تفسير سورة النمل-10a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
فوائد قوله تعالى : << قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طآئركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون >>
الطالب:...
الشيخ : ذكرنا هذا ؟ ذكرنا أن الاستعجال بالسيئة يكون بطلبها أو بالأفعال التي تسببها ذكرنها هذه؟
الطالب : بداية الشرح من(( قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ))
الشيخ : قال الله تعالى: (( قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ))[النمل:47].
يؤخذ من هذه الآية: بيان مسلك المكذبين للرسل أنهم يسلكون مسالك التشبيه والتمويه، لقولهم حينئذ أصيبوا بالجدب والقحط: (( اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ )) مع أن هذا الأمر من الله سبحانه وتعالى وليس بأسباب النبي، وهكذا أهل الباطل يشبهون ويلبسون على الناس بمثل هذه الأمور.
وفي هذا دليل على أن المصائب التي تصيب الإنسان إنما هي من الله سبحانه وتعالى، لقوله: (( طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ )) ولا ينافي هذا قوله تعالى: (( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ))[الشورى:30]، ولا قوله: (( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ))[الروم:41] لأن نسبة هذه الأمور إلى الله نسبة خلقٍ وإيجاد، ونسبتها إلى المخلوق نسبة تسبب، فهي تضاف إلى الناس إضافة الشيء إلى سببه، وتضاف إلى الله سبحانه وتعالى إضافة المخلوق إلى خالقه.
وعلى هذا يزول إشكال كثير من الآيات التي ظاهرها التعارض في هذا الباب.
وفي هذا دليل على أنه من الحكمة أن يُرد الباطل بالحق بدون سكوت، لقوله في جوابهم: (( قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ))[النمل:47] أنه لا يُسكت على الباطل بل يُرد عليه ويُذكر، هذه الفائدة.
وفيها الفائدة الرابعة: أنه ينبغي أن يكون الرد من جنس الإيراد، فهنا تطيروا بصالح ومن معه فبيّن أن طيرتهم وشؤمهم بسبب أعمالهم، لكنه قال: (( طَائِرُكُمْ ))[النمل:47] يعني: اللفظ مثل اللفظ، فينبغي أن يكون الجواب مثل الإيراد، ويتحرى المجيب حتى اللفظ.
خامساً: أنه ينبغي لمن رد على غيره أو أبطل قوله: أن يأتي بأمرٍ لا جدال فيه، لأن هذا صالح عليه الصلاة والسلام لو قال: هذا الجدب ليس مني وأنا ما أتيت بسببه وما أشبه ذلك، لكان هذا فيه مجال للأخذ والرد، ولكن ينبغي أن يختار المجيب الجواب الذي لا كلام بعده.
نظير هذا: محاجة إبراهيم للذي حاجّه في الله (( قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ))[البقرة:258] ما قال: لا أنت ما تحيي وتميت، ولكنك تقتل من لا يستحق القتل وترفع القتل عمن يستحقه، وهذا ليس بإحياءٍ ولا إماتة، مع أن هذا هو الحقيقة، لكن هذا يكون فيه جدل، إنما أتى بأمرٍ لا جدال فيه ولا يمكنه أن يجادل، ولهذا بُهت الذي كفر.
وهكذا ينبغي للإنسان في محاجة من حاجّه أن يختار الأجوبة التي ما تؤدي إلى النزاع والجدال، لأنه إذا أدّت إلى النزاع والجدال فقد يتغلب الباطل على الحق، بسبب طول الجدال واللف والدوران، لكن يؤتى بشيءٍ لا جدال فيه، وهذه من آداب المناظرة حتى عند الذين يتكلمون بهذه الأمور يرون أنها من آداب المناظرة الأخذ بما لا يمكن الجدل فيه.
الفائدة السادسة: (( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ))[النمل:47] دليل على أن الله تعالى قد يحدث من الأمور ما يكون سبباً للافتتان بعض الناس، لما جاء صالح وجاء الجدب، في الحقيقة أنه فتنة لبعض الناس، إذ يقول بعض الناس مثلاً: إن هذا من أسباب هذه الرسالة، فيكون سبباً للفتنة لولا عصمة الله تبارك وتعالى، وهذا دائماً يكون في أفعال الله تعالى القدرية والشرعية.
في الشرعية (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ))[المائدة:94] حرّم الله الصيد على المحرمين، فبعث الله على الصحابة رضي الله عنهم صيداً تناله أيديهم ورماحهم، يمسكه بيده ما فيه تعب، أو برمحه ما يحتاج ولا إلى قوس.
(( لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ))[المائدة:94] فخافوه بالغيب.
وافتتن الله تعالى قوم موسى بالحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعاً مع تحريم الصيد عليهم، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ولكنهم لم يشكروا، وخادعوا فتحيلوا، وصاروا يضعون الشباك للحيتان في يوم الجمعة، فتأتي الحيتان فتقع فيه يوم السبت، فإذا كان يوم الأحد جاءوا وأخذوه، فقالوا: نحن ما صدنا يوم السبت، فقلبهم الله تعالى قردة (( فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ))[البقرة:65].
فالحاصل أقول: إن الله تعالى قد يفتن الإنسان بالفتن الشرعية والقدرية، لأجل أن يعلم من يخافه بالغيب، ومن يشكر ومن لا يشكر.
أحياناً أيضاً يبتلى المرء بالمصائب (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ))[الحج:11]، ومن الناس من يعبد الله تعالى على أساس ما هو على حرف، إن أصابه خيرٌ اطمأن به وشكر عليه، وإن أصابته فتنة صبر حتى ....واضح؟
ويدل عليه هنا قوله: (( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ))[النمل:47].
الشيخ : ذكرنا هذا ؟ ذكرنا أن الاستعجال بالسيئة يكون بطلبها أو بالأفعال التي تسببها ذكرنها هذه؟
الطالب : بداية الشرح من(( قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ))
الشيخ : قال الله تعالى: (( قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ))[النمل:47].
يؤخذ من هذه الآية: بيان مسلك المكذبين للرسل أنهم يسلكون مسالك التشبيه والتمويه، لقولهم حينئذ أصيبوا بالجدب والقحط: (( اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ )) مع أن هذا الأمر من الله سبحانه وتعالى وليس بأسباب النبي، وهكذا أهل الباطل يشبهون ويلبسون على الناس بمثل هذه الأمور.
وفي هذا دليل على أن المصائب التي تصيب الإنسان إنما هي من الله سبحانه وتعالى، لقوله: (( طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ )) ولا ينافي هذا قوله تعالى: (( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ))[الشورى:30]، ولا قوله: (( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ))[الروم:41] لأن نسبة هذه الأمور إلى الله نسبة خلقٍ وإيجاد، ونسبتها إلى المخلوق نسبة تسبب، فهي تضاف إلى الناس إضافة الشيء إلى سببه، وتضاف إلى الله سبحانه وتعالى إضافة المخلوق إلى خالقه.
وعلى هذا يزول إشكال كثير من الآيات التي ظاهرها التعارض في هذا الباب.
وفي هذا دليل على أنه من الحكمة أن يُرد الباطل بالحق بدون سكوت، لقوله في جوابهم: (( قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ))[النمل:47] أنه لا يُسكت على الباطل بل يُرد عليه ويُذكر، هذه الفائدة.
وفيها الفائدة الرابعة: أنه ينبغي أن يكون الرد من جنس الإيراد، فهنا تطيروا بصالح ومن معه فبيّن أن طيرتهم وشؤمهم بسبب أعمالهم، لكنه قال: (( طَائِرُكُمْ ))[النمل:47] يعني: اللفظ مثل اللفظ، فينبغي أن يكون الجواب مثل الإيراد، ويتحرى المجيب حتى اللفظ.
خامساً: أنه ينبغي لمن رد على غيره أو أبطل قوله: أن يأتي بأمرٍ لا جدال فيه، لأن هذا صالح عليه الصلاة والسلام لو قال: هذا الجدب ليس مني وأنا ما أتيت بسببه وما أشبه ذلك، لكان هذا فيه مجال للأخذ والرد، ولكن ينبغي أن يختار المجيب الجواب الذي لا كلام بعده.
