تفسير سورة النمل-09b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
قال الله تعالى : << قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه و أهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله و إنا لصادقون >>
(( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ))[النمل:48].
" (( قَالُوا )) أي: هؤلاء التسعة بعضهم لبعض: (( تَقَاسَمُوا )) أي: احلفوا (( بِاللَّهِ )) ".
يعني: طلب بعضهم من بعض أن يتعاهدوا على هذا الأمر، يتحالفوا على أن يبيّتوا صالحاً وأهله، ومعنى البيات إنزال العقوبة بهم ليلاً.
فهنا حلفوا والعياذ بالله هذا الحلف الفاجر على أن يبيّتوا صالحاً وأهله، ولهذا قال: (( لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ))[النمل:49].
اللام في قوله: نبيّتنّه واقعة في جواب القسم، والنون للتوكيد، فهم أكدوا هذا الفعل باليمين واللام والنون.
يقول المؤلف: " بالنون والتاء وضم التاء الثانية " كذا عندكم؟.
وبالتاء والثانية إذا جعلناها بالتاء لزم ضم التاء الثانية لتبيتُنّه، وأما لَنُبَيِّتَنَّهُ فإنها تبقى مفتوحة.
" (( لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ))[النمل:49] أي من آمن به أي نقتلهم ليلاً " هذا تفسير البيات.
والمراد بالأهل أتباعه كما قال المؤلف، ولكن قد ينازع في هذا، ويقال: إن المراد به أهله الخاصون يعني: أهل بيته، لأنهم هم الذين يسكنون في الغالب معه في البيت، فإن الغالب أن الإنسان في الليل لا يكون معه في بيته إلا أهله الخاصون به.
ثم بعد ذلك أن يبيّته " (( ثُمَّ لَنَقُولَنَّ ))[النمل:49] بالنون والتاء وضم اللام الثانية ". ضم اللام الثانية متى؟ إذا صارت ستة لتقولنَّ، أما بالنون فهي بالفتح لنقولن.
يعني: ثم بعد أن نبيّته ونقتله ثم إذا قام وليه للأخذ بثأره نقول له " (( لِوَلِيِّهِ )) أي: ولي دمه ".
ومن ولي الدم عندنا في الخلافة الإسلامية هم الورثة بفرضٍ أو تعصيب، وقول البعض: بل هم العصبة هم أولياء الدم، لأنهم هم الذين يؤدون العقل عنه، وأما ذوي الفرض فليس من أولياء الدم.
والصواب العموم: أن أولياء الدم هم الورثة بفرضٍ أو تعصيب، حتى الزوجة أو الأم هي من أوليائه.
(( لِوَلِيِّهِ )) نقول: " (( مَا شَهِدْنَا )) حضرنا ((مَهْلِكَ أَهْلِهِ )) بضم الميم وفتحها " مُهلك ومَهلك.
ولم يتعرض المؤلف للقراءة الثالثة وهي: (( مَهْلِكَ )) فالقراءات فيها ثلاث: فتح الميم وكسر اللام، فتح الميم واللام مَهلَك، ضم الميم وفتح اللام. وهاتان الأخيرتان هما اللتان ذكرهما المؤلف مُهلَك أهله، ومَهلَك أهله يقول: " أي إهلاكهم أو هلاكهم " على القراءتين.
مُهلك أي: إهلاك، لأن مُهلك من أهلك الرباعي، ومهلَك من هلك الثلاثي. ولذلك نقول: إذا كان الفعل ثلاثياً فإن المصدر الميمي منه على وزن مفعل مهلك، هلك مهلك قام مقام، وإذا كان رباعياً فإن المصدر الميمي منه على وزن اسم المفعول، فتقول: مُهلَك من أهلك، وتقول: مقام من أقام.
قام فينا مقام فلان، مثلما قال أبو حيان في ابن تيمية:
قام ابن تيمية في نصر شِرعتنا
مقام سيد تَيْم إذ عصت مضر
قام مقام، لكن عندنا تقول: أقام في هذا المكان مُقام فلان بضم الميم ما تقول: مقام. وهذه قاعدة معروفة في النحو: أنه المصدر الميمي إذا كان من رباعي فهو على وزن اسم المفعول، وإذا كان من ثلاثي فهو على وزن مفعَل أو مفعِل مثل مهلِك (( مَهْلِكَ أَهْلِهِ )).
" فلا ندري من قتلهم ". وهذا الإنكار صحيح أو كذب؟
الطالب: كله كذب.
الشيخ : ما داموا هم الذين قتلوه، فقولهم: (( مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] هذا كذب، لكن فيه تورية، لأنهم يقولون: ما شهدنا بل فعلنا، والشاهد لم يفعل، ولهذا قالوا: (( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49].
وجملة (( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49] هل هي من جملة كونهم الذين يدافعون به عن أنفسهم أو هو تقريرٌ لقولهم: (( مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] يعني وأنهم لم يقولوه للدفاع عن أنفسهم، يحتمل الأمرين، ولكن ما أدري هل فهمتم الفرق بين الأمرين أم لا؟
(( ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49] هل (( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49] من جملة ما يقولونه للولي، ليؤكدوا النفي؟ ما شهدنا وإننا لم نكذب عليكم، إننا لصادقون أنا ما شهدنا هذا وجه.
أو أن المعنى: (( ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] واطمئنوا أيها الإخوة فإننا -يقولون لبعضهم البعض- لصادقون، بأننا لم نشهد. يحتمل هذا وهذا.
إنما هم المفسّرون ذكروا احتمالين: أحدهما أن يقولوه في جملة دفاعهم عن أنفسهم لولي صالح، وعلى هذا فتكون الجملة (( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49] تقريراً لقولهم: (( مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] وتكذيب، ما شهدنا وإنا لصادقون فلم نخبركم بالقتل.
أو أن المعنى: (( ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] ونحن إذا قلنا هذا فإننا صادقون، لأننا ما شهدنا مهلك، ولكننا أهلكنا بأنفسنا.. لسنا شهوداً بل فاعلون.
الطالب: ....؟
الشيخ : بلى، لكن الحقيقة أن الفاعل غير الشاهد، وأنه ... تورية هذه مثلاً، وإلا معلومٌ أن من فعل فقد شهد بلى أبلغ.
الطالب: ومن قتل النبي فالذين آمنوا بأنه يكفي عليهم أنهم قدموا لما هو أعظم.
الشيخ : لا. هم يهونون أمرهم بعضهم على بعض، حتى لا يكون في أنفسهم شيء، وإلا هو معلوم أن الذي يقتل يشهد، لكن لتهوين الأمر على بعضهم يوطّن بعضهم بعضاً.
والحاصل: أن هؤلاء والعياذ بالله أرادوا هذا الفعل المنكر وهو مكر، لأنه إتيان لصالح وأهله من حيث لا يشعرون، فإن الليل موضع السكون والهدوء، فإذا أحدٌ اعتدى على أحد صار ذلك غدرا ومكراً، ولهذا حتى في حرب الكفار اختلف العلماء: هل يجوز تبييت الكفار أو لا يجوز؟ فمن منع التبييت قال: ما يمكن أن يقتل الكفار وهم غارون نائمون، ومنهم من أجاز ذلك. والمسألة تحتاج إلى تحرير بحث في هذا الشيء.
والحاصل: أنا نقول: إن هذا من الغدر والمكر، أن يأتي هؤلاء إلى صالحٍ وأهله في الليل فيبيتوهم
" (( قَالُوا )) أي: هؤلاء التسعة بعضهم لبعض: (( تَقَاسَمُوا )) أي: احلفوا (( بِاللَّهِ )) ".
يعني: طلب بعضهم من بعض أن يتعاهدوا على هذا الأمر، يتحالفوا على أن يبيّتوا صالحاً وأهله، ومعنى البيات إنزال العقوبة بهم ليلاً.
فهنا حلفوا والعياذ بالله هذا الحلف الفاجر على أن يبيّتوا صالحاً وأهله، ولهذا قال: (( لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ))[النمل:49].
