تفسير سورة العنكبوت-09b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تتمة تفسير قوله تعالى : << و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا و أنزل إليكم وإلهنا و إلهكم واحد ونحن له مسلمون >>
(( وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ))[الشورى:16] احتَج مَن ينكِر صفاتِ الله عز وجل على اختلاف مشاربِهم هل هي الخبرية أو الفعلِيَّة أو كل الصفات احتَجُّوا بشبهة قالوا: إثبات هذه الصفات يستلزِم التَّشبيه لأنَّا لا نعقل في الخارج مَن يُوصَف بهذه الصفة إلا المخلوق فيقتَضِي أن يكون الله تعالى مشابهًا للخلق إذًا يجب الإنكار فهمتم؟ ترى هذا غالِب حُجَّة أهل التعطيل كلهم على اختلاف مشاربِهم، يقولوا: ما نشاهد في الخارج. وقولهم: في الخارج يعني في الواقِع احترازًا من الفَرْض الذِّهْنِي، الفرض الذهني قد يفرض أشياء لا وجودَ لها ولَّا لا؟ يمكن الآن ذهنك يصَوِّر شخص مثلًا له آذانٌ طويلة الأُذْن طول المنارَة والاصبع عشَرَة ميل ولَّا لا؟ لكن هو موجود؟ قد لا يكون موجودًا يفرِض مثلا كلِّيَّة عامَّة اسمها الحيوانية يدخل فيها الإنسان والبعير والحصان وما أشبه ذلك كلِّيَّة عامة هل لها وُجُود في الذهن؟ في الذهن نعم ولكن في الخارج في الواقِع: لا، المهم أنَّهم يقولون: لا نجد في الخارج أي في الواقِع شيئًا مُتَّصِفًا بهذا إلَّا المخلوق فيَجِب أن ننفِي عنه هذه الصفة، غلاة الجهمية قالوا أيضًا والأسماء ننكرها لا تُثبتون أبدا إلا فاعلًا وقادرًا فقط، غلاة الجهمية يقولون: ما يمكن نثبت ولَا الأسماء حتَّى الله ما نسميه السميع ولا العليم ولا الغفور ولا الرحيم لأن هذه أسماء للمخلوق ما نُسَمِّي الله بها نسمِّيه بس فاعل وقادِر فقَط،
الطالب: ...
الشيخ : لا، لأنَّهم جبْرِيَّة يرَوْن الإنسان ما يفعَل بنفسه ولا يقْدِر على الفعل قالوا: فلمَّا انتفَت صفة الفعل والقدرة في الإنسان قلنا ما يخالف الله فاعل قادر أمَّا غير ذلك لا، ما نُثْبِت له
الطالب: ...
الشيخ : ما له إرادة الإنسان، الإنسان ما له إرادَة عندهم ولهذا يجب أنَّهم يثْبِتُوا الإرادة يعني هم مَا ذكروا إلَّا الفاعل والقادِر لكن يجب أن يُثبتوا الإرادة -في الحقيقة- لأنهم عندهم الإنسان ما يُريد، فالحاصَل أنا أقول: هل هذه حُجَّة ولَّا شبهة؟ هذه شبهة في الواقع شُبْهة ولا أسْهَل مِن إبطالِها في الحقيقة، لأنهم يقولوا: أنتم الآن تشاهدون المخلوقات بعضها تتَّفِق مع بعض في الأسماء أو لا؟ الجمَل له يد وله رِجْل والحصان له يدٌ ورِجْل والذَرَّة لها يدٌ ورجل والإنسان له يدٌ ورجل متشابِهة؟ ما هي متشابهة فإذا انتَفَى التشابُه في المخلوقات مع أنَّها كلها حادثة ومخلوقة فانتفاء التشابه بين الخالق والمخلُوق مِن باب أولَى وأقطَع وأظهَر وأبيَن، فالحاصل إني أقول: قول المؤلف " على حججه " المراد بها البراهين الصادقة والأدِلَّة القاطعة وليس كلُّ حُجَّةٍ مقبولة إلا عاد الحُجَّة مِن الله ورسوله مقبولَة بكل حال فالله الموفق.
تقَدّم أنَّ أهل الكتاب يُرادُ بهم اليهود والنصارى، وإضافَة الأهل إلى الكتاب تشمَل مَن أُوتُوه فعمِلُوا به، ومَن أوتوه ولم يعمَلُوا به، لكن أهل الكتاب حقًّا هم الذين أُوتوه وعمِلُوا به، وقوله: (( إلا بالتي هي أحسن )) تقدم أنه يُراد به الطريق المثْلَى التي يَتَوَصَّل بها إلى إفحَام الخصم، وكذلك صفة هذه المجادلة والمنازعة وتشمل الأداء والصِّيغَة أليس كذلك؟ يعني لِيُسْلَك أقرب الطرق إلى إفحَام الخصم وأقْواها في إقناعِه وإقامة الحجة عليه، وكذلك أحسَن مِن حيث الصيغة والكلام فلا يكُون بعُنْف ولا تعَنُّت وما أشبه ذلك، فيشمل الآن الطريقة التي تحصُل بها المجادَلَة اش بعد؟ والصيغة وكيفية ذلك لأنَّ هذا أقرب إلى إقناعه، لأنَّ العنف والشدة والمشاتمة والمسَابَّة لا تُحِقُّ حقًّا ولا تُبطِل باطِلًا بل هي في الحقيقة مَدْعَاةٌ للسُّخْرِيَّة مِن الغير والنُّفُور مِن المجادَلَة وهذه ينبغِي أن يتَفَطَّن لها الإنسان لأنَّ بعض الناس إذا أراد أن يُفْحِمَ خصمَه تجدُه ينفَعِل ويشْتَدّ ويخاصِم ويسُبّ هذا في الحقيقة خطَأ وهذا قد يستَعملها بعض أهل العلم ومِمَّن أراه يستعملها ابن حزم في المحلَّى عندما يتكلَّم مع مُحَاجَّة غيره تجدُه يسُبّ ويشْتم لاسيَّما على أهلِ الرأي أبِي حنيفة وأصحابِه وهذا ليس مِن الأمور الحسنة ما ينْبَغِي، وقوله تعالى: (( إلَّا الذين ظَلَمُوا منهم )) هذا مستثنى مِن قوله: (( أهلَ الكتاب إلا الذين ظلموا )) وهذا الاستثناء هل يجِب فيه النصْب أو يجُوز فيه النصب والبَدَل؟
الطالب: ...
الشيخ : لِمَاذا؟
الطالب: لأنه مسبوق بـ(لا)
الشيخ : بنهي، يعني وهو بمعنى النفي قال ابن مالك:
وبعد نفيٍ أو كنفيٍ انْتُخِب اتباع ما اتَّصَل
قال: (( إلا الذين ظلموا منهم )) بأن حارَبُوا وأبوا أن يُقِرُّوا بالجِزْية فجادلوهم بالسيف حتى يسْلِمُوا أو يُعْطُوا الجزية " نعم، تقدم أيضًا الكلام على قول المؤلف: المجادلة بآيات الله والتنبيه على حججِه وقلنا إن المجادلة بالآيات تشمَل الآيات الكونية والشرعية، نعم وقوله: (إلا الذين ظلموا منهم) قال: " بأن حاربوا وأبوا أن يُقِرُّوا بالجزية فجادِلُوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية " هؤلاء هم الذين ظلَمُوا ولعلَّ الآية أعمّ مما قالَ المؤلف ويكون المراد بالذين ظلموا الذين كابَرُوا وعانَدُوا ولم يرضَخُوا للحقِّ الذي تبيَّن فهؤلَاء لا يُجَادَلُون بالتي هي أحسن لأنه تبيَّن عنادُهم، ولكن هل الآية تدل على مُتَارَكَتِهم وأنهم يُتْرُكون أم أنّ الآية تدل على أنهم يُجَادلون بالتي هي أسوأ؟ اختلَف كلام المفسرين في هذه المسألة فمِنهم مَن قال: إلا الذين ظلموا منهم فاتركُوهم ولا تجادلوهم لأنَّه لا فائدةَ مِن جدالهم ما دام قد ظهرَ عنادُهم وظلمُهم فلا فائدة، ومنهم مَن قال -كما قال المؤلف- إلا الذين ظلموا منهم يعني فجالِدُوهم لا تجادلوهم جَالِدُوهم بالسيف حتى يُسلِمُوا أو يعطوا الجزية، وعندي أنَّ الآية تحتمل المعنَيَيْنِ جميعًا وأنه ينبغي أن تُنَزَّل على الحالين وتُستَعْمَل كُل حال بما يليق ويناسِب، حطوا بالكم فإذا كان المقام يقتضِي أن نجالِدَهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية فعَلْنا ذلك بأن يكون لَدينا مِن القوة والقدرة ما نتمَكَّنُ به من ذلك، وإذا لم يكن فينا القُدْرَة وكانت المصلحة تقتضي متاركتَهم فإنَّنا نتركهم وهذا والله أعلم هو السِّرّ في أن الله سبحانه وتعالى لم يذْكُرْ حكم هذا المستثْنَى صريحًا ما قال: إلَّا الذين ظلموا منهم فجادِلْهم بالتي هي أسوأ ولا قال: إلا الذين ظلموا منهم فلا تجادِلُوهم إطلاقًا بل جعلَ حكم هذا المستثنَى صالحًا للأمرين.
