التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-11b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.49 ميغابايت )
التنزيل ( 828 )
الإستماع ( 70 )


1 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وسنذكر عن علي رضي الله عنه ، من كراهة التكلم بكلامهم ، ما يؤيد هذا ، وما في الحديث المذكور من النهي عن تغطية الفم ، فقد علله بعضهم بأنه فعل المجوس عند نيرانهم التي يعبدونها ، فعلى هذا : تظهر مناسبة الجمع بين النهي عن السدل ، وعن تغطية الفم ، بما في كلاهما من مشابهة الكفار ، مع أن في كل منهما معنى آخر يوجب الكراهة ، ولا محذور في تعليل الحكم بعلتين . فهذا عن الخلفاء الراشدين ، وأما سائر الصحابة رضي الله عنهم فكثير ، مثل : ما قدمناه عن حذيفة بن اليمان : أنه لما دعي إلى وليمة فرأى شيئا من زي العجم خرج وقال : " من تشبه بقوم فهو منهم ". وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " سأله رجل : أحتقن ؟ قال : لا تبد العورة ، ولا تستن بسنة المشركين " . فقوله : " لا تستن بسنة المشركين " عام . وقال أبو داود : حدثنا الحسن بن علي، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا الحجاج بن حسان قال : " دخلنا على أنس بن مالك فحدثني أخي المغيرة قال : وأنت يومئذ غلام ، ولك قرنان ، أو قصتان ، فمسح رأسك وبرك عليك وقال : احلقوا هذين ، أو قصوهما، فإن هذا زي اليهود " . علل النهي عنهما بأن ذلك زي اليهود ، وتعليل النهي بعلة يوجب أن تكون العلة مكروهة، مطلوب عدمها ، فعلم أن زي اليهود - حتى في الشعر - مما يطلب عدمه ، وهو المقصود . وروى ابن أبي عاصم حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد الواسطي عن عمران بن حدير عن أبي مجلز أن معاوية قال : " إن تسوية القبور من السنة ، وقد رفعت اليهود والنصارى ، فلا تشبهوا بهم ". أستمع حفظ

2 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وروى ابن أبي عاصم حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد الواسطي عن عمران بن حدير عن أبي مجلز أن معاوية قال : " إن تسوية القبور من السنة ، وقد رفعت اليهود والنصارى ، فلا تشبهوا بهم ". - يشير معاوية إلى ما رواه مسلم في صحيحه ، عن فضالة بن عبيد: " أنه أمر بقبر فسوي ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها ". رواه مسلم. وعن علي أيضا قال : " أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ، ولا تمثالا إلا طمسته ". رواه مسلم . وسنذكر - إن شاء الله تعالى - عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : " من بنى ببلاد المشركين ، وصنع نيروزهم ، ومهرجانهم ، حتى يموت : حشر معهم يوم القيامة ". وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها : أنها كرهت الاختصار في الصلاة ، وقالت: " لا تشبهوا باليهود " . هكذا رواه بهذا اللفظ: سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن مسلم عن مسروق عن عائشة ، وقد تقدم من رواية البخاري في المرفوعات . وروى سعيد ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب، قال : " دخلت مع ابن عمر مسجدا بالجحفة ، فنظر إلى شرافات ، فخرج إلى موضع فصلى فيه ، ثم قال لصاحب المسجد : إني رأيت في مسجدك هذا - يعني الشرافات - شبهتها بأنصاب الجاهلية ، فمر بها أن تكسر ". أستمع حفظ

