قال الله تعالى : << مآأشهدتهم خلق السماوات والأرض و لا خلق أنفسهم و ما كنت متخذ المضلين عضدا >>
ثم قال الله عز وجل : (( مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ))[الكهف:51] ، يعني هؤلاء لا يستحقون أن يتخذوا أولياء لأنه ليس لهم حظ في الكون والتدبير ، فالله عز وجل ما أشهدهم خلق السماوات والأرض لأن السماوات والأرض مخلوقة قبل الشياطين (( ولا خلق أنفسهم )) يعني بعضهم من بعض ، يعني ما أشهدت بعضهم خلق بعض ، فكيف تتخذونهم أولياء وهم لا شاركوا في الخلق ولا خلقوا شيئاً بل ولا شاهدوا خلق السماوات والأرض ، ولا خلق أنفسهم ، وفي هذه الجملة دليل على أن كل من تكلم في شيء من أمر السماوات والأرض بدون دليل شرعي أو دليل حسي فإنه لا يقبل قوله ، مثلاً لو قال : السماوات تكونت من كذا والأرض تكونت من كذا وبعضهم يقول : الأرض قطعة من الشمس وما أشبه ذلك من كلام الذي لا نعلم صحته ، فإنا نقول له : إن الله ما أشهدك خلق السماوات والأرض ولن نقبل منك أي شيء من هذا إلا إذا وجدنا دليلاً حسياً لا مناص لنا به فحينئذ نؤمن به لأن القرآن لا يعارض الأشياء المحسوسة . (( وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا )) الضمير (( كنت )) يعود إلى الله عز وجل (( مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا )) أي أنصاراً ينصرون دينهم ، ليش ؟ لأن المضل يصرف الناس عن الدين فكيف يتخذ الله عز وجل المضلين عضدا ؟ وهو إشارة إلى أنه لا ينبغي لك أنت أيها الإنسان أن تتخذ المضلين عضداً تنتصر بهم فإنهم لن ينفعوك بل سيضرونك ، إذاً لا تعتمد على السفهاء ولا تعتمد على أهل الأهواء المنحرفة لأنهم لا يمكن أن ينفعوك بل يضروك فإذا كان الله عز وجل لم يتخذ المضلين عضدا فنحن كذلك لا ينبغي لنا أن نتخذ المضلين عضدا لأنهم ما فيهم خير وفي هذا النهي عن بطانة السوء ، انتبه ، النهي عن بطانة السوء وعن مرافقة أهل السوء ، وأن يحذر الإنسان من جلساء السوء (( مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ))
قال الله تعالى : << و يوم يقول نادوا شركآءي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم و جعلنا بينهم موبقا >>
(( وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ )) يعني أذكر يوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم ، فينادونهم ولا يستجيبون لهم ، وهذا متى ؟ هذا يكون يوم القيامة يقال لهم : أين شركائكم الذين كنتم تزعمون ؟ (( نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ )) لأنه في ذلك اليوم يقول الله عز وجل : ( لمن الملك اليوم ؟ ) فيجيب نفسه ( لله الواحد القهار ) فهذه الأصنام لا تنفع أهلها بل إنها تلقى هي وعابدوها في النار قال الله عز وجل : (( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ))[الأنبياء:98] ، يقول الله عز وجل (( فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا )) الموبق مكان الهلاك يعني جعلنا بينهم شيئاً لا يمكن أن يذهبوا إلى شركائهم ولا أن يأتوا شركائهم إليهم بل هو مهلكة وهو عبارة عن تيئيس هؤلاء من أن ينتفعوا بشركائهم يوم القيامة (( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا )) أرأيت إن كان بينك وبين صاحبك أو من تنتصر به لو كان بينك وبينه خندقاً من نار هل يمكن أن تذهب إليه لتنصره أو يأتي إليك لينصرك ؟ لا يمكن ، هؤلاء يجعل الله بينهم يوم القيامة موبقاً
قال الله تعالى : << و رءا المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها و لم يجدوا عنها مصرفا >>
(( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ )) المجرمون يعني الكافرين كما قال عز وجل : (( إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ))[السجدة:22] ، (( فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا )) ظنوا بمعنى أيقنوا أنهم مواقعوها والظن يأتي بمعنى اليقين كما في قوله تعالى : (( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ))[البقرة:46] ، (( يظنون )) يعني يوقنون أنهم ملاقوا الله ، وإلا فالظن الذي هو ترجيح أحد الأمرين المشكوك فيهما لا يدخل في الإيمان لكنهم يظنون أي يوقنون ، هنا رأوها وأيقنوا أنهم مواقعوها (( وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا )) نسأل الله العافية يعني لم يجدوا مكاناً ينصرفون عنها إليهم ، وهذا ليس داخلاً في الظن لأنه لو كان داخلاً في الظن لقالوا : ولن ، لكن هذا ابتداء يعني أنهم لما رأوها وظنوا أنهم مواقعوها لم يجدوا عنها مصرفاً أي مكاناً ينصرفون إليه لينجوا به منها
قال الله تعالى : << و لقد صرفنا في هذا القرءان للناس من كل مثل و كان الإنسان أكثر شيئ جدلا >>
(( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ))(( صرفنا )) يعني نوعنا ، تصريف الشيء يعني تنويعه كما في قوله تعالى : (( تصريف الرياح )) أي تنويعها من جنوب إلى شمال ، وشرق وغرب ، (( صرفنا )) يعني نوعنا في هذا القرآن من كل مثل ، وهكذا الواقع فكلام الله صدق أمثاله في القرآن تجدها متنوعة تارة لإثبات البعث ، وتارة لإثبات وحدانية الله ، وتارة لبيان حال الدنيا ، وتارة لبيان حال الآخرة ، وتارة تكون مطولاً ، وتارة تكون مختصرة ، فهي أنواع ، كل نوع في مكانه من البلاغة والفصاحة وغير ذلك ، وقوله : (( من كل مثل )) أي من كل جنس وصنف فهذا مثل لكذا وهذا مثل لكذا لماذا ؟ من أجل أن يتذكر الناس ويتعظوا ، ويعقلوها ولكن يوجد من الناس من لا يتعظ بهذه المُثل بل على العكس ، ولهذا قال : (( وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا )) قوله : (( وكان الإنسان )) بعض المفسرين يقول : الإنسان يعني الكافر ولكن في هذا نظراً لأنه لا دليل على هذا بل نقول : الإنسان من حيث الإنسانية أكثر شيء جدلاً يعني أكثر ما عنده الجدل ، هذا من حيث الإنسانية لكن من حيث الإيمان المؤمن لا يكون مجادلاً بل يكون مستسلماً للحق ولا يجادل فيه ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " ما أوتي قوم الجدل إلا ضلوا " أعوذ بالله من ذلك وتدبر حال الصحابة رضي الله عنهم تجد أنهم مستسلمون غاية الاستسلام لما جاءت به الشريعة ولا يجادلوا ، ولا يقول : لم ، ولما قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( توضئوا من لحوم الإبل ولا توضئوا من لحوم الغنم ) هل قال الصحابة : لم ؟ لا ما جادلوا ، بل قالوا : سمعنا وأطعنا ، وكذلك بقية الأوامر ، لكن الإنسان من حيث هو إنسان أكثر شيء عنده هو الجدل ، لاحظ إذاً إذا مر بك مثل هذا في القرآن الكريم الإنسان لا تحمله على الكافر إلا إذا كان السياق يعين ذلك ، إذا كان السياق يعين ذلك فصار هذا عاماً أريد به الخاص ، لكن إذا لم يكن في السياق ما يعين فاجعله للعموم لكن اجعله إنساناً بوصف الإنسانية والإنسانية إذا غلب عليها الإيمان اضمحل مقتضاها (( وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا )) هذا وقع في قول الرسول عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب وفاطمة رضي الله عنهما حينما جاء إليهما ووجدهما نائمين فقال : ( ألا تقوما ؟ ) قال له علي رضي الله عنه : " يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله ولو شاء لأيقظنا " فولى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يضرب على فخذه ويقول : (( وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا )) ، ولا شك أن الرسول يعلم أن أنفسهما بيد الله والرسول عليه الصلاة والسلام قال في الفريضة : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) فعذر النائم وهو يعلم عليه الصلاة والسلام ذلك لكن يريد أن يحثهما ، وأراد علي رضي الله عنه أن يدفع اللوم عنه وعن زوجه فاطمة .
