تفسير سورة العنكبوت-08b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تتمة فوائد قوله تعالى : << مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت .............. >> .
الذي هو سبيل الهداية هل هو العلم بطبائع الأشياء وما خلقَ الله في الكون أو العلم بالله عز وجل؟ العلمُ بالله وآياتِه الكونية والشرعية وليس مجرَّد أن يطَّلِع الإنسان على ما في هذا الكون لأنَّه قد يطَّلِع ولا ينتَفِع، ومن هنا نأخذ خطَأَ كثيرِ مِن الناس الذين يقولون في قوله تعالى: (( إنَّما يخشى الله من عباده العلماءُ )) أنهم العلماء بالكون، لو كان الأمر كذلك لكان أصحابُ علوم الفلك وطبقات الأرض البُيُولُوجيا وغيرِها هم الذين يخشَون الله، وأصحابُ العلم بشريعة الله دونَهم في الخشية وهذا مُحَال
1 - تتمة فوائد قوله تعالى : << مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت .............. >> . أستمع حفظ
قول الله تعالى : << خلق الله السموات والأرض بالحق إن في ذلك لأية للمؤمنين >>
ثم قال الله سبحانه وتعالى: (( خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآيةً للمؤمنين )) يستفاد مِن هذه الآية الكريمة أنَّ الخالق للسماوات والأرض هو الله ويتفرَّع على هذه الفائدة
الطالب: نسينا (( إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء ))
الشيخ : اي طيب
الطالب: نسينا (( إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء ))
الشيخ : اي طيب
فوائد قوله تعالى : << إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيئ وهو العزيز الحكيم >>
قال: (( إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم )) هذه الآية فيها أنَّ الله لم يحكُم على هؤلاء المشركين بمشابهتِهم للعنكبوت إلَّا عن عِلْم فالآية كالتعليل لِمَا قبلها يعني أنَّه سبحانه وتعالى ما قال: كمثل العنكبوت إلَّا عن علم هو بيعلَم هذه الأصناف وأنها لا تنفع ولا فائدة منها.
ومنها إثباتُ العلم لله فيما يتعلَّق بالخلْق إثبات علم الله تعالى فيما يتعلَّق بالخلق فيكونُ فيه ردٌّ على من؟ على غُلَاةِ القدرية الذين قالوا: إن الله لا يعلَم الأشياء المتعلقة بالخلْق إلا بعد وقوعِها. نعوذ بالله ولكن هؤلاء الغلاة يقول شيخ الإسلام في وقته: إنهم كانوا قليلين إنَّهم قَلُّوا لأنَّهم رأوْا أنَّ إنكارهم للعلم نداءٌ على أنفسهم بالكفر فتركوا هذا وصاروا ينكرون الكتابة والمشيئة.
ومِن فوائد الآية إثبات هذين الاسمين الكريمين العزيز والحكيم وإثباتُ ما تضمناه مِن صفة وهي العزة والحكمة وكذلك ما تضمنَّاه من صفة على سبيل دَلَالة الالتِزَام لأنَّ دلالة اللَّفظ على معناه تكون بالمطَابقَة والتضَمُّن والالتزام، فما يستلزمه هذان الوصْفَان مِن الصفات فإنَّه ثابت، أنتم فاهمين هذا؟ الدلالة اللفظِ على مدلوله تكون بدلالةِ المطابقة والتضَمُّن والالتزام ما مرَّت علينا هذي؟ طيب نضرِب مثلًا لذلك: كلمة (دار) تعرفون الدار المسكُونة كلمة دار تدُلّ على هذه الكتْلة مِن البناء المتضَمِّنَة للغُرَف والحُجَر والسُّطُوح نعم والرَّحْبَات تدُلُّ على ذلك بالمطابَقَة، أنت بمجرَّد ما أقول كلمة (دار) تفهم أن (دار) فيها حُجَر وغُرَف وأسْطِحَة نعم ورحَبَات فدلالَتُها على هذا دلالَة مطابقة تدُلُّ على كل حجرةٍ بمفردها أو غرفةٍ بمفردها أو سطحٍ بمفرده أو رحبة بمفردها تدل عليها بالتضَمُّن يعني أنه متضَمِّنَة لكذا وكذا واضح؟ تدلُّ على أنَّ لها بانيًا بايش؟ بالالتزام لأنَّه ما تقوم الدار إلا ببانِي هذا معنى قولهم إنَّ الدلالة مطابقة وتضمن والتزام، فمثلًا العزة العزيز يدل على العزة دلالة مطابقة، مِن لازم العزة أن يكون العزيز عالمـًا قادرًا قويا دلالته على هذه المعاني بالالتزام، ودلالة العزيز على الذَّات والصفة دلالة مطابقة، وعلى الذات وحدَها أو الصفة وحدها دلالة تضَمُّن،
الطالب:...
الشيخ : لا، لأن العزيز اسم فهو دلالته على الذات وحدَها أو الصفة وحدها دلالة تضمن، وعليهما جميعًا دلالة مطابقة، وعلى ما تستلزمه العزة مِن العلم والقدرة والقوة وما أشبه ذلك التزَام، ولهذا اسم الحي القيوم تضَمَّن جمِيع الصِّفَات هذان الاسمان تضمَّنَا جميعَ الصفات لأنَّ الحي مستَلْزِمٌ لجميعِ صفات الكمال والقَيُّوم مستلزم لجميع صفات السلطان والمـُلْك والتدبير وما الى ذلك ولهذا ورد في الحديث أنَّهما اسمُ الله الأعظم، طيب العزيز الحكيم قلنا فيها إثبات العزة والحكِيم فيها إثبات الحُكْم والحِكْمَة نعم، وفي الجمع بينهما يظهَر صفة ثالثة وهي أنَّ عزةَ الله مقرونَة بالحكمة ليست كعزةِ العزيز غيرِه فإنَّها قد تكونُ خاليةً من الحكمة.
ومِن فوائد الآية أنَّه ينبغي التَّأَمُّل إذا خُتِمَت الآيات بما يكون مُخالفًا لِظَاهِر الحال يعني فلا ترُدَّها إذا وجدت آية مختومة بخِلَاف ما يقتضيه ظاهرُ الحال أو السياق فتأمَّل فيها فإنَّ الخطأ منك (( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )) مقتضى ظاهر السياق أن يقول: فإنك أنت الغفور الرحيم لكن عَدَل عنه لا تقل إن هذا خلل أبدًا الخلل منك أنت فإنَّ هذا كلام الله عز وجل ما فيه خلل، نعم فآياته الكونية ليس فيها خلل وآياته الشرعية كذلك فيجب أن تتَأَمَّل وتتوقف، هنا في الآية التي معنا قد يتبادَر للإنسان أن تخُْتَم بالعلم ولكن عند التأمل يكون ختمُها بالعزة والحكمة أولى ثم قال تعالى (( خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ))[العنكبوت:44]
ومنها إثباتُ العلم لله فيما يتعلَّق بالخلْق إثبات علم الله تعالى فيما يتعلَّق بالخلق فيكونُ فيه ردٌّ على من؟ على غُلَاةِ القدرية الذين قالوا: إن الله لا يعلَم الأشياء المتعلقة بالخلْق إلا بعد وقوعِها. نعوذ بالله ولكن هؤلاء الغلاة يقول شيخ الإسلام في وقته: إنهم كانوا قليلين إنَّهم قَلُّوا لأنَّهم رأوْا أنَّ إنكارهم للعلم نداءٌ على أنفسهم بالكفر فتركوا هذا وصاروا ينكرون الكتابة والمشيئة.
ومِن فوائد الآية إثبات هذين الاسمين الكريمين العزيز والحكيم وإثباتُ ما تضمناه مِن صفة وهي العزة والحكمة وكذلك ما تضمنَّاه من صفة على سبيل دَلَالة الالتِزَام لأنَّ دلالة اللَّفظ على معناه تكون بالمطَابقَة والتضَمُّن والالتزام، فما يستلزمه هذان الوصْفَان مِن الصفات فإنَّه ثابت، أنتم فاهمين هذا؟ الدلالة اللفظِ على مدلوله تكون بدلالةِ المطابقة والتضَمُّن والالتزام ما مرَّت علينا هذي؟ طيب نضرِب مثلًا لذلك: كلمة (دار) تعرفون الدار المسكُونة كلمة دار تدُلّ على هذه الكتْلة مِن البناء المتضَمِّنَة للغُرَف والحُجَر والسُّطُوح نعم والرَّحْبَات تدُلُّ على ذلك بالمطابَقَة، أنت بمجرَّد ما أقول كلمة (دار) تفهم أن (دار) فيها حُجَر وغُرَف وأسْطِحَة نعم ورحَبَات فدلالَتُها على هذا دلالَة مطابقة تدُلُّ على كل حجرةٍ بمفردها أو غرفةٍ بمفردها أو سطحٍ بمفرده أو رحبة بمفردها تدل عليها بالتضَمُّن يعني أنه متضَمِّنَة لكذا وكذا واضح؟ تدلُّ على أنَّ لها بانيًا بايش؟ بالالتزام لأنَّه ما تقوم الدار إلا ببانِي هذا معنى قولهم إنَّ الدلالة مطابقة وتضمن والتزام، فمثلًا العزة العزيز يدل على العزة دلالة مطابقة، مِن لازم العزة أن يكون العزيز عالمـًا قادرًا قويا دلالته على هذه المعاني بالالتزام، ودلالة العزيز على الذَّات والصفة دلالة مطابقة، وعلى الذات وحدَها أو الصفة وحدها دلالة تضَمُّن،
الطالب:...
