التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-10a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.52 ميغابايت )
التنزيل ( 1141 )
الإستماع ( 66 )


2 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " لأن أمر الجاهلية معناه المفهوم منه : ما كانوا عليه مما لم يقره الإسلام، فيدخل في ذلك : ما كانوا عليه وإن لم ينه في الإسلام عنه بعينه . وأيضا ما روى أبو داود والنسائي وابن ماجه، من حديث عياش بن عباس عن أبي الحصين - يعني الهيثم بن شفي - قال : " خرجت أنا وصاحب لي يكنى أبا عامر - رجل من المعافر - لنصلي بإيلياء ، وكان قاصهم رجل من الأزد يقال له : أبو ريحانة، من الصحابة . قال أبو الحصين : فسبقني صاحبي إلى المسجد، ثم ردفته فجلست إلى جنبه، فسألني : هل أدركت قصص أبي ريحانة ؟ قلت : لا . قال : سمعته يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشر : عن الوشر ؛ والوشم ؛ والنتف ؛ وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار ؛ ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار ؛ وأن يجعل الرجل بأسفل ثيابه حريرا، مثل الأعاجم ؛ أو يجعل على منكبيه حريرا، مثل الأعاجم ؛ وعن النهبى؛ وركوب النمور؛ ولبوس الخاتم إلا لذي سلطان " . وفي رواية عن أبي ريحانة قال : " بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا الحديث محفوظ من حديث عياش بن عباس . رواه عنه المفضل بن فضالة، وحيوة بن شريح المصري، ويحيى بن أيوب. وكل منهم ثقة، وعياش بن عباس روى له مسلم، وقال يحيى بن معين : " ثقة ". وقال أبو حاتم : " صالح ". وأما أبو الحصين - الهيثم بن شفي - قال الدارقطني : شفي بفتح الشين وتخفيف الفاء، وأكثر المحدثين يقولون : شفي، وهو غلط . وأبو عامر الحجري، فشيخان، قد روى عن كل واحد منهما أكثر من واحد. وهما من الشيوخ القدماء . وهذا الحديث قد أشكل على أكثر الفقهاء، من جهة أن يسير الحرير قد دل على جوازه نصوص متعددة، ويتوجه تحريمه على الأصل، وهو : أن يكون صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما كره أن يجعل الرجل على أسفل ثيابه، أو على منكبيه حريرا، مثل الأعاجم، فيكون المنهي عنه نوعا كان شعارا للأعاجم . فنهى عنه لذلك، لا لكونه حريرا ؛ فإنه لو كان النهي عنه لكونه حريرا لعم الثوب كله، ولم يخص هذين الموضعين، ولهذا قال فيه : " مثل الأعاجم " . بيان أن النهي عن الشيء يكون نهيا عن صفته أو مشابهة فيه الكفار. وبيان حكم وجود المحراب في المسجد." أستمع حفظ

3 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والأصل في الصفة: أن تكون لتقييد الموصوف، لا لتوضيحه. وعلى هذا يمكن تخريج ما رواه أبو داود بإسناد صحيح عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا أركب الأرجوان، ولا ألبس المعصفر، ولا ألبس القميص المكفف بالحرير " . قال: فأومأ الحسن إلى جيب قميصه، قال : وقال : " ألا وطيب الرجال ريح لا لون له، ألا وطيب النساء لون لا ريح له " . قال سعيد : " أراه قال : إنما حملوا قوله في طيب النساء : على أنها إذا خرجت، فأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما شاءت ". أو يخرج هذا الحديث على الكراهية فقط . وكذلك قد يقال في الحديث الأول، لكن في ذلك نظر." أستمع حفظ