اللام في قوله: نبيّتنّه واقعة في جواب القسم، والنون للتوكيد، فهم أكدوا هذا الفعل باليمين واللام والنون.
يقول المؤلف: " بالنون والتاء وضم التاء الثانية " كذا عندكم؟.
وبالتاء والثانية إذا جعلناها بالتاء لزم ضم التاء الثانية لتبيتُنّه، وأما لَنُبَيِّتَنَّهُ فإنها تبقى مفتوحة.
" (( لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ))[النمل:49] أي من آمن به أي نقتلهم ليلاً " هذا تفسير البيات.
والمراد بالأهل أتباعه كما قال المؤلف، ولكن قد ينازع في هذا، ويقال: إن المراد به أهله الخاصون يعني: أهل بيته، لأنهم هم الذين يسكنون في الغالب معه في البيت، فإن الغالب أن الإنسان في الليل لا يكون معه في بيته إلا أهله الخاصون به.
ثم بعد ذلك أن يبيّته " (( ثُمَّ لَنَقُولَنَّ ))[النمل:49] بالنون والتاء وضم اللام الثانية ". ضم اللام الثانية متى؟ إذا صارت ستة لتقولنَّ، أما بالنون فهي بالفتح لنقولن.
يعني: ثم بعد أن نبيّته ونقتله ثم إذا قام وليه للأخذ بثأره نقول له " (( لِوَلِيِّهِ )) أي: ولي دمه ".
ومن ولي الدم عندنا في الخلافة الإسلامية هم الورثة بفرضٍ أو تعصيب، وقول البعض: بل هم العصبة هم أولياء الدم، لأنهم هم الذين يؤدون العقل عنه، وأما ذوي الفرض فليس من أولياء الدم.
والصواب العموم: أن أولياء الدم هم الورثة بفرضٍ أو تعصيب، حتى الزوجة أو الأم هي من أوليائه.
(( لِوَلِيِّهِ )) نقول: " (( مَا شَهِدْنَا )) حضرنا ((مَهْلِكَ أَهْلِهِ )) بضم الميم وفتحها " مُهلك ومَهلك.
ولم يتعرض المؤلف للقراءة الثالثة وهي: (( مَهْلِكَ )) فالقراءات فيها ثلاث: فتح الميم وكسر اللام، فتح الميم واللام مَهلَك، ضم الميم وفتح اللام. وهاتان الأخيرتان هما اللتان ذكرهما المؤلف مُهلَك أهله، ومَهلَك أهله يقول: " أي إهلاكهم أو هلاكهم " على القراءتين.
مُهلك أي: إهلاك، لأن مُهلك من أهلك الرباعي، ومهلَك من هلك الثلاثي. ولذلك نقول: إذا كان الفعل ثلاثياً فإن المصدر الميمي منه على وزن مفعل مهلك، هلك مهلك قام مقام، وإذا كان رباعياً فإن المصدر الميمي منه على وزن اسم المفعول، فتقول: مُهلَك من أهلك، وتقول: مقام من أقام.
قام فينا مقام فلان، مثلما قال أبو حيان في ابن تيمية:
قام ابن تيمية في نصر شِرعتنا
مقام سيد تَيْم إذ عصت مضر
قام مقام، لكن عندنا تقول: أقام في هذا المكان مُقام فلان بضم الميم ما تقول: مقام. وهذه قاعدة معروفة في النحو: أنه المصدر الميمي إذا كان من رباعي فهو على وزن اسم المفعول، وإذا كان من ثلاثي فهو على وزن مفعَل أو مفعِل مثل مهلِك (( مَهْلِكَ أَهْلِهِ )).
" فلا ندري من قتلهم ". وهذا الإنكار صحيح أو كذب؟
الطالب: كله كذب.
الشيخ : ما داموا هم الذين قتلوه، فقولهم: (( مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] هذا كذب، لكن فيه تورية، لأنهم يقولون: ما شهدنا بل فعلنا، والشاهد لم يفعل، ولهذا قالوا: (( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49].
وجملة (( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49] هل هي من جملة كونهم الذين يدافعون به عن أنفسهم أو هو تقريرٌ لقولهم: (( مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] يعني وأنهم لم يقولوه للدفاع عن أنفسهم، يحتمل الأمرين، ولكن ما أدري هل فهمتم الفرق بين الأمرين أم لا؟
(( ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49] هل (( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49] من جملة ما يقولونه للولي، ليؤكدوا النفي؟ ما شهدنا وإننا لم نكذب عليكم، إننا لصادقون أنا ما شهدنا هذا وجه.
أو أن المعنى: (( ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] واطمئنوا أيها الإخوة فإننا -يقولون لبعضهم البعض- لصادقون، بأننا لم نشهد. يحتمل هذا وهذا.
إنما هم المفسّرون ذكروا احتمالين: أحدهما أن يقولوه في جملة دفاعهم عن أنفسهم لولي صالح، وعلى هذا فتكون الجملة (( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49] تقريراً لقولهم: (( مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] وتكذيب، ما شهدنا وإنا لصادقون فلم نخبركم بالقتل.
أو أن المعنى: (( ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] ونحن إذا قلنا هذا فإننا صادقون، لأننا ما شهدنا مهلك، ولكننا أهلكنا بأنفسنا.. لسنا شهوداً بل فاعلون.
الطالب: ....؟
الشيخ : بلى، لكن الحقيقة أن الفاعل غير الشاهد، وأنه ... تورية هذه مثلاً، وإلا معلومٌ أن من فعل فقد شهد بلى أبلغ.
الطالب: ومن قتل النبي فالذين آمنوا بأنه يكفي عليهم أنهم قدموا لما هو أعظم.
الشيخ : لا. هم يهونون أمرهم بعضهم على بعض، حتى لا يكون في أنفسهم شيء، وإلا هو معلوم أن الذي يقتل يشهد، لكن لتهوين الأمر على بعضهم يوطّن بعضهم بعضاً.
والحاصل: أن هؤلاء والعياذ بالله أرادوا هذا الفعل المنكر وهو مكر، لأنه إتيان لصالح وأهله من حيث لا يشعرون، فإن الليل موضع السكون والهدوء، فإذا أحدٌ اعتدى على أحد صار ذلك غدرا ومكراً، ولهذا حتى في حرب الكفار اختلف العلماء: هل يجوز تبييت الكفار أو لا يجوز؟ فمن منع التبييت قال: ما يمكن أن يقتل الكفار وهم غارون نائمون، ومنهم من أجاز ذلك. والمسألة تحتاج إلى تحرير بحث في هذا الشيء.
والحاصل: أنا نقول: إن هذا من الغدر والمكر، أن يأتي هؤلاء إلى صالحٍ وأهله في الليل فيبيتوهم
1 - قال الله تعالى : << قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه و أهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله و إنا لصادقون >> أستمع حفظ
قال الله تعالى : << ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لايشعرون >>
ولهذا يقول الله عز وجل: (( وَمَكَرُوا مَكْرًا ))[النمل:50] " (( وَمَكَرُوا )) في ذلك (( مَكْرًا ))[النمل:50] ". مكراً منكّر، وأحياناً يكون من فائدة التنكير التعظيم. أي: مكروا مكراً عظيماً.
والمكر فسّره بعضهم بأنه التوصل بالأسباب الخفية إلى الإيقاع بالخطب، فيحصل بأسباب خفية إلى الوقاع بخصمه، لأن الأسباب الظاهرة ما تسمى مكر، وإنما هي أسباب خفية.
قال الله عز وجل في مقابلة ذلك: (( وَمَكَرْنَا مَكْرًا ))[النمل:50] أي: أعظم من مكرهم.
قال المؤلف: " أي جازيناهم بتعجيل عقوبتهم " ففسّر مكراً بالمجازاة.
