تتمة تفسير الآية : << و عرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا >>
(( لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) الله أكبر ، الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات : اللام ، وقد ، والقسم المقدر يعني والله لقد جئتمونا ، (( كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) ليس معكم مال ، ولا ثياب ولا غير ذلك ، بل ربما نقول : (( كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) بل ما فقد منكم يرد إليكم كما جاء في الحديث الصحيح أنهم ( يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا ) جمع أغرل وهو الذي لم يختن ، يعني سبحان الله كلفة الذكر التي أخذت في الدنيا ختاناً ترجع يوم القيامة (( كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) . (( بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا )) يعرضون على الله صفاً ويقال : (( لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) ويقال : (( بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا )) هذا إضراب إنتقالي فهم يوبخون (( لَقَدْ جِئْتُمُونَا )) فلا مفر لكم (( كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) فلا مال عندكم ولا أهل (( بَلْ زَعَمْتُمْ )) في الدنيا (( أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا )) وهذا الزعم تبين بطلانه أو صحته ؟ تبين بطلانه فهو باطل
قال الله تعالى : << ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه و يقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلآ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا >>
ثم قال عز وجل : (( وَوُضِعَ الْكِتَابُ ))(( وضع )) يعني وزع بين الناس فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله (( فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ )) تراهم أيها الإنسان المجرمين أي الكافرين (( مشفقين مما فيه )) أي خائفين لأنهم يعلمون عملهم وهذا يشبه قول الله تعالى عن اليهود الذين قالوا : (( وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً )) فتحدوا قيل لهم : إن كانت لكم الآخرة فتمنوا الموت ، قال الله عز وجل : (( وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ))[الجمعة:7] ، لأنهم يعرفون أنهم إذا ماتوا عذبوا ، ومن كان يعلم أنه ما تعذب فلا يتمنى الموت أبداً ، فهؤلاء مشفقون مما في كتابهم لأنهم يعلمون أنهم محتوي على الفضائح والسيئات العظيمة ، (( مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ )) إذا عاينوه (( يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ))(( يا ويلتنا ))(( يا )) حرف نداء أليس كذلك ؟ يا حرف نداء (( ويلتنا )) كيف تنادى الويلة والويلة هي الهلاك ؟ كيف تنادى ؟ الجواب إما أن نجعل يا للتنبيه فقط لأن النداء يتضمن الدعاء والتنبيه ، وإما أن نقول : جعلوا ويلتهم كأنها عاقل تنادى ويكون التقدير يا ويلتنا احضري لكن المعنى الأول أقرب لأنه لا يحتاج إلى تقدير ولأنه أبلغ .
المناقشة قال الله تبارك وتعالى في قصة الرجلين اللذين تحاورا : (( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ )) الجملة في قوله : (( وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ )) ؟ الطالب : حالية . الشيخ : حالية ، لماذا هو ظالم ؟ الطالب : لكونه ليس شاكراً لنعم الله عز وجل ومنكراً لله ، من الآيات التي تأتي من بعدها تفسر أنه كان منكراً للبعث . الشيخ :(( ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ )) بالكفر بالله عز وجل . الشيخ : لماذا قال : (( مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا )) ؟ ما الذي حمله ؟ الطالب : ..... الشيخ : لا ، (( مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا )) نعم . الطالب : ..... الشيخ : أي نعم ، المنظر يعني الإعجاب خلاصة ذلك أنه أعجب بها حتى قال : (( مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا )) طيب . الشيخ : بماذا كفر هل بقول : (( مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا )) أو بقوله : (( مَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً )) ؟ الطالب : ...... الشيخ : بقوله : (( مَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً )) طيب . كيف نجمع بين قوله : (( مَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً )) وقوله : (( وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا )) ؟ الطالب : بقياسه قياس فاسد وظن أن لو صار البعث يظن أنه كما أن الله أعطاه في الدنيا من نعم سيعطيه في الآخرة وهذا قياس فاسد . الشيخ : إي ، يعني على فرض أن أرد فسأجد خيراً منها منقلبا ، طيب . هل وردت آية مثلها في المعنى لكنها عامة ؟ الطالب : ..... الشيخ : إيش اللي قبلها ؟ الطالب : ..... الشيخ : نعم ، في آخر فصلت . الطالب : .... الشيخ :(( لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ))[فصلت:49-50] . الشيخ : نعم ، بارك الله فيك ، طيب . أخوه الذي كان يحاوره قال له : (( إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (( فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ )) إيش المناسبة ؟ الطالب : لأنه افتخر عليه بأنه أكثر منه مالاً وأعز نفراً فيحتمل أنه قال يعني : إن تفخر علي بذلك وأنا أقل منك مالاً وولداً فيحتمل أنه دعا عليه بأن يزيل الله ما استفخر عليه به . الشيخ : يعني كأنه يقول : أنت الآن استذللتني وزعمت أنك أعز مني نفراً فدعا عليه بأن يزيل ما استفخر به عليه ، طيب ، هذا احتمال ، واحتمال أن عسى تكون ؟ دكتور صالح . الطالب : من باب التوقع بأن ينزل الله سبحانه وتعالى عليه ما يستحق . الشيخ : نعم ، تمام لأنه ربما هذا الأمر الذي تفتخر به علي ربما تنتقل الحال فيؤتي الله هذا الرجل خيراً من جنة الثاني ويرسل عليها حسباناً من السماء . هل وقع ما توقعه هذا ؟ الطالب : نعم . الشيخ : اقرأ ما يدل على ذلك ؟ الطالب : .... الشيخ : لا ، (( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا )) تمام . في قوله الله تبارك وتعالى : (( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) الأخ (( الْمَالُ وَالْبَنُونَ )) ليش ما ذكر البنات ؟ الطالب : لأن عادة الإنسان يتفاخر بالبنين وليس بالبنات ، وفي الجاهلية كانوا يسرون بالبنين وليس بالبنات . الشيخ : نعم ، يفتخرون بالأموال والبنين . الطالب : وليس بالبنات . الشيخ : طيب ولا يفتخرون بالبنات بل بالعكس . اتل علي آية تدل على حالهم بالنسبة للبنات ؟ الطالب : (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ )) . الشيخ : نعم ، كمل ؟ ما حفظت القرآن ؟ (( وَهُوَ كَظِيمٌ )) هذا اللي بعده ؟ الطالب : (( وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ))[النحل:58-59] . الشيخ : أحسنت ، بارك الله فيك . قول الله تبارك وتعالى : (( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ )) أين العامل في (( يوم )) ؟ أسامة أين العامل في (( يوم ))(( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ )) ؟ الطالب : ويوم نسير نحن الجبال . الشيخ : لا ، أين العامل ؟ الطالب : فيه ظرف . الشيخ : إما ظرف ، كل ظرف أو جار ومجرور لابد له من عامل ، سمير ؟ الطالب : ...... الشيخ : التقدير ؟ الطالب : ...... الشيخ : أذكر يوم نسير الجبال . وما معنى قوله : (( وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً )) ؟ الطالب : خاملة . الشيخ : خاملة ؟ الطالب : بارزة يعني ظاهرة . الشيخ : آه بارزة يعني ظاهرة . الطالب : ليس فيها . الشيخ : ليس فيها جبال ولا أودية وليست كروية حتى يغيب أكثرها عن الرائي ، بل تكون ممدودة كما جاء في الحديث ( كمد الأديم ) . قوله تعالى : (( وَوُضِعَ الْكِتَابُ )) أي كتاب هو ؟ الطالب : صحائف الأعمال . الشيخ : يعني الذي كتب فيه الأعمال ، أحسنت لأن الملائكة الكرام يكتبون كل ما يعمله الإنسان قال الله عز وجل : (( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ))[ق:16-18] . (( رقيب )) حاضر ما يغيب ، وأي قول يقوله يكتب . جاء وقت الأسئلة ؟ سليم
الطالب : ..... الشيخ : صحيح ، والراجح أنه قوله تعالى : (( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ )) حقيقة ما هو تقدير هذا هو الراجح لأن هذه المحاورة مع صاحبه يدل على أنه حق شيء واقع
قلنا في قوله تعالى:"واذكر ربك"أي أمر ربك فهل هذا مثل من قال في قوله تعالى :"وجاء ربك"أي أمر ريك؟.
