر كما سيتبين (( قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا )) يعني ما أظن أن تفنى وتزول أبداً أعجب بها وبما فيها من القوة وحسن المنظر وغير ذلك حتى نسي أن الدنيا كلها تزول وأنها لا تبقى لأحد (( قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا )) انتبه يا أخي، الوافد من المدينة انتبه (( قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا )) من إعجابه بها
قال الله تعالى : << و مآ أظن الساعة قآئمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منهما منقلبا >>
ثم أضاف إلى ذلك (( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً )) والعياذ بالله فأنكر البعث ، لأن إذا كانت جنته لا تبيد فهو يقول : وأيضاً أنا لا أبيد ، ولا موت ولا بعث ، (( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً )) والمراد بالساعة ساعة البعث ، (( وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا )) ، (( لئن رددت )) يعني على فرض أن تقوم الساعة وأرد إلى الله لأجدن خيراً منها منقلباً أي مرجعاً فكأنه يقول : إن الله لما أنعم الله عليه في الدنيا فلابد أن ينعم عليه في الآخرة ، وهذا قياس فاسد لأنه لا يلزم من التنعيم في الدنيا أن ينعم الإنسان في الآخرة ولا من كون الإنسان ألا ينعم في الدنيا ألا ينعم في الآخرة لا تلازم بين هذا وهذا بل إن الكفار ينعمون في الدنيا وتعجل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ولكنهم في الآخرة يعذبون إذاً (( َلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي )) لا إشكال فيها فإن بعض الناس يقول : كيف يكون هذا وهو قد أنكر البعث ؟ والجواب أنه على سبيل الفرض ، يعني إن رددت فسأجد خيراً من ذلك ، وهذا كقوله تبارك وتعالى في سورة فصلت : (( لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى ))[فصلت:49-50] ، هذا مثل هذا فهم قاسوا أمر الآخرة على أمر الدنيا (( لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا ))
قال الله تعالى : << قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا >>
(( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ )) أي يناقشه في الكلام (( أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا )) ذكره أصله والهمزة هنا للإنكار (( أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ )) أما قوله : (( خلقك من تراب )) فلأن آدم أبو البشر خلق من تراب وأما من نطفة فلأن بني آدم خلقوا من نطفة ، يعني كأنه يقول : إن الذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً قادر على البعث الذي أنت تنكره (( ثم سواك )) يعني عدلك وصيرك رجلاً ، وهذا الاستفهام للإنكار بلا شك ، ثم هل يمكن أن نجعله للتعجب أيضاً ؟ يمكن أن يكون للإنكار والتعجب يعني كيف تكفر بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً ؟ نعم ، ويستفاد من هذا أن منكر البعث كافر ، ولا شك في هذا كما قال عز وجل : (( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ))[التغابن:7]
قال الله تعالى : << لكن هو الله ربي و لآأشرك بربي أحدا >>
(( لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا )) أصل (( لكنا )) لكن أنا ، لكن حذفت الهمزة تخفيفاً وأدغمت النون الساكنة الأولى بالنون الساكنة الثانية المفتوحة فصارت لكن ، وهل تقرأ بالألف وصلاً ووقفاً أو بالألف وقفاً فقط ؟ فيها قراءتان : فمنهم من قال : تقرأها بالألف لكناا هو الله ربي ووصلاً ووقفاً ، ومنهم من قال : فإذا وقفت وقلت : لكناا تقف إذا وقفت فبالألف وإن أدرجت فبدون ألف فتقول : (( لكن هو الله ربي )) فهما قراءتان (( هو الله ربي ))(( هو الله ربي )) مثل قوله تعالى : (( هو الله أحد )) وعلى هذا فتكون هو ضمير الشأن يعني الشأن أن الله تعالى ربي ولا أشرك بربي أحداً ، وهذا كقول ابن آدم لأخيه قابيل (( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ))[المائدة:27] ، يعني أنت كفرت ولكني أنا أعتز بإيماني وأؤمن بالله عز وجل
