التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-13a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.48 ميغابايت )
التنزيل ( 677 )
الإستماع ( 94 )


2 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " حدثنا إسماعيل أبو معمر حدثنا إسماعيل بن عياش عن زيد بن جبيرة، عن داود بن حصين عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يبغض العرب إلا منافق " وزيد بن جبيرة عندهم منكر الحديث ، وهو مدني ، ورواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين مضطربة وكذلك روى أبو جعفر محمد بن عبد الله الحافظ الكوفي المعروف بمطين حدثنا العلاء بن عمرو الحنفي حدثنا يحيى بن يزيد الأشعري حدثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحبوا العرب لثلاث : لأني عربي ، والقرآن عربي ، ولسان أهل الجنة عربي ". قال الحافظ السلفي : " هذا حديث حسن " . فما أدري : أراد حسن إسناده على طريقة المحدثين ، أو حسن متنه على الاصطلاح العام ؟ وأبو الفرج بن الجوزي ذكر هذا الحديث في الموضوعات ، وقال : قال العقيلي: " لا أصل له " وقال ابن حبان : " يحيى بن يزيد يروي المقلوبات عن الأثبات فبطل الاحتجاج به " والله أعلم ". أستمع حفظ

4 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأيضا في المسألة : ما روى أبو بكر البزار حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا أبو أحمد حدثنا عبد الجبار بن العباس وكان رجلا من أهل الكوفة ، يميل إلى الشيعة ، وهو صحيح الحديث مستقيمه ، وهذا - والله أعلم - كلام البزار ، عن أبي إسحاق ، عن أوس بن ضمعج، قال : قال سلمان : " نفضلكم يا معاشر العرب لتفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم ، لا ننكح نساءكم ، ولا نؤمكم في الصلاة " . وهذا إسناد جيد ، وأبو أحمد هو - والله أعلم - محمد بن عبد الله الزبيري من أعيان العلماء الثقات، وقد أثنى عليه شيخه، والجوهري وأبو إسحاق السبيعي أشهر من أن يثنى عليهما ، وأوس بن ضمعج ثقة روى له مسلم . وقد أخبر سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل العرب ، فإما إنشاء وإما إخبارا ، فإنشاؤه صلى الله عليه وسلم : حكم لازم ، وخبره : حديث صادق . وتمام الحديث قد روي عن سلمان من غير هذا الوجه ، رواه الثوري عن أبي إسحاق ، عن أبي ليلى الكندي، عن سلمان الفارسي أنه قال : " فضلتمونا يا معاشر العرب باثنتين ، لا نؤمكم ولا ننكح نساءكم " رواه محمد بن أبي عمر العدني، وسعيد في سننه ، وغيرهما . وهذا مما احتج به أكثر الفقهاء الذين جعلوا العربية من الكفاءة بالنسبة إلى العجمي ، واحتج به أحمد في إحدى الروايتين على أن الكفاءة ليست حقا لواحد معين ، بل هي من الحقوق المطلقة في النكاح ، حتى إنه يفرق بينهما عند عدمها . واحتج أصحاب الشافعي وأحمد بهذا على أن الشرف مما يستحق به التقديم في الصلاة . ومثل ذلك ما رواه محمد بن أبي عمر العدني حدثنا سعيد بن عبيد أنبأنا علي بن ربيعة عن ربيع بن فضلة: أنه خرج في اثني عشر راكبا كلهم قد صحب محمدا صلى الله عليه وسلم غيرة ، وفيهم سلمان الفارسي ، وهم في سفر ، فحضرت الصلاة ، فتدافع القوم ، أيهم يصلي بهم ، فصلى بهم رجل منهم أربعا ، فلما انصرف قال سلمان : ما هذا ؟ ما هذا ؟ مرارا ، نصف المربوعة - قال مروان: يعني نصف الأربع - نحن إلى التخفيف أفقر ، فقال له القوم : " صل بنا يا أبا عبد الله ؛ أنت أحقنا بذلك ، فقال : لا ، أنتم بنو إسماعيل الأئمة ، ونحن الوزراء " ." أستمع حفظ