(( إلَّا الذين ظلموا منهم وقولوا )) لِمَن قَبِلَ الإقرار بالجزية إذا أخبَرُوكم بشيء مما في كتبِهم (( آمَنَّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم )) " هذه مِن تهْدِئَةِ الخصم عند المنازعَة والمحاجَّة لأنَّ بعضَ الناس إذا نَازَع أو خاصَم صار يسُبّ محَلَّ الحجة مِن خصمِه وهذا غلط يعني مثلًا افرض أنَّك تجادِلُ إنسانًا في مسألة مِن الفقه فقال لك هذا المنازع: إنَّه قاله فلان في الكتاب الفلاني بعض الناس يصُبّ جامَ السَّبِّ والغضَب على هذا الكتاب وهذا خطَأ ما ينبغي هذا العمل لأنَّ هذه قضية عاجِز إنما هَدِّئْ بالك وقرِّر وإذا كان ما احتَجَّ به مما يُقْبَل فاقبَلْه وليس كل ما يقبل في شيء يُقبل في جميع الأشياء فهنا نقول لهؤلاء المجادلين مِن أهل الكتاب: آمنَّا بالذي أنزل إلينا وهو القرآن، وأُنزل إليكم: وهو التوراة إذا كانوا مِن اليهود أو الإنجيل إذا كانوا مِن النصارى، فنحن لا ننكر ما أُنزل إليكم نقول: هو حق لكن نؤمن أيضًا بما أنزل إلينا ونقول: إنَّه حق وإذا آمنا بهذا وبهذا صار الحكم لأَيِّهما؟ لِمَا نَزَلَ أخيرًا وهو القرآن لأنَّه ناسخ وحينئِذٍ يكون في قولِنا هذا أولًّا تهدِئَة لهم ولِنفوسِهم، وثانيًا إلزامٌ لهم بالإيمان بما أُنزِل إلينا لأنَّ الإنسان -مهما كان- بَشَر فإذا قيل له أنا آمنْتُ بما أُنزِل إليك فآمِن بما أُنزِل إليّ سيأخذه الخجَل والفشل وربما يُوافِق يقول: كيف هذا الرجل يؤمِن بما أُنزِل إلي وما أُنزل إليه وأنا أُكَذِّب بما أنزل إليه فيكون في هذا مصلحَة مِن وجهين: أولًّا تهدئَتُه وثانيًا إلزامُه بالإيمان بما أُنزِلَ إليَّ كما أنني أنا مؤمِنٌ بما أنزل إليه وهذه في الحقيقة مِن المجادَلَة بالتي هي أحسن، وقوله: (آمنا بالذي أنزل إلينا) (قولوا آمنا) كلَّما جاء الأمر بالقول فالمراد به القول باللسان بعد الإقرار بالجَنَان لأنَّ مُجَرَّد القول باللسان لا يكُون إيمانًا كما قال الله تعالى: (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ))[البقرة:8] فالإيمانُ الذي لا يتطَابَقُ فيه القلب واللسان هذا ليس بإيمان هذا نِفَاق والعياذ بالله فلا بد مِن القول باللسان بعد الاعترَاف بالجنان، وقوله: (( آمنا بالذي أنزل إلينا وأُنزل إليكم )) هذا مِن بلاغة القرآن لم يقل: وما قلتم أو وما جئتم به قال: (والذي أنزل إليكم) لِمَاذا لم يعبِّر بالأول؟ لأنَّ لديهم مِن التحريف والتبْدِيل ما لا يُمكِنُ معه أن نقبَل كلَّ ما جاءوا به لكن نُؤمِن بأي شيء؟ بالمنزل إليهم أمَّا بما جاءُوا به فهم قد حرُّفوا وكذَّبُوا ولِهذا جاء في الحديث الصحيح: ( لا تُصَدِّقُوهم ولا تكذِّبُوهم وقولوا آمَّنا ) بهذا اللفظ في البخاري ( وقولُوا آمنا بالذي أُنزِلَ إلينا وأنزل إليكم ) فنحن مؤمنون بالمنَزَّل لا بالمبَدَّل، المبَدَّل ما نؤمن به إنَّما نؤمن بالـمُنَزَّل، وصفةُ الإيمان بما أنزل إلينا هل هُو كصفَة الإيمان بما أنزل إليهم؟ لا، لأن إيمانَنا بما أُنزل إلينا مُلْزِمٌ بالإتباع، وإيمانُنا بما أنزل إليهم ليس مُلزِمًا فإذا وُجِد في شرعنا ما يُخَالِفُ شرعَهم فالمتَّبَع شرعُنا لكنَّنا نؤمن بأنَّ ما نزل إليهم مِن عند الله وأنَّه حق وأنَّه يجِب عليهم اتباعُه في حال قيامه وعدم نسخِه، وقوله: (بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم) مِن أي أحد؟ مِن الله عز وجل لأنَّ جميع الكتب المنزَّلَة على الأنبياء مِن الله.
ثانيًا: (( وإلهُنا وإلهُكُم واحد )) أي معبودُنا لأن (إله) بمعنى مألُوه والمألوه بمعنَى المعبُود وهو يُطلق على المعبود بحقّ يا حسين! وعلى المعبود بغير حَقّ، لكن الله وحدَه هو المعبود بحق وما عداه فمعْبُودٌ بالباطل، قال الله تعالى: ((ذلك أن الله هو الحقُّ وأنَّ ما يدعون مِن دونِه هو الباطل )) إذًا هذه الأصنام تُسَمَّى آلِهَة ولكنَّ أُلُوهِيَّتها باطلةٌ شرعًا ولهذا صحَّ النفي في قوله: (لا إله إلا الله) صحَّ النفي فهذا النفي لا يعنِي أنَّه ما يُوجَد إله في الكون إلا الله، يوجد إله لكن إلهٌ باطل، ما عدا الله سبحانَه وتعالى فأُلوهيته باطلة
الطالب: ...
الشيخ : لا، لأنَّهم جبْرِيَّة يرَوْن الإنسان ما يفعَل بنفسه ولا يقْدِر على الفعل قالوا: فلمَّا انتفَت صفة الفعل والقدرة في الإنسان قلنا ما يخالف الله فاعل قادر أمَّا غير ذلك لا، ما نُثْبِت له
الطالب: ...
الشيخ : ما له إرادة الإنسان، الإنسان ما له إرادَة عندهم ولهذا يجب أنَّهم يثْبِتُوا الإرادة يعني هم مَا ذكروا إلَّا الفاعل والقادِر لكن يجب أن يُثبتوا الإرادة -في الحقيقة- لأنهم عندهم الإنسان ما يُريد، فالحاصَل أنا أقول: هل هذه حُجَّة ولَّا شبهة؟ هذه شبهة في الواقع شُبْهة ولا أسْهَل مِن إبطالِها في الحقيقة، لأنهم يقولوا: أنتم الآن تشاهدون المخلوقات بعضها تتَّفِق مع بعض في الأسماء أو لا؟ الجمَل له يد وله رِجْل والحصان له يدٌ ورِجْل والذَرَّة لها يدٌ ورجل والإنسان له يدٌ ورجل متشابِهة؟ ما هي متشابهة فإذا انتَفَى التشابُه في المخلوقات مع أنَّها كلها حادثة ومخلوقة فانتفاء التشابه بين الخالق والمخلُوق مِن باب أولَى وأقطَع وأظهَر وأبيَن، فالحاصل إني أقول: قول المؤلف " على حججه " المراد بها البراهين الصادقة والأدِلَّة القاطعة وليس كلُّ حُجَّةٍ مقبولة إلا عاد الحُجَّة مِن الله ورسوله مقبولَة بكل حال فالله الموفق.
تقَدّم أنَّ أهل الكتاب يُرادُ بهم اليهود والنصارى، وإضافَة الأهل إلى الكتاب تشمَل مَن أُوتُوه فعمِلُوا به، ومَن أوتوه ولم يعمَلُوا به، لكن أهل الكتاب حقًّا هم الذين أُوتوه وعمِلُوا به، وقوله: (( إلا بالتي هي أحسن )) تقدم أنه يُراد به الطريق المثْلَى التي يَتَوَصَّل بها إلى إفحَام الخصم، وكذلك صفة هذه المجادلة والمنازعة وتشمل الأداء والصِّيغَة أليس كذلك؟ يعني لِيُسْلَك أقرب الطرق إلى إفحَام الخصم وأقْواها في إقناعِه وإقامة الحجة عليه، وكذلك أحسَن مِن حيث الصيغة والكلام فلا يكُون بعُنْف ولا تعَنُّت وما أشبه ذلك، فيشمل الآن الطريقة التي تحصُل بها المجادَلَة اش بعد؟ والصيغة وكيفية ذلك لأنَّ هذا أقرب إلى إقناعه، لأنَّ العنف والشدة والمشاتمة والمسَابَّة لا تُحِقُّ حقًّا ولا تُبطِل باطِلًا بل هي في الحقيقة مَدْعَاةٌ للسُّخْرِيَّة مِن الغير والنُّفُور مِن المجادَلَة وهذه ينبغِي أن يتَفَطَّن لها الإنسان لأنَّ بعض الناس إذا أراد أن يُفْحِمَ خصمَه تجدُه ينفَعِل ويشْتَدّ ويخاصِم ويسُبّ هذا في الحقيقة خطَأ وهذا قد يستَعملها بعض أهل العلم ومِمَّن أراه يستعملها ابن حزم في المحلَّى عندما يتكلَّم مع مُحَاجَّة غيره تجدُه يسُبّ ويشْتم لاسيَّما على أهلِ الرأي أبِي حنيفة وأصحابِه وهذا ليس مِن الأمور الحسنة ما ينْبَغِي، وقوله تعالى: (( إلَّا الذين ظَلَمُوا منهم )) هذا مستثنى مِن قوله: (( أهلَ الكتاب إلا الذين ظلموا )) وهذا الاستثناء هل يجِب فيه النصْب أو يجُوز فيه النصب والبَدَل؟
الطالب: ...