قال الله تعالى : << و لولآإذ دخلت جنتك قلت ما شآء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا >>
(( وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ )) يعني هلا (( إذ دخلت جنتك )) أي حين دخولك إياها ، (( قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ )) حتى تجعل الأمر مفوضاً إلى من ؟ إلى الله عز وجل ، وقوله : (( ما شاء الله )) فيها وجهان : الوجه الأول : أن ما اسم موصول خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا ما شاء الله . والثاني : أن ما شرطية و(( شاء الله )) فعل الشرط وجوابه محذوف والتقدير ما شاء الله كان (( لا قوة إلا بالله )) يعني تفويض القوة إلى الله عز وجل فهو الذي له القوة المطلقة ، القوة جميعها ، يعني وهذه الجنة ما صارت بقوتك أنت ولا بمشيئتك أنت ولكنها بمشيئة الله وقوته ، وينبغي للإنسان إذا أعجبه شيء من مال أن يقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله حتى يفوض الأمر إلى الله عز وجل لا إلى حوله وقوته ، وقد جاء في الأثر أن ما قال ذلك في شيء يعجبه من ماله فإنه لن يرى فيه مكروهاً . قال الله عز وجل : (( إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا ))(( إن )) هذه شرطية ، وفعل الشرط (( تر )) والنون للوقاية والياء محذوفة للتخفيف والأصل ترني ، (( أنا )) ضمير فصل لا محل له من الإعراب ، (( أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي )) يعني أنت إن احتقرتني بكوني أقل منك مالا وأقل منك ولدا ولست مثلك في عزة النفر
قال الله تعالى : << فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك و يرسل عليها حسبانا من السمآء فتصبح صعيدا زلقا >>
(( فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ )) إلى آخره ، جملة (( فعسى ربي )) هي جواب الشرط ، وقوله : (( فعسى ربي )) هل هي للترجي أو للتوقع ؟ فيها احتمالان : الاحتمال الأول : أنها للترجي وأن هذا دعا أن يؤتيه الله خيراً من جنته وأن يرسل على جنته حسباناً من السماء لأنه احتقره واستذله فدعا عليه بمثل ما فعل به من الظلم ، ولا حرج على الإنسان أن يدعو على ظالمه بمثل ما ظلمه . والثاني : أنه دعا عليه من أجل أن يعرف هذا المفتخر ربه عز وجل ويدع الإعجاب بالمال وهذا من مصلحته فكأنه دعا أن يؤتيه الله ما يستأثر به عليه خيراً من جنته وأن يتلف هذه الجنة حتى يعرف هذا الذي افتخر بجنته وعزة نفره أن الأمر أمر الله عز وجل ، فكأنه دعا عليه بما يضره لمصلحة هي إيش ؟ هي أعظم ، كون الإنسان يعرف نفسه ويرجع إلى ربه خير له من أن يفخر بماله ويعتز به ، هذا إذا جعلنا عسى للترجي . ويحتمل أن تكون عسى للتوقع لا للترجي المعنى إن كنت ترى هذا فإنه يتوقع أن الله تعالى يزيل عني ما عبتني به ويزيل عنك ما تفتخر به وأي كان فالأمر وقع إما استجابة لدعائه وإما تحقيقاً لتوقعه . (( فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا )) على إيش ؟ على جنته (( حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا )) والمراد بالحسبان هنا ما يدمرها من صواعق أو عذاب آخر ، وقوله : (( من السماء )) خص السماء لأن ما جاء من الأرض قد يدافع ، لأن لو نفرض أنه جاءت أمطار وسيول جارفة يمكن أن تدافع ، نيران محرقة تسعى وتحرق أمامها يمكن أن تدافع لكن من السماء صعب ، (( فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ))(( تصبح صعيداً )) يعني لا نبات فيه (( زلقا )) يعني قد غمرت المياه حتى صارت زلقاً . (( أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا )) عكس الزلق بمعنى ألا يوجد فيها ماء ، فدعا دعوة يكون فيها زوال هذه الجنة إما بماء يغرقها حتى تصبح إيش سليم ؟ الطالب : ..... الشيخ : لا ، (( صعيداً زلقاً ))
قال الله تعالى : << أو يصبح مآؤها غورا فلن تستطيع له طلبا >>
