تفسير سورة النمل-01a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
سبب تسمية هذه السورة بسورة النمل
سورة النمل
(( طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ ... ))[النمل:1] إلى آخره.
يقول: هذه سورة النمل وسميت به لذكر النمل فيها، وتسمية السور يكون بأدنى مناسبة، ولهذا البقرة سُميت سورة البقرة بذكر البقرة فيها، ولا يمتنع أن تسمى سورة بعدة أسماء لعدة مناسبات.
وقوله إنها مكيّة. الصواب في المكي والمدني أن الفرق بينهما ما نزل قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بعدها فهو مدني.
وقيل: المكي ما نزل بمكة والمدني ما نزل بالمدينة، وقيل: المكي ما فيه ذكر الأصول -أصول الإسلام أو الإيمان- والمدني ما فيه ذكر الفروع.
فعلى الأول يكون المعْتَبر الزمن، وعلى الثاني المُعْتَبر المكان، وعلى الثالث المعْتَبر الموضوع.
ولكن الذي عليه المحققون: أن ما كان بعد الهجرة فهو مدني وما قبلها فهو مكي، وقد ذكروا في أصول التفسير لذلك ضوابط يُرجع إليها.
(( طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ ... ))[النمل:1] إلى آخره.
يقول: هذه سورة النمل وسميت به لذكر النمل فيها، وتسمية السور يكون بأدنى مناسبة، ولهذا البقرة سُميت سورة البقرة بذكر البقرة فيها، ولا يمتنع أن تسمى سورة بعدة أسماء لعدة مناسبات.
وقوله إنها مكيّة. الصواب في المكي والمدني أن الفرق بينهما ما نزل قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بعدها فهو مدني.
وقيل: المكي ما نزل بمكة والمدني ما نزل بالمدينة، وقيل: المكي ما فيه ذكر الأصول -أصول الإسلام أو الإيمان- والمدني ما فيه ذكر الفروع.
فعلى الأول يكون المعْتَبر الزمن، وعلى الثاني المُعْتَبر المكان، وعلى الثالث المعْتَبر الموضوع.
ولكن الذي عليه المحققون: أن ما كان بعد الهجرة فهو مدني وما قبلها فهو مكي، وقد ذكروا في أصول التفسير لذلك ضوابط يُرجع إليها.
بسم الله الرحمن الرحيم
أما البسملة فقد تقدم الكلام عليها عدة مرات وبيّنا أن أحسن ما تقدر به أن يكون فعلاً مناسباً متأخراً.
أن يكون فعلاً لأنه الأصل في العوامل متأخراً لفائدتين هما: التبرك بتقديم اسم الله، والثاني إفادة الحصر. يعني: باسم الله لا باسم غيره، ومناسباً لأنه أخص من العام.
وفعلاً قلنا لأنه الأصل في العوامل، وهو أيضاً أدل على الحدوث.
بسم الله الرحمن الرحيم التقدير: بسم الله الرحمن الرحيم أقرأ، ويجوز أن تقدر أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ويجوز أن تقدر قراءتي بسم الله الرحمن الرحيم، أو بسم الله الرحمن الرحيم قراءتي.
لكن ما ذكرنا أولاً هو الأرجح، وأشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى رجحانه في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من لم يذبح فليذبح على اسم الله ) فذكرها فعلاً ولم يقل: فليكن ذبحه قال: ( فليذبح على اسم الله ).
أن يكون فعلاً لأنه الأصل في العوامل متأخراً لفائدتين هما: التبرك بتقديم اسم الله، والثاني إفادة الحصر. يعني: باسم الله لا باسم غيره، ومناسباً لأنه أخص من العام.
وفعلاً قلنا لأنه الأصل في العوامل، وهو أيضاً أدل على الحدوث.
بسم الله الرحمن الرحيم التقدير: بسم الله الرحمن الرحيم أقرأ، ويجوز أن تقدر أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ويجوز أن تقدر قراءتي بسم الله الرحمن الرحيم، أو بسم الله الرحمن الرحيم قراءتي.
لكن ما ذكرنا أولاً هو الأرجح، وأشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى رجحانه في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من لم يذبح فليذبح على اسم الله ) فذكرها فعلاً ولم يقل: فليكن ذبحه قال: ( فليذبح على اسم الله ).
قال الله تعالى : << طس تلك ءايات القرءان و كتاب مبين >>
قال الله تعالى: " (( طس ))[النمل:1] الله أعلم بمراده بذلك ".
هذا ما سلكه المؤلف وجماعة من أهل العلم بأن هذه الحروف الهجائية الموجودة في أوائل بعض السور موقفنا منها أن نقول: الله أعلم بمراده بذلك.
وقد سبق في درس التفسير في الليل أن الراجح من ذلك أن هذه الحروف هجائية، وأنه بمقتضى كون القرآن بلسانٍ عربي يقتضي أنه لا معنى له، وذكرنا أن هذا قد روي عن مجاهد، وأنها حروف هجائية ابتدأ الله بها ليس لها معنى، وعلى هذا نجزم بأنه لا معنى لها، لأنه لا معنى لها ولكن لها مغزى وهو: أن هذا القرآن الذي أعجز هؤلاء الفصحاء البلغاء إنما هو من هذه الحروف الهجائية التي يكون منها كلامهم يعني: ما أتى بحروف جديدة مثلاً يقولون: والله هذه حروف ما نعرفها! أتى بنفس الحروف التي هم يتكلمون بها.
ويؤيد ذلك أنه ما من حروف هجائية إلا ويأتي بعدها ذكر القرآن، اللهم إلا في سورتين أو شبهها، على أن هاتين السورتين مثل: (( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا ))[العنكبوت:1 - 2]، (( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ ))[الروم:1 - 2] فيها ما يدل على القرآن كالأخبار في قوله: (( غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ))[الروم:2 - 3] وهذا من خصائص الوحي.
(( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ))[العنكبوت:2] فيها أيضاً إخبار عن من مضى (( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ... ))[العنكبوت:3] إلى آخره.
وأما ما زعمه المتأخرون الخالفون من أن هذه الحروف تدل على إعجاز من نوع العدد والحكام، حيث زعموا أن هذه الحروف الهجائية يوجد نظيرها في السورة المفتتحة بها، ويكون مجموع هذا منقسماً على تسعة عشر، ويزعمون أن هذا أكبر آية بأن القرآن كلام الله، ويحتجون على ذلك بأن أول آية نزلت على زعمهم هي بسم الله الرحمن الرحيم، وأنها مكونة من تسعة عشر حرفاً، وأن هذا هو معنى قوله تعالى: (( لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ))[المدثر:29 - 30] وأن هذا تسعة عشر هي هذه الحروف.
كل هذا والعياذ بالله كذب ولا ينضبط، وهو متناقض أيضاً وغير مطرد، لكن هم فرحوا بهذا الكمبيوتر الذي أخرج لهم عدد الحروف وأنها بمجموعة تنقسم.
ونحن نقول: لا يمتنع أن الله سبحانه وتعالى أراد هذا، ولكنا نقول: لا نجزم بأن الله أراد هذا. فهنا فرق بين الجزم بأن هذه آية في القرآن، وبين أن نقول: لا نقول هذا.
أولاً: لأنه ليس في ذلك إعجاز، والبشر قد يسمعوا خطبة أو كلاماً يتكون الحروف الموجودة فيه، وتنقسم على هذا العدد أو على أي عدد كان، وليس بمعجز.
ثم إن البسملة ليست أول ما نزل من القرآن، أول ما نزل (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ))[العلق:1] ثم إن البسملة أيضاً حروفها ليست كما قالوا أنها تسعة عشر، لأن القرآن إنما نزل مقروءاً وإلا مكتوباً؟
الطلاب: مقروءا
الشيخ : مقروءا وهي بحروفها باعتبار القراءة ليست كذلك.
والكتابة كما تعلمون هي اصطلاح، ربما لو فرض أن الكتابة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وعهد الخلفاء ليست على هذا الشكل. يمكن أو لا يمكن؟ يمكن.
الآن فيه بعض الكتابات في بعض اللغات يجعلون الحركة حرفاً، ويجعلون الحرف حرفين، أو يختصرون يجعلون الحرفين حرفاً واحداً.
فالحاصل أن القرآن ما نزل مكتوباً وإنما نزل مقروءاً ولا حجة في ذلك.
إذاً: نقول: الله أعلم بمراده في ذلك، هذا أحد الأقوال في المسألة.
والقول الثاني: أنها رموز لأشياء معيّنة مثل ما ذهب إليه العلماء المتأخرون، أو مثل ما يذكر بعضهم أنها إشارة إلى حروب وملاحم تكون في آخر الزمان.. وما أشبه ذلك.
