تفسير سورة الكهف-05b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
قال الله تعالى : << و تركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض و نفخ في الصور فجمعناهم جمعا >>
(( وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ )) (( تَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ )) المفسرون الذين رأيت كلامهم يقولون : (( يومئذ )) يعني إذا خرجوا صار يموج بعضهم في بعض ، ثم اختلفوا في معنى يموج بعضهم في بعض هل معناه يموجون مع الناس ؟ أو يموج بعضهم في بعض يتدافعون عند الخروج من السد ؟ وإذا كان أحد من العلماء يقول : (( وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ )) يعني بعد السد صاروا هم بأنفسهم يموج بعضهم في بعض إن كان يقول بهذا فهو أقرب إلى سياق الآية ، لكن الذي رأيته أنهم يموج بعضهم في بعض يعني (( وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ )) يعني (( يومئذ )) أي يوم إذ يريد الله عز وجل خروجهم (( يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا )) (( نفخ في الصور )) النافخ إسرافيل أحد الملائكة الكرام ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاة الليل بهذا الاستفتاح ( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) هؤلاء الثلاثة الكرام كل واحد منهم موكل بما فيه من الحياة ، جبريل موكل بمن فيه حياة القلوب ، ميكائيل بما فيه حياة النبات وهو القطر والثالث إسرافيل بما فيه حياة الناس عند البعث ، ينفخ في الصور نفختين : الأولى : فزع وصعق ، ولا يمكن الآن أن ندرك عظمة هذه النفخة ، نفخة تفزع الخلائق منها ، وتصعق بعد ذلك كلهم يموتون إلا ما شاء الله من شدة هذا النفخ وشدة وقعه ، الآن لو أن أحداً ضرب بمدفع خارج المسجد إيش يكون ؟ تفزعون ولا ما تفزعون ؟ تفزعون ، في مسجد جملة قبل سنوات انفصل الكهرباء في المسجد الجامع والناس ينتظرون الصلاة وصار له صوت عظيم ذكروا لي أن المسجد كله فسح وخرج ، نعم هذا النفخ في الصور أشد وأشد ما يمكن أن نتصوره لأن الناس يفزعون بل فزع من في السماوات ومن في الأرض ، ثم يصعقون ، الله أكبر شيء عظيم كل ما يتصوره الإنسان يقشعر جلده من عظمته وهوله فينفخ في الصور . النفخة الثانية : يقول الله عز وجل : (( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ))[الزمر:68] ، لا إله إلا الله ، النفخة الثانية يقوم الناس من قبورهم أحياءً ينظرون ماذا حدث ؟ لأن الأجسام في القبور ينزل الله عليها مطراً عظيماً ثم تنمو في داخل الأرض حتى إذا تكاملت الأجسام نفخ في الصور نفخة البعث فقاموا ينظرون (( فإذا هم قيام ينظرون )) . (( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا )) (( جمعناهم )) من ؟ الخلائق ، (( جمعاً )) أي جمعاً عظيماً ، يعني هذا الجمع يشمل الإنس ، والجن ، والملائكة ، والوحوش ، وجميع الداوب ، قال الله تبارك وتعالى : (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ))[الأنعام:38] ، كل الخلائق حتى الملائكة ملائكة السماء كما قال الله سبحانه وتعالى : (( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ))[الفجر:22] ، يا له من مشهد عظيم الله أكبر . يقول :
قال الله تعالى : << و عرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا >>
(( وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا )) اللهم أجرنا منها ، عرضناها لهم تكون أمامهم ، (( عرضاً )) يعني عرضاً عظيماً ولذلك نكر ، يعني عرضاً عظيماً تتساقط منه القلوب ، وإخبار الله عز وجل بذلك لا تظن أنها مجرد حكايات تاريخ المقصود من ذلك هو أن يصلح الإنسان ما بينه وبين الله ، وأن يخاف من هذا اليوم ، وأن يستعد له ، وأن يصور نفسه وكأنه تحت قدميه كما قال الصديق رضي الله عنه : " كلنا مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعلنا " ، فتصور هذا ، وتصور أنه ليس بينك وبينه إلا أن تخرج هذه الروح من الجسد وحينئذ ينتهي كل شيء (( وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا ))
قال الله تعالى : << الذين كانت أعينهم في غطآء عن ذكري و كانوا لا يستطيعون سمعا >>
(( الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا )) هؤلاء الكافرين كانت أعينهم في غطاء عن ذكر الله لا ينظرون إلى ذكر الله وقد ذكر الله تعالى فيما سبق في نفس الصورة أن على قلوبهم أكنة ، فالآن القلوب والأبصار والأسماع كلها مغلقة (( وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا )) هل المراد لا يريدون كقوله تعالى : (( هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ )) أي هل يريد ؟ أو المعنى أنهم لا يستطيعون سمعاً سمع الإجابة وليس سمع الإدراك ؟ يحتمل هذا وهذا ، يحتمل المعنيين جميعاً وكلاهما حق (( وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا )) .
