تتمة تفسير الآية : << و إذ قال موسى لفتاه لآ أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا >>
هل على وجه الأرض أعلم منك ؟ قال : لا ، قال : لا ، بناء على إيش ؟ بناء على ظنه أنه لا أحد على وجه الأرض أعلم منه فعتب الله عليه في ذلك، لماذا لم يرد العلم إلى الله ؟ لأنه فوق كل ذي علم عليم ، ليس أحد عنده العلم المطلق من البشر ثم إن قوله : لا ، فيه نظر من جهة أخرى ، وهو أنه هل طاف بالأرض كلها وعرف أنه لا أحد أعلم منه ؟ لا ، ثم إنه لا أحد أعلم منه في كل شيء ؟ لا ، فقال الله عز وجل : ( إن لي عبداً هو أعلم منك ) أين هو ؟ قال : ( في مجمع البحرين ) ، وذكر له علامة إيش العلامة ؟ قال العلامة : ( أن تفقد الحوت ) فاصطحب حوتاً معه في مكتل يعني شيء مثل الزنبين وسار هو وفتاه يوشع بن نون جاء ذلك في البخاري ، وسارا إلى أين ؟ إلى مجمع البحرين لينظر من هذا الذي هو أعلم منه ؟ وليتعلم منه أيضاً ثم إنهما آوى إلى صخرة وناما وكان الحوت في المكتل فلما استيقظا مع السرعة لم يفتش في المكتل والحوت بأمر الله خرج ودخل في البحر وسيأتي إن شاء الله بقية القصة في الدرس القادم . بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأسأل الله تعالى أن يبارك لنا في هذا القرآن الكريم . عندنا مراجعة من أين ؟ الطالب : (( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ))
وَقال الله تعالى : (( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا )) ما معنى أكنة ؟ الطالب : ..... الشيخ : جمع كن ، وهي الأغطية ، طيب . هل جعل الله تعالى هذه الأكنة هل هي بسبب منهم أو بمجرد مشيئته ؟ لك . الطالب : ..... الشيخ : الدليل ؟ الطالب : ..... الشيخ : لا . الطالب : (( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ))[يونس:44]. الشيخ : لا ، دكتور صالح . الطالب : (( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ))[الصف:5]. الشيخ : نعم ، ولها نظائر (( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ))[المائدة:13]. هل في الآية ما يشير إلى أن من المهم جداً أن يفقه الإنسان القرآن الكريم دون أن يتلوه مجرد تلاوة ؟ الطالب : ..... الشيخ : نعم ، ما هو الدليل ؟ (( أكنة أن يفقهوه )) كذا ؟ من آيات السلف الصالح أنهم لا يتجاوزوه . الطالب : ..... الشيخ : والعمل ، طيب ، بارك الله فيك . في قوله : (( وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا )) أنت أي نعم . الطالب : ..... الشيخ : فيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وليس فيه تيئيساً له ، المعنى أنهم لن يهتدوا لأنه علم سبحانه وتعالى أنهم لا يهتدون فلا تحزن عليهم . قوله تعالى : (( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا )) ماذا يعني بالقرى ؟ الشيخ إبراهيم ما حضرت . الطالب : أهل القرى . الشيخ : مثل إيش ؟ ما تعرف قرية أهلكها الله ؟ الطالب : قوم نوح ، وعاد . الشيخ : نعم ، وقوم عاد ، وقوم ثمود ، وغيرهم ، طيب . هل يستفاد من الآية الكريمة أن الظلم سبب للهلاك ؟ الطالب : .... الشيخ : كيف ذلك ؟ الطالب : (( لما ظلموا )) . الشيخ : فأهلكهم الله لما ظلموا . قوله : (( وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا )) إيش معنى هذا أوصلته بالذي قبله ؟ الطالب : .... الشيخ : لئلا يقول قائل : هل يقع العذاب من حين الظلم أو يتأخر أو ما أشبه ذلك فيقال : إن الله تعالى قد جعل له موعداً . قوله : (( وإذ قال موسى لفتاه )) ما هذا الفتى هل هو ابنه ؟ من ؟ سليم . الطالب : يوشع بن نون . الشيخ : هو اسمه يوشع بن نون لكن ما هو ؟ ما صلته به ؟ يعني خادماً له ، طيب . سبب هذا القول ؟ نعم . الطالب : ..... الشيخ : نعم ، طيب