والثالث: أن يقال: إنه ليس لها معنى، وإذا أورد علينا كيف نجزم بذلك؟
فالجواب: أن هذا القرآن نزل بلغة العرب، ولغة العرب لا تجعل لهذه الحروف معنى، لكنها إذا قلنا بأنه ليس لها معنى فإنما لها مغزى يظهر والله أعلم أن الله أراد بها ذلك.
قال: " (( تِلْكَ )) أي: هذه الآيات (( آيَاتُ الْقُرْآنِ )) آيات منه (( وَكِتَابٍ مُبِينٍ ))[النمل:1] مظهر للحق من الباطل عطف بزيادة صفة هو (( هُدًى )) أي: هاد من الضلالة ".
(( تلك آيَاتُ الْقُرْآنِ ))[النمل:1] المشار إليه سابق أو لاحق؟
الطالب: لاحق.
الشيخ : المشار إليه لاحقٌ وليس بسابق.
وهذا مما تعود فيه الإشارة على متأخرٍ لفظاً ورتبة، وهو جائز إذا دل الدليل عليه.
وقوله: (( آيَاتُ الْقُرْآنِ )) يقول: " آيات منه " وإنما لجأ المؤلف إلى قوله: " آيات منه " لأننا لو أخذنا بظاهر الآية آيات القرآن لكان في ذلك حصرٌ للقرآن بهذه الآيات (( آيَاتُ الْقُرْآنِ ))[النمل:1] يعني: هذا الذي يشير إليه. ومعلومٌ أن هذا ليس آيات القرآن كلها ولكنه بعضٌ منها.
ويجوز مثلاً أن نجعل الآية على ظاهرها، ولا حاجة إلى التأويل، ونقول: (( تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ ))[النمل:1] يشار إلى بعض الجنس بإشارة الجنس كله، كما تقول مثلاً: هذا البشر وتشير إلى رجلٍ واحد، أو هذا الإنسان وتشير إلى رجلٍ واحد.
فالمعنى أن الإشارة إلى بعض الجنس بالجنس كله هذا سائغ ولا يحتاج إلى تأويل كما قال المؤلف.
وقوله: (( وَكِتَابٍ مُبِينٍ ))[النمل:1] يقول: " عطف بزيادة صفة هو (( هُدًى )) ".
عطف ويش هو عليه؟ (( وَكِتَابٍ ))[النمل:1]
الطالب: على آيات.
الشيخ : على آيات.طيب. يصح أو ما يصح هذا القول؟
الطالب: يصح آيات ...جار ومجرور
الشيخ : جار ومجرور إذاً على القرآن (( تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ ))[النمل:1] وتلك آياتُ كتابٍ.
وإنما وصف هذا القرآن بالقرآن والكتاب، لأنه مقروءٌ ومكتوب، فهو مكتوبٌ في اللوح المحفوظ، وهو مقروء بالألسن، وهو مكتوبٌ في المصاحف أيضاً. فكتابته سابقة ولاحقة، وقراءته لاحقة وإلا سابقة؟
الطالب: لاحقة
الشيخ : لاحقة لأنها بعد أن تكلم الله به ونزل به جبريل (( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ))[القيامة:17 - 18].
والقرآن مشتق أو مصدر؟ مصدر، لأنه مثل الغفران والشكران، فهو مصدر قرأ يقرأ بمعنى: تلا.
وقيل: إنه بمعنى جمع، لأن القاف والراء تدل على الجمع، ومنه القرية لأنها مجتمع الناس.
وفي الحقيقة أن القرآن جامعٌ للوصفين فهو متلوٌ وهو مجموع أيضاً.
وأما قوله: (( وَكِتَابٍ ))[النمل:1] فهي فعال بمعنى مفعول أي: مكتوب، وفعال بمعنى مفعول تأتي كثيراً في اللغة العربية مثل بناء بمعنى مبني، وغراس بمعنى مغروس، وفراس بمعنى مفروس.. وأمثلتها كثيرة.
وسُمي كتاباً لما أشرنا إليه قبل.
وقوله: (( مُبِينٍ ))[النمل:1] أي: " مظهر للحق من الباطل ".
كلمة مبين فعلها أبان، وأبان يأتي لازماً ويأتي متعدياً أي: يأتي بمعنى أظهر ويأتي بمعنى بان.
ولهذا تجد المفسّر تجده أحياناً يفسّر مبين بمعنى بيّن، وعلى هذا التفسير يكون من اللازم أو المتعدي؟
الطالب: من اللازم.
الشيخ : من اللازم، ويفسّرها أحياناً بمعنى مظهر فتكون من المتعدي، (( وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ))[آل عمران:164] ما معنى مبين؟
الطالب: بيّن.
الشيخ : أي: بيّن.. لفي ضلالٍ بيّن، فهي من أبان اللازم، وأما مثل هذه الآية: أن القرآن مُبين فهو بمعنى مظهر، وهل يستلزم كونه مظهراً أن يكون هو بيّناً؟
الطالب: نعم.
الشيخ : نعم. يستلزم، أو نقول: إنه من باب استعمال المشترك في معنيين.
والصحيح جوازه، وقد مر علينا هذا: هل يجوز استعمال المشترك في معنيين؟ والمشترك أيضاً ...من قبل وهو ما اتحد لفظه وتعدد معناه، هذا المشترك، وسُمّي بذلك لأن المعاني .... مشتركة في لفظٍ واحد.
المشترك الصحيح أنه يجوز استعماله في معنيين بشرط، أو بشرطين ذكرناهما قبل ليلتين وهي: أن لا يقع بينهما تعارض، وأن يكون محتملاً لهما. نعم فإن كان لا يحتملها ما يمكن يُحمل عليه، أو وقع بينهما تعارض ما يمكن لا بد أن يكون أحدهم هو المقصود.
هنا مثلاً إذا قلنا: أن مُبين من أبان اللازم ومن أبان المتعدي. يجوز أو لا يجوز؟ يجوز، وإن كان هذا مشتركاً لكنه إذا استُعمل في معنيين فإنه مستعمل على وجه لا تعارض فيه، فالقرآن بيّن والقرآن أيضاً مبين مظهر.
وعلى هذا التقدير تكون دلالة مبين على أن القرآن بيّن دلالة مطابقة أو دلالة التزام؟
الطالب: دلالة مطابقة.
الشيخ : دلالة مطابقة، إذا جعلنا مبين مستعملة في المعنيين فالدلالة مطابقة، لكن لو قلنا إن مبين بمعنى مظهر فدلالته على كونه بيّناً من باب دلالة الالتزام.
(( وَكِتَابٍ مُبِينٍ ))[النمل:1] " مظهر للحق من الباطل " هل هو على عمومه وإلا خاص بما نزل به القرآن؟
يقول الله تعالى: (( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ))[النحل:89] وهو عامٌ في كل شيء، لكن البيان قد يكون بياناً للشيء على وجه التخصيص، وقد يكون بياناً لأسبابه وطرقه.....
فالقرآن في الحقيقة تبياناً لكل شيء، حتى في غير الأمور الشرعية يبينها، لكن ما يبيّن تفصيلها، لأن هذه غير الأمور الشرعية خاضعة للزمن والمكان وأفهام الناس وقوتهم، لكنه يذكر الأسباب والطرق، وأن تستعملها في نفسك.
ولهذا إذا قال قائلٌ: كيف يصح هذا القول منكم ونحن لا نرى في القرآن عدد ركعات الصلاة، ولا نرى فيها أنها خمس صلوات، ولا نرى أنصبة الزكاة، ولا مقادير .... فيها. فما هو الجواب؟
الطالب: نقول في القرآن يقول الله سبحانه وتعالى كما قال ابن مسعود: (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ))[الحشر:7] فهذا تشمل ما بيّنه الرسول.
ثم أيضاً قوله تعالى: (( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ ))[النحل:89]، (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ))[آل عمران:7]، (( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ))[النحل:44] يعني .....
الشيخ : (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ))[النحل:44].
إذاً: يكون القرآن دالاً على هذا ببيان سببه وطريقه. فعندنا الآن طريق العلم بهذا الشيء هو ما فسّره الرسول عليه الصلاة والسلام إنه هذا وبيّنه القرآن، ولا يلزم أن يكون هذا القرآن لا بد أن يكتب كل التفاصيل (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ))[النساء:80].
وابن مسعود الذي أشار إليه إبراهيم في قصة لعن النامصة والمتنمصة إذ جاءت إليه امرأة فقالت:" إنا لا نجد هذا في كتاب الله " فقال:" بلى هو في كتاب الله " ثم تلا عليه هذه الآية .
الحاصل أن القرآن مبينٌ لكل شيء، لكن البيان قد يكون تفصيلياً، وهذا في بعض الأمور موجود كما في المواريث مثلاً في المطلقات. هذا تجده ما يشذ عن هذا إلا مسائل قليلة جداً، ومع ذلك بيانها موجود عند التأمل.