الشيخ : لِمَاذا؟
الطالب: لأنه مسبوق بـ(لا)
الشيخ : بنهي، يعني وهو بمعنى النفي قال ابن مالك:
وبعد نفيٍ أو كنفيٍ انْتُخِب اتباع ما اتَّصَل
قال: (( إلا الذين ظلموا منهم )) بأن حارَبُوا وأبوا أن يُقِرُّوا بالجِزْية فجادلوهم بالسيف حتى يسْلِمُوا أو يُعْطُوا الجزية " نعم، تقدم أيضًا الكلام على قول المؤلف: المجادلة بآيات الله والتنبيه على حججِه وقلنا إن المجادلة بالآيات تشمَل الآيات الكونية والشرعية، نعم وقوله: (إلا الذين ظلموا منهم) قال: " بأن حاربوا وأبوا أن يُقِرُّوا بالجزية فجادِلُوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية " هؤلاء هم الذين ظلَمُوا ولعلَّ الآية أعمّ مما قالَ المؤلف ويكون المراد بالذين ظلموا الذين كابَرُوا وعانَدُوا ولم يرضَخُوا للحقِّ الذي تبيَّن فهؤلَاء لا يُجَادَلُون بالتي هي أحسن لأنه تبيَّن عنادُهم، ولكن هل الآية تدل على مُتَارَكَتِهم وأنهم يُتْرُكون أم أنّ الآية تدل على أنهم يُجَادلون بالتي هي أسوأ؟ اختلَف كلام المفسرين في هذه المسألة فمِنهم مَن قال: إلا الذين ظلموا منهم فاتركُوهم ولا تجادلوهم لأنَّه لا فائدةَ مِن جدالهم ما دام قد ظهرَ عنادُهم وظلمُهم فلا فائدة، ومنهم مَن قال -كما قال المؤلف- إلا الذين ظلموا منهم يعني فجالِدُوهم لا تجادلوهم جَالِدُوهم بالسيف حتى يُسلِمُوا أو يعطوا الجزية، وعندي أنَّ الآية تحتمل المعنَيَيْنِ جميعًا وأنه ينبغي أن تُنَزَّل على الحالين وتُستَعْمَل كُل حال بما يليق ويناسِب، حطوا بالكم فإذا كان المقام يقتضِي أن نجالِدَهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية فعَلْنا ذلك بأن يكون لَدينا مِن القوة والقدرة ما نتمَكَّنُ به من ذلك، وإذا لم يكن فينا القُدْرَة وكانت المصلحة تقتضي متاركتَهم فإنَّنا نتركهم وهذا والله أعلم هو السِّرّ في أن الله سبحانه وتعالى لم يذْكُرْ حكم هذا المستثْنَى صريحًا ما قال: إلَّا الذين ظلموا منهم فجادِلْهم بالتي هي أسوأ ولا قال: إلا الذين ظلموا منهم فلا تجادِلُوهم إطلاقًا بل جعلَ حكم هذا المستثنَى صالحًا للأمرين.
(( إلَّا الذين ظلموا منهم وقولوا )) لِمَن قَبِلَ الإقرار بالجزية إذا أخبَرُوكم بشيء مما في كتبِهم (( آمَنَّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم )) " هذه مِن تهْدِئَةِ الخصم عند المنازعَة والمحاجَّة لأنَّ بعضَ الناس إذا نَازَع أو خاصَم صار يسُبّ محَلَّ الحجة مِن خصمِه وهذا غلط يعني مثلًا افرض أنَّك تجادِلُ إنسانًا في مسألة مِن الفقه فقال لك هذا المنازع: إنَّه قاله فلان في الكتاب الفلاني بعض الناس يصُبّ جامَ السَّبِّ والغضَب على هذا الكتاب وهذا خطَأ ما ينبغي هذا العمل لأنَّ هذه قضية عاجِز إنما هَدِّئْ بالك وقرِّر وإذا كان ما احتَجَّ به مما يُقْبَل فاقبَلْه وليس كل ما يقبل في شيء يُقبل في جميع الأشياء فهنا نقول لهؤلاء المجادلين مِن أهل الكتاب: آمنَّا بالذي أنزل إلينا وهو القرآن، وأُنزل إليكم: وهو التوراة إذا كانوا مِن اليهود أو الإنجيل إذا كانوا مِن النصارى، فنحن لا ننكر ما أُنزل إليكم نقول: هو حق لكن نؤمن أيضًا بما أنزل إلينا ونقول: إنَّه حق وإذا آمنا بهذا وبهذا صار الحكم لأَيِّهما؟ لِمَا نَزَلَ أخيرًا وهو القرآن لأنَّه ناسخ وحينئِذٍ يكون في قولِنا هذا أولًّا تهدِئَة لهم ولِنفوسِهم، وثانيًا إلزامٌ لهم بالإيمان بما أُنزِل إلينا لأنَّ الإنسان -مهما كان- بَشَر فإذا قيل له أنا آمنْتُ بما أُنزِل إليك فآمِن بما أُنزِل إليّ سيأخذه الخجَل والفشل وربما يُوافِق يقول: كيف هذا الرجل يؤمِن بما أُنزِل إلي وما أُنزل إليه وأنا أُكَذِّب بما أنزل إليه فيكون في هذا مصلحَة مِن وجهين: أولًّا تهدئَتُه وثانيًا إلزامُه بالإيمان بما أُنزِلَ إليَّ كما أنني أنا مؤمِنٌ بما أنزل إليه وهذه في الحقيقة مِن المجادَلَة بالتي هي أحسن، وقوله: (آمنا بالذي أنزل إلينا) (قولوا آمنا) كلَّما جاء الأمر بالقول فالمراد به القول باللسان بعد الإقرار بالجَنَان لأنَّ مُجَرَّد القول باللسان لا يكُون إيمانًا كما قال الله تعالى: (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ))[البقرة:8] فالإيمانُ الذي لا يتطَابَقُ فيه القلب واللسان هذا ليس بإيمان هذا نِفَاق والعياذ بالله فلا بد مِن القول باللسان بعد الاعترَاف بالجنان، وقوله: (( آمنا بالذي أنزل إلينا وأُنزل إليكم )) هذا مِن بلاغة القرآن لم يقل: وما قلتم أو وما جئتم به قال: (والذي أنزل إليكم) لِمَاذا لم يعبِّر بالأول؟ لأنَّ لديهم مِن التحريف والتبْدِيل ما لا يُمكِنُ معه أن نقبَل كلَّ ما جاءوا به لكن نُؤمِن بأي شيء؟ بالمنزل إليهم أمَّا بما جاءُوا به فهم قد حرُّفوا وكذَّبُوا ولِهذا جاء في الحديث الصحيح: ( لا تُصَدِّقُوهم ولا تكذِّبُوهم وقولوا آمَّنا ) بهذا اللفظ في البخاري ( وقولُوا آمنا بالذي أُنزِلَ إلينا وأنزل إليكم ) فنحن مؤمنون بالمنَزَّل لا بالمبَدَّل، المبَدَّل ما نؤمن به إنَّما نؤمن بالـمُنَزَّل، وصفةُ الإيمان بما أنزل إلينا هل هُو كصفَة الإيمان بما أنزل إليهم؟ لا، لأن إيمانَنا بما أُنزل إلينا مُلْزِمٌ بالإتباع، وإيمانُنا بما أنزل إليهم ليس مُلزِمًا فإذا وُجِد في شرعنا ما يُخَالِفُ شرعَهم فالمتَّبَع شرعُنا لكنَّنا نؤمن بأنَّ ما نزل إليهم مِن عند الله وأنَّه حق وأنَّه يجِب عليهم اتباعُه في حال قيامه وعدم نسخِه، وقوله: (بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم) مِن أي أحد؟ مِن الله عز وجل لأنَّ جميع الكتب المنزَّلَة على الأنبياء مِن الله.
