التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-08b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.40 ميغابايت )
التنزيل ( 1224 )
الإستماع ( 76 )


1 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال : " إن أم الفضل سمعته وهو يقرأ { والمرسلات عرفًا } فقالت : يا بني، لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرأ بها في المغرب. قد أخبرت أم الفضل: أن ذلك آخر ما سمعته يقرأ بها في المغرب، وأم الفضل لم تكن من المهاجرات، بل هي من المستضعفين، كما قال ابن عباس:كنت أنا وأمي من المستضعفين، الذين عذرهم الله ". فهذا السماع كان متأخرا . وكذلك في الصحيح عن زيد بن ثابت: " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولى الطوليين. وزيد من صغار الصحابة . وكذلك صلى بالمؤمنين في الفجر بمكة، وأدركته سعلة عند ذكر موسى وهارون، فهذه الأحاديث وأمثالها، تبين أنه صلى الله عليه وسلم كان في آخر حياته يصلي في الفجر بطوال المفصل، وشواهد هذا كثيرة؛ ولأن سائر الصحابة اتفقوا على أن هذه كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ما زال يصليها، ولم يذكر أحد أنه نقص صلاته في آخر عمره عما كان يصليها، وأجمع الفقهاء على أن السنة أن يقرأ في الفجر بطوال المفصل وقوله : " ولا يصلي صلاة هؤلاء " إما أن يريد به : من كان يطيل الصلاة على هذا أو من كان ينقصها عن ذلك، أي إنه كان صلى الله عليه وسلم يخففها " أستمع حفظ

3 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومع ذلك : فلا يحذفها حذف هؤلاء الذين يحذفون الركوع والسجود، والاعتدالين، كما دل عليه حديث أنس والبراء، أو كان أولئك الأمراء ينقصون القراءة، أو القراءة وبقية الأركان، عما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله . كما روى أبو قزعة قال : " أتيت أبا سعيد الخدري وهو مكثور عليه، فلما تفرق الناس عنه، قلت : إني لا أسألك عما سألك هؤلاء عنه، قلت : أسألك عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ما لك في ذلك من خير فأعادها عليه، فقال : كانت صلاة الظهر تقام، فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ، ثم يرجع إلى المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى " . وفي رواية " مما يطولها " رواه مسلم في صحيحه." أستمع حفظ

5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفي الصحيحين عن أبي برزة قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح فينصرف الرجل، فيعرف جليسه، وكان يقرأ في الركعتين، أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة " هذا لفظ البخاري وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمرنا بالتخفيف، وإن كان ليؤمنا بالصافات، رواه أحمد والنسائي. وعن الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال : " ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان " قال سليمان : " كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف الأخيرتين، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل ويقرأ في الصبح بطوال المفصل " رواه النسائي وابن ماجه، وهذا إسناد على شرط مسلم . والضحاك بن عثمان قال فيه أحمد ويحيى: " هو ثقة "، وقال فيه ابن سعد : " كان ثبتا "." أستمع حفظ

10 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ويدل على ما ذكرناه : ما روى مسلم في صحيحه عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة وإن من البيان لسحرا " فقد جعل طول الصلاة علامة على فقه الرجل، وأمر بإطالتها، وهذا الأمر إما أن يكون عاما في جميع الصلوات، وإما أن يكون المراد به صلاة الجمعة . فإن كان اللفظ عاما فظاهر، وإن كان المراد صلاة الجمعة : فإذا أمر بإطالتها، مع كون الجمع فيها يكون عظيما، فيه من الضعفاء والكبار وذوي الحاجات ما ليس في غيره، ومع كونها تفعل في شدة الحر، مسبوقة بخطبتين: فالفجر ونحوها التي تفعل وقت البرد، مع قلة الجمع : أولى وأحرى . والأحاديث في هذا كثيرة . وإنما ذكرنا هذا تفسيرا لما في حديث أنس، من تقدير صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ قد يحسب من يسمع هذه الأحاديث أن فيها نوع تناقض، أو يستمسك بعض الناس ببعضها دون بعض، ويجهل معنى ما تمسك به . وأما في حديث أنس المتقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تشددوا على أنفسكم، فيشدد الله عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ". ففيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشدد في الدين بالزيادة على المشروع . والتشديد: تارة يكون باتخاذ ما ليس بواجب، ولا مستحب : بمنزلة الواجب والمستحب في العبادات، وتارة باتخاذ ما ليس بمحرم، ولا مكروه بمنزلة المحرم والمكروه، في الطيبات . وعلل ذلك بأن الذين شددوا على أنفسهم من النصارى، شدد الله عليهم لذلك، حتى آل الأمر إلى ما هم عليه من الرهبانية المبتدعة. وفي هذا تنبيه على كراهة النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما عليه النصارى من الرهبانية المبتدعة، وإن كان كثير من عبادنا، قد وقعوا في بعض ذلك متأولين معذورين، أو غير متأولين." أستمع حفظ