الشيخ : لا، لأن العزيز اسم فهو دلالته على الذات وحدَها أو الصفة وحدها دلالة تضمن، وعليهما جميعًا دلالة مطابقة، وعلى ما تستلزمه العزة مِن العلم والقدرة والقوة وما أشبه ذلك التزَام، ولهذا اسم الحي القيوم تضَمَّن جمِيع الصِّفَات هذان الاسمان تضمَّنَا جميعَ الصفات لأنَّ الحي مستَلْزِمٌ لجميعِ صفات الكمال والقَيُّوم مستلزم لجميع صفات السلطان والمـُلْك والتدبير وما الى ذلك ولهذا ورد في الحديث أنَّهما اسمُ الله الأعظم، طيب العزيز الحكيم قلنا فيها إثبات العزة والحكِيم فيها إثبات الحُكْم والحِكْمَة نعم، وفي الجمع بينهما يظهَر صفة ثالثة وهي أنَّ عزةَ الله مقرونَة بالحكمة ليست كعزةِ العزيز غيرِه فإنَّها قد تكونُ خاليةً من الحكمة.
ومِن فوائد الآية أنَّه ينبغي التَّأَمُّل إذا خُتِمَت الآيات بما يكون مُخالفًا لِظَاهِر الحال يعني فلا ترُدَّها إذا وجدت آية مختومة بخِلَاف ما يقتضيه ظاهرُ الحال أو السياق فتأمَّل فيها فإنَّ الخطأ منك (( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )) مقتضى ظاهر السياق أن يقول: فإنك أنت الغفور الرحيم لكن عَدَل عنه لا تقل إن هذا خلل أبدًا الخلل منك أنت فإنَّ هذا كلام الله عز وجل ما فيه خلل، نعم فآياته الكونية ليس فيها خلل وآياته الشرعية كذلك فيجب أن تتَأَمَّل وتتوقف، هنا في الآية التي معنا قد يتبادَر للإنسان أن تخُْتَم بالعلم ولكن عند التأمل يكون ختمُها بالعزة والحكمة أولى ثم قال تعالى (( خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ))[العنكبوت:44]
فوائد قوله تعالى : << وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلهآ إلا العالمون >>
طيب (( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون )) في هذه الآية الكريمة فائدةُ ضرْبِ الأمثال وأنَّه نوْع من التعليم والتوجيه لقوله: (( وتلك الأمثال نضربها )).
ومِن فوائدِها إثباتُ عظمةِ الله عز وجل من أين تؤْخَذ؟
الطالب: (نضرِبها)
الشيخ : (نضرِبها) مِن نون العظمة (نضرِبها للناس) واعلم إن كنت لا تعلمُ مِن قبل أنَّ ما أضافه الله تعالى إلى نفسه بلفظِ العظَمة فإنه يدُلُّ على عظمة نفسه سبحانه وتعالى وقد يُرادُ به ملائكته لا نفسُه وهذا في القرآن كثير وكذلك الأول في القرآن كثير، فمِمَّا أراد الله به ملائكتَه مثل قوله تعالى: (( فإذا قرأْنَاه فاتَّبِع قرآنَه )) الضمير هذا يعود على مَن؟ ضمِير الفاعل؟ على جبْرِيل لكن أضافَه الله إلى نفسِه لأنَّ جبريل رسولُه، وكذلك قوله تعالى: (( ولَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ))[هود:74] يجادِلُنا وهو لا يُجادِلُ الله إنما يجادِل الرُّسل لكن حَمْلُ ما أضيفَ إلى الله بصيغة العظمة على رسلِه وملائكتِه لا بُدَّ له مِن دليل وإلَّا فالأصل أنَّه يعود إلى الله، أمَّا ما أضافَه الله إلى نفسه بصيغة الإفراد فهو له نفسُه ونضرِب لهذا مثلَيْن الأَوَّل قوله تعالى: (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ))[البقرة:186] هذه الضَّمَائِر كلُّها بصيغة الإفراد فعلى هذا يكون قوله تعالى: (فإني قريب) المرَاد قربُه نفسُه مِن داعِيه ولكنَّ هذا القُرْب لا يلزمُ منه أن يخلُوَ منه العرش أو ينتفِيَ عنه العُلُوّ كما أنه ينزل إلى السماء الدنيا ولا يلزم منه أن يخلُو منه العرش أو أن ينافي ذلك علُوَّه، لكن قولُه تعالى: (( فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون )) فإن (أقرب) فيها ضمير يعود على (نحن) و(نحن) الضمير لمن؟ الضمير لله لكنَّه أقربُ إليه منَّا بِـملائكتِه وش الدليل؟ الدليل قوله تعالى:(( ولكن لا تبصرون )) فإنَّ الملائكة تحضُر إلى الميت لقبضِ روحه وتجلس منه مَدَّ البصر لكن ما نُبصِرُها نحن، فهنا القرب لِمَن؟ القرب للملائكة، لأنَّ الله أضافَه إلى نفسه بصيغة العظمة ووُجِدَ الدليل وهذه الفائدة مهمة جدًّا تنفعُك في بابِ الصفات وغيرها أنَّ ما أضافه الله إلى نفسه بصيغَة الإفراد فهو له وما أضافَه إلى نفسِه بصيغة الجمع فهو له لكن قد يكون لِملائكته بقرينَة، وهذا غيرُ ممتنع كما عرفْتُم، طيب هنا قال: (( تلك الأمثال نضربُها )) له ولَّا للملائكة؟ لَه، لأن ما فيه قرينة تدل على أنه للملائكة، طيب (( نضربها للناس )) الفائدة الأولى قلنا فيها فائدة ضرب الأمثال.
وفيها أيضًا من فوائد الآية رحمةُ الله تعالى بالخلق بضربِ الأمثال لهم لأنَّ ضربَ الأمْثَال كما قلنا يُقَرِّبُ المعقول إلى الأذهان وتصَوُّرُ الإنسان للمحسوس أقْوَى مِن تصَوُّرِه للمعقول أليس كذلك؟ الآن لو أشرَح لكم صفة الحج شرحًا بيِّنًا ظاهرًا وافيًا أو أذهبُ بكم إلى الحج إلى المناسِك أيهما أبلغ؟ الأخِير أبْلَغ لأنَّكم تُحِسُّونَه بأعينكم لكن الأول تتصَوَّرُونه بقلوبكم ولا تدركونه جيدًا، فإذًا ضرب الأمثال فيه رحمة للخلق حيث أنَّه سبحانه وتعالى يقرب لنا المعقولات بالمحسوسات نعم.
ومن فوائد الآية أنَّه ينبغي التأمل في الأمثال لقوله: (( وما يعقِلُها إلا العالمون )) فالعالم هو الذي يتَأَمَّل وينظر حتى يعقل.
ومِن فوائد الآية الثَّنَاء على العقل لقوله: (( وما يعقِلُها )) والمراد بالعقل هنا عقْلُ الإدراك أو عقل الرُّشْد؟
الطالب: عقل الرشد
الشيخ : عقل الرُّشْد، نعم؟ العقل الذي ينفع هو الذي يُثْنَى عليه.