ثانيًا: (( وإلهُنا وإلهُكُم واحد )) أي معبودُنا لأن (إله) بمعنى مألُوه والمألوه بمعنَى المعبُود وهو يُطلق على المعبود بحقّ يا حسين! وعلى المعبود بغير حَقّ، لكن الله وحدَه هو المعبود بحق وما عداه فمعْبُودٌ بالباطل، قال الله تعالى: ((ذلك أن الله هو الحقُّ وأنَّ ما يدعون مِن دونِه هو الباطل )) إذًا هذه الأصنام تُسَمَّى آلِهَة ولكنَّ أُلُوهِيَّتها باطلةٌ شرعًا ولهذا صحَّ النفي في قوله: (لا إله إلا الله) صحَّ النفي فهذا النفي لا يعنِي أنَّه ما يُوجَد إله في الكون إلا الله، يوجد إله لكن إلهٌ باطل، ما عدا الله سبحانَه وتعالى فأُلوهيته باطلة
1 - تتمة تفسير قوله تعالى : << و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا و أنزل إليكم وإلهنا و إلهكم واحد ونحن له مسلمون >> أستمع حفظ
بما أن الله سمى الأصنام آلهة هل يصح أن نقول أنه لا إله موجود إلا الله ؟.
الطالب: .......
الشيخ : سبق أنها ما تُسَمَّى آلِهَة حقًّا تُسمى آلهة بالباطل فقد سمَّاها الله آلهة، والرسل أيضًا سمّوها آلهة نعم فهي آلهة ولكنَّها باطلة ومِن أجل بطلانِها صحّ النفي في قوله: (لا إله إلا الله).
الطالب: ......
الشيخ : لا، نُقَدِّر لا إلهَ حقٌّ خبر المبتدأ محذوف التقدير حقٌّ إلا الله.
الطالب: يجوز أقول لا إله موجود ونجعل تلك الآلهة مجرَّد أسماء؟
الشيخ : لا، لا، ما يصح، لأننا لو قدَّرْنا هذا التقدير هذا قدَّرَه بعضهم وقالوا: إن التقدير لا إله موجود لكن لو قُلنا بهذا لاحتَجَّ المشركون علينا وقالوا إذا كنتم تقولون: هذه ليست آلهة إذًا فلسنا بمشركين لأنَّنا ما عبدنا إلهًا وهذا باطِل فالواجِب أن نُقَدِّر لا إله حقٌّ إلا الله وهذا صرِيح القرآن فالله سماها آلهة فقال: (( ولا تدعُ مع الله إلهًا آخَر )) سماهُ إلها وهذا ما فيه محاجَّة للمشركين حتى نقول هذا مِن باب التَّنَزُّل مع الخصم، وقال إبراهيم لقومه: (( أئِفْكًا آلهةً دون الله تريدون ))، وقال الرجل الصالح -لقومه- الناصح: (( ءَأَتَّخِذُ مِن دونِه آلهةً إن يُرِدْنِ الرحمنُ بِضُرّ )) فاتَّفق على ذلك الوحي المنزَّل وكلامُ الرسل وكلام الصالحين نعم
الشيخ : سبق أنها ما تُسَمَّى آلِهَة حقًّا تُسمى آلهة بالباطل فقد سمَّاها الله آلهة، والرسل أيضًا سمّوها آلهة نعم فهي آلهة ولكنَّها باطلة ومِن أجل بطلانِها صحّ النفي في قوله: (لا إله إلا الله).
الطالب: ......
الشيخ : لا، نُقَدِّر لا إلهَ حقٌّ خبر المبتدأ محذوف التقدير حقٌّ إلا الله.
الطالب: يجوز أقول لا إله موجود ونجعل تلك الآلهة مجرَّد أسماء؟
الشيخ : لا، لا، ما يصح، لأننا لو قدَّرْنا هذا التقدير هذا قدَّرَه بعضهم وقالوا: إن التقدير لا إله موجود لكن لو قُلنا بهذا لاحتَجَّ المشركون علينا وقالوا إذا كنتم تقولون: هذه ليست آلهة إذًا فلسنا بمشركين لأنَّنا ما عبدنا إلهًا وهذا باطِل فالواجِب أن نُقَدِّر لا إله حقٌّ إلا الله وهذا صرِيح القرآن فالله سماها آلهة فقال: (( ولا تدعُ مع الله إلهًا آخَر )) سماهُ إلها وهذا ما فيه محاجَّة للمشركين حتى نقول هذا مِن باب التَّنَزُّل مع الخصم، وقال إبراهيم لقومه: (( أئِفْكًا آلهةً دون الله تريدون ))، وقال الرجل الصالح -لقومه- الناصح: (( ءَأَتَّخِذُ مِن دونِه آلهةً إن يُرِدْنِ الرحمنُ بِضُرّ )) فاتَّفق على ذلك الوحي المنزَّل وكلامُ الرسل وكلام الصالحين نعم
تتمة تفسير قوله تعالى :<<.... وإلهنا و إلهكم واحد ونحن له مسلمون >>
قال (( وإلهُنا )) إذًا (إله) بمعنى مألوه والصيغة هذه (إله) بمعنى مفعُول كثيرة في اللغة العربية ومنها الغِرَاس والبناء والفِراش وما أشبهها وقوله: (( وإلهنا وإلهكُم واحِدٌ )) هذا في مخاطبة اليهود واضِح لكن في مخاطبة النصارى كيف يصِحّ أن نقول: وإلهنا وإلهكم واحد وهم يعبُدون المسِيح ويرونَه إله ويقولون: إنّ الله ثالث ثلاثة؟
الطالب: ...
الشيخ : معنى ذلك أنَّنَا ُنُنْكر أن يكون الإلَه متعَدِّدًا ونلزِمُهم بذلك لأنَّ النصارى يقول الله عز وجل إنَّه يقول يوم القيامة لعيسى ابن مريم: (( ءَأنت قلت للناس اتَّخِذُوني وأمي إلهين مِن دون الله )) الله يعلم أنَّه ما قال هذا لكن مِن أجْل إبطَال دعْوَى قومه وإلزامِهم بالحُجَّة قال: (( سبحانَك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحَقّ إن كنت قلتُه فقد علمته تعلَمُ ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك )) (( ما قلت لهم إلا ما أمرتَني به أن اعبدوا الله ربي وربكم )) وقوله: (وإلهنا وإلهكم واحد) هذا فيه أيضًا إلزامٌ لهم بالقَبُول، إذا كان الإلَهُ واحِدًا ونَزَّل الكتاب السابق ثم نزَّل الكتاب المهَيْمِن اللاحق فما الواجب علينا وعليكم؟ اتِّبَاع هذا الذي نزَل مِن عند الله المتَّفَق عليه بيننا وبينَكم، نعم مثل ما لو قال قائل ولله المثل الأعلى لكن على سبيل التقريب: الملِك واحِد أمرَنا بأمْر وأمرَكْم بأمر فالواجبُ علينا جميعًا ما دمنا نعتَرِف بأنَّه هو الملك على الجميع وش الواجب؟ الطاعة كلٌّ يطيعه فيما أُمِرَ به فأنتم أُمِرْتم بشيء ثم نُسِخَ هذا الأمر إلى هذا الأمر الثاني مِن إلهٍ واحد فالواجب علينا جميعًا أن ننصاَع تحت أمر هذا الإله الواحد،
وقولُه: (( ونحن له مسلمون )) نحن أي وأنتُم؟ لا، نحن وحدنا، ونحنُ له أي لهذا الإله الواحد مُسْلِمُون وتقديم المعمول يُفيد الحصر يعني لَه لا لِغيرِه مسلمون، والمراد بالإسلام هنا الاستِسْلام ظاهرًا وباطنًا، والاستسلام ظاهرا واضح {يرحمك الله} أن يقُوم الإنسان بالأعمَال الظَّاهرة كالصَّلاة والزَّكاة والصوم والحج، والاستسلام باطنا إخلاص النية لله عز وجل قال الله تعالى: (( بلى مَن أسلم وجهَه لله وهو مُحسِن )) إسلامُ الوجه إسلام القصد، وهو مُحسِن بالعمل الصالح عمَلِ الجوارح، فقوله: (له مسلمون) المراد به الاستسلام ظاهرًا وباطنًا، ولهذا فسَّرَ العلماء الإسلام بأنَّه الاستسلام لله ظاهرًا وباطنًا، وقوله: (ونحن له مسلِمُون) يعني وأمَّا أنتم؟
الطالب: ..
الشيخ : فمعناه أنكم لم تُسلِمُوا له وإنَّما أسلمتم لأهوائِكم، وهكذا يجب على كل مؤمن أن يكون مسلمًا لله وحدَه مخلصًا له ظاهرًا وباطنًا، قال المؤلف: " مُطِيعُون " ففَسَّر الإسلام بالطَّاعَة والطَّاعَةُ هي مُوَافَقَة الآمِر أو الناهِي بما يُرِيد يعني أنَّها فعلُ المأمور وترك المحظُور على الوجه الذي قُصِد مِن الآمِر أو الناهي نعم
الطالب: ...