تفصيل الفرائض تفصيل ما شذ عنه شيء، ما شذ إلا كان مسألة واحدة وهي الجدة، هذه ما هي مذكورة في القرآن لكنها جاءت بها السنة، وأما ما عدا ذلك حتى المسائل الخلافية كالمشرفة مثلاً وكالعمريتين نجد أنها موجودة في القرآن، وكالجد والإخوة نجد أنه موجود بيانها في القرآن، لكنه يحتاج إلى تأمل.
هذا ما سلكه المؤلف وجماعة من أهل العلم بأن هذه الحروف الهجائية الموجودة في أوائل بعض السور موقفنا منها أن نقول: الله أعلم بمراده بذلك.
وقد سبق في درس التفسير في الليل أن الراجح من ذلك أن هذه الحروف هجائية، وأنه بمقتضى كون القرآن بلسانٍ عربي يقتضي أنه لا معنى له، وذكرنا أن هذا قد روي عن مجاهد، وأنها حروف هجائية ابتدأ الله بها ليس لها معنى، وعلى هذا نجزم بأنه لا معنى لها، لأنه لا معنى لها ولكن لها مغزى وهو: أن هذا القرآن الذي أعجز هؤلاء الفصحاء البلغاء إنما هو من هذه الحروف الهجائية التي يكون منها كلامهم يعني: ما أتى بحروف جديدة مثلاً يقولون: والله هذه حروف ما نعرفها! أتى بنفس الحروف التي هم يتكلمون بها.
ويؤيد ذلك أنه ما من حروف هجائية إلا ويأتي بعدها ذكر القرآن، اللهم إلا في سورتين أو شبهها، على أن هاتين السورتين مثل: (( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا ))[العنكبوت:1 - 2]، (( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ ))[الروم:1 - 2] فيها ما يدل على القرآن كالأخبار في قوله: (( غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ))[الروم:2 - 3] وهذا من خصائص الوحي.
(( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ))[العنكبوت:2] فيها أيضاً إخبار عن من مضى (( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ... ))[العنكبوت:3] إلى آخره.
وأما ما زعمه المتأخرون الخالفون من أن هذه الحروف تدل على إعجاز من نوع العدد والحكام، حيث زعموا أن هذه الحروف الهجائية يوجد نظيرها في السورة المفتتحة بها، ويكون مجموع هذا منقسماً على تسعة عشر، ويزعمون أن هذا أكبر آية بأن القرآن كلام الله، ويحتجون على ذلك بأن أول آية نزلت على زعمهم هي بسم الله الرحمن الرحيم، وأنها مكونة من تسعة عشر حرفاً، وأن هذا هو معنى قوله تعالى: (( لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ))[المدثر:29 - 30] وأن هذا تسعة عشر هي هذه الحروف.
كل هذا والعياذ بالله كذب ولا ينضبط، وهو متناقض أيضاً وغير مطرد، لكن هم فرحوا بهذا الكمبيوتر الذي أخرج لهم عدد الحروف وأنها بمجموعة تنقسم.
ونحن نقول: لا يمتنع أن الله سبحانه وتعالى أراد هذا، ولكنا نقول: لا نجزم بأن الله أراد هذا. فهنا فرق بين الجزم بأن هذه آية في القرآن، وبين أن نقول: لا نقول هذا.
أولاً: لأنه ليس في ذلك إعجاز، والبشر قد يسمعوا خطبة أو كلاماً يتكون الحروف الموجودة فيه، وتنقسم على هذا العدد أو على أي عدد كان، وليس بمعجز.
ثم إن البسملة ليست أول ما نزل من القرآن، أول ما نزل (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ))[العلق:1] ثم إن البسملة أيضاً حروفها ليست كما قالوا أنها تسعة عشر، لأن القرآن إنما نزل مقروءاً وإلا مكتوباً؟
الطلاب: مقروءا
الشيخ : مقروءا وهي بحروفها باعتبار القراءة ليست كذلك.
والكتابة كما تعلمون هي اصطلاح، ربما لو فرض أن الكتابة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وعهد الخلفاء ليست على هذا الشكل. يمكن أو لا يمكن؟ يمكن.
الآن فيه بعض الكتابات في بعض اللغات يجعلون الحركة حرفاً، ويجعلون الحرف حرفين، أو يختصرون يجعلون الحرفين حرفاً واحداً.
فالحاصل أن القرآن ما نزل مكتوباً وإنما نزل مقروءاً ولا حجة في ذلك.
إذاً: نقول: الله أعلم بمراده في ذلك، هذا أحد الأقوال في المسألة.
والقول الثاني: أنها رموز لأشياء معيّنة مثل ما ذهب إليه العلماء المتأخرون، أو مثل ما يذكر بعضهم أنها إشارة إلى حروب وملاحم تكون في آخر الزمان.. وما أشبه ذلك.
والثالث: أن يقال: إنه ليس لها معنى، وإذا أورد علينا كيف نجزم بذلك؟
فالجواب: أن هذا القرآن نزل بلغة العرب، ولغة العرب لا تجعل لهذه الحروف معنى، لكنها إذا قلنا بأنه ليس لها معنى فإنما لها مغزى يظهر والله أعلم أن الله أراد بها ذلك.
قال: " (( تِلْكَ )) أي: هذه الآيات (( آيَاتُ الْقُرْآنِ )) آيات منه (( وَكِتَابٍ مُبِينٍ ))[النمل:1] مظهر للحق من الباطل عطف بزيادة صفة هو (( هُدًى )) أي: هاد من الضلالة ".
(( تلك آيَاتُ الْقُرْآنِ ))[النمل:1] المشار إليه سابق أو لاحق؟
الطالب: لاحق.
الشيخ : المشار إليه لاحقٌ وليس بسابق.
وهذا مما تعود فيه الإشارة على متأخرٍ لفظاً ورتبة، وهو جائز إذا دل الدليل عليه.
وقوله: (( آيَاتُ الْقُرْآنِ )) يقول: " آيات منه " وإنما لجأ المؤلف إلى قوله: " آيات منه " لأننا لو أخذنا بظاهر الآية آيات القرآن لكان في ذلك حصرٌ للقرآن بهذه الآيات (( آيَاتُ الْقُرْآنِ ))[النمل:1] يعني: هذا الذي يشير إليه. ومعلومٌ أن هذا ليس آيات القرآن كلها ولكنه بعضٌ منها.
ويجوز مثلاً أن نجعل الآية على ظاهرها، ولا حاجة إلى التأويل، ونقول: (( تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ ))[النمل:1] يشار إلى بعض الجنس بإشارة الجنس كله، كما تقول مثلاً: هذا البشر وتشير إلى رجلٍ واحد، أو هذا الإنسان وتشير إلى رجلٍ واحد.
فالمعنى أن الإشارة إلى بعض الجنس بالجنس كله هذا سائغ ولا يحتاج إلى تأويل كما قال المؤلف.
وقوله: (( وَكِتَابٍ مُبِينٍ ))[النمل:1] يقول: " عطف بزيادة صفة هو (( هُدًى )) ".
عطف ويش هو عليه؟ (( وَكِتَابٍ ))[النمل:1]
الطالب: على آيات.
الشيخ : على آيات.طيب. يصح أو ما يصح هذا القول؟
الطالب: يصح آيات ...جار ومجرور
الشيخ : جار ومجرور إذاً على القرآن (( تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ ))[النمل:1] وتلك آياتُ كتابٍ.
وإنما وصف هذا القرآن بالقرآن والكتاب، لأنه مقروءٌ ومكتوب، فهو مكتوبٌ في اللوح المحفوظ، وهو مقروء بالألسن، وهو مكتوبٌ في المصاحف أيضاً. فكتابته سابقة ولاحقة، وقراءته لاحقة وإلا سابقة؟
الطالب: لاحقة
الشيخ : لاحقة لأنها بعد أن تكلم الله به ونزل به جبريل (( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ))[القيامة:17 - 18].
والقرآن مشتق أو مصدر؟ مصدر، لأنه مثل الغفران والشكران، فهو مصدر قرأ يقرأ بمعنى: تلا.
وقيل: إنه بمعنى جمع، لأن القاف والراء تدل على الجمع، ومنه القرية لأنها مجتمع الناس.
وفي الحقيقة أن القرآن جامعٌ للوصفين فهو متلوٌ وهو مجموع أيضاً.
وأما قوله: (( وَكِتَابٍ ))[النمل:1] فهي فعال بمعنى مفعول أي: مكتوب، وفعال بمعنى مفعول تأتي كثيراً في اللغة العربية مثل بناء بمعنى مبني، وغراس بمعنى مغروس، وفراس بمعنى مفروس.. وأمثلتها كثيرة.
