1 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك قال الشيخ أبو محمد عبد القادر الجيلي : " ويستحب أن يجعل ماء اليد في طست واحد، لما روي في الخبر : " لا تبددوا يبدد الله شملكم ". وروي أنه صلى الله عليه وسلم : " نهى أن يرفع الطست حتى يطف " يعني يمتلئ ". أستمع حفظ
2 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقالوا أيضا - ومنهم أبو محمد عبد القادر - في تعليل كراهة حلق الرأس ، على إحدى الروايتين : لأن في ذلك تشبها بالأعاجم، وقال صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم "." أستمع حفظ
3 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " بل قد ذكر طوائف من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما : كراهة أشياء ؛ لما فيها من التشبه بأهل البدع ، مثل ما قال غير واحد من الطائفتين - ومنهم عبد القادر - : " ويستحب أن يتختم في يساره ؛ للآثار ، ولأن خلاف ذلك عادة وشعار للمبتدعة ". وحتى إن طوائف من أصحاب الشافعي ، استحبوا تسنيم القبور ، وإن كانت السنة عندهم تسطيحها ؛ قالوا : لأن ذلك صار شعارا للمبتدعة . وليس الغرض هنا تقرير أعيان هذه المسائل ، ولا الكلام على ما قيل فيها بنفي ولا إثبات ، وإنما الغرض بيان ما اتفق عليه العلماء من كراهة التشبه بغير أهل الإسلام . وقد يتردد العلماء في بعض فروع هذه القاعدة ؛ لتعارض الأدلة فيها ، أو لعدم اعتقاد بعضهم اندراجه في هذه القاعدة ، مثل ما نقله الأثرم، قال : سمعت أبا عبد الله يسأل عن لبس الحرير في الحرب ؟ فقال : " أرجو أن لا يكون به بأس ". قال : وسمعت أبا عبد الله يسأل عن المنطقة والحلية فيها ؟ فقال : " أما المنطقة فقد كرهها قوم ، يقولون : من زي العجم، وكانوا يحتجزون العمائم " . وهذا إنما علق القول فيه ؛ لأن في المنطقة منفعة عارضت ما فيها من التشبه ، ونقل عن بعض السلف أنه كان يتمنطق، فلهذا حكى الكلام عن غيره وأمسك . ومثل هذا : هل يجعل قولا له إذا سئل عن مسألة فحكى فيها جواب غيره ولم يردفه بموافقة ولا مخالفة ؟ فيه لأصحابه وجهان : أحدهما: نعم ؛ لأنه لولا موافقته له لما لكان قد أجاب السائل، لأنه إنما سأله عن قوله ، ولم يسأله أن يحكي له مذاهب الناس . والثاني: لا يجعل بمجرد ذلك قولا له ؛ لأنه إنما حكاه فقط ، ومجرد الحكاية لا يدل على الموافقة ". أستمع حفظ
5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفي لبس المنطقة أثر، وكلام ليس هذا موضعه ولمثل هذا تردد كلامه في القوس الفارسية ، فقال الأثرم : سألت أبا عبد الله عن القوس الفارسية ؟ فقال : " إنما كانت قسي الناس العربية " . ثم قال : " إن بعض الناس احتج بحديث عمر رضي الله عنه : ( جعاب وأدم )" . قلت: حديث أبي عمرو بن حماس ؟ قال : " نعم ". قال : أبو عبد الله يقول : " فلا تكون جعبة إلا للفارسية، والنبل فإنما هو قرن " . قال الأثرم ، قلت لأبي عبد الله : في تفسير مجاهد : { قلوبنا في أكنةٍ }، قال : " كالجعبة للنبل "، قال : " فإن كان يسمي جعبة للنبل ، فليس ما احتج به الذي قال هذا بشيء " ، ثم قال : " ينبغي أن يسأل عن هذا أهل العربية " ." أستمع حفظ
6 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " قال أبو بكر : قيل لأبي عبد الله : الدراعة يكون لها فرج ؟ فقال : " كان لخالد بن معدان دراعة لها فرج من بين يديها قدر ذراع " قيل لأبي عبد الله : فيكون لها فرج من خلفها ؟ قال : " ما أدري ، أما من بين يديها فقد سمعت ، وأما من خلفها فلم أسمع " قال : إلا أن في ذلك سعة له عند الركوب ومنفعة " . قال : " وقد احتج بعض الناس في هذا بقوله تعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ } قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : واحتج بهذه الآية بعض الناس في القوس الفارسية ، ثم قلت : إن أهل خراسان يزعمون أنه لا منفعة لهم في القوس العربية ، وإنما النكاية عندهم للفارسية، قال : " كيف ؟ ! وإنما فتحت الدنيا بالعربية " . قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : ورأيتهم بالثغر لا يكادون يعدلون بالفارسية ، قال : " إنما رأيت الرجل بالشام متنكبا قوسا عربية "." أستمع حفظ