الشيخ : معنى ذلك أنَّنَا ُنُنْكر أن يكون الإلَه متعَدِّدًا ونلزِمُهم بذلك لأنَّ النصارى يقول الله عز وجل إنَّه يقول يوم القيامة لعيسى ابن مريم: (( ءَأنت قلت للناس اتَّخِذُوني وأمي إلهين مِن دون الله )) الله يعلم أنَّه ما قال هذا لكن مِن أجْل إبطَال دعْوَى قومه وإلزامِهم بالحُجَّة قال: (( سبحانَك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحَقّ إن كنت قلتُه فقد علمته تعلَمُ ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك )) (( ما قلت لهم إلا ما أمرتَني به أن اعبدوا الله ربي وربكم )) وقوله: (وإلهنا وإلهكم واحد) هذا فيه أيضًا إلزامٌ لهم بالقَبُول، إذا كان الإلَهُ واحِدًا ونَزَّل الكتاب السابق ثم نزَّل الكتاب المهَيْمِن اللاحق فما الواجب علينا وعليكم؟ اتِّبَاع هذا الذي نزَل مِن عند الله المتَّفَق عليه بيننا وبينَكم، نعم مثل ما لو قال قائل ولله المثل الأعلى لكن على سبيل التقريب: الملِك واحِد أمرَنا بأمْر وأمرَكْم بأمر فالواجبُ علينا جميعًا ما دمنا نعتَرِف بأنَّه هو الملك على الجميع وش الواجب؟ الطاعة كلٌّ يطيعه فيما أُمِرَ به فأنتم أُمِرْتم بشيء ثم نُسِخَ هذا الأمر إلى هذا الأمر الثاني مِن إلهٍ واحد فالواجب علينا جميعًا أن ننصاَع تحت أمر هذا الإله الواحد،
وقولُه: (( ونحن له مسلمون )) نحن أي وأنتُم؟ لا، نحن وحدنا، ونحنُ له أي لهذا الإله الواحد مُسْلِمُون وتقديم المعمول يُفيد الحصر يعني لَه لا لِغيرِه مسلمون، والمراد بالإسلام هنا الاستِسْلام ظاهرًا وباطنًا، والاستسلام ظاهرا واضح {يرحمك الله} أن يقُوم الإنسان بالأعمَال الظَّاهرة كالصَّلاة والزَّكاة والصوم والحج، والاستسلام باطنا إخلاص النية لله عز وجل قال الله تعالى: (( بلى مَن أسلم وجهَه لله وهو مُحسِن )) إسلامُ الوجه إسلام القصد، وهو مُحسِن بالعمل الصالح عمَلِ الجوارح، فقوله: (له مسلمون) المراد به الاستسلام ظاهرًا وباطنًا، ولهذا فسَّرَ العلماء الإسلام بأنَّه الاستسلام لله ظاهرًا وباطنًا، وقوله: (ونحن له مسلِمُون) يعني وأمَّا أنتم؟
الطالب: ..
الشيخ : فمعناه أنكم لم تُسلِمُوا له وإنَّما أسلمتم لأهوائِكم، وهكذا يجب على كل مؤمن أن يكون مسلمًا لله وحدَه مخلصًا له ظاهرًا وباطنًا، قال المؤلف: " مُطِيعُون " ففَسَّر الإسلام بالطَّاعَة والطَّاعَةُ هي مُوَافَقَة الآمِر أو الناهِي بما يُرِيد يعني أنَّها فعلُ المأمور وترك المحظُور على الوجه الذي قُصِد مِن الآمِر أو الناهي نعم
ما الفرق بين الإسلام والإيمان ؟
الطالب: ....
الشيخ : الإسلام والإيمان إذا أُفرِدَ أحدهما شمَل الآخَر فالإسلام عند ذكرِه وحدَه يشمَل الإيمان، والإيمان عند ذكرِه وحده أيضًا يشمَل الإسلَام، وإذا قُرِنا صَارَ الإِيمَان في الباطِن والإسلَام في الظاهر (( قالت الأعراب آمَنَّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسْلَمْنَا ولَمَّا يدْخُلِ الإيمان في قلوبكم ))
الشيخ : الإسلام والإيمان إذا أُفرِدَ أحدهما شمَل الآخَر فالإسلام عند ذكرِه وحدَه يشمَل الإيمان، والإيمان عند ذكرِه وحده أيضًا يشمَل الإسلَام، وإذا قُرِنا صَارَ الإِيمَان في الباطِن والإسلَام في الظاهر (( قالت الأعراب آمَنَّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسْلَمْنَا ولَمَّا يدْخُلِ الإيمان في قلوبكم ))
قال الله تعالى :<< وكذلك أنزلنآ إليك الكتاب فالذين ءاتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلآء من يؤمن وما يجحد بآياتنآ إلا الكافرون >>
قال الله تعالى: (( وكذلك أنزلنا إليك الكتاب )) القُرْآن كما أنزلنا إليهم التوراة وغيرَها " و(كذلك) هذه دائمًا تقَع في القرآن كثيرًا ما يُعَبِّر الله سبحانه وتعالى بها وقَد مرَّ علينا إعرابُها ولا أظُنُّكم نسِيتم ذلك، نعم، مَن مِنكم يعرف ..؟ إبراهيم! وليد! عصام! طيب ناخُد بالوسط ... اللام؟
الطالب: .......
الشيخ : حرف خطَاب طيِّب الظاهر أنَّ جماعتنا لا يوافقونك نعم؟
الطالب: ..... اسم إشارة .........
الشيخ : .... كذلك
الطالب: الكاف اسمٌ بمعنى مثل مضاف و(ذا) مضاف إليه
الشيخ : طيب وش محله مِن الإعراب؟ اسم بمعنى مثل وش محله مِن الإعراب؟
الطالب: منصوب على المفعولية المطلقة
الشيخ : صح، محله من الإعراب النَّصب على المفْعُولية المطلقة التقدير: ومثلَ ذلك الإنزال أنزلْنَا إليك الكتاب
الطالب: ..
الشيخ : لا (إلهًا) أعربوها على أنَّها مفعول مطلق اسم بمعنى مِثْل مفعول مطلق لِفعل محذوف تقديرُه: مثْل ذلك الإنزال الذي نَزَل عليهم أنْزَلْنَا إليك الكتاب، وكثير هذا في القرآن مثل (( وكذلك يفعلون )) أي ومثل ذلك الفعل يفْعَلُون وربَّما يكون أيضًا .. في الآيات الأخيرة هذه قد يكُون مفعولًا به مقدَّمًا.
قال: (( وكذلك أنزلنا إليك الكتاب )) الخطَاب في قوله: (إليك) لِلنبي صلى الله عليه وسلم و(أنزلْنَا) أضافَه الله إليه لأنَّه كلامُه فالقرآن كلام الله لفظًا ومعنًى هذا الذي عليه أهل السنة والجماعة وهو الذي دَلَّ عليه القرآن والسنة وإجماعُ الأئمة، وهو مخالِف لقولِ الأشاعرة: إنَّ القرآن كلام الله معنًى لا لَفظًا وأنَّ هذه الحروف مَخلُوقَة خلقَها الله سبحانه وتعالى لتكونَ حكايَة أو عبارَة عن كلامِه أمَّا أنه أنَّها هي كلامه فلَا، ويجعلون الكلام هو المعنَى القائم بِالنفس، والغريب أيضًا أنهم يقولون: إنَّه قديم يعني لا يتجَدَّد وأنَّه في معنًى واحد، وأنَّ (قُلْ) مثل هَل ، وأنَّ الخبر مثل الأمْر، وأنَّ التوراة والإنجيل والقرآن وسائر ما يتكلم الله به شيءٌ واحدٌ وكل هذا تصَوُّره كافٍ في رَدِّه وهو في الحقيقة إنكَار لِكلام الله ولهذا قال بعض المحقِّقِين منهم: حقيقةً إنه لا فرقَ بيننا وبين المعتزلة والجهمية فإنَّنَا جميعا متَّفِقُون على أنَّ ما في دفتي المصحف مخلُوق لكن هم أشْجَع منَّا المعتزلة أشجَع يقولون: هو مخلوق لفظًا ومعنى، والأشعرية يقولون: مخلوقٌ لفظًا لا معنًى وعلى كُلِّ حال هذا محلُّ بحثٍ في العقائد.
قال: (( أنزَلْنا إليك الكتاب )) الكتاب القُرآن " وسُمِّيَ كتابًا يا غانم؟
الطالب: ...
الشيخ : في ايش مكتوب؟
الطالب: في اللوح المحفوظ
الشيخ : هذا واحد بس؟ نعم.
الطالب: مكتوب في اللوح محفوظ والصُّحُف التي بأيدي الملائكة، وفي المصاحِف بين أيدي الناس.
الشيخ : صح، مكتوب في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي بأيدي الملائكة وفي المصَاحِف التي بأَيدينا، (الكتاب) وفي قوله: (الكتاب) (ال) هنا ما أدرِي للجِنْس أو لِلعَهْد؟ للأخير أيُّ عهد هو؟
الطالب: العهْد الذهني
الشيخ : العهد الذهني (( أنزلْنا إليك الكتاب فالذين آتينَاهم الكتاب يُؤمنون به ومِن هؤلاء مَن يؤمِنُ به )).