تتمة تفسير قوله تعالى : << و إذ قال موسى لفتاه لآ أبرح ..............>>
إذاً نبدأ الدرس قال الله تعالى : (( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ))[الكهف:60]، (( لا أبرح )) أي لا أزال ، والخبر محذوف والتقدير لا أزال أسير حتى أبلغ هذا أو أمضي سنين فجعل الغاية أحد أمرين : إما أن يبلغ مجمع البحرين ولو في زمن قصير أو يبقى أزمنة طويلة إما ثمانون سنة أو أكثر حتى يصل إلى هذا الرجل الذي أخبره الله عز وجل . وما مجمع البحرين ؟ قيل : إنه مكان والله أعلم به ، لكن موسى يعلم ، وقيل : إنه ملتقى البحر الأحمر مع البحر الأبيض ، وكان فيما سبق بينهما أرض حتى فتحت القناة وهذا ليس ببعيد أنه قيل له : إن عبداً من عبادنا في مجمع البحرين وذهب إلى هذا . (( أو أمضي حقبا )) أو هنا للتنويع ، يعني إما كذا وإما كذا ، وقيل : أو بمعنى إلا ، أي حتى أبلغ مجمع البحرين إلا أن أمضي حقباً أي سنين طويلة قبل مبلغه ، لكن الوجه الأول أسد . (( أو أمضي حقبا )) فماذا صنع ؟ تهيأ لذلك وسار
قال الله تعالى : << فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا >>
(( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا ))(( فلما بلغا )) يعني موسى وفتاه (( مجمع بينهما )) هذا المكان أي بين البحرين (( نسيا حوتهما ))(( نسيا )) أضاف الفعل إليهما مع أن الناسي هو الفتى وليس موسى لكن القوم إذا كانوا في شأن واحد وفي عمل واحد نسب فعل الجميع أو فعل الواحد منهم أو الطائفة منهم إلى الجميع ، ولهذا يخاطب الله عز وجل بني إسرائيل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول : (( وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ ))[البقرة:50]، (( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ))[البقرة:55]، مع أنهم ما قالوا هذا لكن قاله أجدادهم ، (( نسيا حوتهما )) نسيان ذهول أو نسيان ترك ؟ نسيان ذهول ، وليس نسيان ترك وهذا من حكمة الله عز وجل أن الله أنساهما ذلك لحكمة (( نسيا حوتهما )) وهذا الحوت جعله الله سبحانه وتعالى علامة لموسى أنك متى فقدت الحوت فثم مجمع البحرين ، وهذا الحوت سبق لنا في الدرس الماضي أنه كان في مكتل ، وكان يقتاتان منه ، لما وصلا إلى مكان ما ناما فيه عند صخرة فلما استيقظا وإذا الحوت ليس موجوداً لكنه أي الفتى لم يتفقد المكتل ونسي شأنه وأمره ، فهذا الحوت سبحان الله خرج من المكتل ودخل في البحر وجعل يسير في البحر والبحر ينحاز عنه (( فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا )) أي مثل السرب ، السرب السرداب أي أنه يشق الماء ولا يتلاءم معه، وصفه بعض التابعين قال : هكذا ، يعني حجز وهذا من آية الله ، وإلا فقد جرت العادة أن الحوت إذا انغمس في البحر إيش يعمل البحر ؟ يتلاءم عليه ، لكن هذا الحوت من آية الله أولاً : إذا كان قد ذبح أو قد مات وأنهما يقتاتان منه كونه حيي وقام ودخل البحر وصار طريقه على هذا الوجه هذا من آيات الله عز وجل، (( فاتخذ سبيله )) اتخذ الضمير يعود على إيش ؟ على الحوت ، (( سبيله )) طريقه (( في البحر سرباً )) يعني مثل السرب ، السرب هو ما نسميه نحن بالسرداب يعني الشق الطويل .