ومنها أيضا فضيلة العلم لقوله: (( وما يعقلها إلا العالمون )) فاللي غير عالِم بالله سبحانه وتعالى وآياتِه ما يعقِل هذه المعاني ويقول هذه أشياء ليس لها معنى لكن العالم هو الذي يعقِلُها ويعرِف مغْزَاها ومعنَاها وأوجُه الشبه بينها حتى يصِل إلى درجَةِ الكمال
ومِن فوائدِها إثباتُ عظمةِ الله عز وجل من أين تؤْخَذ؟
الطالب: (نضرِبها)
الشيخ : (نضرِبها) مِن نون العظمة (نضرِبها للناس) واعلم إن كنت لا تعلمُ مِن قبل أنَّ ما أضافه الله تعالى إلى نفسه بلفظِ العظَمة فإنه يدُلُّ على عظمة نفسه سبحانه وتعالى وقد يُرادُ به ملائكته لا نفسُه وهذا في القرآن كثير وكذلك الأول في القرآن كثير، فمِمَّا أراد الله به ملائكتَه مثل قوله تعالى: (( فإذا قرأْنَاه فاتَّبِع قرآنَه )) الضمير هذا يعود على مَن؟ ضمِير الفاعل؟ على جبْرِيل لكن أضافَه الله إلى نفسِه لأنَّ جبريل رسولُه، وكذلك قوله تعالى: (( ولَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ))[هود:74] يجادِلُنا وهو لا يُجادِلُ الله إنما يجادِل الرُّسل لكن حَمْلُ ما أضيفَ إلى الله بصيغة العظمة على رسلِه وملائكتِه لا بُدَّ له مِن دليل وإلَّا فالأصل أنَّه يعود إلى الله، أمَّا ما أضافَه الله إلى نفسه بصيغة الإفراد فهو له نفسُه ونضرِب لهذا مثلَيْن الأَوَّل قوله تعالى: (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ))[البقرة:186] هذه الضَّمَائِر كلُّها بصيغة الإفراد فعلى هذا يكون قوله تعالى: (فإني قريب) المرَاد قربُه نفسُه مِن داعِيه ولكنَّ هذا القُرْب لا يلزمُ منه أن يخلُوَ منه العرش أو ينتفِيَ عنه العُلُوّ كما أنه ينزل إلى السماء الدنيا ولا يلزم منه أن يخلُو منه العرش أو أن ينافي ذلك علُوَّه، لكن قولُه تعالى: (( فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون )) فإن (أقرب) فيها ضمير يعود على (نحن) و(نحن) الضمير لمن؟ الضمير لله لكنَّه أقربُ إليه منَّا بِـملائكتِه وش الدليل؟ الدليل قوله تعالى:(( ولكن لا تبصرون )) فإنَّ الملائكة تحضُر إلى الميت لقبضِ روحه وتجلس منه مَدَّ البصر لكن ما نُبصِرُها نحن، فهنا القرب لِمَن؟ القرب للملائكة، لأنَّ الله أضافَه إلى نفسه بصيغة العظمة ووُجِدَ الدليل وهذه الفائدة مهمة جدًّا تنفعُك في بابِ الصفات وغيرها أنَّ ما أضافه الله إلى نفسه بصيغَة الإفراد فهو له وما أضافَه إلى نفسِه بصيغة الجمع فهو له لكن قد يكون لِملائكته بقرينَة، وهذا غيرُ ممتنع كما عرفْتُم، طيب هنا قال: (( تلك الأمثال نضربُها )) له ولَّا للملائكة؟ لَه، لأن ما فيه قرينة تدل على أنه للملائكة، طيب (( نضربها للناس )) الفائدة الأولى قلنا فيها فائدة ضرب الأمثال.
وفيها أيضًا من فوائد الآية رحمةُ الله تعالى بالخلق بضربِ الأمثال لهم لأنَّ ضربَ الأمْثَال كما قلنا يُقَرِّبُ المعقول إلى الأذهان وتصَوُّرُ الإنسان للمحسوس أقْوَى مِن تصَوُّرِه للمعقول أليس كذلك؟ الآن لو أشرَح لكم صفة الحج شرحًا بيِّنًا ظاهرًا وافيًا أو أذهبُ بكم إلى الحج إلى المناسِك أيهما أبلغ؟ الأخِير أبْلَغ لأنَّكم تُحِسُّونَه بأعينكم لكن الأول تتصَوَّرُونه بقلوبكم ولا تدركونه جيدًا، فإذًا ضرب الأمثال فيه رحمة للخلق حيث أنَّه سبحانه وتعالى يقرب لنا المعقولات بالمحسوسات نعم.
ومن فوائد الآية أنَّه ينبغي التأمل في الأمثال لقوله: (( وما يعقِلُها إلا العالمون )) فالعالم هو الذي يتَأَمَّل وينظر حتى يعقل.
ومِن فوائد الآية الثَّنَاء على العقل لقوله: (( وما يعقِلُها )) والمراد بالعقل هنا عقْلُ الإدراك أو عقل الرُّشْد؟
الطالب: عقل الرشد
الشيخ : عقل الرُّشْد، نعم؟ العقل الذي ينفع هو الذي يُثْنَى عليه.
ومنها أيضا فضيلة العلم لقوله: (( وما يعقلها إلا العالمون )) فاللي غير عالِم بالله سبحانه وتعالى وآياتِه ما يعقِل هذه المعاني ويقول هذه أشياء ليس لها معنى لكن العالم هو الذي يعقِلُها ويعرِف مغْزَاها ومعنَاها وأوجُه الشبه بينها حتى يصِل إلى درجَةِ الكمال
فوائد قوله تعالى : << خلق الله السموات والأرض بالحق إن في ذلك لأية للمؤمنين >>
قال الله تعالى: (( خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ))[العنكبوت:44] في هذه الآية فوائِد أولًّا أنَّ خالقَ السماوات والأرض هو الله أو لا؟(خلَقَ الله السماوات) لأنا ما نعرف لو قال قائل: ما في الآية حصر حتى تقولون إنَّ الخالق هو الله؟ نقول: نعم ما فيها حصر بالطُّرُق المعروفة لكن فيه حصر مِن حيث أنَّه لا يوجد إلا سماواتٌ وأرض واحدة إذا كان الخالق لَها هو الله انتَفَى أن يكون غيرُه خالقًا لها نعم.
ومنها الردُّ على أهل الطبيعة والعياذُ بالله الذين يقولون: إنَّ السماوات والأرض ليس لَهَا خالق إنَّها أشياء تتفاعل وتتحَوَّل وتتَقَلَّب وأنَّ الخلق لا أوَّلَ له ولا نهاية.
ومنها إثبات حدوثِ السماوات والأرض وأنَّها ليست قديمة مِن أين ناخذه؟ (خلق السماوات) فهي مُوجَدَّةٌ بعد العدم وكلُّ ما سوى الله فهو موجودٌ بعد العدم.
ومنها أنَّ السماوات عِدَّة كم؟
الطالب: سبع سماوات.
الشيخ : نعم بُيِّنَ في آيات اخري في سبْع.
ومنها أيضًا أن الأرض واحدة؟
الطالب: المراد الجنس.
الشيخ : المراد الجنس طيب في القرآن ما جُمِعَتِ الأرض أبدًا أو لا؟ لكنَّه أُشير إلى جمعِها في قوله تعالى: (( الله الذي خلق سبع سماوات ومِن الأرض مثلهن )) المماثلة هنا في الوصف متعَذِّرة أو لا؟ لأنَّه ما فيه مقارنة بين السماوات والأرض إذا تعذَّرَت المماثلة في الوصف رجَعْنا إلى المماثلة في العدد، وقد جاءت السنة صريحةً في ذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (( طُوِّقَه مِن سبع أراضين )) نعم.
ومِن فوائد الآية أنَّ هذه السماوات والأرض خَلْقُها بالحَقّ ليس عبثًا ولا لهوًا ولا باطِلًا لقولِه: (( بالحق )).
ومنها أيضًا أنها مشتملةٌ على الحق فخلْقُها أصل إيجادِها بالحق وهي أيضًا مشتملة على الحَقّ، ما يمكن يحدث في السماوات والأرض شيءٌ إلا بحَقّ.
طيب مِن فوائدها أيضا اطمِئْنَانُ الإنسان لِمَا يُحْدِثُه الله في السماوات والأرض أو بعضُ الاطمئنان ما وجْهُ ذلك يا إخواني؟ هذا السؤال أنا ذكرت الفائدة فما وجهُها؟ الظاهر أنك أنت معتمد علي بليك هذا يسجل لك وتقراه؟
الطالب: ...
الشيخ : طيب ما وجهُ كونِها تبعَث على الاطمئنان؟
الطالب: بالحق
الشيخ : أنَّها بالحق كلُّ شيء يحدث ما دام عرفت أنَّه بالحق أطمَئِن ما أقول ليش حدث وليش ما حدث؟ حدث على الناس جُوع ومرض وزلَازِل وفيضانات أعرف أنَّ ذلك بالحق فأطمَئِنّ وأرضَى وأُسَلِّم، ولا راحَة في الحقيقة للإنسان إلَّا بهذا ما يمكن يستريح الإنسان إلَّا بهذا إذا آمَن بقضَاء الله وقدرِه وأنَّه حق وهو يطمئن تمامًا وإلَّا فإنه سيتكَدَّر لأنَّه ما من ساعَةٍ إلا ويجِدُ فيها ما يسُوئُه إمَّا في نفسِه أو أهلِه أو صحبِه أو بلدِه أو البلاد الإسلامية عامَّة ولا يمكن أنَّ الإنسان يطمئن ويستَقِرّ حتى يؤمِن بأنّ هذه الأشياء كلُّها حق نعم.