والصحيح: أن المكر أشد من المجازاة، لأنها مجازاة من حيث مأمن المجازى، لكن أراد المؤلف رحمه الله أن يدفع بذلك صفة المكر عن الله سبحانه وتعالى ففسّره بالمجازاة.
والصواب عند أهل السنة والجماعة أن المكر لا يجوز أن يحرّف إلى معنى المجازاة مطلقاً، وأنه لا يمتنع وصف الله تبارك وتعالى به في محله، فالمكر في محله يعتبر مدحاً وإلا لا؟وفي غير محله يعتبر ذماً.. فالمكر بهؤلاء الماكرين يعتبر مدحاً عظيماً.
ولهذا الصحيح في هذه المسألة الذي عليها أهل السنة والجماعة: أن الله تعالى يوصف بالمكر لا على الإطلاق، فلا يقال: إن الله ماكر، لأنه على الإطلاق يتضمن صفة الذم، وإنما يقال: ماكرٌ بمن يمكر به أو بمن يستحق المكر. وحينئذ يكون صفة مدح.
والصفات تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها: صفاتٌ حسنى في كل حال، فهذه ثابتةٌ لهم على وجه الإطلاق كالسمع، كالبصر، كالعلم، كالحياة، كالقدرة .. وما أشبه ذلك.
والثاني: صفات نقصٍ على كل حال أو صفات سوءٍ على كل حال، فهذه يُنزّه الله عنها على كل حال مثل: الظلم، ....، والجهل، والعمى، والموت، والمرض، والجوع والعطش .. وما أشبه ذلك، هذه ينزّه الله عنها على كل حال والولادة، ........، والشريك .. وما إلى ذلك، هذه ينزّه الله عنها في كل حال.
والثالث: صفاتٌ ذات وجهين تكون مدحاً في حال وتكون ذماً في حال، فهذه لا يوصف الله بها بإطلاق، ولا تنفى عنه على الإطلاق مثل: المكر، والخداع، والاستهزاء، والسخرية .. وأمثالها. هذه لا يوصف الله بها على كل حال ولا تنفى عنه في كل حال. بل يوصف بها حيث تكون كمالاً، وتنفى عنه حيث تكون نقصاً. قال الله تعالى: (( فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ))[التوبة:79]، وقال تعالى: (( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ ))[البقرة:15]، وقال تعالى: (( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ))[النساء:142]، وقال تعالى: (( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ))[الأنفال:30].
(( وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:50] يعني: هم لا يشعرون بعاقبة مكرهم، وهل يتم لهم ما أرادوا أم لا، ولا يشعرون كيف يمكر الله بهم. فهم لا يشعرون لا بهذا ولا بهذا.. لا بنتيجة مكرهم ولا بمكر الله بهم، لأنهم والعياذ بالله متمادون في الضلالة، والغالب أن الذي يتمادى في الضلالة يعمى فلا يبصر، ويصم فلا يسمع.
فلهذا قال: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:50] والجملة في قوله: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:50] محلها من الإعراب؟ حال من الواو في مكروا أو من الضمير المحذوف في قوله: (( وَمَكَرْنَا مَكْرًا ))[النمل:50] يعني: بهم (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:50]؟
والمكر فسّره بعضهم بأنه التوصل بالأسباب الخفية إلى الإيقاع بالخطب، فيحصل بأسباب خفية إلى الوقاع بخصمه، لأن الأسباب الظاهرة ما تسمى مكر، وإنما هي أسباب خفية.
قال الله عز وجل في مقابلة ذلك: (( وَمَكَرْنَا مَكْرًا ))[النمل:50] أي: أعظم من مكرهم.
قال المؤلف: " أي جازيناهم بتعجيل عقوبتهم " ففسّر مكراً بالمجازاة.
والصحيح: أن المكر أشد من المجازاة، لأنها مجازاة من حيث مأمن المجازى، لكن أراد المؤلف رحمه الله أن يدفع بذلك صفة المكر عن الله سبحانه وتعالى ففسّره بالمجازاة.
والصواب عند أهل السنة والجماعة أن المكر لا يجوز أن يحرّف إلى معنى المجازاة مطلقاً، وأنه لا يمتنع وصف الله تبارك وتعالى به في محله، فالمكر في محله يعتبر مدحاً وإلا لا؟وفي غير محله يعتبر ذماً.. فالمكر بهؤلاء الماكرين يعتبر مدحاً عظيماً.
ولهذا الصحيح في هذه المسألة الذي عليها أهل السنة والجماعة: أن الله تعالى يوصف بالمكر لا على الإطلاق، فلا يقال: إن الله ماكر، لأنه على الإطلاق يتضمن صفة الذم، وإنما يقال: ماكرٌ بمن يمكر به أو بمن يستحق المكر. وحينئذ يكون صفة مدح.
والصفات تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها: صفاتٌ حسنى في كل حال، فهذه ثابتةٌ لهم على وجه الإطلاق كالسمع، كالبصر، كالعلم، كالحياة، كالقدرة .. وما أشبه ذلك.
والثاني: صفات نقصٍ على كل حال أو صفات سوءٍ على كل حال، فهذه يُنزّه الله عنها على كل حال مثل: الظلم، ....، والجهل، والعمى، والموت، والمرض، والجوع والعطش .. وما أشبه ذلك، هذه ينزّه الله عنها على كل حال والولادة، ........، والشريك .. وما إلى ذلك، هذه ينزّه الله عنها في كل حال.
والثالث: صفاتٌ ذات وجهين تكون مدحاً في حال وتكون ذماً في حال، فهذه لا يوصف الله بها بإطلاق، ولا تنفى عنه على الإطلاق مثل: المكر، والخداع، والاستهزاء، والسخرية .. وأمثالها. هذه لا يوصف الله بها على كل حال ولا تنفى عنه في كل حال. بل يوصف بها حيث تكون كمالاً، وتنفى عنه حيث تكون نقصاً. قال الله تعالى: (( فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ))[التوبة:79]، وقال تعالى: (( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ ))[البقرة:15]، وقال تعالى: (( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ))[النساء:142]، وقال تعالى: (( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ))[الأنفال:30].
(( وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:50] يعني: هم لا يشعرون بعاقبة مكرهم، وهل يتم لهم ما أرادوا أم لا، ولا يشعرون كيف يمكر الله بهم. فهم لا يشعرون لا بهذا ولا بهذا.. لا بنتيجة مكرهم ولا بمكر الله بهم، لأنهم والعياذ بالله متمادون في الضلالة، والغالب أن الذي يتمادى في الضلالة يعمى فلا يبصر، ويصم فلا يسمع.
فلهذا قال: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:50] والجملة في قوله: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:50] محلها من الإعراب؟ حال من الواو في مكروا أو من الضمير المحذوف في قوله: (( وَمَكَرْنَا مَكْرًا ))[النمل:50] يعني: بهم (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:50]؟
الأسئلة
الطالب: تدل على مكر مضاد ... بالذات الخفي في الليل.
الشيخ : لا. هو بالأسباب الخفية وقد يشعر به.قال: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:50]
الشيخ : لا. هو بالأسباب الخفية وقد يشعر به.قال: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:50]
قال الله تعالى : << فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين >>
(( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ))[النمل:51]. (( فَانظُرْ ))[النمل:51] الخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولاً، أو لمن يصح خطابه. يعني: فانظر أيها المخاطب، أو فانظر يا محمد وهو رأس هذه الأمة وقائدها وإمامها، فيكون خطابه خطاباً للأمة أيضاً.
(( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ))[النمل:51] كيف هذه اسم استفهام معلّقةٌ ل(انظر) عن العمل، ولهذا نقول: إن محلها النصب خبر كان مقدماً، وجملة كان وخبرها في محل نصبٍ مفعول ل(انظر)، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم، العاقبة ما يعقب الشيء. يعني: انظر ماذا يعقب مكرهم من الأمر: (( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ ))[النمل:51] أهلكناهم، عندكم بفتح الهمزة أو بالكسر؟
الطالب: ....؟
الشيخ : فيها قراءتان: بفتح الهمزة أنا دمّرناهم، وكسرها: إنا دمّرناهم. أما كسرها فهي كقوله تعالى: (( فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ ))[القمر:30 - 31] فتكون مستأنفة على قراءة الكسر تكون مستأنفة لبيان هذه العاقبة (( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ))[النمل:51].