نظير هذا: محاجة إبراهيم للذي حاجّه في الله (( قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ))[البقرة:258] ما قال: لا أنت ما تحيي وتميت، ولكنك تقتل من لا يستحق القتل وترفع القتل عمن يستحقه، وهذا ليس بإحياءٍ ولا إماتة، مع أن هذا هو الحقيقة، لكن هذا يكون فيه جدل، إنما أتى بأمرٍ لا جدال فيه ولا يمكنه أن يجادل، ولهذا بُهت الذي كفر.
وهكذا ينبغي للإنسان في محاجة من حاجّه أن يختار الأجوبة التي ما تؤدي إلى النزاع والجدال، لأنه إذا أدّت إلى النزاع والجدال فقد يتغلب الباطل على الحق، بسبب طول الجدال واللف والدوران، لكن يؤتى بشيءٍ لا جدال فيه، وهذه من آداب المناظرة حتى عند الذين يتكلمون بهذه الأمور يرون أنها من آداب المناظرة الأخذ بما لا يمكن الجدل فيه.
الفائدة السادسة: (( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ))[النمل:47] دليل على أن الله تعالى قد يحدث من الأمور ما يكون سبباً للافتتان بعض الناس، لما جاء صالح وجاء الجدب، في الحقيقة أنه فتنة لبعض الناس، إذ يقول بعض الناس مثلاً: إن هذا من أسباب هذه الرسالة، فيكون سبباً للفتنة لولا عصمة الله تبارك وتعالى، وهذا دائماً يكون في أفعال الله تعالى القدرية والشرعية.
في الشرعية (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ))[المائدة:94] حرّم الله الصيد على المحرمين، فبعث الله على الصحابة رضي الله عنهم صيداً تناله أيديهم ورماحهم، يمسكه بيده ما فيه تعب، أو برمحه ما يحتاج ولا إلى قوس.
(( لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ))[المائدة:94] فخافوه بالغيب.
وافتتن الله تعالى قوم موسى بالحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعاً مع تحريم الصيد عليهم، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ولكنهم لم يشكروا، وخادعوا فتحيلوا، وصاروا يضعون الشباك للحيتان في يوم الجمعة، فتأتي الحيتان فتقع فيه يوم السبت، فإذا كان يوم الأحد جاءوا وأخذوه، فقالوا: نحن ما صدنا يوم السبت، فقلبهم الله تعالى قردة (( فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ))[البقرة:65].
فالحاصل أقول: إن الله تعالى قد يفتن الإنسان بالفتن الشرعية والقدرية، لأجل أن يعلم من يخافه بالغيب، ومن يشكر ومن لا يشكر.
أحياناً أيضاً يبتلى المرء بالمصائب (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ))[الحج:11]، ومن الناس من يعبد الله تعالى على أساس ما هو على حرف، إن أصابه خيرٌ اطمأن به وشكر عليه، وإن أصابته فتنة صبر حتى ....واضح؟
ويدل عليه هنا قوله: (( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ))[النمل:47].
1 - فوائد قوله تعالى : << قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طآئركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون >> أستمع حفظ
الأسئلة
الطالب: هناك .... ما أدري في قسيمة الآيات التي ... لأن الأنبياء يؤتون آيات تدل على... أصحاب الكهف، فإذا جاءت هذه الفتن من القحط أو ... ما تكون قسيمة لها؟
الشيخ : لا. ما تكون مضادة لها، هذه فتنة لأنه هو عليه الصلاة والسلام بيّن أن السبب ما هو الابتلاء، وهو ما جاء بها لتشهد على المخالفين، أصيبوا بها لأنهم كذّبوا مثلما أصيبت قريش بدعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم، وما قال: آيتي أن الله يبتليكم بالقحط، وحتى لو قال: إن آيتي أن يبتليكم الله بالقحط وحصل فهي آية
الشيخ : لا. ما تكون مضادة لها، هذه فتنة لأنه هو عليه الصلاة والسلام بيّن أن السبب ما هو الابتلاء، وهو ما جاء بها لتشهد على المخالفين، أصيبوا بها لأنهم كذّبوا مثلما أصيبت قريش بدعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم، وما قال: آيتي أن الله يبتليكم بالقحط، وحتى لو قال: إن آيتي أن يبتليكم الله بالقحط وحصل فهي آية
فوائد قوله تعالى : << وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون >>
دل فيها أيضاً قوله: (( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ))[النمل:48] فيه مبدأ العصابات، ولا يزال موجوداً إلى الآن، فإن هؤلاء تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وما زال الأمر إلى يومنا هذا وإلى ما بعد والله أعلم أنه سيبقى، لأن أهل الشر لهم طرق يتفننون بها في فرض شرهم على غيرهم.
وفيه أيضاً دليل على أنه يمكن أن يجتمع الفساد والصلاح، لقوله: يفسدون ولا يصلحون، ولولا أنه يمكن اجتماعهما لم يكن لقوله: ولا يصلحون فائدة، لأنه يكون عدم الصلاح .... من إثبات الفساد لو لم يمكن اجتماعهما، هذه فائدتين. ففيها إثبات أن الفساد والصلاح قد يجتمعان في شخص.
ومنه نأخذ أيضاً أن الكفر والإيمان قد يجتمع في شخص، لأن الإيمان صلاح والكفر فساد، وكذلك أيضاً الفسوق والطاعة ممكن تجتمع، وخالف في ذلك طائفتان من الناس: المعتزلة والمرجئة.
المرجئة قالوا: ما يمكن، الإنسان إذا كان مؤمن كل أحوال الصالحين، ولا يعذّب بذنب ولا يلام عليه.
والخوارج والمعتزلة بالعكس، قالوا: ما يمكن يجتمع كفر وإيمان، وفسوق وطاعة، بل من أتى ما يوجب الفسق صار كافراً، ومن أتى ما يوجب الكفر صار كافراً. هذا رأي الخوارج أو خارجاً من الإيمان بين منزلة الإيمان والكفر على رأي المعتزلة.
ولا شك أن النفوس والواقع والعقل يدل على خلاف ما قالوا، لأن الاجتماع هذا وهذا أمرٌ موجود معلوم.
وفيه أيضاً دليل على أنه يمكن أن يجتمع الفساد والصلاح، لقوله: يفسدون ولا يصلحون، ولولا أنه يمكن اجتماعهما لم يكن لقوله: ولا يصلحون فائدة، لأنه يكون عدم الصلاح .... من إثبات الفساد لو لم يمكن اجتماعهما، هذه فائدتين. ففيها إثبات أن الفساد والصلاح قد يجتمعان في شخص.
ومنه نأخذ أيضاً أن الكفر والإيمان قد يجتمع في شخص، لأن الإيمان صلاح والكفر فساد، وكذلك أيضاً الفسوق والطاعة ممكن تجتمع، وخالف في ذلك طائفتان من الناس: المعتزلة والمرجئة.
المرجئة قالوا: ما يمكن، الإنسان إذا كان مؤمن كل أحوال الصالحين، ولا يعذّب بذنب ولا يلام عليه.
والخوارج والمعتزلة بالعكس، قالوا: ما يمكن يجتمع كفر وإيمان، وفسوق وطاعة، بل من أتى ما يوجب الفسق صار كافراً، ومن أتى ما يوجب الكفر صار كافراً. هذا رأي الخوارج أو خارجاً من الإيمان بين منزلة الإيمان والكفر على رأي المعتزلة.
ولا شك أن النفوس والواقع والعقل يدل على خلاف ما قالوا، لأن الاجتماع هذا وهذا أمرٌ موجود معلوم.
الأسئلة
الطالب: يعني يكون الرجل بالأغلبية، يعني: يجتمع كونه ... ويكون الرجل بالأغلبية، أن يكون مؤمن .... الإيمان.
الشيخ : لا. نقول: مؤمن ناقص الإيمان ما نطلق عليه الإيمان المطلق، حتى لو كان فيه مثلاً عشرة في المائة، لا بد أن يكون ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسقٌ بكبيرته، مثلاً لو اغتاب الإنسان رجلاً من الناس هذه كبيرة من الكبائر تنقّص الإيمان، وهو يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويتطوع بفعل الطواف، ما نعطي هذا وصف الإيمان المطلق، بل نقول: مؤمن بإيمانه فاسقٌ بكبيرته، أو مؤمن ناقص الإيمان.