وسُمي كتاباً لما أشرنا إليه قبل.
وقوله: (( مُبِينٍ ))[النمل:1] أي: " مظهر للحق من الباطل ".
كلمة مبين فعلها أبان، وأبان يأتي لازماً ويأتي متعدياً أي: يأتي بمعنى أظهر ويأتي بمعنى بان.
ولهذا تجد المفسّر تجده أحياناً يفسّر مبين بمعنى بيّن، وعلى هذا التفسير يكون من اللازم أو المتعدي؟
الطالب: من اللازم.
الشيخ : من اللازم، ويفسّرها أحياناً بمعنى مظهر فتكون من المتعدي، (( وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ))[آل عمران:164] ما معنى مبين؟
الطالب: بيّن.
الشيخ : أي: بيّن.. لفي ضلالٍ بيّن، فهي من أبان اللازم، وأما مثل هذه الآية: أن القرآن مُبين فهو بمعنى مظهر، وهل يستلزم كونه مظهراً أن يكون هو بيّناً؟
الطالب: نعم.
الشيخ : نعم. يستلزم، أو نقول: إنه من باب استعمال المشترك في معنيين.
والصحيح جوازه، وقد مر علينا هذا: هل يجوز استعمال المشترك في معنيين؟ والمشترك أيضاً ...من قبل وهو ما اتحد لفظه وتعدد معناه، هذا المشترك، وسُمّي بذلك لأن المعاني .... مشتركة في لفظٍ واحد.
المشترك الصحيح أنه يجوز استعماله في معنيين بشرط، أو بشرطين ذكرناهما قبل ليلتين وهي: أن لا يقع بينهما تعارض، وأن يكون محتملاً لهما. نعم فإن كان لا يحتملها ما يمكن يُحمل عليه، أو وقع بينهما تعارض ما يمكن لا بد أن يكون أحدهم هو المقصود.
هنا مثلاً إذا قلنا: أن مُبين من أبان اللازم ومن أبان المتعدي. يجوز أو لا يجوز؟ يجوز، وإن كان هذا مشتركاً لكنه إذا استُعمل في معنيين فإنه مستعمل على وجه لا تعارض فيه، فالقرآن بيّن والقرآن أيضاً مبين مظهر.
وعلى هذا التقدير تكون دلالة مبين على أن القرآن بيّن دلالة مطابقة أو دلالة التزام؟
الطالب: دلالة مطابقة.
الشيخ : دلالة مطابقة، إذا جعلنا مبين مستعملة في المعنيين فالدلالة مطابقة، لكن لو قلنا إن مبين بمعنى مظهر فدلالته على كونه بيّناً من باب دلالة الالتزام.
(( وَكِتَابٍ مُبِينٍ ))[النمل:1] " مظهر للحق من الباطل " هل هو على عمومه وإلا خاص بما نزل به القرآن؟
يقول الله تعالى: (( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ))[النحل:89] وهو عامٌ في كل شيء، لكن البيان قد يكون بياناً للشيء على وجه التخصيص، وقد يكون بياناً لأسبابه وطرقه.....
فالقرآن في الحقيقة تبياناً لكل شيء، حتى في غير الأمور الشرعية يبينها، لكن ما يبيّن تفصيلها، لأن هذه غير الأمور الشرعية خاضعة للزمن والمكان وأفهام الناس وقوتهم، لكنه يذكر الأسباب والطرق، وأن تستعملها في نفسك.
ولهذا إذا قال قائلٌ: كيف يصح هذا القول منكم ونحن لا نرى في القرآن عدد ركعات الصلاة، ولا نرى فيها أنها خمس صلوات، ولا نرى أنصبة الزكاة، ولا مقادير .... فيها. فما هو الجواب؟
الطالب: نقول في القرآن يقول الله سبحانه وتعالى كما قال ابن مسعود: (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ))[الحشر:7] فهذا تشمل ما بيّنه الرسول.
ثم أيضاً قوله تعالى: (( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ ))[النحل:89]، (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ))[آل عمران:7]، (( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ))[النحل:44] يعني .....
الشيخ : (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ))[النحل:44].
إذاً: يكون القرآن دالاً على هذا ببيان سببه وطريقه. فعندنا الآن طريق العلم بهذا الشيء هو ما فسّره الرسول عليه الصلاة والسلام إنه هذا وبيّنه القرآن، ولا يلزم أن يكون هذا القرآن لا بد أن يكتب كل التفاصيل (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ))[النساء:80].
وابن مسعود الذي أشار إليه إبراهيم في قصة لعن النامصة والمتنمصة إذ جاءت إليه امرأة فقالت:" إنا لا نجد هذا في كتاب الله " فقال:" بلى هو في كتاب الله " ثم تلا عليه هذه الآية .
الحاصل أن القرآن مبينٌ لكل شيء، لكن البيان قد يكون تفصيلياً، وهذا في بعض الأمور موجود كما في المواريث مثلاً في المطلقات. هذا تجده ما يشذ عن هذا إلا مسائل قليلة جداً، ومع ذلك بيانها موجود عند التأمل.
تفصيل الفرائض تفصيل ما شذ عنه شيء، ما شذ إلا كان مسألة واحدة وهي الجدة، هذه ما هي مذكورة في القرآن لكنها جاءت بها السنة، وأما ما عدا ذلك حتى المسائل الخلافية كالمشرفة مثلاً وكالعمريتين نجد أنها موجودة في القرآن، وكالجد والإخوة نجد أنه موجود بيانها في القرآن، لكنه يحتاج إلى تأمل.
قال الله تعالى : << هدى وبشرى للمؤمنين >>
قال الله تعالى: (( وَكِتَابٍ مُبِينٍ ))[النمل:1] " مظهر للحق من الباطل عطف بزيادة صفة " أين الصفة؟ مبين.
ثم قال: " هو (( هُدًى )) " قدّر المؤلف هو ليبين لنا إعراب هدىً، فعلى تقديره يكون هدى خبر لمبتدأ محذوف، التقدير " هو (( هُدًى )) أي: هاد من الضلالة ".
ومعلومٌ أن هدى مصدر وأن هادٍ اسم فعل، فيكون المؤلف هنا فسّر المصدر باسم الفاعل. وفي تفسيره نظر، لأن الأولى أن يُجعل المصدر على بابه، لسببين:
السبب الأول: أن تحويل اسم الفاعل إلى المصدر أبلغ، فإنك إذا قلت فلانٌ عدلٌ وفلانٌ عادل، أيهما أبلغ؟
عدلٌ أبلغ يعني: كأنه مصدر لعدل، لكن عادل متصف بالعدل الموجود في غيره، فلا شك أن المصدر أبلغ.
السبب الثاني في هذه الآية: أن جعله هدى معناه أن القرآن نفسه هدى يهتدي به الإنسان، فهو كالعلم الذي يسير الإنسان وراءه حتى يصل إلى غايته. مثلما سماه الله تعالى نوراً (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ))[النساء:174].
فنحن نقول: إن هدى يجب أن تبقى على ما هي عليه أي: أنها مصدر وهو أبلغ من تحويلها إلى اسم الفاعل، والثاني أنها مصدر لأن القرآن نفسه هدى، ليس هادياً بل هو هدىً يهتدى به.
مثلما قال: (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ))[النساء:174]
وقوله تعالى: (( هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ))[النمل:2] بشرى أيضاً بمعنى بشارة، لكن لمن؟ " للمؤمنين المصدقين به بالجنة ".
قوله: بالجنة نذكر هذا بعد.
قوله: (( لِلْمُؤْمِنِينَ ))[النمل:2] أي: المصدّقين به، ما يكفي هنا الإيمان مجرد التصديق، بل الإيمان الموجود في القرآن لا بد فيه من قبول وإذعان مع التصديق، أما مجرد التصديق ما يكفي، والدليل على أن مجرد التصديق ما يكفي أن أبا طالب كان مصدقاً لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول:"
لقد علموا أن ابننا لا مكذّب لدينا ولا يُعنى بقول الأباطل
ولقد علمت بأن دين محمدٍ من خير أديان البرية دينا.
لولا الملامة أو حذار مسبة لرأيتني سمحاً بذاك مبيناً
فإذاً هو ما قبل ولا أذعن، وليس بمؤمن، فالإيمان كل ما وجدت الإيمان في كتاب الله فالمراد به التصديق المستلزم للقبول والإذعان، فليس مجرد تصديق.
فإذاً للمؤمنين المصدّقين به القابلين له المذعنين لأحكامه، لا بد من هذا.