وأما... الآن يتفوه إلى هذه العاقبة، وجيء بالجملة الاستئنافية بياناً لها: إنا دمرناهم وقومهم أجمعين.
أما على قراءة الفتح فهي بيان للعاقبة بدلٌ منه فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّنا دَمَّرْنَاهُمْ. أو أنها على خبر مبتدأ محذوف التقدير هي: (( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ))[النمل:51].
وقوله تعالى: (( دَمَّرْنَاهُمْ )) يقول المؤلف: " أهلكناهم " من التدمير وهو أبلغ من الإهلاك، لأن التدمير يوحي بغلظ هذا الإهلاك وعظمته. وهو كذلك، فإن قوم صالح أخذوا والعياذ بالله بأمرين: بصيحة، ورجفة.
صيح بهم وارتجفت بهم الأرض حتى انهدم عليهم بناؤهم، وتقطعت قلوبهم في أجوافهم نسأل الله العافية، قال الله تعالى: (( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ))[القمر:31] مثل الهشيم .... والعياذ بالله.
فهذه .... العظيم نتيجة لهذا العصيان والتمرد والمكر الذي أرادوه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقوله: (( دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ ))[النمل:51] مع أن القوم لم يشاركوا في هذه الجريمة، ولكن هذا شؤم المعاصي: أن الله سبحانه وتعالى إذا عاقب بها أحداً شمل الجميع، مع أن قومهم مستحقون للعقوبة لأنهم كانوا كفاراً مكذّبين، لكن تعجيل العقوبة مقروناً بهذا السبب، وهو مكر هؤلاء بصالح، هذا قد لا يكون قوماً مستحقون له ولكنهم شملهم والعياذ بالله عقوبة هؤلاء، وقد ذكر الله تبارك وتعالى في آيات أخرى مفصّلة: أن نبيهم صالحاً قال لهم: (( تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ))[هود:65] فتمتعوا وبقوا ثلاثة أيام، ثم بعد ذلك أخذهم الله تعالى بهذه الصيحة والرجفة. وقوله: (( أَجْمَعِينَ ))[النمل:51] ما محله من الإعراب؟
الطالب: توكيد.
الشيخ : توكيد لقوله: (( وَقَوْمَهُمْ ))[النمل:51] للقوم يعني: ما بقي منهم أحد إلا من كان مؤمناً بصالحٍ عليه الصلاة والسلام، وقول المؤلف: " بصيحة جبريل أو برمي الملائكة بحجارة يرونها ولا يرونهم ".
أما قوله: " بصيحة جبريل " فهذا قد يكون مقبولاً، لأن الله تعالى يقول: (( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً ))[القمر:31] وهذه الصيحة إما من الله، أو من جبريل، أو من غيره من غيره من الملائكة. المهم أنهم أهلكوا بصيحة.
وأما قوله: " أو برمي الملائكة بحجارة " فهذا لا أعلم له وجه، ولكنه قيل: إنهم لما جاءوا إلى صالح أمر الله تعالى الملائكة أن تحرسه، فلما جاءوا وإذا الملائكة تحرسه فجعلت الملائكة ترميهم بالحجارة.. وهذا لا أصل له، إذا لم يكن هذا عن معصوم فإنه غير مقبول وهو أيضاً غير لائق أن تكون الملائكة يرمون بالحجارة، وأنهم من البشر. ولكنا نقول: الذي دمّر الله به هؤلاء وقومهم هو الصيحة والرجفة، كما جاء ذلك في القرآن، ولا نتعدى القرآن في هذا الأمر، لأن الله تعالى يقول في سورة إبراهيم: (( لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ))[إبراهيم:9] فما دام هذه الأمور من معلومات الله سبحانه وتعالى، فإننا لا نتجاوز ما كان له فيها إلا ما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسند مقبول.
(( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ))[النمل:51] كيف هذه اسم استفهام معلّقةٌ ل(انظر) عن العمل، ولهذا نقول: إن محلها النصب خبر كان مقدماً، وجملة كان وخبرها في محل نصبٍ مفعول ل(انظر)، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم، العاقبة ما يعقب الشيء. يعني: انظر ماذا يعقب مكرهم من الأمر: (( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ ))[النمل:51] أهلكناهم، عندكم بفتح الهمزة أو بالكسر؟
الطالب: ....؟
الشيخ : فيها قراءتان: بفتح الهمزة أنا دمّرناهم، وكسرها: إنا دمّرناهم. أما كسرها فهي كقوله تعالى: (( فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ ))[القمر:30 - 31] فتكون مستأنفة على قراءة الكسر تكون مستأنفة لبيان هذه العاقبة (( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ))[النمل:51].
وأما... الآن يتفوه إلى هذه العاقبة، وجيء بالجملة الاستئنافية بياناً لها: إنا دمرناهم وقومهم أجمعين.
أما على قراءة الفتح فهي بيان للعاقبة بدلٌ منه فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّنا دَمَّرْنَاهُمْ. أو أنها على خبر مبتدأ محذوف التقدير هي: (( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ))[النمل:51].
وقوله تعالى: (( دَمَّرْنَاهُمْ )) يقول المؤلف: " أهلكناهم " من التدمير وهو أبلغ من الإهلاك، لأن التدمير يوحي بغلظ هذا الإهلاك وعظمته. وهو كذلك، فإن قوم صالح أخذوا والعياذ بالله بأمرين: بصيحة، ورجفة.
صيح بهم وارتجفت بهم الأرض حتى انهدم عليهم بناؤهم، وتقطعت قلوبهم في أجوافهم نسأل الله العافية، قال الله تعالى: (( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ))[القمر:31] مثل الهشيم .... والعياذ بالله.
فهذه .... العظيم نتيجة لهذا العصيان والتمرد والمكر الذي أرادوه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقوله: (( دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ ))[النمل:51] مع أن القوم لم يشاركوا في هذه الجريمة، ولكن هذا شؤم المعاصي: أن الله سبحانه وتعالى إذا عاقب بها أحداً شمل الجميع، مع أن قومهم مستحقون للعقوبة لأنهم كانوا كفاراً مكذّبين، لكن تعجيل العقوبة مقروناً بهذا السبب، وهو مكر هؤلاء بصالح، هذا قد لا يكون قوماً مستحقون له ولكنهم شملهم والعياذ بالله عقوبة هؤلاء، وقد ذكر الله تبارك وتعالى في آيات أخرى مفصّلة: أن نبيهم صالحاً قال لهم: (( تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ))[هود:65] فتمتعوا وبقوا ثلاثة أيام، ثم بعد ذلك أخذهم الله تعالى بهذه الصيحة والرجفة. وقوله: (( أَجْمَعِينَ ))[النمل:51] ما محله من الإعراب؟
الطالب: توكيد.
الشيخ : توكيد لقوله: (( وَقَوْمَهُمْ ))[النمل:51] للقوم يعني: ما بقي منهم أحد إلا من كان مؤمناً بصالحٍ عليه الصلاة والسلام، وقول المؤلف: " بصيحة جبريل أو برمي الملائكة بحجارة يرونها ولا يرونهم ".
أما قوله: " بصيحة جبريل " فهذا قد يكون مقبولاً، لأن الله تعالى يقول: (( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً ))[القمر:31] وهذه الصيحة إما من الله، أو من جبريل، أو من غيره من غيره من الملائكة. المهم أنهم أهلكوا بصيحة.