الطالب: والمنازعة في الأقدار
الشيخ : منازعة الأقدار بالشرع هذه واجبَة، طيب فيه أيضًا
الطالب: يعني تطمَئِن وتُنَازِع
الشيخ : اتنازع بالشرع ما هو بالقدَر
الطالب: اي بس الجمع بينهم
الشيخ : .. هذا الجمع بينهم، نحن مثلًا إذا جاءَ من القدَر ما يسوئنا ننازعُه بالشرع إذا صبرْنا ما ساءنا ذلك نعم، وهكذا منازعة القدَر بالشرع هذا شيءٌ واجِب أن تُقَابِل القدر بما يقتضِيه الشرع، لكن منازَعة القدر بالقدر هذا ما يجوز أي نعم، أنت تجيب دائمًا كلمات صوفِيَّةً ما أدري وش ..
الطالب: لا مي هي صوفية يا شيخ .... أنا اللي خلاني أجيب هذا
الشيخ : أنا ما وُدِّي أنك جبت هذا لأنه تحتاج إلى لاحظ امكن بعض الناس ينفُر مِن كلمة منازعَة والمرادُ بالمنازعة المقابلة أي نعم.
طيب مِن فوائد الآية أنَّ خلْقَ السماوات والأرض آية دالة على ما يقتَضِيه هذا المخلوق مِن صفات الله عز وجل، وقد ذكرْنا أنَّ منه ما يقتضِيه الدلالة على قدرة الله والدلالة على حكمة الله والدلالة على عزَّتِه حسب ما تقتضيه الآية.
ومنها أنه لا ينتَفِع بالآيات إلا المؤمنون لقوله: (( للمؤمنين )).
نستفيد مِن هذه الفائدة فائدة تتفَرَّع أنه كلَّما كمُلَ إيمان العبد ازدَاد انتفاعًا بالآيات، هذه الفائدة الطريق إلى الحُصُول عليها هو ما سبقَ لنا غيرُ مرَّة مِن أنَّ الحكم إذا عُلِّقَ بوصْف ازدَاد قوةً بقُوَّتِه وضعفًا بضعفِه كل حكم يعلق على وصف فإنه يزداد قوةً بقوة هذا الوصف وضعفًا بضعفه، فنقول: إذًا كلما كان الإنسان أكمَل إيمانًا ظهرَ له من آيات الله في هذه المخلوقات ما لم يظْهَر لِمَن دونَه مفهوم هذا يا جماعة؟
التفسير
طيب قال الله تعالى: (( اتل ما أوحي إليك من الكتاب ) هذا مبتدأ الدرس وباقِي خمس دقائق .. نأخُذ ما تيسر، ما أخذنا بارك الله فيك؟
ومنها الردُّ على أهل الطبيعة والعياذُ بالله الذين يقولون: إنَّ السماوات والأرض ليس لَهَا خالق إنَّها أشياء تتفاعل وتتحَوَّل وتتَقَلَّب وأنَّ الخلق لا أوَّلَ له ولا نهاية.
ومنها إثبات حدوثِ السماوات والأرض وأنَّها ليست قديمة مِن أين ناخذه؟ (خلق السماوات) فهي مُوجَدَّةٌ بعد العدم وكلُّ ما سوى الله فهو موجودٌ بعد العدم.
ومنها أنَّ السماوات عِدَّة كم؟
الطالب: سبع سماوات.
الشيخ : نعم بُيِّنَ في آيات اخري في سبْع.
ومنها أيضًا أن الأرض واحدة؟
الطالب: المراد الجنس.
الشيخ : المراد الجنس طيب في القرآن ما جُمِعَتِ الأرض أبدًا أو لا؟ لكنَّه أُشير إلى جمعِها في قوله تعالى: (( الله الذي خلق سبع سماوات ومِن الأرض مثلهن )) المماثلة هنا في الوصف متعَذِّرة أو لا؟ لأنَّه ما فيه مقارنة بين السماوات والأرض إذا تعذَّرَت المماثلة في الوصف رجَعْنا إلى المماثلة في العدد، وقد جاءت السنة صريحةً في ذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (( طُوِّقَه مِن سبع أراضين )) نعم.
ومِن فوائد الآية أنَّ هذه السماوات والأرض خَلْقُها بالحَقّ ليس عبثًا ولا لهوًا ولا باطِلًا لقولِه: (( بالحق )).
ومنها أيضًا أنها مشتملةٌ على الحق فخلْقُها أصل إيجادِها بالحق وهي أيضًا مشتملة على الحَقّ، ما يمكن يحدث في السماوات والأرض شيءٌ إلا بحَقّ.
طيب مِن فوائدها أيضا اطمِئْنَانُ الإنسان لِمَا يُحْدِثُه الله في السماوات والأرض أو بعضُ الاطمئنان ما وجْهُ ذلك يا إخواني؟ هذا السؤال أنا ذكرت الفائدة فما وجهُها؟ الظاهر أنك أنت معتمد علي بليك هذا يسجل لك وتقراه؟
الطالب: ...
الشيخ : طيب ما وجهُ كونِها تبعَث على الاطمئنان؟
الطالب: بالحق
الشيخ : أنَّها بالحق كلُّ شيء يحدث ما دام عرفت أنَّه بالحق أطمَئِن ما أقول ليش حدث وليش ما حدث؟ حدث على الناس جُوع ومرض وزلَازِل وفيضانات أعرف أنَّ ذلك بالحق فأطمَئِنّ وأرضَى وأُسَلِّم، ولا راحَة في الحقيقة للإنسان إلَّا بهذا ما يمكن يستريح الإنسان إلَّا بهذا إذا آمَن بقضَاء الله وقدرِه وأنَّه حق وهو يطمئن تمامًا وإلَّا فإنه سيتكَدَّر لأنَّه ما من ساعَةٍ إلا ويجِدُ فيها ما يسُوئُه إمَّا في نفسِه أو أهلِه أو صحبِه أو بلدِه أو البلاد الإسلامية عامَّة ولا يمكن أنَّ الإنسان يطمئن ويستَقِرّ حتى يؤمِن بأنّ هذه الأشياء كلُّها حق نعم.
الطالب: والمنازعة في الأقدار
الشيخ : منازعة الأقدار بالشرع هذه واجبَة، طيب فيه أيضًا
الطالب: يعني تطمَئِن وتُنَازِع
الشيخ : اتنازع بالشرع ما هو بالقدَر
الطالب: اي بس الجمع بينهم
الشيخ : .. هذا الجمع بينهم، نحن مثلًا إذا جاءَ من القدَر ما يسوئنا ننازعُه بالشرع إذا صبرْنا ما ساءنا ذلك نعم، وهكذا منازعة القدَر بالشرع هذا شيءٌ واجِب أن تُقَابِل القدر بما يقتضِيه الشرع، لكن منازَعة القدر بالقدر هذا ما يجوز أي نعم، أنت تجيب دائمًا كلمات صوفِيَّةً ما أدري وش ..
الطالب: لا مي هي صوفية يا شيخ .... أنا اللي خلاني أجيب هذا
الشيخ : أنا ما وُدِّي أنك جبت هذا لأنه تحتاج إلى لاحظ امكن بعض الناس ينفُر مِن كلمة منازعَة والمرادُ بالمنازعة المقابلة أي نعم.
طيب مِن فوائد الآية أنَّ خلْقَ السماوات والأرض آية دالة على ما يقتَضِيه هذا المخلوق مِن صفات الله عز وجل، وقد ذكرْنا أنَّ منه ما يقتضِيه الدلالة على قدرة الله والدلالة على حكمة الله والدلالة على عزَّتِه حسب ما تقتضيه الآية.
ومنها أنه لا ينتَفِع بالآيات إلا المؤمنون لقوله: (( للمؤمنين )).
