التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-01a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.49 ميغابايت )
التنزيل ( 2204 )
الإستماع ( 144 )


3 - القراءة من قول المصنف والمقابلة بين النسخ: " بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا ، وأتم علينا نعمته ، ورضي لنا الإسلام دينا ، وأمرنا أن نستهديه صراطه المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم اليهود ، ولا الضالين النصارى . وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالدين القيم ، والملة الحنيفية ، وجعله على شريعة من الأمر ، أمر باتباعها ، وأمره بأن يقول : { هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما . وبعد : فإني كنت قد نهيت : إما مبتدئا أو مجيبا عن التشبه بالكفار في أعيادهم ، وأخبرت ببعض ما في ذلك : من الأثر القديم ، والدلالة الشرعية ، وبينت بعض حكمة الشرع في مجانبة الكفار ، من الكتابيين والأميين " أستمع حفظ

7 - القراءة من قول المصنف والتعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم بلغني بأخرة أن من الناس من استغرب ذلك واستبعده ؛ لمخالفة عادة قد نشؤوا عليها ، وتمسكوا في ذلك بعمومات وإطلاقات اعتمدوا عليها ، فاقتضاني بعض الأصحاب أن أعلق في ذلك ما يكون فيه إشارة إلى أصل هذه المسألة ؛ لكثرة فائدتها ، وعموم المنفعة بها ، ولما قد عم كثيرا من الناس من الابتلاء بذلك ، حتى صاروا في نوع جاهلية ، فكتبت ما حضرني الساعة ، مع أنه لو استوفي ما في ذلك من الدلائل ، وكلام العلماء ، واستقريت الآثار في ذلك ، لوجد فيه أكثر مما كتبته، ولم أكن أظن أن من خاض في الفقه ، ورأى إيماءات الشرع ومقاصده ، وعلل الفقهاء ومسائلهم ، يشك في ذلك ، بل لم أكن أظن أن من وقر الإيمان في قلبه ، وخلص إليه حقيقة الإسلام ، وأنه دين الله ، الذي لا يقبل من أحد سواه - إذا نبه على هذه النكتة - إلا كانت حياة قلبه ، وصحة إيمانه ، توجب استيقاظه بأسرع تنبيه ، ولكن نعوذ بالله من رين القلوب ، وهوى النفوس ، اللذين يصدان عن معرفة الحق واتباعه " أستمع حفظ

9 - القراءة من قول المصنف: " أعلم أن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الخلق على فترة من الرسل، وقد مقت أهل الأرض: عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب ماتوا - أو أكثرهم - قبيل مبعثه. والناس إذ ذاك أحد رجلين: إما كتابي معتصم بكتاب، إما مبدل، وإما مبدل منسوخ، ودين دارس، بعضه مجهول، وبعضه متروك، وإما أمي من عربي وعجمي، مقبل على عبادة ما استحسنه، وظن أنه ينفعه: من نجم أو وثن، أو قبر، أو تمثال، أو غير ذلك . والناس في جاهلية جهلاء، من مقالات يظنونها علماً وهي جهل، وأعمال يحسبونها صلاحاً وهي فساد، وغاية البارع منهم علماً وعملاً، أن يحصل قليلاً من العلم الموروث عن الأنبياء المتقدمين، قد اشتبه عليهم حقه بباطله. أو يشتغل بعمل القليل منه مشروع، واكثره مبتدع لا يكاد يؤثر في صلاحه إلا قليلاً، أو أن يكدح بنظره كدح المتفلسفة، فتذوب مهجته في الأمور الطبيعية والرياضية، وإصلاح الأخلاق، حتى يصل - إن وصل - بعد الجهد الذي لا يوصف، إلى نزر قليل مضطرب، لا يروي ولا يشفي من العلم الإلهي، باطله أضعاف حقه - إن حصل - وأنى له ذلك مع كثرة الإختلاف بين أهله، والإضطراب وتعذر الأدلة عليه، والأسباب. فهدى الله الناس ببركة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من البينات والهدى، هداية جلت عن وصف الواصفين، وفاقت معرفة العارفين، حتى حصل لأمته المؤمنين عموماً، ولأولي العلم منهم خصوصاً، من العلم النافع، والعمل الصالح، والأخلاق العظيمة، والسنن المستقيمة، ما لو جمعت حكمة سائر الأمم، علماً وعملاً، الخالصة من كل شوب، إلى الحكمة التي بعث بها، لتفاوتا تفاوتا يمنع معرفة قدر النسبة بينهما، فلله الحمد كما يحب ربنا ويرضى .ودلائل هذا وشواهده ليس هذا موضعها . ثم إنه سبحانه بعثه بدين الإسلام، الذي هو الصراط المستقيم، وفرض على الخلق أن يسألوه هدايته كل يوم في صلاتهم، ووصفه بأنه صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، فقال القوم: هذا عدي بن حاتم ،وجئت بغير أمان ولا كتاب، فلما دفعت إليه أخذ بيدي، وقد كان قال قبل ذلك: إني لأرجو أن يجعل الله يده بيدي"، قال: فلقيته امرأة وصبي معها فقالا: إن لنا إليك حاجة، فقام معهما حتى قضى حاجتهما، ثم أخذ بيدي، حتى أتى بي داره، فألقت له الوليدة وسادة، فجلس عليها، وجلست بين يديه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما يفرك ؟ أيفرك أن تقول: لا إله إلا الله ؟ فهل تعلم من إله سوى الله ؟ قال: قلت: لا، ثم تكلم ساعة ثم قال: إنما يفرك أن تقول: الله أكبر، وتعلم شيئاً أكبر من الله ؟، قال قلت: لا، قال: فإن اليهود مغضوب عليهم، وإن النصارى ضلال، قال: فقلت: فإني حنيف مسلم، قال فرأيت وجهه ينبسط فرحاً " وذكر حديثاً طويلاً. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب. وقد دل كتاب الله على معنى هذا الحديث، قال الله سبحانه:{قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت} والضمير عائد إلى اليهود، والخطاب معهم كما دل عليه سياق الكلام، وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم }. وهم المنافقون الذين تولوا اليهود، باتفاق أهل التفسير، وسياق الآية يدل عليه. وقال تعالى: {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله} وذكر في آل عمران قوله تعالى: {وباءوا بغضب من الله} وهذا بيان أن اليهود مغضوب عليهم. وقال في النصارى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} إلى قوله {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل }. وهذا خطاب للنصارى كما دل عليه السياق، ولهذا نهاهم عن الغلو، وهو مجاوزة الحد، كما نهاهم عنه في قوله: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته} الآية. واليهود مقصرون عن الحق، والنصارى غالون فيه، فأما وسم اليهود بالغضب، والنصارى بالضلال، فله أسباب ظاهرة وباطنة، ليس هذا موضعها. وجماع ذلك: أن كفر اليهود أصله من جهة عدم العمل بعلمهم، فهم يعلمون الحق ولا يتبعونه عملاً، أو لا قولا ً ولا عملاً. وكفر النصارى من جهة عملهم بلا علم فهم يجتهدون في أصناف العبادات بلا شريعة من الله، ويقولون على الله ما لا يعلمون. ولهذا كان السلف: سفيان بن عيينة وغيره، يقولون: إن من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ! ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى، وليس هذا موضع شرح ذلك. " أستمع حفظ