قال الله تعالى : << فلما جاوزا قال لفتاه ءاتنا غدآءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا >>
(( فَلَمَّا جَاوَزَا )) الفاعل موسى وفتاه (( جاوزا )) يعني تعدا ذلك المكان (( قَالَ )) موسى (( لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا )) وهذا لاشك أنه في الصباح ، لأن الغداء هو الطعام الذي يؤكل في الغداة (( لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا )) أي تعباً ، قوله : (( من سفرنا هذا )) ليس المراد من سفرهم من حين ابتدأ السفر ولكن من حين فارقا الصخرة ولذلك قال : طلب الغداء ، من حين فارق الصخرة تعب وطلب الغداء ، قال أهل العلم : " وهذا من آيات الله عز وجل فقد سارا قبل ذلك مسافة طويلة ولم يتعبا ولما جاوزا المكان تعبا سريعا من أجل ألا يتماديا في البعد عن المكان "(( فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ))
قال الله تعالى : << قال أرأيت إذ أوينآ إلى الصخرة فإني نسيت الحوت و مآأنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا >>
(( قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ ))(( أرأيت )) يعني تنبه أو كأو بمعناها ، (( إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ )) أي رجعنا إليها واتخذناها مأوى لأنهما ناما ، (( فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ )) ما معنى نسيت ؟ يعني نسيت أن نتفقده وأسعى في شأنه وإلا فالحوت كان في المكتل لكن نسي هل هو باقي أو لم يبقى ؟ (( وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ )) قوله : (( أن أذكره )) هذه بدل من الهاء في (( أنسانيه )) يعني ما أنساني ذكره إلا الشيطان ، (( وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ))(( سبيلاً )) يعني طريقاً ، (( عجباً )) أي محل عجب وهو محل عجب ماء سيال يمر به هذا الحوت ويكون طريقه سرباً ، فكان هذا الطريق للحوت سرباً ولموسى وفتاه عجباً ولنا أيضاً عجباً لأن الماء عادة يتلاءم على ما يمر به لكن هذا الحوت بإذن الله لم يتلاءم (( وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ))
قال الله تعالى : << قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على ءاثارهما قصصا >>
(( قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ )) يقول موسى عليه الصلاة والسلام : (( ذلك ما كنا نبغ )) أي ما كنا نطلب لأن الله أخبره بأنه إذا فقد الحوت فذاك محل اتفاقه مع من ؟ مع الخضر ، (( قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا )) يعني رجع ، رجع يعني أخذ مسافة تعب فيها (( فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا )) يعني يقصان أثارهما لئلا يضيع عنهما المحل الذي كانا أويا إليه ، (( عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا )) أي يقصان الأثر
قال الله تعالى : << فوجدا عبدا من عبادنآ ءاتيناه رحمة من عندنا و علمناه من لدنا علما >>
(( فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا )) وهو الخضر كما صح عن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (( عبداً من عبادنا )) هل هو من العباد الصالحين ؟ أو من الأولياء الذين لهم كرامات ؟ أو من الأنبياء ؟ أو من الرسل ؟ كل ذلك ممكن ، لكن النصوص تدل على أنه ليس برسول ولا نبي إنما هو عبد صالح أعطاه الله تعالى كرامات ليتبين بذلك أن موسى لا يحيط بكل شيء علماً وأنه يفوته من العلم شيء كثير (( آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ))(( آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا )) هي أنه تعالى جعله من أوليائه (( وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا )) يعني علماً لا يطلع عليه الناس علم خاص بالله عز وجل وهو علم الغيب في هذه القصة المعينة ، وليس علم النبوة ولكنه علم خاص لأن هذا العلم الذي اطلع عليه الخضر لا يمكن إدراكه أليس كذلك ؟ لا يمكن إدراكه ، ليس شيئاً مبنياً على المحسوس فيبنى المستقبل على الحاضر شيء غائب ، (( وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا )) أي معلومات لا يطلع عليها البشر
قال الله تعالى : << قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا >>
يقول الله عز وجل : (( قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا )) تأمل هذا الأدب من موسى عليه الصلاة والسلام ، مع أن موسى أفضل منه (( وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ))[الأحزاب:69]، ومع ذلك يتلطف بهذا بأنه سوف يأخذ منه علماً لا يعلمه موسى ، ففي هذا دليل على أنه ينبغي لطالب العلم أن يتلطف مع شيخه ومع أستاذه وأن يعامله بالإكرام ، (( هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى )) فهو قال : (( هل أتبعك )) وهذا عرض ، عرض رقيق ، وأيضاً بين له أنه لا يريد أن يتبعه ليأكل من أكله ويشرب من شربه لا (( أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا )) الخضر لاشك أن سيفرح ممن يأخذ منه العلم وكل إنسان أعطاه الله علماً فينبغي أن يفرح أن يؤخذ منه هذا العلم لأن العلم الذي يؤخذ من الإنسان في حياته ينتفع به بعد وفاته كما جاء في الحديث الصحيح ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له )