نستفيد مِن هذه الفائدة فائدة تتفَرَّع أنه كلَّما كمُلَ إيمان العبد ازدَاد انتفاعًا بالآيات، هذه الفائدة الطريق إلى الحُصُول عليها هو ما سبقَ لنا غيرُ مرَّة مِن أنَّ الحكم إذا عُلِّقَ بوصْف ازدَاد قوةً بقُوَّتِه وضعفًا بضعفِه كل حكم يعلق على وصف فإنه يزداد قوةً بقوة هذا الوصف وضعفًا بضعفه، فنقول: إذًا كلما كان الإنسان أكمَل إيمانًا ظهرَ له من آيات الله في هذه المخلوقات ما لم يظْهَر لِمَن دونَه مفهوم هذا يا جماعة؟
التفسير
طيب قال الله تعالى: (( اتل ما أوحي إليك من الكتاب ) هذا مبتدأ الدرس وباقِي خمس دقائق .. نأخُذ ما تيسر، ما أخذنا بارك الله فيك؟
قال الله تعالى : << اتل مآ أوحي إليك من الكتاب و أقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشآء والمنكر و لذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون >>
(( اتل ما أوحي إليك من الكتاب ) (اتل) يتضَمَّن التِّلاوة اللفظية والتلاوة الحُكْمية، التلاوة اللفظية أن تقرأَ القرآن، والتلاوة الحكْمِيَّة أن تأخذ بأحكامِه وهي تلاوةُ الإتباع مِن قولهم تلَا فلانٌ فلانًا ايش معنى تلَاه؟
الطالب: أي اتَّبَعه
الشيخ : أي تَبِعه فالأَمْرُ هنا بالتلاوة يشمل هذا وهذا (( الذين آتيناهم الكتاب يتلُونه حقَّ تلاوته أولئك يؤمنون به )) طيب وقوله سبحانه وتعالى: (اتل) الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام وليس موجَّهًا لكلِّ مَن يصِحُّ خطابُهُ لأنه قال: (( ما أوحي إليك )) وهذا يُخَصِّصُه بالرسول r لأنَّ غيرَه لم يُوحَ إليه ولكن مع ذلك الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام خطابٌ له وللأمة بدليل قوله تعالى: (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ))[الأحزاب:21] إلَّا ما قام الدليل على اختصاصِه به فإنَّه يُؤخَذ بالدليل كقوله تعالى: (( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا ))[الأحزاب:50] لو وقفت الآية على هذا لكان يجُوز للأمة أن تفعَل معه لكن قال: (( خالصَةً لك من دون المؤمنين )) فدل هذا على أن الخطاب الموجه للرسول r له ولأمته ما لم يُوجَد دليل على اختصاصه به، (( اتل ما أوحي إليك من الكتاب )) (ما) اسم موصول يفيد العموم، وقوله: (أوحي إليك) الوحي في اللغة هو الإعلام بسرعة وخفَاء، الإعلام بسرعة وخفَاء يُسَمَّى وحْي يعني مثلًا افْرُض أنَّك بين قوم وتريد أن تُعلم أحدًا بشيء تقول مثلًا كذا بيدك اللي عندك ما يدورن عن هذا لكن صاحبُك يدرِي يعني ما أنت بتقول: يا فلان قُم لنذهب إلى فلان هذا يسمى وحي؟ لا هذا مَا هو وحي لأنَّه واضح ولا فيه خفاء، لكن بسرعة وخفاء يُسَمّى في اللغة وحي الإعلام بسرعة وخفاء، أمَّا في الشرع فهو إعلامُ الله سبحانه وتعالى بالشرْع لأحدِ أنبيائه أو رُسُلِه هذا الوحي شرعًا وهنا المراد ايش؟ الوحي شرعًا وله مراتب ذكرها الله تعالى في سورة حم عسق الشورى نعم قال: (( ما أوحي إليك مِن الكتاب )) (مِن) هنا بيانية بيانٌ لـ(ما) في قوله: (ما أوحي إليك)، وقوله: (الكتاب) المراد به القرآن وسمي كتابًا لأنَّه يُكتَب في المصاحِف ولأنَّه مكتوبٌ في اللوح المحفوظ ولأنَّه مكتوب في أيدي الملائكة (( كلا إنها تذكرة * فمن شاء ذكرَه * في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة )) وكِتاب فِعَال بمعنى مفعُول كثيرة في اللغة العربية وأظُن الأمثلة التي مرَّت بنا لا تغِيب عن أذهانِكم الآن مثل فِراش مفرُوش غِرَاس مغْرُوس وبِناء مَبْنِيّ، طيب قال: (( ما أوحي من الكتاب وأقم الصلاة )) (أقم الصلاة) أي ايتِ بها على وجهِ الكمال لأنَ إقامة الشيء جعلُه قويمًا ليس فيه اعوجاج ولا نقْص، وقوله: (أقم الصلاة) الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنَّه يقيمُ الصلاة وأنَّه أقوَم المصَلِّين صلاة فكيف وُجِّهَ إليه الخطاب بـ(أقم الصلاة)؟ قلنا توجيهُ الخطاب إلى مَن يتَّصِفُ به المراد به الاستِمْرَار عليه لا تجدِيدُه، لأنَّه موجود لكن الاستمرار عليه مثل قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمَنُوا آمِنُوا بالله )) يا أيها الذين آمَنُوا آمِنُوا الخطاب ليس عبثًا حتى نقول: إن هذا تحصيل حاصل فالمؤمِن مؤمِن نقول المراد ايش؟ الاستمرار على ذلك، فإذا وُجِّه الخطاب أو الأمر لِمَن يتَّصِف به فالمراد الاستمْرَار عليه، وقوله سبحانه وتعالى: (أقم الصلاة) قبل قليل قلنا إن التلاوة تشمَل الإتباع والعمل بأحكامه أليس إقامة الصلاة مِن اتِّبَاعه والعمل بأحكامه؟ بلى، إذًا عطفها على قولِه: (اتل) مِن باب عطف الخاص على العام، وعطفُ الخاصّ على العام هو إيذَانٌ برفعةِ شأنِه ولا شكَّ أنَّ الصلاة أفضَلُ أعمال البدَن فلهذا خُصَّتْ بذِكرِها، ثم إنَّ عطف الخاص على العام هل معناه ذكرُه مرتين؟ أو معناه أنَّه أُفرِدَ بالذكر مِن بين العموم؟ في هذا رأيان لأهل العلم فمِنْهم مَن يقول إنَّ ذكرَ الخاص بعد العام معنَاه أنه سُلِبَتْ دلالةُ العموم بالنسبة إليه ثم أُفْرِدَ بالذكر، ومنهم مَن قال إنَّه داخِلٌ في العموم الأول ثم أُفرِد بالذكر فيكون ذُكِرَ مرتين، وكلَاهما يدل على شرفِه يعني كِلَا القولين يدُلُّ على شرف هذا المذكور لكن أيُّهما أقوى؟ الأخير أن يكون ذُكِرَ مرَّتِين مرة بالعموم ومرةً بالخصوص، تظهر الفائدة مثل لو قلت: أكرم الطلبة ومحمدًا. ومحمد من الطلبة على القول بأنَّه داخل في العموم ثم خُصَّ بالذكر نكون عرفْنا أَن هذا الرجل طالِب واسمُه محمد، أمَّا إذا قلنا نُزِع من العوم وخُصَّ بالذكر فحينئِذٍ نبحث عن محمد هذا وش هو؟ هو طالب أو غير طالب؟ ويحتَاج إلى قرينة تدُلُّ على أنَّه مِن الطلبة، والصحيح ما قلتم أنَّه أقوى أنَّ ذِكْرَ الخاص بعد العام معناه ذكرُه مرتين.
ثم قال سبحانه وتعالى معلِّلًا الأمرَ بإقامة الصلاة: (( إنَّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاء والمنكر )) وهذا التعليل هل هو تعلِيل بالنسبة للمُخاطَب أو بالنسبة للمُخاطَب به؟ خلوا بالكم يا جماعة لأنَّ المسألة فيها إشكَال التعليل هنا بالنسبة للمُخاطَب أو للمُخاطَب به؟ المـُخاطب مَن؟
الطالب: الرسول r
الشيخ : طيب والمخاطَب به؟
الطالب: الصَّلاة.
الشيخ : خاطَبَهُ بإقامة الصلاة فهَل هذا التعلِيل لإقامة الصلاة مِن حيثُ هي إقامَة أو هي تعليلٌ للمخاطَب .. متصل بالمخاطَب إذا قلنا: إنه متصل بالمخاطب صارَ المعنى إنَّ الصلاة تنهاكَ عن الفحشاء والمنكر وهذا يقتضي جواز وقوع الفحشاء والمنكر مِن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا قلنا: إنه تعليل المخاطب به يتصل بالمخاطب به والصلاة قلنا: إنَّ الصلاة مِن حيث هي صلاة تنهَى عن الفحشاء والمنكر ويكونُ هذا وصفًا صادقا بالنسبة لِمَن لغيرِ الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون هذا التعليل بالنسبة لِلمخاطب به اللي هي الصلاة لا المخَاطَب بذلك وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، لِعلمِنا أنَّه معصوم مِن الفحشاء والمنكر واضح يا جماعة؟ وهذا هو المتعَيِّن، وقوله: (( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )) تنهى (الصلاة) هنا والتي قبلَها المرَاد الصلاة الفريضة ولَّا الفريضة والتطوع؟
الطالب: الكُلّ.