7 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وروى الأثرم عن حفص بن عمر حدثنا رجاء بن مرجى حدثني عبد الله بن بشر عن أبي راشد الحبراني وأبي الحجاج السكسكي عن علي قال : " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوكأ على قوس له عربية ، إذ رأى رجلا معه قوس فارسية ، فقال : " ألقها ، فإنها ملعونة ، ولكن عليكم بالقسي العربية ، وبرماح القنا ، فبها يؤيد الله الدين ، وبها يمكن لكم في الأرض ". الكلام على سنن ابن ماجه وحكم ما تفرد به عن الكتب الستة. أستمع حفظ
8 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ولأصحابنا في القوس الفارسية ونحوها كلام طويل ، ليس هذا موضعه ، وإنما نبهت بذلك على أن ما لم يكن من هدي المسلمين ، بل هو من هدي العجم أو نحوهم ، وإن ظهرت فائدته ، ووضحت منفعته ، تراهم يترددون فيه ، ويختلفون ؛ لتعارض الدليلين : دليل ملازمة الهدي الأول ، ودليل استعمال هذا الذي فيه منفعة بلا مضرة ، مع أنه ليس من العبادات وتوابعها ، وإنما هو من الأمور الدنيوية ، وأنت ترى عامة كلام أحمد إنما يثبت الرخصة بالأثر عن عمر ، أو بفعل خالد بن معدان، ليثبت بذلك أن ذلك كان يفعل على عهد السلف ، ويقرون عليه ، فيكون من هدي المسلمين ، لا من هدي الأعاجم وأهل الكتاب ، فهذا هو وجه الحجة ، لا أن مجرد فعل خالد بن معدان حجة ". أستمع حفظ
9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما ما في هذا الباب عن سائر أئمة المسلمين ، من الصحابة والتابعين وسائر الفقهاء ، فأكثر من أن يمكن ذكر عشره ، وقد قدمنا في أثناء الأحاديث كلام بعضهم الذي يدل على كلام الباقين ، وبدون ما ذكرناه يعلم إجماع الأمة على كراهة التشبه بأهل الكتاب والأعاجم في الجملة ، وإن كانوا قد يختلفون في بعض الفروع ، إما لاعتقاد بعضهم أنه ليس من هدي الكفار ، أو لاعتقاد أن فيه دليلا راجحا ، أو لغير ذلك ، كما أنهم مجمعون على اتباع الكتاب والسنة ، وإن كان قد يخالف بعضهم شيئا من ذلك لنوع تأويل . والله سبحانه أعلم ". أستمع حفظ
10 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل:ومما يشبه الأمر بمخالفة الكفار : الأمر بمخالفة الشياطين ، كما رواه مسلم في صحيحه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يأكلن أحدكم بشماله ، ولا يشربن بها ، فإن الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بها ". وفي لفظ : " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه ، وإذا شرب فليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بشماله " ورواه مسلم أيضا عن الليث عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تأكلوا بالشمال ، فإن الشيطان يأكل بالشمال " فإنه علل النهي عن الأكل والشرب بالشمال : بأن الشيطان يفعل ذلك ؛ فعلم أن مخالفة الشيطان أمر مقصود مأمور به ، ونظائره كثيرة . وقريب من هذا : مخالفة من لم يكمل دينه من الأعراب ونحوهم ؛ لأن كمال الدين : الهجرة، فكان من آمن ولم يهاجر من الأعراب ونحوهم - ناقصا ، قال الله سبحانه وتعالى : { الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله }. وذلك مثل ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ، ألا إنها العشاء ، وهم يعتمون بالإبل " . وفي لفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء ، فإنها في كتاب الله : العشاء ، فإنها تعتم بحلاب الإبل " وروى البخاري ، عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب " قال: " والأعراب تقول : هي : العشاء ". فقد كره موافقة الأعراب في اسم المغرب والعشاء ، بالعشاء والعتمة ، وهذه الكراهة عند بعض علمائنا تقتضي كراهة هذا الاسم مطلقا ، وعند بعضهم إنما تقتضي كراهة الإكثار منه ، حتى يغلب على الاسم الآخر ، وهو المشهور عندنا . وعلى التقديرين : ففي الحديث النهي عن موافقة الأعراب في ذلك ، كما نهى عن موافقة الأعاجم ". أستمع حفظ