الطالب: يا شيخ! كون (( يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ))[النمل:48] ما نتركه للصحابي فأمرنا بالسكوت مثلاً عن الكلام، بمعنى أنه يتحقق الوصف بواحد منه ما هو الثاني يعني .....
الشيخ : لا. وبارك الله فيك، لأن السكوت والكلام متناقضان، أما الصلاح والفساد فهي متضادان، يمكن أن يجتمعان فيكون في الشيء مصلحة ومفسدة (( قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ))[البقرة:219] أما هذا فهو السكوت وإلا الكلام متناقض، يعني ما يمكن يوجد أحد هنا إلا بفقد الآخر
الشيخ : لا. نقول: مؤمن ناقص الإيمان ما نطلق عليه الإيمان المطلق، حتى لو كان فيه مثلاً عشرة في المائة، لا بد أن يكون ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسقٌ بكبيرته، مثلاً لو اغتاب الإنسان رجلاً من الناس هذه كبيرة من الكبائر تنقّص الإيمان، وهو يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويتطوع بفعل الطواف، ما نعطي هذا وصف الإيمان المطلق، بل نقول: مؤمن بإيمانه فاسقٌ بكبيرته، أو مؤمن ناقص الإيمان.
الطالب: يا شيخ! كون (( يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ))[النمل:48] ما نتركه للصحابي فأمرنا بالسكوت مثلاً عن الكلام، بمعنى أنه يتحقق الوصف بواحد منه ما هو الثاني يعني .....
الشيخ : لا. وبارك الله فيك، لأن السكوت والكلام متناقضان، أما الصلاح والفساد فهي متضادان، يمكن أن يجتمعان فيكون في الشيء مصلحة ومفسدة (( قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ))[البقرة:219] أما هذا فهو السكوت وإلا الكلام متناقض، يعني ما يمكن يوجد أحد هنا إلا بفقد الآخر
تتمة الفوائد السابقة .
الفائدة الثالثة: أن المعاصي من أسباب الفساد في الأرض، لقوله: (( يُفْسِدُونَ ))[النمل:48] وهؤلاء الجماعة ليسوا يهدمون البيوت، ولا يغرقون الزروع، ولا يحرقون المتاجر، لكنهم يفعلون ما يكون سبباً للفساد، الفساد المعنوي وهو فساد الأخلاق والسلوك، والفساد الحسّي، لأن الفساد الحسي يتبع الفساد المعنوي
فوائد قوله تعالى : << قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه و أهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله و إنا لصادقون >>
(( قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49].
يستفاد من هذه الآية الكريمة:
أولاً: أنه من الحزم -والحزم قد يكون في الخير وفي الشر- أن تتعاقد الطائفة وتتعاهد على منهاجها الذي تسير عليه، لئلا تتفرق وتختلف (( قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ ))[النمل:49] ما .... ثم اذهب، اجتمعوا أول على تدبير الصفة، ثم على تنفيذها.
فيؤخذ منه: أن من الحزم أن تجتمع الطائفة وتتفق على عهد يربط بعضها ببعض، ليكون التنفيذ واحداً.
وهذا المسلك لا زال يُسلك حتى الآن، وتعرفون أن الصحيفة التي اجتمعت قريش فيها على مقاطعة بني هاشم، هل نقضت برجلٍ واحد؟ لا، بل ذهب هذا الرجل الذي أراد نقضها إلى فلان وفلان، وصار يجمّع الناس حوله حتى اجتمعوا على نقضها وغلبوا في تنفيذ فكرته.
فالحاصل أن المسائل هذه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يهم بأمر ويمشي على منهاج أن يجعل معه أقواماً يساعدونه ويتعاقد معهم ويتعاهد، إن كان في خيراً فخير وإن كان في شر فالله يتولاهم.
هنا تقاسموا على خير أو على شر؟ على شرٍ من أعظم الشرور.
وفيه دليل على مبدأ الاغتيالات لقوله: (( لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ))[النمل:49] لأن التبييت اغتيال، إذ ثم الاغتيال معناه هو القتل على غرّة، ولهذا كان الصحيح من أقوال أهل العلم: أن الغيلة ليس فيها خيار لأولياء الدم وأنه يجب قتل المغتال بكل حال حتى لو عفوا، وهذا مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، لأنه لا يمكن التحرز منه وهو فسادٌ في الأرض، ولا يعارض هذا قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من قتل له قتيل فهو بخير النظرين ) لأن قوله: ( من قتل له ) هذا من الحقوق الخاصة، وأما مسألة الاغتيال فإنها من الحقوق العامة، يجد الإنسان في مأمن ويقتله.
الطالب: هذا فعل القاتل.
الشيخ : لا. فعل القاتل أنه إذا أراد أن يقتل الذي فيه التخيير أنه يأتي ... لكن المهم أن ذاك يمكن أن يتحرز منه.. أن المقتول يمكن أن يتحرز بالفرار، أو يتحرز بالمدافعة، أو ما أشبه ذلك ...
أما أن يأتيه وهو نائم مثلاً أو يأتيه في بيته وهو غافل، فهذا ما يمكن التحرز منه فساد، لأنه إذا جاءه وهو يعلم به يمكنه يتحرز بالفرار، يتحرز بالمدافعة، يتحرز بالسلاح لمن حوله.. وما أشبه ذلك.
وليس قولنا أنه على ... ما عنده أحد، لأنه مثلما قلت الغالب أنه ما يقتل إلا إن كان ما عنده أحد، لكن الكلام على غرّة من المقتول، هذا هو قتل الغيلة، فهؤلاء الجماعة تقاسموا على هذه الفعلة القبيحة المشينة، ولكنهم لم يحصل لهم تنفيذ ما أرادوا، لأنهم مكروا ومكر الله والله خير الماكرين
يستفاد من هذه الآية الكريمة:
أولاً: أنه من الحزم -والحزم قد يكون في الخير وفي الشر- أن تتعاقد الطائفة وتتعاهد على منهاجها الذي تسير عليه، لئلا تتفرق وتختلف (( قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ ))[النمل:49] ما .... ثم اذهب، اجتمعوا أول على تدبير الصفة، ثم على تنفيذها.
فيؤخذ منه: أن من الحزم أن تجتمع الطائفة وتتفق على عهد يربط بعضها ببعض، ليكون التنفيذ واحداً.
وهذا المسلك لا زال يُسلك حتى الآن، وتعرفون أن الصحيفة التي اجتمعت قريش فيها على مقاطعة بني هاشم، هل نقضت برجلٍ واحد؟ لا، بل ذهب هذا الرجل الذي أراد نقضها إلى فلان وفلان، وصار يجمّع الناس حوله حتى اجتمعوا على نقضها وغلبوا في تنفيذ فكرته.
فالحاصل أن المسائل هذه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يهم بأمر ويمشي على منهاج أن يجعل معه أقواماً يساعدونه ويتعاقد معهم ويتعاهد، إن كان في خيراً فخير وإن كان في شر فالله يتولاهم.
هنا تقاسموا على خير أو على شر؟ على شرٍ من أعظم الشرور.
وفيه دليل على مبدأ الاغتيالات لقوله: (( لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ))[النمل:49] لأن التبييت اغتيال، إذ ثم الاغتيال معناه هو القتل على غرّة، ولهذا كان الصحيح من أقوال أهل العلم: أن الغيلة ليس فيها خيار لأولياء الدم وأنه يجب قتل المغتال بكل حال حتى لو عفوا، وهذا مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، لأنه لا يمكن التحرز منه وهو فسادٌ في الأرض، ولا يعارض هذا قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من قتل له قتيل فهو بخير النظرين ) لأن قوله: ( من قتل له ) هذا من الحقوق الخاصة، وأما مسألة الاغتيال فإنها من الحقوق العامة، يجد الإنسان في مأمن ويقتله.
الطالب: هذا فعل القاتل.
الشيخ : لا. فعل القاتل أنه إذا أراد أن يقتل الذي فيه التخيير أنه يأتي ... لكن المهم أن ذاك يمكن أن يتحرز منه.. أن المقتول يمكن أن يتحرز بالفرار، أو يتحرز بالمدافعة، أو ما أشبه ذلك ...