14 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفي المسألة آثار غير ما ذكرته ، في بعضها نظر ، وبعضها موضوع ، وأيضا فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وضع ديوان العطاء ، كتب الناس على قدر أنسابهم فبدأ بأقربهم فأقربهم نسبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما انقضت العرب ذكر العجم ، هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين ، وسائر الخلفاء من بني أمية وولد العباس ، إلى أن تغير الأمر بعد ذلك . وسبب هذا الفضل - والله أعلم - ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم ، وذلك أن الفضل : إما بالعلم النافع ، وإما بالعمل الصالح . والعلم له مبدأ، وهو : قوة العقل الذي هو الفهم والحفظ ، وتمام ، وهو : قوة المنطق ، الذي هو البيان والعبارة . والعرب هم أفهم من غيرهم ، وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة ، ولسانهم أتم الألسنة بيانا وتمييزا للمعاني ، جمعا وفرقا ، يجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل ، إذا شاء المتكلم الجمع، ثم يميز بين كل شيئين مشتبهين بلفظ آخر مميز مختصر ، كما تجده من لغتهم في جنس الحيوان ، فهم - مثلا - يعبرون عن القدر المشترك بين الحيوان بعبارات جامعة ، ثم يميزون بين أنواعه في أسماء كل أمر من أموره : من الأصوات ، والأولاد ، والمساكن ، والأطفال إلى غير ذلك من خصائص اللسان العربي ، التي لا يستراب فيها . وأما العمل : فإن مبناه على الأخلاق وهي الغرائز المخلوقة في النفس ، وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم ، فهم أقرب للسخاء ، والحلم ، والشجاعة ، والوفاء ، وغير ذلك من الأخلاق المحمودة ، لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير ، معطلة عن فعله ، ليس عندهم علم منزل من السماء ، ولا شريعة موروثة عن نبي ، ولا هم أيضا مشتغلين ببعض العلوم العقلية المحضة ، كالطب والحساب ، ونحوها ، إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم : من الشعر والخطب ، وما حفظوه من أنسابهم وأيامهم ، وما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم ، أو من الحروب . فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى : الذي ما جعل الله في الأرض - ولا يجعل - أمرا أجل منه وأعظم قدرا ، وتلقوه عنه بعد مجاهدته الشديدة لهم ، ومعالجتهم على نقلهم عن تلك العادات الجاهلية ، والظلمات الكفرية ، التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرتها ، فلما تلقوا عنه ذلك الهدى العظيم، زالت تلك الريون عن قلوبهم ، واستنارت بهدى الله الذي أنزل على عبده ورسوله . فأخذوا هذا الهدى العظيم ، بتلك الفطرة الجيدة، فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم ، والكمال الذي أنزل الله إليهم : بمنزلة أرض جيدة في نفسها ، لكن هي معطلة عن الحرث ، أو قد نبت فيها شجر العضاة، والعوسج، وصارت مأوى الخنازير والسباع ، فإذا طهرت عن المؤذي من الشجر والدواب ، وازدرع فيها أفضل الحبوب والثمار ، جاء فيها من الحرث ما لا يوصف مثله ، فصار السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أفضل خلق الله بعد الأنبياء ، وصار أفضل الناس بعدهم : من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة : من العرب والعجم .وكان الناس إذ ذاك الخارجون عن هذا الكمال قسمين : إما كافر : من اليهود والنصارى ، لم يقبل هدى الله . وإما غيرهم : من العجم ، الذين لم يشركوهم فيما فطروا عليه ، وكان عامة العجم حينئذ كفارا من : الفرس والروم ، فجاءت الشريعة باتباع أولئك السابقين على الهدى الذي رضيه الله لهم ، وبمخالفة من سواهم ، إما لمعصيته وإما لنقيصته ، وإما لأنه مظنة النقيصة . فإذا نهت الشريعة عن مشابهة الأعاجم ؛ دخل في ذلك ما عليه الأعاجم الكفار ، قديما وحديثا ، ودخل فيه ما عليه الأعاجم المسلمون ، مما لم يكن عليه السابقون الأولون ، كما يدخل في مسمى الجاهلية العربية ما كان عليه أهل الجاهلية قبل الإسلام ، وما عاد إليه كثير من العرب من الجاهلية التي كانوا عليها . ومن تشبه من العرب بالعجم لحق بهم ، ومن تشبه من العجم بالعرب لحق بهم ، ولهذا كان الذين تناولوا العلم والإيمان من أبناء فارس ، إنما حصل ذلك بمتابعتهم للدين الحنيف ، بلوازمه من العربية وغيرها . ومن نقص من العرب إنما هو بتخلفهم عن هذا ، وإما بموافقتهم للعجم ، فيما السنة أن يخالفوا فيه ، فهذا وجه.وأيضا فإن الله تعالى لما أنزل كتابه باللسان العربي ، وجعل رسوله مبلغا عنه للكتاب والحكمة بلسانه العربي ، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به ؛ لم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان ، وصارت معرفته من الدين ، وصار اعتبار التكلم به أسهل على أهل الدين في معرفة دين الله ، وأقرب إلى إقامة شعائر الدين ، وأقرب إلى مشابهتهم للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، في جميع أمورهم ". أستمع حفظ