الشيخ : عامّ، وقوله: (( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء )) تنهَى أي تمنَع لكن التعبير بالنهي أبلَغ مِن التعبير بالمنع فإنَّ المانع قد لا يكون مُحَذِّرًا لكن في النهي تحذِير فكأنَّ الصلاة فيها سِرٌّ يقتضِي أن يُبْعِدَ الإنسان عن الفحشاء والمنكر كأنَّها تُؤَنِّبُ ضميرَه وتقول له: ليش تفعل هذا ولِمَاذا تفعَل؟ وقوله: (( تنهى عن الفحشاء والمنكر )) الفحشاء كُلُّ ما يُسْتَفْحَش مِن المعاصي كالزنا والسرقة وشرب الخمر وقتْل النفس وما أشبهَه، والمنكر ما دون ذلك، وعطْفُ المنكرِ على الفحشاء مِن عطفِ العامّ على الخاص، لأنَّ كل فَحْشَاءَ منْكَر وليس كل منكَرٍ فحشَاء، قال المؤلف: " (( عن الفحشاء والمنكر )) شرعًا أي مِن شأنِها ذلك ما دام المرء فيها " قوله: " أي من شأنها ذلك " هذا صحيح لكن ما دامَ المرءُ فيها ليس بصحِيح بل هي تنهَى عن الفحشاء والمنكر ما دامَ فيها وما لم يدُم فيها، يعني ليس نفعُها هذا النفع خاصًّا بما إذا كان هذا الإنسان متلَبِّسًا يصَلِّي، اللي يصلي معلوم ما هو بِرَاح يفْعَل الفحشاء والمنكر لكن الفائدة العظيمة أنَّها تُؤَثِّرُ في قلبِك ما يقتضِي إبعادَك عن الفحشاء والمنكر وهذا هو الثَّمَرة والنتيجة، لا أنَّ الثمرة والنتيجة أنَّك إذا كنت تصَلِّي ما عاد تفعَل الفحشاء والمنكر فتقْيِيد المؤلف بقوله: " ما دامَ فيها " فيه نظر وليس بصواب بل هي مُطْلَقَة تنهى عن الفحشاء والمنكر بمعنى أنَّ ما يحدُث منها يُوجِبُ للقلب البُعْدَ عن الفحشاء والمنكر ووجهُ ذلك أنَّ الإنسان المصَلِّي ينَاجِي ربَّه كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينَه وبين ربِّه صلة هذه الصِّلَة تُكسِبُ القلب إيمانًا ونورًا ولهذا قال النبي r: ( الصلاةُ نورٌ ) ومعلوم أنَّ القلب إذا اكتسب النور لا يمِيل إلى الفحشاء والمنكر كلما همَّ أن يفعَل ذكرَ أنَّه قبل ساعات كان واقفًا بين يدي الله عز وجل فيخْجَل ويبتَعِد، وهذا أمْرٌ مُشَاهَد إنَّ الإنسان أحيانًا لَيَذْكُر وقوفِه في صلاةٍ لها عشرون سنة أو أكثَر صلَّى في يومٍ من الأيام صلاةً كأنَّه يرى ربَّه أن تعبدَ الله كأنَّك تراه يعني في غاية الإحسان يجِدُ طعمَ هذه الصلاة بعد حينٍ طويل يذكرُها ما يَغيب عن قلبِه هذه الذكرى لا بُدَّ أن تُؤَثِّر في نهيِ الإنسان عن الفحشاء والمنكر وهذا وجهُ قوله تعالى: (( إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ))، لكن المراد بقوله: (إن الصلاة) أي الصلاة المقامَة ما هي كل صلاة تنْهَى عن الفحشاء والمنكر والله لو صلاتنا تنهانا عن الفحشاء والمنكر كان كُلُّنا سليمِين لكُنَّا كلنا سليمين الآن نسأل الله أن يعامِلنَا بعفْوِه يدخُل الإنسان في الصلاة بقلبٍ ويخرُج بنفسِ القلب أو أسْوَأ، لأنَّه لاحظوا أنَّ العبادات إذا لم تؤثر على قلبك حُسنًا فهي ضرَر اللي ما تنفعه الآيات تضُرُّه كما قال النبي r: ( القرآنُ حجةٌ لك أو عليك ) فهذه المسألة ما أكثَر مَن يعاني منها مِن المسلمين أنه يقول: أنا ما أتأثَّر بالصلاة ولا يحضُر قلبي ولا أخشَع فما هو الدواء؟ ثم إنَّه قد يشُكّ بعض الناس في هذا الخبر وهو خبَرُ الله عز وجل صادِق، فيقول: أنا أصلي ولكن ما أشُوف أنَّها تنهاني عن الفحشاء والمنكر أصلي مع الجمَاعة في الروضة ثم أخرُج إلى دكاني وأبيع بالربا أبيع بالغِشّ أبيع بالكذب أُصَلِّي مع الإمام في الروضة ثم أجِدُ في نفسي غلًّا وحقدًا على المسلمين وكراهَةً لِبعض شرعِ الله وما أشبَه ذلك وين اللي ينهَى عن الفحشاء والمنكر؟ نقول: البلاء ما هو في الصلاة البلاء في المصَلِّي وإلَّا فأنا كلُّ مؤمن مو هو بأنا كل مؤمن يعلَم علم اليقين أنَّ الصلاة تنهَى عن الفحشاء والمنكَر لأنَّ هذا خبرُ الله عز وجل وهو صِدْق ولا يمكن لأنَّه عالم جل وعلا بكل شيء فهو سبحانه وتعالى قال ذلك عن علْم وكلامُه أصدقُ الكلام، وقوله تعالى: (( ولذكرُ الله أكبر )) قال المؤلف: " (( ولذكر الله أكبَر )) مِن غيره من الطاعات " أولًّا اللام في قولِه: (ولذكرُ الله) ما نوعُها؟ اللام لام الابتداء نعم، لأنَّ الجملة ما هي قسمِيَّة، وقوله: (ذكرُ الله) ذِكْر مصدَر مُضَاف إلى اسمِ الله فهل هو مضَافٌ إلى فاعله أو مضاف إلى مفعوله؟
الطالب: إلى مفعولِه
الشيخ : إلى مفعولِه (ولذكرُ الله أكبر) يعني: ولذِكْرُك ربَّك أكْبَر أو ولَذِكْرُ الله إياكَ بالصلاة له أكبَر مِن نهيها عن الفحشاء والمنكر؟ الأول، والثاني؟ لا .. الثاني يصح والشأنُ بذِكْرِ الله لك لا بذِكْرِكِ الله كما أنَّ الشأن بمحبة الله لك لا محَبَّتُك الله، وانظُر إلى قوله تعالى: (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
الطالب: يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
الشيخ : ولَّا (فاتبعوني تُحِبُّون الله)؟ يحبِبْكم الله هذا الشأن فالشأن أن تُذْكَر لا أن تَذْكُر وكما أنَّ هذا بالنسبة للمخلوق مع الخالق هو أيضًا بالنسبة للمخلوقين مع بعضِهم كونُك تحِبُّ فلانًا أو تذْكُر فلانًا ماذا تستفيد إذا كان فلانٌ معرضًا عنك؟ ما تستفيد إلا العَنَاء والبلاء، ولذلك قَضِيَّة بَرِيرَة مع زوجِها مغيث هو يذكُرُها لكن هي لا تذكُرُه ولا ترِيدُه، وهو يحبُّها حبًّا شديدًا فالشأن إذًا بذكر الله لك ولكن ثِقْ بأنَّك إذا ذكرْتَ الله مِن قَلْب فإنَّ ذكرَ الله لك أعظم مِن ذكرِك له (( مَن ذكرني في نفْسِه ذكرْتُه في نفسي )) ونفسُ الله تعالى أعظم مِن نفسك بلا شَكّ (( ومن ذكرَني في ملأٍ ذكرْتُه في ملأٍ دونهم ولا مثلهم؟
الطالب: خيرٍ منهم
الشيخ : خيرٍ منهم )) فأنت اذْكُر ربك حقيقة فالله يذْكُرُك ذكرًا أعظَم منه وأجلّ مِن ذكرِك إيَّاه، إذًا (( لَذِكْرُ الله أكبر )) نقول: إنَّه صالح لهذا ولهذا، وقوله: " (لذكر الله أكبر) مِن غيره مِن الطاعات " هل المراد هنا الذكرُ المنفصل عن الصلاة؟ أوِ الذكرُ الذي في الصلاة؟ نشوف كلام المؤلف وش يرَى؟
الطالب: المنفَصِل.