أما أن يأتيه وهو نائم مثلاً أو يأتيه في بيته وهو غافل، فهذا ما يمكن التحرز منه فساد، لأنه إذا جاءه وهو يعلم به يمكنه يتحرز بالفرار، يتحرز بالمدافعة، يتحرز بالسلاح لمن حوله.. وما أشبه ذلك.
وليس قولنا أنه على ... ما عنده أحد، لأنه مثلما قلت الغالب أنه ما يقتل إلا إن كان ما عنده أحد، لكن الكلام على غرّة من المقتول، هذا هو قتل الغيلة، فهؤلاء الجماعة تقاسموا على هذه الفعلة القبيحة المشينة، ولكنهم لم يحصل لهم تنفيذ ما أرادوا، لأنهم مكروا ومكر الله والله خير الماكرين
6 - فوائد قوله تعالى : << قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه و أهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله و إنا لصادقون >> أستمع حفظ
الأسئلة
الطالب: هل يدل على مبدأ الاغتيالات؟
الشيخ : نعم.
الطالب: الله سبحانه وتعالى .... وهو على حرمة .....
الشيخ : الاغتيال موجود حتى في الزمن السابق هذا قصدي، وليس معنى هذا أنه ... هذا موجود ولا زال موجود.
يعني: فغالب الأمور تجد أصله موجود، غالب الأمور من خير أو شر تجد له أصل في الأمم السابقين.
الطالب: المسلمين لا يجوز مع الأعداء..
الشيخ : نعم؟
الطالب: الاغتيال.
الشيخ : ويش فيه؟
الطالب: المسلمين لا يجوز لهم أن يسلكوه مع الأعداء.
الشيخ : إن كانوا يسلكونه بنا سلكناه بهم (( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ))[النحل:126]
الشيخ : نعم.
الطالب: الله سبحانه وتعالى .... وهو على حرمة .....
الشيخ : الاغتيال موجود حتى في الزمن السابق هذا قصدي، وليس معنى هذا أنه ... هذا موجود ولا زال موجود.
يعني: فغالب الأمور تجد أصله موجود، غالب الأمور من خير أو شر تجد له أصل في الأمم السابقين.
الطالب: المسلمين لا يجوز مع الأعداء..
الشيخ : نعم؟
الطالب: الاغتيال.
الشيخ : ويش فيه؟
الطالب: المسلمين لا يجوز لهم أن يسلكوه مع الأعداء.
الشيخ : إن كانوا يسلكونه بنا سلكناه بهم (( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ))[النحل:126]
تتمة الفوائد السابقة .
فيه دليل في قوله: (( ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] دليل على الإنكار، إنكار المدّعي وهذا الشيء واضح، أن الفاعل للسيئة لا يهمه أن ينكر فعله، يعني: من قتل يهون عليه أن ينكر القتل، لأن القتل أعظم من إنكاره، ولهذا قالوا: (( ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49].
وفيها فائدة رابعة: أن البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر، لأنه لولا أن هذا القول يبرئهم ما صح أن يتفقوا على اتخاذه حجة، اوما فهمتم؟ يقتلونه ويقولون: ما شهدنا مهلك أهله. اتفقوا على هذا.
دل هذا على أن الإنكار يدرأ به المدّعى عليه، وجهه: لولا أن ذلك يبرئهم لم ينفعهم الاتفاق عليه، لأنه لو قالوا: ما شهدنا مهلك. لقال: أنتم القاتلون، فهذا أيضاً دليل على أن البينة على المدّعي واليمين على من أنكر.
فإذا ادعى شخصٌ أن هذا الرجل قتل والده، نقول له: هات بيّنة، فإذا لم يأت ببينة فإنه لا يثبت له حق، لأن البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر.
ولكن هل هذا على إطلاقه؟
المشهور من المذهب أنه على إطلاقه، وأنه لو كان المدّعى عليه القتل من أفجر الناس والمقتول من أخوف الناس وكذلك المدّعي، فإنه لا يؤخذ بقوله، لعموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر ).
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن هذا يؤخذ بقوله، ولكن تجرى فيه القسامة.. إذا كان هذا الرجل معروفٌ بالفسوق والمقتول معروفٌ بالصدق والاستقامة، وكذلك أولياؤه، قال: فإن هذا قرينة تغلّب على الظن صدق المدّعي، وعلى هذا فتجرى فيه القسامة. وما قاله الشيخ فليس ببعيد.
كذلك الأمر الثاني بالعكس، لو أن شخصاً قتل إنساناً وقال: نعم أنا قتلت، ولكن الرجل صال عليَّ ولم يندفع إلا بالقتل، فماذا أصنع؟
المذهب لا يُقبل قوله ويُقتل اما فهمتم؟.. إنسان ادُّعي عليه أن القاتل .... قال: نعم أنا القاتل، لكنني قتلته دفاعاً عن نفسي، لأن الرجل يريد أن يقتلني، نقول له: هات بيّنة أنه صال عليك وإلا قتلناك. قال: ما يمكن يكون بيّنة لأنه لا يصول عليه أمام الناس.. لو يدري أن حوله أحداً ما صال.
نقول: إذاً نقتلك ويوم القيامة تختصمون عند الله، هذا هو المذهب، واختار الشيخ هنا أنه يُقبل قول المعروف بالصدق، فإذا كان هذا الرجل مستقيماً -هذا القاتل الذي يقول أنا قتلته دفاعاً- مستقيما ، والمقتول معروفاً بالفجور والاعتداء على الخلق، فإنه يُقبل قوله ولكن يحلف تأكيداً لقوله.
وما قاله الشيخ هو الصحيح، ولا يمكن العمل إلا به، أما أن نقول: نقتلك وتلقى حسابك عند الله، هذا فيه نظر.
طيب. حتى لو وجد قرينة تدل على صدق الرجل غير مسألة الحال هذا والحال هذا. يعني: مثلاً لو وجد المقتول في بيته.. في بيت القاتل، جاء ودخل عليه البيت ليقتلني، أو يريد أن ينتهك حرمة أهلي، فهو .... لا يندفع إلا بالقتل، يقول: نعم ولو كان، لأنه يمكن أنه عازمه لأجل يقتله
وفيها فائدة رابعة: أن البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر، لأنه لولا أن هذا القول يبرئهم ما صح أن يتفقوا على اتخاذه حجة، اوما فهمتم؟ يقتلونه ويقولون: ما شهدنا مهلك أهله. اتفقوا على هذا.
دل هذا على أن الإنكار يدرأ به المدّعى عليه، وجهه: لولا أن ذلك يبرئهم لم ينفعهم الاتفاق عليه، لأنه لو قالوا: ما شهدنا مهلك. لقال: أنتم القاتلون، فهذا أيضاً دليل على أن البينة على المدّعي واليمين على من أنكر.
فإذا ادعى شخصٌ أن هذا الرجل قتل والده، نقول له: هات بيّنة، فإذا لم يأت ببينة فإنه لا يثبت له حق، لأن البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر.
ولكن هل هذا على إطلاقه؟
المشهور من المذهب أنه على إطلاقه، وأنه لو كان المدّعى عليه القتل من أفجر الناس والمقتول من أخوف الناس وكذلك المدّعي، فإنه لا يؤخذ بقوله، لعموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر ).
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن هذا يؤخذ بقوله، ولكن تجرى فيه القسامة.. إذا كان هذا الرجل معروفٌ بالفسوق والمقتول معروفٌ بالصدق والاستقامة، وكذلك أولياؤه، قال: فإن هذا قرينة تغلّب على الظن صدق المدّعي، وعلى هذا فتجرى فيه القسامة. وما قاله الشيخ فليس ببعيد.
