التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-02b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.43 ميغابايت )
التنزيل ( 1138 )
الإستماع ( 113 )


1 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن هذا الباب قوله سبحانه : { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين. الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون. الحق من ربك فلا تكونن من الممترين. ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير. ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون. ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم } . قال غير واحد من السلف: " معناه : لئلا يحتج اليهود عليكم بالموافقة في القبلة ، فيقولون : قد وافقونا في قبلتنا ، فيوشك أن يوافقونا في ديننا ، فقطع الله بمخالفتهم في القبلة هذه الحجة ، إذ الحجة : اسم لكل ما يحتج به من حق وباطل ، { إلا الذين ظلموا منهم } وهم قريش ، فإنهم يقولون : عادوا إلى قبلتنا ، فيوشك أن يعودوا إلى ديننا " . فبين سبحانه أن من حكمة نسخ القبلة وتغييرها مخالفة الناس الكافرين في قبلتهم ، ليكون ذلك أقطع لما يطمعون فيه من الباطل ، ومعلوم أن هذا المعنى ثابت في كل مخالفة وموافقة ، فإن الكافر إذا اتبع في شيء من أمره كان له من الحجة مثل ما كان أو قريب مما كان لليهود من الحجة في القبلة . وقال سبحانه : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } وهم : اليهود والنصارى ، الذين افترقوا على أكثر من سبعين فرقة ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن متابعتهم في نفس التفرق والاختلاف ، مع أنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة مع أن قوله : لا تكن مثل فلان ، قد يعم مماثلته بطريق اللفظ أو المعنى ، وإن لم يعم دل على أن جنس مخالفتهم وترك مشابهتهم أمر مشروع ، ودل على أنه كلما بعد الرجل عن مشابهتهم فيما لم يشرع لنا كان أبعد عن الوقوع في نفس المشابهة المنهي عنها ، وهذه مصلحة جليلة ". أستمع حفظ

4 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقال سبحانه لموسى وهارون : { فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون } وقال سبحانه : { وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } ، وقال تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم } إلى غير ذلك من الآيات . وما هم عليه من الهدي والعمل هو من سبيل غير المؤمنين ، بل ومن سبيل المفسدين والذين لا يعلمون ، وما يقدر عدم اندراجه في العموم ، فالنهي ثابت عن جنسه ، فيكون مفارقة الجنس بالكلية أقرب إلى ترك المنهي ومقاربته مظنة وقوع المنهي عنه " أستمع حفظ

8 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " قال سبحانه : { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون } إلى قوله : { ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك } ومتابعتهم في هديهم : هي من اتباع ما يهوونه ، أو مظنة لاتباع ما يهوونه ، وتركها معونة على ترك ذلك ، وحسم لمادة متابعتهم فيما يهوونه . واعلم أن الذي في كتاب الله من النهي عن مشابهة الأمم الكافرة وقصصهم التي فيها عبرة لنا بترك ما فعلوه كثيرا ، مثل قوله لما ذكر ما فعله بأهل الكتاب من المثلات : { فاعتبروا يا أولي الأبصار } وقوله : { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } وأمثال ذلك ، ومنه ما يدل على مقصودنا ، ومنه ما فيه إشارة وتتميم للمقصود ثم متى كان المقصود بيان أن مخالفتهم في عامة أمورهم أصلح لنا ؛ فجميع الآيات دالة على ذلك وإن كان المقصود أن مخالفتهم واجبة علينا ، فهذا إنما يدل عليه بعض الآيات دون بعض ، ونحن ذكرنا ما يدل على أن مخالفتهم مشروعة في الجملة ، إذ كان هو المقصود هنا . وأما تمييز دلالة الوجوب ، أو الواجب عن غيرها وتمييز الواجب عن غيره ، فليس هو المقصود هنا ." أستمع حفظ

9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وسنذكر إن شاء الله أن مشابهتهم في أعيادهم من الأمور المحرمة ، فإنه هو المسألة المقصودة بعينها ، وسائر المسائل إنما جلبها تقرير القاعدة الكلية العظيمة المنفعة . وقال الله عز وجل : { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون. وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم. كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون. ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم. وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم. يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير } بين الله سبحانه وتعالى - في هذه الآيات - أخلاق المنافقين وصفاتهم ، وأخلاق المؤمنين وصفاتهم - وكلا الفريقين مظهر للإسلام ووعد المنافقين المظهرين للإسلام مع هذه الأخلاق ، والكافرين المظهرين للكفر نار جهنم ، وأمر نبيه بجهاد الطائفتين . ومنذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهاجر إلى المدينة ، صار الناس ثلاثة أصناف : مؤمن ، ومنافق ، وكافر .فأما الكافر - وهو المظهر للكفر - فأمره بين، وإنما الغرض هنا متعلق بصفات - المنافقين، المذكورة في الكتاب والسنة، فإنها هي التي تخاف على أهل القبلة، فوصف الله سبحانه المنافقين بأن بعضهم من بعض، وقال في المؤمنين: {بعضهم أولياء بعض }، وذلك، لأن المنافقين تشابهت قلوبهم، وأعمالهم، وهم - مع ذلك: {تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى} فليست قلوبهم متوادة متوالية، إلا ما دام الغرض الذي يؤمونه مشتركاً بينهم، ثم يتخلى بعضهم عن بعض، بخلاف المؤمن، فإنه يحب المؤمن، وينصره بظهر الغيب، وإن تناءت بهم الديار، وتباعد الزمان. " أستمع حفظ