11 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل واعلم أن بين التشبه بالكفار والشياطين، وبين التشبه بالأعراب والأعاجم فرقا يجب اعتباره ، وإجمالا يحتاج إلى تفسير ، وذلك : أن نفس الكفر والتشيطن مذموم في حكم الله ورسوله وعباده المؤمنين ، ونفس الأعرابية والأعجمية ليست مذمومة في نفسها عند الله تعالى وعند رسوله وعند عباده المؤمنين ، بل الأعراب منقسمون : إلى أهل جفاء ، قال الله فيهم : { الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليمٌ حكيمٌ. ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرمًا ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميعٌ عليمٌ } . وقال تعالى فيهم : { سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئًا إن أراد بكم ضرًا أو أراد بكم نفعًا بل كان الله بما تعملون خبيرًا. بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدًا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قومًا بورًا } وإلى أهل إيمان وبر ، قال الله فيهم : { ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قرباتٍ عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربةٌ لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفورٌ رحيمٌ }. وقد كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن وفد عليه ومن غيرهم من الأعراب، من هو أفضل من كثير من القرويين. فهذا كتاب الله يحمد بعض الأعراب ، ويذم بعضهم ، وكذلك فعل بأهل الأمصار ، فقال سبحانه : { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذابٍ عظيمٍ } فبين أن المنافقين في الأعراب وذوي القرى ، وعامة سورة التوبة فيها الذم للمنافقين من أهل المدينة ومن الأعراب ، كما فيها الثناء على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان ، وعلى الأعراب الذين يتخذون ما ينفقون قربات عند الله وصلوات الرسول . وكذلك العجم وهم من سوى العرب من الفرس والروم والترك والبربر والحبشة وغيرهم ينقسمون إلى المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، كانقسام الأعراب، قال الله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليمٌ خبيرٌ }. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية ، وفخرها بالآباء ، مؤمن تقي وفاجر شقي ، أنتم بنو آدم ، وآدم من تراب ". وفي حديث آخر رويناه بإسناد صحيح من حديث سعيد الجريري عن أبي نضرة: حدثني - أو قال حدثنا - من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى في وسط أيام التشريق ، وهو على بعير ، فقال : " يا أيها الناس ، ألا إن ربكم عز وجل واحد ، ألا وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ألا لا فضل لأسود على أحمر إلا بالتقوى ، ألا قد بلغت ؟ " ، قالوا : نعم . قال : " ليبلغ الشاهد الغائب ". وروي هذا الحديث عن أبي نضرة عن جابر". أستمع حفظ
12 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفي الصحيحين عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن آل فلان ليسوا لي بأولياء ، إنما وليي الله وصالحو المؤمنين ". فأخبر صلى الله عليه وسلم عن بطن قريب النسب : أنهم ليسوا بمجرد النسب أولياءه ، إنما وليه الله وصالحو المؤمنين من جميع الأصناف . ومثل ذلك كثير بين في الكتاب والسنة ، أن العبرة بالأسماء التي حمدها الله وذمها ، كالمؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، والعالم والجاهل . ثم قد جاء الكتاب والسنة بمدح بعض الأعاجم ، قال الله تعالى : { هو الذي بعث في الأميين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٍ. وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم } وفي الصحيحين ، عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزلت عليه سورة الجمعة { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } قال قائل : من هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا ، وفينا سلمان الفارسي فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء ". وفي صحيح مسلم عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس - أو قال : من أبناء فارس - حتى يتناوله ". وفي رواية ثالثة: " لو كان العلم عند الثريا لتناوله رجال من أبناء فارس "." أستمع حفظ