كذلك الأمر الثاني بالعكس، لو أن شخصاً قتل إنساناً وقال: نعم أنا قتلت، ولكن الرجل صال عليَّ ولم يندفع إلا بالقتل، فماذا أصنع؟
المذهب لا يُقبل قوله ويُقتل اما فهمتم؟.. إنسان ادُّعي عليه أن القاتل .... قال: نعم أنا القاتل، لكنني قتلته دفاعاً عن نفسي، لأن الرجل يريد أن يقتلني، نقول له: هات بيّنة أنه صال عليك وإلا قتلناك. قال: ما يمكن يكون بيّنة لأنه لا يصول عليه أمام الناس.. لو يدري أن حوله أحداً ما صال.
نقول: إذاً نقتلك ويوم القيامة تختصمون عند الله، هذا هو المذهب، واختار الشيخ هنا أنه يُقبل قول المعروف بالصدق، فإذا كان هذا الرجل مستقيماً -هذا القاتل الذي يقول أنا قتلته دفاعاً- مستقيما ، والمقتول معروفاً بالفجور والاعتداء على الخلق، فإنه يُقبل قوله ولكن يحلف تأكيداً لقوله.
وما قاله الشيخ هو الصحيح، ولا يمكن العمل إلا به، أما أن نقول: نقتلك وتلقى حسابك عند الله، هذا فيه نظر.
طيب. حتى لو وجد قرينة تدل على صدق الرجل غير مسألة الحال هذا والحال هذا. يعني: مثلاً لو وجد المقتول في بيته.. في بيت القاتل، جاء ودخل عليه البيت ليقتلني، أو يريد أن ينتهك حرمة أهلي، فهو .... لا يندفع إلا بالقتل، يقول: نعم ولو كان، لأنه يمكن أنه عازمه لأجل يقتله
الأسئلة
الطالب: فيه شبهة تدرأ .....
الشيخ : ما هي؟
الطالب: لأنه في بيته.
الشيخ : نعم. هم يقولون نعم في بيته، لكن هو يقول: أنا الآن قتلت عمداً ما فيه شبهة، لكن ادّعى أنه صائل، يقول: إن كونه في بيته ما يدل على ما قال، لأنه يجوز أن .... يقول: تفضل عندنا، تفضل عندنا نوريك ويدخل على أن بيده ....، مشكلة هذه ما يستقيم الحال إلا على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية
الشيخ : ما هي؟
الطالب: لأنه في بيته.
الشيخ : نعم. هم يقولون نعم في بيته، لكن هو يقول: أنا الآن قتلت عمداً ما فيه شبهة، لكن ادّعى أنه صائل، يقول: إن كونه في بيته ما يدل على ما قال، لأنه يجوز أن .... يقول: تفضل عندنا، تفضل عندنا نوريك ويدخل على أن بيده ....، مشكلة هذه ما يستقيم الحال إلا على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية
تتمة الفوائد السابقة .
طيب. هذا الكلام على قوله: (( مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] يدل على أن المنكِر مقبول القول ما لم يأتي المدّعي ببيّنة
فوائد قوله تعالى : << ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لايشعرون >>
وفي هذه الآية: (( وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:50] دليل على عظمة الله سبحانه وتعالى، وأنه أعظم مكراً ممن يمكرون به وبرسله.
فهؤلاء أرادوا المكر برسوله ولكن الله تعالى مكر بهم بما هو أعظم.
وفيه دليلٌ على وصف الله تعالى بالمكر لكنه ليس على سبيل الإطلاق بل على سبيل التقييد، فيقال مثلاً: هو ماكرٌ بأعدائه أو بمن يستحق المكر، أو ما أشبه ذلك مما يجعل المكر صفة كمال، لأن المكر ليس بصفة الكمال على الإطلاق، ولا بصفة نقصٍ على الإطلاق.
وفي هذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى قد يمكر بالعبد فلا يشعر بمكره.
ومن ذلك -من مكر الله بالعبد وهو لا يشعر-: استدراجه إيّاه بالنعم، حيث يسدي إليه النعم وهو يبارز الله تعالى بالعصيان.
ومن مكره به تلبيسه عليه بالحكم حتى يظن الباطل حقاً، سيتمادى فيه، ولهذا من الدعاء المأثور: اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، فالإنسان قد يكون لديه شبهة أو شهوة، شبهة ما يعرف الحق أو شهوة لا يريد الحق يريد غيره
فهؤلاء أرادوا المكر برسوله ولكن الله تعالى مكر بهم بما هو أعظم.
وفيه دليلٌ على وصف الله تعالى بالمكر لكنه ليس على سبيل الإطلاق بل على سبيل التقييد، فيقال مثلاً: هو ماكرٌ بأعدائه أو بمن يستحق المكر، أو ما أشبه ذلك مما يجعل المكر صفة كمال، لأن المكر ليس بصفة الكمال على الإطلاق، ولا بصفة نقصٍ على الإطلاق.
وفي هذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى قد يمكر بالعبد فلا يشعر بمكره.
ومن ذلك -من مكر الله بالعبد وهو لا يشعر-: استدراجه إيّاه بالنعم، حيث يسدي إليه النعم وهو يبارز الله تعالى بالعصيان.
ومن مكره به تلبيسه عليه بالحكم حتى يظن الباطل حقاً، سيتمادى فيه، ولهذا من الدعاء المأثور: اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، فالإنسان قد يكون لديه شبهة أو شهوة، شبهة ما يعرف الحق أو شهوة لا يريد الحق يريد غيره
فوائد قوله تعالى : << فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين >>
وفي قوله: (( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ))[النمل:51].
في الآية فوائد:
أولاً: الحث على الاعتبار، لقوله: (( فَانظُرْ ))[النمل:51] فالنظر يكون بالقلب، ويسمى نظر البصيرة، ويكون بالعين ويسمى نظر البصر، وكلاهما أمرٌ مطلوب إذا أدى إلى مطلوب.
وأما إذا لم يؤد إلى مطلوب، بل أدى إلى العكس مثل أن يعتبر ويتبصّر ثم يتخذ من هذا النظر وسيلة إلى الطعن في حكمة الله سبحانه وتعالى، أو إلى وصف الله تعالى بالظلم.. أو ما أشبه ذلك مما يقع من بعض الملحدين، فإن هذا ضرره كبير والعياذ بالله، لكن من نظر ليعتبر.. من نظر بعين العقل والعدل فلا بد من الأمرين: عقلٌ وعدل، فبانتفاء العقل ما يعرف الإنسان، وبانتفاء العدل يظلم.
فعلى كل حال في هذه الآية دليل على أنه ينبغي للإنسان أن ينظر ويتأمل في الأمور، لا سيما في أمور المكذبين.
وفيه دليل على أنه ينبغي في مقام التحذير استعمال أغلظ الألفاظ وأشدها تأثيراً، لقوله: (( دَمَّرْنَاهُمْ ))[النمل:51] ولم يقل: أهلكناهم، فإن التدمير أعظم وقعاً في النفس، والنفس تنفر منه أكثر، ولهذا قال: (( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ ))[النمل:51].
وفي هذا دليل أيضاً على أن العقوبات إنما تأتي بأسباب المرء، حيث جعل هذا التدمير عاقبة مكرهم، وهذا يدل عليه أيضاً قول الله تعالى: (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ))[الأعراف:96].
وقال تعالى في خصوص أهل الكتاب: (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ))[المائدة:65 - 66] من فوقهم: من الثمار الطيبة، ومن تحت أرجلهم: من الزروع التي تحت الأرض.
في قوله أيضاً: (( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ))[النمل:51] في هذا دليل على أن العقوبة تعم، ولكن كما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يُبعث الناس على أعمالهم ) العقوبة قد تعم، ولكن يُبعث الناس على أعمالهم، وهذا مشاهد، سواءً كانت العقوبة من الله يعني: من فعل الله أو من فعل العباد، يسلّط الله تعالى بعض عباده على بعض، فيدمر هذا المتسلط على الصالح والطالح، ولكن يُبعث الناس يوم القيامة على أعمالهم ونياتهم.
أو ينزل الله تعالى كارثة من عنده كالفيضانات، والرياح.. وغيرها. فتدمر الصالح والطالح، ويوم القيامة يُبعثون على نياتهم.
وإنما كان كذلك والحكمة عند الله سبحانه وتعالى لأجل أن يستقيم الناس على أمر الله، لأني أنا إذا علمت أن المصيبة ستعم سأسعى في إزالة السيئة الموجبة للعقوبة، لكن لو أننا نعلم أن العقوبة تخص العامل ما استقام الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر.