وأما قوله: " أو برمي الملائكة بحجارة " فهذا لا أعلم له وجه، ولكنه قيل: إنهم لما جاءوا إلى صالح أمر الله تعالى الملائكة أن تحرسه، فلما جاءوا وإذا الملائكة تحرسه فجعلت الملائكة ترميهم بالحجارة.. وهذا لا أصل له، إذا لم يكن هذا عن معصوم فإنه غير مقبول وهو أيضاً غير لائق أن تكون الملائكة يرمون بالحجارة، وأنهم من البشر. ولكنا نقول: الذي دمّر الله به هؤلاء وقومهم هو الصيحة والرجفة، كما جاء ذلك في القرآن، ولا نتعدى القرآن في هذا الأمر، لأن الله تعالى يقول في سورة إبراهيم: (( لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ))[إبراهيم:9] فما دام هذه الأمور من معلومات الله سبحانه وتعالى، فإننا لا نتجاوز ما كان له فيها إلا ما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسند مقبول.
الأسئلة
الطالب: وصلوا إلى بيته؟
الشيخ : على رأي المؤلف وصلوا إلى بيته.
الطالب: فانطبق عليهم الغار.
الشيخ : ذكر بعض العلماء أنهم لما خرجوا أصيبوا بمطر وأنهم قالوا ... إلى غار عن هذا المطر، فلما لجأوا إليه انطبق عليهم هذا الغار وهلكوا، وأنا قومهم جعلوا يطلبونهم ويبحثون عنهم فلم يجدوهم، ثم رجعوا إلى بيوتهم فخرج عليهم صالح فقال لهم: (( تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ))[هود:65].
وقالوا: إن هذا هو الذي ..... لأن هؤلاء القوم دخلوا إلى الغار يريدون الأمن، ولكن كان في هذا الغار حتفهم.
وهذه القصة أيضاً على هذا الوجه ما رأيتها ثابتة بسند عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولهذا الأولى أن يقال: إن الله تعالى مكر بهم فدمّرهم وقومهم، وليس من المهم أن نعرف كيف دُمّروا، المهم أن نعرف أنهم دُمِّروا عن آخرهم بسبب ما أرادوه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ....
الطالب: .... لما تواعدوا ... لما جاء يقول صالح: (( تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ))[هود:65] .... مثلاً بيوتهم والعذاب .....
الشيخ : ما يلزم، لأن الله ما ذكر أنه سبحانه وتعالى دمّرهم في تلك الليلة.
الطالب: ....
الشيخ : الذي حال بينهم وبين هذا، ثم إنهم هم قُذف في قلوبهم الرعب، ..... ما ندري، أو أنهم جاءوا فلم يتوصلوا إلى بيته لأنه مغلق محكم، المهم هذه .... فهم ما حصل أنهم نفذوا ما أرادوا.
(( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ))[النمل:51]
الشيخ : على رأي المؤلف وصلوا إلى بيته.
الطالب: فانطبق عليهم الغار.
الشيخ : ذكر بعض العلماء أنهم لما خرجوا أصيبوا بمطر وأنهم قالوا ... إلى غار عن هذا المطر، فلما لجأوا إليه انطبق عليهم هذا الغار وهلكوا، وأنا قومهم جعلوا يطلبونهم ويبحثون عنهم فلم يجدوهم، ثم رجعوا إلى بيوتهم فخرج عليهم صالح فقال لهم: (( تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ))[هود:65].
وقالوا: إن هذا هو الذي ..... لأن هؤلاء القوم دخلوا إلى الغار يريدون الأمن، ولكن كان في هذا الغار حتفهم.
وهذه القصة أيضاً على هذا الوجه ما رأيتها ثابتة بسند عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولهذا الأولى أن يقال: إن الله تعالى مكر بهم فدمّرهم وقومهم، وليس من المهم أن نعرف كيف دُمّروا، المهم أن نعرف أنهم دُمِّروا عن آخرهم بسبب ما أرادوه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ....
الطالب: .... لما تواعدوا ... لما جاء يقول صالح: (( تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ))[هود:65] .... مثلاً بيوتهم والعذاب .....
الشيخ : ما يلزم، لأن الله ما ذكر أنه سبحانه وتعالى دمّرهم في تلك الليلة.
الطالب: ....
الشيخ : الذي حال بينهم وبين هذا، ثم إنهم هم قُذف في قلوبهم الرعب، ..... ما ندري، أو أنهم جاءوا فلم يتوصلوا إلى بيته لأنه مغلق محكم، المهم هذه .... فهم ما حصل أنهم نفذوا ما أرادوا.
(( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ))[النمل:51]
قال الله تعالى : << فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لأيات لقوم يعلمون >>
قال الله تعالى: " (( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً ))[النمل:52] أي: خالية ونصبه على الحال والعامل فيها معنى الإشارة ".
(( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ ))[النمل:52] المشار إليه معلوم وإلا؟ محدود، لأن بيوت ثمود موجودة الآن مشاهدة، لكنها كما قال الله تعالى خاوية بمعنى: أنها خالية على رأي المؤلف، وقيل: خاوية متهدمة كما قال الله تعالى: (( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ))[البقرة:259] أي متهدمة.
وهذا المعنى أبلغ وأن تفسير الخاوي بالمتهدم الذي ليس بقائم أولى وأشد، لأن البيوت قد تخلو مع العمار، ولكن إذا خويت بمعنى دمرت وانهدمت فهي خالية. فإذاً: أيضاً من دمارها خلوها، ولا يلزم من خلوها دمارها، والواقع أنها دمرت، لأن هذه الرجفة العظيمة لا بد أن تدمرها.
الطالب: .....
الشيخ : عندكم ما هو جعلها على صفتها بالأول، بل هي مدمرة.
ثم أن المؤلف قال: " نصبه على الحال " نصب الخاوية على الحال، من أين؟
الطالب:...
الشيخ : لا حال من البيوت.. بيوتهم حال كونها خاوية، لكن أين العامل في الحال؟ لأن العامل لا بد أن يكون إما فعلاً أو اسماً بمعنى الفعل، قال المؤلف: " العامل فيها معنى الإشارة " لأن تلك بمعنى أشير، فاسم الإشارة متضمنٌ لحرف معنوي وفعل، أي: أشير إلى بيوتهم خاويةً.
قال: " (( بِمَا ظَلَمُوا ))[النمل:52] بظلمهم " الباء للسببية، وما مصدرية. انظر المؤلف رحمه الله حوّل الفعل إلى مصدر، إشارة إلى أن ما مصدرية أي: تحوّل ما بعدها إلى مصدر، أي: بسبب ظلمهم لا أننا ظالمون لهم، بل هم الذين ظلموا أنفسهم.
ثم فسّر المؤلف هذا الظلم بالكفر فقال: " أي كفرهم " لأن كل كفرٍ ظلم وليس كل ظلمٍ كفراً، ولهذا قال العلماء: إننا نحمد الله سبحانه وتعالى أن قال: (( وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ))[البقرة:254] ولم يقل: والظالمون هم الكافرون، لو قال: والظالمون هم الكافرون كان كل ظالمٍ فهو كافر، ولكن قال: الكافرون هم الظالمون، فإن كافر هو ظالم (( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ))[لقمان:13].
وتفسير المؤلف الظلم هنا بالكفر هل عليه دليل أو لا؟ نعم عليه دليل، لأن فعلهم وتكذيبهم لرسولهم كفرٌ، فهنا تفسير الظلم بما هو أخص له دليل.
(( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ))[النمل:52]. (( إِنَّ فِي ذَلِكَ ))[النمل:52] المشار إليه كل القصة على الصحيح، وليس المشار إليه مجردٌ للذات، بل إنه كل القصة " (( لَآيَةً )) لعبرة (( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ))[النمل:52] قدرتنا فيتعظون ".
تخصيص هذا بالقدرة غير مسلّم، إذ المراد ما هو أعم من علم قدرة الله سبحانه وتعالى، بل يعلمون قدرة الله وحكمته، وما جرى في الأمم .. كل هذا داخل، لأن الذي ما يدري بماذا يعتبر؟ لكن الذي يدري هو الذي يعتبر.