الشيخ : المنفصِل ظاهِرُ كلام المؤلف أنَّه الذكرُ المنفصل يعني أنَّ الصلاة تنهَى عن الفحشاء والمنكر وذكْرُ الله أعظم نهيًا عن الفحشاء والمنكَر وأكبَر، ويحتمل أن يكونَ المراد ولَذكرُ الله الموجود في الصلاة والموجُود بِها، الموجود فيها وبها كذا؟ فين الفرق يصلح (فيها وبها) ولَّا بينهم فرق؟ لا، بينَهم فرق ذكرُ الله الموجود فيها مثل التسبيح والتكبير والقِرَاءة، وذكرُ الله بها يعني ما يحصُل مِن ذِكْرِ الله بسبَبِها
الطالب: أي اتَّبَعه
الشيخ : أي تَبِعه فالأَمْرُ هنا بالتلاوة يشمل هذا وهذا (( الذين آتيناهم الكتاب يتلُونه حقَّ تلاوته أولئك يؤمنون به )) طيب وقوله سبحانه وتعالى: (اتل) الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام وليس موجَّهًا لكلِّ مَن يصِحُّ خطابُهُ لأنه قال: (( ما أوحي إليك )) وهذا يُخَصِّصُه بالرسول r لأنَّ غيرَه لم يُوحَ إليه ولكن مع ذلك الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام خطابٌ له وللأمة بدليل قوله تعالى: (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ))[الأحزاب:21] إلَّا ما قام الدليل على اختصاصِه به فإنَّه يُؤخَذ بالدليل كقوله تعالى: (( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا ))[الأحزاب:50] لو وقفت الآية على هذا لكان يجُوز للأمة أن تفعَل معه لكن قال: (( خالصَةً لك من دون المؤمنين )) فدل هذا على أن الخطاب الموجه للرسول r له ولأمته ما لم يُوجَد دليل على اختصاصه به، (( اتل ما أوحي إليك من الكتاب )) (ما) اسم موصول يفيد العموم، وقوله: (أوحي إليك) الوحي في اللغة هو الإعلام بسرعة وخفَاء، الإعلام بسرعة وخفَاء يُسَمَّى وحْي يعني مثلًا افْرُض أنَّك بين قوم وتريد أن تُعلم أحدًا بشيء تقول مثلًا كذا بيدك اللي عندك ما يدورن عن هذا لكن صاحبُك يدرِي يعني ما أنت بتقول: يا فلان قُم لنذهب إلى فلان هذا يسمى وحي؟ لا هذا مَا هو وحي لأنَّه واضح ولا فيه خفاء، لكن بسرعة وخفاء يُسَمّى في اللغة وحي الإعلام بسرعة وخفاء، أمَّا في الشرع فهو إعلامُ الله سبحانه وتعالى بالشرْع لأحدِ أنبيائه أو رُسُلِه هذا الوحي شرعًا وهنا المراد ايش؟ الوحي شرعًا وله مراتب ذكرها الله تعالى في سورة حم عسق الشورى نعم قال: (( ما أوحي إليك مِن الكتاب )) (مِن) هنا بيانية بيانٌ لـ(ما) في قوله: (ما أوحي إليك)، وقوله: (الكتاب) المراد به القرآن وسمي كتابًا لأنَّه يُكتَب في المصاحِف ولأنَّه مكتوبٌ في اللوح المحفوظ ولأنَّه مكتوب في أيدي الملائكة (( كلا إنها تذكرة * فمن شاء ذكرَه * في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة )) وكِتاب فِعَال بمعنى مفعُول كثيرة في اللغة العربية وأظُن الأمثلة التي مرَّت بنا لا تغِيب عن أذهانِكم الآن مثل فِراش مفرُوش غِرَاس مغْرُوس وبِناء مَبْنِيّ، طيب قال: (( ما أوحي من الكتاب وأقم الصلاة )) (أقم الصلاة) أي ايتِ بها على وجهِ الكمال لأنَ إقامة الشيء جعلُه قويمًا ليس فيه اعوجاج ولا نقْص، وقوله: (أقم الصلاة) الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنَّه يقيمُ الصلاة وأنَّه أقوَم المصَلِّين صلاة فكيف وُجِّهَ إليه الخطاب بـ(أقم الصلاة)؟ قلنا توجيهُ الخطاب إلى مَن يتَّصِفُ به المراد به الاستِمْرَار عليه لا تجدِيدُه، لأنَّه موجود لكن الاستمرار عليه مثل قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمَنُوا آمِنُوا بالله )) يا أيها الذين آمَنُوا آمِنُوا الخطاب ليس عبثًا حتى نقول: إن هذا تحصيل حاصل فالمؤمِن مؤمِن نقول المراد ايش؟ الاستمرار على ذلك، فإذا وُجِّه الخطاب أو الأمر لِمَن يتَّصِف به فالمراد الاستمْرَار عليه، وقوله سبحانه وتعالى: (أقم الصلاة) قبل قليل قلنا إن التلاوة تشمَل الإتباع والعمل بأحكامه أليس إقامة الصلاة مِن اتِّبَاعه والعمل بأحكامه؟ بلى، إذًا عطفها على قولِه: (اتل) مِن باب عطف الخاص على العام، وعطفُ الخاصّ على العام هو إيذَانٌ برفعةِ شأنِه ولا شكَّ أنَّ الصلاة أفضَلُ أعمال البدَن فلهذا خُصَّتْ بذِكرِها، ثم إنَّ عطف الخاص على العام هل معناه ذكرُه مرتين؟ أو معناه أنَّه أُفرِدَ بالذكر مِن بين العموم؟ في هذا رأيان لأهل العلم فمِنْهم مَن يقول إنَّ ذكرَ الخاص بعد العام معنَاه أنه سُلِبَتْ دلالةُ العموم بالنسبة إليه ثم أُفْرِدَ بالذكر، ومنهم مَن قال إنَّه داخِلٌ في العموم الأول ثم أُفرِد بالذكر فيكون ذُكِرَ مرتين، وكلَاهما يدل على شرفِه يعني كِلَا القولين يدُلُّ على شرف هذا المذكور لكن أيُّهما أقوى؟ الأخير أن يكون ذُكِرَ مرَّتِين مرة بالعموم ومرةً بالخصوص، تظهر الفائدة مثل لو قلت: أكرم الطلبة ومحمدًا. ومحمد من الطلبة على القول بأنَّه داخل في العموم ثم خُصَّ بالذكر نكون عرفْنا أَن هذا الرجل طالِب واسمُه محمد، أمَّا إذا قلنا نُزِع من العوم وخُصَّ بالذكر فحينئِذٍ نبحث عن محمد هذا وش هو؟ هو طالب أو غير طالب؟ ويحتَاج إلى قرينة تدُلُّ على أنَّه مِن الطلبة، والصحيح ما قلتم أنَّه أقوى أنَّ ذِكْرَ الخاص بعد العام معناه ذكرُه مرتين.
ثم قال سبحانه وتعالى معلِّلًا الأمرَ بإقامة الصلاة: (( إنَّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاء والمنكر )) وهذا التعليل هل هو تعلِيل بالنسبة للمُخاطَب أو بالنسبة للمُخاطَب به؟ خلوا بالكم يا جماعة لأنَّ المسألة فيها إشكَال التعليل هنا بالنسبة للمُخاطَب أو للمُخاطَب به؟ المـُخاطب مَن؟
الطالب: الرسول r
الشيخ : طيب والمخاطَب به؟
الطالب: الصَّلاة.
الشيخ : خاطَبَهُ بإقامة الصلاة فهَل هذا التعلِيل لإقامة الصلاة مِن حيثُ هي إقامَة أو هي تعليلٌ للمخاطَب .. متصل بالمخاطَب إذا قلنا: إنه متصل بالمخاطب صارَ المعنى إنَّ الصلاة تنهاكَ عن الفحشاء والمنكر وهذا يقتضي جواز وقوع الفحشاء والمنكر مِن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا قلنا: إنه تعليل المخاطب به يتصل بالمخاطب به والصلاة قلنا: إنَّ الصلاة مِن حيث هي صلاة تنهَى عن الفحشاء والمنكر ويكونُ هذا وصفًا صادقا بالنسبة لِمَن لغيرِ الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون هذا التعليل بالنسبة لِلمخاطب به اللي هي الصلاة لا المخَاطَب بذلك وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، لِعلمِنا أنَّه معصوم مِن الفحشاء والمنكر واضح يا جماعة؟ وهذا هو المتعَيِّن، وقوله: (( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )) تنهى (الصلاة) هنا والتي قبلَها المرَاد الصلاة الفريضة ولَّا الفريضة والتطوع؟
الطالب: الكُلّ.