وقوله: (( هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ))[النمل:2] يستفاد من ذلك: أنه كلما كمُل الإيمان في العبد كمُل اهتداؤه بالقرآن، لأن الشيء إذا عُلِّق بوصف زاد بزيادة ذلك الوصف ونقص بنقصه، الحكم إذا عُلِّق بوصف فإن هذا الوصف يزيد الحكم بزيادته وينقص بنقصانه. وهذا معلوم حتى في المحسوس. حتى في المحسوس تجد أن الشيء المعلّق بالشيء يزيد بزيادته وينقص بنقصانه.
فنقول: كلما ازداد الإنسان إيماناً ازداد اهتداءً بالقرآن، ويدلك على هذا قول الله تعالى: (( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ))[التوبة:124].
ويدل أيضاً على هذا قوله تعالى: (( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ))[المائدة:13].
وأيضاً (( وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ))[النمل:2] البشارة هي الإخبار بما يسر، وقد تُطلق على الإخبار بما يسوء، لكن بقرينه.
وهنا يقول: " بشرى بالجنة ".
ولكن الصحيح أنها بشرى بما هو أعم بالجنة وبالعزة والكرامة وبالنصر، قال الله تعالى: (( وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ))[الصف:13] بعدما ذكر الجنة للمؤمنين (( نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ )) ، ثم قال: (( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ))[الصف:13].
يعني: بشّرهم بما لهم في الجنة وبشرهم بما لهم في الدنيا من النصر، وكل إنسان بطبيعته البشرية يحب أن ينتصر على عدوه اليس كذلك ؟ ويحب أن يكون له العز والكرامة، هذا لا يمكن أن يكون إلا بالإيمان، وكلما زدنا إيماناً ازددنا انتصاراً على عدونا، وكلما تخاذلنا في الإيمان خُذلنا (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ))[الرعد:11].
وإذا أردتم دليلاً على هذا فانظروا إلى الذين يدندنون بالقومية العربية من متى يدندنون بها؟ أظنه من أول القرن يعني: من زمان، وتبلغ هذه الدعوة أوجها في .... ومع ذلك لا يزدادون إلا تأخراً وضعفاً، لأنهم ليسوا على إيمان، لكن لما ظهرت بادرة الدعوة إلى الإسلام والتضامن الإسلامي، ماذا حصل؟
حاولوا بكل ما يستطيعون أن يقضوا على هذا، ليس من الدول الكافرة بل حتى من الدول التي تزعم أنها مسلمة وهي عربية، وصاروا يقولون: إن هذه دعوة رجعية إلى آخره.
وأخيراً قُضي على من قام بها وبالدعوة إليها، فالحاصل: أنا الآن إذا أردنا أن نرجع إلى العزة والكرامة والنصر فلا يكون ذلك إلا بالإيمان.
وقد يقول قائل: كيف ننتصر بالإيمان على القنابل الذرية والهيدروجينية؟
الطالب: بالله...
الشيخ : نقول: إذا أخذنا بالقوة المعنوية فإن توفرت لنا القوة المادية وإلا جاءت القوة الإلهية، فنحن مثلاً من جملة الإيمان أن نستعد، لكن إذا عجزنا عن الاستعداد جاء دور النصر الإلهي، فيبطل ما عليه هؤلاء الأعداء من القوة، والله تبارك وتعالى على كل شيء قدير، التغيرات الجوية تؤثر في أسلحتهم هذه وإلا لا؟. الصواعق تدمرها، الخسف يذهب بها وبأهلها. وكل هذا بيد الله عز وجل، وقد حدّثني إنسان في العام الماضي ذهب إلى أفغانستان للقتال معهم وهو شاب متخرج من أمريكا، لكنه أصر -وأظن قد قصصت عليكم قصته- إلا أن يجاهد، وقال: ما يمكن أن أموت بدون جهاد، ولزّم على أمه وأبيه وجعلوا الحكم إلى الله سبحانه وتعالى ثم إليّ أحكم بينهم، هم يقولون: لا تروح وهو يقول: لا. أبغي أروح، يقولون: لا تذهب ما حجيت حجة الفريضة، وهو يقول: لا. أروح وألتزم لكم أني أرجع وأحج.
المهم بعدما أفطر رمضان العام الماضي راح، شاهد الإيمان يقول: مع قلّة العدّة التي عندهم حتى يقول: الأدوية ما عندهم أدوية إلا الأدوية قديمة فاسدة، تبيع عليهم هذه الشركات وتغشهم.
لكن يقول: شاهدت بعيني .... وفي المسجد للجمعة يجتمعون فيه، يقول: الروس يحرصون يوم الجمعة على أنهم يأتون إلى هذا المسجد ليدمّروه، يقول: هم يجعلون على المناطق ناس يحرسون المسجد وما حوله.
فجاءت يقول: القنابل وضربت على الأرض على المسجد يريدون المسجد، لكن يقول: كلها ما تضرب المسجد، وتضرب اللي حوله ولا تثور سبحان الله العظيم!
يقول: ما ثارت إلا واحدة فقط ثارت على أحد الجنود وقتلته، والباقي يقول: أبت. يعني: يخرجون ما كأن شيءٍ أبد، وهذه من آيات الله سبحانه وتعالى.
فالحاصل نقول: إن النصر يجب أن نعرف أنه لا يعتمد على القوة المادية فقط، هناك وراءها شيء.
ولهذا يقول الله عز وجل: (( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ))[الحج:40 - 41] أربعة آلاف، قد يقول قائل: ومالنا وللنصر مع هذه الصفات عند القنابل وغيرها، لكن ختم الآية بقوله: (( وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ))[الحج:41] ما هي بالأمور الحسية، العاقبة لله عز وجل فهو سبحانه وتعالى يدير الأيام على من عصى وخالف.
الطالب: ...؟
الشيخ : نعم صحيح، فلربما يكون هذا.
على كل حال لا تستبعد، لكن نحن نستبعد النصر بسبب أعمالنا في الحقيقة، ما عندنا رصيد يخوّل لنا أن ننتصر.
إذاً: (( وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ))[النمل:2] بالجنة كما قال المؤلف أو بما هو أعم؟
الطالب: بما هو أعم.
الشيخ : ما هو الدليل؟
الطالب: لقوله تعالى في سورة الصف.
الشيخ : في سورة الصف (( تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ ... ))[الصف:11 - 12].
ثم قال: (( وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ )) ثم قال: (( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ))[الصف:13].
ثم قال: " هو (( هُدًى )) " قدّر المؤلف هو ليبين لنا إعراب هدىً، فعلى تقديره يكون هدى خبر لمبتدأ محذوف، التقدير " هو (( هُدًى )) أي: هاد من الضلالة ".
ومعلومٌ أن هدى مصدر وأن هادٍ اسم فعل، فيكون المؤلف هنا فسّر المصدر باسم الفاعل. وفي تفسيره نظر، لأن الأولى أن يُجعل المصدر على بابه، لسببين:
السبب الأول: أن تحويل اسم الفاعل إلى المصدر أبلغ، فإنك إذا قلت فلانٌ عدلٌ وفلانٌ عادل، أيهما أبلغ؟
عدلٌ أبلغ يعني: كأنه مصدر لعدل، لكن عادل متصف بالعدل الموجود في غيره، فلا شك أن المصدر أبلغ.
السبب الثاني في هذه الآية: أن جعله هدى معناه أن القرآن نفسه هدى يهتدي به الإنسان، فهو كالعلم الذي يسير الإنسان وراءه حتى يصل إلى غايته. مثلما سماه الله تعالى نوراً (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ))[النساء:174].
فنحن نقول: إن هدى يجب أن تبقى على ما هي عليه أي: أنها مصدر وهو أبلغ من تحويلها إلى اسم الفاعل، والثاني أنها مصدر لأن القرآن نفسه هدى، ليس هادياً بل هو هدىً يهتدى به.
مثلما قال: (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ))[النساء:174]
وقوله تعالى: (( هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ))[النمل:2] بشرى أيضاً بمعنى بشارة، لكن لمن؟ " للمؤمنين المصدقين به بالجنة ".
قوله: بالجنة نذكر هذا بعد.
قوله: (( لِلْمُؤْمِنِينَ ))[النمل:2] أي: المصدّقين به، ما يكفي هنا الإيمان مجرد التصديق، بل الإيمان الموجود في القرآن لا بد فيه من قبول وإذعان مع التصديق، أما مجرد التصديق ما يكفي، والدليل على أن مجرد التصديق ما يكفي أن أبا طالب كان مصدقاً لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول:"
لقد علموا أن ابننا لا مكذّب لدينا ولا يُعنى بقول الأباطل
ولقد علمت بأن دين محمدٍ من خير أديان البرية دينا.
لولا الملامة أو حذار مسبة لرأيتني سمحاً بذاك مبيناً
فإذاً هو ما قبل ولا أذعن، وليس بمؤمن، فالإيمان كل ما وجدت الإيمان في كتاب الله فالمراد به التصديق المستلزم للقبول والإذعان، فليس مجرد تصديق.