3 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وروى سعيد أيضا عن ابن مسعود : أنه كان يكره الصلاة في الطاق، وقال : " إنه في الكنائس ، فلا تشبهوا بأهل الكتاب وعن عبيد بن أبي الجعد قال : " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون : إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المسجد ". يعني الطاقات. وهذا الباب فيه كثرة عن الصحابة.وهذه القضايا التي ذكرناها : بعضها في مظنة الاشتهار ، وما علمنا أحدا خالف ما ذكرناه عن الصحابة رضي الله عنهم ، من كراهة التشبه بالكفار والأعاجم في الجملة ، وإن كان بعض هذه المسائل المعينة فيها خلاف وتأويل ليس هذا موضعه . وهذا كما أنهم مجمعون على اتباع الكتاب والسنة، وإن كان قد يختلف في بعض أعيان المسائل لتأويل. فعلم اتفاقهم على كراهة التشبه بالكفار والأعاجم الوجه الثالث في تقرير الإجماع : ما ذكره عامة علماء الإسلام من المتقدمين ، والأئمة المتبوعين وأصحابهم ، في تعليل النهي عن أشياء بمخالفة الكفار ، أو مخالفة النصارى، أو مخالفة الأعاجم ، وهو أكثر من أن يمكن استقصاؤه ، وما من أحد له أدنى نظر في الفقه إلا وقد بلغه من ذلك طائفة ، وهذا بعد التأمل والنظر ، يورث علما ضروريا ، باتفاق الأئمة ، على النهي عن موافقة الكفار والأعاجم ، والأمر بمخالفتهم . وأنا أذكر من ذلك نكتا في مذاهب الأئمة المتبوعين اليوم ، مع ما تقدم في أثناء الكلام عن غير واحد من العلماء . فمن ذلك أن الأصل المستقر عليه في مذهب أبي حنيفة أن تأخير الصلاة أفضل من تعجيلها ، إلا في مواضع يستثنونها ، كاستثناء يوم الغيم ، وكتعجيل الظهر في الشتاء - وإن كان غيرهم من العلماء يقول: الأصل أن التعجيل أفضل - فيستحبون تأخير الفجر والعصر ، والعشاء والظهر ، إلا في الشتاء في غير الغيم. ثم قالوا : يستحب تعجيل المغرب ؛ لأن تأخيرها مكروه لما فيه من التشبه باليهود ، وهذا أيضا قول سائر الأئمة، وهذه العلة منصوصة كما تقدم .وقالوا أيضا : يكره السجود في الطاق ؛ لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب ، من حيث تخصيص الإمام بالمكان ، بخلاف ما إذا كان سجوده في الطاق ، وهذا أيضا ظاهر مذهب أحمد وغيره، وفيه آثار صحيحة عن الصحابة : ابن مسعود ، وغيره.". أستمع حفظ

4 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " قالوا : ولو لبس ثوبا فيه تصاوير كره؛ لأنه يشبه حامل الصنم ، ولا يكره تماثيل غير ذوي الروح ؛ لأنه لا يعبد ,وقالوا أيضا: إن صام يوم الشك ينوى أنه من رمضان، كره ؛ لأنه تشبه بأهل الكتاب ؛ لأنهم زادوا في مدة صومهم .وقالوا : فإذا غربت الشمس ، أفاض الإمام والناس معه على هيئتهم حتى يأتوا مزدلفة ؛ لأن فيه إظهار مخالفة المشركين . وقالوا أيضا لا يجوز الأكل والشرب والإدهان والتطيب في آنية الذهب والفضة ، للرجال والنساء ؛ للنصوص ، ولأنه تشبه بزي المشركين ، وتنعم بتنعم المترفين والمسرفين. وقالوا في تعليل المنع من لباس الحرير في حجة أبي يوسف ومحمد على أبي حنيفة ، في المنع من افتراشه وتعليقه والستر به ؛ لأنه من زي الأكاسرة ، والجبابرة ، والتشبه بهم حرام . قال عمر : " إياكم وزي الأعاجم "، وقال محمد في الجامع الصغير : " ولا يتختم إلا بالفضة " قالوا : وهذا نص على أن التختم بالحجر والحديد والصفر ، حرام ؛ للحديث المأثور : " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على رجل خاتم صفر فقال : " مالي أجد منك ريح الأصنام ؟ "، " ورأى على آخر خاتم حديد فقال : " ما لي أرى عليك حلية أهل النار ؟ ". ومثل هذا كثير في مذهب أبي حنيفة وأصحابه " أستمع حفظ