الطالب: .........
الشيخ : بس كأنَّه بعيد يعني؟ بعِيد، يعني بمعْني بعيد بينهم آيَات متعَدِّدة، طيب قوله: (( فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به )) الفَاء هذه للتَّفْرِيق تفرَّع عن إنزال الكتاب الذي على الرسول عليه الصلاة والسلام أنِ انْقَسَم الناس فيه إلى قسمَين: قسم آتاهم الكتاب فآمَنُوا به، وقسمٌ آخر لم يؤمِن به، فقوله: (فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به) قال المؤلف: " (الكتاب) التورَاة كعبدِ الله بن سلام وغيرِه " ولكن هَذا التَّفسير فيه شَيْءٌ مِن الإشكال الذين آتيناهم الكتاب يؤمنون بهذا القرآن هل جمِيعُ الذين أوتوا الكتاب يؤمِنُون به؟ لا، أكثرُهم في عهد الرسول r ما آمَنَ به لكن الذين آتينَاهم الكتاب إيتاءً كونِيًّا وشرْعِيًّا بمعنى أنَّ الله آتاهم الكتاب وعمِلُوا به فهؤلاء الذين أوتوا الكتاب على وجْهِ الكمال والإطلاق هم الذين آمَنُوا بالقرآن مثل عبد الله بن سلام مِن اليهود والنَّجاشي من أين؟ مِن النصارى، وسلمان الفارسي ما أوتِي الكتاب لكنَّه آمن بالقرآن لأنَّه تلقَّى العلم عن أهلِ الكتاب نعم، فهؤلاء ثلاثة أصناف اليهود والنصارى ومَن تلَقَّى عنهم كلُّهم فتحَ الله عليهم فآمَنُوا بهذا القرآن، وقوله: (آتيناهم) بمعنى جئناهم
الطالب: ..
الشيخ : ما أعطيناهم، وش الفرق بين جئْناهم وبين أعطيناهم؟ مِن الرباعي بمعنى أعْطَيناهم ومِن الثلاثي بمعنى جئْنَاهم، طيب (آتيناهم الكتاب) نعم.
الطالب: .... لا يكون حكمًا عامًّا ....
الشيخ : إذا كان الإيمان بس الإيمان عند الإطلاق يشمَل الإيمان الحقيقي ما هو مجرد التصديق، وهم أيضًا ما صدَّقُوا بالقرآن أنكرُوه غالبُهم أنكروا وكذَّبوا، ولهذا المؤلف مثَّل بالذين أسلموا منهم كعبد الله بن سلام، وقوله: (يؤمنون به) الجملة خبر المبتدأ المبتدأ أين هو؟ الذين يؤمِنُون به بالقرآن ويُصَدِّقُون فأهْلُ العلم منهم الراسخون فيه الذين يُريدُون الحقّ لا شكَّ أنهم آمنوا بالقرآن واتَّبَعُوه ورأَوْا أنَّه حَقّ أمَّا على ما ذكرَه الأخ عبد الرحمن مِن التقدير بأنَّ المعنى: الذين آتيناهم الكتاب أي نزَل إليهم الكتاب يؤمنون به بمعنى يعرِفُون أنَّه حقّ ولكن لا يؤمِنُون به فهو خلاف ظاهر الآية وإن كان المعنى مِن حيث هو يحتمِل لكن خلاف ظاهر الآية، فما دام أنه أنَّ الإيمان لا يُطْلَق إلَّا الإيمان التصديق ولهذا قال في آية أخرى: (( الذين آتيناهم الكتاب يعرفُونه كما يعرفُون أبنائهم )) هذا الجميع (( وإنَّ فريقًا منهم ليكْتُمُون الحقّ وهم يعلمون ))
قال: (( فالذين - يؤمنون به ومِن هَؤلاء )) أهلِ مكة مَن يؤمِنُ به شوف (مِن) هذه للتبعيض وعلامةُ (مِن) التبعيضية أن يَحِلَّ محلَّها بعض يعني وبعضُ هؤلاء يؤمِن به والإشارة إلى هؤلاء يُرادُ بها مَن؟ حسين! ما المراد بها (مِن هؤلاء)؟
الطالب: ...
الشيخ : {الظاهر أنه ما يصلح تصير قريب ........ اليوم إن شاء الله تكون قريب لا تصير بالصف الثاني أبدا} طيب أهل مكة لأنَّ هذه السورة مكية فالمشَار إليهم قَرِيبُون إذ أنَّها نزلت قبل الهجرة، (( ومِن هؤلاء مَن يُؤْمِنُ به )) شوف الفرق بين التعبِيرَين (الذين آتيناهم الكتاب) (ومِن هؤلاء مَن يؤمِنُ به) كأنَّ المؤمِنِين بذلك مِن قريش قِلَّة بعضُهم يؤمِنُ به، وقوله: (مَن يؤمِن به) الإيمان كما سبَق عند الإطلاق يُرَادُ به التصديق المستَلْزِم للقَبُول والإذْعَان وليس مجرَّد التَّصْدِيق، الإيمَان شرعًا يُراد به التصديق المستَلزم للقبول والإذعان فمُجَرَّدُ التصديق ليس بإيمان وإلَّا لكان أبو طالب مؤمنًا، ولكنَّنا نقول إنَّه لا بد أن يكون مستلزمًا للقَبُول قبُول ما جاء به الرسول r والإذْعَان وهو الانقِيَاد أمَّا بغير ذلك فليس بإيمَان نعم.
الطالب: ..............
الشيخ : لا، الحاضر يعني منهم الذي يؤمِنُ به الآن يعني،
وقوله: (( وما يجحد بآياتنا )) بعد ظُهُورِها (( إلا الكافرون )) أي اليهود وظهرَ لهم أنَّ القرآن حق والجائي به مُحِقّ وجَحَدُوا ذلك " طيب (وما يجْحُد - إلا الكافرون) هذا استثناءٌ وش تسمونه؟ مفَرَّغ أي أنَّ العامل قَبْل الاستثناء مفرَّغٌ لِمَا بعده وعلى هذا فنعرب (الكافرون) فاعل لِـ(يجحد)، وقولُه: وما يجحد بها المعروف أنَّ الجحود يتعدَّى بنفسه فيُقال جَحَد الشيء لكنَّه هنا مُضَمَّنٌ مَعنى الكفر أي: وما يكفُر بها جُحودًا إلَّا الكافرون، فإذا قال قائل: الكافرون إذا قلتم ما يكفُر بها إلَّا الكافرون صار تحْصِيل حاصل أو لا؟ فنقول: ليس تحصيلَ حاصل لأنَّنا نقول: وما يجحد بها أي ما يكفُرُ بها جحودًا والكفر قد يكون جحودًا وقد يكون استكبارًا، وهنا كُفْر الجُحُود وقوله: (بآياتنا) الشَّرْعِيَّة أو الكَوْنِيَّة؟
الطالب: الجميع
الشيخ : نعم كلتَاهُمَا الكونِيَّة والشَّرْعِيَّة فإنَّ مِن الناس مَن جحَد الآيات الكونِيَّة جحَدَ أنَّ الله تعالى يُحيي الموتى بل مِن الناس مَن جحد أن تقُومَ هذه الخليقة بالخَالق، والآياتُ الشرعية الجحد بها كثير، وقوله: (وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون) مفهُومه أنَّ غيرَ الكافرين يُقِرُّون بها وعلى هذا فنقول: كلُّ مَن جَحَد شيئًا مِن آيات الله فإنَّه يستحق مِن الكفْر بقدْرِ ما جَحَد إمَّا .. كفرا مطلقًا أو أقَلّ، وقول المؤلف: (أي اليهود) هذا مِن بابِ القُصُور هذا قُصُورٌ في التفسير لأنَّ قولَه: (الكافرون) أعَمّ مِن اليهود أو لا؟ أعمّ لأنَّ (ال) اسم موصول فيه، {عليكم السلام}في (أل) اسم موصول؟
الطالب: أي نعم
الشيخ : أي نعم اسم موصول قال ابن مالك:
وصِفَةٌ صريحة صلةُ (ال)
ولهذا كانت للعموم يعني ما يجحَد إلا الكافر وعليه فنقول: تشمَل اليهود وغير اليهود أليس الله تعالى قد قال عن فرعون وقومه: (( وجحَدُوا بها واسْتَيْقَنَتْها أنفسُهم )) وهل فرعون وقومه مِن اليهود؟ لا مِن الأقباط وقبْل أن يكون بنُو إسرائيل يَهُودًا
الطالب: .......
الشيخ : حرف خطَاب طيِّب الظاهر أنَّ جماعتنا لا يوافقونك نعم؟
الطالب: ..... اسم إشارة .........
الشيخ : .... كذلك
الطالب: الكاف اسمٌ بمعنى مثل مضاف و(ذا) مضاف إليه
الشيخ : طيب وش محله مِن الإعراب؟ اسم بمعنى مثل وش محله مِن الإعراب؟
الطالب: منصوب على المفعولية المطلقة
الشيخ : صح، محله من الإعراب النَّصب على المفْعُولية المطلقة التقدير: ومثلَ ذلك الإنزال أنزلْنَا إليك الكتاب
الطالب: ..