13 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: "وقد روى الترمذي عن أبي هريرة ، " عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم } : " أنهم من أبناء فارس " إلى غير ذلك من آثار رويت في فضل رجال من أبناء فارس . ومصداق ذلك ما وجد في التابعين ومن بعدهم ، من أبناء فارس الأحرار والموالي ، مثل الحسن وابن سيرين وعكرمة مولى ابن عباس ، وغيرهم ، إلى من وجد بعد ذلك فيهم من المبرزين في الإيمان والدين والعلم ، حتى صار هؤلاء المبرزون أفضل من أكثر العرب . وكذلك في سائر أصناف العجم من الحبشة والروم والترك ، وبينهم سابقون في الإيمان والدين ، لا يحصون كثرة ، على ما هو معروف عند العلماء ؛ إذ الفضل الحقيقي : هو اتباع ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من الإيمان والعلم باطنا وظاهرا ، فكل من كان فيه أمكن : كان أفضل .والفضل إنما هو بالأسماء المحمودة في الكتاب والسنة مثل : الإسلام ، والإيمان ، والبر ، والتقوى ، والعلم ، والعمل الصالح ، والإحسان ، ونحو ذلك ، لا بمجرد كون الإنسان عربيا ، أو أعجميا ، أو أسود ، أو أبيض ، ولا بكونه قرويا ، أو بدويا ". أستمع حفظ
14 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وإنما وجه النهي عن مشابهة الأعراب والأعاجم مع ما ذكرناه من الفضل فيهم ، وعدم العبرة بالنسب والمكان مبني على أصل ، وذلك : أن الله سبحانه وتعالى جعل سكنى القرى يقتضي من كمال الإنسان في العلم والدين ، ورقة القلوب ، ما لا يقتضيه سكنى البادية ، كما أن البادية توجب من صلابة البدن والخلق ، ومتانة الكلام مالا يكون في القرى ، هذا هو الأصل . وإن جاز تخلف هذا المقتضى لمانع ، وكانت البادية أحيانا أنفع من القرى ، وكذلك جعل الله الرسل من أهل القرى ، فقال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم من أهل القرى } وذلك لأن الرسل لهم الكمال في عامة الأمور ، حتى في النسب ، ولهذا قال الله سبحانه : { الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله } ذكر هذا بعد قوله : { إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون. يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون. سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجسٌ ومأواهم جهنم جزاءً بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين. الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليمٌ حكيمٌ }. فلما ذكر الله المنافقين الذين استأذنوه في التخلف عن الجهاد في غزوة تبوك ، وذمهم وهؤلاء كانوا من أهل المدينة ، قال سبحانه : { الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله } فإن الخير كله - أصله وفصله - منحصر في العلم والإيمان كما قال سبحانه : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجاتٍ } وقال تعالى : { وقال الذين أوتوا العلم والإيمان } . وضد الإيمان: إما الكفر الظاهر، أو النفاق الباطن ، ونقيض العلم : عدمه فقال سبحانه عن الأعراب : إنهم أشد كفرا ونفاقا من أهل المدينة وأحرى منهم أن لا يعلموا حدود الكتاب والسنة ، والحدود : هي حدود الأسماء المذكورة ، فيما أنزل الله من الكتاب والحكمة ، مثل : حدود الصلاة والزكاة والصوم والحج ، والمؤمن والكافر ، والزاني والسارق والشارب ، وغير ذلك حتى يعرف من الذي يستحق ذلك الاسم الشرعي ممن لا يستحقه ، وما تستحقه مسميات تلك الأسماء : من الأحكام . ولهذا : روى أبو داود وغيره من حديث الثوري: حدثني أبو موسى عن وهب بن منبه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال سفيان مرة : ولا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال : " من سكن البادية جفا ، ومن اتبع الصيد غفل ، ومن أتى السلطان افتتن "." أستمع حفظ