15 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وسنذكر إن شاء الله تعالى بعض ما قاله العلماء ، من الأمر بالخطاب العربي ، وكراهة مداومة غيره لغير حاجة ، واللسان تقارنه أمور أخرى : من العلوم والأخلاق ، فإن العادات لها تأثير عظيم فيما يحبه الله وفيما يكرهه ، فلهذا أيضا جاءت الشريعة بلزوم عادات السابقين الأولين ، في أقوالهم وأعمالهم ، وكراهة الخروج عنها إلى غيرها من غير حاجة . فحاصله : أن النهي عن التشبيه بهم ؛ لما يفضي إليه من فوت الفضائل ، التي جعلها الله للسابقين الأولين ، أو حصول النقائص التي كانت في غيرهم . ولهذا : لما علم المؤمنون من أبناء فارس ، وغيرهم ، هذا الأمر ، أخذ من وفقه الله منهم نفسه بالاجتهاد في تحقيق المشابهة بالسابقين ، فصار أولئك من أفضل التابعين بإحسان إلى يوم القيامة ، وصار كثير منهم أئمة لكثير من غيرهم ، ولهذا كانوا يفضلون من الفرس من رأوه أقرب إلى متابعة السابقين ، حتى قال الأصمعي فيما رواه عنه أبو طاهر السلفي في كتاب ( فضل الفرس ) قال : " عجم أصبهان قريش العجم ".وروى أيضا السلفي بإسناد معروف عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن أسامة بن زيد عن سعيد بن المسيب قال : " لو أني لم أكن من قريش لأحببت أن أكون من فارس ، ثم أحببت أن أكون من أصبهان ". وروي بإسناد آخر ، عن سعيد بن المسيب قال : لولا أني رجل من قريش لتمنيت أن أكون من أصبهان ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله ناس من فارس من أبناء العجم ، أسعد الناس بها فارس وأصبهان ". قالوا : وكان سلمان الفارسي من أهل أصبهان ، وكذلك عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما ، وغيرهما ، فإن آثار الإسلام كانت بأصبهان أظهر منها بغيرها ، حتى قال الحافظ عبد القادر الرهاوي: " ما رأيت بلدا بعد بغداد ، أكثر حديثا من أصبهان " . وكان أئمة السنة علما وفقها ، والعارفون بالحديث وسائر أمور الإسلام المحض ، فيهم أكثر من غيرهم ، حتى إنه قيل : إن قضاتهم كانوا من فقهاء الحديث ، مثل : صالح بن أحمد بن حنبل ، ومثل : أبي بكر بن أبي عاصم ، ومن بعدهم ، وأنا لا أعلم حالهم بآخرة ". أستمع حفظ