قال الله تعالى : << أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أوليآء إنآ أعتدنا جهنم للكافرين نزلا >>
(( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ )) يعني أفظن الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء ، من عباده ؟ عباده كل شيء فهو عبد لله (( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ))[مريم:93] ، من الذين اتخذ ولياً من دون الله ؟ يعني عبد من دون الله ؟ عبدت الملائكة ، عبدت الرسل ، عبدت الشمس ، عبد القمر ، عبدت الأشجار ، عبدت الأحجار ، عبدت القمر ، نسأل الله العافية ، الشيطان يأتي ابن آدم من كل طريق (( أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ )) يعني أرباباً يدعونهم ويستغيثون بهم وينسون ولاية الله عز وجل ، يعني أيظن هؤلاء الذين فعلوا ذلك ، أيظن أنهم ينصرون ؟ الجواب لا ينصرون ، ومن ظن ذلك فهو مخبل في عقله قال الله تعالى : (( إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا )) يعني أن الله عز وجل هيأ النار (( نزلاً )) للكافرين ، ومعنى النزل ما يقدمه صاحب البيت للضيف هذا النزل ، ويحتمل أن يكون بمعنى المنزل ، وكلاهما صحيح فهم نازلون فيها وهم يعطونها كأنها ضيافة وبئست الضيافة (( إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا ))
4 - قال الله تعالى : << أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أوليآء إنآ أعتدنا جهنم للكافرين نزلا >> أستمع حفظ
قال الله تعالى : << قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا >>
(( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا )) يعني قل يا محمد للأمة كلها (( هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا )) الجواب نعم نريد أن نخبَر عن الأخسرين أعمالاً حتى إيش ؟ حتى نتجنب عمل هؤلاء ونكون من الرابحين وقد بين الله تعالى في سورة العصر أن كل إنسان خاسر إلا من اتصف بأربع صفات (( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ))[العصر:3]
قال الله تعالى : << الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا >>
وهنا يقول : (( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ))[الكهف:104] (( ضل سعيهم )) يعني ضاع ، وبطل في الحياة الدنيا لكنهم يحسبون أنهم صنعاً فغطي عليهم الحق والعياذ بالله وظنوا وهم على باطل أن الباطل هو الحق ، وهذا كثير مثلاً اليهود يظنون أنهم على حق ، والنصارى يظنون أنهم على حق ، والشيوعيون يظنون أنهم على حق ، وهات كل واحد منهم يظن أنه على حق ، ولذلك مكثوا على ما هم عليه ومنهم من يعلم أنه ليس على حق لكنه والعياذ بالله لاستكباره واستعلائه أصر على ما هو عليه
قال الله تعالى : << أولآئك الذين كفروا بئايات ربهم و لقآئه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا >>
(( أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ )) (( أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ )) الكونية ولا الشرعية ؟ الظاهر كليهما لكن الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم كذبوا بالآيات الشرعية ولم يكذبوا بالآيات الكونية ، الدليل أن الله أخبر بأنهم سئلوا من خلق السماوات والأرض ؟ يقولون : الله عز وجل ، ولا أحد منهم يدعي أن هناك خالقاً مع الله لكنهم كذبوا بالآيات الشرعية ، كذبوا الرسول وكذبوا بما جاء به فهم داخلون في الآية ، (( ولقائه )) أي كذبوا بلقاء الله ، ومتى يكون لقاء الله ؟ يكون يوم القيامة ، فهؤلاء كذبوا بيوم القيامة وجادلوا وأولوا الآيات ولكنهم أصروا ، قال الله تبارك وتعالى : (( أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ )) اقرأها علينا ؟
الطالب : ما هذه السورة ؟
الشيخ : هذه سورة يس .
