تفسير سورة النمل-04a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
قال الله تعالى : << حتى إذآ أتوا على واد النمل قالت نملة يآأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون >>
...وحشر لسليمان ؟ نقرأ ونأخذ فوائدها .
قال الله تبارك وتعالى: (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:18].
قوله: (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا )) هذه غاية لما سبق وهو قوله: (( وَحُشِرَ * حَتَّى إِذَا ))[النمل:17 - 18] وعلى هذا فيكون في الكلام حذفاً تقديره: وساروا حتى إذا أتوا. فبعد أن جمع الجنود ووزعوا فرُد أولهم إلى آخرهم ونظّموا ساروا.
(( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ ))[النمل:18] أتوا أي: سليمان وجنوده أي: مرّوا.
قوله: (( عَلَى وَادِ النَّمْلِ ))[النمل:18] ظاهر الكلام أن هذا الوادي معروفٌ بهذا اللقب، أنه يسمى: واد النمل.
ويحتمل لكنه خلاف الظاهر أن يكون هذا الوادي وادياً فيه نملٌ. يعني: حتى إذا أتوا على وادٍ فيه نمل، وليس معروفاً بهذا اللقب بأنه واد النمل، ولكن الأولى الأخذ بظاهر اللفظ وهو أن يكون هذا الوادي معروفاً بكثرة نمله، وأنه يلقّب بهذا اللقب لكثرته، والنمل معروف وهو من الحيوانات التي نُهي عن قتلها كما في السنن: ( أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قتل أربعٍ من الدواب ) وذكر منها: ( النملة ).
وفي الصحيح أيضاً في أحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه قرصته نملة فأمر بقرية النمل كلها فأُحرقت، فعاتبه الله على ذلك وقال: هلّا نملةً واحدة؟
هذا النمل من جملة المخلوقات التي تعرف ربها وتعرف ما ينفعها وما يضرّها، على حسب ما رُكِّب من هداية، وقد قال موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفرعون لما قال: (( فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ))[طه:49 - 50] أعطى كل شيءٍ خلقه أي: الخلق اللائق به، كل شيء من الحيوان وغيره له خلقٌ يليق به أعطاه الله، ثم هداه هدى هذا الخلق أيضاً لما تقوم به مصالحه.
فهذه النمل من جملة المخلوقات التي أعطاها الله تبارك وتعالى خلقها وهداها، (( أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ ))[النمل:18] " وهو بالطائف أو بالشام " خلاف، ولا دليل لا على الطائف ولا على الشام، والأقرب أنه في الشام ومع ذلك لا نجزم به، لأن مقر سليمان عليه الصلاة والسلام كان في الشام، ومع هذا ما نجزم به.
وتعيين المكان هل هو من الأمور التي لا بد منها في القصة؟
لا، لأن المقصود الاعتبار بما جرى في أي مكان كان من الأرض.
وقال: " نمله صغارٌ أو كبار " أيضاً ما لنا ولهذا، بعضهم يقول: نمله كبار، النملة بكبر الذئب يعني: صارت النمل حمير! هذا ما هو صحيح، بل النمل هو المعروف في لغة العرب، وكل من فسّر شيئاً من القرآن بخلاف ما تقتضيه اللغة العربية فإنه لا بد له من دليل، وإلا فيرد عليه، لأن معنا أصلٌ أصيل في تفسير القرآن وهو قوله تعالى: (( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ))[الشعراء:195] فمن زعم أن شيئاً من القرآن على خلاف هذا اللسان العربي المبين فعليه الدليل.
على هذا نقول: النمل هو النمل المعروف، وأما القول بأنه كبار وأنه كبر الذئاب، فهذا لا دليل عليه.
الطالب: .....؟
الشيخ : لا لا، النمل المعروف هذا.
قال: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) هذا جواب (( إِذاَ )) (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا )) " (( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) ملكة النمل وقد رأت جند سليمان (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ... ))[النمل:18] إلى آخره ".
قال: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) يقول: " ملكة النمل وقد رأت جند سليمان ".
أما قوله: وقد رأت جند سليمان فهذا واضح، الله أعلم أنها رأته أو أحسّته، قد يكون إحساساً بدون نظر، وقد يكون نظراً، إنما على كل حال هي أدركت قربه ووصول سليمان بجنوده إليهم.
وقوله تعالى: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ ))[النمل:18] نملة منكّر، وظاهر كلام المفسّر أنها معرّفة، لأنه قال: " ملكة النمل " وهذا يقتضي أن يكون التعبير: قالت النملة. يعني: النملة المعهودة وهي الملكة، ولما لم يكن التعبير بقوله: قالت النملة. دل على أن القائل لا يتعين أن يكون ملكة النمل وإنما هي نملة من النمل، وهذا ليس بغريب، فإنه كما لو أقبل جندٌ على طائفة من الناس ورآه واحدٌ منهم يصيح بهم وإلا لا؟ ولا يلزم أن يكون هذا الصائح هو الأمير أو الملك.
ولهذا الصحيح إبقاء القرآن على ظاهره، وأنها نملة من هذا النمل ولا يلزم أن تكون الملكة، لأن مثل هذه الأحوال أي واحد يشعر من الطائفة الموجودة يشعر بالخوف يصيح بهم وينذر.. أنا النذير العريان.
(( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) إذاً: الصواب أن نقول: قالت نملة من النمل ولا نعيّنها بأنها الملكة.
طيب. " وقد رأت جند سليمان " هل يتعيّن أيضاً أن يكون لفظ رؤية أو يجوز أن يكون إحساس...؟
الطالب: .... إن رأت....
الشيخ : نعم. لكن الرؤية هل يتعين الإدراك بالرؤية؟ أو يجوز أيضاً بالإحساس والسمع؟ يمكن هذا، وحينئذ نسأل: هل للنمل أعين؟
الطالب: نعم. لها إشعار، لها قرون.
الشيخ : هذه أيضاً تحتاج إلى دراسة علم الأحياء، إنما هي قد رأيت كلام يقول: إن النمل أنه بإذن الله إذا نشأ فإنه يفرز أشياء تمشي النملات الأخرى على رائحتها، وهذا شيءٌ أنا شاهدته بعيني، كان في بساط مثل هذا البساط بس كبير، المهم أنه من هذا النوع، وكان النمل هذا يمشي ويأتي على زاوية ثم يرجع. يعني: يمشي مستطيل ويأتي على الزاوية ويرجع. كل النمل على هذا.
يعني: ما يروح ..... يختصر، فأنا تعجبت كيف يعرف ...، لو كان على تراب فالذي على التراب يبيّن أثر النمل ويمشي بعضه مع بعض، لكن هذا ليس على التراب.
ولكن بعد أن قرأت هذا عنه عرفت أنه إذا مشى يكون له رائحة، وتمشي بقية النمل عليه، وهذا من آيات الله سبحانه وتعالى، هذا معنى قوله: (( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ))[طه:50].
على كل حال: الذي يلزمنا من هذه الآية الكريمة أن النملة أدركت ذلك برؤية أو بغيرها.
يقول: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:18].
انظر هذه الجملة تضمنت نداء وأمراً وإرشاداً وتحذيراً وتعزيراً، وغير ذلك مما يمكن أن ندركه إن شاء الله بعد الكلام بالتفصيل.
(( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ))[النمل:18] هذا نداء، وقد مر علينا مرات أن تصدير الجملة بالنداء الغرض منه التنبيه. يعني: إذا قلت: افعل أو يا فلان افعل الأخيرة أعظم وأبلغ، فهذا لتنبيهه.
ثم قولها: (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ))[النمل:18] نداء بعيد، مصدّر بتنبيه (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ )) لأنه لو قالت: يا نملُ. فقد يخفى لأنكم ترون الإنسان أول ما يكلمك قد يخفى أول الجملة، إذا جاء بشيءٍ ينبّه قبل الدخول في الموضوع المقصود، صار ما يفوت الإنسان من المقصود شيء.. لا يفوت السامع من المقصود شيءٌ هي قالت: يا أيها النمل ولم تقل: يا نمل.
ثم إن نداء البعيد أيضاً يدل على أنها صوتت لصوتٍ سمعه الكل (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ )).
وفي قولها: (( ادْخُلُوا )) هذا أمر والمراد به الإرشاد، وفي تعيين المساكن وهي الملاجئ، هذه مثل صفارات الإنذار عند الناس إذا صفّرت صفارة الإنذار أين يذهبون للسطوح؟ لا. للملاجئ، وهي أيضاً أرشدتهم إلى ملاجئهم (( ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ )).