16 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك كل مكان أو شخص من أهل فارس ، يمدح المدح الحقيقي : إنما يمدح لمشابهته السابقين حتى قد يختلف في فضل شخص على شخص ، أو قول على قول ، أو فعل على فعل ؛ لأجل اعتقاد كل من المختلفين أن هذا أقرب إلى طريق السابقين الأولين ، فإن الأمة مجمعة على هذه القاعدة وهي : فضل طريقة العرب السابقين ، وأن الفاضل من تبعهم ، وهو المطلوب هنا . وإنما يتم الكلام بأمرين : أحدهما : أن الذي يجب على المسلم إذا نظر في الفضائل ، أو تكلم فيها ، أن يسلك سبيل العاقل الدين ، الذي غرضه أن يعرف الخير ، ويتحراه جهده ، وليس غرضه الفخر على أحد ، ولا الغمص من أحد ، فقد روى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه أوحي إلي أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد " فنهى سبحانه على لسان رسوله عن نوعي الاستطالة على الخلق ، وهي : الفخر والبغي ؛ لأن المستطيل إن استطال بحق فقد افتخر ، وإن كان بغير حق فقد بغى ، فلا يحل لا هذا ولا هذا ". أستمع حفظ

21 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فنهى سبحانه على لسان رسوله عن نوعي الاستطالة على الخلق ، وهي : الفخر والبغي ؛ لأن المستطيل إن استطال بحق فقد افتخر ، وإن كان بغير حق فقد بغى ، فلا يحل لا هذا ولا هذا ، فإن كان الرجل من الطائفة الفاضلة ، مثل : أن يذكر فضل بني هاشم أو قريش أو العرب أو بعضهم ، فلا يكن حظه استشعار فضل نفسه ، والنظر إلى ذلك ، فإنه مخطئ في هذا ؛ لأن فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص كما قدمناه ، فرب حبشي أفضل عند الله من جمهور قريش ، ثم هذا النظر يوجب نقصه وخروجه عن الفضل ، فضلا عن أن يستعلي بهذا ، أو يستطيل" . أستمع حفظ

22 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وإن كان من الطائفة الأخرى ، مثل العجم ، أو غير قريش ، أو غير بني هاشم ، فليعلم أن تصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر وطاعته فيما أمر ، ومحبة من أحبه الله ، والتشبه بمن فضل الله ، والقيام بالدين الحق ، الذي بعث الله به محمدا ؛ يوجب له أن يكون أفضل من جمهور الطائفة المفضلة ، وهذا هو الفضل الحقيقي . وانظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حين وضع الديوان ، وقالوا له : يبدأ أمير المؤمنين بنفسه فقال : لا، ولكن ضعوا عمر حيث وضعه الله . فبدأ بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم من يليهم ، حتى جاءت نوبته في بني عدي وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش . ثم هذا الاتباع للحق ونحوه ، قدمه على عامة بني هاشم ، فضلا عن غيرهم من قريش . الثاني أن اسم العرب والعجم قد صار فيه اشتباه، فإنا قدمنا أن اسم العجم يعم في اللغة : كل من ليس من العرب ، ثم لما كان العلم والإيمان في أبناء فارس أكثر منه في غيرهم من العجم ؛ كانوا هم أفضل الأعاجم ، فغلب لفظ العجم في عرف العامة المتأخرين عليهم ، فصار حقيقة عرفية عامية فيهم . واسم العرب في الأصل كان اسما لقوم جمعوا ثلاثة أوصاف: أحدها : أن لسانهم كان باللغة العربية . الثاني : أنهم كانوا من أولاد العرب . الثالث : أن مساكنهم كانت أرض العرب وهي : جزيرة العرب ، التي هي من بحر القلزم، إلى بحر البصرة، ومن أقصى حجر باليمن ، إلى أوائل الشام ، بحيث كانت تدخل اليمن في دارهم ، ولا تدخل فيها الشام ، وفي هذه الأرض كانت العرب ، حين المبعث وقبله " أستمع حفظ