الطالب : .....
الشيخ : ما وصلت لها ، إي ، قال الله تبارك وتعالى : (( أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا )) يكذبنا فيه فقال : (( مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ )) تحدي من يحييها ، (( رميم )) لا فيها حياة ولا شيء ، أجيب (( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ )) من أنشأها أول مرة ؟ الله عز وجل ، يحييها الله ، والإعادة أهون من الابتداء كما قال عز وجل : (( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ))[الروم:27] ، هذا الدليل ، إذاً الدليل على إمكان البعث وإحياء العظام وهي رميم أن الله تعالى ابتدأها ، ولما قال زكريا حين بشر بالولد وقد بلغ في الكبر عتيا وأن امرأته عاقر قال الله تعالى : (( قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ))[مريم:9] ، فالذي خلقك من قبل وأنت لم تكن شيئاً قادر على أن يجعل لك ولد ، إذاً (( يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ )) هذا الدليل ، (( وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ )) وإذا كان بكل خلق عالماً فإنه لن يتعذر عليه أن يخلق ما شاء ، من الذي يمنعه إذا كان عليماً بكل خلقه ؟ لا أحد يمنعه ، (( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا )) شجر أخضر يخرج منه نار ، هكذا عندكم ؟
الطالب : .....
الشيخ : لا تعرفه ، أي نعم ، الشجر عندكم يا آدم الشجر الأخضر يضرب بالزند ثم ينقدح ناراً وكان العرب يعرفون هذا فالذي يخرج هذه النار وهي حارة يابسة منه غصن رطب بارد يعني متضادان غاية التضاد قادر على أن يخلق الإنسان أو أن يعيد خلق هذه العظام وهي رميم ، كم هذا من دليل ؟
الطالب : اثنين .
الشيخ : (( الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ )) ، (( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا )) ثم حقق هذه النار بقوله : (( فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ))[يس:80] .
الدليل الرابع : (( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ )) فالجواب (( بَلَى )) قال الله تعالى : (( لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ))[غافر:57] ، فالذي خلق السماوات والأرض بكبرها وعظمها قادر على أن يعيد جزءاً من لا شيء بالنسبة للأرض ، من أنت يا ابن آدم بالنسبة للأرض ؟ لا شيء ، أنت خلقت منها ، أنت بعض منها ، بعض يسير منها ، فالذي قدر على خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم ، (( بلى )) قال الله تعالى مجيباً نفسه : (( بلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ )) هذا دليل خامس ، (( الخلاق )) صيغة مبالغة وإن شئت فاجعلها نسبة يعني أنه موصوف بالخلق أزلاً وأبداً وهو تأكيد لقوله قبل : (( وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ )) . الدليل السادس : (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ))[يس:82] ، لا يحتاج إلى عمال ولا بنائين ولا أحد (( كن فيكون )) ولهذا قال عز وجل : (( إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ))[يس:53] ، كلمة واحدة (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) . الدليل السابع : (( فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ )) كل شيء فبيده ملكوته عز وجل يتصرف كما يشاء ، فنسأله عز وجل أن يهدينا صراطه المستقيم . (( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )) هذا الدليل الثامن ، وإنما كان دليلاً لأنه لولا رجوعنا إلى الله عز وجل لكان وجودنا عبثاً وهذا ينافي الحكمة فتأمل سياق هذه الأدلة الثمانية في هذا القول الموجز ومع ذلك ينكرون لقاء الله . نناقش ما سبق ولا نكمل الأول ؟ نكمل الأول ، طيب . قال الله عز وجل : (( أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ )) ففي قوله : (( بآيات ربهم )) إلزام لهم بالإيمان بالآيات لأن كونه ربهم عز وجل يجب أن يطيعوه وأن يؤمنوا به ، لكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن ، (( فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ )) حبطت يعني بطلت ولم ينتفعوا بها حتى لو أن الكافر أحسن وأصلح الطرق وبنى الربط وتصدق على الفقراء فإن ذلك لا ينفعه ، إن أراد الله أن يثيبه عجل له الثواب في الدنيا أما في الآخرة فلا نصيب له نعوذ بالله ، نسأل الله الحماية والعافية لأن أعمالهم حبطت ولكن هل يحبط العمل بمجرد الردة أم لابد من شرط ؟ لابد من شرط وهو أن يموت على ردته ، قال الله تعالى : (( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ))[البقرة:217] ، أما لو ارتد ثم من الله عليه بالرجوع إلى الإسلام فإنه يعود عليه عمله الصالح السابق للردة (( فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا )) يعني أنهم لا قدر لهم عندنا ولا ميزان ، وهو كناية عن سقوط مرتبتهم عند الله عز وجل ، وقيل : إن المعنى لا نزنهم لأن الوزن إنما يحتاج إليه لمعرفة ما يترجح من حسنات أو سيئات ، والكافر ليس له عمل حتى يوزن ، ولكن الصحيح أن الأعمال توزن كلها ، قال الله تعالى : (( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ))[القارعة:6-11] . فيقام الوزن لإظهار الحجة عليهم ، والمسألة هذه فيها خلاف ، نكمل إذا تمكنا من ذكر الخلاف وإلا فالكتب بين أيديكم .
الطالب : ما هذه السورة ؟
الشيخ : هذه سورة يس .
الطالب : .....
الشيخ : ما وصلت لها ، إي ، قال الله تبارك وتعالى : (( أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا )) يكذبنا فيه فقال : (( مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ )) تحدي من يحييها ، (( رميم )) لا فيها حياة ولا شيء ، أجيب (( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ )) من أنشأها أول مرة ؟ الله عز وجل ، يحييها الله ، والإعادة أهون من الابتداء كما قال عز وجل : (( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ))[الروم:27] ، هذا الدليل ، إذاً الدليل على إمكان البعث وإحياء العظام وهي رميم أن الله تعالى ابتدأها ، ولما قال زكريا حين بشر بالولد وقد بلغ في الكبر عتيا وأن امرأته عاقر قال الله تعالى : (( قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ))[مريم:9] ، فالذي خلقك من قبل وأنت لم تكن شيئاً قادر على أن يجعل لك ولد ، إذاً (( يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ )) هذا الدليل ، (( وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ )) وإذا كان بكل خلق عالماً فإنه لن يتعذر عليه أن يخلق ما شاء ، من الذي يمنعه إذا كان عليماً بكل خلقه ؟ لا أحد يمنعه ، (( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا )) شجر أخضر يخرج منه نار ، هكذا عندكم ؟
الطالب : .....
الشيخ : لا تعرفه ، أي نعم ، الشجر عندكم يا آدم الشجر الأخضر يضرب بالزند ثم ينقدح ناراً وكان العرب يعرفون هذا فالذي يخرج هذه النار وهي حارة يابسة منه غصن رطب بارد يعني متضادان غاية التضاد قادر على أن يخلق الإنسان أو أن يعيد خلق هذه العظام وهي رميم ، كم هذا من دليل ؟
الطالب : اثنين .
الشيخ : (( الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ )) ، (( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا )) ثم حقق هذه النار بقوله : (( فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ))[يس:80] .