10 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الذبح بالظفر، معللا بأنها مدى الحبشة، كما علل السن : بأنه عظم . وقد اختلف الفقهاء في هذا، فذهب أهل الرأي: إلى أن علة النهي كون الذبح بالسن والظفر يشبه الخنق، أو هو مظنة الخنق، والمنخنقة محرمة، وسوغوا على هذا : الذبح بالسن والظفر المنزوعين ؛ لأن التذكية بالآلات المنفصلة المحددة، لا خنق فيه . والجمهور منعوا من ذلك مطلقا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى السن والظفر مما أنهر الدم، فعلم أنه من المحدد الذي لا يجوز التذكية به، ولو كان لكونه خنقا، لم يستثنه، والمظنة إنما تقام مقام الحقيقة إذا كانت الحكمة خفية أو غير منضبطة، فأما مع ظهورها وانضباطها فلا . وأيضا، فإنه مخالف لتعليل رسول الله صلى الله عليه وسلم المنصوص في الحديث، ثم اختلف هؤلاء : هل يمنع من التذكية بسائر العظام، عملا بعموم العلة ؟ على قولين، في مذهب أحمد وغيره . وعلى الأقوال الثلاثة، فقوله صلى الله عليه وسلم : " وأما الظفر، فمدى الحبشة " بعد قوله : " سأحدثكم عن ذلك " يقتضي أن هذا الوصف - وهو كونه مدى الحبشة - له تأثير في المنع : إما أن يكون علة، أو دليلا على العلة ؛ أو وصفا من أوصاف العلة، أو دليلها، والحبشة في أظفارهم طول، فيذكون بها دون سائر الأمم، فيجوز أن يكون نهى عن ذلك ؛ لما فيه من مشابهتهم فيما يختصون به". أستمع حفظ

11 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما العظم: فيجوز أن يكون نهيه عن التذكية به، كنهيه عن الاستنجاء به؛ لما فيه من تنجيسه على الجن، إذ الدم نجس، وليس الغرض هنا ذكر مسألة الذكاة بخصوصها فإن فيها كلاما ليس هذا موضعه. وأيضا، في الصحيحين عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال : " البحيرة التي يمنح درها للطواغيت، فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة: كانوا يسيبونها لآلهتهم، لا يحمل عليها شيء " ، وقال : قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، كان أول من سيب السوائب ". وروى مسلم، من حديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف ، أخا بني كعب، وهو يجر قصبه في النار ". وللبخاري، من حديث أبي صالح عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف، أبو خزاعة " . هذا من العلم المشهور : أن عمرو بن لحي هو أول من نصب الأنصاب حول البيت، ويقال : إنه جلبها من البلقاء ، من أرض الشام، متشبها بأهل البلقاء، وهو أول من سيب السائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحام، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه " يجر قصبه في النار " وهي الأمعاء ومنه سمي القصاب بذلك ؛ لأنها تشبه القصب، ومعلوم أن العرب قبله كانوا على ملة أبيهم إبراهيم على شريعة التوحيد، والحنيفية السمحة، دين أبيهم إبراهيم . فتشبه عمرو بن لحي - وكان عظيم أهل مكة يومئذ ؛ لأن خزاعة كانوا ولاة البيت قبل قريش، وكان سائر العرب متشبهين بأهل مكة ؛ لأن فيها بيت الله، وإليها الحج، ما زالوا معظمين من زمن إبراهيم عليه السلام -، فتشبه عمرو بمن رآه في الشام، واستحسن بعقله ما كانوا عليه، ورأى أن في تحريم ما حرمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، تعظيما لله ودينا، فكان ما فعله أصل الشرك في العرب، أهل دين إبراهيم، وأصل تحريم الحلال، وإنما فعله متشبها فيه بغيره من أهل الأرض، فلم يزل الأمر يتزايد ويتفاقم حتى غلب على أفضل الأرض الشرك بالله عز وجل، وتغيير دينه، إلى أن بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فأحيا ملة إبراهيم عليه السلام وأقام التوحيد، وحلل ما كانوا يحرمونه . وفي سورة الأنعام، من عند قوله تعالى : { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا } إلى قوله : { قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهًا بغير علمٍ وحرموا ما رزقهم الله } إلى آخر السورة، خطاب مع هؤلاء الضرب ؛ ولهذا يقول تعالى في أثنائها : { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيءٍ }. ومعلوم أن مبدأ هذا التحريم : ترك الأمور المباحة تدينا، وأصل هذا التدين : هو من التشبه بالكفار، وإن لم يقصد التشبه بهم . فقد تبين لك : أن من أصل دروس دين الله وشرائعه، وظهور الكفر والمعاصي : التشبه بالكافرين، كما أن من أصل كل خير : المحافظة على سنن الأنبياء وشرائعهم، ولهذا عظم وقع البدع في الدين، وإن لم يكن فيها تشبه بالكفار، فكيف إذا جمعت الوصفين ؟". أستمع حفظ