ولذلك يجب أن يكون خوف الإنسان من معاصي غيره كخوفه من معاصي نفسه، لأن العقوبة واحدة إذا نزلت عمّت، بل إن المعاصي سبحان الله كالدخان يصرع من شمّه وإن لم يكن في بيته.
ولذلك معاصي الناس اليوم أثّرت على أهل الخير البعيدين منهم. يعني: أهل الخير لو سألتهم وقلت: هل تجدون في قلوبكم ما كنتم تجدونه قبل سنوات من الإنابة إلى الله، والخشوع، والخضوع، ومحبة الخير؟ لوسألتهم؟ لأجابوا: لا.
دعنا من الناس الذين ماتوا قبل ثلاثين سنة أو أكثر، هذا معلوم أنهم سلموا من هذه الفتنة، لكن حتى الموجود الآن هروبهم قبل نحو ثلاثين سنة أصلح بكثير من اليوم، مع أن حالهم هي هي، تجد الإنسان مثلاً في مسجده إمام ولم يرتبط بالدنيا ولم يشتغل بها، تجد إنسان مثلاً في أهله ما يلتفت إلى أحدٍ غيرهم، ومع ذلك تأثرت القلوب، لأن المعاصي مفاسد مهما كانت.
ولكن مع هذا قد يأتي الله تعالى ببركانٍ عظيم يبدد هذه الأشياء، يقيض الله تعالى للأمة الإسلامية طائفة منصورة ظاهرة فتبدد كل هذا الأمر، ولهذا لا بد من عمل، الركود ما ينفع.. الركود ما فيه سلامة أبداً، لا بد من العمل ولكن على هدى مستقيم وبحكمة بالغة، لأن الذي يضر الدعاة إلى الله واحد من أمرين: إما جهلٌ، أو سفه.
يعني: إما أنه ما عندهم علم بيّن راسخ، فتجدهم يحرمون ما أحل الله، ويوجبون ما لم يوجبه الله.
مثلما يوجد من بعض الإخوان الذين يتشددون في الأمور، يحرمون ما أحل الله، أو يوجبون ما لم يوجبه الله، وهذه مفسدة عظيمة.
أو يكون عندهم سفه، يعني: ما عندهم حكمة في الدعوة إلى الله، فيكون عندهم تسرع وعيد وعنف ، أو تباطؤٌ في غير موضعه.
ففي الأول يحصل رد فعلٍ عميق من المدعوين، وفي الثاني يحصل تمادٍ من المدعوين يفوّت الفرصة على الداعين، فلا بد من العلم والحكمة (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ))[النحل:125].
يقول: (( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ))[النمل:51].
في الآية فوائد:
أولاً: الحث على الاعتبار، لقوله: (( فَانظُرْ ))[النمل:51] فالنظر يكون بالقلب، ويسمى نظر البصيرة، ويكون بالعين ويسمى نظر البصر، وكلاهما أمرٌ مطلوب إذا أدى إلى مطلوب.
وأما إذا لم يؤد إلى مطلوب، بل أدى إلى العكس مثل أن يعتبر ويتبصّر ثم يتخذ من هذا النظر وسيلة إلى الطعن في حكمة الله سبحانه وتعالى، أو إلى وصف الله تعالى بالظلم.. أو ما أشبه ذلك مما يقع من بعض الملحدين، فإن هذا ضرره كبير والعياذ بالله، لكن من نظر ليعتبر.. من نظر بعين العقل والعدل فلا بد من الأمرين: عقلٌ وعدل، فبانتفاء العقل ما يعرف الإنسان، وبانتفاء العدل يظلم.
فعلى كل حال في هذه الآية دليل على أنه ينبغي للإنسان أن ينظر ويتأمل في الأمور، لا سيما في أمور المكذبين.
وفيه دليل على أنه ينبغي في مقام التحذير استعمال أغلظ الألفاظ وأشدها تأثيراً، لقوله: (( دَمَّرْنَاهُمْ ))[النمل:51] ولم يقل: أهلكناهم، فإن التدمير أعظم وقعاً في النفس، والنفس تنفر منه أكثر، ولهذا قال: (( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ ))[النمل:51].
وفي هذا دليل أيضاً على أن العقوبات إنما تأتي بأسباب المرء، حيث جعل هذا التدمير عاقبة مكرهم، وهذا يدل عليه أيضاً قول الله تعالى: (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ))[الأعراف:96].
وقال تعالى في خصوص أهل الكتاب: (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ))[المائدة:65 - 66] من فوقهم: من الثمار الطيبة، ومن تحت أرجلهم: من الزروع التي تحت الأرض.
في قوله أيضاً: (( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ))[النمل:51] في هذا دليل على أن العقوبة تعم، ولكن كما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يُبعث الناس على أعمالهم ) العقوبة قد تعم، ولكن يُبعث الناس على أعمالهم، وهذا مشاهد، سواءً كانت العقوبة من الله يعني: من فعل الله أو من فعل العباد، يسلّط الله تعالى بعض عباده على بعض، فيدمر هذا المتسلط على الصالح والطالح، ولكن يُبعث الناس يوم القيامة على أعمالهم ونياتهم.
أو ينزل الله تعالى كارثة من عنده كالفيضانات، والرياح.. وغيرها. فتدمر الصالح والطالح، ويوم القيامة يُبعثون على نياتهم.
وإنما كان كذلك والحكمة عند الله سبحانه وتعالى لأجل أن يستقيم الناس على أمر الله، لأني أنا إذا علمت أن المصيبة ستعم سأسعى في إزالة السيئة الموجبة للعقوبة، لكن لو أننا نعلم أن العقوبة تخص العامل ما استقام الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر.
ولذلك يجب أن يكون خوف الإنسان من معاصي غيره كخوفه من معاصي نفسه، لأن العقوبة واحدة إذا نزلت عمّت، بل إن المعاصي سبحان الله كالدخان يصرع من شمّه وإن لم يكن في بيته.
ولذلك معاصي الناس اليوم أثّرت على أهل الخير البعيدين منهم. يعني: أهل الخير لو سألتهم وقلت: هل تجدون في قلوبكم ما كنتم تجدونه قبل سنوات من الإنابة إلى الله، والخشوع، والخضوع، ومحبة الخير؟ لوسألتهم؟ لأجابوا: لا.
دعنا من الناس الذين ماتوا قبل ثلاثين سنة أو أكثر، هذا معلوم أنهم سلموا من هذه الفتنة، لكن حتى الموجود الآن هروبهم قبل نحو ثلاثين سنة أصلح بكثير من اليوم، مع أن حالهم هي هي، تجد الإنسان مثلاً في مسجده إمام ولم يرتبط بالدنيا ولم يشتغل بها، تجد إنسان مثلاً في أهله ما يلتفت إلى أحدٍ غيرهم، ومع ذلك تأثرت القلوب، لأن المعاصي مفاسد مهما كانت.
ولكن مع هذا قد يأتي الله تعالى ببركانٍ عظيم يبدد هذه الأشياء، يقيض الله تعالى للأمة الإسلامية طائفة منصورة ظاهرة فتبدد كل هذا الأمر، ولهذا لا بد من عمل، الركود ما ينفع.. الركود ما فيه سلامة أبداً، لا بد من العمل ولكن على هدى مستقيم وبحكمة بالغة، لأن الذي يضر الدعاة إلى الله واحد من أمرين: إما جهلٌ، أو سفه.
يعني: إما أنه ما عندهم علم بيّن راسخ، فتجدهم يحرمون ما أحل الله، ويوجبون ما لم يوجبه الله.
مثلما يوجد من بعض الإخوان الذين يتشددون في الأمور، يحرمون ما أحل الله، أو يوجبون ما لم يوجبه الله، وهذه مفسدة عظيمة.
أو يكون عندهم سفه، يعني: ما عندهم حكمة في الدعوة إلى الله، فيكون عندهم تسرع وعيد وعنف ، أو تباطؤٌ في غير موضعه.
ففي الأول يحصل رد فعلٍ عميق من المدعوين، وفي الثاني يحصل تمادٍ من المدعوين يفوّت الفرصة على الداعين، فلا بد من العلم والحكمة (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ))[النحل:125].