ثم فيه أيضاً إشارة إلى أن هذه المساكن كما أنها أكنان يكتن بها الإنسان، فهي أيضاً حصون يحترز بها الإنسان (( أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ))[المرسلات:25 - 26].
وفي قولها: (( مَسَاكِنَكُمْ )) الإضافة هنا على تقدير اللام أو على تقدير من؟
الطالب: اللام مساكن لكم.
الشيخ : نعم. على تقدير لام لا من ولا في، لأن الإضافة تكون على تقدير من إذا كان المضاف من جنس المضاف إليه كخاتم حديد، وباب خشب. وتكون على تقدير في إذا كان المضاف إليه ظرفاً للمضاف، كما في قوله تعالى: (( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ))[سبأ:33] أي: مكرٌ في الليل.
وتكون على تقدير اللام وهي الغالب والأكثر، وهنا على تقدير اللام، واللام المقدّرة بالإضافة هنا هي للاختصاص أو للملك؟
الطالب: للملك، .....
الشيخ : بالنسبة لنا للاختصاص، لكن بالنسبة لهن النمل فيما بينهن الظاهر أنه للملك، أن كل واحدة منهن تعرف بيتها وأنه ما أحد يدخل عليها.
الطالب: ما تملكه.
الشيخ : تملكه، إن كان يعرفن عقد بيع يمكن يدخل أيضاً سدله.
(( لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ )) هذا التحذير، الشاهد هو التحذير.
" (( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) يكسرنكم " والجملة هذه كالتعليل لأمر في قولها: (( ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ )) يعني كأن قائلاً يقول: لماذا؟ لا يحطمنكم سليمان، فالجملة تعليل وهي تحذير.. تعليلٌ وتحذير، هذا من بلاغتها أيضاً ما قالت: ادخلوا مساكنكم وبس، عيّنت المحذَّر منه وهو: لا يحطمنكم سليمان.
ثم أتت بهذه الجملة الشديدة الوقف ما قالت: لا يطأنكم، قالت: لا يحطمنكم. أيها أشد وقعاً؟
الطالب: الأخيرة.
الشيخ : الأخيرة أشد، لأن الوطء قد يلزم منه الكسر والإتلاف وقد لا يلزم، ثم هو الوطء هادئ بالنسبة لكلمة التحطيم.
وهل المقام يقتضي هذا أن يأتي بالعبارة الغليظة؟ نعم، لأن المقام مقام تحذير وبسرعة إذا لم يفعلن هذا بسرعة فإنهم يحطّمون، قال: لا يَحْطِمَنَّكُم وهنا قالت: (( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) وقالت: (( ادْخُلُوا )).
والتعبير بادخلوا ولا يحطمنكم بالميم هذا لا يكون إلا للعاقل، لأن غير العاقل يؤنّث: ادخلن مساكنكم، ولا يحطمنكن. ولكنها هي قالت: (( ادْخُلُوا ))، و(( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) تنزيلاً لهن منزلة العاقل.
أو يقال هُن بالنسبة لبعضهن عقلاء مثل ما قلن إن المساكن بالنسبة لبعضهن ملك وبالنسبة لنا اختصاص.
(( لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ )) وهذا التعبير يدل على أن عظمة سليمان متقررة عندهن وهو كذلك، وقوله: (( سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ )) ما قالت: وجنده، لأن الذي فهمنا من القرآن أن معه ثلاثة أصناف من الجنود هم: الإنس، والجن، والطير. كما سبق.
وقوله: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ )) هذا اعتذار لسليمان وجنوده أنهم لم يتقصدوا أن يحطموكم، ولكن بغير شعورٍ منهم، لأنكم كما تعرفون الجنود والجيش العظيم الواسع وهذه نمل صغار، يمكن يحطمه وهو ما شعر، ثم إن الغالب أن مثل هذا الجند الكثير ما يستطيع أن ينكف بعضه عن بعض فيما إذا وجدوا جحر نملٍ مثلاً.
فهذا معنى قولها: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:18].
يعني لو قال قائل: كيف وهم لا يشعرون؟ هل هم يمشون بغير هدىً؟ نقول: لا. يمشون بهدى، لكن من المعروف أننا إذا قارنا بين هذا الجند العظيم الواسع وبين صغر هذه النمل فإن الغالب أنهم لا يشعرون بها.
فهذه الجمل البليغة العظيمة من هذا المخلوق الذي ليس في أعين الناس شيئاً وهو من أصغر المخلوقات، ماذا يدلنا عليه هذا؟ يدل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وأن ما هو أعظم من هذه المخلوقات النمل هو أعظم منها أيضاً في مثل هذه الأمور، لأن من أعطى الصغيرة هذا الإعطاء وهداه هذه الهداية فالكبير أحوج إلى الهداية
قال الله تبارك وتعالى: (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:18].
قوله: (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا )) هذه غاية لما سبق وهو قوله: (( وَحُشِرَ * حَتَّى إِذَا ))[النمل:17 - 18] وعلى هذا فيكون في الكلام حذفاً تقديره: وساروا حتى إذا أتوا. فبعد أن جمع الجنود ووزعوا فرُد أولهم إلى آخرهم ونظّموا ساروا.
(( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ ))[النمل:18] أتوا أي: سليمان وجنوده أي: مرّوا.
قوله: (( عَلَى وَادِ النَّمْلِ ))[النمل:18] ظاهر الكلام أن هذا الوادي معروفٌ بهذا اللقب، أنه يسمى: واد النمل.
ويحتمل لكنه خلاف الظاهر أن يكون هذا الوادي وادياً فيه نملٌ. يعني: حتى إذا أتوا على وادٍ فيه نمل، وليس معروفاً بهذا اللقب بأنه واد النمل، ولكن الأولى الأخذ بظاهر اللفظ وهو أن يكون هذا الوادي معروفاً بكثرة نمله، وأنه يلقّب بهذا اللقب لكثرته، والنمل معروف وهو من الحيوانات التي نُهي عن قتلها كما في السنن: ( أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قتل أربعٍ من الدواب ) وذكر منها: ( النملة ).
وفي الصحيح أيضاً في أحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه قرصته نملة فأمر بقرية النمل كلها فأُحرقت، فعاتبه الله على ذلك وقال: هلّا نملةً واحدة؟
هذا النمل من جملة المخلوقات التي تعرف ربها وتعرف ما ينفعها وما يضرّها، على حسب ما رُكِّب من هداية، وقد قال موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفرعون لما قال: (( فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ))[طه:49 - 50] أعطى كل شيءٍ خلقه أي: الخلق اللائق به، كل شيء من الحيوان وغيره له خلقٌ يليق به أعطاه الله، ثم هداه هدى هذا الخلق أيضاً لما تقوم به مصالحه.
فهذه النمل من جملة المخلوقات التي أعطاها الله تبارك وتعالى خلقها وهداها، (( أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ ))[النمل:18] " وهو بالطائف أو بالشام " خلاف، ولا دليل لا على الطائف ولا على الشام، والأقرب أنه في الشام ومع ذلك لا نجزم به، لأن مقر سليمان عليه الصلاة والسلام كان في الشام، ومع هذا ما نجزم به.
وتعيين المكان هل هو من الأمور التي لا بد منها في القصة؟
لا، لأن المقصود الاعتبار بما جرى في أي مكان كان من الأرض.
وقال: " نمله صغارٌ أو كبار " أيضاً ما لنا ولهذا، بعضهم يقول: نمله كبار، النملة بكبر الذئب يعني: صارت النمل حمير! هذا ما هو صحيح، بل النمل هو المعروف في لغة العرب، وكل من فسّر شيئاً من القرآن بخلاف ما تقتضيه اللغة العربية فإنه لا بد له من دليل، وإلا فيرد عليه، لأن معنا أصلٌ أصيل في تفسير القرآن وهو قوله تعالى: (( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ))[الشعراء:195] فمن زعم أن شيئاً من القرآن على خلاف هذا اللسان العربي المبين فعليه الدليل.
على هذا نقول: النمل هو النمل المعروف، وأما القول بأنه كبار وأنه كبر الذئاب، فهذا لا دليل عليه.
الطالب: .....؟
الشيخ : لا لا، النمل المعروف هذا.
قال: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) هذا جواب (( إِذاَ )) (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا )) " (( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) ملكة النمل وقد رأت جند سليمان (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ... ))[النمل:18] إلى آخره ".