وإما بغور لا سقيا معه لقوله : (( أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا )) وكلا الأمرين تدمير وتخريب ، الفيضانات تدمر المحصول، وغور الماء حتى لا نستطيع أن نطلبه لبعده في قاع الأرض أيضاً يدمر المحصول (( أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ))(( غوراً )) بمعنى قاع ٍ فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل ، (( فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا )) فماذا كان بعد هذا التوقع أو بعد هذا الدعاء ؟
قال الله تعالى : << وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على مآأنفق فيها و هي خاوية على عروشها و يقول ياليتني لم أشرك بربي أحدا >>
قال الله تعالى : (( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ )) أحيط بثمر من ؟ صاحب الجنتين ، فهلكت الجنتان (( فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ )) إلى آخره ، أصبح يقلب كفيه من الندم ، تعرفون الإنسان إذا ندم يقلب كفيه ، وإيش اللي حصل ؟ وإيش اللي كان ؟ نعم (( على ما أنفق فيها )) وهذا يدل على أنه أنفق فيها شيئاً كثيراً (( وهي خاوية )) نعوذ بالله (( على عروشها )) خاوية يعني هامدة (( على عروشها )) جمع عرش أو عريش وهو ما يوضع لتتمدد عليه أغصان الأعناب وغيرها ، (( وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا )) لكن بعد أن فات الأوان يتندم (( يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا )) ولكن الندم بعد فوات الأوان لا ينفع ، إنما ينفع من سمع القصة ، من سمع القصة فسوف ينتفع ، أما من وقعت عليه فلا ينفعه لأنه قد فات الأوان
قال الله تعالى : << و لم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا >>
وقال الله عز وجل : (( وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا )) الله أكبر ، الذي كان يفتخر به يقول : (( أنا أعز منك نفرا )) لم تنفعه ، لم تمنعه من عقوبة الله عز وجل ، ولم ينتصر هو بنفسه ففاته ما كان يفتخر به لأنه والعياذ بالله كفر وحاور المؤمن وعوقب بهذه العقوبة
قال الله تعالى : << هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا >>
قال الله تعالى : (( هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ))(( هُنَالِكَ الْوَلايَةُ )) فيها قراءتان : (( الوِلاية )) و (( والوَلاية )) فالوَلاية بمعنى النصرة كما قال تعالى : (( مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ )) والوِلاية بمعنى الملك والسلطة فيوم القيامة لا نصرة ولا ملك إلا لمن ؟ لله الحق سبحانه وتعالى ، وإذا كان ليس هناك انتصار ولا سلطان إلا لله فإن جميع من دونه لا يفيد صاحبه شيئاً ، (( هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ))(( هو )) الضمير يعود على الله ، (( خير ثواباً )) من غيره ، إذا أثاب على العمل فهو خير ثواباً ، لأن غير الله إن أثاب يثيب على العمل بمثله وإن زاد يزيد شيئاً يسيراً ، أما الله عز وجل فإنه يثيب العمل بعشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، كذلك هو خير عقباً جل وعلا لأن من كان عاقبته نصرة الله عز وجل وتوليه فلا شك أن هذا خير من كل ما سواه ، جميع العواقب التي تكون للإنسان على يد البشر تزول لكن العاقبة التي عند الله عز وجل لا تزول . انتهى ضرب المثل عند هذا وفيه عبر كثيرة فوائد ، لكن من شرطنا في هذا الدرس ألا نذكرها
قال الله تعالى : << واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كمآء أنزلناه من السمآء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح و كان الله على كل شيئ مقتدرا >>
