التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-15b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.39 ميغابايت )
التنزيل ( 662 )
الإستماع ( 100 )


1 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: "وإنما اختلفوا : هل مخالفتهم يوم عيدهم بالصوم لمخالفة فعلهم فيه، أو بالإهمال حتى لا يقصد بصوم ولا بفطر، أو يفرق بين العيد العربي والعيد العجمي ؟ على ما سنذكره إن شاء الله تعالى . وأما الإجماع والآثار فمن وجوه :أحدها : ما قدمت التنبيه عليه، من أن اليهود والنصارى والمجوس ما زالوا في أمصار المسلمين بالجزية، يفعلون أعيادهم التي لهم، والمقتضي لبعض ما يفعلونه قائم في كثير من النفوس، ثم لم يكن على عهد السابقين من المسلمين، من يشركهم في شيء من ذلك، فلولا قيام المانع في نفوس الأمة، كراهة ونهيا عن ذلك، وإلا لوقع ذلك كثيرا ؛ إذ الفعل مع وجود مقتضيه، وعدم منافيه : واقع لا محالة، والمقتضى واقع؛ فعلم وجود المانع، والمانع هنا هو: الدين، فعلم أن الدين دين الإسلام هو المانع من الموافقة، وهو المطلوب . الثاني : أنه قد تقدم في شروط عمر رضي الله عنه، التي اتفقت عليها الصحابة، وسائر الفقهاء بعدهم : أن أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، وسموا : الشعانين والباعوث، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها ؟ أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها ، مظهرا لها ؟ وذلك : أنا إنما منعناهم من إظهارها ؛ لما فيه من الفساد: إما لأنها معصية، أو شعار المعصية، وعلى التقديرين : فالمسلم ممنوع من المعصية، ومن شعار المعصية، ولو لم يكن في فعل المسلم لها من الشر إلا تجرئة الكافر على إظهارها لقوة قلبه بالمسلم إذا فعلها، فكيف وفيها من الشر ما سننبه على بعضه ؟ الثالث : ما تقدم من رواية أبي الشيخ الأصبهاني، عن عطاء بن يسار - هكذا رأيته، ولعله ابن دينار - قال : قال عمر : " إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم ". وروى البيهقي بإسناد صحيح في باب كراهة الدخول على أهل الذمة في كنائسهم، والتشبه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم: عن سفيان الثوري، عن ثور بن يزيد، عن عطاء بن دينار قال : قال عمر : " لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم ؛ فإن السخطة تنزل عليهم ". وبالإسناد عن الثوري ، عن عوف عن الوليد - أو أبي الوليد - ، عن عبد الله بن عمرو قال : " من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك، حشر معهم يوم القيامة " ." أستمع حفظ

3 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وروى بإسناده عن البخاري صاحب الصحيح قال : قال لي ابن أبي مريم: أنبأنا نافع بن يزيد ، سمع سلمان بن أبي زينب ، وعمرو بن الحارث سمع سعيد بن سلمة ، سمع أبان ، سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " اجتنبوا أعداء الله في عيدهم ". وروى بإسناد صحيح عن أبي أسامة، حدثنا عوف ، عن أبي المغيرة ، عن عبد الله بن عمرو قال : " من بنى ببلاد الأعاجم ، فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك ؛ حشر معهم يوم القيامة " وقال : هكذا رواه يحيى بن سعيد، وابن أبي عدي ، وغندر ، وعبد الوهاب عن عوف ، عن أبي المغيرة ، عن عبد الله بن عمرو من قوله. وبالإسناد إلى أبي أسامة، عن حماد بن زيد، عن هشام ، عن محمد بن سيرين قال : " أتي علي رضي الله عنه بهدية النيروز، فقال : ما هذه ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين، هذا يوم النيروز، قال : فاصنعوا كل يوم نيروزا ، قال أبو أسامة : كره رضي الله عنه أن يقول : نيروزا "." أستمع حفظ