فقال له : (( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ))(( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا )) وبين له عذره في أنه لا يستطيع
قال الله تعالى :<< و كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا >>
فقال : (( وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا )) وأين الدليل للخضر أن موسى لم يحط بذلك خبراً ؟ لأنه قال : (( على أن تعلمنِ )) وهذا يدل على أنه لا علم له فيما عند الخضر فقال : (( وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا
قال الله تعالى : << قال ستجدني إن شآء الله صابرا و لآ أعصي لك أمرا >>
قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا )) وهذا الذي قاله موسى عليه السلام قاله فيما في نفسه في تلك الساعة أنه سيصبر لكنه علقه بمشيئة الله لئلا يكون ذلك اعتزازاً بنفسه وإعجاباً بها (( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ )) وهذا كقول إسماعيل بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما قال له أبوه : (( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ )) قال : (( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ )) موسى عليه الصلاة والسلام قال للخضر : (( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا )) وأيضاً أصبر على ما تفعل وأمتثل ما به تأمر ، (( وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا )) فوعده بشيئين : الصبر على ما يفعل ، والثاني : الائتمار بما يأمر والانتهاء عما ينهى (( وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا )) .
قال الله تعالى : << قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيئ حتى أحدث لك منه ذكرا >>
(( قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا )) يعني حتى أذكر لك السبب (( إن اتبعتني )) ومعلوم أنه سيتبعه (( فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ )) كل ما فعلت لا تسألني عنه (( حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ))(( حتى )) هنا للغاية يعني إلى أن أحدث لك منه ذكرا ، وهذا توجيه من معلم لمن يتعلم منه ألا يتعجل في الرد على معلمه بل ينتظر حتى يحدث له من ذلك ذكرا ، وهذا لاشك من آداب المتعلم ألا يتعجل بالرد حتى يتبين الأمر (( حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ))
قال الله تعالى : << فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا >>
(( فَانطَلَقَا )) انطلقا الفاعل من ؟ موسى والخضر ، وسكت عن الفتى فهل الفتى تأخر أو إنه ركب لكن لما كان تابعاً لم يكن له ذكر ؟ الذي يظهر والله أعلم أنه كان تابعاً لكن لما لم يكن تعلق بالمسألة والأصل هو موسى طوي ذكره وهو أيضاً تابع ، (( فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا )) يعني هما يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فركبا فيها لما ركبا في السفينة قام الخضر فخرقها ، خرقها بالمخراق ؟ لا لكنه قلع إحدى خشبها الذي يدخل منه الماء فقال له موسى : (( أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا )) وهذا إنكار ، إنكار ممن ؟ من موسى على الخضر مع أنه قال له : (( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا )) ولكنه لم يصبر لأن هذه مشكلتها عظيمة سفينة في البحر يخرقها فتغرق واللام في قوله : (( لتغرق )) ليست للتعليل ولكنها للعاقبة يعني أنك إذا خرقتها غرق وإلا لاشك أن موسى عليه الصلاة والسلام لا يدي ما غرض الخضر ، ولاشك أيضاً أنه يدري أنه لا يريد أن يغرق أهلها ، لأنه لو أراد أن يغرق أهلها لكان أول من يغرق هو وموسى ، لكن اللام هنا للعاقبة ، ولام العاقبة ترد في غير موضع حتى في القرآن مثل قول الله تعالى : (( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ))[القصص:8]، لو سألنا أي إنسان هل آل فرعون التقطوا موسى ليكون عدواً لهم وحزنا ؟ أبداً لكن هي الغاية (( لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا )) أي عظيماً ، لأن موسى عليه الصلاة والسلام كان شديداً قوياً في ذات الله فهو أنكر عليه وبين أن فعله ستكون عاقبته الإغراق ، وزاده توبيخاً في قوله : (( لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا )) والجملة هنا مؤكدة بكم مؤكد يا إخواني ؟ ثلاث مؤكدات : اللام ، وقد ، والقسم المقدر الذي تدل عليه اللام ، وهنا عظيماً ، ومنه قول أبو سفيان لهرقل لما حدثه عن الرسول صلى الله عليه وسلم وبين له حاله وصفاته ومكارم أخلاقه وانصرف مع قومه قال : ( لقد أمِر أمر ابن أبي كبشة إنه ليخافه ملك بني الأصفر ) يعني ابن أبي كبشة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأمِر أمره يعني عظم ، (( لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا )) .