12 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفيه أيضا تنبيه على أن التشديد على النفس ابتداء، يكون سببا لتشديد آخر، يفعله الله : إما بالشرع وإما بالقدر، فأما بالشرع : فمثل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخافه في زمانه من زيادة إيجاب أو تحريم، كنحو ما خافه لما اجتمعوا لصلاة التراويح معه، ولما كانوا يسألون عن أشياء لم تحرم، ومثل : أن من نذر شيئا من الطاعات وجب عليه فعله، وهو منهي عن نفس عقد النذر، وكذلك الكفارات الواجبة بأسباب . وأما بالقدر : فكثير قد رأينا وسمعنا من كان يتنطع في أشياء، فيبتلى أيضا بأسباب تشدد الأمور عليه، في الإيجاب والتحريم، مثل كثير من الموسوسين في الطهارة، إذا زادوا على المشروع، ابتلوا بأسباب توجب حقيقة عليهم أشياء مشقة ومضرة . وهذا المعنى الذي دل عليه الحديث، موافق لما قدمناه في قوله تعالى : { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } من أن ذلك يقتضي كراهة موافقتهم في الآصار والأغلال . والآصار : ترجع إلى الإيجابات الشديدة . والأغلال : هي التحريمات الشديدة . فان الإصر : هو الثقل والشدة، وهذا شأن ما وجب . والغل : يمنع المغلول من الانطلاق، وهذا شأن المحظور ." أستمع حفظ

15 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وعلى هذا ما في الصحيحين عن أنس بن مالك قال : " جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا . وقال الآخر : أنا أصوم الدهر أبدا . وقال الآخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: " أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني " ، رواه البخاري، وهذا لفظه ومسلم، ولفظه : عن أنس : " أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم : لا أتزوج النساء . وقال بعضهم : لا آكل اللحم . وقال بعضهم : لا أنام على فراش. فحمد الله وأثنى فقال : " ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني "." أستمع حفظ

17 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والأحاديث الموافقة لهذا كثيرة في بيان أن سنته التي هي الاقتصاد : في العبادة، وفي ترك الشهوات ؛ خير من رهبانية النصارى، التي هي : ترك عامة الشهوات من النكاح وغيره، والغلو في العبادات صوما وصلاة . وقد خالف هذا - بالتأويل ولعدم العلم - طائفة من الفقهاء والعباد، ومثل هذا ما رواه أبو داود في سننه، عن العلاء بن عبد الرحمن عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة : " أن رجلا قال : يا رسول الله ائذن لي بالسياحة، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن أمته سياحتهم الجهاد في سبيل الله . وفي حديث آخر : " إن السياحة هي الصيام " ، أو " السائحون هم الصائمون "، أو نحو ذلك . وذلك تفسير لما ذكره الله تعالى في القرآن من قوله : { السائحون }. وقوله { سائحاتٍ }. وأما السياحة التي هي الخروج في البرية لغير مقصد معين فليست من عمل هذه الأمة. ولهذا قال الإمام أحمد : " ليست السياحة من الإسلام في شيء، ولا من فعل النبيين ولا الصالحين " ، مع أن جماعة من إخواننا قد ساحوا السياحة المنهي عنها متأولين في ذلك، أو غير عالمين بالنهي عنه، وهي من الرهبانية المبتدعة التي قيل فيها: " لا رهبانية في الإسلام ". والغرض هنا : بيان ما جاءت به الحنيفية : من مخالفة اليهود فيما أصابهم من القسوة عن ذكر الله، وعما أنزل ومخالفة النصارى فيما هم عليه من الرهبانية المبتدعة، وإن كان قد ابتلي بعض المنتسبين منا إلى علم أو دين بنصيب من هذا، أو من هذا. ومثل هذا ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته : " القط لي حصى " فلقطت له سبع حصيات، من حصى الخذف، فجعل ينفضهن في كفه ويقول : " أمثال هؤلاء فارموا " ، ثم قال : " أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين " ، رواه أحمد والنسائي وابن ماجه من حديث عوف بن أبي جميلة عن زياد بن حصين عن أبي العالية عنه، وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم . وقوله : " إياكم والغلو في الدين " عام في جميع أنواع الغلو، في الاعتقاد والأعمال . والغلو : مجاوزة الحد بأن يزاد الشيء في حمده أو ذمه على ما يستحق، ونحو ذلك . والنصارى أكثر غلوا في الاعتقادات والأعمال من سائر الطوائف، وإياهم نهى الله عن الغلو في القرآن، في قوله تعالى: { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم }. وسبب هذا اللفظ العام: رمي الجمار، وهو داخل فيه، فالغلو فيه: مثل الرمي بالحجارة الكبار، ونحو ذلك. بناء على أنه قد أبلغ من الحصى الصغار. ثم علل ذلك : بأن ما أهلك من قبلنا إلا الغلو في الدين، كما تراه في النصارى ". أستمع حفظ