4 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " قال البيهقي : وفي هذا : الكراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصا به . وهذا عمر نهى عن تعلم لسانهم، وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهم، فكيف بفعل بعض أفعالهم ؟ أو بفعل ما هو من مقتضيات دينهم ؟. أليست موافقتهم في العمل أعظم من الموافقة في اللغة ؟ أو ليس عمل بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم ؟ وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم ؛ فمن يشركهم في العمل أو بعضه : أليس قد يعرض لعقوبة ذلك ؟ ثم قوله : " واجتنبوا أعداء الله في عيدهم " أليس نهيا عن لقائهم والاجتماع بهم فيه ؟ فكيف بمن عمل عيدهم ؟ وأما عبد الله بن عمرو: فصرح أنه : " من بنى ببلادهم ، وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت ؛ حشر معهم " وهذا يقتضي أنه جعله كافرا بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور، أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار، وإن كان الأول ظاهر لفظه، فتكون المشاركة في بعض ذلك معصية ؛ لأنه لو لم يكن مؤثرا في استحقاق العقوبة لم يجز جعله جزءا من المقتضى، إذ المباح لا يعاقب عليه، وليس الذم على بعض ذلك مشروطا ببعض؛ لأن أبعاض ما ذكره يقتضي الذم مفردا وإنما ذكر - والله أعلم - من بنى ببلادهم ؛ لأنهم على عهد عبد الله بن عمرو وغيرهم من الصحابة كانوا ممنوعين من إظهار أعيادهم بدار الإسلام، وما كان أحد من المسلمين يتشبه بهم في عيدهم، وإنما كان يتمكن من ذلك بكونه في أرضهم . وأما علي رضي الله عنه، فكره موافقتهم في اسم يوم العيد الذي ينفردون به، فكيف بموافقتهم في العمل ؟ وقد نص أحمد على معنى ما جاء عن عمر وعلي رضي الله عنهما في ذلك، وذكر أصحابه مسأله العيد . وقد تقدم قول القاضي أبي يعلى : مسألة في المنع من حضور أعيادهم . وقال الإمام أبو الحسن الآمدي - المعروف بابن البغدادي - في كتابه : عمدة الحاضر وكفاية المسافر : " فصل : لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود، نص عليه أحمد في رواية مهنا واحتج بقوله تعالى : { والذين لا يشهدون الزور } ، قال : الشعانين وأعيادهم ، فأما ما يبيعون في الأسواق في أعيادهم فلا بأس بحضوره، نص عليه أحمد في رواية مهنا، وقال : إنما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم، فأما ما يباع في الأسواق من المأكل فلا، وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه لأجلهم " . وقال الخلال في جامعه : " باب في كراهية خروج المسلمين في أعياد المشركين " وذكر عن مهنا قال : " سألت أحمد عن شهود هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام، مثل : طور يانور ، ودير أيوب، وأشباهه، يشهده المسلمون، يشهدون الأسواق، ويجلبون الغنم فيه، والبقر، والدقيق والبر، والشعير، وغير ذلك ، إلا أنه إنما يكون في الأسواق يشترون، ولا يدخلون عليهم بيعهم ؟ قال : إذا لم يدخلوا عليهم بيعهم، وإنما يشهدون السوق فلا بأس " . فإنما رخص أحمد رحمه الله في شهود السوق بشرط : أن لا يدخلوا عليهم بيعهم ؛ فعلم منعه من دخول بيعهم . وكذلك أخذ الخلال من ذلك : المنع من خروج المسلمين في أعيادهم، فقد نص أحمد على مثل ما جاء عن عمر رضي الله عنه من المنع من دخول كنائسهم في أعيادهم، وهو كما ذكرنا من باب التنبيه عن المنع عن أن يفعل كفعلهم ." أستمع حفظ