فإذاً للمؤمنين المصدّقين به القابلين له المذعنين لأحكامه، لا بد من هذا.
وقوله: (( هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ))[النمل:2] يستفاد من ذلك: أنه كلما كمُل الإيمان في العبد كمُل اهتداؤه بالقرآن، لأن الشيء إذا عُلِّق بوصف زاد بزيادة ذلك الوصف ونقص بنقصه، الحكم إذا عُلِّق بوصف فإن هذا الوصف يزيد الحكم بزيادته وينقص بنقصانه. وهذا معلوم حتى في المحسوس. حتى في المحسوس تجد أن الشيء المعلّق بالشيء يزيد بزيادته وينقص بنقصانه.
فنقول: كلما ازداد الإنسان إيماناً ازداد اهتداءً بالقرآن، ويدلك على هذا قول الله تعالى: (( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ))[التوبة:124].
ويدل أيضاً على هذا قوله تعالى: (( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ))[المائدة:13].
وأيضاً (( وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ))[النمل:2] البشارة هي الإخبار بما يسر، وقد تُطلق على الإخبار بما يسوء، لكن بقرينه.
وهنا يقول: " بشرى بالجنة ".
ولكن الصحيح أنها بشرى بما هو أعم بالجنة وبالعزة والكرامة وبالنصر، قال الله تعالى: (( وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ))[الصف:13] بعدما ذكر الجنة للمؤمنين (( نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ )) ، ثم قال: (( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ))[الصف:13].
يعني: بشّرهم بما لهم في الجنة وبشرهم بما لهم في الدنيا من النصر، وكل إنسان بطبيعته البشرية يحب أن ينتصر على عدوه اليس كذلك ؟ ويحب أن يكون له العز والكرامة، هذا لا يمكن أن يكون إلا بالإيمان، وكلما زدنا إيماناً ازددنا انتصاراً على عدونا، وكلما تخاذلنا في الإيمان خُذلنا (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ))[الرعد:11].
وإذا أردتم دليلاً على هذا فانظروا إلى الذين يدندنون بالقومية العربية من متى يدندنون بها؟ أظنه من أول القرن يعني: من زمان، وتبلغ هذه الدعوة أوجها في .... ومع ذلك لا يزدادون إلا تأخراً وضعفاً، لأنهم ليسوا على إيمان، لكن لما ظهرت بادرة الدعوة إلى الإسلام والتضامن الإسلامي، ماذا حصل؟
حاولوا بكل ما يستطيعون أن يقضوا على هذا، ليس من الدول الكافرة بل حتى من الدول التي تزعم أنها مسلمة وهي عربية، وصاروا يقولون: إن هذه دعوة رجعية إلى آخره.
وأخيراً قُضي على من قام بها وبالدعوة إليها، فالحاصل: أنا الآن إذا أردنا أن نرجع إلى العزة والكرامة والنصر فلا يكون ذلك إلا بالإيمان.
وقد يقول قائل: كيف ننتصر بالإيمان على القنابل الذرية والهيدروجينية؟
الطالب: بالله...
الشيخ : نقول: إذا أخذنا بالقوة المعنوية فإن توفرت لنا القوة المادية وإلا جاءت القوة الإلهية، فنحن مثلاً من جملة الإيمان أن نستعد، لكن إذا عجزنا عن الاستعداد جاء دور النصر الإلهي، فيبطل ما عليه هؤلاء الأعداء من القوة، والله تبارك وتعالى على كل شيء قدير، التغيرات الجوية تؤثر في أسلحتهم هذه وإلا لا؟. الصواعق تدمرها، الخسف يذهب بها وبأهلها. وكل هذا بيد الله عز وجل، وقد حدّثني إنسان في العام الماضي ذهب إلى أفغانستان للقتال معهم وهو شاب متخرج من أمريكا، لكنه أصر -وأظن قد قصصت عليكم قصته- إلا أن يجاهد، وقال: ما يمكن أن أموت بدون جهاد، ولزّم على أمه وأبيه وجعلوا الحكم إلى الله سبحانه وتعالى ثم إليّ أحكم بينهم، هم يقولون: لا تروح وهو يقول: لا. أبغي أروح، يقولون: لا تذهب ما حجيت حجة الفريضة، وهو يقول: لا. أروح وألتزم لكم أني أرجع وأحج.
المهم بعدما أفطر رمضان العام الماضي راح، شاهد الإيمان يقول: مع قلّة العدّة التي عندهم حتى يقول: الأدوية ما عندهم أدوية إلا الأدوية قديمة فاسدة، تبيع عليهم هذه الشركات وتغشهم.
لكن يقول: شاهدت بعيني .... وفي المسجد للجمعة يجتمعون فيه، يقول: الروس يحرصون يوم الجمعة على أنهم يأتون إلى هذا المسجد ليدمّروه، يقول: هم يجعلون على المناطق ناس يحرسون المسجد وما حوله.
فجاءت يقول: القنابل وضربت على الأرض على المسجد يريدون المسجد، لكن يقول: كلها ما تضرب المسجد، وتضرب اللي حوله ولا تثور سبحان الله العظيم!
يقول: ما ثارت إلا واحدة فقط ثارت على أحد الجنود وقتلته، والباقي يقول: أبت. يعني: يخرجون ما كأن شيءٍ أبد، وهذه من آيات الله سبحانه وتعالى.
فالحاصل نقول: إن النصر يجب أن نعرف أنه لا يعتمد على القوة المادية فقط، هناك وراءها شيء.
ولهذا يقول الله عز وجل: (( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ))[الحج:40 - 41] أربعة آلاف، قد يقول قائل: ومالنا وللنصر مع هذه الصفات عند القنابل وغيرها، لكن ختم الآية بقوله: (( وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ))[الحج:41] ما هي بالأمور الحسية، العاقبة لله عز وجل فهو سبحانه وتعالى يدير الأيام على من عصى وخالف.
الطالب: ...؟
الشيخ : نعم صحيح، فلربما يكون هذا.
على كل حال لا تستبعد، لكن نحن نستبعد النصر بسبب أعمالنا في الحقيقة، ما عندنا رصيد يخوّل لنا أن ننتصر.
إذاً: (( وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ))[النمل:2] بالجنة كما قال المؤلف أو بما هو أعم؟
الطالب: بما هو أعم.
الشيخ : ما هو الدليل؟
الطالب: لقوله تعالى في سورة الصف.
الشيخ : في سورة الصف (( تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ ... ))[الصف:11 - 12].
ثم قال: (( وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ )) ثم قال: (( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ))[الصف:13].
قال الله تعالى : << الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يقنون >>
طيب. ثم قال الله تعالى: " (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ))[النمل:3] يأتون بها على وجهها ".
أقام الشيء: أتى به مستقيماً، ولا تكون الصلاة مستقيمة إلا إذا أتى بها على وجهها.
وإقامة الصلاة كما تعرفون نوعان: نوعٌ لا بد منه، وهو الإتيان بالأركان والواجبات والشروط.
ونوعٌ يكون على وجه الكمال، وهو الإتيان بالمكملات من السنن وغيرها.
" (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ))[النمل:3] يأتون بها على وجهها (( وَيُؤْتُونَ )) يعطون ((الزَّكَاةَ ))[النمل:3] " إلى آخره.
طيب قوله: (( يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ))[النمل:3] هل المراد الفريضة وإلا النافلة؟
الطالب: الفريضة.
الطالب: عام.
الشيخ : نعم. عام، لأنه لا يجوز للإنسان أن يأتي بالسنة مثلاً على وجهٍ ينافي الكمال الواجب، لو قال واحد: أنا سأتطوع أتسنن تطوع، لكن لا أقرأ الفاتحة لأنها سنة، يجوز و إلا لا؟
لا يجوز، نقول: الآن يجب عليك أن تقرأ الفاتحة، لو قال: ما أنا برافع، أو ما أنا بساجد. ما يمكن هذا.
فإذاً: الآية الصلاة عامة إقامتها في الواجب وفي التطوع.
وقوله: (( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ )) ما بيّن المفعول الثاني ليؤتوا، لكنه معلوم. ما هو التقدير؟ يؤتون الزكاة مستحقها، وقد بيّن الله تبارك وتعالى مستحق الزكاة في سورة براءة ببيان واضح مفصّل.
وقوله: (( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ )) الزكاة لا حاجة إلى تعريفها عندكم لأنكم تعرفونها، وسميت زكاةً لأنها تزكي الإنسان (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ))[التوبة:103].