12 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ولهذا جاء في الحديث: " ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع عنهم من السنة مثلها " .وأيضا، فقد روى أبو داود في سننه، وغيره من حديث هشيم أخبرنا أبو بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار، قال : " اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة، كيف يجمع الناس لها ؟ فقيل له : انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا، فلم يعجبه ذلك، قال : فذكروا له القنع شبور اليهود، فلم يعجبه ذلك، وقال : " هو من أمر اليهود " ، قال : فذكروا له الناقوس، فقال : " هو من فعل النصارى " ، فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وهو مهتم لهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فأري الأذان في منامه، قال : فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال : يا رسول الله! إني لبين نائم ويقظان، إذ أتاني آت، فأراني الأذان، قال : وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يوما قال : ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " له ما منعك أن تخبرنا ؟ " ، فقال : سبقني عبد الله بن زيد، فاستحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله " قال : " فأذن بلال " ، قال : أبو بشر : " فحدثني أبو عمير : أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد، لولا أنه كان يومئذ مريضا، لجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا " . أستمع حفظ

13 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وروى سعيد بن منصور في سننه : حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة ، عن عامر الشعبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اهتم بالصلاة اهتماما شديدا، تبين ذلك فيه، وكان فيما اهتم به من أمر الصلاة أن ذكر الناقوس، ثم قال : " هو من أمر النصارى " . ثم أراد أن يبعث رجالا يؤذنون الناس بالصلاة، في الطرق، ثم قال : " أكره أن أشغل رجالا عن صلاتهم بأذان غيرهم "، وذكر رؤيا عبد الله بن زيد ". ويشهد لهذا ما أخرجاه في الصحيحين، عن أبي قلابة، عن أنس قال : " لما كثر الناس، ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن ينوروا نارا، ويضربوا ناقوسا، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ". وفي الصحيحين، عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال : " كان المسلمون حين قدموا المدينة، يجتمعون فيتحينون الصلاة، وليس ينادي بهم أحد، فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم : اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم : قرنا مثل قرن اليهود، فقال عمر : أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا بلال قم فناد بالصلاة ". أستمع حفظ

14 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: "ويشهد لهذا ما أجرجاه في الصحيحين، عن أبي قلابة ، عن أنس قال: لما كثر الناس، ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن ينوروا ناراً، أو يضربوا ناقوساً، فأمر بلال أن يشفع الأذان - ويوتر الإقامة. وفي الصحيحين، عن ابن جريج ، عن نافع ، " عن ابن عمر قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة، يجتمعون، فيتحينون الصلاة، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرناً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أو لا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال قم فناد بالصلاة ". ما يتعلق بهذا الحديث : من شرع الأذان، ورؤيا عبد الله بن زيد وعمر، وأمر عمر أيضا بذلك، وما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان قد سمع الأذان ليلة أسري به . إلى غير ذلك، ليس هذا موضع ذكره، وذكر الجواب عما قد يستشكل منه . وإنما الغرض هنا : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كره بوق اليهود المنفوخ بالفم، وناقوس النصارى المضروب باليد، علل هذا بأنه من أمر اليهود، وعلل هذا بأنه من أمر النصارى ؛ لأن ذكر الوصف عقيب الحكم، يدل على أنه علة له، وهذا يقتضي نهيه عن كل ما هو من أمر اليهود والنصارى هذا مع أن قرن اليهود يقال : إن أصله مأخوذ عن موسى عليه السلام، وأنه كان يضرب بالبوق في عهده، وأما ناقوس النصارى فمبتدع، إذ عامة شرائع النصارى أحدثها أحبارهم ورهبانهم . وهذا يقتضي كراهة هذا النوع من الأصوات مطلقا في غير الصلاة أيضا؛ لأنه من أمر اليهود والنصارى، فإن النصارى يضربون بالنواقيس في أوقات متعددة غير أوقات عباداتهم . وإنما شعار الدين الحنيف: الأذان المتضمن للإعلان بذكر الله، الذي به تفتح أبواب السماء، فتهرب الشياطين، وتنزل الرحمة." أستمع حفظ