الدليل الرابع : (( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ )) فالجواب (( بَلَى )) قال الله تعالى : (( لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ))[غافر:57] ، فالذي خلق السماوات والأرض بكبرها وعظمها قادر على أن يعيد جزءاً من لا شيء بالنسبة للأرض ، من أنت يا ابن آدم بالنسبة للأرض ؟ لا شيء ، أنت خلقت منها ، أنت بعض منها ، بعض يسير منها ، فالذي قدر على خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم ، (( بلى )) قال الله تعالى مجيباً نفسه : (( بلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ )) هذا دليل خامس ، (( الخلاق )) صيغة مبالغة وإن شئت فاجعلها نسبة يعني أنه موصوف بالخلق أزلاً وأبداً وهو تأكيد لقوله قبل : (( وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ )) . الدليل السادس : (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ))[يس:82] ، لا يحتاج إلى عمال ولا بنائين ولا أحد (( كن فيكون )) ولهذا قال عز وجل : (( إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ))[يس:53] ، كلمة واحدة (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) . الدليل السابع : (( فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ )) كل شيء فبيده ملكوته عز وجل يتصرف كما يشاء ، فنسأله عز وجل أن يهدينا صراطه المستقيم . (( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )) هذا الدليل الثامن ، وإنما كان دليلاً لأنه لولا رجوعنا إلى الله عز وجل لكان وجودنا عبثاً وهذا ينافي الحكمة فتأمل سياق هذه الأدلة الثمانية في هذا القول الموجز ومع ذلك ينكرون لقاء الله . نناقش ما سبق ولا نكمل الأول ؟ نكمل الأول ، طيب . قال الله عز وجل : (( أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ )) ففي قوله : (( بآيات ربهم )) إلزام لهم بالإيمان بالآيات لأن كونه ربهم عز وجل يجب أن يطيعوه وأن يؤمنوا به ، لكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن ، (( فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ )) حبطت يعني بطلت ولم ينتفعوا بها حتى لو أن الكافر أحسن وأصلح الطرق وبنى الربط وتصدق على الفقراء فإن ذلك لا ينفعه ، إن أراد الله أن يثيبه عجل له الثواب في الدنيا أما في الآخرة فلا نصيب له نعوذ بالله ، نسأل الله الحماية والعافية لأن أعمالهم حبطت ولكن هل يحبط العمل بمجرد الردة أم لابد من شرط ؟ لابد من شرط وهو أن يموت على ردته ، قال الله تعالى : (( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ))[البقرة:217] ، أما لو ارتد ثم من الله عليه بالرجوع إلى الإسلام فإنه يعود عليه عمله الصالح السابق للردة (( فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا )) يعني أنهم لا قدر لهم عندنا ولا ميزان ، وهو كناية عن سقوط مرتبتهم عند الله عز وجل ، وقيل : إن المعنى لا نزنهم لأن الوزن إنما يحتاج إليه لمعرفة ما يترجح من حسنات أو سيئات ، والكافر ليس له عمل حتى يوزن ، ولكن الصحيح أن الأعمال توزن كلها ، قال الله تعالى : (( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ))[القارعة:6-11] . فيقام الوزن لإظهار الحجة عليهم ، والمسألة هذه فيها خلاف ، نكمل إذا تمكنا من ذكر الخلاف وإلا فالكتب بين أيديكم .
7 - قال الله تعالى : << أولآئك الذين كفروا بئايات ربهم و لقآئه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا >> أستمع حفظ
قال الله تعالى : << ذلك جزآؤهم جهنم بما كفروا و اتخذوا ءاياتي ورسلي هزوا >>
(( ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا )) يعني ذلك المذكور من أنه لا يقام له الوزن وأن أعمالهم تكون حابطة بأنهم ، نعم (( ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ )) اسم من أسماء جنهم (( بما كفروا )) الباء للسببية ، وما مصدرية ، وتقدير الكلام بكفره (( وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا )) قوله : (( واتخذوا )) معطوفة على كفروا أي بما كفروا واتخذوا ، فهم والعياذ بالله كفروا وتعدى كفرهم إلى غيرهم صاروا يستهزئون بالآيات ويستهزئون بالرسل ولم يقتصروا على كفرهم بالله (( وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا )) أي محل هزو يسخرون منهم ، ولهذا قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم : (( وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا )) ويقولون : (( أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ))[الفرقان:41] ، والاستفهام هنا لا يخفى أنه للتحقير ، أهذا الرسول ،(( أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ))[الفرقان:42] ، أعوذ بالله يفتخرون بأنهم صبروا على آلهتهم وانتصروا لها . يقول هنا عز وجل : (( وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ))
قال الله تعالى : << إن الذين ءامنوا و عملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا >>
ثم ذكر ثواب الذين آمنوا وعملوا الصالحات أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم فقال : (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ))[الكهف:107] ، بدل ما كانت جهنم نزلاً للكافرين صارت جنات الفردوس نزلاً للمؤمنين ، لكن بشرطين : الإيمان والعمل الصالح ، والإيمان محله القلب ، والعمل الصالح محله الجوارح وقد يراد به أيضاً عمل القلب كالتوكل ، والخوف ، والإنابة ، والمحبة ، وما أشبه ذلك . والصالحات هي التي كانت خالصة لله موافقة لشريعة الله ، ولا يمكن أن يكون العمل صالحاً إلا بهذا : الإخلاص لله ، والثاني : الموافقة لشريعته ، فمن أشرك فعمله غير صالح ، ومن ابتدع فعمله غير صالح ، ويكون مردوداً عليه لا الأول الذي لم يخلص ولا الثاني الذي لم يتبع ، ودليل ذلك قوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي مردود عليه ، فصار العمل الصالح هو ما جمع وصفين : الإخلاص لله والمتابعة لشريعة الله ، انتبه ولا لرسول الله ؟ لشريعة أحسن إلا إذا أريد بمتابعة رسول الله الجنس دون محمد صلى الله عليه وسلم فنعم لأن المؤمنين من قوم موسى وقوم عيسى يدخلون في هذا ، إذاً الإخلاص لله والموافقة لشريعة الله . (( كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا )) (( كانت لهم )) المراد بالكينونة هنا هل هي الكينونة الماضية أو المراد تحقيق كونها نزلاً لهم كقوله تعالى : (( وكان الله غفوراً رحيماً )) نقول : الأمران واقعان فكانت في علم الله نزلاً لهم ، وكانت نزلاً لهم على وجه التحقيق لأن كان قد يسلب منها معنى الزمان ويكون المراد بها التحقيق (( كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا )) ((جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ )) هل هذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته أو لأن الفردوس هو أعلى الجنات والجنات الأخرى تحته ؟ الظاهر الثاني ، لأنه ليس جميع المؤمنين العاملين للصالحات ليسوا كلهم في الفردوس بل هم في جنات الفردوس ، والفردوس قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنها أعلى الجنة ووسط الجنة وفوقها عرش الله عز وجل ) ، ( أعلى الجنة ووسط الجنة ) معناه أن الجنة مثل القبة وفيه أيضاً وصف رابع ( ومنها تفجر أنهار الجنة ) .
قال الله تعالى : << خالدين فيها لا يبغون عنها حولا >>
(( كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا )) (( خالدين فيها )) يعني أبداً أو لا ؟ أبداً ولا نزاع في هذا بين أهل السنة ، (( لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا )) أي لا يطلبون (( عنها )) أي بدلاً عنها (( حولاً )) أي تحولاً ، لماذا ؟ لأن كل واحد راض بما هو فيه من النعيم ، وكل واحد لا يرى أن أحداً أكمل منه وهذا من تمام النعيم ، أنت مثلاً لو نزلت قصراً منيفاً فيه من كل ما يبهج النفس ولكنك ترى قصر فلان أعظم منه هل يكمن صدورك ؟ من يريد الدنيا لا يكمن صدورهم ، لأنه يرى أن غيره خير منه ، لكن في الجنة وإن كان الناس درجات لكن النازل منهم وليس فيه النازل يرى أنه لا أحد أنعم منه ، عكس أهل النار ، أهل النار يرى الواحد منهم أنه لا أحد أشد منه وأنه أشدهم . (( لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا )) يعني لو قيل للواحد : هل ترغب أن نجعلك في مكان آخر في مكانك ؟ لقال : لا ، وهذا من نعمة الله على الإنسان أن يقنع الإنسان بما أعطاه الله عز وجل وأن يطمئن ولا يقلق ، (( لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ))