10 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم وصف سبحانه، كل واحدة من الطائفتين، بأعمالهم في أنفسهم، وفي غيرهم، وكلمات الله جوامع، وذلك: أنه لما كانت أعمال المرء المتعلقة بدينه قسمين :- أحدهما: أن يعمل ويترك . والثاني: أن يأمر غيره بالفعل والترك. ثم فعله: إما أن يختص هو بنفعه أو ينفع به غيره، فصارت الأقسام ثلاثة ليس لها رابع. أحدها: ما يقوم بالعامل ولا يتعلق بغيره، كالصلاة مثلاً. والثاني: ما يعمله لنفع غيره، كالزكاة. والثالث: ما يأمر غيره أن يفعله، فيكون الغير هو العامل، وحظه هو الأمر به. فقال سبحانه في صفة المنافقين: {يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف} وبإزائه في صفة المؤمنين: {يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }.والمعروف: اسم جامع لكل ما يحبه الله، من الإيمان والعمل الصالح . والمنكر: اسم جامع لكل ما نهى الله عنه ." أستمع حفظ

14 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم ققال: {ويقبضون أيديهم} قال مجاهد : (( يقبضونها عن الإنفاق في سبيل الله )). وقال قتادة : (( يقبضون أيديهم عن كل خير )). فـ مجاهد اشار إلى النفع بالمال، و قتادة أشار إلى النفع بالمال والبدن. وقبض اليد:عبارة عن الإمساك، كما في قوله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط }. وفي قوله: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء }. وهي حقيقة عرفية، ظاهرة من اللفظ، أو هي مجاز مشهور. " أستمع حفظ

16 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وبإزاء قبض أيديهم قوله في المؤمنين: {ويؤتون الزكاة} فإن الزكاة - وإن كانت قد صارت حقيقة عرفية، في الزكاة المفروضة - فإنها اسم لكل نفع للخلق: من نفع بدني، أو مالي، فالوجهان هنا كالوجهين في قبض اليد. ثم قال: {نسوا الله فنسيهم }. ونسيان الله ترك ذكره. وبإزاء ذلك في صفة المؤمنين: {ويقيمون الصلاة }. فإن الصلاة - أيضاً تعم الصلاة المفروضة، والتطوع، وقد يدخل فيها كل ذكر الله: إما لفظاً وإما معنى، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (( ما دمت تذكر الله فأنت في صلاة وإن كنت في السوق )) وقال معاذ بن جبل: (( مدارسة العلم تسبيح )). " أستمع حفظ

18 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم ذكر ما وعد الله به المنافقين، والكفار: من النار، ومن اللعنة ومن العذاب المقيم، وبإزائه ما وعد المؤمنين: من الجنة والرضوان، ومن الرحمة. ثم في ترتيب الكلمات وألفاظها، أسرار كثيرة، ليس هذا موضعها، وإنما الغرض تمهيد قاعدة لما سنذكره إن شاء الله. وقد قيل: إن قوله: {ولهم عذاب مقيم} إشارة إلى ما هو لازم لهم في الدنيا والآخرة، من الآلام النفسية: غماً وحزناً ،وقسوة وظلمة قلب وجهلاً، فإن للكفر والمعاصي من الآلام العاجلة الدائمة ما الله به عليم، " أستمع حفظ

20 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقال سبحانه في تمام خبر المنافقين : { كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوةً وأكثر أموالًا وأولادًا } وهذه الكاف قد قيل : إنها رفع خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : أنتم كالذين من قبلكم . وقيل : إنها نصب بفعل محذوف تقديره : فعلتم كالذين من قبلكم ، كما قال النمر بن تولب: " كاليوم مطلوبا ولا طالبا " أي : لم أر كاليوم ، والتشبيه - على هذين القولين - في أعمال الذين من قبل ، وقيل : إن التشبيه في العذاب ثم قيل : العامل محذوف ، أي : لعنهم وعذبهم كما لعن الذين من قبلكم ، وقيل - وهو أجود - : بل العامل ما تقدم ، أي : وعد الله المنافقين كوعد الذين من قبلكم ، ولعنهم كلعن الذين من قبلكم ، ولهم عذاب مقيم كالذين من قبلكم أو محلها نصب ، ويجوز أن يكون رفعا ، أي : عذاب كعذاب الذين من قبلكم . وحقيقة الأمر على هذا القول : أن الكاف تناولها عاملان ناصبان ، أو ناصب ورافع ، من جنس قولهم : أكرمت وأكرمني زيد ، والنحويون لهم فيما إذا لم يختلف العامل ، كقولك أكرمت وأعطيت زيدا - قولان : أحدهما : وهو قول سيبويه وأصحابه : أن العامل في الاسم هو أحدهما وأن الآخر حذف معموله؛ لأنه لا يرى اجتماع عاملين على معمول واحد . والثاني: قول الفراء وغيره من الكوفيين: أن الفعلين عملا في هذا الاسم، وهو يرى أن العاملين يعملان في المعمول الواحد." أستمع حفظ