الشيخ : لا (إلهًا) أعربوها على أنَّها مفعول مطلق اسم بمعنى مِثْل مفعول مطلق لِفعل محذوف تقديرُه: مثْل ذلك الإنزال الذي نَزَل عليهم أنْزَلْنَا إليك الكتاب، وكثير هذا في القرآن مثل (( وكذلك يفعلون )) أي ومثل ذلك الفعل يفْعَلُون وربَّما يكون أيضًا .. في الآيات الأخيرة هذه قد يكُون مفعولًا به مقدَّمًا.
قال: (( وكذلك أنزلنا إليك الكتاب )) الخطَاب في قوله: (إليك) لِلنبي صلى الله عليه وسلم و(أنزلْنَا) أضافَه الله إليه لأنَّه كلامُه فالقرآن كلام الله لفظًا ومعنًى هذا الذي عليه أهل السنة والجماعة وهو الذي دَلَّ عليه القرآن والسنة وإجماعُ الأئمة، وهو مخالِف لقولِ الأشاعرة: إنَّ القرآن كلام الله معنًى لا لَفظًا وأنَّ هذه الحروف مَخلُوقَة خلقَها الله سبحانه وتعالى لتكونَ حكايَة أو عبارَة عن كلامِه أمَّا أنه أنَّها هي كلامه فلَا، ويجعلون الكلام هو المعنَى القائم بِالنفس، والغريب أيضًا أنهم يقولون: إنَّه قديم يعني لا يتجَدَّد وأنَّه في معنًى واحد، وأنَّ (قُلْ) مثل هَل ، وأنَّ الخبر مثل الأمْر، وأنَّ التوراة والإنجيل والقرآن وسائر ما يتكلم الله به شيءٌ واحدٌ وكل هذا تصَوُّره كافٍ في رَدِّه وهو في الحقيقة إنكَار لِكلام الله ولهذا قال بعض المحقِّقِين منهم: حقيقةً إنه لا فرقَ بيننا وبين المعتزلة والجهمية فإنَّنَا جميعا متَّفِقُون على أنَّ ما في دفتي المصحف مخلُوق لكن هم أشْجَع منَّا المعتزلة أشجَع يقولون: هو مخلوق لفظًا ومعنى، والأشعرية يقولون: مخلوقٌ لفظًا لا معنًى وعلى كُلِّ حال هذا محلُّ بحثٍ في العقائد.
قال: (( أنزَلْنا إليك الكتاب )) الكتاب القُرآن " وسُمِّيَ كتابًا يا غانم؟
الطالب: ...
الشيخ : في ايش مكتوب؟
الطالب: في اللوح المحفوظ
الشيخ : هذا واحد بس؟ نعم.
الطالب: مكتوب في اللوح محفوظ والصُّحُف التي بأيدي الملائكة، وفي المصاحِف بين أيدي الناس.
الشيخ : صح، مكتوب في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي بأيدي الملائكة وفي المصَاحِف التي بأَيدينا، (الكتاب) وفي قوله: (الكتاب) (ال) هنا ما أدرِي للجِنْس أو لِلعَهْد؟ للأخير أيُّ عهد هو؟
الطالب: العهْد الذهني
الشيخ : العهد الذهني (( أنزلْنا إليك الكتاب فالذين آتينَاهم الكتاب يُؤمنون به ومِن هؤلاء مَن يؤمِنُ به )).
الطالب: .........
الشيخ : بس كأنَّه بعيد يعني؟ بعِيد، يعني بمعْني بعيد بينهم آيَات متعَدِّدة، طيب قوله: (( فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به )) الفَاء هذه للتَّفْرِيق تفرَّع عن إنزال الكتاب الذي على الرسول عليه الصلاة والسلام أنِ انْقَسَم الناس فيه إلى قسمَين: قسم آتاهم الكتاب فآمَنُوا به، وقسمٌ آخر لم يؤمِن به، فقوله: (فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به) قال المؤلف: " (الكتاب) التورَاة كعبدِ الله بن سلام وغيرِه " ولكن هَذا التَّفسير فيه شَيْءٌ مِن الإشكال الذين آتيناهم الكتاب يؤمنون بهذا القرآن هل جمِيعُ الذين أوتوا الكتاب يؤمِنُون به؟ لا، أكثرُهم في عهد الرسول r ما آمَنَ به لكن الذين آتينَاهم الكتاب إيتاءً كونِيًّا وشرْعِيًّا بمعنى أنَّ الله آتاهم الكتاب وعمِلُوا به فهؤلاء الذين أوتوا الكتاب على وجْهِ الكمال والإطلاق هم الذين آمَنُوا بالقرآن مثل عبد الله بن سلام مِن اليهود والنَّجاشي من أين؟ مِن النصارى، وسلمان الفارسي ما أوتِي الكتاب لكنَّه آمن بالقرآن لأنَّه تلقَّى العلم عن أهلِ الكتاب نعم، فهؤلاء ثلاثة أصناف اليهود والنصارى ومَن تلَقَّى عنهم كلُّهم فتحَ الله عليهم فآمَنُوا بهذا القرآن، وقوله: (آتيناهم) بمعنى جئناهم
الطالب: ..
الشيخ : ما أعطيناهم، وش الفرق بين جئْناهم وبين أعطيناهم؟ مِن الرباعي بمعنى أعْطَيناهم ومِن الثلاثي بمعنى جئْنَاهم، طيب (آتيناهم الكتاب) نعم.
الطالب: .... لا يكون حكمًا عامًّا ....
الشيخ : إذا كان الإيمان بس الإيمان عند الإطلاق يشمَل الإيمان الحقيقي ما هو مجرد التصديق، وهم أيضًا ما صدَّقُوا بالقرآن أنكرُوه غالبُهم أنكروا وكذَّبوا، ولهذا المؤلف مثَّل بالذين أسلموا منهم كعبد الله بن سلام، وقوله: (يؤمنون به) الجملة خبر المبتدأ المبتدأ أين هو؟ الذين يؤمِنُون به بالقرآن ويُصَدِّقُون فأهْلُ العلم منهم الراسخون فيه الذين يُريدُون الحقّ لا شكَّ أنهم آمنوا بالقرآن واتَّبَعُوه ورأَوْا أنَّه حَقّ أمَّا على ما ذكرَه الأخ عبد الرحمن مِن التقدير بأنَّ المعنى: الذين آتيناهم الكتاب أي نزَل إليهم الكتاب يؤمنون به بمعنى يعرِفُون أنَّه حقّ ولكن لا يؤمِنُون به فهو خلاف ظاهر الآية وإن كان المعنى مِن حيث هو يحتمِل لكن خلاف ظاهر الآية، فما دام أنه أنَّ الإيمان لا يُطْلَق إلَّا الإيمان التصديق ولهذا قال في آية أخرى: (( الذين آتيناهم الكتاب يعرفُونه كما يعرفُون أبنائهم )) هذا الجميع (( وإنَّ فريقًا منهم ليكْتُمُون الحقّ وهم يعلمون ))
قال: (( فالذين - يؤمنون به ومِن هَؤلاء )) أهلِ مكة مَن يؤمِنُ به شوف (مِن) هذه للتبعيض وعلامةُ (مِن) التبعيضية أن يَحِلَّ محلَّها بعض يعني وبعضُ هؤلاء يؤمِن به والإشارة إلى هؤلاء يُرادُ بها مَن؟ حسين! ما المراد بها (مِن هؤلاء)؟
الطالب: ...
الشيخ : {الظاهر أنه ما يصلح تصير قريب ........ اليوم إن شاء الله تكون قريب لا تصير بالصف الثاني أبدا} طيب أهل مكة لأنَّ هذه السورة مكية فالمشَار إليهم قَرِيبُون إذ أنَّها نزلت قبل الهجرة، (( ومِن هؤلاء مَن يُؤْمِنُ به )) شوف الفرق بين التعبِيرَين (الذين آتيناهم الكتاب) (ومِن هؤلاء مَن يؤمِنُ به) كأنَّ المؤمِنِين بذلك مِن قريش قِلَّة بعضُهم يؤمِنُ به، وقوله: (مَن يؤمِن به) الإيمان كما سبَق عند الإطلاق يُرَادُ به التصديق المستَلْزِم للقَبُول والإذْعَان وليس مجرَّد التَّصْدِيق، الإيمَان شرعًا يُراد به التصديق المستَلزم للقبول والإذعان فمُجَرَّدُ التصديق ليس بإيمان وإلَّا لكان أبو طالب مؤمنًا، ولكنَّنا نقول إنَّه لا بد أن يكون مستلزمًا للقَبُول قبُول ما جاء به الرسول r والإذْعَان وهو الانقِيَاد أمَّا بغير ذلك فليس بإيمَان نعم.
الطالب: ..............
