التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-06a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.47 ميغابايت )
التنزيل ( 1265 )
الإستماع ( 72 )


2 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال : " اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره ، فالتفت إلينا فرآنا قياما ، فأشار إلينا فقعدنا ، فصلينا بصلاته قعودا ، فلما سلم قال : إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود ، فلا تفعلوا ، ائتموا بأئمتكم إن صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا " . رواه مسلم وأبو داود من حديث الليث عن أبي الزبير عن جابر . ورواه أبو داود وغيره من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : " ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا بالمدينة فصرعه على جذم نخلة فانقطعت قدمه ، فأتيناه نعوده ، فوجدناه في مشربة لعائشة يسبح جالسا . قال : فقمنا خلفه ، فسكت عنا ، ثم أتيناه مرة أخرى نعوده فصلى المكتوبة جالسا ، فقمنا خلفه ، فأشار إلينا فقعدنا . قال :فلما قضى الصلاة . قال : إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا وإذا صلى الإمام قائما فصلوا قياما، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها " وأظن في غير رواية أبي داود " ولا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضها بعضا " . ففي هذا الحديث أنه أمرهم بترك القيام الذي هو فرض في الصلاة ، وعلل ذلك بأن قيام المأمومين مع قعود الإمام يشبه فعل فارس والروم بعظمائهم ، في قيامهم وهم قعود . ومعلوم أن المأموم إنما نوى أن يقوم لله لا لإمامه وهذا تشديد عظيم في النهي عن القيام للرجل القاعد ، ونهى أيضا عما يشبه ذلك ، وإن لم يقصد به ذلك ، ولهذا نهى عن السجود لله بين يدي الرجل ، وعن الصلاة إلى ما قد عبد من دون الله ، كالنار ونحوها ". أستمع حفظ

3 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفي هذا الحديث أيضا نهى عما يشبه فعل فارس والروم وإن كانت نيتنا غير نيتهم لقوله: فلا تفعلوا. فهل بعد هذا في النهي عن مشابهتهم في مجرد الصورة غاية ثم هذا الحديث سواء كان محكما في قعود المأموم أو منسوخا فإن الحجة منه قائمة؛ لأن نسخ القعود لا يدل على فساد تلك العلة وإنما يقتضي أنه قد عارضها ما ترجح عليها مثل كون القيام فرضا في الصلاة فلا يسقط الفرض بمجرد المشابهة الصورية ، وهذا محل اجتهاد " أستمع حفظ

4 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فأما المشابهة الصورية إذا لم تسقط فرضا كانت تلك العلة التي علل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم سليمة عن معارض أو نسخ ؛ لأن القيام في الصلاة ليس بمشابهة في الحقيقة فلا يكون محذورا فالحكم إذا علل بعلة ، ثم نسخ مع بقاء العلة ، فلا بد من أن يكون غيرها ترجح عليها وقت الناسخ أو ضعف تأثيرها، أما أن تكون في نفسها باطلة فهذا محال، هذا كله لو كان الحكم هنا منسوخا فكيف ، والصحيح أن هذا الحديث محكم قد عمل به غير واحد من الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونهم علموا صلاته في مرضه. وقد استفاض عنه صلى الله عليه وسلم الأمر به استفاضة صحيحة صريحة يمتنع معها أن يكون حديث المرض ناسخا له على ما هو مقرر في غير هذا الموضع إما بجواز الأمرين إذ فعل القيام لا ينافي فعل القعود ، وإما بالفرق بين المبتدئ للصلاة قاعدا و الصلاة التي ابتدأها الإمام قائما لعدم دخول هذه الصلاة في قوله . وإذا صلى قاعدا، ولعدم المفسدة التي علل بها، ولأن بناء فعل آخر الصلاة على أولها أولى من بنائها على صلاة الإمام ونحو ذلك من الأمور المذكورة في غير هذا الموضع ". أستمع حفظ