13 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما الخطاب بها من غير حاجة في أسماء الناس والشهور - كالتواريخ ونحو ذلك - فهو منهي عنه، مع الجهل بالمعنى، بلا ريب، وأما مع العلم به فكلام أحمد بين في كراهته أيضا، فإنه كره : آذرماه، ونحوه، ومعناه ليس محرما . وأظنه سئل عن الدعاء في الصلاة بالفارسية فكرهه وقال : لسان سوء ! وهو أيضا قد أخذ بحديث عمر رضي الله عنه الذي فيه النهي عن رطانتهم، وعن شهود أعيادهم، وهذا قول مالك أيضا ؛ فإنه قال : لا يحرم بالعجمية، ولا يدعو بها ولا يحلف بها، وقال : نهى عمر عن رطانة الأعاجم وقال : " إنها خب " فقد استدل بنهي عمر عن الرطانة مطلقا . وقال الشافعي فيما رواه السلفي بإسناد معروف إلى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول : " سمى الله الطالبين من فضله في الشراء والبيع : تجارا، ولم تزل العرب تسميهم التجار، ثم سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمى الله به من التجارة بلسان العرب، والسماسرة اسم من أسماء العجم، فلا نحب أن يسمي رجل يعرف العربية تاجرا، إلا تاجرا، ولا ينطق بالعربية فيسمى شيئا بأعجمية، وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم: ولهذا نقول : ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها؛ لأنه اللسان الأولى بأن يكون مرغوبا فيه من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بأعجمية " . فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية، أن يسمي بغيرها، وأن يتكلم بها خالطا لها بالعجمية، وهذا الذي قاله الأئمة مأثور عن الصحابة والتابعين . وقد قدمنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما ما ذكره . وروى أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف، حدثنا وكيع، عن أبي هلال ، عن ابن بريدة قال : قال عمر : " ما تكلم الرجل الفارسية إلا خب، ولا خب رجل إلا نقصت مروءته " . وقال : حدثنا وكيع ، عن ثور ، عن عطاء قال : " لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا عليهم كنائسهم، فإن السخط ينزل عليهم ". وهذا هو الذي روينا فيما تقدم عن عمر رضي الله عنه . وقال : حدثنا إسماعيل بن علية، عن داود بن أبي هند، أن محمد بن سعد بن أبي وقاص سمع قوما يتكلمون بالفارسية فقال : " ما بال المجوسية بعد الحنيفية ؟. وقد روى السلفي من حديث سعيد بن العلاء البرذعي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم البلخي ، حدثنا عمر بن هارون البلخي ، حدثنا أسامة بن زيد، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالعجمية فإنه يورث النفاق " ورواه أيضا بإسناد معروف ، إلى أبي سهل محمود بن عمر العكبري حدثنا محمد بن الحسن بن محمد المقري حدثنا أحمد بن الخليل - ببلخ - حدثنا إسحاق بن ابراهيم الحريري حدثنا عمر بن هارون ، عن أسامة بن زيد ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالفارسية فإنه يورث النفاق ". وهذا الكلام يشبه كلام عمر بن الخطاب، وأما رفعه فموضع تبين . ونقل عن طائفة منهم، أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة من العجمية، قال أبو خلدة: كلمني أبو العالية بالفارسية، وقال منذر الثوري: سأل رجل محمد بن الحنفية عن الجبن، فقال : يا جارية اذهبي بهذا الدرهم فاشتري به نبيزا، فاشترت به نبيزا ثم جاءت به، يعني الجبن". أستمع حفظ

14 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفي الجملة : فالكلمة بعد الكلمة من العجمية، أمرها قريب، وأكثر ما يفعلون ذلك إما لكون المخاطب أعجميا، أو قد اعتاد العجمية، يريدون تقريب الأفهام عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص - وكانت صغيرة قد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها، فكساها النبي صلى الله عليه وسلم خميصة وقال : " يا أم خالد، هذا سنا " والسنا بلغة الحبشة : الحسن. وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال لمن أوجعه بطنه : " أشكم بدرد " وبعضهم يرويه مرفوعا، ولا يصح .". أستمع حفظ