الشيخ : لا، الحاضر يعني منهم الذي يؤمِنُ به الآن يعني،
وقوله: (( وما يجحد بآياتنا )) بعد ظُهُورِها (( إلا الكافرون )) أي اليهود وظهرَ لهم أنَّ القرآن حق والجائي به مُحِقّ وجَحَدُوا ذلك " طيب (وما يجْحُد - إلا الكافرون) هذا استثناءٌ وش تسمونه؟ مفَرَّغ أي أنَّ العامل قَبْل الاستثناء مفرَّغٌ لِمَا بعده وعلى هذا فنعرب (الكافرون) فاعل لِـ(يجحد)، وقولُه: وما يجحد بها المعروف أنَّ الجحود يتعدَّى بنفسه فيُقال جَحَد الشيء لكنَّه هنا مُضَمَّنٌ مَعنى الكفر أي: وما يكفُر بها جُحودًا إلَّا الكافرون، فإذا قال قائل: الكافرون إذا قلتم ما يكفُر بها إلَّا الكافرون صار تحْصِيل حاصل أو لا؟ فنقول: ليس تحصيلَ حاصل لأنَّنا نقول: وما يجحد بها أي ما يكفُرُ بها جحودًا والكفر قد يكون جحودًا وقد يكون استكبارًا، وهنا كُفْر الجُحُود وقوله: (بآياتنا) الشَّرْعِيَّة أو الكَوْنِيَّة؟
الطالب: الجميع
الشيخ : نعم كلتَاهُمَا الكونِيَّة والشَّرْعِيَّة فإنَّ مِن الناس مَن جحَد الآيات الكونِيَّة جحَدَ أنَّ الله تعالى يُحيي الموتى بل مِن الناس مَن جحد أن تقُومَ هذه الخليقة بالخَالق، والآياتُ الشرعية الجحد بها كثير، وقوله: (وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون) مفهُومه أنَّ غيرَ الكافرين يُقِرُّون بها وعلى هذا فنقول: كلُّ مَن جَحَد شيئًا مِن آيات الله فإنَّه يستحق مِن الكفْر بقدْرِ ما جَحَد إمَّا .. كفرا مطلقًا أو أقَلّ، وقول المؤلف: (أي اليهود) هذا مِن بابِ القُصُور هذا قُصُورٌ في التفسير لأنَّ قولَه: (الكافرون) أعَمّ مِن اليهود أو لا؟ أعمّ لأنَّ (ال) اسم موصول فيه، {عليكم السلام}في (أل) اسم موصول؟
الطالب: أي نعم
الشيخ : أي نعم اسم موصول قال ابن مالك:
وصِفَةٌ صريحة صلةُ (ال)
ولهذا كانت للعموم يعني ما يجحَد إلا الكافر وعليه فنقول: تشمَل اليهود وغير اليهود أليس الله تعالى قد قال عن فرعون وقومه: (( وجحَدُوا بها واسْتَيْقَنَتْها أنفسُهم )) وهل فرعون وقومه مِن اليهود؟ لا مِن الأقباط وقبْل أن يكون بنُو إسرائيل يَهُودًا
5 - قال الله تعالى :<< وكذلك أنزلنآ إليك الكتاب فالذين ءاتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلآء من يؤمن وما يجحد بآياتنآ إلا الكافرون >> أستمع حفظ
قال الله تعالى : << وما كنت تتلوا من قبله من كتاب و لا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون >>
قال تعالى: (( وما كنت تَتْلوا من قبلِه -أي القرآن- مِن كتابٍ )) اش بعدها عندكم؟
الطالب: ...
الشيخ : لا التَّفسير؟
الطالب: (( من قبلِه )) أي القرآن
الشيخ : (( من قبلِه -أي القرآن- مِن كتابٍ )) ... إنَّما عندي: مِن كتاب الله ولكن ما يستقيم، (من كتاب الله) لأنَّ لفظ القرآن مُنَوَّن ولعلَّها (من كتابٍ لله) عندكم لله؟ شوف أنت؟ (مِن كتابٍ)؟ شوف أضاف همزة ولَّا لا؟ .... على كل حال (كتاب الله مو هو بظاهر، لأنه ما يتنَاسب مع السياق،
الطالب: ما قال: (كتابِ الله) ولا (كتابٍ لله) ...
الشيخ : شوف الآن إذا قلنا (مِن كتابٍ لله) وما كنت تتلو من قبله مِن كتاب لله يعني أنَّك ما قرأْتَ كتبًا نازلةً مِن قبل حتى تُتَّهَم، وأمَّا إذا حذفنا (لله) كما في بعض النسخ فيكون المراد بالكتَاب هنا المكتُوب يعني ما كنت تتلُو مكتوبًا سواءٌ نازِل مِن عند الله ولَّا مِن عند غيرِ الله وأيُّهم أعم؟ الأخير، وعلى هذا فالذي يظهر والله أعلم زيادة الاسم (الله).
(( وما كنت تتلو مِن قبلِه من كتابٍ ولا )) إذًا تتلو بمعنى تقرَأ، وقوله: (مِن كتاب) (مِن) هذه حرْف جَرّ زائد وهو زائِد أو لا؟ زائد وهو زائد، زائدٌ لفظًا وزائِدٌ معنًى؟
الطالب: ...
الشيخ : لحظة لحظة لحظة لحظة كذا ولَّا لا؟ زائدٌ لفظًا زائِدٌ معنًى، زائدٌ لفظًا واضِح يعني بمعني أنَّه لو حُذِف لاستقام الكلام، لكنَّه زائدٌ معنى أي أنَّه زائدٌ للمعنى يعني يزِيدُ المعنى، التعبير المعروف: هو زائِدٌ لفظًا لا معنًى هنا نقول: زائدٌ لفظًا ومعنى، لكن فرْق بين الزيادتين فزائد لفظا بمعنى أنَّه لو حذف لاستقام الكلام، زائد معنى أي أنَّ فيه زيادَة معنى وش زيادة المعنى؟
الطالب: التَّوكيد
الشيخ : التَّوكيد، بقِينا في أنَّ التَّعبير بكلمة (زائد) وهو مِن القرآن يرَى بعض أهل العلم بعْضُ المعربين أنَّه ما ينبغي إطلاق (زائد)، لما يُوهِمُه مِن الحشو في القرآن والقرآن ما فيه حشو ولكنَّ هذا الوهم يزُول بما إذَا قلْنا: زائد لفظًا لا معنًى على التعبير المعروف، وإذا قلنا إنَّه
الطالب: ...
الشيخ : لا التَّفسير؟
الطالب: (( من قبلِه )) أي القرآن
الشيخ : (( من قبلِه -أي القرآن- مِن كتابٍ )) ... إنَّما عندي: مِن كتاب الله ولكن ما يستقيم، (من كتاب الله) لأنَّ لفظ القرآن مُنَوَّن ولعلَّها (من كتابٍ لله) عندكم لله؟ شوف أنت؟ (مِن كتابٍ)؟ شوف أضاف همزة ولَّا لا؟ .... على كل حال (كتاب الله مو هو بظاهر، لأنه ما يتنَاسب مع السياق،
الطالب: ما قال: (كتابِ الله) ولا (كتابٍ لله) ...
الشيخ : شوف الآن إذا قلنا (مِن كتابٍ لله) وما كنت تتلو من قبله مِن كتاب لله يعني أنَّك ما قرأْتَ كتبًا نازلةً مِن قبل حتى تُتَّهَم، وأمَّا إذا حذفنا (لله) كما في بعض النسخ فيكون المراد بالكتَاب هنا المكتُوب يعني ما كنت تتلُو مكتوبًا سواءٌ نازِل مِن عند الله ولَّا مِن عند غيرِ الله وأيُّهم أعم؟ الأخير، وعلى هذا فالذي يظهر والله أعلم زيادة الاسم (الله).
(( وما كنت تتلو مِن قبلِه من كتابٍ ولا )) إذًا تتلو بمعنى تقرَأ، وقوله: (مِن كتاب) (مِن) هذه حرْف جَرّ زائد وهو زائِد أو لا؟ زائد وهو زائد، زائدٌ لفظًا وزائِدٌ معنًى؟
الطالب: ...
الشيخ : لحظة لحظة لحظة لحظة كذا ولَّا لا؟ زائدٌ لفظًا زائِدٌ معنًى، زائدٌ لفظًا واضِح يعني بمعني أنَّه لو حُذِف لاستقام الكلام، لكنَّه زائدٌ معنى أي أنَّه زائدٌ للمعنى يعني يزِيدُ المعنى، التعبير المعروف: هو زائِدٌ لفظًا لا معنًى هنا نقول: زائدٌ لفظًا ومعنى، لكن فرْق بين الزيادتين فزائد لفظا بمعنى أنَّه لو حذف لاستقام الكلام، زائد معنى أي أنَّ فيه زيادَة معنى وش زيادة المعنى؟
الطالب: التَّوكيد
الشيخ : التَّوكيد، بقِينا في أنَّ التَّعبير بكلمة (زائد) وهو مِن القرآن يرَى بعض أهل العلم بعْضُ المعربين أنَّه ما ينبغي إطلاق (زائد)، لما يُوهِمُه مِن الحشو في القرآن والقرآن ما فيه حشو ولكنَّ هذا الوهم يزُول بما إذَا قلْنا: زائد لفظًا لا معنًى على التعبير المعروف، وإذا قلنا إنَّه
اضيفت في - 2007-08-13