5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأيضا فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتبع جنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد ، فعرض له حبر فقال : هكذا نصنع يا محمد . قال : فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : خالفوهم . رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال : بشر بن رافع ليس بالقوي في الحديث . قلت : قد اختلف العلماء في القيام للجنازة إذا مرت ومعها إذا شيعت ، وأحاديث الأمر بذلك كثيرة مستفيضة ومن اعتقد نسخها أو نسخ القيام للمارة فعمدته حديث علي وحديث عبادة هذا . وإن كان القول بهما ممكنا ؛ لأن المشيع يقوم لها حتى توضع عن أعناق الرجال لا في اللحد فهذا الحديث إما أن يقال به جمعا بينه وبين غيره ، أو ناسخا لغيره وقد علل بالمخالفة ومن لا يقول به يضعفه ، وذلك لا يقدح في الاستشهاد به والاعتضاد على جنس المخالفة . وقد روى البخاري عن عبد الرحمن بن القاسم أن القاسم كان يمشي بين يدي الجنازة ، ولا يقوم لها ويخبر عن عائشة قالت : كان أهل الجاهلية يقومون لها ، يقولون إذا رأوها : كنت في أهلك ما كنت مرتين فقد استدل من كره القيام بأنه كان من فعل الجاهلية وليس الغرض هنا الكلام في عين هذه المسألة ." أستمع حفظ

6 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللحد لنا والشق لغيرنا رواه أهل السنن الأربعة " وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللحد لنا والشق لغيرنا " رواه أحمد وابن ماجه وفي رواية لأحمد " والشق لأهل الكتاب . " وهو مروي من طرق فيها لين لكن يصدق بعضها بعضا. وفيه التنبيه على مخالفتنا لأهل الكتاب حتى في وضع الميت في أسفل القبر " أستمع حفظ

9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأيضا عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة وقال : النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب " رواه مسلم . ذم في الحديث من دعا بدعوى الجاهلية ، وأخبر أن بعض أمر الجاهلية لا يتركه الناس كلهم ذما لمن لم يتركه ، وهذا كله يقتضي أن ما كان من أمر الجاهلية وفعلهم، فهو مذموم في دين الإسلام ، وإلا لم يكن في إضافة هذه المنكرات إلى الجاهلية ذم لها ، ومعلوم أن إضافتها إلى الجاهلية خرج مخرج الذم وهذا كقوله سبحانه وتعالى : { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } فإن في ذلك ذما للتبرج وذما لحال الجاهلية الأولى ، وذلك يقتضي المنع من مشابهتهم في الجملة . ومنه قوله لأبي ذر رضي الله عنه لما عير رجلا بأمه: " إنك امرؤ فيك جاهلية ". فإنه ذم لذلك الخلق ولأخلاق الجاهلية التي لم يجئ بها الإسلام . ومنه قوله تعالى : { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } فإن إضافة الحمية إلى الجاهلية اقتضى ذمها فما كان من أخلاقهم وأفعالهم ، فهو كذلك . ومن هذا ما رواه البخاري في صحيحه عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس قال : ثلاث خلال من خلال الجاهلية: الطعن في الأنساب والنياحة، ونسيت الثالثة قال سفيان : ويقولون : إنها الاستسقاء بالأنواء" وروى مسلم في صحيحه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت " ، فقوله : هما بهم كفر. أي هاتان الخصلتان هما كفر قائم بالناس فنفس الخصلتين كفر حيث كانتا من أعمال الكفار وهما قائمتان بالناس لكن ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير كافرا الكفر المطلق حتى تقوم به حقيقة الكفر كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمنا حتى يقوم به أصل الإيمان وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس بين العبد وبين الكفر - أو الشرك - إلا ترك الصلاة " وبين كفر منكر في الإثبات " . أستمع حفظ

11 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفرق أيضا بين معنى الاسم المطلق إذا قيل : كافر أو مؤمن . وبين المعنى المطلق للاسم في جميع موارده كما في قوله : لا ترجعوا بعدي كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض فقوله :" يضرب بعضكم رقاب بعض " تفسير كفارا في هذا الموضع ، وهؤلاء يسمون كفارا تسمية مقيدة ، ولا يدخلون في الاسم المطلق إذا قيل : كافر ومؤمن .كما أن قوله تعالى : { من ماءٍ دافقٍ } سمى المني ماء تسمية مقيدة ولم يدخل في الاسم المطلق حيث قال : { فلم تجدوا ماءً فتيمموا }" . أستمع حفظ