قوله: (( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ )) هذا ثناءٌ على المؤتين للزكاة والسورة كما رأينا مكيّة، فهل معنى ذلك أن الزكاة فُرضت في مكة أو في المدينة؟
المعروف عند أهل العلم أنها فُرضت في المدينة، ولكن الصحيح أنها فرضت بمكة، ولكن تقدير أنصبائها وبيان الأموال على وجه التفصيل كان ذلك في المدينة، هذا هو الصحيح وهو الذي به تجتمع الأدلة.
وقوله: (( وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ))[النمل:3].
أقام الشيء: أتى به مستقيماً، ولا تكون الصلاة مستقيمة إلا إذا أتى بها على وجهها.
وإقامة الصلاة كما تعرفون نوعان: نوعٌ لا بد منه، وهو الإتيان بالأركان والواجبات والشروط.
ونوعٌ يكون على وجه الكمال، وهو الإتيان بالمكملات من السنن وغيرها.
" (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ))[النمل:3] يأتون بها على وجهها (( وَيُؤْتُونَ )) يعطون ((الزَّكَاةَ ))[النمل:3] " إلى آخره.
طيب قوله: (( يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ))[النمل:3] هل المراد الفريضة وإلا النافلة؟
الطالب: الفريضة.
الطالب: عام.
الشيخ : نعم. عام، لأنه لا يجوز للإنسان أن يأتي بالسنة مثلاً على وجهٍ ينافي الكمال الواجب، لو قال واحد: أنا سأتطوع أتسنن تطوع، لكن لا أقرأ الفاتحة لأنها سنة، يجوز و إلا لا؟
لا يجوز، نقول: الآن يجب عليك أن تقرأ الفاتحة، لو قال: ما أنا برافع، أو ما أنا بساجد. ما يمكن هذا.
فإذاً: الآية الصلاة عامة إقامتها في الواجب وفي التطوع.
وقوله: (( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ )) ما بيّن المفعول الثاني ليؤتوا، لكنه معلوم. ما هو التقدير؟ يؤتون الزكاة مستحقها، وقد بيّن الله تبارك وتعالى مستحق الزكاة في سورة براءة ببيان واضح مفصّل.
وقوله: (( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ )) الزكاة لا حاجة إلى تعريفها عندكم لأنكم تعرفونها، وسميت زكاةً لأنها تزكي الإنسان (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ))[التوبة:103].
قوله: (( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ )) هذا ثناءٌ على المؤتين للزكاة والسورة كما رأينا مكيّة، فهل معنى ذلك أن الزكاة فُرضت في مكة أو في المدينة؟
المعروف عند أهل العلم أنها فُرضت في المدينة، ولكن الصحيح أنها فرضت بمكة، ولكن تقدير أنصبائها وبيان الأموال على وجه التفصيل كان ذلك في المدينة، هذا هو الصحيح وهو الذي به تجتمع الأدلة.
وقوله: (( وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ))[النمل:3].
الأسئلة
الطالب: .... الزكاة .... ما يكون من باب .....؟
الشيخ : لا. هذا من باب التطوع .....
الطالب: ليبين الزكاة؟
الشيخ : ليبين الزكاة وخلاها موكولة للإنسان يخرج ما شاء، لأجل النفوس تتعود ثم بعد ذلك يُفرض عليها الشيء الذي أراده الله سبحانه وتعالى.
الطالب: يعني كأنه اختاره.
الشيخ : نعم. يختار ما يخرج، هذا قد يكون من الأشياء التي تطورت، الصلاة فُرضت ركعتين ثم أقرت في صلاة السفر وزيدت في صلاة الحضر، الزكاة هكذا فُرضت أولاً على اختيار الإنسان ثم حُددت، الصيام فُرض على سبيل التخيير ثم عُيّن.
الحج هو الذي ما أعلم فيه إلا أنه فُرض مرة واحدة، ولكن السبب في ذلك أنه أتى في السنة التاسعة أو العاشرة بعد أن استقر الإيمان في القلوب، فلا حاجة إلى أن تدرج النفوس من مرحلة إلى مرحلة.
الطالب: قول ابن عباس....؟
الشيخ : ما هو صحيح، لو كان هذا قوله فحديث عائشة صريح بأن أول ما فرضت الصلاة ركعتين ..
الطالب: .... صحيحة.
الشيخ : لكن هذا أصح منه، وأنا ما علمت الذي تقول هذا عن ابن عباس، حتى لو قاله ابن عباس فحديث عائشة أصح.
الطالب: هناك من العلماء مثل ابن حجر جمع بين الحديثين بأن عائشة ذكرت....، وابن عباس ذكر ما استقر عند الناس ... ..... أربعة، ثم فُرضت ركعتين وزيدت في غيره.
الشيخ : يعني فُرضت مرتين يعني؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ : مع أن حديث عائشة صريح صحيح (( أول ما فُرضت ركعتين ))، فعلى هذا الجمع معناه أنها فُرضت أولا أربعاً ثم فُرضت ركعتين ثم قُسِّم إلى حضر وسفر.
الطالب: هل يجوز التدريج بالأحكام مثل الآن..
الشيخ : الظاهر أنه يجوز، وأن يأمره بالأهم فالأهم مثلما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام معاذ بن جبل مع أن الأحكام مستقرة، قال: ( أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم إقام الصلاة، ثم إيتاء الزكاة ) مع أن كلها هذه كانت مفروضة، وحتى الصوم والحج أيضاً مفروض.
الشيخ : لا. هذا من باب التطوع .....
الطالب: ليبين الزكاة؟
الشيخ : ليبين الزكاة وخلاها موكولة للإنسان يخرج ما شاء، لأجل النفوس تتعود ثم بعد ذلك يُفرض عليها الشيء الذي أراده الله سبحانه وتعالى.
الطالب: يعني كأنه اختاره.
الشيخ : نعم. يختار ما يخرج، هذا قد يكون من الأشياء التي تطورت، الصلاة فُرضت ركعتين ثم أقرت في صلاة السفر وزيدت في صلاة الحضر، الزكاة هكذا فُرضت أولاً على اختيار الإنسان ثم حُددت، الصيام فُرض على سبيل التخيير ثم عُيّن.
الحج هو الذي ما أعلم فيه إلا أنه فُرض مرة واحدة، ولكن السبب في ذلك أنه أتى في السنة التاسعة أو العاشرة بعد أن استقر الإيمان في القلوب، فلا حاجة إلى أن تدرج النفوس من مرحلة إلى مرحلة.
الطالب: قول ابن عباس....؟
الشيخ : ما هو صحيح، لو كان هذا قوله فحديث عائشة صريح بأن أول ما فرضت الصلاة ركعتين ..
الطالب: .... صحيحة.
الشيخ : لكن هذا أصح منه، وأنا ما علمت الذي تقول هذا عن ابن عباس، حتى لو قاله ابن عباس فحديث عائشة أصح.
الطالب: هناك من العلماء مثل ابن حجر جمع بين الحديثين بأن عائشة ذكرت....، وابن عباس ذكر ما استقر عند الناس ... ..... أربعة، ثم فُرضت ركعتين وزيدت في غيره.
الشيخ : يعني فُرضت مرتين يعني؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ : مع أن حديث عائشة صريح صحيح (( أول ما فُرضت ركعتين ))، فعلى هذا الجمع معناه أنها فُرضت أولا أربعاً ثم فُرضت ركعتين ثم قُسِّم إلى حضر وسفر.
الطالب: هل يجوز التدريج بالأحكام مثل الآن..
الشيخ : الظاهر أنه يجوز، وأن يأمره بالأهم فالأهم مثلما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام معاذ بن جبل مع أن الأحكام مستقرة، قال: ( أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم إقام الصلاة، ثم إيتاء الزكاة ) مع أن كلها هذه كانت مفروضة، وحتى الصوم والحج أيضاً مفروض.
تتمة تفسير الآية السابقة .
قال: " (( وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ))[النمل:3] يعلمونها بالاستدلال وأعيدهم لما فصل بينه وبين الخبر" .وقوله: (( وَهُمْ )) مبتدأ ويوقنون خبره، وبالآخرة متعلق بيوقنون.
ولكن كلمة هم أعيدت مرة ثانية، هل هذا من باب التوكيد (( وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ))[النمل:3] يعني: وهم هم الذين يوقنون دون غيرهم، أو أنه كما قال المؤلف: للفصل بينه وبين الخبر، والفاصل قوله: بالآخرة.
يحتمل هذا وهذا وقد يجوز أن يكون المراد الجميع، فبين الله سبحانه وتعالى أنهم هم أهل الإيقان حيث كرر الضمير مرتين، وكرر أيضاً مرتين ليطول الفصل بين الخبر وبين المبتدأ بالفصل.
ولكن الإيقان يقول المؤلف: " يعلمونها بالاستدلال " إنما قال: بالاستدلال، لأن اليقين أخص من العلم، إذ أن اليقين معناها العلم الذي لا يتطرق إليه الاحتمال، فهو أعلى درجات العلم.