يقول: (( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ))[النمل:51].
فوائد قوله تعالى : << فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لأيات لقوم يعلمون >>
(( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ))[النمل:52].
تلك بيوتهم خاوية، لما قال: (( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ))[النمل:51] هذا عام مبهم، نص على شيء معيّن وهو أن بيوتهم خاوية الآن، ايش معنى خاوية؟
الطالب: فيها قولان: إما خالية، وإما متهدمة.
الشيخ : مدمّرة، خاويةً. وهذا قد نقول أن فيه فائدة وهي: التبيين بعد الإجمال، لأن التبيين بعد الإجمال أوقع في النفس، فالشيء إذا جاء مجملاً تتشوف النفس إلى بيانه ومعرفته، فإذا جاء إليها مبيَّناً بعد الإبهام صادف أرضاً يابسة تشرب الماء، لكن إذا بُيِّن الأول مر مر الكرام، وهذا دائماً تجدونه في القرآن (( وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ )) ما هو هذا الأمر؟ (( أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ))[الحجر:66].
عندما تقف (( وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ ))[الحجر:66] تجد نفسك هذا الأمر بأل، ما هو الأمر هذا؟ ثم تجد (( أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ))[الحجر:66] يتبين لك وقع هذا البيان بعد الإبهام.
وفي هذا دليل على أن التبذير والإتلاف من أسباب الظلم لقوله: (( بِمَا ظَلَمُوا ))[النمل:52] لأن الباء هنا للسببية.
الطالب: من أسباب الظلم أو بأسباب الظلم؟
الشيخ : يصلح هذا وهذا، لأن من للسببية.
وفيه دليل على أن الجزاء من جنس العمل.
وفيه دليل على أن الله سبحانه وتعالى ليس بظالم، ما دام لا يعاقب إلا بسبب فعل العبد، فمعنى ذلك أنه منتفٍ عنه الظلم سبحانه وتعالى.
وفيه دليلٌ على التحذير من الظلم، لأننا إذا تبينا أن التبذير من أسباب الظلم معناه: أننا ننفر منه ونهرب منه، وفيه التحذير من ممارسة الظلم سواءٌ كان متعدياً أو لازماً، أو سواءٌ كنت تظلم نفسك وحدها بالتقصير بواجب الله أو بالظلم لغيرك أيضاً.
وفيه دليل على أن هذه الحوادث التي يحدثها الله عز وجل آياتٌ من آياته، تدل على كمال قدرته وسلطانه وعلى كمال عدله أيضاً ياولد، ولهذا قال: (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً ))[النمل:52] أي: علامة على قدرة الله وسلطانه، وعلى حكمته وأنه سبحانه وتعالى لا يفعل إلا بمقتض للفعل.
وفيه ردٌ على من يُنكرون الحكمة مثل الجهمية، فإن الجهمية يقولون: إنه لا حكمة لله سبحانه وتعالى في أفعاله، وخالفتهم المعتزلة تماماً، وقالت: أفعاله مقرونةٌ بالحكمة والحكمة موجبة، ولهذا قالوا: يجب عليه فعل الصلاح، وبعضهم قالوا: يجب عليه فعل الأصلح.
وأما الجهمية فبالعكس، وهذا من المواضع التي اختلفت فيه الجهمية والمعتزلة، وإن كانوا يشتركون في كثير من الأشياء، لكنهم يختلفون أيضاً في أشياء أخرى منها هذه المسألة: هل فعل الله لحكمة أو لمجرد مشيئة؟
الجهمية يقولون: لمجرد مشيئة، والمعتزلة يقولون: لحكمة، لكن غلوا في إثبات الحكمة، حيث أوجبوا على الله سبحانه وتعالى فعل الأصلح.
وقد مر علينا هذا في العقيدة وبيّنا أن الصواب أنه يجب على الله فعل الأصلح لكن لا بإيجابنا نحن، ولكن بمقتضى حكمته، لأن الحكمة تقتضي هكذا.
الطالب: والأشاعرة؟
الشيخ : الأشاعرة مثل الجهمية.
وفي هذا دليل على أنه لا ينتفع بالآيات إلا أولوا العلم، لقوله: (( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ))[النمل:52] أما من ليس من ذوي العلم فإنه يفوتهم شيءٌ كثير لا يعتبرون به ولا يتعظون به، ولهذا قال الله عز وجل: (( وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ))[العنكبوت:43] والأمثال تشمل الأمثال المعقولة والأمثال المحسوسة المشاهدة، فالله تعالى يضرب الأمثال المعقولة ويضرب الأمثال المحسوسة (( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ))[يس:13] ... إلى آخره، هذا ما يسمى المشهود المحسوس.
مثلاً: (( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ))[العنكبوت:41] هذا من الأمثال المعقولة.
والحاصل: أن أهل العلم هم الذين يعقلون هذه الآيات ويعتبرون بها، وينتفعون بها.
وفيه دليل على فضيلة العلم.. وفيه دليل أيضاً على الحث على العلم، لأنه إذا ثبت فضله فمعنى ذلك أن الله ذكره لنا لنتعلم.
ولا شك أن العلم من أفضل ما أنعم الله به على العبد، يعني: ما بعد الإسلام نعمة مثل العلم، هي أفضل من نعمة المال، وأفضل من نعمة قوة البدن، وأفضل من نعمة البنين، ما يعادلها إلا نعمة الإسلام فقط.
ولذلك تجد أن العلماء ولكن الذين مثّلوا العلم، بأن كانوا دعاة إلى الله، وكانوا علماء ملة لا علماء دولة، لأن العلماء منهم علماء ملّة يدعون إلى الملة والشريعة ويهدون بأمر الله، ومنهم علماء دولة يدعون إلى ما تريده الدولة، وتعرفون أول ما ظهرت بدعة الاشتراكية أو أول ما ظهر فسق الاشتراكية، لأنهم من زمان، صار أناسٌ من أهل العلم -في البلاد التي ظهرت فيها هذه البدعة- صار يدعون إليها ويزعمون أن القرآن والسنة دلّا عليه، فيأتون بآيات تدل على هذا. مثل (( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ))[الروم:28].
الطالب: هذا في الإنكار.
الشيخ : نعم. قال: (( فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ))[الروم:28] خلاص أنتم سواءٌ في الرزق، والناس شركاء في ثلاث.. وهكذا، وبدءوا يحرفون الكتاب والسنة لماذا ؟ لأنهم علماء دولة لا علماء ملّة، وهذا كثير أيضاً.
وفيه أيضاً محدّثون دولة، مر علينا الذي قال المهدي ابراهيم بن غياث أو غياث بن إبراهيم قال: " لا سبق إلا في خفٍّ أو نصل أو حافر - واستثنى - أو جناح ".
الحاصل أن هذه دلالة في القصد، لكن المراد بالعلم الممدوح هو العلم المؤثر للعمل والدعوة.
والحقيقة أن مقام طلبة العلم ما هو مقام علم فقط ويكون العلم قابعاً يا أحمد في صدورهم، إذا لم يكن هناك دعوة، أنت الآن وارث للأنبياء و إلا لا؟ العلماء ورثة الأنبياء إذاً: ادع إلى الله.. ادع مثل ما دعا الأنبياء إلى الله سبحانه وتعالى، اعلم ثم ادع، ما نقول: ادع بجهل، الدعاء بجهل ضرر عليك وعلى الإسلام أيضاً، لكن اعلم وادع ولا تبالي.
واعلم أنك ما قلت كلمة تبتغي بها وجه الله إلا كان لها تأثير لا بد، ونحن نضرب دائماً لكم مثلاً بقول موسى أمام السحرة وأمام فرعون وجنوده وعامة أتباعه قال للسحرة: (( وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ))[طه:61] كلمة ماذا عملت؟
الطالب: (( فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ ))[طه:62].
الشيخ : ولا قنبلة (( فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ))[طه:62] راحت معنويتهم واجتماعهم.
وأخيراً آمنوا بالله، أعلنوا إعلان كامل بتصميم وعزم سبحان الذي أعطاهم إياه بهذه اللحظة (( آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ))[الأعراف:121 - 122] فوعدهم (( لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ))[الأعراف:124]، ماذا قالوا: (( لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ))[طه:72]...