قال: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) يقول: " ملكة النمل وقد رأت جند سليمان ".
أما قوله: وقد رأت جند سليمان فهذا واضح، الله أعلم أنها رأته أو أحسّته، قد يكون إحساساً بدون نظر، وقد يكون نظراً، إنما على كل حال هي أدركت قربه ووصول سليمان بجنوده إليهم.
وقوله تعالى: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ ))[النمل:18] نملة منكّر، وظاهر كلام المفسّر أنها معرّفة، لأنه قال: " ملكة النمل " وهذا يقتضي أن يكون التعبير: قالت النملة. يعني: النملة المعهودة وهي الملكة، ولما لم يكن التعبير بقوله: قالت النملة. دل على أن القائل لا يتعين أن يكون ملكة النمل وإنما هي نملة من النمل، وهذا ليس بغريب، فإنه كما لو أقبل جندٌ على طائفة من الناس ورآه واحدٌ منهم يصيح بهم وإلا لا؟ ولا يلزم أن يكون هذا الصائح هو الأمير أو الملك.
ولهذا الصحيح إبقاء القرآن على ظاهره، وأنها نملة من هذا النمل ولا يلزم أن تكون الملكة، لأن مثل هذه الأحوال أي واحد يشعر من الطائفة الموجودة يشعر بالخوف يصيح بهم وينذر.. أنا النذير العريان.
(( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) إذاً: الصواب أن نقول: قالت نملة من النمل ولا نعيّنها بأنها الملكة.
طيب. " وقد رأت جند سليمان " هل يتعيّن أيضاً أن يكون لفظ رؤية أو يجوز أن يكون إحساس...؟
الطالب: .... إن رأت....
الشيخ : نعم. لكن الرؤية هل يتعين الإدراك بالرؤية؟ أو يجوز أيضاً بالإحساس والسمع؟ يمكن هذا، وحينئذ نسأل: هل للنمل أعين؟
الطالب: نعم. لها إشعار، لها قرون.
الشيخ : هذه أيضاً تحتاج إلى دراسة علم الأحياء، إنما هي قد رأيت كلام يقول: إن النمل أنه بإذن الله إذا نشأ فإنه يفرز أشياء تمشي النملات الأخرى على رائحتها، وهذا شيءٌ أنا شاهدته بعيني، كان في بساط مثل هذا البساط بس كبير، المهم أنه من هذا النوع، وكان النمل هذا يمشي ويأتي على زاوية ثم يرجع. يعني: يمشي مستطيل ويأتي على الزاوية ويرجع. كل النمل على هذا.
يعني: ما يروح ..... يختصر، فأنا تعجبت كيف يعرف ...، لو كان على تراب فالذي على التراب يبيّن أثر النمل ويمشي بعضه مع بعض، لكن هذا ليس على التراب.
ولكن بعد أن قرأت هذا عنه عرفت أنه إذا مشى يكون له رائحة، وتمشي بقية النمل عليه، وهذا من آيات الله سبحانه وتعالى، هذا معنى قوله: (( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ))[طه:50].
على كل حال: الذي يلزمنا من هذه الآية الكريمة أن النملة أدركت ذلك برؤية أو بغيرها.
يقول: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:18].
انظر هذه الجملة تضمنت نداء وأمراً وإرشاداً وتحذيراً وتعزيراً، وغير ذلك مما يمكن أن ندركه إن شاء الله بعد الكلام بالتفصيل.
(( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ))[النمل:18] هذا نداء، وقد مر علينا مرات أن تصدير الجملة بالنداء الغرض منه التنبيه. يعني: إذا قلت: افعل أو يا فلان افعل الأخيرة أعظم وأبلغ، فهذا لتنبيهه.
ثم قولها: (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ))[النمل:18] نداء بعيد، مصدّر بتنبيه (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ )) لأنه لو قالت: يا نملُ. فقد يخفى لأنكم ترون الإنسان أول ما يكلمك قد يخفى أول الجملة، إذا جاء بشيءٍ ينبّه قبل الدخول في الموضوع المقصود، صار ما يفوت الإنسان من المقصود شيء.. لا يفوت السامع من المقصود شيءٌ هي قالت: يا أيها النمل ولم تقل: يا نمل.
ثم إن نداء البعيد أيضاً يدل على أنها صوتت لصوتٍ سمعه الكل (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ )).
وفي قولها: (( ادْخُلُوا )) هذا أمر والمراد به الإرشاد، وفي تعيين المساكن وهي الملاجئ، هذه مثل صفارات الإنذار عند الناس إذا صفّرت صفارة الإنذار أين يذهبون للسطوح؟ لا. للملاجئ، وهي أيضاً أرشدتهم إلى ملاجئهم (( ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ )).
ثم فيه أيضاً إشارة إلى أن هذه المساكن كما أنها أكنان يكتن بها الإنسان، فهي أيضاً حصون يحترز بها الإنسان (( أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ))[المرسلات:25 - 26].
وفي قولها: (( مَسَاكِنَكُمْ )) الإضافة هنا على تقدير اللام أو على تقدير من؟
الطالب: اللام مساكن لكم.
الشيخ : نعم. على تقدير لام لا من ولا في، لأن الإضافة تكون على تقدير من إذا كان المضاف من جنس المضاف إليه كخاتم حديد، وباب خشب. وتكون على تقدير في إذا كان المضاف إليه ظرفاً للمضاف، كما في قوله تعالى: (( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ))[سبأ:33] أي: مكرٌ في الليل.
وتكون على تقدير اللام وهي الغالب والأكثر، وهنا على تقدير اللام، واللام المقدّرة بالإضافة هنا هي للاختصاص أو للملك؟
الطالب: للملك، .....
الشيخ : بالنسبة لنا للاختصاص، لكن بالنسبة لهن النمل فيما بينهن الظاهر أنه للملك، أن كل واحدة منهن تعرف بيتها وأنه ما أحد يدخل عليها.
الطالب: ما تملكه.
الشيخ : تملكه، إن كان يعرفن عقد بيع يمكن يدخل أيضاً سدله.
(( لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ )) هذا التحذير، الشاهد هو التحذير.
" (( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) يكسرنكم " والجملة هذه كالتعليل لأمر في قولها: (( ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ )) يعني كأن قائلاً يقول: لماذا؟ لا يحطمنكم سليمان، فالجملة تعليل وهي تحذير.. تعليلٌ وتحذير، هذا من بلاغتها أيضاً ما قالت: ادخلوا مساكنكم وبس، عيّنت المحذَّر منه وهو: لا يحطمنكم سليمان.
ثم أتت بهذه الجملة الشديدة الوقف ما قالت: لا يطأنكم، قالت: لا يحطمنكم. أيها أشد وقعاً؟
الطالب: الأخيرة.
الشيخ : الأخيرة أشد، لأن الوطء قد يلزم منه الكسر والإتلاف وقد لا يلزم، ثم هو الوطء هادئ بالنسبة لكلمة التحطيم.
وهل المقام يقتضي هذا أن يأتي بالعبارة الغليظة؟ نعم، لأن المقام مقام تحذير وبسرعة إذا لم يفعلن هذا بسرعة فإنهم يحطّمون، قال: لا يَحْطِمَنَّكُم وهنا قالت: (( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) وقالت: (( ادْخُلُوا )).
والتعبير بادخلوا ولا يحطمنكم بالميم هذا لا يكون إلا للعاقل، لأن غير العاقل يؤنّث: ادخلن مساكنكم، ولا يحطمنكن. ولكنها هي قالت: (( ادْخُلُوا ))، و(( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) تنزيلاً لهن منزلة العاقل.
أو يقال هُن بالنسبة لبعضهن عقلاء مثل ما قلن إن المساكن بالنسبة لبعضهن ملك وبالنسبة لنا اختصاص.
(( لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ )) وهذا التعبير يدل على أن عظمة سليمان متقررة عندهن وهو كذلك، وقوله: (( سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ )) ما قالت: وجنده، لأن الذي فهمنا من القرآن أن معه ثلاثة أصناف من الجنود هم: الإنس، والجن، والطير. كما سبق.
وقوله: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ )) هذا اعتذار لسليمان وجنوده أنهم لم يتقصدوا أن يحطموكم، ولكن بغير شعورٍ منهم، لأنكم كما تعرفون الجنود والجيش العظيم الواسع وهذه نمل صغار، يمكن يحطمه وهو ما شعر، ثم إن الغالب أن مثل هذا الجند الكثير ما يستطيع أن ينكف بعضه عن بعض فيما إذا وجدوا جحر نملٍ مثلاً.
