التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-07b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.42 ميغابايت )
التنزيل ( 1295 )
الإستماع ( 158 )


6 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد روي عن غير واحد من أهل العلم : أن أهل الكتابين قبلنا إنما أمروا بالرؤية - أيضا - في صومهم وعباداتهم، وتأولوا على ذلك قوله تعالى : { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } ولكن أهل الكتابين بدلوا ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تقدم رمضان باليوم واليومين، وعلل الفقهاء ذلك بما يخاف من أن يزاد في الصوم المفروض ما ليس منه، كما زاده أهل الكتاب، من النصارى، فإنهم زادوا في صومهم، وجعلوه فيما بين الشتاء والصيف، وجعلوا له طريقة من الحساب يتعرفونه بها . وقد يستدل بهذا الحديث، على خصوص النهي عن أعيادهم، فإن أعيادهم معلومة بالكتاب والحساب، والحديث فيه عموم أو يقال : إذا نهينا عن ذلك في عيد الله ورسوله، ففي غيرها من الأعياد والمواسم أولى وأحرى، ولما في ذلك من مضارعة الأمة الأمية سائر الأمم . وبالجملة فالحديث يقتضي اختصاص هذه الأمة بالوصف الذي فارقت به غيرها، وذلك يقتضي أن ترك المشابهة للأمم أقرب إلى حصول الوفاء بالاختصاص . وأيضا ففي الصحيحين عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية عام حج على المنبر، وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي ، فقال : " يا أهل المدينة، أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول : " إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم " وفي رواية سعيد بن المسيب - في الصحيح - أن معاوية قال ذات يوم : " إنكم أحدثتم زي سوء، وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الزور " قال : وجاء رجل بعصا على رأسها خرقة . قال معاوية : " ألا وهذا الزور " . قال قتادة : " يعني ما يكثر به النساء أشعارهن من الخرق ". أستمع حفظ

7 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفي رواية عن ابن المسيب - في الصحيح - قال : " قدم معاوية المدينة، فخطبنا، وأخرج كبة من شعر، فقال : ما كنت أرى أن أحدا يفعله إلا اليهود، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه، فسماه الزور " فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وصل الشعر : " أن بني إسرائيل هلكوا حين أحدثه نساؤهم " يحذر أمته مثل ذلك، ولهذا قال معاوية : " ما كنت أرى أن أحدا يفعله إلا اليهود " . فما كان من زي اليهود، الذي لم يكن عليه المسلمون : إما أن يكون مما يعذبون عليه، أو مظنة لذلك، أو يكون تركه حسما لمادة ما عذبوا عليه، لا سيما إذا لم يتميز ما هو الذي عذبوا عليه من غيره، فإنه يكون قد اشتبه المحظور بغيره، فيترك الجميع كما أن ما يخبرونا به لما اشتبه صدقه بكذبه : ترك الجميع . وأيضا ما روى نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو قال : قال عمر - : " إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم يكن له إلا ثوب فليتزر به، ولا يشتمل اشتمال اليهود " رواه أبو داود وغيره، بإسناد صحيح. وهذا المعنى صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، من رواية جابر وغيره أنه أمر في الثوب الضيق، بالاتزار دون الاشتمال. وهو قول جمهور أهل العلم، وفي مذهب أحمد قولان، وإنما الغرض: أنه قال : " لا يشتمل اشتمال اليهود " فإن إضافة المنهي عنه إلى اليهود، دليل على أن لهذه الإضافة تأثيرا في النهي، كما تقدم التنبيه عليه. وأيضا فمما نهانا الله سبحانه فيه عن مشابهة أهل الكتاب، وكان حقه أن يقدم في دلائل الكتاب : قوله سبحانه : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم } فقوله: ولا يكونوا مثلهم، نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضا في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي ". أستمع حفظ

8 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد وصف الله سبحانه بها اليهود في غير موضع، فقال تعالى: { فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوةً وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافلٍ عما تعملون } وقال تعالى : { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضًا حسنًا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار } إلى قوله : { فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسيةً يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظًا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنةٍ منهم إلا قليلًا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين }. وإن قوما من هذه الأمة، ممن ينسب إلى علم أو دين، قد أخذوا من هذه الصفات بنصيب، يرى ذلك من له بصيرة، فنعوذ بالله من كل ما يكرهه الله ورسوله، ولهذا: كان السلف يحذرونهم هذا. فروى البخاري - في صحيحه - عن أبي الأسود قال : " بعث أبو موسى إلى قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن، فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه، ولا يطولن عليكم الأمد، فتقسو قلوبكم، كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة، فأنسيتها، غير أني حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب . وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات، فأنسيتها، غير أني حفظت منها : يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة " . أستمع حفظ