وهذا مثل آخر يقول : (( وَاضْرِبْ لَهُمْ )) يعني اجعل لهم مثلاً (( مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ )) وهو المطر (( فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ )) اختلط به يعني أنه أن .... صارت مختلطة بأنواع النبات المتنوع في أزهاره وأوراقه وأشجاره كما تشاهدون في وقت الربيع كيف تكون الأرض سبحان الله كأنها وشم من أحسن الواشيات ، (( فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ )) من كل لون ، ومن كل جنس (( فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ )) أصبح يعني هذا النبات المختلط المتنوع (( أَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ )) هامد (( تذروه الرياح )) تحمله ، هذا مثل الحياة الدنيا ، الآن الدنيا تزدهر للإنسان وتزووا له وإذا بها تخمد بأي شيء ؟ بموت أو فقد الدنيا ، لابد من هذا إما أن يموت الإنسان وإما أن يفقد الدنيا ، هذا مثل مطابق تماماً ، وهذا النوع من الأمثال ضربه الله تعالى في عدة صورة من القرآن الكريم حتى لا نغتر بالدنيا ولا نتمسك بالدنيا ، والعجب أننا مغترون بها متمسكون بها مع أن أكدارها وهمومها وغمومها أكثر بكثير من صفوها وراحتها ، والشاعر الذي قال : " فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر " لا يريد كما يظهر لنا المعادلة لكن معنى أنه ما من سرور إلا ومع إساءة وما من إساءة إلا ومعها سرور ، لكن صفوها أقل بكثير من أكدارها حتى المنعمون بها ليسوا مطمئنين إليها كما قال الشاعر الآخر : " لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاتها بادكار الموت والهرم "(( وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا )) كان الله تعالى على كل شيء مقتدراً ، ما وجد قادر على إعدامه وما عدم قادر على إيجاده ، وليس بين الإيجاد والعدم إلا كلمة كن ، (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ))[يس:82]
قال الله تعالى : << المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا و خير أملا >>
ثم قال عز وجل مقارنا لما يبقى وما لا يبقى قال : (( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) المال من أي نوع سواء كان من العروض أو النقود أو الآدميين أو البهائم ، (( وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) ولا تنفع الإنسان في الآخرة إلا ما قدم منها وذكر البنين دون البنات لأنه جرت العادة أنهم لا يفتخرون إلا بالبنين ، والبنات في الجاهلية مهنات قد أهن بأعظم المهونة كما قال الله عز وجل : (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا )) أي صار وجهه مسوداً وقلبه ممتلئ غيظاً (( وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ )) يعني يختفي منهم (( مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ )) ثم يقدر في نفسه (( أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ )) بقي قسم ثالث : أن يمسكه على عز وهذا عندهم غير ممكن ليس فيه إلا أحد أمرين : إما أن يمسكه على هون وذل ، أو يدسه في التراب يئده قال الله عز وجل : (( أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ))[النحل:59] . (( زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) الإنسان يتجمل بها ، يتجمل عنده أولاد ، قدر نفسك أنك صاحب قرى يعني أنك مضياف وعندك الشباب خمسة، عشرة يستقبلون الضيوف تجد أن هذا في غاية ما يكون من السرور والراحة هذه زينة ، أليس كذلك ؟ كذلك قدر نفسك أنك تسير على فرس وحولك هؤلاء الشباب يحوطونك من اليمين والشمال ، ومن الخلف والأمام ستجد شيئاً عظيماً من الزينة ، ولكن هناك شيء خير من ذلك قال : (( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ))(( الباقيات الصالحات )) هي الأعمال الصالحة من أقوال وأفعال ومنها : سبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ومنها الصدقات ، وغير ذلك هذه هي الباقيات الصالحات (( خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا )) ولاشك أن الأمر كما قال ربنا عز وجل (( خير ثواباً )) أي أجراً ومثوبة (( وخير أملاً )) أي مؤملاً يؤمله الإنسان لأن هذه الباقيات الصالحات كما وصف الله باقيات أما الدنيا فهي إيش ؟ فانية وزائلة .