الطالب : في قوله تعالى : (( واذكر ربك )) قلنا في تفسيرها : واذكر أن ربِّك ، فكيف نرد يا شيخ على الذين يحرفون قول الله عز وجل : (( وَجَاءَ رَبُّكَ )) ؟ الشيخ : نحن لا نرد كل تأويل نقول : أما التأويل الذي له دليل نقبله ، والتأويل ليس له دليل نرده فإذا كما يقول : (( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا )) فهذا واضح أن المراد جاء هو بنفسه عز وجل ، وأما هذا التأويل واذكر أمر ربك ، أو (( إذا قرأت القرآن فاستعذ بالله )) يعني إذا أردت قراءته ، وما أشبه ذلك مما عليه الدليل فهذا لا ينكر لأن ما دل عليه الدليل إذا صرفنا ظاهر اللفظ إليه يكون هذا هو التفسير أفهمت ؟ نعم
الطالب : تفسير آية القرآن بما يناسب علوم العصر الحديثة ؟ الشيخ : إذا صح فلا بأس . الطالب : وإذا كان فيه رد للتفسير ؟ الشيخ : أقول : إذا صح ، لكن بعض الإخوان الذين يفسرون الآيات بما يناسب العصر يحملونها ما لا تتحمل لكن إذا صح فلا مانع مثل (( وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ )) لو قال الإنسان مثلاً : إن هذا الطائرات التي تحمل الناس الآن وربنا يأتي غيرها أيضاً ، يعني هذه دخلت في قوله تعالى : (( وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ )) قلنا : هذا صحيح ، انتهى الوقت الظاهر ، ما فيه مراقب ، من يضمن لي المراقبة ؟ لا ما هي خمسة أسئلة خمس دقائق . نستمر إن شاء الله في التفسير نسأل الله أن يفتح علينا
تتمة تفسير الآية : << و يقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلآ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا >>
قال الله تعالى : (( وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا )) كلمة (( مَالِ هَذَا الْكِتَابِ )) بين أيديكم الآن هل هي على القواعد المشهورة في عصرنا ؟ مكتوبة على القواعد المشهورة في عصرنا ؟ لا ، لأن مال و هذا وحدها ، وعلى القواعد المعروفة عندنا ما وحدها ولهذا جميعاً ، (( مَالِ هَذَا الْكِتَابِ )) يعني أي شيء لهذا الكتاب (( لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا )) يعني أثبتها عدداً كأنهم يترجلون من هذا ولكن هذا لا ينفعهم (( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ))(( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا )) هل أعمالهم التي في الدنيا ترجع يوم القيامة ؟ لا ، بل المراد (( وجدوا ما عملوا )) أي ثواب ما عملوا ، أو وجدوا حقيقة ما عملوا فلا بد من الإضمار لأن أعمالهم في الدنيا فنيت بفنائهم لكن كتبت فما عملوه يجدونه في هذا الكتاب (( حاضراً )) قال الله عز وجل : (( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) ليش ؟ لكمال عدله عز وجل لا يظلم أحداً فلا يزيد على مسيء سيئة واحدة ، ولا ينقص من محسن حسنة واحدة قال الله تعالى : (( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا ))[طه:112] . طيب هذه الآية (( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) من الصفات المنفية عن الله ، صح ؟ فيه ثبات مثبتة لله ؟ نعم أكثر الصفات المذكورة لنا هي الصفات المثبتة ، الصفات المنفية لا يتم الإيمان بها حتى تؤمن بثبوت كمال ضدها ، فما ضد الظلم ؟ العدل ، ولماذا انتفى الظلم عنه ؟ لكمال عدله ، لابد من هذا ، إذ أن النفي المجرد لا يمكن أن يكون في صفات الله ، النفي المجرد المحض لا يمكن أن يكون في صفات الله ، انتبه لهذه القاعدة " النفي المجرد أي الذي لم يتضمن كمالاً لا يمكن أن يكون في صفات الله عز وجل " بل لابد من كل نفي نفاه الله عن نفسه أن يكون متضمناً لإيش ؟ لكمال ضده لابد ، قال الشيخ وسام رحمه الله : " لأن النفي المحض عدم المحض " النفي عدم ، هذه واحدة ، " ولأن النفي إن لم يتضمن كمالاً فقد يكون لعدم قابليته " يعني النفي الموصوف به إذا لم يتضمن كمالاً فقد يكون لعدم القابلية وإذا لم يتضمن كمالاً فقد يكون للعكس ، انتبهوا لهذه القواعد ، إذا لم يتضمن كمالاً قد يكون لعدم القابلية ، كيف ذلك ؟ ألسنا نقول : إن الجدار لا يظلم ؟ بلى ، هل هذا كمال الجدار ؟ لا ، لماذا ؟ لأن الجدار لا يقبل أن يوصف بالظلم ولا أن يوصف بالعدم ، فليس نفي الظلم عن الجدار من كماله ، طيب وقد يكون نفي العيب إذا لم يتضمن كمالاً قد يكون نقصاً لعجز الموصوف به عن ضده ، لو أنك وصفت شخصاً بأنه لا يظلم لأنه رجل قاصر لا يستطيع أن يظلم غيره بل ولا أن يفك حقه من غيره هل هذا ثناء ؟ لا ، استمع إلى قول الشاعر : " قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل " يمدحهم بإيش ؟ هل يمدحهم بالوفاء وعدم الظلم أو يذمهم بذلك ؟ يذمهم ، يعني لا يغدرون بذمة لأن ما يقدرون ، ولا يظلمون الناس لأنهم لا يقدرون . فالخلاصة يا إخوانا أن كل وصْف وصَف الله به نفسه وهو نفي فإنه يجب أن نعتقد ثبوت كمال ضده ، طيب ، على هذه القاعدة (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ ))[الأحقاف:33] فنفى العي وهو العجز عن خلق السماوات والأرض ، ليش ؟ لثبوت كمال ضد العجز وهو القدرة ، إذاً نؤمن الآن بأن الله سبحانه وتعالى له قدرة لا يلحقها عجز (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ))[ق:38] ، أي من تعب وإعياء وذلك لكمال قدرته جل وعلا وهذه قاعدة تفيدك في باب العقيدة " أن كل شيء نفاه الله عن نفسه فإنما ذلك لثبوت كمال ضده " نفي الظلم لأنه عدل ، نفي العجز لأنه قادر ، طيب نفي الغفلة لأنه رقيب على كل شيء (( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) طيب (( لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) قلنا : لكمال عدله ، لكن الجهمية قالوا : لا يظلم لعدم تصور الظلم ما هو لأنه قادر لأن يظلم ولكنه لا يظلم ، لا ، لعدم تصور الظلم ، كيف ذلك ؟ قالوا : لأن الخلق كله خلق لله ، ملك لله ، وإذا كان ملكاً لله فإنه لو عذب محسناً فقد عذب إيش ؟ ملكه ما في ظلم ، هو يفعل في ملكه ما شاء ، ولكن قولهم هذا باطل لأن الله عز وجل إذا كان قد وعد المحسنين الثواب والمسيئين العقاب ثم أحسن المحسن وعذبه وأساء المسيء وأثابه أقل ما يقال فيه أنه عز وجل وحاشاه سبحانه وتعالى أنه أخلف وعده ، هذا أقل ما فيه ، وهو لاشك أن هذا منافي للعدل وللصدق ، فنقول لهم : إن الله عز وجل قال في الحديث القدسي : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ) حرمته على نفسي وهذا يدل على أنه قادر عليه لكن حرمه على نفسه لكمال عدله جل وعلا ، طيب إذاً نحن نقول : لا يظلم الله أحداً ليش ؟ لكمال عدله ، لا لأن الظلم ممتنع كما قالت الجهمية وإلى هذا يقول ابن القيم في النونية : " والظلم عندهم المحال لذاته " الظلم ما يمكن الظلم لأنه ملكه فنقول : هذا خطأ ، وهذا يستلزم تكذيب الله عز وجل ، طيب (( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ))
قال الله تعالى : << و إذ قلنا للملآئكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلآ إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه و ذريته أوليآء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا >>
ثم قال الله عز وجل : (( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ )) إذ هذه تأتي في القرآن كثيراً ، والمعربون يقولون : إنها إيش ؟ إن عاملها محذوف والتقدير أذكر ، (( إِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ))(( الملائكة )) هم عالم غيبي خلقهم الله من نور ، وقد أعلمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن الله خلقهم من نور وأعلمهم الله تعالى في القرآن أنه خلق الجن من نار ، وأنه خلق البشر من طين ، فالمخلوقات التي نعلمها الملائكة من نور ، والجن من نار ، والإنسان من طين ، فالملائكة إذاً عالم غيبي يجب أن نؤمن بهم أو لا ؟ يجب وأحد أركان الإيمان ، والملائكة على خلاف الشياطين كما يتبين من الآية ، وهم أقدر من الشياطين ، وأطهر من الشياطين ولهم من النفوذ ما ليس للشياطين ، الشياطين لا يمكن أن يلجوا إلى السماء ، أليس كذلك ؟ بل من حاول أتبع بالشهاب المحرق ، والملائكة في السماء يصعدون بأرواح بني آدم إلى أن تصل إلى الله عز وجل وهم أيضاً قد ملئوا السماوات فيجب علينا أن نؤمن بالملائكة إيماناً لا شك فيه وأنه عالم غيبي ، لكن قد يكون من العالم المحسوس بقدرة الله عز وجل كما كان جبريل عليه السلام رآه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين له ستمائة جناح ، سبحان الله قد سد الأفق ، وهو واحد ، واحد له ستمائة جناح سد الأفق ، وهذا دليل على عظمة خلقته ، وعظمة خلقة جبريل دليلاً على عظمة من ؟ الخالق جل وعلا ، أحياناً يأتي جبريل اللي هذا وصفه وهذه خلقته على صورة إنسان ، أليس كذلك ؟ يأتي على صورة إنسان ، لكن ليس تقلبه هكذا بقدرته هو ولكن بقدرة خالقه جل وعلا ، لكن الله أعطاهم قدرة على التكيف والتقلب بإرادة الله سبحانه وتعالى ، فالملائكة إذاً عالم غيبي في الأصل ، وقد يكونون من عالم الشهادة لكن لا دائماً بل أحياناً ، والله أعلم
ما رأيكم في تفسير الجلالين وما هو أفضل التفسير في رأيكم؟.