فهذا معنى قولها: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:18].
يعني لو قال قائل: كيف وهم لا يشعرون؟ هل هم يمشون بغير هدىً؟ نقول: لا. يمشون بهدى، لكن من المعروف أننا إذا قارنا بين هذا الجند العظيم الواسع وبين صغر هذه النمل فإن الغالب أنهم لا يشعرون بها.
فهذه الجمل البليغة العظيمة من هذا المخلوق الذي ليس في أعين الناس شيئاً وهو من أصغر المخلوقات، ماذا يدلنا عليه هذا؟ يدل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وأن ما هو أعظم من هذه المخلوقات النمل هو أعظم منها أيضاً في مثل هذه الأمور، لأن من أعطى الصغيرة هذا الإعطاء وهداه هذه الهداية فالكبير أحوج إلى الهداية
1 - قال الله تعالى : << حتى إذآ أتوا على واد النمل قالت نملة يآأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون >> أستمع حفظ
قال الله تعالى : << فتبسم ضاحكا من قولها و قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي و أن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين >>
من ذلك، وعنده من العلم ما عنده، يقول: (( فتبسم ضاحكا من قولها )).
" نُزِّل النمل منزلة العقلاء في الخطاب بخطابهم ".أين الخطاب بخطابهم؟
الطالب: قولها في (( قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ )).
الشيخ : (( ادْخُلُوا ))، و(( مَسَاكِنَكُمْ ))، و(( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) لأن الميم هذه لجماعة العقلاء، والواو أيضاً لجماعة العقلاء، فلذلك خوطبوا بخطاب العقلاء مثلما قلنا: إما لأن بعضهم مع بعضٍ عاقل أو أنه لما كان هذا الخطاب يُفهم ويُعمل به صارت كأنها تخاطب العقلاء.
" نُزِّل النمل منزلة العقلاء في الخطاب بخطابهم ".أين الخطاب بخطابهم؟
الطالب: قولها في (( قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ )).
الشيخ : (( ادْخُلُوا ))، و(( مَسَاكِنَكُمْ ))، و(( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) لأن الميم هذه لجماعة العقلاء، والواو أيضاً لجماعة العقلاء، فلذلك خوطبوا بخطاب العقلاء مثلما قلنا: إما لأن بعضهم مع بعضٍ عاقل أو أنه لما كان هذا الخطاب يُفهم ويُعمل به صارت كأنها تخاطب العقلاء.
2 - قال الله تعالى : << فتبسم ضاحكا من قولها و قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي و أن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين >> أستمع حفظ
الأسئلة
الطالب: هي عبّرت (( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) يعني: كسر، والنمل حيوانات طرية أو حشرات طرية.
الشيخ : لا لا، ليس المراد بالكسر يكسر عضو فقط، المراد بالكسر الإهلاك على سبيل التحطيم. يعني مثلاً النملة إذا وطئتها تقطعت وتمزقت هذا تكسّر، ليس معناه أنه تنكسر رجله وتبقى معلّقة مثلاً بها لا.
الطالب: (( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) لا يهلكنكم؟
الشيخ : لا لا، الحطام أبلغ أشد في الحذر (( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ))[الهمزة:5] هذا التحطيم أبلغ.
الشيخ : لا لا، ليس المراد بالكسر يكسر عضو فقط، المراد بالكسر الإهلاك على سبيل التحطيم. يعني مثلاً النملة إذا وطئتها تقطعت وتمزقت هذا تكسّر، ليس معناه أنه تنكسر رجله وتبقى معلّقة مثلاً بها لا.
الطالب: (( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) لا يهلكنكم؟
الشيخ : لا لا، الحطام أبلغ أشد في الحذر (( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ))[الهمزة:5] هذا التحطيم أبلغ.
تتمة تفسير الآية السابقة .
قال: " (( فَتَبَسَّمَ )) سليمان ابتداءً (( ضَاحِكًا )) انتهاءً (( مِنْ قَوْلِهَا )) ".
يقولون: إن الضحك ثلاثة أنواع: ابتدائي، ووسط، وانتهائي.
الابتداء: التبسّم.
والوسط: الضحك.
والمنتهى: القهقهة.
والقهقهة ما تليق بالإنسان العاقل الرزين، والتبسّم هو أكثر ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والضحك يكون من الأنبياء أحياناً، فهنا تبسّم ضاحكاً.
المؤلف رحمه الله يرى: أن سليمان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان له مرحلتان في هذا الضحك: الأولى التبسّم، والثانية الضحك. فابتدأ بالتبسّم وانتهى بالضحك، ويحتمل أن يكون تبسّم ضاحكاً أنه ضحك متبسماً. يعني معناه أنه ما ظهر له صوت ولكنه تبسّم تبسماً، والله أعلم.
وعلى هذا التقدير يكون ضاحكاً هذه حال مؤكدة أو مبيّنة للنوع يعني: أن ضحكه كان تبسّماً.على كل حال هذه المسألة لا يضر لو كان ضحك.. ابتدأ بالتبسّم وأنهى بالضحك.
يقولون: إن الضحك ثلاثة أنواع: ابتدائي، ووسط، وانتهائي.
الابتداء: التبسّم.
والوسط: الضحك.
والمنتهى: القهقهة.
والقهقهة ما تليق بالإنسان العاقل الرزين، والتبسّم هو أكثر ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والضحك يكون من الأنبياء أحياناً، فهنا تبسّم ضاحكاً.
المؤلف رحمه الله يرى: أن سليمان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان له مرحلتان في هذا الضحك: الأولى التبسّم، والثانية الضحك. فابتدأ بالتبسّم وانتهى بالضحك، ويحتمل أن يكون تبسّم ضاحكاً أنه ضحك متبسماً. يعني معناه أنه ما ظهر له صوت ولكنه تبسّم تبسماً، والله أعلم.
وعلى هذا التقدير يكون ضاحكاً هذه حال مؤكدة أو مبيّنة للنوع يعني: أن ضحكه كان تبسّماً.على كل حال هذه المسألة لا يضر لو كان ضحك.. ابتدأ بالتبسّم وأنهى بالضحك.
الأسئلة
الطالب: الفرق بينها؟
الشيخ : هذا الفرق التبسّم أنه ينفتح الفم بدون صوت، الضحك يكون صوت لكن بدون قهقهة.
الطالب: الفرق بين القهقهة والضحك.
الشيخ : القهقهة هذه تكرر الصوت، كركر كما يقول العامة.
الطالب: والضحك .....
الشيخ : هذا الفرق التبسّم أنه ينفتح الفم بدون صوت، الضحك يكون صوت لكن بدون قهقهة.
الطالب: الفرق بين القهقهة والضحك.
الشيخ : القهقهة هذه تكرر الصوت، كركر كما يقول العامة.
الطالب: والضحك .....
تتمة تفسير الآية السابقة .
الشيخ : يقول: (( ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا )) من بيانية والبيانية للتعليل يعني: بسبب قولها تبسّم، هذا التبسّم ايش مصدره؟ تبسّم من قولها .. من تحذيرها .. من اعتذارها .. من إرشادها .. من فصاحتها.. من أين؟
الطالب: من جميع هذه.
الشيخ : من كل ما يتضمنه هذا القول، لأنه في الحقيقة محل عجب، أنها تتكلم بهذا الكلام البليغ وبهذه السرعة ما راحت تجيب العناصر وتزيّن، هذا بلا شك محل ضحك، ثم أيضاً محل ضحك ما هو من القول فقط من مغزى هذا القول، ولهذا جعله من نعمة الله وقال: (( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ))[النمل:19] مغزى هذا القول هو كون سليمان عليه الصلاة والسلام تعترف حتى الحشرات بعظمته وعظمة جنوده، هذا لا شك أنه من نعمة الله عليه، فهذا التبسّم من القول من مضمونه ودلالته، وكذلك من مغزاه وما يتضمنه من نعمة الله تبارك وتعالى على سليمان.
(( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا ))[النمل:19]تبسّم ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا " وقد سمعه من ثلاثة أميال حملته إليه الريح فحبس جنده حين أشرف على واديهم حتى دخلوا بيوتهم وكان جنده ركبانا ومشاة في هذا السير ".
يقول: " وقد سمعه من ثلاثة أميال " من أين جاء بهذا؟
الطالب: أخبار إسرائيلية.