قال الله تعالى : << و يوم نسير الجبال و ترى الأرض بارزة و حشرناهم فلم نغادر منهم أحدا >>
ثم قال عز وجل : (( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ )) أذكر يوم نسير ، وعلى هذا فـ (( يوم )) ظرف عامله محذوف التقدير أذكر يوم نسير الجبال (( وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ )) إلى آخره يعني أذكر لهم للناس هذه الحال وهذا المشهد العظيم يوم نسير الجبال ، وقد بين الله عز وجل في آية أخرى أنه يسيرها فتكون سراباً وتكون كالعهن المنفوش ، وذلك أن الله تعالى يدك الأرض وتصبح الجبال كثيباً مهيلاً ثم تتطاير في الجو هذا معنى تسييرها ، ومن ذلك من الآيات الدالة على هذا قول الله تبارك وتعالى في سورة النمل : (( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ))[النمل:88] بعض الناس قال : أن هذه الآية في النمل يعني دوران الأرض ، وأنك ترى الجبال تظنها ثابتة ولكنها تسير ، وهذا غلط وقول على الله تعالى بلا علم ، لأن سياق الآية متى ؟ يوم القيامة كما قال الله تعالى : (( وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ ))[النمل:87-89] ، والآية واضحة أنها يوم القيامة وأما زعم هذا الرجل القائل بذلك بأن يوم القيامة تكون الأمور حقائق وهنا يقول : (( ترى الجبال تحسبها )) فلا حسبان في الآخرة فهذا غلط أيضاً لأنه إذا كان الله أثبت هذا فيجب أن نؤمن به ثم إن الله عز وجل يقول : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ))[الحج:1-2] ، فإذا قلنا : أن زلزلة الساعة هي قيامها فأثبت الله أن الناس يراهم الرائي ويظنهم سكارى وما هم بسكارى ، على كل حال الواجب علينا في وهذه قاعدة ينبغي لنا أن نفهمها الواجب علينا أن نجري الآيات على ظاهرها وأن نعرف السياق بأنه يعين المعنى ، فكم من جملة في سياق جمل أخرى لو كانت في غير هذا السياق لكان لها معنى ؟ ولكنها في هذا السياق يكون لها المعنى المناسب للسياق ، (( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً )) ظاهرة ، الأرض لأنها تكون قاعاً واحداً ، وهي الآن ما هي بارزة لأنها مكورها أكثرها الآن غير بارز لنا أليس كذلك ؟ ثم إن البارز لنا أيضاً كثير منهم مختفٍ في الجبال لا نراه لكن يوم القيامة لا جبال ولا كروية تمد الأرض مد الأديم كما قال الله عز وجل : (( إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ ))[الانشقاق:1-3] ، (( إِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ )) معناها الآن غير ممدودة ، الآن هي مكورة لكن يوم القيامة تمد ، سبحان الله العظيم (( وَحَشَرْنَاهُمْ )) يعني جمعناهم أي الناس جميعاً ، بل إن الوحوش تحشر كما قال الله عز وجل : (( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ))[التكوير:5] ، بل غير الوحوش أيضاً كما قال تعالى في سورة الأنعام (( ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ))[الأنعام:38] ، لما ذكر الدواب كلها قال : (( ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )) أتل الآية كلها أحسن (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )) كل شيء يحشر ولهذا يقول عز وجل هنا : (( وَحَشَرْنَاهُمْ )) يعني الناس جميعاً وفي الآيات الأخرى أنه تحشر الوحوش وأنها تحشر جميع الدواب ، (( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا )) الله أكبر ، (( نغادر )) يعني نترك ، (( منهم أحداً )) كل الناس يحشرون ، إن مات في البر حشر ، في البحر حشر ، في أي مكان ، لابد أن يحشر يوم القيامة ويجمع .
قال الله تعالى : << و عرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا >>
(( وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا ))(( عرضوا )) من العارض ؟ الله عز وجل ، ويحتمل أن الملائكة تأتي بعلم الله وتعرضهم عليه (( على ربك )) وهو الله سبحانه وتعالى ، (( صفاً )) يعني حال كونهم صفاً بمعنى صفوفاً فيحاسبهم جل وعلا ، أما المؤمن فإنه يخلو به سبحانه وتعالى وحده ويقرر بذنوبه ويقول له : عملت كذا وعملت كذا فيقر ، فيقول له أكرم الأكرمين : إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ، اللهم لك الحمد ، يغفرها الله عز وجل له يوم القيامة فلا يؤاخذه عليها وفي الدنيا يسترها ، وهذا هو الواقع ، الآن كم من ذنوبك عندك في الخفاء ؟ كثيرة ، سواء كانت عملية في الجوارح الظاهرة أو عملية من عمل القلوب تستر ، سوء الظن موجود ، الحسد موجود ، إرادة السوء بالمسلم ما هو بكل المسلمين موجود ، وهو مستور عليك ، أعمال أخرى من أعمال الجوارح موجودة ولكن الله تعالى يسترها على العبد ، إننا نؤمل إن شاء الله أن الذي سترها علينا في الدنيا أن يغفرها لنا في الآخرة ، يغفرها الله عز وجل يقول : أغفرها لك اليوم ، ثم قال : (( لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) الله أكبر ، الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات : اللام ، وقد ، والقسم المقدر يعني والله لقد جئتمونا ، (( كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) ليس معكم مال .