الشيخ : عامّ، وقوله: (( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء )) تنهَى أي تمنَع لكن التعبير بالنهي أبلَغ مِن التعبير بالمنع فإنَّ المانع قد لا يكون مُحَذِّرًا لكن في النهي تحذِير فكأنَّ الصلاة فيها سِرٌّ يقتضِي أن يُبْعِدَ الإنسان عن الفحشاء والمنكر كأنَّها تُؤَنِّبُ ضميرَه وتقول له: ليش تفعل هذا ولِمَاذا تفعَل؟ وقوله: (( تنهى عن الفحشاء والمنكر )) الفحشاء كُلُّ ما يُسْتَفْحَش مِن المعاصي كالزنا والسرقة وشرب الخمر وقتْل النفس وما أشبهَه، والمنكر ما دون ذلك، وعطْفُ المنكرِ على الفحشاء مِن عطفِ العامّ على الخاص، لأنَّ كل فَحْشَاءَ منْكَر وليس كل منكَرٍ فحشَاء، قال المؤلف: " (( عن الفحشاء والمنكر )) شرعًا أي مِن شأنِها ذلك ما دام المرء فيها " قوله: " أي من شأنها ذلك " هذا صحيح لكن ما دامَ المرءُ فيها ليس بصحِيح بل هي تنهَى عن الفحشاء والمنكر ما دامَ فيها وما لم يدُم فيها، يعني ليس نفعُها هذا النفع خاصًّا بما إذا كان هذا الإنسان متلَبِّسًا يصَلِّي، اللي يصلي معلوم ما هو بِرَاح يفْعَل الفحشاء والمنكر لكن الفائدة العظيمة أنَّها تُؤَثِّرُ في قلبِك ما يقتضِي إبعادَك عن الفحشاء والمنكر وهذا هو الثَّمَرة والنتيجة، لا أنَّ الثمرة والنتيجة أنَّك إذا كنت تصَلِّي ما عاد تفعَل الفحشاء والمنكر فتقْيِيد المؤلف بقوله: " ما دامَ فيها " فيه نظر وليس بصواب بل هي مُطْلَقَة تنهى عن الفحشاء والمنكر بمعنى أنَّ ما يحدُث منها يُوجِبُ للقلب البُعْدَ عن الفحشاء والمنكر ووجهُ ذلك أنَّ الإنسان المصَلِّي ينَاجِي ربَّه كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينَه وبين ربِّه صلة هذه الصِّلَة تُكسِبُ القلب إيمانًا ونورًا ولهذا قال النبي r: ( الصلاةُ نورٌ ) ومعلوم أنَّ القلب إذا اكتسب النور لا يمِيل إلى الفحشاء والمنكر كلما همَّ أن يفعَل ذكرَ أنَّه قبل ساعات كان واقفًا بين يدي الله عز وجل فيخْجَل ويبتَعِد، وهذا أمْرٌ مُشَاهَد إنَّ الإنسان أحيانًا لَيَذْكُر وقوفِه في صلاةٍ لها عشرون سنة أو أكثَر صلَّى في يومٍ من الأيام صلاةً كأنَّه يرى ربَّه أن تعبدَ الله كأنَّك تراه يعني في غاية الإحسان يجِدُ طعمَ هذه الصلاة بعد حينٍ طويل يذكرُها ما يَغيب عن قلبِه هذه الذكرى لا بُدَّ أن تُؤَثِّر في نهيِ الإنسان عن الفحشاء والمنكر وهذا وجهُ قوله تعالى: (( إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ))، لكن المراد بقوله: (إن الصلاة) أي الصلاة المقامَة ما هي كل صلاة تنْهَى عن الفحشاء والمنكر والله لو صلاتنا تنهانا عن الفحشاء والمنكر كان كُلُّنا سليمِين لكُنَّا كلنا سليمين الآن نسأل الله أن يعامِلنَا بعفْوِه يدخُل الإنسان في الصلاة بقلبٍ ويخرُج بنفسِ القلب أو أسْوَأ، لأنَّه لاحظوا أنَّ العبادات إذا لم تؤثر على قلبك حُسنًا فهي ضرَر اللي ما تنفعه الآيات تضُرُّه كما قال النبي r: ( القرآنُ حجةٌ لك أو عليك ) فهذه المسألة ما أكثَر مَن يعاني منها مِن المسلمين أنه يقول: أنا ما أتأثَّر بالصلاة ولا يحضُر قلبي ولا أخشَع فما هو الدواء؟ ثم إنَّه قد يشُكّ بعض الناس في هذا الخبر وهو خبَرُ الله عز وجل صادِق، فيقول: أنا أصلي ولكن ما أشُوف أنَّها تنهاني عن الفحشاء والمنكر أصلي مع الجمَاعة في الروضة ثم أخرُج إلى دكاني وأبيع بالربا أبيع بالغِشّ أبيع بالكذب أُصَلِّي مع الإمام في الروضة ثم أجِدُ في نفسي غلًّا وحقدًا على المسلمين وكراهَةً لِبعض شرعِ الله وما أشبَه ذلك وين اللي ينهَى عن الفحشاء والمنكر؟ نقول: البلاء ما هو في الصلاة البلاء في المصَلِّي وإلَّا فأنا كلُّ مؤمن مو هو بأنا كل مؤمن يعلَم علم اليقين أنَّ الصلاة تنهَى عن الفحشاء والمنكَر لأنَّ هذا خبرُ الله عز وجل وهو صِدْق ولا يمكن لأنَّه عالم جل وعلا بكل شيء فهو سبحانه وتعالى قال ذلك عن علْم وكلامُه أصدقُ الكلام، وقوله تعالى: (( ولذكرُ الله أكبر )) قال المؤلف: " (( ولذكر الله أكبَر )) مِن غيره من الطاعات " أولًّا اللام في قولِه: (ولذكرُ الله) ما نوعُها؟ اللام لام الابتداء نعم، لأنَّ الجملة ما هي قسمِيَّة، وقوله: (ذكرُ الله) ذِكْر مصدَر مُضَاف إلى اسمِ الله فهل هو مضَافٌ إلى فاعله أو مضاف إلى مفعوله؟
الطالب: إلى مفعولِه
الشيخ : إلى مفعولِه (ولذكرُ الله أكبر) يعني: ولذِكْرُك ربَّك أكْبَر أو ولَذِكْرُ الله إياكَ بالصلاة له أكبَر مِن نهيها عن الفحشاء والمنكر؟ الأول، والثاني؟ لا .. الثاني يصح والشأنُ بذِكْرِ الله لك لا بذِكْرِكِ الله كما أنَّ الشأن بمحبة الله لك لا محَبَّتُك الله، وانظُر إلى قوله تعالى: (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
الطالب: يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
الشيخ : ولَّا (فاتبعوني تُحِبُّون الله)؟ يحبِبْكم الله هذا الشأن فالشأن أن تُذْكَر لا أن تَذْكُر وكما أنَّ هذا بالنسبة للمخلوق مع الخالق هو أيضًا بالنسبة للمخلوقين مع بعضِهم كونُك تحِبُّ فلانًا أو تذْكُر فلانًا ماذا تستفيد إذا كان فلانٌ معرضًا عنك؟ ما تستفيد إلا العَنَاء والبلاء، ولذلك قَضِيَّة بَرِيرَة مع زوجِها مغيث هو يذكُرُها لكن هي لا تذكُرُه ولا ترِيدُه، وهو يحبُّها حبًّا شديدًا فالشأن إذًا بذكر الله لك ولكن ثِقْ بأنَّك إذا ذكرْتَ الله مِن قَلْب فإنَّ ذكرَ الله لك أعظم مِن ذكرِك له (( مَن ذكرني في نفْسِه ذكرْتُه في نفسي )) ونفسُ الله تعالى أعظم مِن نفسك بلا شَكّ (( ومن ذكرَني في ملأٍ ذكرْتُه في ملأٍ دونهم ولا مثلهم؟
الطالب: خيرٍ منهم
الشيخ : خيرٍ منهم )) فأنت اذْكُر ربك حقيقة فالله يذْكُرُك ذكرًا أعظَم منه وأجلّ مِن ذكرِك إيَّاه، إذًا (( لَذِكْرُ الله أكبر )) نقول: إنَّه صالح لهذا ولهذا، وقوله: " (لذكر الله أكبر) مِن غيره مِن الطاعات " هل المراد هنا الذكرُ المنفصل عن الصلاة؟ أوِ الذكرُ الذي في الصلاة؟ نشوف كلام المؤلف وش يرَى؟
الطالب: المنفَصِل.
الشيخ : المنفصِل ظاهِرُ كلام المؤلف أنَّه الذكرُ المنفصل يعني أنَّ الصلاة تنهَى عن الفحشاء والمنكر وذكْرُ الله أعظم نهيًا عن الفحشاء والمنكَر وأكبَر، ويحتمل أن يكونَ المراد ولَذكرُ الله الموجود في الصلاة والموجُود بِها، الموجود فيها وبها كذا؟ فين الفرق يصلح (فيها وبها) ولَّا بينهم فرق؟ لا، بينَهم فرق ذكرُ الله الموجود فيها مثل التسبيح والتكبير والقِرَاءة، وذكرُ الله بها يعني ما يحصُل مِن ذِكْرِ الله بسبَبِها
اضيفت في - 2007-08-13