قال الله تعالى : << وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جآءهم الهدى و يستغفروا ربهم إلآ أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا >>
(( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا ))[الكهف:55] . يعني ما منع الناس عن الإيمان والاستغفار نقص في البيان ، لما ذكر أن الله ضرب للناس من كل مثل وكان الواجب على الإنسان إذا ضربت له الأمثال أن يؤمن لكن ما منعه من الإيمان نقص في البيان الأمر بين واضح ولله الحمد أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم بيضاء نقية لكن العناد ولهذا قال : (( إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ )) يعني ما ينتظرون إلا سنة الأولين ، نعم . (( أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا )) قوله : (( أن يؤمنوا ))(( ويستغفروا ربهم ))، يستغفروا ربهم يعني يطلبون مغفرته ، فالمؤمن كثير الاستغفار والكافر إذا آمن لابد أن يستغفر الله عز وجل مما وقع منه من الذنوب فإذا آمن واستغفر زال عنهم ما كان من الذنوب قال الله تعالى : (( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ))[الأنفال:38] . (( أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا )) يعني مقابلة ومعاينة، ومباشرة ، طيب وما سنة الأولين ؟ سنة الأولين هي أخذهم بالعذاب العام هذه سنة الأولين لكن لم يأخذ الله عز وجل هذه الأمة بعذاب شامل لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه ألا يأخذ أمته بسنة بعامة ، فأجاب الله دعائه
قال الله تعالى : << وما نرسل المرسلين إلا مبشرين و منذرين و يجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا ءاياتي و مآأنذروا هزوا >>
ثم قال الله عز وجل : (( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي )) إلى آخره ، هذه وظيفة الرسل (( مَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ )) من أولهم وهو نوح إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم إلا بهذين الغرضين (( مبشرين ومنذرين )) يعني ولن نرسلهم من أجل أن يجبروا الناس على الإيمان أو يهدوا الناس هم مبشر ومنذر ، مبشر من ؟ مبشر المؤمنين كما جاء في أول السورة ، ومنذر الكافرين (( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ))[الكهف:4] ، (( إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ )) طيب مبشرين منصوبة ، ومنذرين منصوبة على إيش ؟ على الحال من المرسلين ، يعني إلا حال كونهم مبشرين ومنذرين ، (( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ )) المجادلة المخاصمة وسميت المخاصمة مجادلة لأن كل واحد يجدل حجته للآخر وتعرفون الجدل هو فتل الحبل حتى يشتد ويقوى هذا أصل المجادلة إذاً يجادل يعني يخاصم (( الذين كفروا بالباطل )) والمخاصمة بالباطل باطلة مثال ذلك يقولون : (( أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا ))[التغابن:6] ، البشر يهدوننا ، يقولون : (( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً ))[المؤمنون:24] ، يقول : إذا كان المشركون وما يعبدون من دون الله حصب جهنم فعيسى من حصب جهنم وما أشبه ذلك من المجادلة ، يجادلون فيقولون : (( من يحيي العظام وهي رميم )) وأنواع المجادلة كثيرة . في مجادلة عيسى قال الله تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى )) ومنهم عيسى عليه الصلاة السلام (( أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ))[الأنبياء:101] . ويستفاد من الآية أن كل إنسان يجادل من أجل أن يدحض الحق فإن له نصيباً من هذه الآية يعني فيه نصيب من الكفر والعياذ بالله ، لأن الكافرين هم الذين يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق ، فإذا قال قائل : الشبهات الذي نريدها من الناس كيف يقال إنها باطل وهي شبهة ؟ قلنا : ينظر للغرض ما غرضهم بها ؟ أن يدحضوا الحق ، فمثلاً في الذين ينكرون استواء الله على العرش يقولون : لو استوى على العرش لكان جسم ، ما قصدهم بهذا ؟ إنكار حقيقة الاستواء ، نقول : إذا هؤلاء جادلوا بباطل من أجل إدحاض الحق ، وأما مسألة أن الله جسم أو غير جسم فهذا شيء آخر ، لكن هم أتوا بهذه الكلمة لأجل إيش ؟ أدحاض الحق ، ونحن لا ننكر عليهم مسألة أنه جسم أو غير جسم ، ننكر أنهم أنكروا حقيقة الاستواء أما الجسم أو غير الجسم فهذا له بحث آخر ، وهو أنه لا ننكر اللفظ ولا نثبت اللفظ أما المعنى فنقول : إن الله تعالى قائم بذاته موصوف بصفاته يفعل ما يشاء يستوي على عرشه ، ينزل إلى السماء الدنيا ، يأتي للفصل بين عباده ، يعجب ، ويفرح ، ويضحك ، وقل ما شئت ، لكن مسألة اللفظ هذا ما نقره إثباتاً ولا نفياً ، المهم أنكم كلما رأيتم شخصاً يريد أن يبطل الحق فله نصيب من هذه الآية . قال تعالى : (( وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا )) اتخذوها أي صيروها ، (( آياتي )) يعني القرآن ، (( وما أنذروا )) أي ما أنذروا به من العذاب اتخذوها هزواً مثلاً استهزأ الكفار لما أخبر الله عز وجل عن شجرة الزقوم (( إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ))[الصافات:64] في قعره ، فهم يضحكون كيف تكون شجرة وتخرج في أصل الجحيم وهي أبعد ما يكون عن النار ؟ النار حارة جافة والشجرة رطبة وباردة كيف يكون هذا ؟ فجعلوا يستهزئون ويقولون : هذا من هذيان محمد عليه الصلاة والسلام ، فاتخذوا آيات الله واتخذوا ما أنذروا به هزواً ، والله عز وجل قال : (( فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ))[الواقعة:53-55] ، أعوذ بالله ، يملئون بطونهم من هذا الزقوم ملأً تاماً ثم تحترق من العطش وماذا يسقون ؟ يسقون ماء حاراً ، (( فشاربون عليه )) أي على ما في بطونهم من الحميم ، ومع ذلك شرباً ليس عادياً بالنسبة للبشر ولكنه شرب الإبل الهيم الهائمة العاطشة هذه الشجرة التي يستهزئون بها هي التي يملئون منها بطونهم في نار جهنم ، المهم (( اتخذوا آياتي )) يعني القرآن (( وما أنذروا )) أي ما أنذروا به من الوعيد سواء جاء الإنذار في القرآن أو في السنة اتخذوه هزواً أي أضحوكة ولعباً وسخرية
قال الله تعالى : << ومن أظلم من ذكر بئايات ربه فأعرض عنهم و نسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه و في ءاذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا >>
قال الله عز وجل : (( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ))(( من أظلم )) مرت علينا أولاً في أول السورة وهذه فكيف نجمع بنيهما (( من أظلم ))(( من أظلم )) لأن (( من أظلم )) معناها لا أحد أظلم ، وهذا قد يفيد التناقض أول السورة ماذا قال الله عز وجل ؟ (( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )) وهنا يقول : (( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا )) تناقض ، أحسن ما قيل في هذا : أن كل معنى فهو بالنسبة لما كان يماثل يعني من أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها من الذين يذكرون فيعرضون ، قد يذكر الإنسان بشيء ويعرض لكن أشد ما يكون أن يذكر بإيش ؟ بآية الله ثم يعرض ، هذا أشد شيء ، في افتراء الكذب ، قد يفتري الإنسان الكذب على فلان وفلان لكن أظلم ما يكون افتراءً عليه هو الله عز وجل ، وأنت إذا أخذت بهذه القاعدة سلمت من إشكالات كثيرة أما القول : بأن أظلم وأظلم يشترك المعنيان بالأظلمية فهذا فيه نظرية وإن كان قد قيل به ، لأنه لا يمكن أن نقول : (( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا )) إنه يساوي من افترى على الله كذباً ، (( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا )) طيب (( بآيات ربه )) الكونية ولا الشرعية ؟ نعم الكونية والشرعية ، الكونية أن يقال له : إن كسوف الشمس والقمر يخوف الله بهما عباده فيعرض عن هذا ويقول : أبداً خسوف القمر طبيعي وكسوف الشمس طبيعي ولا إنذار نذر ، هذا إعراض ، أما الآيات الشرعية فكثير يذكر بآيات الله ولكنه يعرض (( وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ )) يعني نسي ما قدمت يداه من الكفر والمعاصي والاستكبار وغير ذلك مما يمنعه عن قبول الحق لأن الإنسان والعياذ بالله كلما أوغل في المعاصي ازداد بعداً عن الإقبال عن الحق كما قال الله عز وجل : (( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ))[الصف:5] ، ولذلك يجب أن تعلم أن من أشد عقوبات الذنوب أن يعاقب الإنسان بمرض القلب والعياذ بالله ، الإنسان إذا عوقب بهلاك حبيب أو فقد محبوب من المال هذه عقوبة بلا شك لكن إذا عوقب بانسلاخ القلب نسأل الله العافية هذه أشد ما يكون من عقوبة ، يقول ابن القيم رحمه الله : " والله ما خوف الذنوب فإنها لعلى طريق العفو والغفران وإنما أخشى انسلاخ القلب من تحكيم هذا الوحي والقرآن " هذا الذي يخشاه الإنسان العاقل أما المصائب الأخرى فهي كفارات وما ضاع يأتي بدله . يقول الله عز وجل : (( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ))(( إنا جعلنا )) أي صيرنا (( على قلوبهم )) قلوب من ؟ من ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ، وأعيد الضمير على مفرد باعتبار المعنى ، (( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً )) يعني أغطية والعياذ بالله (( أَنْ يَفْقَهُوهُ ))
الشيخ : مناقشة لما سبق قول الله تبارك وتعالى : (( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ )) لماذا أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم ؟ الطالب : ..... الشيخ : نعم ، إكراماً لآدم وبنيه ، طيب . لو قال قائل : السجود لغير الله شرك فما الجواب ؟ الطالب : الصحيح يا شيخ .... في القرآن اتباع أمر الله ، واتباع أمر الله فهو طاعة ، كذكر الله حين يدخل في الخلاء ، وحبس الكلام وذكر الله حين الخلاء يكون طاعة ولا يكون معصية .... الشيخ : إيش لون ؟ صارت الدنيا هذه مش . الطالب : ..... الشيخ : أقول : كيف يسجد الملائكة لآدم والسجود لغير الله شرك ؟ الطالب : صحيح يا شيخ . الشيخ : صحيح ؟ إذاً الملائكة مشركون ؟ الطالب : فيه امتثال لأمر الله يا شيخ ، والامتثال لأمر الله طاعة ولا يكون شرك . الشيخ : يعني إذاً لما أمر الله به لم يكن شركاً والذي جعله شركاً هو الله عز وجل ، الذي جعل السجود لغير الله شركاً هو الله ، فإذا أمر به صار طاعة ، طيب . لو قال قائل : إن هذا سجود تحية وليس وضع الجبهة على الأرض ، ماذا نقول له ؟ الطالب : هذا أمر الله به . الشيخ : نقول قولك هذا : خلاف ظاهر القرآن ولا يمكن أن نصرف الكلام على ظاهره إلا بدليل ، واضح ؟ طيب . لو قال قائل : هل إبليس من الملائكة ؟ الطالب : ليس منهم . الشيخ : كيف صح استثنائه منهم (( إلا إبليس )) ؟ الطالب : ..... الشيخ : وهذا الاستثناء يسمى عند النحويين استثناء منقطعاً ، طيب جيد . الاستفهام في قوله : (( أفتتخذونه )) سامح ؟ الطالب : ..... الشيخ : للإنكار ، طيب . الفائدة من قوله : (( وهم لكم عدو )) ؟ الطالب : ..... الشيخ : نعم ، الإغراء والحث على معاداة إبليس ، يعني كيف تفعلون وتتخذونه ولياً وهو عدو ، طيب ، جيد . هل يستفاد من هذا أن الإنسان إذا أراد أن يحذر شخصاً من شيء فليبين له أضراره ؟ كمال . الطالب : نعم يا شيخ يستفاد منه . الشيخ : نعم يستفاد منه هذا ، وكذلك إذا كان يأمره بالشيء ينبغي له أن يذكر فوائده ومنافعه حتى يحمل النفس على الترك في المنهيات وعلى الفعل في المأمورات . ما علاقة قوله : (( مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ )) بما قبلها ؟ الطالب : ...... الشيخ : بيان عدم استحقاقهم أن يكونوا أولياء ، لأنهم ليس لهم حق من الربوبية كذا ؟ طيب . هل يستفاد من هذه الجملة أن من تحدث عن خلق السماوات والأرض أو عن خلق الإنسان وما أودع الله فيه من القوة فإننا لا نقبل قوله إلا بدليل ؟ الطالب : نعم . الشيخ : نعم ، إلا بدليل حسي نقتنع به . فما هي وظيفة الرسل يا فراس ؟ الطالب : البلاغ ، والبشارة والنذارة . الشيخ : هل عليهم السيطرة ؟ الطالب : لا ليس عليهم سيطرة . الشيخ : هل عليهم هداية الخلق ؟ الطالب : لا . الشيخ : نعم وهو كذلك . سليم ، العلماء هل وظيفتهم الدعوة والتبشير والإنذار أو أن يوفقوا الناس للهداية ؟ الطالب : العلماء يا شيخ تبع الرسل . الشيخ : جوابك صحيح ، فإذا كان الرسل ليس عليهم هداية الخلق فالعلماء كذلك ، الحمد لله . نقرأ ، يقول الله عز وجل : (( إنا جعلنا على قلوبهم أكنة )) . الطالب : الأسئلة يا شيخ . الشيخ : أسئلة ما شاء الله بصوت واحد
هل في قوله تعالى :"لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها"رد على من يقول أن تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر لم يرد فيه دليل؟.
الطالب : (( لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا )) هل يؤخذ منها الرد على من قال : إن تسمية المعاصي صغائر لم يرد في القرآن ؟ الشيخ : إن إيش ؟ الطالب : بعضهم يقول : إن تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر لم يرد في النصوص ، فالوارد تسمية بعض المعاصي كبائر فقط أم الصغائر لم يرد ، هل يؤخذ من الآية الرد عليهم ؟ الشيخ : هؤلاء الذين قالوا بذلك عندهم نقص في العقل ، العقل ما هو ضد الجنون ؟ (( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ ))[النساء:31] ، هل هناك كبائر ما يقابلها صغائر ؟ الجواب لا ، (( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ))[النجم:32] ، واضحة ، هذا نظير من قال : إننا نقول : إن الإيمان يزيد ولا نقول : ينقص ، كيف يزيد ؟ هل يتصور زيادة بلا نقص ؟ ما يتصور ، أما هذا الذي ذكر فهذا يدل على أن صغائر الكفار لا تمحى بخلاف المؤمن فإنه إذا اجتنب الكبائر محيت صغائره بذلك . نعم يا سليم
الطالب : هل القول بأن الله سبحانه وتعالى خلق آدم بيده ، وسجود الملائكة له يا شيخ احترام له وتقدير ، وطاعة الملائكة لله سبحانه وتعالى أكثر من طاعة كثير من البشر إيش ... بينهم ؟ ... الملائكة أفضل ، ... إذاً آدم خلقه الله بيده وأسجد له الملائكة . الشيخ : هذه مسألة يا سليم اختلف فيها العلماء هل مؤمن البشر أفضل أو الملائكة أفضل ؟ أما هل البشر على سبيل العموم أفضل أو الملائكة أفضل ؟ فلا شك أن الملائكة أفضل لأن البشر منهم المؤمن ومنهم الكافر ، والملائكة كلهم مؤمنون ، لكن هل مؤمن البشر أفضل من الملائكة ؟ هذا مسألة خاض الناس فيها وعندي أنها من فضول العلم ، وأنها تستحق أن يقال فيها : (( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهراً )) شيخ الإسلام رحمه الله يقول : " أما في النهاية فالبشر أفضل وأما في البداية فالملائكة أفضل ، لأن الملائكة ما بدر منهم معصية لله عز وجل والملائكة خلقوا من النور والبشر وجدت منهم المعاصي وخلقوا من التراب " لكن أنا أقول : ما له داعي ، وأما قوله عليه الصلاة والسلام : ( إن الله تعالى قال : من ذكرني في الملأ ذكرته في ملأ خير منهم ) فلا يدل على التفضيل المطلق للملائكة على البشر بل خير منهم من هؤلاء فقط بخصوصهم
هل معنى قوله تعالى في قصة يوسف : " ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا "هو سجود على جباههم؟.