قال الله تعالى : << قال لا تؤاخذني بما نسيت و لا ترهقني من أمري عسرا >>
اعتذر موسى (( قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ))(( قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ )) وسبب نسيان موسى أن الأمر عظيم اندهش له أن تخرق السفينة وهو على ظهرها والخضر على ظهرها وأهلها معهم هذه توجب أن الإنسان ينسى ما سبق من شدة وقع ذلك في نفسه فاعتذر (( قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ )) أي بنسياني ، ولهذا نقول في إعراب ما : مصدرية أي بنسياني ذلك وهو قولك : (( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا )) ، (( وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا )) يعني لا تثقل علي وتعسر علي الأمور وكأن هذا والله أعلم توطئة لما يأتي بعد
قال الله تعالى : << فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا >>
(( فَانطَلَقَا )) انطلقا منين ؟ من السفينة بعد أن أرست على الميناء (( حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ )) هنا قال : (( حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ )) ولم يقل : قتله ، وفي السفينة قال : (( خرقها )) ولم يقل : فخرقها ، لأن قتل النفس تأنى فيه قليلاً يعني كأن شيء حصل قبل القتل فقتله ، الغلام الصغير ، موسى عليه السلام ما صبر (( قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً )) وفي قراءة (( زاكية ))(( بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا )) قوله : (( زكية )) لأنه غلام صغير والغلام الصغير تكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السيئات إذاً فهو زكي ، لأنه صغير فلا تكتب عليه السيئات وتكتب له الحسنات (( بغير نفس )) يعني أنه لم يقتل أحداً حتى تقتله ، ولكن فلو أنه قتل هل يقتل أو لا ؟ في شريعتنا لا يقتل ، غير المكلف لا يقتل بالعمد لأنه لا عمد له ، (( لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا )) هذه العبارة أشد من العبارة الأولى ، الأولى ماذا قال ؟ (( لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا )) لكن هنا قال : (( لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا )) أي منكراً عظيماً أن تقتل نفس ، والفرق بين هذا وهذا أن خرق السفينة قد يكون به الغرق وقد لا يكون وهذا اللي هو حصل لم تغرق السفينة ، وأما قتل النفس فهو منكر حالاً ما فيه احتمال (( لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ))
قال الله تعالى : << قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا >>
(( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا )) هنا فيها لوم أشد على موسى ، في الأول قال : (( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ )) وفي الثانية قال : (( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ )) يعني كأنك لم تفهم ولن تترك ، ولذلك الناس يفرقون بين الجملتين لو أنك كلمت شخصاً في شيء وخالف تقول في الأول : ألم أقل إنك ، لكن ألم أقل لك يعني الخطاب ورد عليك وروداً لا خفاء فيه ومع ذلك خالفت ، فصار لوم الخضر لموسى في الثاني أشد (( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا )) فقال له موسى لما رأى أنه لا عذر له
قال الله تعالى : << قال إن سألتك عن شيئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا >>
(( قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي )) يعني امنعني عن صحبتك ، وفي قوله موسى : (( لا تصاحبني )) إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام يرى أنه أعلى منه منزلة وإلا لقال : إن سألتك عن شيء بعدها فلا أصاحبك لكن قال : (( فلا تصاحبني )) والمانع من ذلك (( قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا )) يعني أنك وصلت إلى حال تعذر فيها ، لأنه كم أنكر عليه مرة ؟ مرتين ، مع أن موسى التزم بألا يسأل قال : (( قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا )) .