وفي هذا من الحث على معرفة أخبار الأمم والعلم بها ما هو ظاهر، لأن بها يتعظ الناس.
وكذلك أيضاً الأخبار الواقعة في زمن الإنسان ينبغي أن يتخذ من حوادثها عظة وعبرة، وسيأتي إن شاء الله ذكر ما في قوله: (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ))[النمل:52] من الفوائد.
الطالب: .... يعلمون الدليل .... قوله: (( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ))[النمل:52] .... يقول: " يَعْلَمُونَ وُجُوهَ دَلَالَةِ الدَّلَائِلِ ".
الشيخ : ما أدري، هذا يحتمل، لكن ما هو محصور ما هو على الأمثلة محصور.
الطالب: ....؟
الشيخ : لا. لأن يعلمون الدلائل والدلالة كله، أنه هذا كله من جملة العلم
(( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ ))[النمل:52] المشار إليه معلوم وإلا؟ محدود، لأن بيوت ثمود موجودة الآن مشاهدة، لكنها كما قال الله تعالى خاوية بمعنى: أنها خالية على رأي المؤلف، وقيل: خاوية متهدمة كما قال الله تعالى: (( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ))[البقرة:259] أي متهدمة.
وهذا المعنى أبلغ وأن تفسير الخاوي بالمتهدم الذي ليس بقائم أولى وأشد، لأن البيوت قد تخلو مع العمار، ولكن إذا خويت بمعنى دمرت وانهدمت فهي خالية. فإذاً: أيضاً من دمارها خلوها، ولا يلزم من خلوها دمارها، والواقع أنها دمرت، لأن هذه الرجفة العظيمة لا بد أن تدمرها.
الطالب: .....
الشيخ : عندكم ما هو جعلها على صفتها بالأول، بل هي مدمرة.
ثم أن المؤلف قال: " نصبه على الحال " نصب الخاوية على الحال، من أين؟
الطالب:...
الشيخ : لا حال من البيوت.. بيوتهم حال كونها خاوية، لكن أين العامل في الحال؟ لأن العامل لا بد أن يكون إما فعلاً أو اسماً بمعنى الفعل، قال المؤلف: " العامل فيها معنى الإشارة " لأن تلك بمعنى أشير، فاسم الإشارة متضمنٌ لحرف معنوي وفعل، أي: أشير إلى بيوتهم خاويةً.
قال: " (( بِمَا ظَلَمُوا ))[النمل:52] بظلمهم " الباء للسببية، وما مصدرية. انظر المؤلف رحمه الله حوّل الفعل إلى مصدر، إشارة إلى أن ما مصدرية أي: تحوّل ما بعدها إلى مصدر، أي: بسبب ظلمهم لا أننا ظالمون لهم، بل هم الذين ظلموا أنفسهم.
ثم فسّر المؤلف هذا الظلم بالكفر فقال: " أي كفرهم " لأن كل كفرٍ ظلم وليس كل ظلمٍ كفراً، ولهذا قال العلماء: إننا نحمد الله سبحانه وتعالى أن قال: (( وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ))[البقرة:254] ولم يقل: والظالمون هم الكافرون، لو قال: والظالمون هم الكافرون كان كل ظالمٍ فهو كافر، ولكن قال: الكافرون هم الظالمون، فإن كافر هو ظالم (( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ))[لقمان:13].
وتفسير المؤلف الظلم هنا بالكفر هل عليه دليل أو لا؟ نعم عليه دليل، لأن فعلهم وتكذيبهم لرسولهم كفرٌ، فهنا تفسير الظلم بما هو أخص له دليل.
(( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ))[النمل:52]. (( إِنَّ فِي ذَلِكَ ))[النمل:52] المشار إليه كل القصة على الصحيح، وليس المشار إليه مجردٌ للذات، بل إنه كل القصة " (( لَآيَةً )) لعبرة (( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ))[النمل:52] قدرتنا فيتعظون ".
تخصيص هذا بالقدرة غير مسلّم، إذ المراد ما هو أعم من علم قدرة الله سبحانه وتعالى، بل يعلمون قدرة الله وحكمته، وما جرى في الأمم .. كل هذا داخل، لأن الذي ما يدري بماذا يعتبر؟ لكن الذي يدري هو الذي يعتبر.
وفي هذا من الحث على معرفة أخبار الأمم والعلم بها ما هو ظاهر، لأن بها يتعظ الناس.
وكذلك أيضاً الأخبار الواقعة في زمن الإنسان ينبغي أن يتخذ من حوادثها عظة وعبرة، وسيأتي إن شاء الله ذكر ما في قوله: (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ))[النمل:52] من الفوائد.
الطالب: .... يعلمون الدليل .... قوله: (( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ))[النمل:52] .... يقول: " يَعْلَمُونَ وُجُوهَ دَلَالَةِ الدَّلَائِلِ ".
الشيخ : ما أدري، هذا يحتمل، لكن ما هو محصور ما هو على الأمثلة محصور.
الطالب: ....؟
الشيخ : لا. لأن يعلمون الدلائل والدلالة كله، أنه هذا كله من جملة العلم
قال الله تعالى : << و أنجينا الذين ءامنوا وكانوا يتقون >>
قال الله تعالى: " (( وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا )) بصالح وهم أربعة آلاف (( وَكَانُوا يَتَّقُونَ ))[النمل:53] الشرك ". أنجينا أي: عصمنا، الإنجاء بمعنى العصمة.
أنجيناهم من هذا التدمير الذي ذكر الله والعقوبة (( وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا ))[النمل:53].
وقوله: (( الَّذِينَ آمَنُوا ))[النمل:53] قول المؤلف: " بصالح " فيه نظر، فقد آمنوا بالله لأجل أن يشمل صالحاً ومن معه، كما قال الله تعالى في سورة هود: (( فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ))[الأعراف:72].
.... الإيمان بالله، بل نقول: إن صالحاً عليه الصلاة والسلام يجب عليه أن يؤمن بنفسه أنه رسول، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يؤمن ويشهد لنفسه بالرسالة يقول في صلاته : ( أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ) وهو يعني نفسه.
وأحياناً يقول إذا وقع الأمر على وفق ما قال يقول: ( أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله ).
فالمهم أن الرسول نفسه ملزمٌ بأن يشهد لنفسه بالرسالة، وأنه رسول الله، يؤمن بما أوحي إليه، وكذلك غيره من باب أولى.
وقول المؤلف: إنهم أربعة آلاف، لكن أين الديوان الذي حصرهم؟ لا دليل عليه.
والغالب أن المؤمنين أقل من ذلك في هذا، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( رأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رفع له سواد فظن أنها امته فقيل: هذا موسى؟ وقومه ... ) المهم أن تقديرهم بأربعة آلاف، أو بأربعين نفراً، أو بأربعة ملايين، أو بأقل أو أكثر.. هذا يحتاج إلى دليل.
وهو أيضاً من فضول العلم الذي لا ينبغي للإنسان أن يُتعب نفسه في ذلك، لأنه ما فيه فائدة، الذي فيه فائدة لا بد أن يقصّه الله علينا.
ونظير هذا البحث مثلاً: كلب أصحاب الكهف ما لونه؟ وما اسمه، وايش كبره؟ ما عليه فوائد، الغار الذي هم فيه أين هو؟ وفي أي مكان؟ كل هذه مسائل جانبية.
كذلك أيضاً ما يقع في الحديث في السنة قال رجل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض الشرّاح يعنى عناية كاملة: من الذي قالها؟ هذا في الحقيقة ما له داعي وإن كنا قد نستفيد أنه إذا كانت الصفة منقبة، أن يكون في ذلك منقبة لهذا الرجل إذا عُرفت، لكن هل هذا ملزومٌ للحكم أو للدلالة؟ لا. ولكنه من فضول العلم، هذه أيضاً مثله: كمن الذين مع صالح؟ أربعة آلاف أو أربعة ملايين ما يهم، المهم أن كل من اتصف بالإيمان فإن الله تعالى أنجاهم من هذا العذاب العام.
(( وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ))[النمل:53] يقول المؤلف: " يتقون الشرك " ولو أنه قال: يتقون المعاصي أو يتقون الله لكان هذا أولى، لأن الإيمان والتقوى بمعنى الإيمان والعمل الصالح، لأن العمل الصالح عند الإطلاق من التقوى بخلاف ما إذا قُرن بالتقوى الظلم وما إلى ذلك، فيكون التقوى للمعاصي والقرب من الطاعات.
أنجيناهم من هذا التدمير الذي ذكر الله والعقوبة (( وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا ))[النمل:53].
وقوله: (( الَّذِينَ آمَنُوا ))[النمل:53] قول المؤلف: " بصالح " فيه نظر، فقد آمنوا بالله لأجل أن يشمل صالحاً ومن معه، كما قال الله تعالى في سورة هود: (( فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ))[الأعراف:72].
.... الإيمان بالله، بل نقول: إن صالحاً عليه الصلاة والسلام يجب عليه أن يؤمن بنفسه أنه رسول، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يؤمن ويشهد لنفسه بالرسالة يقول في صلاته : ( أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ) وهو يعني نفسه.
وأحياناً يقول إذا وقع الأمر على وفق ما قال يقول: ( أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله ).
فالمهم أن الرسول نفسه ملزمٌ بأن يشهد لنفسه بالرسالة، وأنه رسول الله، يؤمن بما أوحي إليه، وكذلك غيره من باب أولى.
وقول المؤلف: إنهم أربعة آلاف، لكن أين الديوان الذي حصرهم؟ لا دليل عليه.
والغالب أن المؤمنين أقل من ذلك في هذا، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( رأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رفع له سواد فظن أنها امته فقيل: هذا موسى؟ وقومه ... ) المهم أن تقديرهم بأربعة آلاف، أو بأربعين نفراً، أو بأربعة ملايين، أو بأقل أو أكثر.. هذا يحتاج إلى دليل.
وهو أيضاً من فضول العلم الذي لا ينبغي للإنسان أن يُتعب نفسه في ذلك، لأنه ما فيه فائدة، الذي فيه فائدة لا بد أن يقصّه الله علينا.
ونظير هذا البحث مثلاً: كلب أصحاب الكهف ما لونه؟ وما اسمه، وايش كبره؟ ما عليه فوائد، الغار الذي هم فيه أين هو؟ وفي أي مكان؟ كل هذه مسائل جانبية.
كذلك أيضاً ما يقع في الحديث في السنة قال رجل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض الشرّاح يعنى عناية كاملة: من الذي قالها؟ هذا في الحقيقة ما له داعي وإن كنا قد نستفيد أنه إذا كانت الصفة منقبة، أن يكون في ذلك منقبة لهذا الرجل إذا عُرفت، لكن هل هذا ملزومٌ للحكم أو للدلالة؟ لا. ولكنه من فضول العلم، هذه أيضاً مثله: كمن الذين مع صالح؟ أربعة آلاف أو أربعة ملايين ما يهم، المهم أن كل من اتصف بالإيمان فإن الله تعالى أنجاهم من هذا العذاب العام.
(( وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ))[النمل:53] يقول المؤلف: " يتقون الشرك " ولو أنه قال: يتقون المعاصي أو يتقون الله لكان هذا أولى، لأن الإيمان والتقوى بمعنى الإيمان والعمل الصالح، لأن العمل الصالح عند الإطلاق من التقوى بخلاف ما إذا قُرن بالتقوى الظلم وما إلى ذلك، فيكون التقوى للمعاصي والقرب من الطاعات.
قال الله تعالى : << ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون >>
ثم قال الله تعالى: (( وَلُوطًا ))[النمل:54] قال المؤلف: " منصوب باذكر مقدراً قبله " يعني: واذكر يا محمد لوطاً، وإنما ذُكر بعد صالح وهو دائماً يُذكر بعد صالح، لأن مدائن صالح وقرى قوم لوط ليس بعيداً بعضها من بعض، وليست مجهولة من الناس في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم قال: " (( وَلُوطًا ))[النمل:54] منصوب باذكر مقدراً قبله ويبدل منه ".
فأما التقدير: واذكر إذا قال لوطٌ لقومه. " (( إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ))[النمل:54] أي: اللواط " الهمزة هنا لاستفهام الاستعلام وإلا لا؟، لأنه يعلم لكن التوبيخ والإنكار، وإن كنت أزيد على ذلك تعزر أو التعزير. يعني: كيف أنكم تأتون الفاحشة، فهي للتوبيخ والإنكار والتعدي.
وقوله: (( الْفَاحِشَةَ )) أي: لاستغراق الجنس من حيث المعنى لا من حيث الأفراد، لكن المعنى أن هذه أعظم فاحشة.. أعظم فاحشة من نوعها هي هذه، وهي أعظم من الزنا، لأن الله قال: (( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ))[الإسراء:32] فاحشة من الفواحش، وهنا قال: الفاحشة، وهي أيضاً أعظم من نكاح ذوات المحارم، لأن الله قال: (( وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا ))[النساء:22] ونساء ذوات المحارم أعظم من الزنا، لأن الله وصفهم بثلاثة أوصاف: فاحشة، ومقت، سوء السبيل. والزنا وصفه بوصفين: فاحشة، وسوء السبيل (( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ))[الإسراء:32].
ولهذا الصحيح أن من زنى بمحارمه يُقتل وإن لم يكن مختاراً، لأن هذه أعظم والعياذ بالله من الزنا.
كذلك أيضاً اللواط الصحيح أن فاعله يُقتل، ما دام بالغاً عاقلاً وإن لم يكن محصناً.
" (( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ )) أي: اللواط، (( وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ))[النمل:54] أي: يبصر بعضكم بعضاً انهماكاً في المعصية ".
يعني: أخبث من الحمير يرى بعضهم بعضاً، يفعل واحد في الثاني، ولهذا قال: (( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ))[العنكبوت:29] اذا اجتمعوا والعياذ بالله صار يركب بعضهم بعضاً كالحمير نسأل الله السلامة.
الطالب: ...
الشيخ : لكنهم يفعلونه؟
الطالب: يفعلون هذا. هذا بالنسبة ... بريطانيا ...
الشيخ : سفاهة.
الطالب: عندها قانون.
الشيخ : وقانون. طيب قوله: (( وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ))[النمل:54] من الإبصار بالعين، وقيل من الإبصار بالقلب. يعني: وأنتم تبصرون خبثها وتعقلونه، وكل إنسان له فطرة سليمة يكره هذا الصنف، لأنه كيف يركب مثله؟ نفس هذا المركوب الذي يركب آخر واحد.
ثم إن المكان هذا أيضاً ليس محلاً لهذه الشهوة، لأنه مكانٌ متلوث بالأنجاس وليس محل اللهو، فهو خبيث في الفطرة وفي الحكم أيضاً. ولكنا نقول: لو أننا فسّرنا الإبصار هنا بالإبصار الحسي بالعين والإبصار المعنوي بالقلب، لكان ذلك جائزاً.
وفي الحقيقة أن بشاعة هذا الشيء في القلب أمرٌ معلومٌ بالفطرة، وكونهم يفعلونه وهم يبصر بعضهم بعضاً هذا أشد وأعظم.
ثم قال: " (( وَلُوطًا ))[النمل:54] منصوب باذكر مقدراً قبله ويبدل منه ".
فأما التقدير: واذكر إذا قال لوطٌ لقومه. " (( إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ))[النمل:54] أي: اللواط " الهمزة هنا لاستفهام الاستعلام وإلا لا؟، لأنه يعلم لكن التوبيخ والإنكار، وإن كنت أزيد على ذلك تعزر أو التعزير. يعني: كيف أنكم تأتون الفاحشة، فهي للتوبيخ والإنكار والتعدي.