الطالب : قال الله تعالى : (( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ))[يوسف:100] ، ليست الآية أن الله أمرهم كما في هذه الآية ؟ الشيخ : أحسنت ، يقول : قصة يوسف عليه الصلاة والسلام إنه (( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا )) وهذا ظاهر أنهم سجدوا على الجباه ، فالجواب أن هذا كان في شريعة من سبق ، أو يقال : إنهم مع الدهشة أرادوا الانحناء ولكن سقطوا على الأرض ، أو يقال إن هذ الرؤيا أريها يوسف من قبل على أنه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رآهم ساجدين فجعل من هذا إفتاء بصدودهم له ، كما جعل إبراهيم عليه السلام رؤياه إفتاء بذبح ابنه ، انتهت الخمسة
تتمة تفسير الآية : << ... إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه و في ءاذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا >>
قال الله تبارك وتعالى: (( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ))(( إنا جعلنا )) أي صيرنا (( على قلوبهم )) أي قلوب من إذا ذكر بآيات الله أعرض عنها ، وحينئذ يكون المريض عاد إلى اللفظ أو المعنى ، عاد إلى المعنى لأن من سواء كانت اسماً موصولاً أو كانت اسماً شرطياً يجوز في عود الضمير إليها أن يعود على لفظها فيكون مفرداً وأن يعود إلى معناها فيكون مجموعاً أو مثنى حسب السياق ، أفهمتهم ؟ فإذا قلت : يعجبني من قام ، فهنا راعينا ، أين الإفهام يا جماعة ؟ يعجبني من قام راعينا ؟ طيب . إذا قلت : يعجبني من قام ، المعنى ، إذا قلت : يعجبني من قاموا ، المعنى ، يعجبن من قمن ، المعنى ، وقد يراعى المعنى مرة واللفظ مرة أخرى ويعادل المعنى يعني معناه قد تعود الضمائر مراعاة للأمرين في سياق واحد . قال الله عز وجل : (( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا ))[التغابن:9] راعى اللفظ، يعني إذا أفرد فهو بمعنى اللفظ (( يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ))[التغابن:9] ، اللفظ الأول معنى ؟ (( يدخله )) اللفظ (( يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ))(( خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا )) المعنى، (( قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا )) اللفظ ، شوف السياق واحد فروعي اللفظ أولاً ثم المعنى ثانياً ثم اللفظ ثالثاً ، طيب . يقول الله عز وجل : (( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ )) أغطية ، (( أن يفقهوه )) أي يفقهوا القرآن فلا يفهمونه ، وفي هذا الحث على فقه القرآن وأنه ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن وأن يتعلم معناه كما كان الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يتجاوزن عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل (( وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا )) أعوذ بالله القلوب عليها غطاء ، والآذان فيها صمم لا تسمع فلا يسمعون الحق ولا يفقهونه (( وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا )) يقول الله عز وجل : إن تدعهم يا محمد إلى الهدى (( فلن يهتدوا إذاً )) أي ما دامت قلوبهم في أكنة وفي آذانهم وقر لن يهتدوا ، ومن أين يأتيهم الهدى ؟ الآذان لا تسمع الحق ، والقلوب لا تفقه الحق والعياذ بالله من أين يهتدوا ؟ فإذا قال قائل : هل في هذا تيئيس للرسول عليه الصلاة والسلام من أنه وإن دعا لا يقبل منه أو فيه تسلية له ؟ الثاني في هذا تسلية له ، وأنه إذا لم يقبلوا الحق هؤلاء لن يهتدوا إذاً أبداً
قال الله تعالى : << وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا >>
(( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ )) هذا أيضاً فيه تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام من وجه آخر ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يقول : لماذا لم يعاجلوا بالعقوبة ؟ كيف يكذبونني وأنا رسول الله ولم يعاقبوا ؟ فبين الله له أن الله الرب عز وجل هو الغفور أي الذي يستر الذنوب (( ذو الرحمة )) الذي يلطف بالمذنب ، ولهذا قال : (( لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ )) لأنه لو أراد الله أن يؤاخذ الناس بما كسبوا لعجل لهم العذاب وقد بين الله عز وجل هذا العذاب في آيات أخرى فقال : (( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ )) لأهلكهم في الحال (( وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ))[فاطر:45] . (( بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ))(( بل )) هذه للإبطال ، إضراب إبطالي يعني بل لن يسلموا من العذاب إذا أخر عنهم (( لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا )) أي ملجئاً ، متى هذا ؟ يوم القيامة ، ويحتمل أن يكون ما يحصل للكفار من القتل على أيدي المؤمنين كما قال عز وجل : (( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ))[التوبة:14-15] ، فنقول : (( بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا )) نقول : هذا يحتمل أن يكون المراد ما سيكون عليهم من القتل والأخذ في الدنيا أو ما سيكون عليهم يوم القيامة الذي لا مفر منه
قال الله تعالى : << و تلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا >>
(( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ))(( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ )) قد يقول قائل : فيه إشكال (( (( تِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ )) والقرى جماد ، والجماد لا يعود عليه الضمير بصيغة الجمع ، يعني ما تقول مثلاً : هذه البيوت مثلاً عمرناهم ، لا ، هذه البيوت عمرناها ، تلك القرى أهلكناها ، فلماذا قال : (( أهلكناهم )) ؟ قال هذا : لأن الذي يهلك هم أهل القرى ، وفي هذا دليل واضح على أن القرى قد يراد بها أهلها وقد يراد بها البناء المجتمع ، أفهمتم ؟ القرية الآن أو القرى تارة يراد بها أهلها وتارة يراد بها المساكن المجتمعة ، قال الله تعالى : (( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ))[القصص:59] ، المراد بالقرى هنا أهلها لأن الله قال في نفس الآية : (( إلا وأهلها ظالمون )) ، وقد يراد بها البناء المجتمع ، المجتمع يسمى قرية . يقول الله عز وجل : (( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا )) والمراد بالظلم هنا الكفر ، (( وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا )) يعني جعلنا لإهلاكهم موعداً ، والله عز وجل يفعل ما يشاء إن شاء عجل بالعقوبة وإن شاء أخر لكن إذا جاء الموعد لا يتأخر ولهذا قال نوح عليه الصلاة والسلام لقومه : (( يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ ))[نوح:4] ، إذا جاء لا يمكن أن يؤخر ولكنه أجل معين عند الله عز وجل في الوقت الذي تقتضيه حكمته
قال الله تعالى : << و إذ قال موسى لفتاه لآ أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا >>
ثم قال الله تعالى : (( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ )) إلى آخره ، (( إذ قال )) مفعول لفعل محذوف والتقدير أذكر إذ قال ، وهذه السورة سبحان الله فيها عدد من القصص ، موسى عليه الصلاة والسلام بن عمران خطب يوماً في بني إسرائيل فقام أحدهم وقال : هل على وجه الأرض أعلم منك ؟ قال : لا ، قال : لا ، بناء على إيش ؟ بناء على ظنه