11 - القراءة من قول المصنف مع مقابلة النسخ: " ومع أن الله قد حذرنا سبيلهم، فقضاؤه نافذ بما أخبر به رسوله، مما سبق في علمه، حيث قال فيما خرجاه في الصحيحين: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى، قال: فمن ". وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، فقيل يا رسول الله، كفارس والروم ؟ قال: ومن الناس إلا أولئك ".فأخبر أنه سيكون في أمته مضاهاة لليهود والنصارى، وهم أهل الكتاب، ومضاهاة لفارس والروم، وهم الأعاجم. وقد كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن التشبه بهؤلاء وهؤلاء، وليس هذا إخباراً عن جميع الأمة، بل قد تواتر عنه: أنه لا تزال طائفة من أمته ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة. وأخبر صلى الله عليه وسلم: " أن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة، وأن الله لا يزال يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعته ". فعلم بخبره الصدق أنه في أمته قوم مستمسكون بهديه، الذي هو دين الإسلام محضاً، وقوم منحرفون إلى شعبة من شعب اليهود، أو إلى شعبة من شعب النصارى، وإن كان الرجل لا يكفر بكل إنحراف، بل وقد لا يفسق أيضاً، بل قد يكون الإنحراف كفراً، وقد يكون فسقاً، وقد يكون معصية، وقد يكون خطأوهذا الإنحراف أمر تتقاضاه الطباع ويزينه الشيطان " أستمع حفظ

13 - القراءة من قول المصنف مع مقابلة النسخ: " وهذا الانحراف أمر تتقاضاه الطباع ويزينه الشيطان ، فلذلك أمر العبد بدوام دعاء الله سبحانه بالهداية إلى الاستقامة التي لا يهودية فيها ولا نصراينة أصلاً.وأنا أشير إلى بعض أمور أهل الكتاب والأعاجم، التي ابتليت بها هذه الأمة، ليجتنب المسلم الحنيف الانحراف عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم أو الضالين . قال الله سبحانه : { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق }.فذم اليهود على ما حسدوا المؤمنين على الهدى والعلم.وقد يبتلى بعض المنتسبين إلى العلم وغيرهم بنوع من الحسد لمن هداه الله بعلم نافع أو عمل صالح، وهو خلق مذموم مطلقا، وهو في هذا الموضع من أخلاق المغضوب عليهم.، وقال الله سبحانه: {إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا * الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله} فوصفهم بالبخل الذي هو البخل بالعلم والبخل بالمال." أستمع حفظ