5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما مذهب مالك وأصحابه، ففيه ما هو أكثر من ذلك، حتى قال مالك فيما رواه ابن القاسم في المدونة: " لا يحرم بالأعجمية، ولا يدعو بها، ولا يحلف ". قال : " ونهى عمر رضي الله عنه عن رطانة الأعاجم وقال : " إنها خب ". قال: " وأكره الصلاة إلى حجر منفرد في الطريق وأما أحجار كثيرة فجائز " قال : " ويكره ترك العمل يوم الجمعة كفعل أهل الكتاب يوم السبت والأحد ". قال : " ويقال : من تعظيم الله تعظيم ذي الشيبة المسلم قيل : " فالرجل يقوم للرجل له الفضل والفقه ؟ قال : أكره ذلك ، ولا بأس بأن يوسع له في مجلسه " . قال : " وقيام المرأة لزوجها حتى يجلس من فعل الجبابرة، وربما يكون الناس ينتظرونه فإذا طلع قاموا ، فليس هذا من فعل الإسلام ، وهو فيما ينهى عنه من التشبه بأهل الكتاب والأعاجم " ، وفيما ليس من عمل المسلمين ، أشد من عمل الكوفيين وأبلغ ، مع أن الكوفيين يبالغون في هذا الباب ، حتى تكلم أصحاب أبي حنيفة في تكفير من تشبه بالكفار في لباسهم وأعيادهم . وقال بعض أصحاب مالك: من ذبح بطيخة في أعيادهم، فكأنما ذبح خنزيرا " أستمع حفظ

6 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك أصحاب الشافعي ذكروا هذا الأصل في غير موضع من مسائلهم، مما جاءت به الآثار ، كما ذكر غيرهم من العلماء ، مثل ما ذكروه في النهي عن الصلوات في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها - مثل طلوع الشمس وغروبها - ذكروا تعليل ذلك بأن المشركين يسجدون للشمس حينئذ ، كما في الحديث : " إنها ساعة يسجد لها الكفار ". وذكروا في السحور وتأخيره : أن ذلك فرق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب وذكروا في اللباس : النهي عما فيه تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال . وذكروا أيضا : ما جاء من أن المشركين كانوا يقفون بعرفات إلى اصفرار الشمس ، ويفيضون من جمع بعد طلوع الشمس ، وأن السنة جاءت بمخالفة المشركين في ذلك بالتعريف إلى الغروب ، والوقوف بجمع إلى قبيل طلوع الشمس ، كما جاء في الحديث : " خالفوا المشركين " و " خالف هدينا هدي المشركين " وذكروا أيضا: الشروط على أهل الذمة، منعهم عن التشبه بالمسلمين في لباسهم وغيره، مما يتضمن منع المسلمين أيضا من مشابهتهم في ذلك تفريقا بين علامة المسلمين وعلامة الكفار. وبالغ طائفة منهم ، فنهوا عن التشبه بأهل البدع، فيما كان شعارا لهم، وإن كان مسنونا ، كما ذكره طائفة منهم في تسنيم القبور ، فإن مذهب الشافعي : أن الأفضل تسطيحها. ومذهب أحمد وأبي حنيفة : أن الأفضل تسنيمها. ثم قال طائفة من أصحاب الشافعي : بل ينبغي تسنيمها في هذه الأوقات ؛ لأن الرافضة تسطحها، ففي تسطيحها تشبه بهم فيما هو شعار لهم . وقالت طائفة : بل نحن نسطحها ، فإذا سطحناها لم يكن تسطيحها شعارا لهم . فاتفقت الطائفتان على النهي عن التشبه بأهل البدع فيما هو شعار لهم، وإنما تنازعوا في أن التسطيح : هل يحصل به ذلك أم لا ؟ فإن كان هذا في التشبه بأهل البدع ، فكيف بالكفار ؟ ". أستمع حفظ