نقول : ما رأيكم في تفسير الجلالين وما هو أفضل التفاسير في رأيكم ؟ تفسير الجلالين جيد لكنه لا يصح إلا لطالب العلم لأنه في الحقيقة تفسيره كأنه رموز لكنه مملوء علماً ، وأيضاً فيه أشياء تخالف مذهب أهل السنة والجماعة في باب الصفات فلا يصح لطالب العلم المبتدئ لأنه أرفع مستوى منه لكن عليك بتفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي لأنه سهل ميسر كل يفهمه حتى العوام يفهمونه وفيه من الفوائد النوادر التي لا تجدها في غيره . بسم الله الرحمن والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
كيف دعا أحد الرجلين على صاحبه أن يرسل على جنته حسباناً من السماء ؟ كيف صار له أن يدعو الله عز وجل بأن يرسل على جنة صاحبه حسباناً من السماء ؟ الطالب : لأنه ظلمه بالتكبر عليه . الشيخ : لأنه ظلمه بتكبره عليه . وهل يجوز للإنسان أن يدعو على ظالمه ؟ الطالب : يؤخذ من هذا أنه يجوز . الشيخ : سؤال ، يجوز أن يدعو على ظالمه بمثل ظلمه إياه ، طيب . هل أجيبت الدعوة ؟ الطالب : نعم . الشيخ : ماذا صارت نهايته في جنته ؟ الطالب : (( فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ))[الكهف:40-41] . الشيخ : طيب ، إذاً إيش اللي حصل ؟ هذا كله دعاء . الطالب : صار الماء غوراً ، ...... الشيخ : أليس الله قال : (( وأحيط بثمره )) ؟ هذا محل الشاهد (( أحيط بثمره )) . يا أسامه هل أظهر هذا الندم على ما حصل ؟ الطالب : أظهر الندم . الشيخ : كيف ؟ الطالب : ..... الشيخ :(( يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا )) ينظر إليها بحسرة وتحزن ، طيب . يقول الله عز وجل مبيناً حال الدنيا دكتور صالح كيف ؟ الطالب : (( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ))[الكهف:45] . الشيخ : صورة المسألة ؟ الطالب : اختلاط النبات . الشيخ : أن الله . الطالب : أن الله تعالى أنزل الماء فنبت في الأرض فأصبحت كالربيع اختلط النبات بعضه ببعض وظهرت ثم بعد ذلك أصبح هشيماً هامداً وهكذا الحياة الدنيا فإنها تزدهر لصاحبها ولكنه إما أن يتركها بالموت وإما أن تنفرد وترحل . الشيخ : حال كونها كذا تكون إما أن يفارقها صاحبها وإما أن تفارقه ولابد . قوله : (( وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا )) هل هي بمعنى قديراً أو أبلغ ؟ الطالب : ..... الشيخ : نعم بمعنى قديراً ، إذاً لماذا لم يقل : وكان الله على كل شيء قديراً كما جاء في آية أخرى ؟ الطالب : يعني أعم . الشيخ : مقتدراً أبلغ ، نعم . الطالب : ..... الشيخ : وحتى القدرة لأن صيغة البناء تدل على المبالغة فيها ، وأنه أبلغ من وكان الله على كل شيء قديراً . ذكر الله عز وجل : (( الْمَالُ وَالْبَنُونَ )) لماذا لم يذكر البنات ؟ الطالب : لأنه جرت عادة العرب بأنهم يفتخرون بالبنين دون البنات . الشيخ : نعم ، لماذا لم يذكر القصور والمراكب ؟ الطالب : لأنها داخلة في المال . الشيخ : جيد . ما هو القول الجامع في معنى ( الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ )) ؟ الطالب : ..... الشيخ : المعنى الجامع ، لا . الطالب : هي كل ما يتعلق بذكر الله من التسبيح والتكبير والصدقة . الشيخ : يعني كل الأعمال الصالحة ، يدخل في ذلك التسبيح والتكبير والتهليل ، والصلاة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وطلب العلم وغير ذلك ، كلها داخلة في هذا