12 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن هذا الباب ما أخرجاه في الصحيحين عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال : " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا ، وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريا ، فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا وقال الأنصاري : يا للأنصار . وقال المهاجري : يا للمهاجرين . فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما بال دعوى الجاهلية ، ثم قال : ما شأنهم ؟ فأخبر بكسعة المهاجري للأنصاري قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعوها فإنها خبيثة وقال عبد الله بن أبي ابن سلول : أوقد تداعوا علينا ، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . قال عمر : ألا تقتل يا نبي الله هذا الخبيث - لعبد الله - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه ". ورواه مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر قال : " اقتتل غلامان غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فنادى المهاجر : يا للمهاجرين ونادى الأنصاري : يا للأنصار فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا ؟ أدعوى الجاهلية ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر فقال : لا بأس ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما ، إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصر وإن كان مظلوما فلينصره " فهذان الاسمان المهاجرون والأنصار اسمان شرعيان جاء بهما الكتاب والسنة وسماهما الله بهما كما سمانا المسلمين من قبل وفي هذا ، وانتساب الرجل إلى المهاجرين أو الأنصار انتساب حسن محمود عند الله وعند رسوله ، ليس من المباح الذي يقصد به التعريف فقط ، كالانتساب إلى القبائل والأمصار ، ولا من المكروه أو المحرم ، كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أو معصية أخرى . ثم مع هذا لما دعا كل منهما طائفة منتصرا بها أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وسماها دعوى الجاهلية حتى قيل له : إن الداعي بها إنما هما غلامان لم يصدر ذلك من الجماعة فأمر بمنع الظالم ، وإعانة المظلوم ليبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المحذور إنما هو تعصب الرجل لطائفته مطلقا فعل أهل الجاهلية ، فأما نصرها بالحق من غير عدوان فحسن واجب أو مستحب ومثل هذا ما روى أبو داود وابن ماجه عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : قلت : " يا رسول الله ما العصبية قال : أن تعين قومك على الظلم " وعن سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " خيركم المدافع عن عشيرته ما لم يأثم " رواه أبو داود وروى أيضا عن جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية ". وروى أيضا عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي فهو ينزع بذنبه ". فإذا كان هذا التداعي في هذه الأسماء و هذا الانتساب الذي يحبه الله ورسوله فكيف بالتعصب مطلقا ، والتداعي للنسب والإضافات التي هي : إما مباحة ، أو مكروهة ." أستمع حفظ

13 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وذلك أن الانتساب إلى الاسم الشرعي أحسن من الانتساب إلى غيره ، ألا ترى إلى ما رواه أبو داود من حديث محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عبد الرحمن بن أبي عقبة عن أبي عقبة وكان مولى من أهل فارس قال : " شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا فضربت رجلا من المشركين فقلت: خذها وأنا الغلام الفارسي، فالتفت إلي فقال : هلا قلت : خذها مني وأنا الغلام الأنصاري ". حضه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الانتساب إلى الأنصار، وإن كان بالولاء، وكان إظهار هذا أحب إليه من الانتساب إلى فارس بالصراحة، وهي نسبة حق، ليست محرمة . ويشبه -والله أعلم- أن يكون من حكمة ذلك: أن النفس تحامي عن الجهة التي تنتسب إليها فإذا كان ذلك لله كان خيرا للمرء . فقد دلت هذه الأحاديث على أن إضافة الأمر إلى الجاهلية يقتضي ذمه، والنهي عنه، وذلك يقتضي المنع من أمور الجاهلية مطلقا ، وهو المطلوب في هذا الكتاب . ومثل هذا ما روى سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء : مؤمن تقي أو فاجر شقي ، أنتم بنو آدم وآدم من تراب ، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن " رواه أبو داود وغيره وهو صحيح . فأضاف العبية والفخر إلى الجاهلية يذمها بذلك وذلك يقتضي ذمها بكونها مضافة إلى الجاهلية وذلك يقتضي ذم الأمور المضافة إلى الجاهلية ." أستمع حفظ