تلك بيوتهم خاوية، لما قال: (( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ))[النمل:51] هذا عام مبهم، نص على شيء معيّن وهو أن بيوتهم خاوية الآن، ايش معنى خاوية؟
الطالب: فيها قولان: إما خالية، وإما متهدمة.
الشيخ : مدمّرة، خاويةً. وهذا قد نقول أن فيه فائدة وهي: التبيين بعد الإجمال، لأن التبيين بعد الإجمال أوقع في النفس، فالشيء إذا جاء مجملاً تتشوف النفس إلى بيانه ومعرفته، فإذا جاء إليها مبيَّناً بعد الإبهام صادف أرضاً يابسة تشرب الماء، لكن إذا بُيِّن الأول مر مر الكرام، وهذا دائماً تجدونه في القرآن (( وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ )) ما هو هذا الأمر؟ (( أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ))[الحجر:66].
عندما تقف (( وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ ))[الحجر:66] تجد نفسك هذا الأمر بأل، ما هو الأمر هذا؟ ثم تجد (( أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ))[الحجر:66] يتبين لك وقع هذا البيان بعد الإبهام.
وفي هذا دليل على أن التبذير والإتلاف من أسباب الظلم لقوله: (( بِمَا ظَلَمُوا ))[النمل:52] لأن الباء هنا للسببية.
الطالب: من أسباب الظلم أو بأسباب الظلم؟
الشيخ : يصلح هذا وهذا، لأن من للسببية.
وفيه دليل على أن الجزاء من جنس العمل.
وفيه دليل على أن الله سبحانه وتعالى ليس بظالم، ما دام لا يعاقب إلا بسبب فعل العبد، فمعنى ذلك أنه منتفٍ عنه الظلم سبحانه وتعالى.
وفيه دليلٌ على التحذير من الظلم، لأننا إذا تبينا أن التبذير من أسباب الظلم معناه: أننا ننفر منه ونهرب منه، وفيه التحذير من ممارسة الظلم سواءٌ كان متعدياً أو لازماً، أو سواءٌ كنت تظلم نفسك وحدها بالتقصير بواجب الله أو بالظلم لغيرك أيضاً.
وفيه دليل على أن هذه الحوادث التي يحدثها الله عز وجل آياتٌ من آياته، تدل على كمال قدرته وسلطانه وعلى كمال عدله أيضاً ياولد، ولهذا قال: (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً ))[النمل:52] أي: علامة على قدرة الله وسلطانه، وعلى حكمته وأنه سبحانه وتعالى لا يفعل إلا بمقتض للفعل.
وفيه ردٌ على من يُنكرون الحكمة مثل الجهمية، فإن الجهمية يقولون: إنه لا حكمة لله سبحانه وتعالى في أفعاله، وخالفتهم المعتزلة تماماً، وقالت: أفعاله مقرونةٌ بالحكمة والحكمة موجبة، ولهذا قالوا: يجب عليه فعل الصلاح، وبعضهم قالوا: يجب عليه فعل الأصلح.
وأما الجهمية فبالعكس، وهذا من المواضع التي اختلفت فيه الجهمية والمعتزلة، وإن كانوا يشتركون في كثير من الأشياء، لكنهم يختلفون أيضاً في أشياء أخرى منها هذه المسألة: هل فعل الله لحكمة أو لمجرد مشيئة؟
الجهمية يقولون: لمجرد مشيئة، والمعتزلة يقولون: لحكمة، لكن غلوا في إثبات الحكمة، حيث أوجبوا على الله سبحانه وتعالى فعل الأصلح.
وقد مر علينا هذا في العقيدة وبيّنا أن الصواب أنه يجب على الله فعل الأصلح لكن لا بإيجابنا نحن، ولكن بمقتضى حكمته، لأن الحكمة تقتضي هكذا.
الطالب: والأشاعرة؟
الشيخ : الأشاعرة مثل الجهمية.
وفي هذا دليل على أنه لا ينتفع بالآيات إلا أولوا العلم، لقوله: (( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ))[النمل:52] أما من ليس من ذوي العلم فإنه يفوتهم شيءٌ كثير لا يعتبرون به ولا يتعظون به، ولهذا قال الله عز وجل: (( وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ))[العنكبوت:43] والأمثال تشمل الأمثال المعقولة والأمثال المحسوسة المشاهدة، فالله تعالى يضرب الأمثال المعقولة ويضرب الأمثال المحسوسة (( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ))[يس:13] ... إلى آخره، هذا ما يسمى المشهود المحسوس.
مثلاً: (( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ))[العنكبوت:41] هذا من الأمثال المعقولة.
والحاصل: أن أهل العلم هم الذين يعقلون هذه الآيات ويعتبرون بها، وينتفعون بها.
وفيه دليل على فضيلة العلم.. وفيه دليل أيضاً على الحث على العلم، لأنه إذا ثبت فضله فمعنى ذلك أن الله ذكره لنا لنتعلم.
ولا شك أن العلم من أفضل ما أنعم الله به على العبد، يعني: ما بعد الإسلام نعمة مثل العلم، هي أفضل من نعمة المال، وأفضل من نعمة قوة البدن، وأفضل من نعمة البنين، ما يعادلها إلا نعمة الإسلام فقط.
ولذلك تجد أن العلماء ولكن الذين مثّلوا العلم، بأن كانوا دعاة إلى الله، وكانوا علماء ملة لا علماء دولة، لأن العلماء منهم علماء ملّة يدعون إلى الملة والشريعة ويهدون بأمر الله، ومنهم علماء دولة يدعون إلى ما تريده الدولة، وتعرفون أول ما ظهرت بدعة الاشتراكية أو أول ما ظهر فسق الاشتراكية، لأنهم من زمان، صار أناسٌ من أهل العلم -في البلاد التي ظهرت فيها هذه البدعة- صار يدعون إليها ويزعمون أن القرآن والسنة دلّا عليه، فيأتون بآيات تدل على هذا. مثل (( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ))[الروم:28].
الطالب: هذا في الإنكار.
الشيخ : نعم. قال: (( فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ))[الروم:28] خلاص أنتم سواءٌ في الرزق، والناس شركاء في ثلاث.. وهكذا، وبدءوا يحرفون الكتاب والسنة لماذا ؟ لأنهم علماء دولة لا علماء ملّة، وهذا كثير أيضاً.
وفيه أيضاً محدّثون دولة، مر علينا الذي قال المهدي ابراهيم بن غياث أو غياث بن إبراهيم قال: " لا سبق إلا في خفٍّ أو نصل أو حافر - واستثنى - أو جناح ".
الحاصل أن هذه دلالة في القصد، لكن المراد بالعلم الممدوح هو العلم المؤثر للعمل والدعوة.
والحقيقة أن مقام طلبة العلم ما هو مقام علم فقط ويكون العلم قابعاً يا أحمد في صدورهم، إذا لم يكن هناك دعوة، أنت الآن وارث للأنبياء و إلا لا؟ العلماء ورثة الأنبياء إذاً: ادع إلى الله.. ادع مثل ما دعا الأنبياء إلى الله سبحانه وتعالى، اعلم ثم ادع، ما نقول: ادع بجهل، الدعاء بجهل ضرر عليك وعلى الإسلام أيضاً، لكن اعلم وادع ولا تبالي.
واعلم أنك ما قلت كلمة تبتغي بها وجه الله إلا كان لها تأثير لا بد، ونحن نضرب دائماً لكم مثلاً بقول موسى أمام السحرة وأمام فرعون وجنوده وعامة أتباعه قال للسحرة: (( وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ))[طه:61] كلمة ماذا عملت؟
الطالب: (( فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ ))[طه:62].
الشيخ : ولا قنبلة (( فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ))[طه:62] راحت معنويتهم واجتماعهم.
وأخيراً آمنوا بالله، أعلنوا إعلان كامل بتصميم وعزم سبحان الذي أعطاهم إياه بهذه اللحظة (( آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ))[الأعراف:121 - 122] فوعدهم (( لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ))[الأعراف:124]، ماذا قالوا: (( لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ))[طه:72]...
اضيفت في - 2007-08-13