الشيخ : أخبار إسرائيلية، بل إن القرآن (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ ))[النمل:18] على ماذا يدل؟ على أنهم وصلوا إليه، غاية ما هنالك أنهم على طول لما حُذّر النمل بهذا التحذير دخلنا في المسألة. يعني: ما بينهم وبين أن يطئوا هذا النمل إلا دخول النمل مساكنهم، وهذا لا يقتضي أن يكون بينه وبينهم ثلاثة أميال، ولا دليل على ذلك وإنما يقال: إنه سمعه من قرب، وهل سمعه غيره من جنوده؟
الطالب: لا يعرف ....
الشيخ : الظاهر أنه ما عرفوا ولا سمعوه، لأن قوله: (( عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ ))[النمل:16] يدل على أن هذا التعليم نطق الحيوانات خاصٌ بسليمان عليه الصلاة والسلام، وليس كما يزعم بعض العامة، بعض العامة يقولون: أن أول كل شيء يتكلم، يقولون الناس: أن كل شيء يتكلم، ويجيبون قصص على هذا، هذا ليس صحيح، ما هنا كلام معلوم إلا في الأمم فيما بينها، وأما إن الإنس مثلاً يعلمون كلام الجن، أو مثلاً يعلمون كلام الحشرات، فهذا لا إلا بدليل. إذا وجد دليل عن المعصوم فهذا صحيح مثلما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن الذئب الذي تكلم، وأخبر أيضاً عن البقرة التي ركبها صاحبها، وقالت له: إنا لم نُخلق لهذا.
المهم ما دل عليه الدليل وجب علينا أن نقبله، وإلا فالأصل أن الشيء يتكلم بلغته، وأن كل جنسٍ لا يفهم لغة الآخر.
الطالب: من جميع هذه.
الشيخ : من كل ما يتضمنه هذا القول، لأنه في الحقيقة محل عجب، أنها تتكلم بهذا الكلام البليغ وبهذه السرعة ما راحت تجيب العناصر وتزيّن، هذا بلا شك محل ضحك، ثم أيضاً محل ضحك ما هو من القول فقط من مغزى هذا القول، ولهذا جعله من نعمة الله وقال: (( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ))[النمل:19] مغزى هذا القول هو كون سليمان عليه الصلاة والسلام تعترف حتى الحشرات بعظمته وعظمة جنوده، هذا لا شك أنه من نعمة الله عليه، فهذا التبسّم من القول من مضمونه ودلالته، وكذلك من مغزاه وما يتضمنه من نعمة الله تبارك وتعالى على سليمان.
(( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا ))[النمل:19]تبسّم ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا " وقد سمعه من ثلاثة أميال حملته إليه الريح فحبس جنده حين أشرف على واديهم حتى دخلوا بيوتهم وكان جنده ركبانا ومشاة في هذا السير ".
يقول: " وقد سمعه من ثلاثة أميال " من أين جاء بهذا؟
الطالب: أخبار إسرائيلية.
الشيخ : أخبار إسرائيلية، بل إن القرآن (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ ))[النمل:18] على ماذا يدل؟ على أنهم وصلوا إليه، غاية ما هنالك أنهم على طول لما حُذّر النمل بهذا التحذير دخلنا في المسألة. يعني: ما بينهم وبين أن يطئوا هذا النمل إلا دخول النمل مساكنهم، وهذا لا يقتضي أن يكون بينه وبينهم ثلاثة أميال، ولا دليل على ذلك وإنما يقال: إنه سمعه من قرب، وهل سمعه غيره من جنوده؟
الطالب: لا يعرف ....
الشيخ : الظاهر أنه ما عرفوا ولا سمعوه، لأن قوله: (( عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ ))[النمل:16] يدل على أن هذا التعليم نطق الحيوانات خاصٌ بسليمان عليه الصلاة والسلام، وليس كما يزعم بعض العامة، بعض العامة يقولون: أن أول كل شيء يتكلم، يقولون الناس: أن كل شيء يتكلم، ويجيبون قصص على هذا، هذا ليس صحيح، ما هنا كلام معلوم إلا في الأمم فيما بينها، وأما إن الإنس مثلاً يعلمون كلام الجن، أو مثلاً يعلمون كلام الحشرات، فهذا لا إلا بدليل. إذا وجد دليل عن المعصوم فهذا صحيح مثلما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن الذئب الذي تكلم، وأخبر أيضاً عن البقرة التي ركبها صاحبها، وقالت له: إنا لم نُخلق لهذا.
المهم ما دل عليه الدليل وجب علينا أن نقبله، وإلا فالأصل أن الشيء يتكلم بلغته، وأن كل جنسٍ لا يفهم لغة الآخر.
الأسئلة
الطالب: يقول تعالى: (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ))[ص:17 - 19] طيب. إذا كان الطير الأوّاب له خاضعة.
الشيخ : كلٌ له لمن؟
الطالب: أي: لداود.
الشيخ : أو لله.
الطالب: ما هو الأقرب لداود؟
الشيخ : لا. ما هو على كل حال، المسألة تحتاج إلى قراءته، حتى قراءته ما هي مضبوطة على ما قرأت أنت.
الطالب: (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ))[ص:17 - 19].
الشيخ : ما أدري ما ضبطت الآية....
الشيخ : كلٌ له لمن؟
الطالب: أي: لداود.
الشيخ : أو لله.
الطالب: ما هو الأقرب لداود؟
الشيخ : لا. ما هو على كل حال، المسألة تحتاج إلى قراءته، حتى قراءته ما هي مضبوطة على ما قرأت أنت.
الطالب: (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ))[ص:17 - 19].
الشيخ : ما أدري ما ضبطت الآية....
تتمة تفسير الآية السابقة
يقول: (( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي )) ألهمني (( أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ )).
(( وَقَالَ رَبِّ )) هذه مناداة، حذفت منه ياء النداء وأصله: يا رب. وحُذفت الياء المضاف إليها للتخفيف وإلا أصلها ربي بالياء.ودائماً يأتي الدعاء بحذف ياء النداء، لماذا؟
الطالب: للتخفيف.
الشيخ : لماذا يأتي الدعاء دائماً بحذف حرف النداء؟
الطالب: ياء النداء، للتبرك.
الشيخ : ابتداء بذكر اسم الله وعناية بالمقصود وهو الله سبحانه وتعالى، ربّ يبتدئ به قبل كل شيء، وكأن الإنسان لشدة شوقه لربه في دعائه ما يبدر منه إلا اسم الله سبحانه وتعالى.
قال: (( رَبِّ أَوْزِعْنِي )) أوزعني من حيث الإعراب يقال: فعل أمر، لكن النحويون رحمهم الله تأدباً مع الله ما يقولون: فعل أمر، لأنك ما تأمر الله، يسمونه فعل دعاء، عندما نعرب هذه (( رَبِّ أَوْزِعْنِي )) نقول: أوزع فعل دعائي، ما نقول: فعل أمر يقصد به الدعاء، هو حقيقة فعل أمر والمقصود به الدعاء، لكن تأدباً مع الله نقول: فعل دعاء.
" (( أَوْزِعْنِي )) ألهمني (( أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ )) بها (( عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ )) ".
(( وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ )) الحامل لسليمان عليه الصلاة والسلام أن يقول هذا، الاعتراف بنعمة الله سبحانه وتعالى وخوف الغرور بالنفس، لأنه إذا كانت النملة تقول هكذا وهذا خوفاً منه وجنوده وتعتذر لهم ويفهم كلامها، هذا قد يؤدي بالإنسان إلى الغرور، وأن هذا الشيء لذاته أو من ذاته مثلما قال قارون: (( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ))[القصص:78] فلهذا سأل الله في هذا المقام الذي ربما يحصل به الغرور للمرء، والإنسان بشر سأل الله أن يلهمه شكر نعمته التي أنعم عليه وعلى والديه، وأن يعمل صالحاً يرضاه.
وهكذا ينبغي للإنسان إذا حصل له نعمة أن يسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمه شكرها، حتى لا يلحقه الغرور بهذه النعمة التي أنعم الله بها عليه سواءٌ كانت النعمة مالية أو جسدية، معنوية أم حسيّة.(( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ )) أنْ هذه مصدرية، ايش محلها من الإعراب؟
الطالب: ....
الشيخ : مفعول ثاني لأوزعني، لأن المفعول الأول الياء والمفعول الثاني: أن أشكر. يعني: ألهمني شكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ وعلى والديّ.