قال الله تعالى : << فانطلقا حتى إذا أتيآ أهل قرية استطعمآ أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتخذت عليه أجرا >>
(( فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ )) ولم يعين الله عز وجل القرية فلا حاجة إلى أن نبحث عن هذه القرية نقول : قرية أبهمها الله فنبهمها (( اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا )) يعني طلبا من أهلها طعاماً (( فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا )) ولا شك أن هذا خلاف كمال الإيمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) لكن هؤلاء أبوا أن يضيفوهم ، وكان جزاؤه ألا يعاملوا إلا بمثل ما فعلوا لكن الأمر وقع على خلاف ذلك والله عز وجل ييسر لعبده المؤمن ما يكون به الخير ، بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فنزلوا ضيفاً على قوم ولكن القوم أبوا أن يضيفوهم فتنحوا ناحية فسلط الله على رئيسهم عقرباً لدغته وكانت شديدة فقال بعضهم لبعضهم : هل من راق ؟ قالوا : لا نعلم إلا هؤلاء الرهط ، فأتوا إلى الصحابة قالوا : أن سيدهم قد لدغ ، فهل عندكم من راق ؟ قالوا : نعم لكننا لا نرقيه إلا بكذا وكذا من الغنم ، قال : لكم هذا ، فذهب أحد رجال السرية وجعل يقرأ على هذا اللديغ سورة الفاتحة فقام كأنما نشط من عقال فانظر إلى لطف الله عز وجل حيث يسر للصحابة ضيافة رغماً على هؤلاء الذين أبوا أن يضيفوهم ، وصاحبهم فلم يمسه سوء إلا وجع اللدغة بقراءة الرجل عليه ، المهم أن موسى والخضر استعطما أهل القرية ولكن أبوا أن يضيفوهم ، قال : (( فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ))(( جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ )) كيف يريد أن ينقض ؟ هل الجدار له إرادة ؟ الجواب نعم له إرادة ، وذلك ميله فإن ميله يدل على إرادة السقوط ولا تتعجب إذا كان للجماد إرادة فها هو أحد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنه يحبنا ونحبه ) والمحبة وصف زائد على الإرادة وهو جماد ، وأما قول بعض الناس الذين يجوزون المجاز في القرآن وقالوا : إن هذه كناية وليس للجدار إرادة فلا وجه له ، (( يريد أن ينقض )) أي أن يريد أن يسقط (( فأقامه )) من أقامه ؟ أقامه الخضر لكن كيف أقامه ؟ الله أعلم ، قد يكون أقامه بيده وأن الله أعطاه قوة واستقام الجدار وقد يكون بناه البناء المعتاد المهم أنه أقامه (( قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا )) هذه عبارة لينة جداً ليست كالعبارة الأولى ما أنكر عليه أن يبنيه ولا قال : كيف تبنيه وقد أبوا أن يضيفوننا بل قال : ( لو شئت ) وهذا لاشك أسلوب رقيق (( لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا )) لأنه عليه الصلاة والسلام قدم ما يجعله لا ينكر على الخضر
قال الله تعالى : << قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا >>
(( قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ )) القائل الخضر ، يعني انتهى ما بيني وبينك ، فلا صحبة (( سَأُنَبِّئُكَ )) أي سأخبرك عن قرب (( بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا )) وإنما قلت : سأخبرك عن قرب لأن السين تدل على القرب بخلاف سوف ، وهي أيضاً تريد مع القرب التحقيق ، (( سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ))(( بتأويل )) أي بتفسير وبيان وجهه
قال الله تعالى : << أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها و كان ورآءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا >>