9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فحذر أبو موسى القراء عن أن يطول عليهم الأمد، فتقسو قلوبهم . ثم لما كان نقض الميثاق يدخل فيه نقض ما عهد إليهم من الأمر والنهي، وتحريف الكلم عن مواضعه، بتبديل وتأويل كتاب الله أخبر ابن مسعود بما يشبه ذلك. فروى الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن الربيع بن عميلة الفزاري حدثنا عبد الله حديثا ما سمعت حديثا هو أحسن منه إلا كتاب الله، أو رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم، فاخترعوا كتابا من عند أنفسهم، اشتهته قلوبهم، واستحلته أنفسهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، كأنهم لا يعلمون، فقالوا اعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل فإن تابعوكم فاتركوهم، وإن خالفوكم فاقتلوهم، ثم قالوا : لا، بل أرسلوا إلى فلان رجل من علمائهم، فاعرضوا عليه هذا الكتاب، فإن تابعكم فلن يخالفكم أحد بعده وإن خالفكم فاقتلوه، فلن يختلف عليكم بعده أحد، فأرسلوا إليه، فأخذ ورقة فكتب فيها كتاب الله، ثم جعلها في قرن، ثم علقها في عنقه، ثم لبس عليها الثياب، ثم أتاهم فعرضوا عليه الكتاب، فقالوا : أتؤمن بهذا ؟ فأوما إلى صدره فقال : آمنت بهذا، ومالي لا أومن بهذا ؟ - يعني الكتاب الذي في القرن- فخلوا سبيله وكان له أصحاب يغشونه، فلما مات نبشوه فوجدوا القرن، فوجدوا فيه الكتاب، فقالوا : ألا ترون قوله : آمنت بهذا، وما لي لا أومن بهذا ؟ إنما عنى هذا الكتاب، فاختلف بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة، وخير مللهم : أصحاب ذي القرن " قال عبد الله : " وإن من بقي منكم سيرى منكرا، وبحسب امرئ يرى منكرا لا يستطيع أن يغيره، أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره ". أستمع حفظ

14 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ولما نهى الله عن التشبه بهؤلاء الذين قست قلوبهم، ذكر أيضا في آخر السورة حال الذين ابتدعوا الرهبانية، فما رعوها حق رعايتها فعقبها بقوله : { اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورًا تمشون به ويغفر لكم والله غفورٌ رحيمٌ لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيءٍ من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم } فإن الإيمان بالرسول : تصديقه وطاعته واتباع شريعته، وفي ذلك مخالفة للرهبانية ؛ لأنه لم يبعث بها، بل نهى عنها، وأخبر : أن من اتبعه كان له أجران، وبذلك جاءت الأحاديث الصحيحة، من طريق ابن عمر وغيره، في مثلنا ومثل أهل الكتاب . وقد صرح صلى الله عليه وسلم بذلك فيما رواه أبو داود في سننه، من حديث ابن وهب ، أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء: أن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ". هذا الذي في رواية اللؤلؤي عن أبي داود ، وفي رواية ابن داسة عنه : " أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة، في زمان عمر بن عبد العزيز، وهو أمير بالمدينة، فإذا هو يصلي صلاة خفيفة، كأنها صلاة المسافر، أو قريبا منها، فلما سلم قال : يرحمك الله، أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أم شيء تنفلته ؟ قال : إنها للمكتوبة، وإنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول : " لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات رهبانية ابتدعوها، ما كتبناها عليهم " . ثم غدا من الغد، فقال : ألا تركب لتنظر ولتعتبر؟ قال: نعم، فركبوا جميعا، فإذا بديارٍ باد أهلها وانقضوا وفنوا، خاوية على عروشها، قال: أتعرف هذه الديار ؟ فقال: نعم، ما أعرفني بها وبأهلها، هؤلاء أهل ديار أهلكهم الله ببغيهم وحسدهم ؛ إن الحسد يطفئ نور الحسنات، والبغي يصدق ذلك أو يكذبه، والعين تزني والكف، والقدم، والجسد، واللسان، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه." فأما سهل بن أبي أمامة، فقد وثقه يحيى بن معين وغيره، وروى له مسلم وغيره . أما ابن أبي العمياء فمن أهل بيت المقدس ما أعرف حاله، لكن رواية أبي داود للحديث، وسكوته عنه : يقتضي أنه حسن عنده، وله شواهد في الصحيح. فأما ما فيه من وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخفيف : ففي الصحيحين عنه - أعني : أنس بن مالك - قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها ". وفي الصحيحين أيضا عنه قال: " ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة، ولا أتم من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ". زاد البخاري: " وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف، مخافة أن تفتتن أمه ". أستمع حفظ