وقوله: (( الْفَاحِشَةَ )) أي: لاستغراق الجنس من حيث المعنى لا من حيث الأفراد، لكن المعنى أن هذه أعظم فاحشة.. أعظم فاحشة من نوعها هي هذه، وهي أعظم من الزنا، لأن الله قال: (( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ))[الإسراء:32] فاحشة من الفواحش، وهنا قال: الفاحشة، وهي أيضاً أعظم من نكاح ذوات المحارم، لأن الله قال: (( وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا ))[النساء:22] ونساء ذوات المحارم أعظم من الزنا، لأن الله وصفهم بثلاثة أوصاف: فاحشة، ومقت، سوء السبيل. والزنا وصفه بوصفين: فاحشة، وسوء السبيل (( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ))[الإسراء:32].
ولهذا الصحيح أن من زنى بمحارمه يُقتل وإن لم يكن مختاراً، لأن هذه أعظم والعياذ بالله من الزنا.
كذلك أيضاً اللواط الصحيح أن فاعله يُقتل، ما دام بالغاً عاقلاً وإن لم يكن محصناً.
" (( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ )) أي: اللواط، (( وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ))[النمل:54] أي: يبصر بعضكم بعضاً انهماكاً في المعصية ".
يعني: أخبث من الحمير يرى بعضهم بعضاً، يفعل واحد في الثاني، ولهذا قال: (( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ))[العنكبوت:29] اذا اجتمعوا والعياذ بالله صار يركب بعضهم بعضاً كالحمير نسأل الله السلامة.
الطالب: ...
الشيخ : لكنهم يفعلونه؟
الطالب: يفعلون هذا. هذا بالنسبة ... بريطانيا ...
الشيخ : سفاهة.
الطالب: عندها قانون.
الشيخ : وقانون. طيب قوله: (( وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ))[النمل:54] من الإبصار بالعين، وقيل من الإبصار بالقلب. يعني: وأنتم تبصرون خبثها وتعقلونه، وكل إنسان له فطرة سليمة يكره هذا الصنف، لأنه كيف يركب مثله؟ نفس هذا المركوب الذي يركب آخر واحد.
ثم إن المكان هذا أيضاً ليس محلاً لهذه الشهوة، لأنه مكانٌ متلوث بالأنجاس وليس محل اللهو، فهو خبيث في الفطرة وفي الحكم أيضاً. ولكنا نقول: لو أننا فسّرنا الإبصار هنا بالإبصار الحسي بالعين والإبصار المعنوي بالقلب، لكان ذلك جائزاً.
وفي الحقيقة أن بشاعة هذا الشيء في القلب أمرٌ معلومٌ بالفطرة، وكونهم يفعلونه وهم يبصر بعضهم بعضاً هذا أشد وأعظم.
قال الله تعالى : << أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النسآء بل أنتم قوم تجهلون >>
" (( أَئِنَّكُمْ ))[النمل:55] بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين " فالقراءة أيضاً تكون اربعة.
(( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً ))[النمل:55] هذا تفسيرٌ لقوله: (( الْفَاحِشَةَ ))[النمل:54].
وهنا لاحظ أن الاستفهام هنا للتقرير، لكنه أُكّدت الجملة التي قرئت بالاستفهام اكدت بإن واللام (( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ))[النمل:55]، وهذا كقول إخوة يوسف ليوسف: (( أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ))[يوسف:90] أي: أتقرر أنك يوسف وتؤكد ذلك؟
فقال: (( أَنَا يُوسُفُ ))[يوسف:90] وفي ذلك لهم إهانة لهم، لأنهم هم طلبوا منه أن نؤكد لك أنه يوسف (( أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ))[يوسف:90] ما قال: إني لأنا يوسف، قال: أنا يوسف. فحذف التأكيدات استهانة بهم. فلازم أقول مرة ثانية إن الاستفهام إذا تلاه التأكيد لا يسقطه عن معنى الاستفهام، بل كأن المستفهم يطلب من المستفهم منه تأكيد الجملة، ولهذا قال لهم: لكن في هذه المسألة الاستفهام للتقرير، نقرر مع التأكيد (( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ))[النمل:55].
شهوة يحتمل أن تكون مصدراً في موضع الحال، ويحتمل أن تكون مفعولاً لأجله أي: لأجل الشهوة.
وعلى كل حال ففيها إنكار من جهة أنهم يأتون الرجال شهوة وليسوا أهلاً لهم، ومن جهة أخرى أنهم يدعون النساء، ولهذا قال: (( مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ))[النمل:55] وهم محل الشهوة، فيكونون قد أساءوا فيما فعلوا وفيما تركوا، ولهذا قال لهم في آية أخرى: (( وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ))[الشعراء:166] وهذا أبلغ. يعني: لو أن المسألة ضيقة ما بقي إلا هذا الطريق لكان أهون، لكن هنا طرق محللة مباحة موافقة للفطرة تدعونها فتذهبون إلى هذا! كالذي يدع المذكاة ويأكل الميتة، وكالذي يدع البيع الصحيح ويذهب إلى الربا، ويقول: (( إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ))[البقرة:275].
فالحاصل أن الخبائث تزداد قبحاً إذا كان لها بدائل من الأصناف.. إذا كان لها بدائل من الأصناف ازدادت قبحاً، ولهذا قال لهم: (( لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً ))[النمل:55] لو أنه اكتفى بهذا وقال: أتأتون الرجال شهوة بل أنتم قومٌ تجهلون، حصل التوبيخ لكن زادت
(( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً ))[النمل:55] هذا تفسيرٌ لقوله: (( الْفَاحِشَةَ ))[النمل:54].
وهنا لاحظ أن الاستفهام هنا للتقرير، لكنه أُكّدت الجملة التي قرئت بالاستفهام اكدت بإن واللام (( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ))[النمل:55]، وهذا كقول إخوة يوسف ليوسف: (( أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ))[يوسف:90] أي: أتقرر أنك يوسف وتؤكد ذلك؟
فقال: (( أَنَا يُوسُفُ ))[يوسف:90] وفي ذلك لهم إهانة لهم، لأنهم هم طلبوا منه أن نؤكد لك أنه يوسف (( أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ))[يوسف:90] ما قال: إني لأنا يوسف، قال: أنا يوسف. فحذف التأكيدات استهانة بهم. فلازم أقول مرة ثانية إن الاستفهام إذا تلاه التأكيد لا يسقطه عن معنى الاستفهام، بل كأن المستفهم يطلب من المستفهم منه تأكيد الجملة، ولهذا قال لهم: لكن في هذه المسألة الاستفهام للتقرير، نقرر مع التأكيد (( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ))[النمل:55].
شهوة يحتمل أن تكون مصدراً في موضع الحال، ويحتمل أن تكون مفعولاً لأجله أي: لأجل الشهوة.
وعلى كل حال ففيها إنكار من جهة أنهم يأتون الرجال شهوة وليسوا أهلاً لهم، ومن جهة أخرى أنهم يدعون النساء، ولهذا قال: (( مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ))[النمل:55] وهم محل الشهوة، فيكونون قد أساءوا فيما فعلوا وفيما تركوا، ولهذا قال لهم في آية أخرى: (( وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ))[الشعراء:166] وهذا أبلغ. يعني: لو أن المسألة ضيقة ما بقي إلا هذا الطريق لكان أهون، لكن هنا طرق محللة مباحة موافقة للفطرة تدعونها فتذهبون إلى هذا! كالذي يدع المذكاة ويأكل الميتة، وكالذي يدع البيع الصحيح ويذهب إلى الربا، ويقول: (( إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ))[البقرة:275].
فالحاصل أن الخبائث تزداد قبحاً إذا كان لها بدائل من الأصناف.. إذا كان لها بدائل من الأصناف ازدادت قبحاً، ولهذا قال لهم: (( لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً ))[النمل:55] لو أنه اكتفى بهذا وقال: أتأتون الرجال شهوة بل أنتم قومٌ تجهلون، حصل التوبيخ لكن زادت
اضيفت في - 2007-08-13