قال الله تعالى : << قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا >>
(( قُلْ )) يعني يا محمد (( لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي )) سبحان الله العظيم ، لو كان البحر (( مداداً )) يعني حبراً يكتب به لكلمات الله لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله عز وجل ، لأن المدبر لكل الأمور وبكلمة كن لا نفاد لكلامه عز وجل بل في الآية الأخرى : (( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ )) يعني لو كان أقلاماً (( وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ))[لقمان:27] ، لنفد البحر وتكسرت الأقلام وكلمة الله باقية جل وعلا ، وهنا يقول : (( لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا )) يعني بزيادة فإن كلمات الله لا تنفد ، وفي هذا نص صريح على إثبات كلام الله عز وجل ، (( كلمات )) وكلمات الله عز وجل كونية وشرعية ، أما الشرعية فهو ما أوحاه إلى رسله ، وأما الكونية فهي ما قضى به قدره (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ))[يس:82] ، وكل شيء بإرادته إذاً هو يقول لكل شيء كن فيكون ، ومن كلماته الشرعية ما أوحاه الله عز وجل إلى من دون الرسل كالكلمات التي أوحاها إلى آدم فإن آدم عليه السلام نبي وليس برسول ، وقد أمره الله ونهاه ، والأمر والنهي كلمات كونية أو شرعية ؟ كلمات شرعية
11 - قال الله تعالى : << قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا >> أستمع حفظ
قال الله تعالى : << قل إنمآ أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنمآ إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقآء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا >>
(( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ )) يعني أعلم للملأ أنك لست ملكاً وأنك من جنس البشر (( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ )) وذكر المثلية لتحقيق البشرية أي أنه بشر لا يتعدى البشرية ولذلك كان عليه الصلاة والسلام كما يغضب الناس أليس هكذا ؟ طيب ، وكان عليه الصلاة والسلام يمرض كما يمرض الناس ، وكان يجوع كما يجوع الناس ، وكان يعطش كما يعطش الناس ، وكان يتوقى الحر كما يتوقاه الناس ، وكان يتوقى سهام القتال كما يتوقاها الناس ، وكان ينسى كما ينسى الناس ، كل الطبيعة البشرية ثابتة للرسول عليه الصلاة والسلام ، وكان له ظل كما يكون للناس ، أما من زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نوراني ليس له ظل فهذا كذب بلا شك ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كغيره من البشر له ظل ويستظل أيضاً هو نفسه يستظل ، ولو كان الرسول عليه الصلاة والسلام لنقل هذا نقلاً متواتراً لأنه من آيات الله عز وجل ، إذاً الرسول عليه الصلاة والسلام بشر مثل الناس ، هل يقدر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يجلب للناس نفعاً أو ضراً ؟ لا ، كما أمره الله عز وجل أن يقول : (( قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا ))[الجن:21] ، ومن العجب أن أقواماً لا يزالون موجودين يتعلقون بالرسول صلى الله عليه وسلم أكثر مما يتعلقون بالله ، أعوذ بالله ، إذا ذكر الرسول اقشعرت جلودهم ، وإذا ذكر الله كأن لم يذكر حتى إن بعضهم يؤثر أن يحلف بالرسول دون أن يحلف بالله عز وجل ، وحتى إن بعضهم يرى أن زيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام أفضل من زيارة الكعبة ، ولقد شاهدت أناساً حجزوا عن المدينة في أيام الحج لقرب وقت الحج لأنه إذا قرب وقت الحج منعوهم من الذهاب إلى المدينة لئلا يفوتهم الحج ، يبكي يقول : أنا منعت من الأنوار ومنعت من كذا وكذا ويعدد ما نسيته الآن ، طيب أنت جاي ليش ؟ قال : جاي لمشاهدة الأنوار ، كأنه ما جاء إلا لزيارة المدينة ، ونسي أنه جاء للحج ليؤدي فريضة من فرائض الحج ، وسببه ذلك الجهل ، وأن العلماء لا يبينون للعامي ، وإلا فالعامي عنده عاطفة جياشة ، لو أنه أخبر بالحق لرجع إليه . نعم يقول : (( يُوحَى إِلَيَّ )) هذا هو الميزة للرسول عليه الصلاة والسلام أنه يوحى إليه وغيره لا يوحى إليه إلا إخوانه من المرسلين ، نعم يقول : (( يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ )) طيب (( أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ )) الجملة هذه حصر كأنه قال : لا إله لكم إلا واحد ، من أين استفدنا الحصر ؟ من (( إنما )) لأن كلمة إنما من أدوات الحصر تقول : إنما زيد قائم يعني وليس له وصف غير القيام ، وتقول : إنما العلم بالتعلم ، وليس هناك طريق بالعلم إلا بالتعلم ، (( أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ )) يعني يؤمل أن يلقى الله عز وجل ويؤمن بذلك (( فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا )) يعني دعوة يسيرة سهلة ، أتريد أن تلقى ربك وقلبك مملوء بالرجاء ؟ إذا كان كذلك (( فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) كل إنسان عاقل يرجو لقاء الله عز وجل ، ولقاء الله ليس ببعيد ، قال الله تعالى : (( مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ))[العنكبوت:5] ، قال بعض العلماء إن قوله : (( إن أجل الله لآت )) بمعنى قولهم : كل عهد قريب ، (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) ، إذا قال قائل : ألستم قررتم أن العمل الصالح لابد فيه من إخلاص ومتابعة ؟ قلنا : بلى ، لكنه لما كان الإخلاص ذات أهمية عظيمة ذكره تخصيصاً بعد دخوله ضمن قوله : (( فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) وتأمل قوله : (( بعبادة ربه )) ليتبين لك أنه جل وعلا حقيق بألا يشرك به لأنه الرب الخالق المالك المدبر لجميع الأمور .
إنا نقول بقلوبا وألسنتنا : ربنا الله ونسأل الله تعالى الاستقامة حتى ندخل في قول الله تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ))[فصلت:30] .
هذا سؤال يقرأ ولا خبر ؟
الطالب : سؤال ، إذا أردتم نقول : خلاص ، خلاص .
الشيخ : طيب على كل حال الحمد لله الذي وفقنا لإكمال هذه السورة والحقيقة أن لشيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في هذه السورة نفسها فوائد جمة عظيمة لا تجدها في كتاب آخر ، ذكر فوائد عظيمة في قصة موسى والخضر ينبغي لطالب العلم أن يراجعها لأنها مفيدة جداً جداً ، وبقي علينا إن شاء الله الدورة التي يسأل الناس عنها ستكون إن شاء الله ابتداءً من يوم السبت وتكون ابتداؤها في الساعة الثامنة ، وإن كان الساعة الثامنة متأخرة لكن هي متأخرة من أجل أن يعطي الإخوان الذين ليسوا من أهل البلد فرصة لكن هل أنتم ضبطتم ما وقفنا عليه فيما سبق ؟ موجود لأن الورقة اللي عندي ما لقيتها .
إنا نقول بقلوبا وألسنتنا : ربنا الله ونسأل الله تعالى الاستقامة حتى ندخل في قول الله تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ))[فصلت:30] .
هذا سؤال يقرأ ولا خبر ؟
الطالب : سؤال ، إذا أردتم نقول : خلاص ، خلاص .
الشيخ : طيب على كل حال الحمد لله الذي وفقنا لإكمال هذه السورة والحقيقة أن لشيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في هذه السورة نفسها فوائد جمة عظيمة لا تجدها في كتاب آخر ، ذكر فوائد عظيمة في قصة موسى والخضر ينبغي لطالب العلم أن يراجعها لأنها مفيدة جداً جداً ، وبقي علينا إن شاء الله الدورة التي يسأل الناس عنها ستكون إن شاء الله ابتداءً من يوم السبت وتكون ابتداؤها في الساعة الثامنة ، وإن كان الساعة الثامنة متأخرة لكن هي متأخرة من أجل أن يعطي الإخوان الذين ليسوا من أهل البلد فرصة لكن هل أنتم ضبطتم ما وقفنا عليه فيما سبق ؟ موجود لأن الورقة اللي عندي ما لقيتها .
اضيفت في - 2007-08-13