(( أَمَّا السَّفِينَةُ )) ويريد بها السفينة التي خرقها ، فأل في السفينة يا محمود لإيش ؟ الطالب : ..... الشيخ : للعهد الذكري ، نعم ، (( أَمَّا السَّفِينَةُ )) يعني التي خرقها (( فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ )) يعني أنهم يطلبون الرزق فيها مساكين فقراء ، والجمع أقله ثلاثة ، قد يكون ثلاثة أو عشرة أو عشرين أو ثلاثين عددهم ليس بضروري أن نعرفه (( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا )) يعني أن أجعل فيها عيباً لماذا ؟ قال : (( وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ))(( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا )) حتى إذا مرت بهذا الملك قال : هذه سفينة معيبة لا حاجة لي فيها لأنه لا يأخذ إلا السفن الصالحة الجيدة أما هذه فلا حاجة له فيها ، وهذا منه أخذ الناس أن الإنسان الذي يخاف على نفسه العين ينبغي ألا يظهر بالمظهر الذي يلفت النظر خوفاً من العين يعني لا يلبس الثياب الجميلة جداً التي تلفت النظر أو يتزين زينة تلفت النظر ، طيب هل مثلاً لو فرضنا أن الرجل هذا له عينان واسعتان جميلتان قوية النظر هل مثلاً نقول له : امش وأنت مغمض ؟ الطالب : ..... الشيخ : ممكن يلبس نظارات ، أو إذا لم يكن عنده نظارات يعني يقلل من فتح العينين لئلا يصاب بأذى ، نعم ، طيب على كل حال صار له وجهة نظر فعل الخضر له مبرر ومنه يؤخذ فائدة عظيمة وهي إتلاف بعض الشيء لإصلاح باقيه ، إتلاف بعض الشيء لإصلاح باقيه هذا شيء جائز ، والأطباء الآن يعملون به تجده مثلاً يأخذ من الفخذ قطعة ليصلح بها شيئاً في الوجه أو في الرأس أو ما أشبه ذلك ولا بأس به ، وأخذ من ذلك العلماء رحمه الله أن ..... إذا دمر وخرب فلا بأس أن يباع بعضه ويصلح به الباقي ، إذاً زال الإشكال في مسألة السفينة ؟ نعم ، طيب
قال الله تعالى : << و أما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينآ أن يرهقهما طغيانا و كفرا >>
(( وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ )) الغلام الصغير كانا أبواه مؤمنين (( فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ))(( خشينا )) قال هنا بالجمع ، وهو بالنسبة للخضر واقع وبالنسبة لموسى متوقع ، أما السفينة قال : (( أردت )) ولم يقل : أردنا ، لأن موسى لا يتوقع أنه يريد ذلك لكن موسى عليه الصلاة والسلام وغيره من المصلحين يخشون أن يكفر الإنسان بسبب شيء من الأشياء فهذا والله أعلم كون وجه أردت بالإفراد وخشينا بالجمع (( فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا )) فأعلمه الله عز وجل بأن مآل هذا الغلام الكفر ، وأنه ربما يرهق والديه يعني يكرههما على الطغيان والكفر إما لمحبتهما إياه أو لغير ذلك من الأسباب وإلا فالغالب أن الوالد يؤثر على الولد لكن قد يؤثر الولد على الوالد كما أن الغالب أن الزوج يؤثر على زوجته وقد تؤثر الزوجة على زوجها .
قال الله تعالى : << فأردنآ أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما >>
(( فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا )) يعني أنا إذا قتلناه فعند الله ما هو خير وأبقى ، (( أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً )) أي في الدين (( وأقرب رحماً )) أي في الصلة ، يعني أنه أراد هو وموسى تحقيقاً بالنسبة للخضر وتقديراً بالنسبة لموسى أن الله يخلف عليهما من هو أزكى منهما في الدين وأوصل منهما في الرحم (( وأقرب رحماً )) بقي شيء ثالث ، الآن عرفنا وجهة النظر في قتل الغلام فهل يؤخذ من ذلك أن يقتل الكافر خوفاً من أن ينشر كفره في الناس ؟ نعم لا شك ، فالداعي إلى الكفر يقتل خوفاً من أن ينشر كفره في الناس
قال الله تعالى : << و أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة و كان تحته كنز لهما و كان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغآ أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأول ما لم تسطع عليه صبرا >>
قال تعالى : (( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ )) غلامين صغيرين يتيمين قد ماتا أبوهما (( وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا )) تحت إيش ؟ الجدار ، (( كنز )) أي مال مدفون (( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ )) أراد الله عز وجل أن يبلغ أشدهما أي يبلغا ويكبرا حتى يصلا إلى سن الأشد وهو أربعون سنة عند كثير من العلماء .