تتمة تفسير الآية : << و إذ قلنا للملآئكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلآ إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه و ذريته أوليآء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا >>
أظن وقفنا على (( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ))(( إذ )) مفعول لفعل محذوف ، التقدير أذكر إذ قلنا للملائكة ، يعني أذكر هذا للأمة حتى تعتبر به ويتبين به فضيلة بني آدم عند الله عز وجل (( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ )) الملائكة جمع ملك ، بعد التصريف المعروف عند أهل الصرف وهم كما فسرنا بالأمس عالم غيبي خلقهم الله تعالى من نور ، (( اسْجُدُوا لِآدَمَ )) قال بعضهم سجود تحية وليس سجوداً على الجبهة ولكن في هذا القول نظراً لأنهم إنما فروا من كونه سجوداً على الجبهة أن السجود لا يصح إلا لله عز وجل وأنه شرك إذا وقع لغير الله ، ولكن الذي يجب علينا أن نأخذ الكلام على ظاهره ونقول : الأصل أنه سجود على الجبهة ، وإذا كان امتثالاً لأمر الله لم يكن شركاً كما أن قتل النفس بغير حق من كبائر الذنوب وإذا وقع امتثالاً لأمر الله كان طاعة من الطاعات ، إن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أن يذبح ابنه هو بنفسه باشر الذبح ولا يخفى من في هذا من العدوان ، ولا يخفى من في هذا من قطيعة الرحم لكن لما كان هذا امتثالاً لأمر الله عز وجل صار طاعة ، إذاً السجود لآدم لولا أمر الله لكان شركاً لكن إذا أمر الله به فالأمر كله لله عز وجل فالصواب أن الآية على ظاهرها وأن المراد السجود على الجبهة لكن لما كان بأمر الله كان طاعة لله وآدم هو أبو البشر خلقه الله عز وجل من طين وخلقه بيده ، قال أهل العلم : "لن يذكر الله شيئاً بيده إلا آدم وجنة عدن فإنه خلقها بيده وكتب التوراة بيده جل وعلا " فهذه ثلاثة أشياء كلها كانت بيد الله ، غير آدم يخلق بالكلمة كن فيكون ، آدم عليه الصلاة والسلام خلقه الله تعالى بيده ، وآدم نبي وليس برسول لأن أول رسول أرسل إلى البشرية هو نوح أرسله الله عز وجل لما اختلف الناس (( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ))[البقرة:213] ، أي المعنى كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، فكان أول رسول نوح عليه الصلاة والسلام وليس آدم ، آدم نبي مكلم ، فإذا قال قائل : كيف يكون نبياً ولا يكون رسولاً ؟ نقول : نعم ، يكون نبياً ولا يكون رسولاً لأنه لم يكن هناك داعياً إلى الرسالة ، الناس كانوا على ملة واحدة والبشر لم ينتشروا بعد كثيراً ولم يفتتنوا بالدنيا كثيراً ، نفر قليل فكانوا يستنون بأبيهم ويعملون عمله ، ولما انتشرت الأمة وكثرت واختلفوا أرسل الله رسلاً ، (( اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا )) امتثالاً لأمر الله (( إِلَّا إِبْلِيسَ )) لم يسجد ، وإبليس هو الشيطان ، ولم يسجد بين الله ذلك بقوله : (( كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ )) وجملة (( كان من الجن )) استئنافية لبيان حال إبليس أنه كان من الجن أي من هذا الصنف وإلا فهو أبوهم لكنه من هذا الصنف (( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ )) أي خرج عن طاعة الله تعالى بأمره ، وأصل الفسوق الخروج ، ومنه قولهم : فسقت الثمرة إذا انفرجت وانفتحت (( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ )) إلى آخره ، إذا قال قائل : ظاهر القرآن أن إبليس كان من الملائكة ، فالجواب لا ليس ظاهر القرآن لأنه قال : (( إلا إبليس )) ثم ذكر أنه كان من الجن ، نعم القرآن يدل على أن الأمر توجه إلى إبليس كما هو قد توجه إلى الملائكة ولكن لماذا ؟ قال العلماء : إنه كان أي إبليس يأتي إلى الملائكة ويجتمع إليهم فوجه الخطاب إلى هذا المجتمع من الملائكة الذين خلقوا من نور ومن الشيطان الذي خلق من النار ، رجع الملائكة إلى أصلهم والشيطان إلى أصله وهو الاستكبار والإباء والمجادلة بالباطل لأنه أبى واستكبر وجادل ماذا قال لله ؟ قال : (( أنا خير منه )) كيف تأمرني أن أسجد لواحد أنا خير منه ثم علل بعلة هي عليه قال : (( خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ))[الأعراف:12] ، فالمخلوق من الطين أحسن من المخلوق من النار ، المخلوق من النار ، النار محرقة ، ملتهبة ، فيها علامة الطيش تجد اللهب ، فيها تروح يمين وشمال ما لها قاعدة مستقرة ، المهم ابن القيم رحمه الله في كتاب " إغاثة اللهفان " ذكر فروق كثيرة بين الطين وبين النار ، فهو ليس خيراً من آدم لكونه خلق من النار ، ثم على فرض أنه خلق من نار وكان خيراً من آدم أليس الأجدر به أن يمتثل أمر خالقه ؟ بلى لكنه لم يفعل واستكبر ، قال الله عز وجل لما بين حال هذا الشيطان : (( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ))(( أفتتخذون )) الخطاب يعود لمن اتخذ إبليس وذريته أولياء من دون الله ، فعبدوا الشيطان وتركوا عبادة الرحمن قال الله تعالى : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ))[يس:60-61] . فيقول هنا : (( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ )) قوله : (( وذريته )) أي من ولدوا منه ، سئل بعض السلف سأله أناس من المتعمقين وقالوا : ألشيطان زوجة ؟ هل للشيطان زوجة ؟ قال : إني لم أحضر العقد ، جواب صحيح ولا لا ؟ قال : إني لم أحضر العقد ، السؤال هل له زوجة ؟ ما له داعي نحن نؤمن بأن له ذرية أما من زوجة أو من غير زوجة ما ندري ، أليس الله تعالى خلق حواء من آدم ؟ فيجوز أن الله عز وجل خلق ذريته منه كما خلق حواء من آدم ، وهذه المسائل مسائل الغيب لا ينبغي للإنسان أن يرد علينا شيئاً يرد على مسائل الشاهد ، لأن هذه أمور فوق مستوانا ، نحن نؤمن بأن له ذرية ولكن هل يلزمنا بأن نؤمن بأن له زوجة ؟ لا يلزمنا ، نعم . (( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي )) أي تتولونهم وتأخذون بأمرهم من دون الله عز وجل ، (( وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ )) هذا محط الإنكار ، يعني كيف تتخذ هؤلاء أولياء وهم أعداء ؟ وهذا من السفه ونقص العقل ، ونقص التصرف أن يتخذ الإنسان عدوه ولياً . قال الله تعالى : (( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا )) أي بئس هذا البدل بدل لهم ، وما هو البدل الخير ؟ أن يتخذوا الله ولياً لا الشيطان (( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا )) وقوله : (( للظالمين )) يمكن أن نقول : إنما بمعنى الكافرين لأنهم هم الذين اتخذوا الشيطان وذريته أولياء على وجه الإطلاق ، ويمكن أن نقول : الظالمين تعم الكافرين ومن كان ظلمهم دون الكفر . ثم قال الله عز وجل : (( مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ))[الكهف:51] ، يعني هؤلاء لا يستحقون أن يتخذوا أولياء لأنه ليس لهم حظ في الكون والتدبير ، فالله عز وجل ما أشهدهم خلق السماوات والأرض لأن السماوات والأرض مخلوقة قبل الشياطين (( ولا خلق أنفسهم )) يعني بعضهم من بعض ، يعني ما أشهدت بعضهم خلق بعض ، فكيف تتخذونهم أولياء وهم لا شاركوا في الخلق ولا خلقوا شيئاً بل ولا شاهدوا خلق السماوات والأرض ؟