قوله: (( أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ )) ايش معنى النعمة؟ الإحسان الذي ينعم به المُحسَن إليه، والنعمة كما تعرفون تنقسم إلى قسمين: إما حصول مطلوب، وإما نجاة من مرهوب.
والله تبارك وتعالى دائماً نعمه على عبده، والعبد دائرٌ بين هذين الصنفين من النعمة، دائماً يحصل له مطلوبه وينجو من مرهوبه.وقول المفسّر: " أنعمت بها عليّ " لماذا قدّر بها؟
الطالب: .....
الشيخ : لا. لأنه من المعروف أن الجملة التي تكون صلة للموصول لا بد فيها من رابط يعود على الموصول.. لا بد فيها من عائد يعود على الموصول.
هنا (( الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ )) تحتاج الجملة أنعمت أن يكون فيه ضمير يعود على التي، قدّرها المؤلف بقوله: " بها " وهل منكم أحد يناقشه في هذا التقدير؟ يعني: تقدير الضمير لأجل أن يكون عائداً على موصول هذا واضح مسلّم، هذه القاعدة النحوية (( يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ))[المؤمنون:33] أي: منه. هذا واضح.وهذا كثير في الكلام العربي في القرآن والسنة وكلام الناس، أنه لا بد من عائد يعود على الموصول ليربط الجملة الصلة بموصولها. ولكن هل لكم مناقشة مع المؤلف في تقدير العائد على هذا الوجه؟
الطالب: .....
الشيخ : بأن الضمير المنفصل إياه وإياي وإياك، هذا ضمير منفصل، فالضمير هنا متصل بلا شك.
الطالب: لكن .... الباء بها.
الشيخ : ولو هو متصل ولو مع وجود الباء، وكان يقول أنعمتها عليّ، هذا صحيح، التقدير أنت قدّرت صحيح لكن العِلَّة ليست هي العِلَّة.
يقولون: إن العائد ما يُحذف إذا كان مجروراً إلا إذا جُرّ الموصول بحرف مشابه للمحذوف لفظاً ومعنىً وتقديراً.عرفتم؟ هذا مر علينا كنا نقرأ في النحو في القطر، وأنه إذا كان مجروراً يشترط أن يكون مجروراً بالحرف الذي جر الموصول، وأنه يكون موافقاً له في اللفظ ومتعلقه، واحداً موافقاً في اللفظ والتقدير والمعنى.
المؤلف الآن قدّر بها مع أنها ليست موجودة في القرآن: نعمتك التي أنعمت بها، وعلى هذا فالتقدير السليم أن يقول: أنعمتها عليَّ وعلى والديَّ، لأنه ما يمكن أن يحذف العائد المجرور إلا إذا كان الموصول مجروراً بحرف الجر الذي جُر به ذلك العائد.
وقوله: (( عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ )).أما (( عَلَيَّ )) فظاهر أن نعمة الله عليك تحتاج إلى شُكرٍ منك، لكن نعمة الله على والديك ما وجه كونها تحتاج إلى شكرٍ منك؟
لأن نعمة الله على الوالدين نعمة على الولد، لا سيما في مثل هذه التي حصلت وهو أنه ورث من داود النبوة وخلفه فيها، فهذه النعمة نعمة الله على والديه هي في الحقيقة نعمة عليه، ولهذا قال: (( عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ )).
وقوله: (( وَالِدَيَّ )) هذه جمع و إلا مثنى؟
الطالب: مثنى.
الشيخ : مثنى، مضاف ولذلك حُذفت النون منه، وأصله: والِدين لي، لكن حُذفت النون من أجل الإضافة.
طيب (( وَالِدَيَّ )) من المراد بالوالد؟
الطالب: الوالد ...
الشيخ : هل هو الوالد الذي أنت ولده لصلبه، أو حتى الجد ومن علا.
نقول: الحقيقة أن كلمة والد أحياناً يدخل فيها الجد وإن علا، وأحياناً تتعين بالوالد الأب. والذي يعيّن ذلك هو القرائن اللفظية أو القرائن الحالية.
فمثلاً: ( لا يجوز لواهب أن يرجع فيما وهبه إلا الوالد فيما يعطي ولده ) من المراد بالوالد؟ الأب المباشر.. الوالد الأدنى، فالجد لا يُلحق به.طيب الوالد في تحريم النكاح؟ يشمل الأدنى والأعلى.
الوالد في الميراث؟
الطالب: على الصحيح يشمل
الشيخ : يشمل الأدنى والأعلى إن فُقد الأب، المراد الذكور والإناث.
يعني: لا تعزونا على القول الصحيح أنا نريد الجد الوالد الذي هو الذكر، حتى الأنثى مثلاً الأم الوالدة في الميراث يشمل الأعلى إن فقد الأدنى.وإلا لا؟
فصارت الحقيقة أن كلمة والد تارة يراد بها الأدنى، وتارة يراد بها الأدنى والأعلى مجتمعين أو منفردين، وتارة يراد بها الأدنى والأعلى لا مجتمعين. والذي يعيّن ذلك هو القرائن اللفظية أو الحالية.
(( وَقَالَ رَبِّ )) هذه مناداة، حذفت منه ياء النداء وأصله: يا رب. وحُذفت الياء المضاف إليها للتخفيف وإلا أصلها ربي بالياء.ودائماً يأتي الدعاء بحذف ياء النداء، لماذا؟
الطالب: للتخفيف.
الشيخ : لماذا يأتي الدعاء دائماً بحذف حرف النداء؟
الطالب: ياء النداء، للتبرك.
الشيخ : ابتداء بذكر اسم الله وعناية بالمقصود وهو الله سبحانه وتعالى، ربّ يبتدئ به قبل كل شيء، وكأن الإنسان لشدة شوقه لربه في دعائه ما يبدر منه إلا اسم الله سبحانه وتعالى.
قال: (( رَبِّ أَوْزِعْنِي )) أوزعني من حيث الإعراب يقال: فعل أمر، لكن النحويون رحمهم الله تأدباً مع الله ما يقولون: فعل أمر، لأنك ما تأمر الله، يسمونه فعل دعاء، عندما نعرب هذه (( رَبِّ أَوْزِعْنِي )) نقول: أوزع فعل دعائي، ما نقول: فعل أمر يقصد به الدعاء، هو حقيقة فعل أمر والمقصود به الدعاء، لكن تأدباً مع الله نقول: فعل دعاء.
" (( أَوْزِعْنِي )) ألهمني (( أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ )) بها (( عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ )) ".
(( وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ )) الحامل لسليمان عليه الصلاة والسلام أن يقول هذا، الاعتراف بنعمة الله سبحانه وتعالى وخوف الغرور بالنفس، لأنه إذا كانت النملة تقول هكذا وهذا خوفاً منه وجنوده وتعتذر لهم ويفهم كلامها، هذا قد يؤدي بالإنسان إلى الغرور، وأن هذا الشيء لذاته أو من ذاته مثلما قال قارون: (( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ))[القصص:78] فلهذا سأل الله في هذا المقام الذي ربما يحصل به الغرور للمرء، والإنسان بشر سأل الله أن يلهمه شكر نعمته التي أنعم عليه وعلى والديه، وأن يعمل صالحاً يرضاه.
وهكذا ينبغي للإنسان إذا حصل له نعمة أن يسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمه شكرها، حتى لا يلحقه الغرور بهذه النعمة التي أنعم الله بها عليه سواءٌ كانت النعمة مالية أو جسدية، معنوية أم حسيّة.(( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ )) أنْ هذه مصدرية، ايش محلها من الإعراب؟
الطالب: ....
الشيخ : مفعول ثاني لأوزعني، لأن المفعول الأول الياء والمفعول الثاني: أن أشكر. يعني: ألهمني شكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ وعلى والديّ.
قوله: (( أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ )) ايش معنى النعمة؟ الإحسان الذي ينعم به المُحسَن إليه، والنعمة كما تعرفون تنقسم إلى قسمين: إما حصول مطلوب، وإما نجاة من مرهوب.
والله تبارك وتعالى دائماً نعمه على عبده، والعبد دائرٌ بين هذين الصنفين من النعمة، دائماً يحصل له مطلوبه وينجو من مرهوبه.وقول المفسّر: " أنعمت بها عليّ " لماذا قدّر بها؟
الطالب: .....
الشيخ : لا. لأنه من المعروف أن الجملة التي تكون صلة للموصول لا بد فيها من رابط يعود على الموصول.. لا بد فيها من عائد يعود على الموصول.