وهذا إنما يكون بالاستدلال. يعني: بالأدلة المبيّنة المقنعة، فلهذا فسّر المؤلف اليقين بأنه العلم بالأشياء عن طريق الاستدلال.
وقوله: (( بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ))[النمل:3] المراد بالآخرة أنه يُبعث الناس فقط؟ لا. كلما أخبر الله تعالى به مما يكون في هذا اليوم أو أخبر به رسوله، فإنه داخل بالآخرة.
بل إن شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إنه يدخل في الإيمان باليوم الآخر كل ما أخبر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يكون بعد الموت.
فعلى هذا يكون الآخرة المراد بها ما بعد الدنيا، يشمل عذاب القبر ونعيم القبر، ويشمل كذلك الموازين في يوم القيامة، والحوض المورود للرسول عليه الصلاة والسلام.. وما ذُكر.
هل بقي شيءٌ من الإيمان؟ لأنه ذكر إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيقان بالآخرة.
الطالب: الإيمان بالرسل.
الشيخ : لا نحن ذكرنا أن الإيمان بالله يتضمن الإيمان بالرسل، ويتضمن الإيمان بالكتب، بل ويتضمن الإيمان باليوم الآخر أيضاً، والإيمان بالملائكة.
الطالب: وبالقدر.
الشيخ : الإيمان بالقدر من الإيمان بالله، لأن القدر قدر الله سبحانه وتعالى، لكن بقي عندنا الصيام والحج وهو من أركان الإسلام.
والجواب على ذلك: أن السورة مكيّة، والصيام والحج لم يفرض بمكة بالاتفاق، فالصيام فُرض في السنة الثانية، والحج فُرض في السنة التاسعة أو العاشرة على القول الراجح. وعلى هذا فلا يرد على هذا.. ما في الآية إشكال.
طيب ويستفاد منها: أن الإنسان إذا آمن بالشرائع المنزّلة فهو كامل الإيمان وإن لم يدرك الفرائض المتأخرة، فالذين ماتوا من الصحابة قبل فرض الصيام إسلامهم كامل، بل إن الرجل يمكن أن يؤمن ويموت قبل أن يصلي صلاة واحدة، ويكون بذلك كامل الإيمان يعني: إيمانه هو كامل وإن كان غيره الذي أدرك أكمل منه، لكنه هو بالنسبة إليه ما يقال إيمانه ناقص. أي: أنه ناقص نقصاً يُخل به.
(( وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ))[النمل:3].
ولكن كلمة هم أعيدت مرة ثانية، هل هذا من باب التوكيد (( وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ))[النمل:3] يعني: وهم هم الذين يوقنون دون غيرهم، أو أنه كما قال المؤلف: للفصل بينه وبين الخبر، والفاصل قوله: بالآخرة.
يحتمل هذا وهذا وقد يجوز أن يكون المراد الجميع، فبين الله سبحانه وتعالى أنهم هم أهل الإيقان حيث كرر الضمير مرتين، وكرر أيضاً مرتين ليطول الفصل بين الخبر وبين المبتدأ بالفصل.
ولكن الإيقان يقول المؤلف: " يعلمونها بالاستدلال " إنما قال: بالاستدلال، لأن اليقين أخص من العلم، إذ أن اليقين معناها العلم الذي لا يتطرق إليه الاحتمال، فهو أعلى درجات العلم.
وهذا إنما يكون بالاستدلال. يعني: بالأدلة المبيّنة المقنعة، فلهذا فسّر المؤلف اليقين بأنه العلم بالأشياء عن طريق الاستدلال.
وقوله: (( بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ))[النمل:3] المراد بالآخرة أنه يُبعث الناس فقط؟ لا. كلما أخبر الله تعالى به مما يكون في هذا اليوم أو أخبر به رسوله، فإنه داخل بالآخرة.
بل إن شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إنه يدخل في الإيمان باليوم الآخر كل ما أخبر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يكون بعد الموت.
فعلى هذا يكون الآخرة المراد بها ما بعد الدنيا، يشمل عذاب القبر ونعيم القبر، ويشمل كذلك الموازين في يوم القيامة، والحوض المورود للرسول عليه الصلاة والسلام.. وما ذُكر.
هل بقي شيءٌ من الإيمان؟ لأنه ذكر إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيقان بالآخرة.
الطالب: الإيمان بالرسل.
الشيخ : لا نحن ذكرنا أن الإيمان بالله يتضمن الإيمان بالرسل، ويتضمن الإيمان بالكتب، بل ويتضمن الإيمان باليوم الآخر أيضاً، والإيمان بالملائكة.
الطالب: وبالقدر.
الشيخ : الإيمان بالقدر من الإيمان بالله، لأن القدر قدر الله سبحانه وتعالى، لكن بقي عندنا الصيام والحج وهو من أركان الإسلام.
والجواب على ذلك: أن السورة مكيّة، والصيام والحج لم يفرض بمكة بالاتفاق، فالصيام فُرض في السنة الثانية، والحج فُرض في السنة التاسعة أو العاشرة على القول الراجح. وعلى هذا فلا يرد على هذا.. ما في الآية إشكال.
طيب ويستفاد منها: أن الإنسان إذا آمن بالشرائع المنزّلة فهو كامل الإيمان وإن لم يدرك الفرائض المتأخرة، فالذين ماتوا من الصحابة قبل فرض الصيام إسلامهم كامل، بل إن الرجل يمكن أن يؤمن ويموت قبل أن يصلي صلاة واحدة، ويكون بذلك كامل الإيمان يعني: إيمانه هو كامل وإن كان غيره الذي أدرك أكمل منه، لكنه هو بالنسبة إليه ما يقال إيمانه ناقص. أي: أنه ناقص نقصاً يُخل به.
(( وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ))[النمل:3].
قال الله تعالى : << إن الذين لا يؤمنون بالأخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون >>
" (( إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ))[النمل:4] القبيحة بتركيب الشهوة حتى رأوها حسنة (( فَهُمْ يَعْمَهُونَ ))[النمل:4] يتحيرون فيها لقبحها عندنا ".
(( إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ))[النمل:4] أي: لا يصدقون بها كذا نقول
الطالب: لايصدقون بها
الشيخ : لأن من لم يصدّق لا يمكن أن يقبل ويذعن.طيب. إذا صدّقوا بها ولم يقبلوا ولم يذعنوا نفس الشيء.
إذاً: (( لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ))[النمل:4] يشمل نفي التصديق ونفي القبول ونفي الإذعان، وأظنكم تعرفون الفرق بين القبول والإذعان.
أقبل مثلاً أن هذا الشيء فرض وأعتقده فرضاً لكن ما أفعله، ما الذي تخلف؟ الإذعان. وأما عدم القبول يرفض هذا، هذا ما هو بواجب ولا نعترف بأنه فرض. وأما التكذيب فهو الإنكار المطلق.
(( إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ))[النمل:4] أي: لا يصدقون بها كذا نقول
الطالب: لايصدقون بها
الشيخ : لأن من لم يصدّق لا يمكن أن يقبل ويذعن.طيب. إذا صدّقوا بها ولم يقبلوا ولم يذعنوا نفس الشيء.
إذاً: (( لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ))[النمل:4] يشمل نفي التصديق ونفي القبول ونفي الإذعان، وأظنكم تعرفون الفرق بين القبول والإذعان.
أقبل مثلاً أن هذا الشيء فرض وأعتقده فرضاً لكن ما أفعله، ما الذي تخلف؟ الإذعان. وأما عدم القبول يرفض هذا، هذا ما هو بواجب ولا نعترف بأنه فرض. وأما التكذيب فهو الإنكار المطلق.
الأسئلة
الطالب: الفرق بين التصديق والقبول.
الشيخ : التصديق أنه يصدّق بأن هذا حق لكنه ما يقبله.. يقول: نعم هذا الرجل جاء بحق لكني أنا ما أقبله وأرفض، والقبول في الغالب يكون في المعتقدات والإذعان في الأعمال الظاهرة كأعمال الجوارح.
الشيخ : التصديق أنه يصدّق بأن هذا حق لكنه ما يقبله.. يقول: نعم هذا الرجل جاء بحق لكني أنا ما أقبله وأرفض، والقبول في الغالب يكون في المعتقدات والإذعان في الأعمال الظاهرة كأعمال الجوارح.
تتمة تفسير الأية السابقة .
طيب. (( زَيَّنَّا لَهُمْ ))[النمل:4] هذه الجملة زيّنا خبر إن، وتفيد أن العِلَّة في التزيين عدم الإيمان بالآخرة، وأن الله تعالى لم يزين لهم .
اضيفت في - 2007-08-13