7 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما كلام أحمد وأصحابه في ذلك فكثير جدا ، أكثر من أن يحصر ، قد قدمنا منه طائفة من كلامه عند ذكر النصوص ، عند قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم "، وقوله : " أحفوا الشوارب ، وأعفوا اللحى ؛ لا تشبهوا بالمشركين "، وقوله : " إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ".مثل قول أحمد : " ما أحب لأحد إلا أن يغير الشيب ولا يتشبه بأهل الكتاب " ، وقال لبعض أصحابه: " أحب لك أن تخضب ولا تشبه باليهود " وكره حلق القفا . وقال : " هو من فعل المجوس، ومن تشبه بقوم فهو منهم " . وقال : " أكره النعل الصرار ، وهو من زي العجم ".وكره تسمية الشهور بالعجمية، والأشخاص بالأسماء الفارسية ، مثل : آذرماه . وقال للذي دعاه : زي المجوس ، زي المجوس ؟ ونفض يده في وجهه، وهذا كثير في نصوصه لا يحصر ". أستمع حفظ

13 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقال لبعض أصحابه: " أحب لك أن تخضب ولا تشبه باليهود " وكره حلق القفا . وقال : " هو من فعل المجوس، ومن تشبه بقوم فهو منهم " . وقال : " أكره النعل الصرار ، وهو من زي العجم ". وكره تسمية الشهور بالعجمية، والأشخاص بالأسماء الفارسية ، مثل : آذرماه . وقال للذي دعاه : زي المجوس ، زي المجوس ؟ ونفض يده في وجهه، وهذا كثير في نصوصه لا يحصر . وقال حرب الكرماني : " قلت لأحمد : الرجل يشد وسطه بحبل ويصلي ؟ قال : على القباء لا بأس به . وكرهه على القميص ، وذهب إلى أنه من زي اليهود ، فذكرت له السفر ، وأنا نشد ذلك على أوساطنا ، فرخص فيه قليلا ، وأما المنطقة والعمامة ونحو ذلك ، فلم يكرهه ، إنما كره الخيط ، وقال : هو أشنع ". قلت : وكذلك كره أصحابه أن يشد وسطه على الوجه الذي يشبه فعل أهل الكتاب . فأما ما سوى ذلك : فإنه لا يكره في الصلاة على الصحيح المنصوص ، بل يؤمر من صلى في قميص واسع الجيب أن يحتزم ، كما جاء في الحديث؛ لئلا يرى عورة نفسه ." أستمع حفظ

15 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: "وقال أيضا أصحاب أحمد وغيرهم منهم أبو الحسن الآمدي، المعروف بابن البغدادي - وأظنه نقله أيضا عن أبي عبد الله بن حامد - : " ولا يكره غسل اليدين في الإناء الذي أكل فيه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ، وقد نص أحمد على ذلك ، وقال : لم يزل العلماء يفعلون ذلك ونحن نفعله ، وإنما تنكره العامة " ، وغسل اليدين بعد الطعام مسنون ، رواية واحدة.وإذا قدم ما يغسل فيه اليد ، فلا يرفع حتى يغسل الجماعة أيديها؛ لأن الرفع من زي الأعاجم ، وكذلك قال الشيخ أبو محمد عبد القادر الجيلي : " ويستحب أن يجعل ماء اليد في طست واحد، لما روي في الخبر : " لا تبددوا يبدد الله شملكم ". وروي أنه صلى الله عليه وسلم : " نهى أن يرفع الطست حتى يطف " يعني يمتلئ . وقالوا أيضا - ومنهم أبو محمد عبد القادر - في تعليل كراهة حلق الرأس ، على إحدى الروايتين : لأن في ذلك تشبها بالأعاجم، وقال صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم ". أستمع حفظ