هنا (( الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ )) تحتاج الجملة أنعمت أن يكون فيه ضمير يعود على التي، قدّرها المؤلف بقوله: " بها " وهل منكم أحد يناقشه في هذا التقدير؟ يعني: تقدير الضمير لأجل أن يكون عائداً على موصول هذا واضح مسلّم، هذه القاعدة النحوية (( يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ))[المؤمنون:33] أي: منه. هذا واضح.وهذا كثير في الكلام العربي في القرآن والسنة وكلام الناس، أنه لا بد من عائد يعود على الموصول ليربط الجملة الصلة بموصولها. ولكن هل لكم مناقشة مع المؤلف في تقدير العائد على هذا الوجه؟
الطالب: .....
الشيخ : بأن الضمير المنفصل إياه وإياي وإياك، هذا ضمير منفصل، فالضمير هنا متصل بلا شك.
الطالب: لكن .... الباء بها.
الشيخ : ولو هو متصل ولو مع وجود الباء، وكان يقول أنعمتها عليّ، هذا صحيح، التقدير أنت قدّرت صحيح لكن العِلَّة ليست هي العِلَّة.
يقولون: إن العائد ما يُحذف إذا كان مجروراً إلا إذا جُرّ الموصول بحرف مشابه للمحذوف لفظاً ومعنىً وتقديراً.عرفتم؟ هذا مر علينا كنا نقرأ في النحو في القطر، وأنه إذا كان مجروراً يشترط أن يكون مجروراً بالحرف الذي جر الموصول، وأنه يكون موافقاً له في اللفظ ومتعلقه، واحداً موافقاً في اللفظ والتقدير والمعنى.
المؤلف الآن قدّر بها مع أنها ليست موجودة في القرآن: نعمتك التي أنعمت بها، وعلى هذا فالتقدير السليم أن يقول: أنعمتها عليَّ وعلى والديَّ، لأنه ما يمكن أن يحذف العائد المجرور إلا إذا كان الموصول مجروراً بحرف الجر الذي جُر به ذلك العائد.
وقوله: (( عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ )).أما (( عَلَيَّ )) فظاهر أن نعمة الله عليك تحتاج إلى شُكرٍ منك، لكن نعمة الله على والديك ما وجه كونها تحتاج إلى شكرٍ منك؟
لأن نعمة الله على الوالدين نعمة على الولد، لا سيما في مثل هذه التي حصلت وهو أنه ورث من داود النبوة وخلفه فيها، فهذه النعمة نعمة الله على والديه هي في الحقيقة نعمة عليه، ولهذا قال: (( عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ )).
وقوله: (( وَالِدَيَّ )) هذه جمع و إلا مثنى؟
الطالب: مثنى.
الشيخ : مثنى، مضاف ولذلك حُذفت النون منه، وأصله: والِدين لي، لكن حُذفت النون من أجل الإضافة.
طيب (( وَالِدَيَّ )) من المراد بالوالد؟
الطالب: الوالد ...
الشيخ : هل هو الوالد الذي أنت ولده لصلبه، أو حتى الجد ومن علا.
نقول: الحقيقة أن كلمة والد أحياناً يدخل فيها الجد وإن علا، وأحياناً تتعين بالوالد الأب. والذي يعيّن ذلك هو القرائن اللفظية أو القرائن الحالية.
فمثلاً: ( لا يجوز لواهب أن يرجع فيما وهبه إلا الوالد فيما يعطي ولده ) من المراد بالوالد؟ الأب المباشر.. الوالد الأدنى، فالجد لا يُلحق به.طيب الوالد في تحريم النكاح؟ يشمل الأدنى والأعلى.
الوالد في الميراث؟
الطالب: على الصحيح يشمل
الشيخ : يشمل الأدنى والأعلى إن فُقد الأب، المراد الذكور والإناث.
يعني: لا تعزونا على القول الصحيح أنا نريد الجد الوالد الذي هو الذكر، حتى الأنثى مثلاً الأم الوالدة في الميراث يشمل الأعلى إن فقد الأدنى.وإلا لا؟
فصارت الحقيقة أن كلمة والد تارة يراد بها الأدنى، وتارة يراد بها الأدنى والأعلى مجتمعين أو منفردين، وتارة يراد بها الأدنى والأعلى لا مجتمعين. والذي يعيّن ذلك هو القرائن اللفظية أو الحالية.
ما الفرق بين لفظة والدينا بكسر الدال و والدينا بفتح الدال وتسكين الياء ؟
الطالب: ....؟
الشيخ : لا. كلمة والد.
الطالب: (( وَالِدَيَّ )) ووالدي.
الشيخ : نعم. ما بينهم فرق، إذا قلنا والدَيَّ يعني: الوالد والوالدة، إذا قيل: والدِيَّ وما هو يعبّر بوالدَيَّ.
الطالب: والدي.
الشيخ : ما فيه .... يعني لو عبّر الإنسان نقول: هذا التعبير غير سليم، لكن والدينا إذا صرنا جماعة واضح، لأن إذا قلت: والدينا ونحنا اثنين كم يصيرون الوالدين؟ أربعة، إذا صرنا ثلاثة يكون ستة.. وهكذا.
ولذلك بعض الإخوان الذين يقرءون في رمضان: اللهم اغفر لنا ولوالدَينا. هذا ما هو صحيح، إلا على سبيل التجوّز، لأن والدينا ما نحن عيال رجلٍ واحد، نعم لو كنا عيال رجلٍ واحد ستة نقول: والدينا، لأننا نحن أبونا واحد وأمنا واحدة، لكن لو صار المسجد ألف نفر، هو والد كل واحد منا والد للثاني؟ نحن لسنا إخوة.
ولهذا ما تأتي والدَينا إلا على سبيل التجوّز أي: والديّ كل واحدٍ منا. ولهذا التعبير السليم في مثل هذا أن تقول: اغفر لنا ولوالدِينا.
الطالب: .... خطأ.
الشيخ : لا. هذا هو الصواب.
الطالب: .....؟
الطالب: لكن كل الذين يحجون إلا نادراً.
الشيخ : لا بأس، المهم على كل حال ما نقدر نقول: كلهم .... وإلا كلهم كذا، لكن نحن الآن نحللها من جهة اللغة العربية.الصواب في هذا إذا كنا جماعة والدِينا، لأن والدَينا ما تكون إلا على سبيل التجوّز...
الطالب: أباه وأمه؟
الشيخ : نعم أباه وأمه.
الشيخ : لا. كلمة والد.
الطالب: (( وَالِدَيَّ )) ووالدي.
الشيخ : نعم. ما بينهم فرق، إذا قلنا والدَيَّ يعني: الوالد والوالدة، إذا قيل: والدِيَّ وما هو يعبّر بوالدَيَّ.
الطالب: والدي.
الشيخ : ما فيه .... يعني لو عبّر الإنسان نقول: هذا التعبير غير سليم، لكن والدينا إذا صرنا جماعة واضح، لأن إذا قلت: والدينا ونحنا اثنين كم يصيرون الوالدين؟ أربعة، إذا صرنا ثلاثة يكون ستة.. وهكذا.
ولذلك بعض الإخوان الذين يقرءون في رمضان: اللهم اغفر لنا ولوالدَينا. هذا ما هو صحيح، إلا على سبيل التجوّز، لأن والدينا ما نحن عيال رجلٍ واحد، نعم لو كنا عيال رجلٍ واحد ستة نقول: والدينا، لأننا نحن أبونا واحد وأمنا واحدة، لكن لو صار المسجد ألف نفر، هو والد كل واحد منا والد للثاني؟ نحن لسنا إخوة.
ولهذا ما تأتي والدَينا إلا على سبيل التجوّز أي: والديّ كل واحدٍ منا. ولهذا التعبير السليم في مثل هذا أن تقول: اغفر لنا ولوالدِينا.
الطالب: .... خطأ.
الشيخ : لا. هذا هو الصواب.
الطالب: .....؟
الطالب: لكن كل الذين يحجون إلا نادراً.
الشيخ : لا بأس، المهم على كل حال ما نقدر نقول: كلهم .... وإلا كلهم كذا، لكن نحن الآن نحللها من جهة اللغة العربية.الصواب في هذا إذا كنا جماعة والدِينا، لأن والدَينا ما تكون إلا على سبيل التجوّز...
الطالب: أباه وأمه؟
الشيخ : نعم أباه وأمه.
تتمة تفسير الآية السابقة .
قال: (( وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا )).(( وَأَنْ أَعْمَلَ )) معطوفة على قوله: (( أَنْ أَشْكُرَ )) يعني: وألهمني أن أعمل صالحاً ترضاه.
وهنا قوله: (( وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا )) أي: أعمل عملاً صالحاً، والعمل الصالح ما يكون إلا إذا تضمن شرطين أساسين هما؟ أنا أحياناً أسأل ما فيه مانع أن أسأل. نعم؟
الطالب: الإخلاص والمتابعة.
الشيخ : الإخلاص والمتابعة، لقوله تعالى: (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ))[البينة:5] كل العالم.
الطالب: .....؟
الشيخ : ما يخالف (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ))[البينة:5] الإخلاص واضح في الأنبياء وغيرهم، والمتابعة في غير الأنبياء واضح عندكم أيضاً، وفي الأنبياء غير واضح عندكم ولكنه واضح لأن النبي يتبع شريعة توحى إليه،أليس كذلك؟ فهو قد لا يتبع هذه الشريعة لكن كما مر علينا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الإقرار على المعاصي مطلقاً، فإذاً المتابعة موجودة في الأنبياء أيضاً، لأن المتابعة من الشرع الذي أوحي إليهم.
طيب هذا العمل الصالح: ما جمع بين أمرين الإخلاص والمتابعة، ففي فقد الإخلاص يكون الشرك، وفي فقد المتابعة يكون الابتداع.
فالعمل الذي فيه شرك مردود قال الله تعالى في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ).
حتى الرياء، الرياء نوع من الشرك، إذا عمل الإنسان العبادة وهو مراءٍ فيها فهو مع الإثم مردودٌ عليه عمله.
كذلك أيضاً في الابتداع قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وهذا أعم من اللفظ الثاني: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ).
إلا إذا قلنا: من أحدث في ذاته وصفاته، فإذا قلنا: من أحدث في أمرنا ما ليس منه سواءً في نفس العمل أو في وصف العمل صار موافقاً للفظ الآخر. على كل حال العمل إذا لم يكن خالصاً فليس مقبولاً، وإذا لم يكن صواباً يعني: على السنة فليس مقبولاً وليس بصالح أيضاً بل هو فاسد.طيب قوله: (( وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ))[النمل:19] الرضا بمعنى القبول، وكلمة ترضاه بعد قوله: صالحاً. هل لها معنى؟ لأن كل صالحٍ فهو مرضي، فهل تكون الجملة حينئذ صفة كاشفة مبيّنة، أو صفة مقيّدة يعني: مبيّنة أو مقيّدة؟
الطالب: لا. مبيّن.
الشيخ : الظاهر أنه مبيّن. يعني: أن العمل الصالح مرضي، قد يقول قائل: إن العمل قد يكون صالحاً بظاهره ولكنه غير مرضيٍ في مآله أو فيما صحبه.قد يعمل الإنسان مخلصاً لله متّبعاً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن يحصل منه إعجابٌ في عمله، هذا الإعجاب يمنع من رضا الله له به (( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ ))[الحجرات:17].
قد يكون عملاً صالحاً في أوله وفي نهايته لا يرضاه الله (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى ))[البقرة:264] فالرجل يتصدق بالصدقة مخلصاً لله تعالى متّبعاً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، لكنه يتبعها بمنٍ وأذى، وحينئذ تبطل الصدقة. على هذا التقدير يكون قوله: (( تَرْضَاهُ )) صفةً مقيّدةً.
أيُّ الأمرين يحسن بنا أن نسلكه في هذا وغيره، فيما إذا جاءت صفة هل الأولى أن نجعل الصفة مبيّنة يعني مفسّرة فقط أو أن نجعلها مقيّدة؟
الطالب: الأولى أن تكون مفسّرة.
الشيخ : الأولى أن تكون مقيّدة، لأن بالتقييد زيادة معنى، والتفسير ما يعدو شيئاً خارجاً عما سبق، فكل صفة تأتي في كلام في هذا وغيره فالأصل أن تكون مقيّدة، ولا يمكن أن نلجأ إلى كونها مفسّرة لمجرد بيان الأمر إلا عند الضرورة، إذا تعذّر أن تكون مقيّدة (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ))[البقرة:21].
(( الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ))[البقرة:21] هذه مبيّنة ومفسّرة وليست مقيّدة، لأننا لو جعلناها مقيِّدة (( رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ )) صار معناه ..
وهنا قوله: (( وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا )) أي: أعمل عملاً صالحاً، والعمل الصالح ما يكون إلا إذا تضمن شرطين أساسين هما؟ أنا أحياناً أسأل ما فيه مانع أن أسأل. نعم؟
الطالب: الإخلاص والمتابعة.
الشيخ : الإخلاص والمتابعة، لقوله تعالى: (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ))[البينة:5] كل العالم.
الطالب: .....؟
الشيخ : ما يخالف (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ))[البينة:5] الإخلاص واضح في الأنبياء وغيرهم، والمتابعة في غير الأنبياء واضح عندكم أيضاً، وفي الأنبياء غير واضح عندكم ولكنه واضح لأن النبي يتبع شريعة توحى إليه،أليس كذلك؟ فهو قد لا يتبع هذه الشريعة لكن كما مر علينا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الإقرار على المعاصي مطلقاً، فإذاً المتابعة موجودة في الأنبياء أيضاً، لأن المتابعة من الشرع الذي أوحي إليهم.
طيب هذا العمل الصالح: ما جمع بين أمرين الإخلاص والمتابعة، ففي فقد الإخلاص يكون الشرك، وفي فقد المتابعة يكون الابتداع.
فالعمل الذي فيه شرك مردود قال الله تعالى في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ).
حتى الرياء، الرياء نوع من الشرك، إذا عمل الإنسان العبادة وهو مراءٍ فيها فهو مع الإثم مردودٌ عليه عمله.
كذلك أيضاً في الابتداع قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وهذا أعم من اللفظ الثاني: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ).
إلا إذا قلنا: من أحدث في ذاته وصفاته، فإذا قلنا: من أحدث في أمرنا ما ليس منه سواءً في نفس العمل أو في وصف العمل صار موافقاً للفظ الآخر. على كل حال العمل إذا لم يكن خالصاً فليس مقبولاً، وإذا لم يكن صواباً يعني: على السنة فليس مقبولاً وليس بصالح أيضاً بل هو فاسد.طيب قوله: (( وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ))[النمل:19] الرضا بمعنى القبول، وكلمة ترضاه بعد قوله: صالحاً. هل لها معنى؟ لأن كل صالحٍ فهو مرضي، فهل تكون الجملة حينئذ صفة كاشفة مبيّنة، أو صفة مقيّدة يعني: مبيّنة أو مقيّدة؟
الطالب: لا. مبيّن.
الشيخ : الظاهر أنه مبيّن. يعني: أن العمل الصالح مرضي، قد يقول قائل: إن العمل قد يكون صالحاً بظاهره ولكنه غير مرضيٍ في مآله أو فيما صحبه.قد يعمل الإنسان مخلصاً لله متّبعاً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن يحصل منه إعجابٌ في عمله، هذا الإعجاب يمنع من رضا الله له به (( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ ))[الحجرات:17].
قد يكون عملاً صالحاً في أوله وفي نهايته لا يرضاه الله (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى ))[البقرة:264] فالرجل يتصدق بالصدقة مخلصاً لله تعالى متّبعاً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، لكنه يتبعها بمنٍ وأذى، وحينئذ تبطل الصدقة. على هذا التقدير يكون قوله: (( تَرْضَاهُ )) صفةً مقيّدةً.
أيُّ الأمرين يحسن بنا أن نسلكه في هذا وغيره، فيما إذا جاءت صفة هل الأولى أن نجعل الصفة مبيّنة يعني مفسّرة فقط أو أن نجعلها مقيّدة؟
الطالب: الأولى أن تكون مفسّرة.
الشيخ : الأولى أن تكون مقيّدة، لأن بالتقييد زيادة معنى، والتفسير ما يعدو شيئاً خارجاً عما سبق، فكل صفة تأتي في كلام في هذا وغيره فالأصل أن تكون مقيّدة، ولا يمكن أن نلجأ إلى كونها مفسّرة لمجرد بيان الأمر إلا عند الضرورة، إذا تعذّر أن تكون مقيّدة (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ))[البقرة:21].
(( الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ))[البقرة:21] هذه مبيّنة ومفسّرة وليست مقيّدة، لأننا لو جعلناها مقيِّدة (( رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ )) صار معناه ..
اضيفت في - 2007-08-13